رواية مقبرة الحب الأول للكاتبة جيهان عيد الفصل الثالث عشر
جلست سميرة مع عبد الرحمن وهي مكرهة، فكانت كالصنم، ضحكتها صفراء، وردودها فاترة، وكلامها رد على كلام زوجها، كانت كالمغيبة في عالم آخر، حتى مل عبد الرحمن وقال لها: قومى نامى يا سميرة، انتى قاعدة مالكيش نفس.
انطلقت سميرة إلى فراشها دون أن تراجع زوجها في كلمته، أو تجامله برغبتها في البقاء معه وقت أكثر، كانت كالمعتقل الذي فتحت له أبواب السجن فقر هاربا من أمام سجانه.
نامت تاركة عبد الرحمن لأحزانه، صلى ودعا ربه أن يهدى قلب زوجته له، وأن يصلح حالها وينور بصيرتها الغريب أن عزة كانت تصلى وتدعو في نفس الوقت تقريبا لزوجها.
ظلت سميره باردة جافة في مشاعرها تجاه عبد الرحمن، يتفاتى في إسعادها، ورغم ذلك كانت كمن طبع على قلبه، حتى عندما كان يتطوع للقيام بأعمالها المنزليه كانت لا تقول له كلمه شكر واحده، وكأن هذا واجبه، ويكفي أنها تنازلت وقبلت أن تعيش معه.
كما كانت عزه تتفانى في إسعاد عمر، وتلقى نفس معامله عبد الرحمن من سميره، نفس الجفاء ونفس بروده المشاعر، لم يسمعها يوما كلمه طيبة، وكأن عمر ومسيرة يعاقبان عزة وعبد الرحمن على عدم اكتمال قصتهما، وكأنهما المسؤولان عن تفرقهما.
لم يكن حال سميرة خافيا عن عبد الرحمن، وكذلك لم يكن حال عمر خافيا عن عزه، لكن كل منهما آثر الصمت والسكوت، حتى لا يحدث ما يحمد عقباه، كلا منهما يعلم أن النار تحت الرماد، فآثر أن يتركها خامدة وهو يعلم أن يوما ما سينفجر البركان وتصيبهما حممه، كانا فقط يدعوان الله أن يكون هذا اليوم بعيدا جدا، وأن يظلا في السعادة الوهمية مع حبيبا لم تتحرك لهما مشاعره يوما ولو لحظة واحدة، حبيبا أجبرته الظروف على أن يكون شريكا لهما، جسدا بلا قلب.
لم يكن الأمر صعبا على عبد الرحمن وحده بل كان صعبا أيضا على سميرة، كانت تقضي يومها بالهروب في العمل وتأتي إلى المنزل تجلس ساعه أو أقل ثم تهرب من جديد إلى النوم، وتكون محظوظه لو غلبها ونامت سريعا، والا ظلت تتقلب طوال الليل في أرق، وهي تفكر في الرجل الوحيد الذي سكن قلبها للأبد، ولم يسمح لغيره بالدخول أبدا، وما بين الحنين والشعور بالذنب تمر ساعات الليل الطويلة، ألف شعور يتصارع بداخلها وقلبها لا تملك من أمره شيئا، حتى عندما كانت تصلى كانت تدعو الله أن يريحها وأن تنسي الماضى وأن يخرج عمر من قلبها مادام لم يعد نصيبها، لكن يبدو أنها كانت تدعو وقلبها رافض ويدعو بالعكس.
وعلى الجانب الآخر كان عمر أيضا يهرب بالعمل، حتى عندما وجد عملا إضافيا كانت فرحته بوجود شي يبعده عن المنزل وعن عزة أكبر من فرحته بزيادة دخله، حتى أنه لم يبحث عن تفاصيل الأجر، كل ما كان يهمه كم ساعة سيبعد عن المنزل، وكالعادة ربط صاحب العمل الأجر بساعات العمل، فأضطر عمر للعمل لأطول وقت ممكن، فأصبح لا يعود الى المنزل الا قرب منتصف الليل، فزادت هموم عزة هما جديدا، كان عمر أمامها وبعيدا عنها، لكن يكفى أنه بجوارها تستأنس به، أما الآن فأصبح بعيدا، يأتى ليتناول طعامه وينام، وهو غير مستعد لأى نقاش أو حوار مع من اعتبرته كل عالمها، ورغم هذا لم تتذمر ولم تشك، وظلت ابتسامتها تعلو وجها كلما نظر لها عمر أو نظرت هي له.
التعليقات