رواية بين الرذاذ للكاتبة أنستازيا الفصل التاسع
كتاليا: مررت يدي أسفل معدتي بألم بينما أنتهي من ترتيب سريري، أعتقد أنه من الضروري تناول مسكن للتخلص من هذا الألم، لم أكن في الأمس في مزاج يسمح لي بترتيب الفوضى التي افتعلها ذلك الصغير المزعج، لذا اكتفيت بترتيب سريري في الأمس وها انا قد انتهيت أخيراً من ترتيب الخزانة والفوضى للتو و اللمسات الأخيرة بوضع الغطاء على السرير.
بحثت في ادراج المنضدة عن مسكن الألم ذو العُلبة الكرتونية ذات اللون الزهري ولكنني لم أجده، اتذكر جيداً أنني وضعتها هنا! هل عبث بهذه الأدراج أيضاً؟
واصلت البحث دون جدوى لذا لم يكن مني سوى تناول مسكن آخر قد يفي بالغرض. لا أصدق أنني نظفت الفوضى ورتبت المكان رغم الألم المزعج، أحتاج أيضاً إلى تدفئة قدماي جيداً وإلا سأستلقي من شدة التعب ولن أستيقظ حتى الغد! جلست على طرف السرير وانحنيت قليلاً أغمض عيناي محاولة تجاهل الوهن والألم.
لا فائدة. لن أرتاح حتى أخذ المسكن المعتاد والذي واللعنة لا أدري أين اختفى! سأخبر جاك أنني لن أذهب إلى العمل اليوم. راسلته بإيجاز وأخبرته أنني سأحضر إلى المقر غداً فأخبرني بتضمين جلسة تصوير في الغد ضمن جدولي مع ستيلا في تمام التاسعة.
لفت انتباهي بعض الحاجيات الخاصة بالكاميرا لم تكن في مكانها في الحقيبة السوداء متوسطة الحجم لذا كشرت بوجهي وتحركت بإنهاك للتعامل مع الوضع ولكنني سرعان ما لويت شفتي ممتعضة وانا ارى ان الكاميرا قد تم العبث بها أيضاً، هذا الفتى سيفقدني صوابي. إن كان الأمر وصل إلى هذا الحد باستخدام الأمر الوحيد الذي يسليني. فهذا يدعو إلى القتل بالفعل.! هذه الكاميرا هي أول واحدة أقوم بشرائها قبل أكثر من اربعة أعوام.!
تفحصتها وانا انظر إلى الشاشة بقلق.
كما توقعت، لقد تجاوز حده هذا الصغير.
من الواضح انه كان يمسكها بإهمال وقد عبث بها واستخدمها دون أدنى حق، التقط بالخطأ صورة لأنفه عن قرب دون أن يدري.!
حسناً إنه دليل ممتاز لإدانته على جريمته في الوقت المناسب.
بل وصورة لإحدى عينيه بالخطأ، وصورة مجدداً لأنفه بل وتكاد تخترق عظمة أنفه وصولاً إلى أفكار رأسه!
وصورة أخرى للغرفة هنا ومشوشة نوعاً ما، آه يا كتاليا من الواضح ان الإله أرسل هذا الصغير إلى الحياة عقاباً لكِ! أكره أن يتم لمس أغراضي الخاصة! مسحت الصور بإنزعاج وأغلقت الكاميرا.
ابتلعت قرص آخر وشربت من قارورة الماء ثم وضعتها على المنضدة قبل أن أسحب كلتا قدماي لأنزل ما ان سمعت صوت السيد هاريسون ينادي.
دانيال:.
أمسكت بوسادتي والغطاء لأحملهما من على الأريكة التي نمت عليها في الأمس ليلاً بعد شجاري مع كارل، امتعضت لغضب أبي مجدداً وهو ينادي بتلك الفتاة لتنزل لتناول الفطور وها هو ذا ينظر إلى واقفاً عند باب المطبخ: تحتاج إلى أكثر من نصف ساعة لتأخذ أغراضك إلى الغرفة وتستفيق؟ تحرك الفطور جاهز هل أعده كارل ليتناوله بمفرده؟
رمقته بإنزعاج ولم أعلق، لمحت كارل قد خرج من المطبخ منهمكاً بالنظر إلى هاتفه وينوي الخروج من غرفة المعيشة، تحركت أحمل الغطاء والوسادة وما ان مررت بجانبه حتى تعمدت دفع كتفه بعنف.
وقف في مكانه ينظر إلى بهدوء واستنكار قبل ان يتنهد بصمت.
دخلت إلى الغرفة والقيت بما في يدي على سريري وقبل ان اخرج استوقفني بهدوء: اخذت حصتك الكافية في الجدال والشجار لذا يكفي. انتهى الحديث منذ الأمس ولا داعي لكل هذه الجلبة أو التصرفات الصبيانية.
أضاف بإحباط يجوبه جدية: كان على أن أتوقع ردة فعلك منذ البداية وأغلق فمي وحسب.
جمدت ملامحي وقلت بجفاء: ان واصلت رفض اعلامي بتفاصيل المكان الذي رأيته فيه فأنا لن أتردد في البحث عنه في كل ركن في المدينة.
نفي برأسه بإنزعاج واخفض صوته بحذر: كفاك سخفاً! لو علم أبي بما تخطط له فسينهي أمرك بلا تردد!
كورت قبضتي أتمالك نفسي أقبل ان اطرف ببطء واشيح بوجهي: لم ينتهي أي شيء برحيله عن العائلة، لا زال عليه أن يُلقن درساً، ترك خلفه فوضى يصعب التعامل معها وديون تثقل كاهلنا وستكسر عاتق أبي فكيف بحق الإله ترغب في التأقلم على رحيله؟
ولهذا تحديداً عليك أن تقتنع بفكرة التكيف والتأقلم! لأن رحيله عن القرية كان مفاجئاً بعد تلك الفوضى التي أحدثها! لماذا نحن هنا منذ ستة أشهر! بسبب من نقوم بتسديد ديون أهل القرية؟ وبسبب من تخلى أبي عن كل شيء هناك؟ الجميع عاجزين لذا لا تحاول التصرف مثل البطل الذي.
لا ينتهي الأمر برحيله، وانما بعودته لتصحيح كل الأخطاء التي ارتكبها في حق الجميع!
أعقبت بحقد وقد جزيت على أسناني بقهر: وباعتذار كافة أهل القرية إليه! ولاسيما الحثالة الذين لم يتركوه وشأنه منذ البداية! أنا لن أقف مكتوف الأيدي ان كان هذا ما قررته كارل.
هل فقدت عقلك؟ أقسم أبي أنه تبرأ منه ولم يعد جزء منا ولا يمكنني لومه! هل ستقنعني أنك تعاني أكثر من أبي؟ بأنك متضايق ومكسور أكثر منه؟ هذا يكفي دان. لم نتوقف عن الشجار منذ الأمس لقد نفذت طاقتي بالفعل لذا تعقل!
تحركت بعدائية وتجاوزته بصمت.
عن أي عقل يتحدث تحديداً؟ وكأن هذا وارد. لقد فقد الجميع عقولهم فلماذا أكون الوحيد العاقل بحق الإله!
خرجت من الغرفة لألمحها قد نزلت للتو فقط، رمقتها بحدة وقلت دون أن أقف: قلتِ بأن جلسة التصوير تحين عند الثامنة والنصف. سأكون هناك في الوقت المحدد.
استشعرت دهشتها وعدم استيعابها ومع ذلك تجاهلت كل ما حولي وانتهي بي الأمر أجلس لأتناول الفطور أساير حديث لاري الذي يجلس بجانبي.
لحظات حتى اكتمل العدد على طاولة الفطور وقد استقرت هي بجانب أبي كالعادة، وحينها ادركت انني من أجلس بجانبها على يسارها.
التقت عيناي بعينا كارل الذي يبدو هادئاً منزعجاً بشدة وهو يسترق النظرات المتقطعة نحوي، اشحت بناظري عنه واخفضت عيناي إلى طبقي، أنهيت طعامي بسرعة ووقفتُ متمتماً: لنجتمع في الرابعة مساءً، غداً سيتم افتتاح ركن جديد في المركز التجاري.
أومأ كيفين بينما صاح لاري بحماس: حسناً.
تابعتني عينا أبي بإستنكار وتمعن رغم صمته بينما أتحرك لأخرج من المطبخ، كنت أنوي البدء بتغيير ملابسي لولا ان سمعت صوتاً أنثوياً خلفي: مهلاً!
وقفت في مكاني بترقب فقالت بصوت مترع بالراحة والحماس: لقد تم تأجيل جلسة اليوم، ستكون غداً ظهراً بعد انتهائي من جلسة تصوير مع إحدى العارضات، أنا ممتنة لك دانيال.! لم أتوقع أن تغير رأيك بسرعة! سعيدة جداً بأنك.
قاطعتها بإقتضاب اتجه إلى الدرج لأنزل: أفعل هذا لأجلي. لا تزعجيني.
مررت المنشفة الصغيرة على شعري لأجففه بعد ان انهيت استحمامي ودخلت إلى غرفة المعيشة، إنها الرابعة! ولا يوجد أحد سوى لاري المفعم بالحماس وقد كان أول الواصلين.
تأففت وأشرت له بإنزعاج: أخبر كيفين وكارل ان يسرعا!
تحرك لينادي كلاهما وما ان خرج حتى انتبهت لمن دخلت ممسكة بكوب قهوة جعلت أبي يساعدها لتعده! ما الذي تجيد هذه الفتاة فعله تحديداً؟ كانت عاجزة حتى عن إعداد مجرد كوب شراب ساخن!
كنت جالساً على الأرض وامامي ورقة مطوية بحجم كبير بعض الشيء، في حين تقدمت هي وجلست على الأريكة خلفي فامتعضت: ماذا عن الجلوس في غرفتك؟
اعترضت بهدوء: قال السيد هاريسون انني سأعيش هنا ولم يقل لي سأمكث في الغرفة طوال الوقت.!
أعقبت بسخرية تضع قدماً على الأخرى: يفترض أنني بعيدة بما يكفي صحيح؟
تجاهلتها وابتعدت من تلقاء نفسي لأكون اقرب إلى التلفاز.
لمحتها بنظرة سريعة لأراها تعقد حاجبيها قليلاً وبدت منزعجة بطريقة ما ولونها قد امتقع بعض الشيء!، بل وأنزلت يدها تمررها على معدتها قبل ان تأخذ وسادة الأريكة الصغيرة وتحتضنها وتعبث بهاتفها.
لحظات حتى دخل كيفين وكلتا عينيه تتجولان على الكتاب بين يديه فعلقت بتهكم: يبدو انك ستلفظ آخر انفاسك ان توقفت عن تعاطي الكتب!
انتبه لوجودها على الأريكة فرمقني بنظرة استنكار فرفعت له كتفاي بلا حيلة وعدم اكتراث، فما كان منه سوى ان جلس على الأرض بجانبي. ثم كانت ثواني فقط ودخل لاري وبرفقته كارل الذي جادلته بجفاء: تجاوزت الرابعة مساءً!
تباً لازلت أرغب في الشجار معه!
عقد حاجبيه: منذ متى أصبحت دقيقاً بشأن الوقت توقف عن البحث عن حجة للشجار! لقد كُنت أقوم بكّي الملابس ولماذا قد اتأخر! بالمناسبة يوجد الكثير من الزبائن في الأسفل.
أومأت بفهم: سأنزل لأساعد أبي ولكن لننهي اجتماعنا بسرعة أولاً الموضوع لا يحتمل التأخير.
اجتمعنا وقد كان كارل يجلس مقابلي وبجانبه لاري، وضعت الورقة المطوية في المنتصف لأفردها وانزلت المنشفة الصغيرة على عاتقي.
نظرت إليهم بجدية: لقد درست الموضوع جيداً، غداً في تمام السادسة مساءً سيتم افتتاح الركن الجديد الخاص بالخضروات والأطعمة المعلبة في المركز التجاري.
علق كيفين بهدوء: تخطط لأن نذهب قبل وقت الافتتاح ونفترق هناك؟
ابتسم لاري بسعادة: هذه المرة سأكون أسرع في جمع الأشياء.
ابتسمت بمكر أشير إلى هيكل البناء الخاص بالمركز التجاري على الورقة: حمقى، الهدف ليس الركن الجديد تحديداً، سيتجه الناس إليه ويحدثون زوبعة في المكان لذا هي فرصتنا لشراء المنظفات التي سيكون عليها تخفيض ب. بنصف. القيمة.
تلعثمت رغماً عني استشعر العيون الرمادية التي لا تتوقف عن التحديق إلى بتمعن وتركيز.
تنحنحت وتمالكت نفسي أتظاهر بالتركيز على الورقة أشير بسبابتي: أنظروا، هنا حيث سننقسم ونجمع المنظفات، ولكنني لا زلت أحتاج إلى وجودك في هذه النقطة كيفين.
استغرب ونظر حيث اشير إلى قسم منتجات الألبان: لماذا؟
أجبته بهدوء احدق إليه بعين ضيقة: في الأسبوع القادم سيحين دور هذه المنتجات لعرضها للبيع بسعر منخفض، أريدك ان تحتسب تكلفة تقريبية لها لندخر المال الكافي إلى ذلك الحين. لذا دع مهمة شراء المنظفات غداً لنا نحن الثلاثة.
دفع نظارته أعلى انفه بسبابته وأومأ بفهم.
شعرت بجفاف حلقي والضغط الشديد مدركاً أنها لم تتوقف عن التحديق إلى وهذه المرة لمحتها. تتأملني بشرود واضح!
لا يجب أن أتوتر.
يفترض أنني قطعت شوطاً.
سأتجاهل وجودها وحسب!
شعرك المبتل يجعلك تبدو جذاباً أكثر، يمنحك مظهراً مثيراً.!
اتسعت أعيننا ننظر إلى الورقة في المنتصف بذهول وقد تسمرنا تماماً.!
عُذراً؟
هل يتم مغازلتي علناً بحق خالق الكون!
بالكاد طرفت بعيناي وفغرت فمي بعدم استيعاب قبل أن أرمقها بنظرة سريعة وأعيد ناظري إلى الورقة.
حدق كارل إلى بدهشة قبل ان يتنحنح محاولاً تجاوز الوضع، بينما نزع كيفين نظارته يمرر يده على عينيه وعقد حاجبيه يزم شفتيه بقوة.
كانت ثواني فقط حتى زمجر لاري بغيظ منادياً بصوت عالي: أبي! داني يتعرض للتحرش.
وضع كارل يده على فمه بسرعة يستوقفه فحاول التملص منه بينما نظرت إليها والدماء في عروقي تغلي كالبركان الثائر ليخرج صوتي متهدجاً: تحلي بالأخلاق والمبادئ ولو لمرة! ليس مجدداً أمام عائلتي على الأقل!
ردد كيفين بتفاجؤ: م. مجدداً؟
تباً!
وجدتها قد رفعت حاجبيها باستغراب قبل ان تقول: لماذا كل هذا الانفعال لقد كنت أثني عليك وحسب! راودتني فكرة رائعة للدعاية التسويقية للغد! لماذا لا يكون زيك العسكري مبتل و شعرك كما هو الآن، وقد نختار موقع للتصوير خارج الاستديو!
هل هذه هي طريقتك المتعارف عليها في الثناء!
قلتها بتوتر قبل ان أمسك بالورقة ووقفت بحزم: انتهى الاجتماع سأنزل لمساعدة أبي لا يمكنني البقاء هنا لثانية واحدة. احذرو جميعكم لست وحدي عُرضة للتحرش اللفظي لا أضمن بقائكم آمنين!
تأففت احاول تخفيف الاضطراب الذي ينتابني وخرج الجميع خلفي فوراً.
قبل أن أنزل استوقفني صوت كيفين منادياً بإسمي ببرود، نظرت إليه من فوق كتفي ليقترب أكثر وتساءل بهدوء: هل التقيت مؤخراً بجماعة ذلك المتنمر من مدرستي؟
أومأت بتثاقل: آه وانضم إليهم معتوه جديد بلون شعر فاقع.
زفر بإنزعاج: كما توقعت! لماذا لم تتجاهلهم وحسب! في كل مرة تتشاجر معهم يحاولون النيل مني انتقاماً لكرامتهم!
ضربت كتفه أغمز له بخبث: لا شكر على واجب.
ابعد يدي مقتضباً: ابتعد عني لم أطلب مساعدتك إنهم مجرد حفنة من الحمقى لماذا لا تتوقف عن الجدال معهم كلما رأيتهم!
سألته بحزم: هل حاولوا إيذاءك؟ ضايقوك مجدداً! تحدث والا لكمتك!
قلّب عينيه بنفاذ صبر: لا فائدة. أنا منهك منك دانيال توقف عن تهديدهم والتوعد لهم لست متفرغاً للمسائل السخيفة التي يثيرونها كلما رأوا وجهي! أريد التركيز على دراستي وحسب!
رفعت كتفاي ببرود: وما شأني إن كنت تخطف أنظار تلك الفتاة التي يبدو الجميع واقعاً في حبها.
اشمئز معترضاً: أخبرتك مسبقاً أن أمرها لا يهمني إطلاقاً! لن أزعج نفسي بأي أمر لا يمت للدراسة بأي صلة!
ضاقت عيناي بشك: هذا غريب.
وضعت يدي على كتفه وهمست في اذنه: لا تهتم بأمرها؟ لماذا يتحدثون دائماً وكأن أمر ما بينكما يا ترى! إلى أي مستوى تقدمت كيفين؟ هل. تنوي مواعدتها مثلاً؟
انزل يدي وتمتم ببرود: وكأنني سأهتم بفتاة ثرثارة مثالية أكثر من اللازم ومزعجة مثلها. أياً يكن لا تقحمني في مشاكلك معهم لست متفرغاً لإهتماماتهم السخيفة.
استدار ليعود أدراجه إلى الغرفة فتابعته بعيناي بهدوء قبل ان أنزل لأساعد أبي.
هناك أربعة زبائن في انتظاره، باشرت فوراً ارتدي حزام الحلاقة حول خصري وأشرت بذقني لأحدهم ان يجلس على الكرسي فتحرك من تلقاء نفسه وجلس في انتظاري، كدت أبدأ لولا ان قال أبي منهمكاً في عمله: ذلك الصندوق الكرتوني لكَ على ما يبدو.
نظرت حيث يقصد فوق احدى الطاولات في الزاوية فتقدمت باستغراب وقد رفعت ورقة صغيرة مطوية ملصقة عليه.
دانيال
مكتوب عليها اسمي!
هدية؟
فتحت الصندوق باستغراب وقد زادت حيرتي أضعافاً مضاعفة أنظر إلى ما يحتويه!
حذاء رياضي جديد؟
عقدت حاجباي بحيرة شديدة وأمسكت بفردة واحدة أنظر إليها بتفاجؤ، انها علامة تجارية رياضية معروفة! جودة هذا الحذاء ليست بعادية، مهلاً.
طرفت بعدم استيعاب ونظرت إلى أبي: من أحضر الصندوق!
أجاب ببرود: لا فكرة لدي، أدخله هذا الرجل.
نظرت حيث يشير إلى الزبون الذي أجلسته على الكرسي قبل ثواني ليجفل فجأة عندما رمقته باستنكار ويقول نافياً: لم أكن من وضعته أقسم بذلك! عندما اتيت وجدته أمام الباب لذا أدخلته معي.
سألته بهدوء: لم ترى من وضعه أمام الباب؟
إطلاقاً، كان موجوداً مسبقاً قبل وصولي إلى المحل.
هذا غريب.
من أرسل الصندوق! ولماذا قد يرسل أمراً أحتاج إليه بشدة؟
من على علم بحاجتي إلى حذاء رياضي جديد؟ لا أتذكر أنني أخبرت أحداً بذلك.
أعدت الحذاء إلى الصندوق وأغلقته، ليس وكأنني سأستخدم حذاء لا أدري من قد يهديني إياه أو لماذا، ثم تكلفة هذا الحذاء ليس من السهل تسديدها حتى.
قد يتضح هذا لاحقاً، لا بأس.
بدأت أزاول عملي لألمح نظرات أبي المتمعنة الهادئة نحوي.
يشك بي؟
ابتسمت بلا حيلة ورمقته بنظرة مترقبة فأشاح بوجهه بحزم.
كتاليا:
أشعر برغبة في النوم، ولعله تأثير ذلك المُسكِن.
بقيت على الأريكة في غرفة المعيشة بل واستلقيت عليها بينما أعبث بهاتفي.
ولعل تحديث المدونة كان سبباً في نسيان الألم المزعج في معدتي، وأخيراً.
لم أكن ألمح الشهب حين كنت أتمنى الكثير!
ولكنها ملأت غطاء السماء عندما توقفت عن التمني.
هل تقصد الشهب أن تذكرني بما فقدت فيه نفسي بالأمس؟
أم باتت عيناي ترصد وسيلة التمسك بمنافذ تحقيق الأمنيات!
شرد ذهني أتأمل عمق كلماته وسرحت كثيراً دون التوقف عن العبور بين فكرة وأخرى.
بل ووجدتُ نفسي أقرأها مراراً وتكراراً.
أي نوع من الأمنيات لا زلت أرغب في تحقيقها؟
الكثير.
أو ربما.
هي أمنية واحدة فقط ستساهم في تحقيق العديد من الأمور التي لطالما حلمت بها.
أن أصبح شخص أفضل.
هذا كل ما أريده!
هل غطيت في النوم دون أن أدرك!
هذا ما أدركته عندما تهاوى على مسامعي أصوات خشنة.
فتحت عيناي بتثاقل شديد مدركة أنني استلقي على الأريكة منذ ذلك الحين، أسمع صوت دانيال يتذمرلسبب ما على بعد مسافة.
تقلّبت بتعب امرر يدي على معدتي قبل أن أجفل بخوف لوجود كيان يقف بجانب الأريكة.
اعتدلت اتكئ على مرفقي قبل ان اطرف بحيرة: سيد هاريسون؟
كان يقف ممسكاً بيده بغطاء خفيف وخمنت أنه كان ينوي وضعه على جسدي!
اعتدلت لأجلس ليتمتم ببرود وجفاء: استيقظتِ، لا حاجة للغطاء إذاً.
تابعته بعيناي بإستغراب وهو يتحرك ليخرج من غرفة المعيشة، أخفضت ناظري إلى يدي التي أضعها على معدتي قبل ان تتجه مقلتاي إلى الطاولة التي قام بتقريبها من الأريكة واضعاً عليها كوب شراب ساخن.
انشرح صدري رغماً عني وقربت الكوب لأمسكه بين يداي أضم قدماي إلى على الأريكة.
ربما يدرك أنني لست بخير وأعدّ الكوب بنفسه.
هذا الرجل.
عنيف لطيف!
ابتسمت بهدوء أرتشف من الكوب قبل أن يرتجف بين يداي وقد ذعرت لصوت بكاء عالي وخطوات سريعة لشخص يركض!
ولم تكن سوى لحظات فقط حتى رأيت لاري يدخل بوجه شاحب وهو يبكي ليدخل المطبخ بسرعة، ثواني حتى تفاجأت بدانيال يدخل خلفه باحثاً عنه، انتبه لي ورمقني للحظة فأشرت بسبابتي إلى المطبخ فأسرع يلحق به.
ما خطبهما!
خرج يمسكه من ذراعه يرغمه على التحرك معه وهو ينهره بغضب: توقف عن إتلاف أعصابي لاري! لازال أمامك أكثر من فرض مدرسي لتقوم بحله! سحقاً لماذا على إهدار وقتي كلما كان لديكَ فروضاً او اختبارات لعينة!
كان يرجوه يحاول التملص منه بينما يبكي: سأقوم بحل الفروض قبل النوم دعني! سيبدء البرنامج على التلفاز الآن أريد متابعته، هذه المرة سيتحدثون عن الحشرات التي تعيش في الأمازون! داني أرجوك.
ولكنه سحبه معه واستكملا شجارهما في الغرفة على ما يبدو!
فوضى.
هذا المنزل حقاً.
فوضوي ولا يمكن للمرء العيش فيه بسلام!
تحركت واخذت الكوب معي لأصعد إلى الغرفة.
دانيال:
زفر كيفين بإنزعاج وقال بينما يأخذ كتبه بغضب: سأذهب للدراسة في المكتبة العامة، تباً انتما مزعجان جداً!
أعقب قبل أن يخرج من الغرفة: لاري أخبرتني أنك وجدت أقراص للصداع أين وضعتها؟
أجابه بنبرته الباكية: في درج المنضدة. الأول.
عاد كيفين يبحث في الدرج قبل أن يأخذ الأقراص على عجل فقلت: توقف عن تناول المسكنات كلما شعرت بالصداع! ستدمنها بلا شك!
أشار بيده بلا اكتراث وخرج مسرعاً، قلّبت عيناي قبل أن أنظر إلى لاري بحدة أجلس معه على سريره بحزم: هيا أكمل!
أومأ يسحب ماء أنفه ويحاول منعه شهقاته.
ليستأنف حل المسألة الرياضية التي وقع فيها بالخطأ نفسه مرارا وتكرارا فقط لإنشغال ذهنه بالبرامج التلفزيونية.
اشرت بسبابتي على الكتاب: انتبه لهذه الأقواس هنا، ان أردت اللهو كما تشاء فلتنهي فروضك اولاً! لحظة لماذا كتبت هذا الناتج!
انفجر باكياً: ولكنني احتسبت الأرقام في الأقواس أولاً!
تنهدت بلا حيلة وأخذت القلم: أنصت مجدداً، ستبدء بالأقواس لا تتسرع وتبدأ باحتساب الأرقام الأخرى! سأساعدك في هذه المعادلة وركز معي جيداً، لا زال على اعداد العشاء لا تهدر وقتي.
وضعت الغطاء على القدر لينضج الطعام، خرجت من المطبخ لأتفقد لاري خلسة وقد فتحت باب الغرفة دون ان ينتبه فوجدته يقوم باستكمال فروضه المدرسية وهو يلعق دموعه التي بللت وجنتيه ليتذوقها.
تراجعت للوراء وما ان نويت العودة إلى المطبخ حتى توقفت وقد لفت نظري قدمين عند نهاية الدرج المؤدي إلى الغرفة العلوية!
إنها هي.
تقدمت بإستنكار أميل برأسي لليسار لأنظر إليها وقد وجدتها تجلس على الدرجة الأخيرة بالفعل تسند رأسها على الحائط، انتبهت لي لترفع عينيها نحوي فاستنكرت الشحوب الذي يعتلي وجهها بوضوح.
تراجعت للوراء دون أن أتفوه بكلمة وتجاهلت الأمر برمته، سمعت صوت هاتفها الذي تعالى رنينه ثم خطواتها تبتعد لتصعد بسرعة.
زفرت ونظرت للوراء مجدداً.
ما كان ذلك للتو؟
هل هي بخير؟
مضى الوقت حتى اجتمعنا على طاولة العشاء، كيفين لا يبدو بخير وأظن الصداع لم يغادر رأسه بعد، هذا الأحمق سيقتل نفسه بين الكتب! عليه ان يرتاح قليلاً.
لاحظه أبي كذلك وعلق بجمود: لم تتحسن بعد؟
نفي برأسه وتلك التقطيبة تنم عن الألم بين حاجبيه: أنا بخير. مجرد صداع لا داعي لتهويل الموضوع.
مضغت الطعام بهدوء وبطء في حين ظل أبي يحدق إليه وقد ترك ملعقته متكتفاً حتى تنهد بعمق وقال: علاماتك مرتفعة في جميع الأحوال، لماذا تستمر في كل هذا. تنام ساعات معدودة وتنهك نفسك بالدراسة، كن معقولاً وإلا انهار جسدك.
أيدته فوراً: صحيح! معدلك يؤهلك لأخذ منحة إلى أي جامعة. لا تبالغ ستهلك لا محالة!
ظهر شيء من الإنزعاج على وجه كيفين وقد تذمر ببرود يجوبه نفاذ صبر: تعلمون جيداً ما أطمح إليه وما أبذل جهدي لأجله!
أعقب بتردد رغم بروده: أبي أخبرتك. أنني أريد بعثة للدراسة في الخار.
أجفل والتزم الصمت ما ان وقف أبي بغضب وقد برزت عروق صدغيه، ومع ذلك قال بهدوء مترع بالجفاء: النقاش في هذا الموضوع منتهِ تماماً. لا تفتحه مجدداً.
سار بخطى تنم عن غضب مكبوت بصعوبة وخرج من المطبخ، عبس لاري هامساً: كيفين!
مررت يدي في شعري بإضطراب وإنزعاج، أعدتُ ظهري لأسنده على مسند الكرسي هامساً بنبرة منخفضة: مغفل، تعلم أن محاولة اقناعه بالدراسة خارج البلاد لن تعود بالنفع. توقف عن ذكر هذا الموضوع وتفهّم أسبابه!
تجهم وجهه بشدة وتصلب فكة والإنزعاج بادٍ عليه، مرر يده على صدغه بألم قبل ان يترك الطاولة وطبقه مبتعداً وخرج من المطبخ.
عقد لاري حاجبيه بعدم رضى وأسرع خلفه.
ها قد آلت الأمور إلى هذا المنحنى مجدداً كلما ذكر موضوع الجامعة الذي يستفز أبي!
اسندت مرفقي على الطاولة ونظرت إلى طبق أبي الذي أنهى نصفه فقط، ثم طبق كيفين ولاري كذلك.
لماذا أبذل مجهوداً في طهي الطعام إن كانوا سيتشاجرون أثناء العشاء!
تنهدت بلا حيلة قبل أن أستوعب من لا تزال تجلس بجانبي.
أنا. وحدي معها!
لم أعد أرغب في تناول الطعام فجأة! لقد جف حلقي تماماً. هنالك طبال محترف يقرع الطبول بعنف في صدري.!
علي أن أنسحب بسرعة.
كان هذا ما قررته قبل أن أستنكر شرود ذهنها بينما تمضغ الطعام ببطء، طبقها لا يزال ممتلئاً، بالكاد أكلت بضعة ملاعق.
أتساءل مجدداً ما إن كانت على ما يرام! لا تبدو على طبيعتها.
ربما. أكثر هدوءاً؟
هاتفها على الطاولة بدأ بالرنين فأسرعت تقلبه على الشاشة وتصمته لتتسمر في مكانها لثواني قبل ان تأخذه بقبضة قوية وتخرج من المطبخ.
عقدت حاجباي أتابعها بعيناي بإستنكار شديد!
لم تتفوه بحرف واحد حتى على طاولة العشاء، لم تنظر إلى أحدنا أو تحاول التملق أمام أبي.
تكتفتُ وبقيت جالساً في حيرة من أمري. ثم سرعان ما بدأت بترتيب المكان ووضع طعام كارل في أحد الأطباق ليتناوله لاحقاً بعد عودته من العمل.
ولكن صدقاً.
هل هذه الفتاة بخير؟ صمتها وهدوءها يثير الشك والتساؤلات!
كتاليا:
أسندت ظهري على باب الغرفة وقد عاد رنين هاتفي يلعب بأعصابي مجدداً، لا حل آخر. سأحظر رقمه!
ولكنني واللعنة غاضبة.
غاضبة من رسائل التهديد التي تصلني منه اليوم ولم يتوقف عن الاتصال بي.
أنا حقاً لا اصدق مدى جرأته.
ما الذي يريده الآن! هل ذهب إلى الشقة ليبحث عني ولم يجدني؟ سينتقم لما فعلته به؟
أنا متعبة ومنهكة وأعصابي لن تحتمل سماع صوته!
كما لا أريد ان امهله أي فرصة.
سأحظر رقمه تماماً.
سأفعل هذا حتماً ولكنني أولاً سأجيب عليه! أرغب وبشدة في تفريغ غضبي ولو قليلاً! منزعجة وشعور موحش يسيطر علي، سأندم حتماً إن أجبت عليه أعلم هذا ولكن.
فليكن!
وضعت الهاتف على أذني بصمت دون أن أتفوه بحرف واحد، كما يبدو انه ينتظرني لأتحدث أولاً!
لحظة ثقيلة جداً من الصعب احتمالها، وكأن الهواء ثقيل والحيز من حولي يتقلص بإستمرار!
يمكنني سماع أنفاسه اللعينة.
لديكِ الجرأة الكافية لتجيبي على اتصالي.
اليس كذلك؟
نبرته هادئة إلى حد غريب. وهذا جعلني أعض على طرف شفتي وانتابني الخوف رغماً عني. ومع ذلك سألته بنبرة باردة متهكمة! لقد اختفى الغضب الذي كان يسيطر على للتو. ليحل مكانه الجزع والذعر الذي جعلني ارتجف في مكاني أترقب ما سيقوله!
تعتقدين بأنكِ نفدتِ بجلدك؟
أعلم أن نفسك طويل جداً باتريك، أعلم أنك لن تستسلم وتكره الهزيمة التي تخوضها الآن. تماماً مثل جرذ المجاري الذي يتنقل من أنبوب إلى آخر دون كلل أو ملل، صعدت إلى السطح ورأيت نور الشمس أخيراً ولكنني أعدتك إلى بيتئك القذرة مجدداً، لا بد وأنك تشتعل غضباً.
ضحك بخفوت وهمس بنبرة لطيفة: كم أعشق كلماتك القوية. أحتاج إلى عناق دافئ كات.
أضاف وقد شعرت به يبتسم بتهكم وسخرية: إلى أي مدى أنتِ حمقاء؟ خرجتِ من شقتكِ ببساطة إذاً؟ ماذا عن عملكِ يا ترى؟ تعتقدين أنكِ توصلت إلى الحل الأنسب بترك شقتك!
أنا لست مغفلة إلى هذه الدرجة، أعلم أنني قد أرى وجهك الذي يثير الإشمئزاز قريباً جداً. ولكنني أعدك أنك ستكره تلك اللحظة وستتمنى لو لم تعرفني طيلة حياتك.
كم هي جميلة. هذه الرجفة في صوتك، لا داعي لكل هذا الخوف صغيرتي. وتعليقاً على جملتكِ الأخيرة، في الواقع هذا ما أردت قوله لكِ.
أعقب ببرود: أنصتِ أيتها العاهرة، قريباً جداً. سيكون لنا لقاء عاطفي مثير. سنتفاهم بشأن أمور كثيرة يا عزيزتي، بدءاً من علاقتنا. وانتهاءً بالخدمات التي سيتوجب عليكِ تقدميها لي بعد طول غياب. انفصلنا ثلاثة أعوام كات. لا يمكن أنكِ لا تشعرين بالشوق ولو قليلاً!
كورت قبضتي بشدة حتى شعرت بالألم الشديد في باطن يدي.
مررت يدي في شعري المبعثر وتحركت أبتعد عن الباب، القيت بوسادة السرير على الأرض بقوة ومع ذلك قلت بحزم وقد حاولت أن أبدو هادئة قدر الإمكان: لا يوجد علاقة تربطني بمجرم مثلك، كما لا تحلم كثيراً وتحلق بأفكارك بعيداً. تذكر من تكون. ومن أكون. لننهي كل شيء، لا طاقة تسمح لي بسماع لغوك الآن!
أسرع يقول ضاحكاً بسخرية يجوبها استياء مزيف: أوه عزيزتي، بالطبع أعلم من يكون كلانا. فأنتِ من وقعت في حبي رغم المسافة الهائلة بيننا، تعلقتِ بي رغم كونك ابنة السيد أرثر فريمان الذي لطالما كان يحاول صقل عقلك النتن ولكن دون جدوى. كما لحقت بي كالجرو الصغير وأنتِ تعلمين أنني مجرد شاب بالكاد يجد ما يعيله في يومه. آه أنا واقعة في حبه وسأعيش معه مهما كانت الظروف. سأبقى معه وأتجاوز كل العقبات. سأكون شريكة حياته ولا يهمني رأي أي شخص آخر. تبدو كلمات مألوفة هاه؟
محق باتريك. ليت أبي نجح في صقل عقلي النتن قبل أن أحكم على نفسي بالتورط مع شخص يحظى برتبة أقوى من حثالة المجتمع. فات الأوان على الشعور بالإشمئزاز من نفسي.
هيا يا كتاليا. أنا حقاً مشتاق إليكِ صغيرتي. دعينا نتفاهم معاً، سأكون ألطف إن كان الخوف يسيطر عليك لذا لا تقلقي.
علي رسلك. تغيرت نبرتك إلى الرجاء ألم تلحظ هذا؟
قلتها بسخرية وإستفزاز فهدأ صوته وهو يقول: سنرى من سيرجو الآخر قريباً. تذكري أنني أمهلتك فرصة.
تذكر أنك مطرود من كافة تفاصيل حياتي. لا ترغمني على سماع صوتك.
أغلقت الهاتف والقيت به على السرير بقوة بعد أن حظرت رقمه، مررت يدي في شعري بعصبية وضربت المنضدة بقدمي مراراً وتكراراً بتوتر، لم أكتفي بهذا بل أمسكت بالفراش أشده واضربه دون توقف حتى شعرت بالإنهاك واندسيت تحت الغطاء أضم جسدي وأجز على أسناني.
ينتابني شعور مريع.
يخبرني أن ما هو أسوأ. سيبدر مني فقط لأحمي نفسي.
أنا.
خائفة.
حقاً خائفة. من نفسي أكثر من باتريك!
أستمر في خذلان نفسي قبل الآخرين، لماذا أجبت على اتصاله وانا أعلم جيداً ان الأمر سينتهي بي حائرة مذعورة من تهديداته! لا زلت حقاً أبحث عن إجابة مقنعة. لأفهم السبب الذي دفعني للرد على اتصاله.
لا أدري لماذا فعلت هذا وأنا على علم بكل كلمة سيتفوه بها، بكل تهديد سأسمعه، لكل ما سيذكرني به مهما حاولت طرده من ذاكرتي.
التناقض الذي يسيطر على أفكاري وتصرفاتي مرعب بحق.
هل. كرهت شعور وقوفي في نقطية عمياء لا أدرك تحديداً ما هي خطوتي التالية فيها؟ كرهت كوني جبانة لا تتوقف عن الهرب؟ غير منطقي. فلا زلت لم أحصد أي نتيجة فعلية إيجابية. فكل ما سمعته كانت اهانات وتهديدات لا مفر منها.
لماذا إذاً؟
حينها اتسعت عيناي قليلاً ووجدت نفسي أهمس محدثة نفسي بلا وعي: لا يمكن أنني أشعر برغبة عارمة في اكتساب القوة. من خلال العيش هنا. مع هذه العائلة! هل أتصرف بقوة وجرأة لأنني هنا فقط؟ لأن السيد هاريسون أوضح وبكل حزم أنه سيعاملني كما يعامل ابناءه؟ لأن في داخلي شيء. قد ومض للحظة! ما الذي يحدث بحق الإله.
أنا أعلم أنني أضر نفسي باتخاذي هذه الخطوة، نسيان الماضي او تجاهله. لن يفيدني! سيدمرني ببطء. سيقتلني حتماً! ولكن إن كان ما أفكر به الآن صحيح.
فلن أضر نفسي وحسب.
سأجلب المشاكل إلى هذا المنزل أيضاً! سأورطهم بأمور يفترض أنهم في غنى عنها. اللعنة علي! لماذا تماديت وتظاهرت بالشجاعة ببساطة! ماذا لو اكتشف باتريك مكاني لاحقاً؟ هو لن يجرؤ على. إيذاء أفراد هذه العائلة صحيح؟ أقصد. لن يكون نداً لهم إنه مجرد وغد جبان يجيد التحايل وحسب.
اخفيت وجهي تحت الغطاء أهرب من أفكاري السوداوية محاولة التملص من الاحتمالات التي لا يتوقف عقلي عن نسجها.
دانيال:.
صوت خافت في الغرفة أيقظني من نومي العميق، لا بد وانه كارل الذي عاد من العمل.
تقلّبت متمتماً بنعاس: كفاك إزعاجاً كن أكثر هدوءاً.
سمعته يهمس مهدئاً: حسناً حسناً. عد إلى النوم.
وضعت الوسادة فوق رأسي أحاول العودة إلى النوم، ولكنني سرعان ما أنزلتها ببطء أنظر إليه. كانت الغرفة مظلمة عدى من أضواء الشارع القادمة من النافذة، لمحته يستلقي على ظهره ممسكاً بهاتفه فتساءلتُ بهدوء: مُصر على عدم إخباري بأي شيء؟
انزل هاتفه يضعه على صدره للحظة قبل ان يزفر ويضعه فوق المنضدة، نام على جانبه الأيمن لأقابل ظهره فتمتمتُ بنبرة منخفضة: أريد رؤيته. ساعدني كارل، يمكنك فعل هذا. إن كنت قلق بشأن أبي أعدك أنه لن يعلم بأي شيء.
لم يتقلب او ينظر إلى وانما اكتفى بمحاولة اغلاق الموضوع بهدوء: أنا منهك، أرغب في النوم. انسى هذا الأمر وتوقف عن الخوض فيه.
لحظات من الصمت حتى أعقب قوله: حتى لو ضمنت ألا يعلم أبي بمحاولتك لمقابلته والجنون الذي تفكر فيه، وكأنني سأسمح بهذا.
لا بد وأنه يشعر بالوحدة.
قلت ذلك بشرود فاعتدل يجلس بإنزعاج شديد: توقف! ومن برأيك أرغمه على التخلي عن عائلته! هو من اتخذ قراره بنفسه لذا يكفي!
سنهون عن بعضنا البعض أي عقبة نواجهها، ولكن من سيكون إلى جواره إن أصابه مكروه أو.
توقفت عن الحديث عندما أمسك بوسادته وغطاءه وقال بحزم: سأنام في غرفة المعيشة، هذا أفضل من الجدال مجدداً بشأنه.
لويت شفتي بإقتضاب ولم أكلف نفسي عناء قول كلمة، ولكنه توقف في مكانه عندما فتح شخص ما باب الغرفة بعد ان طرقه فوراً.
امتدت يده نحو الاضاءة لينير الغرفة ولم يكن سوى كيفين.
اعتدلت بسرعة أجلس متكئاً على مرفقي باستغراب: ما خطبك! لماذا وجهك شاحب إلى هذه الدرجة؟
ترك كارل وسادته وغطاءه على سريره واقترب من كيفين بإستغراب مربتاً على كتفه: هل أنتَ بخير! لماذا لم تنم لقد تأخر الوقت كثيراً؟
رفع كيفين عينيه نحوه ثم إلي، وأخرج من جيبه شيئاً ليرفعه أمامنا، أخذه كارل منه بحيرة بينما قفزت من على السرير مقترباً منهما لأنظر إلى ما يمسك به، أخذته من كارل بإستغراب ولم يكن سوى أقراص دواء ولا أكثرمن ذلك، عقدت حاجباي متسائلاً: ما الأمر!
عاد كارل ينتزعها من يدي يقرأها جيداً بتركيز حتى شهق بذهول فجأة.
ارتبت لردة فعل كليهما فكيفين شارد الذهن بوجه شاحب ولم يعلق بكلمة! كارل بدى مرتاباً بشدة وتساءل بعدم تصديق: ابتلعتها؟ أخبرني بأنك تمزح!
زفر كيفين وانفجر فجأة ليقول بغضب وأعصاب تالفة: كان رأسي يؤلمني اعتقدت انها مسكنات للصداع! لاري الغبي من كان يحتفظ فيها بالدرج الأول من منضدتي! لم أنتبه لما تناولته سوى قبل لحظات فقط بعد ان أخذت قرص آخر!
تدخلت بحدة: هيه أنتما ما الذي يحدث ما خطب هذه الأقراص تحديداً! انت لم تتعاطى الممنوعات صحيح؟ سأقتلك كيفين!
زم كارل شفتيه ووضع يده على خصره يحدق إليها بين أنامله ثم زفر بلا حيلة: لاري. كم أود معاقبته!
عدت إلى سريري واخذت هاتفي، انتزعت الأقراص من يد كارل وبحثت عنها بسرعة أقرأ دواعي استخدامها لأفهم سبب هذه الجلبة.
ولم تكن سوى ثواني حتى نظرت إلى كيفين بذهول فعقد حاجبيه ومرر يده على صدغيه: ما الذي على فعله الآن! ما الذي سيحدث لي؟
مسكن للنساء بحق الإله!
اقتربت من كيفين اضربه على ظهره محفزاً بتوتر بعد ان ناولت كارل الأقراص ليأخذها: تقيأ! أسرع وتقيأ كل ما في معدتك فوراً.
حاول كارل ابعادي عنه مهدئاً: توقف أيها الأحمق لقد فات الأوان قال أنه ابتلع اثنان وليس واحداً فقط!
نفيت برأسي أواصل ضربه على ظهره: هناك متسع من الوقت عليه ان يتقيأها بسرعة! هذا الشيء واللعنة للنساء فقط! لماذا ابتلعته أيها الغبي لون الأقراص الوردي كفيل بأن يفهم عقلك الصغير الصدئ انه ليس للصداع، قلت تقيأ!
تدخل كارل مجدداً يحاول ابعادي بينما صاح كيفين محاولاً التملص مني: اتركني! شربت الكثير من الماء لقد فات الاوان، تباً دانيال توقف عن ضربي ستكسر ظهري!
بدأ يسعل بقوة بينما أستمر في محاولة انقاذه وكارل مُصر على ابعادي عنه.
ما هذه الجلبة!
أجفلنا جميعنا بذعر لنبرة عالية مترعة بالغضب.
لم يكن سوى أبي الذي اقتربت منه فوراً وقلت بإضطراب: ابتلع كيفين مسكن للآلام النسائية! ماذا لو تحول! ماذا لو كان لها آثار جانبية عليه! عليه أن يتقيأها فوراً أبي إنه في خطر!
تدخل كارل مهدئاً: اهدئ واطمئن لا أظنها ستؤثر عليه بهذه السرعة!
نفي كيفين بعدم اقتناع: لن تؤثر؟ وماذا لو كان لها آثار جانبية بالفعل؟ ما الذي سيحدث لي!
اتسعت عينيه ونزع نظارته بذهول: حينها هل. سأعاني من آلام نسائية في معدتي مثلاً؟ واللعنة على الذهاب إلى المشفى!
أيدته فوراً: لنجري لك غسيل معدة انه الحل الأسرع كيفين!
زفر كارل ووقف بيننا ليعلو صوته: توقفا! قلت للتو بأنه لا يمكن أنها ستؤثر عليه بسرعة ان لم تقدم له الأقراص فائدة فلن تضره في وضع مماثل!
اعترضتُ على كلامه أسحب كيفين من ذراعه: أصمت كارل فلقد درستَ الطب البيطري لا يمكن انك ستمارس مفاهيم هذا الطب على كيفين إنه كائن بَشري في النهاية.
سحب كارل يد كيفين الأخرى وقال بحدة: إذاً يمكنه التقيأ الآن بنفسه لا داعي للذهاب إلى المشفى، كيفين ضع اصبعك أعلى حلقك وستخرج كل ما في معدتك ثق بي.
اخرسوا.!
صرخ أبي بسخط فتركنا كيفين فوراً.
أكمل كلماته الغاضبة مشيراً إلينا: أنظروا إلى أنفسكم! كل منكم يتنافس من قد يكون الأغبى! هل ألقى أحدكم نظرة على الساعة؟ إنها الثانية بعد منتصف الليل عودوا إلى النوم فوراً، وانت كيفين انها مجرد أقراص مسكنة للألم لا داعي لكل هذه الزوبعة! وانت لا ترغمه على التقيؤ هل تحاول قتله! وانت أيها الجانح اتذكر انك تخرجت كمهندس ميكانيكي فلماذا تلعب دور طبيب الطوارئ المنقذ فجأة!
عفواً. هل كل شيء على ما يرام؟
أتى صوت أنثوي عند الباب فنظرنا جميعنا خلف أبي فوراً، استدار أبي باستنكار وسألها بجمود: هل أيقظتك أصواتهم العالية؟ يمكنك العودة إلى النوم فسيخرسوا فوراً.
بدت مستغربة حائرة تنظر إلينا بعدم فهم قبل أن تميء برأسها إيجاباً، تباً إنها السبب! لماذا لا تحتفظ بحاجياتها في مكانها المخصص؟
م. مهلاً! قال كيفين أن الاقراص كانت في منضدته! هل قام لاري الغبي بسرقتها من غرفتها؟
اتسعت عيناي بإدراك وأسرعت أنتزعها من يد كارل، أخفيتها خلف ظهري ولكنها لمحتها على ما يبدو فقد عقدت حاجبيها متسائلة: هل كانت تلك المسكنات الخاصة بي؟ دعني أرى!
تقدمت نحوي فأسرعت اعطيها لكيفين لأوقفها عن الاقتراب مني.
توجهت بدورها إلى كيفين الذي أسرع يعطيها لكارل والآخر رفعها فوراً امامه ليريها ما في يده!
هذا الخائن سريع الاستسلام!
سيغضب أبي بسبب لاري ثم يقوم بلومي أنا بلا شك! حينها سيدرك أنني من سمحت له بدخول غرفتها!
اتسعت عينيها الرمادية وبدت غير مصدقة متسائلة: لماذا المسكنات بحوزتكم بحثت عنها كثيراً ولم أجدها!
سحقاً!
زفر أبي ونفي برأسه قبل أن يقول: من منكم أخذها تحديداً؟
نظرنا إلى بعضنا البعض بصمت، بدت غارقة في أفكارها للحظة قبل ان تنظر إلى بإستيعاب.
لا بد وانها ستخبره.
هذا سيء.
انتابني الإضطراب لتحديقها المطول إلى فأبعدت ناظري عنها للحظة قبل ان ألمحها مستمرة في التحديق إلى حتى رسمت ابتسامة مضمرة بالكاد تُرى. وتفاجأت بها تقول بسرعة: أعتقد أنني أوقعتها بالخطأ في غرفة المعيشة سيد هاريسون، لربما اعتقد أحدهم أنها تخص واحد منهم بالخطأ!
لقد. تحايلت من تلقاء نفسها؟ هل تعمدت أن يكون لها الفضل على فجأة؟
رفعت حاجبي الأيسر بحدة بينما اتسعت ابتسامتها تأخذ الأقراص من كارل وقالت: ولكن لماذا كل هذه الجلبة للتو؟
أجابها أبي ينظر إليها بتركيز: تناول كيفين من هذا المسكن.
أومأت بفهم وطمئنته بلطف شديد التزييف: لا بأس لا داعي للقلق لن يحدث له أي ضرر، أعتذر انه خطأي.
بقي أبي يحدق إليها بجمود وتمعن قبل ان يسترق نحوي نظرة سريعة ثم أعاده ناظره إليها وتمتم بما فاجأنا جميعنا: من ترغبين في انقاذه من ورطته تحديداً؟ دانيال أم لاري؟
نظرنا إليه بدهشة وكذلك بدت غير مصدقة قبل ان تتلعثم نافية: لا أحد! أوقعتها بالفعل بالخطأ لربما قام أحدهم بالتقاطها دون قصد و.
من منهما؟
سحقاً. هذا الرجل لا تفوته التفاصيل أبداً!
زفرتُ ممتعضاً وقلت بإنزعاج: إنه خطأي.
تفاجأت بها تتدخل فوراً: بل خطأي!
عقد كارل حاجبيه بينما استنكر كيفين ما يحدث ملتزما الصمت. هل تحاول الدفاع عني لتكسبني في صفها؟ لا بد وانها تفكر في كيفية شعوري بضرورة ردة الجميل والفضل لها وها هي قد تورطت الآن! هل تظن أبي لن ينتبه لكذبتها؟
مررت يدي على جبيني ونظرت إلى أبي: سمحتُ للاري بدخول غرفتها لا تلقي اللوم عليه.
أومأ أبي بجمود وأشار نحونا: كارل وكيفين سيتم اعفاؤهما من مهام المنزل، من التنظيف والترتيب واعداد الطعام، تعاون أنت والآنسة كتاليا على ذلك حتى نهاية الأسبوع.
فغرت فمها بعدم تصديق بينما ابتسم كارل وكيفين براحة وسرور!
اتسعت عيناي أنظر إلى أبي بعدم استيعاب: أتعاون معها؟ لحظة! لماذا سأنهك نفسي بينما على العمل في المحل و.
لا أريد رؤيتك في المحل، دع الزبائن يحظون براحة من النظر اليك خلال هذا الأسبوع، هذا آخر ما لدي، وأنتِ آنسة كتاليا قلت بأنكِ ستتعاونين معه في تولي مهام المنزل كلها، لا أريد أعذاراً أو أكاذيباً. سأعود إلى النوم لا أريد سماع صوت أي منكم.
تحرك ليعود أدراجه فحاولت استيقافه دون جدوى! ضرب كارل كفه بكف كيفين والسرور بادٍ بوضوح على وجهيهما، نظرت إليهما بحدة فقال كارل بهدوء: ماذا؟ إنه قرار أبي هل من اعتراض؟
تمتم كيفين ببرود: جيد، يمكنني التركيز في اختباراتي والدروس الإضافية.
قال ذلك وخرج من الغرفة بينما انتبهت لمن لا زالت تقف بعدم تصديق.
رمقتها شزراً وتمتمت بجفاء: لا مهرب من أوامر ذلك الرجل، أفضل أن أبقى بعيداً عنكِ ومع ذلك لست مستعداً لتحمل كل هذا العناء وحدي، ستساعدينني وستلتزمين بالمهام الموكلة إليكِ حتى ينتهي هذا العذاب، سحقاً لكل شيء أنتِ بالفعل كارثة متنقلة.
دكت الأرض بقدمها بقهرو غضب وأسرعت تخرج من الغرفة متذمرة.
هذا ما ينقصني الآن.! لم يكن على السماح للاري بدخول غرفتها. لا أرغب في أي سبب قد يدعوني للبقاء على مقربة منها حتى!
كتاليا:
إنها السابعة، على الخروج والذهاب إلى العمل في الوقت المحدد، وضعت القليل من مرهم تسكين الألم على كتفي قبل ان ارتدي قميصي، تركت شعري مسدلاً وخرجت أمسك بحقيبتي مسرعة.
نزلت الدرج وما أن مررت أمام غرفة المعيشة حتى سمعت صوت تنحنح رجولي فوقفت انظر حيث مصدر الصوت، لم يكن سوى دانيال الذي يقف مستنداً بكتفه على طرف الباب ويعقد ساعديه على صدره!
رمقته بإستنكار: ماذا!
أغمض عينيه بهدوء: أعددتُ الفطور، حان دوركِ لترتيب الطاولة وبعدها ستغسلين الأطباق كافة.
عذراً؟
فتح عينيه ونظر إلى بنظرة سريعة مشيراً بإبهامة للخلف: أسرعي.
نفيت برأسي بجدية: لا يمكنني التأخر لدي جلسة تص.
لا آبه بذلك، تحركي.
استفزتني نبرته الآمرة ومع ذلك تمالكت نفسي بصعوبة بالغة، لا يجب أن أتمادى فلدي جلسة تصوير معه في الظهيرة.
ابتسمت جاهدة بلطف وقلت بهدوء: سأساعدك بعد انتهاء عملي الرسمي ولكنني لا أستطيع التأخر الآن، أمامي ساعة ونصف قبل بدء التحضير للجلسة.
أخبرتك أنني أشمئز من هذه الابتسامة المزيفة، أسرعي سأقوم بجمع الملابس بينما تجهزين الطاولة. سيكون الجميع متواجداً على طاولة الفطور بعد دقائق.
يواصل نعتي بالمزيفة مهما حاولت معاملته بلطف!
اللعنة ينتابني الغضب الشديد، هذا يجعلني أتساءل للحظة فقط. هل هو حقاً يعرفني؟
أقصد. نحن في العمر نفسه! لربما كان أحد الأشخاص الذين درست معهم في المراحل الدراسية مثلاً ولهذا يبدو واثقاً من انتقاء كلمة كهذه! لا. قال أباه أنهم عائلة ترعرعت في قرية كلوفيلي. لماذا إذا!
صحيح أنني أوضحت له كم أحاول جاهدة تمالك نفسي ولكن هذا لا يمنحه حق نعتي بالمزيفة طوال الوقت!
عضضت على شفتي بقهر في حين قال بحزم: تحركي ولا تعتقدي أنكِ سحظين بمعاملة خاصة يا سمو الأميرة.
نظرت إلى الساعة حول معصم يدي واعترضت محاول اقناعه: أعدك أنني سأساعدك بعد عودتي من العمل ولكنني لا أستطيع الآن أنا جادة دانيال على أن أسرع لازال هناك أمور سأناقشها مع جاك ومحرري الصور لذا.
لا يمكنني التعاطف معكِ أسرعي!
تحرك بثقة مزعجة جداً ويبدو أنه سيبدء بجمع الملابس كما قال!
كم تمنيت ايساعه ضرباً بكل قوتي!
هل على مجاراته بسرعة لئلا أتأخر؟
زفرت بغضب ووضعت حقيبتي على الأريكة في غرفة المعيشة مسرعة بالتوجه إلى المطبخ، بحثت من حولي محاولة فهم ما على فعله، لقد قال حضري الطاولة، إذاً على وضع الأطباق والملاعق والطعام بسرعة، بحثت في الخزانات عن الأطباق حتى وجدتها في الخزانة العلوية.
غسلتها بالماء وجففتها، وضعتها على الطاولة لأوزعها حتى أدركت أنه لا زال على وضع طبق إضافي.
فتحت الخزانة مجدداً لأخرج طبقاً وأغسله ولكنه انزلق من يدي اثناء تجفيفه! حاولت الامساك به وبالكاد توازنت أعود بخطواتي للوراء قبل ان أتعثر وأجلس على الأرض بقوة ممسكة بالطبق بصعوبة!
انقذته، اعتقدت انني سأكسره!
تنفست الصعداء وأمسكت بما وجدته خلفي لأقف ولكنني أدركت الكارثة عندما استوعبت أنني أمسكت بمفرش الطاولة لأسحب الأطباق دون قصد.
أمسكتها الواحدة تلو الأخرى ولكنني لم أستطع التقاط الطبق الأخير الذي وقع على الأرض ليتهشم.!
شهقت بذهول ونظرت من حولي بحذر خشية أن أحدهم قد سمع الضجة ويرى الحماقة التي اقترفتها، على اخفاء أثر الطبق المكسور بسرعة!
بحثت من حولي عن سلة القمامة ووجدتها في الزاوية، سحبتها معي فوراً وجثيت أنوي التقاط الزجاج المهشم لولا أن أجفلت لتوقف يدي في الهواء فجأة!
طرفت بعيني بعدم استيعاب ورفعت رأسي باستغراب شديد أحدق إلى العيون الزمردية الغاضبة!
ثم أخفضت ناظري إلى يده التي تمسك بمعصمي بقوة قبل ان يتركني فوراً مجفلاً وينتابه التوتر والإضطراب بوضوح!
لقد.
لمسني! ألا بأس بذلك؟ على سبيل المثال. لن يفقد وعيه أو يغضب؟
نظر إلى يده بعدم استيعاب قبل ان ينهرني بحزم وإنزعاج: ما خطب عقلك الغبي! لا يمكنكِ جمع الزجاج المهشم بيدكِ حاولي استخدام عقلك قليلاً!
سرت رجفة طفيفة في يده التي عاود النظر إليها قبل ان يقول بغضب: وكلتك مهمة سخيفة وتركتكِ للحظات فقط وها أنتِ ذا لا تجيدين التصرف او فعل شيء مفيد! ابتعدي سأجمع القطع، انظري جيداً كيف يقوم المرء الطبيعي بذلك. تباً!
أخذ مكنسة وبدأ يكنس القطع على الأرض ليجمعها ممسكاً بيده الأخرى أداة التنظيف التي جلبها من زاوية المطبخ الأخرى ليدفع القطع المكسورة فيها ثم يلقيها في سلة القمامة.
نظرت إلى الساعة حول معصم يدي ثم اعدت ناظري إليه، نفي برأسه و قال بحدة: وزعي الفطور في الأطباق سيكون الجميع متواجداً الآن.
أسرعت بفعل ذلك أقوم بأخذ كل طبق على حدى إلى القدر الموضوع على الغاز ولكنه عاد ينهرني بنفاذ صبر: بل العكس! قومي بأخذ القدر إلى الطاولة ووزعي الطعام على الأطباق هذا أسهل وأسرع!
اعترضت بإنزعاج: كتفي يؤلمني لا يمكنني حمله! لا بد وأنه ثقيل. ثم توقف عن الصراخ على في كل حين!
ضاقت عيناه يرمقني بغيظ شديد فاستكملت طريقتي في وضع الطعام في الأطباق، حتى تفاجأت به يمسك بالقدر ويضعه على الطاولة بجفاء.
حسناً هذا أسهل الآن.!
انتهيت بسرعة فأخذ القدر ليعيده على الغاز: إن كان الوقت لا يتسع لغسل الأطباق فستفعلين هذا بعد الغداء.
تمتمتُ مفكرة: لا أظنني سأتناول الغداء هنا، على زيارة بينديكت ربما سأتأخر، سأفعل هذا بعد العشاء! صحيح لا تنسى وقت جلسة التصوير الخاصة بك لا تتأخر لننتهي في الوقت المحدد!
عقد حاجبيه بإستنكار بينما أسرعت لأتحرك وأخذ حقيبتي من على الأريكة وقبل ان أخرج من غرفة المعيشة سمعته يقول متلعثماً: مهلاً! ماذا عن. الفطور!
لوحت له مسرعة: لا أستطيع تناوله، سأتأخر!
رفعت إبهامي بإيجابية مبتسمة لستيلا التي انهت آخر وضعية للتصوير قبل بدء وقت الإستراحة وقلت للجميع: نصف ساعة وسنعود للتصوير بعدها، لا تتأخرو يا رفاق.
غمزت لي روز وخرجت مسرعة فحسب ما سمعته منها صباحاً ستبادر هذه المرة لتصالح ديفيد الذي يتنازل كل مرة.
هاذان الإثنان لن يتوقفا عن الإنفصال والعودة إلى بعضهما! على كل حال هذا ما يميزهما.
بدأ الجميع بالخروج من الاستديو فبقيت أنقل الصور بسرعة على الحاسوب لأستغل الوقت، كنت منهمكة حتى لفت انتباهي جلوس ستيلا على الكرسي لترتاح وعيناها تجوبان على هاتفها بشرود، تنحنحت وسألتها أحدق إلى شاشة الحاسوب: لن تتناولي شيئاً؟
نظرت إلى للحظة قبل أن تجيبني متنهدة: لا شهية لدي، ربما لاحقاً. من الجيد أنكِ تديرين جلسة التصوير هذه لقد يئست من تصرفات فرانك.
واسيتها بلا حيلة: ومع ذلك فهو موهوب حقاً، أكره الاعتراف بهذا ولكنها الحقيقة.
ابتسمت لي مشجعة: في العام الماضي حصلتما على المركز الثالث المكرر في المسابقة الوطنية للمصورين. أتمنى حقاً أن تحققا مراكز أعلى هذا العام.
ضربت بأناملي على لوحة مفاتيح الحاسوب بإنهماك وقلت بهدوء: لا زال أمامي طريق طويل لأحقق المركز الأول، ذلك المصور لا زال يشكل التحدي الأكبر بالنسبة لي، إن تخطيته فسأعتبر نفسي قد وصلت إلى هدفي أيضاً.
أيدتني وقد فكرت متذكرة: المصور الشاب الذي حظي بالمركز الأولى لعامين على التوالي، ماذا كان اسمه.
أجبتها بينما أنظر إلى باب قسم التصوير الذي فُتح: سام ماركوس، آه أنظري من هنا الآن! ذكرته للتو وها هو ذا.
قلت كلماتي الأخيرة أنظر إلى فرانك الذي يتقدم نحونا قبل أن أزفر بملل أعيد ناظري للأمام فاقترب مبتسماً بثقة، وقف خلفي بينما يرحب بها: أهلاً ستيلا.
رحبت به تبتسم له مسايرة بينما انحنى خلفي وهمس بصوت بالكاد يسمع: لم أرك منذ فترة.
تمتمت بجمود: ولماذا برأيك كنت سعيدة مسرورة مرتاحة البال؟
تنهد بحزن: ياللقسوة كات! أتيت لألقي التحية وحسب.
تحرك ليقف أمامي وتكتف متسائلاً بتبرم وعينيه البنية تجوب علي: لدي متسع من الوقت في المساء، ألا تريدين الخروج معي قليلاً؟
لا.
هيا كات! أعلم أنكِ ستخرجين برفقة جماعتك مساءً سمعت جاك وسايمون يتحدثان بهذا الشأن للتو.
غير مرحب بك، ابتعد عن وجهي فرانك.
عبس وانحنى مجدداً يضع كفيه على الطاولة: لدي تذكرة إضافية لنشاهد فيلم معاً، أو لنتناول العشاء في مطعم ال.
لا.
لوى شفته بإقتضاب واعتدل ليقف ثم زفر: عنيدة، على كل حال أتيتُ لأخبركِ بأننا سنعمل على التسويق الدعائي للعبة رهينة ملك القرصانة، قال السيد كوفمان أنه يفكر في عرض العمل على العارض الذي يعمل معنا مؤخراً.
شهقت وقفزت في مكاني بذهول بل واقتربت منه اتساءل بحماس: دانيال؟
ابتسم بجاذبية وقلّص المسافة فانتبهت فوراً وابتعدت لأجلس مجدداً وتساءلت بجدية: ولكن دانيال لم ينتهي من التسويق للعبة الحالية!
أومأ بتفهم: يوجد خطة بالفعل ليلعب الدور الرئيسي للعبة القادمة، جميع مواقع التصوير ستكون خارج الاستديو. من مدير أعماله؟
رفعت كتفاي: حتى الآن لا يوجد سواي لذا توليت الأمر.
ضاقت عينيه بمكر وهمهم بسخرية: رغم أنكِ تعلمين جيداً من يقدرعلى ادارة أعماله، لماذا لم تطلبي منه تولي الأمر يا ترى؟
رمقته بحدة فأكمل بخبث: ماذا؟ يثير الأمر فضولي! ابن عمكِ يدير قسم كامل في وكالة فنية ناجحة فأين تكمن المشكلة إن وقع عقداً مع المدعو دانيال ليدير أعماله؟
سألته بجفاء: ما رأيك بأن تغرب عن وجهي؟
ضحك بخفوت وغمز: حسناً سأغادر الآن.
ثم لوح لستيلا وقال مداعباً إياها بكلماته: إلى اللقاء ستيلا، حافظي على ابتسامتك المشرقة.
راقبته بعيناي بينما يبتعد ليخرج ثم سرعان ما ابتسمت بسعادة!
تم اختيار دانيال رغم أن الدعاية التي يعمل عليها الآن لم يتم اطلاقها رسمياً! أكاد أحلق من فرط سعادتي حقاً! تباً لا يمكنني تمالك نفسي على ان أخبره بهذا!
أمسكت بهاتفي باحثة عن رقمه وأرسلت له رسالة فوراً لدي خبر رائع، السيد كوفمان قام بترشيحك للعب دور رئيسي في الدعاية القادمة، من عسكري إلى قرصان لا بد وأنك ستخطف الأنظار!
أرسلتها والحماس الشديد يعتريني حتى سمعت تعليق ستيلا الممازحة: تغير مزاجك تماماً ما ان ذكر فرانك ذلك العارض الجديد!
أومأت لها أتنهد براحة فقالت: يبدو جذاباً بالفعل ولكنه مخيف، لم أشعر بالإحراج يوماً كما شعرت في تلك اللحظة في المصعد قبل رحيلي.
أعقبت بإستيعاب فجأة ووقفت تبتعد عن الكرسي: صحيح كتاليا! لارز يكون ابن عمك وتساءلت إن. إن كان بإمكانكِ مساعدتي في توقيع عقد مع وكالته الفنية.
ارتفع حاجباي بحيرة: ماذا عن مدير أعمالك الحالي؟
أشاحت بوجهها وطرفت بسرعة قبل ان تقول بإيجاز: أواجه بعض المشاكل في الوقت الحالي، وأحتاج إلى اتخاذ خطوة للأمام، قد أنهي العقد بيني وبينه. هل تعتقدين لارز سيوافق على انضمامي؟
وكأنني سأسأله بهذا الشأن! علاقتنا هي الأسوأ والأغرب من نوعها، فحتى وان كنا الأقرب من الناحية العائلية أو العمر المقارب ولكن الكره الذي يكنه نحوي يصعب التعامل معه! حسناً لا يمكنني لومه أيضاً وقد تسببت له بالكوارث منذ الصغر ولكنه نضج أيضاً ومع ذلك لا يزال يعاملني بلؤم وبرود شديد.!
لويت شفتي أتذكر علاقته القوية بأبي.
لطالما شعرت بالغيرة من هذه المسألة! أبي يثق بلارز كثيراً ويتبع رأيه دائماً.!
تجاهلت أفكاري وقلت لستيلا: قد أواجه صعوبة التواصل معه هذه الفترة فكلانا مشغول في شؤونه، ولكن. بصراحة.
ترددت قبل أن أردف: إن حاولتِ التعاقد معه لا تخبريه أنكِ من طرفي، سيساهم ابقاءك للأمر سراً في نجاح العقد أكثر.
ارتسم الإستغراب الشديد على وجهها فوقفت وقلت على عجالة: سأشتري كوباً من القهوة، هل أحضر لكِ واحداً معي؟
نفيت برأسها سلباً فتحركت بخطى سريعة لأخرج.
ودعت ستيلا التي خرجت بعد انتهاء جلسة التصوير وقد استنزفت الجلسة وقتاً طويلاً لتعدد الدعايات التسويقية في جدول اليوم، مررت يدي على كتفي المصاب بتعب فسمعت صوتاً خلفي: ارتاحي قليلاً قبل بدء الجلسة التالية مع دانيال. لا يزال هناك متسع من الوقت.
لم تكن سوى جانيت التي ترتشف من العصير الطازج، أومأت لها مؤيدة: اعتقد أنني سأفعل هذا.
سألتني بهدوء: أنتِ بخير؟
لا تقلقي أنا بخير، إنه فقط ذلك الوقت من الشهر أيضاً لذا أشعر أن كل شيء ضدي، انصتِ جانيت إياكم والغدر بي واختيار وجهة مختلفة عن المطعم الذي قمتم باختياره! المرة الماضية فعلتم ذلك ولن أسامحكم مجدداً!
نفيت برأسها: لا تهدديني لا شأن لي، كما لا داعي للخوف قال سايمون أن المطعم الذي سنذهب إليه يعد ألذ أنواع المأكولات البحرية، تعلمين أن ذوقه في الطعام لا يُعلى عليه.
أومأت: لا شك في ذلك، حسناً سأرتاح قليلاً.
كان هذا ما فعلته وقد استلقيت على الأريكة في غرفة التبديل، الأريكة نفسها التي ارتكبت عليها تلك الحماقة آخر مرة.
أغمضت عيناي بتعب ومررت يدي على معدتي حتى سمعت صوت وصول اشعار على هاتفي ولم تكن سوى رسالة من دانيال لم يرسل فيها إلا رمزاً يدل على عدم اكتراثه بما كتبته!
انتباني الإنزعاج ولكنني تجاوزت الأمر وأغمضت عيناي مجدداً أحاول الإسترخاء.
وهذا ما حدث إذ أنني ارتحت قليلاً وارخيت كتفي لنصف ساعة تقريباً حتى سمعت صوت زملائي في الخارج بأصواتهم الرجالية العالية ويحادثهم صوت رجولي مألوف.
أعتقد بأنه دانيال.
رفعت جسدي بكسل أحاول النهوض بصعوبة حتى فُتح الباب، رأيته قد دخل وانتبه لي ليعقد حاجبيه بإستغراب ثم نظر للوراء وعاد ينظر إلى بحيرة فقلت بهدوء: سأخرج، يمكنك أن تغير ملابسك. جهزتها روز هناك.
أشرت إلى الملابس المعلقة وتحركت لأخرج فتنحى مبتعداً عن الباب.
دقائق وبدءنا التحضير لجلسة التصوير، أظهر سلوكاً متحفظاً مثل كل مرة، ولكنه كان هادئاً ومتزناً أكثر.
بدى يخفي توتره جاهداً كلما اقتربت منه إحدى زميلاتي لتصفيف شعره أو لإضافة لمسات المكياج السينمائي، كنت قد أخبرتهم مسبقاً أن يكون شعره مبتلاً، فتلك اللحظة في المنزل عندما كان يجفف شعره أدركت أن ظهوره في الزي العسكري بينما يبدو مبتلاً سيكون أروع مما رسمت في خيالي.!
وها نحن نبدأ أخيراً في التصوير، طلبت منه الوقوف رافعاً إحدى قدميه على صندوق خشبي أخضر خاص بالتصوير مغطى بالكروما، بينما يضع على كتفه سلاحاً وينظر إلى الكاميرا بحدة، وكم كان أداءه ملفتاً متقناً جعلني أتسمر للحظة في مكاني قبل أن ألاحظ بعض الثغرات ونقاط الضعف لأبدأ في توجيهه.
لربما كما قال ذلك اليوم بكل ثقة وغرور.
أنه موهوب عارض بالفطرة!
تعددت الوضعيات المختلفة وطال والوقت حتى سمعت صوتاً خلفي بينما كنت منهمكة في التصوير.
هذه المرة شعره مبتل، لا يمكنه أن يكون جاداً هل يدرك كم هو جذاب حقاً!
تمالكت نفسي وتجاهلت التعليق لولا ان أيدها صوت آخر:
هل تعرفون تلك اللعبة الرياضية التي تم الترويج لها في الربع الأول من العام؟ يمكنني تخيله مكان ذلك العارض! سيليق به تأدية دور لاعب كرة السلة بلا شك!
قلّبت عيناي بنفاذ صبر لا سيما وقد بدأ دانيال يضطرب ويتوتر بوضوح لسماع تعليقاتهن وغزلهن المباشر، أشرت بيدي لنتوقف عن التصوير مؤقتاً، التفت للوراء ونظرت إلى الثلاثي الهاربات من قسم الصياغات والمقالات وتساءلت بهدوء: متى ستتوقفن عن استهداف العارضين؟
أجابت احداهن بحيرة: نحن نقدم الدعم المعنوي وحسب.
أومأت بجمود: لاحقاً، الوقت غير مناسب لا يمكننا التركيز هنا.
عبسن وتذمرن بخفوت حتى قال إحداهن: لا يوجد قانون يمنعنا من القاء نظرة على عمل المصورين على أي حال.
أيدتها بسخرية: محقة، لهذا على التحدث إلى السيد كوفمان بهذا الشأن. يبدو أنه سيقوم بإسستحداث قانون يمنع المصور أو العارض من سماع ثرثرة فارغة!
اتسعت عينيها قبل ان تلوي شفتها بإنزعاج وتغادر فلحقن بها زميلاتها، تنهدت بلا حيلة وعاودت النظر إلى دانيال الذي لمعت زمرديتيه بالإمتنان للحظة قبل أن يزفر.
هل أتخيل أم أنه. بدأ يجيد ضبط أعصابه وتوتره في العمل؟ فمنذ أن وصل وهو يبدو هادئاً ومنضبطاً أكثر!
استمرت الجلسة حتى انتهينا أخيراً عند الثانية مساءً، انسحب كل من الزملاء ليرتبوا الأشياء والأدوات من حولنا بينما اتجه دانيال إلى غرفة التبديل.
تحركت خلفه وقبل أن يغلق الباب استندت عليه وقلت مبتسمة: عمل جيد، بل رائع.
مرر يده في شعره الذي بدأ يجف وتمتم بلا اكتراث: لا شيء جديد.
رفعت طرف شفتي بإزدراء من ثقته قبل أن أبتسم بلطف: أعلم جيدأ أن المرات القادمة ستقدم فيها أداء أفضل بكثير، صحيح هل فهمت ما أعنيه في رسالتي تلك؟ لقد تم اختيارك لتأدية دور رئيسي مجدداً قبل ان يتم اطلاق العرض الدعائي لهذه اللعبة حتى! السيد كوفمان لم يتخذ خطوة مماثلة مسبقاً! اعتاد ترقب نجاح الدعايات والإحصائيات قبل أن يقرر أي شيء!
ابعد ناظره عني عندما طالت النظرات المتواصلة بيننا لذا أسرع بقطعها وقال متذمراً: حسناً هنيئاً لكِ! أريد تغيير ملابسي يوجد أمر لا يمكنني تأجيله وعلى الرحيل فوراً.
خطة السطو المسلح الخاصة بكم على المركز التجاري؟
قلتها بتهكم فقال بثقة وخبث: سأقوم بالإحماء خصيصاً لهذه للحظة، أياً يكن أنا على عجلة من امري اسرعي ابتعدي عن الباب.
ابتعدت عن الباب فأغلقه من الداخل، مررت يدي خلف عنقي وجلست أمام الحاسوب لأنقل الصور وأرتب الملفات، بدأ الاستديو يخلو سوى من شون مسؤول الإضاءة وها هو الآن يخرج أيضاً ملوحاً لي بلطف.
ابتسمت له: إلى اللقاء.
أعدت ناظري إلى الحاسوب واستوقفني إحدى الصور التي أقوم بنقلها، تأملت الصورة للحظات مطولة دون شعور.
يبدو دانيال غريباً فيها، كما لو شرد ذهنه في هذه اللحظة في مكان بعيد.
بعيد جداً.
ينظر إلى الكاميرا. ولكنه لا يبصرها حتى.!
استغربت قليلاً وقد اضطررت إلى عدم نقلها مع باقي الصور، بدأت بفرزها وتعديلها، على الانتهاء منها اليوم قبل ارسالها إلى جانيت وفريقها.
خرج دانيال من غرفة التبديل وأسرع في خطواته وقبل أن يخرج وقف وقال: أنتِ. لم تتناولي فطورك، لا أهتم حقاً ولكن. لا تفوتي غداءك لا أحد متفرغ لرؤية وجهك الشاحب.
قال كلماته العنيفة العدائية الأخيرة وهو يكمل طريقه لولا أن وقف متسائلاً: متى ستعودين! أنتِ لم تنسي أنكِ ستساعدينني في مهام المنزل صحيح؟
ضاقت عيناه بوعيد فقلت بملل: على زيارة بينديكت أولاً، لا يمكنني تأجيل الأمر إنه أولويتي حالياً، وبعدها سأخرج برفقة زملائي لذا أعتقد أنني سأتأخر.
اعترض بحزم: ياللثقة!
أضاف بتهديد: أنصتِ أنا لا أمازحك حقاً، إن تأخرتِ فستندمين على هذا.
أشار نحوي بسبابته واستكمل تهديده: أنا جاد. لا تجربيني فلقد تورطت بسببكِ أنتِ.
اتكأت بيدي على الطاولة وقلت بتهكم أحاول ضبط أعصابي: صحيح فأنا من قمت بالعبث بحاجياتي الخاصة في الغرفة وأفسدتها تماماً! لا أصدق أنك تلقي اللوم على وقد حاولت مساعدتك في الأمس أمام والدك.
كذبتك كانت واضحة أبي لا تفوته التفاصيل لذا لا تحاولي التصرف بذكاء مجدداً. أياً يكن. من الأفضل ألا تتأخري.
عندما غادر اكملت عملي أحاول تخطي انزعاجي من نبرته الآمرة المتسلطة.
من يظنه نفسه تحديداً! فقط لولا حاجتي وأهدافي لكنت قد ألجمته بردود لن يجرؤ على الرد عليها!
عقدت حاجباي أحدق إلى ديفيد الذي تورد وجهه بشدة وروز التي بدأت تفقد تركيزها واعترضت: أنتما لقد بالغتما جداً! توقفا عن الشرب أيها الأحمقان.
سمعت جانيت تتذمر تسحب الكأس من أمام جاك: توقف أيها المتهور هذا يكفي.
زفر سايمون وقال بأسى: اتفقنا ألا يحتسي أحدنا أي شراب أتينا لنستمتع بالطعام لا أصدق هؤلاء الثلاثة حقاً!
وقفت جانيت تسحب جاك بصعوبة من ذراعه: لنغادر تأخر الوقت.
نظرت إلى الساعة حول معصمي، إنها محقة تشير الساعة إلى العاشرة والنصف لقد مضى الوقت سريعاً، أطلت البقاء مع بينديكت وقد كان يبدو أفضل من آخر مرة وتحسن قليلاً، وبعدها خرجت للتنزه معهم وانتهى بنا الأمر في هذا المطعم، الطعام لذيذ جداً ولكن ها قد أفسدوا الأمر تماماً لنختتمه بالتورط معهم.
تعالى رنين هاتف سايمون ولم تكن سوى زوجته إيلينور فقال بتوتر واضطراب: على العودة الى المنزل ستغضب زوجتي إن أطلت الغياب عن المنزل، جانيت سأساعدك في حمل أخاكِ إلى السيارة، قودي بتمهل ولا تسرعي.
أومأت جانيت وقالت لي محذرة: انتبهي لهما، أخبرينا فور وصولهما لا تتركيهما وحدهما.
تنهدت بلا حيلة: أسرعي وغادري مع سايمون، جاك الغبي قال بكل ثقة وجدية أنه لن يشرب. سأوبخه لاحقاً هيا تحركي.
غادر الثلاثة وقد كان سايمون يساعدها في حمل جاك واضعاً ذراعه على عاتقه ليسنده، القيت نظرة على هاتفي الذي نفذت بطاريته وزفرت منزعجة لأدسه في حقيبتي، وضعتها على كتفي وقلت أحاول مساعدة ديفيد على الوقوف: تحرك، اين مفاتيح سيارتك سأقودها أنا.
بحثت في جيب سترته لأسمعه يتمتم بنعاس وتثاقل: توقفي عن سرقة أشيائي روز.
تذمرت أسنده بصعوبة: لست محبوبتك تمالك نفسك وقف جيداً.
تركته واقفاً ليترنح وأسرعت أسحب روز من كلتا يديها لأوقفها، تحركت معي بنصف عين وكم واجهت صعوبة بالغة حتى أوصلت كليهما إلى السيارة فتارة أسنده وتارة أساعدها هي.
قدت سيارة ديفيد واتجهت إلى شقته، ما ان وصلت وأوقفت السيارة في مواقف السيارة أسفل المبنى حتى ترجلت منها وفتحت الباب لديفيد لأعاونه بصعوبة بالغة حتى وقف وتحرك بعدم اتزان يسير إلى جانبي بينما أحمل روز على ظهي وألهث أنفاس متقطعة.
حتى وان كانت لياقتي جيدة ولكنني واللعنة في أسوأ وضع ممكن! ثقل جسدها العلوي يؤلم كتفي الذي شعرت بالجحيم تحرقه!
ضربت بسبابتي بصعوبة على زر المصعد الأرضي ودخلت انتظر ديفيد الذي يمشي بذهن غائب تماماً وبدأ يدندن بصوت خافت بل ومرر يده على شعر روز مربتاً على رأسها وقال: فتاة جيدة، أخبرتك ان النوم مبكراً عادة صحية.
أخذت نفساً احاول تجاهل ألم ظهري حتى فتح باب المصعد وخرجت ليتبعني مترنحاً، ولحسن الحظ رأى جار ديفيد مظهري ومعاناتي وتدخل ليساعدني فوراً ويسند ديفيد، كان رجلاً كبيراً في العمر لطيفاً جداً لم يمانع ان يرافقني حتى فتحت باب الشقة وقد نال الوهن والتعب مني.
أدخلت روز والقيت بها على الأريكة لاهثة بصوت عالي امرر يدي على كتفي ثم معدتي. وضعت مفتاح السيارة على الطاولة أمامها بينما كان الجار يقود ديفيد إلى غرفة النوم وتركه ليعود فوراً ويسألني: أنتِ بخير يا آنسة؟
أومأت بينما أخرج معه من الشقة: شكراً جزيلاً على مساعدتي.
ابتسم بهدوء: لا بأس لا شكر على واجب.
سأغادر الآن، إلى اللقاء.
أسندت رأسي على نافذة سيارة الأجرة بنعاس شديد.
تنتهي في العادة اي نزهة بهذه الطريقة المأساوية، اعتدت على هذا الوضع، كما أن أحد هؤلاء الثلاثة الثملين سيُعاتب غداً لتأخره على العمل أو حتى لتغيبه.
نظرت إلى هاتفي المغلق الذي نسيت أن أقوم بشحنه وقد نفذت بطاريته، أرجعته إلى حقيبتي وأرخيت جفنا عيناي.
دقائق حتى وصلت أخيراً وترجلت من السيارة، خطوت بخطى بطيئة وقبل أن أدير قبضة باب المحل تفاجأت بالباب يُفتح.
رفعت رأسي أنظر إلى زوج العيون الزمردية وقلت بهدوء: بحق الإله أخفتني.
ابقى على مسافة بيننا ومع ذلك كان وجهه متجهماً بشدة. هل كان يمارس الرياضة في هذا الوقت المتأخر؟ هذا واضح من تلك المنشفة الصغيرة حول عنقه، انتبهت لهاتفه في يده وقد رفعه أمامي يتساءل بجمود: لماذا هاتفك مغلق؟
أجبته بملل: نفذت بطاريته، لماذا تقف أمام الباب أريد الدخول! آه إن كنتَ غاضباً لأنني تأخرت عن التنظيف فسأفعل هذا غداً و.
إنها الحادية عشر والربع، وهاتفك مغلق! تأخر الوقت واللعنة لماذا هذا البرود المستفز!
عقدت حاجباي لعلو نبرته وتمتمت بإستنكار: ولماذا كل هذا الإنفعال!
ضاقت عيناه واحكم قبضته على هاتفه: هل كان الوقت يمضي بسرعة برفقة المدعو بينديكت؟ أنتِ لا تعيشين في شقتك وحدك وانما تحت سقف واحد مع عائلة لن تقبل أن يتم توريطها في أي شيء، كان بإمكانك ارسال رسالة على الأقل قبل ان تنفذ بطارية هاتفك اللعين وتخبرينني بالوقت الذي قد تعودين فيه!
ما خطب هذا المجنون فجأة!
لويت شفتي واقتربت عمداً ليبتعد عن الباب وهذا ما حدث بالفعل إذ تنحى جانباً فدخلت.
أشعر بالنعاس ولا طاقة لي في مجادلته حقاً.
صعدت الدرج بخطى هادئة، يبدو المنزل هادئاً ومظلماً جداً لا بد وان الجميع قد خلدوا الى النوم وكارل لا يزال في العمل.
عبرت الممر وقبل ان أخطو على الدرج المؤدي إلى الغرفة العلوية سمعت صوته خلفي بجمود: لقد قلتُ بأنكِ ستندمين إن تأخرتِ. وأكدت لكِ أنني لا أمازحك.
التفت نحوه بتبرم وتثاقل شديد سرعان ما تحول إلى الاستغراب والاستنكار للتعبير الجامد الذي تربع على وجهه.
نظرت إليه بترقب والحيرة الشديدة تعتريني لتلك النظرات المليئة بالجدية والحزم.!
أندم؟
ما نوع الندم الذي قد أشعر به!
التعليقات