التخطي إلى المحتوى

رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السادس عشر

ألطف ما قيل ف وصف العلاقات المُريحة: -لم يشقيني في صحبته ‏أتى إلى عمري ‏ضمادًا ‏لأيامي الجارحة.
وصل كلٌ من تميم وشمس ل شقة نوران الكائنة بأحد المنتجعات السكنية الراقية. ترك تميم الحقائب من يده وأطرق متسائلًا:
-المفروض نعمل دلوقتٍ.
بدّ على وجهها الشحوب والهزل وقالت بصوت مُتعب: -اقعد هنا وأنا هدخل الحاجات دي الفريزر وأبخر الشقة وأشوف أيه كمان ناقص وهعمله…

أسدل جفونه ممسكًا بيدها كي يردف متسائلًا: -حبيبتي ؛ متأكدة أنك كويسة!
قفلت أناملها الناعمة على راحة كفه الخشن فانبثقت دمعة من طرف عينيها وقالت بحزن وخيم: -تميم. أنتَ آكيد واخد بالك الفترة دي أنا أد أيه متوترة وعصبية حتى مقصرة في حقك أنتَ ومصطفى.

كانت عيونه تشع بريق الاهتمام وهو يستمع إليها بتركيز شديد، زحزحت أنظارها عن حزنها لترفعهما لسُحب عينيه الدافئة وأكملت منفجرة بالبكاء: -أنا حامل. ومعرفش ده حصل أمتى وازاي وأنا مش مستعدة لطفل تاني دلوقتِ وو
قاطعها بلهفة ممزوجة ببوادر الفرح: -قولي تاني كده! أنتِ أيه.؟
تقلصت أنظارها وهي تُشاهد السعادة المتنقلة في عينيه غير مبالٍ لحُزنها ؛ فأتبع وهو يضم كفيها ويدنوها منه: -أنا سمعت صح! أنتِ حامل مش كده!

أردفت بتيهٍ: -أنتَ مبسوط! تميم فوق! بقول لك أنا حامل ولسه ابننا مكملش ال8 شهور!
انبسطت أسارير وجههُ وتهادى صوته متحمسًا وهو يجثو على رُكبتيه ويضع مسامعه فوق بطنها وكأن الخبر هبط على صحراء قلبه فنبت زهرًا، افترّ ثغره بضحكة خفيفة وهو يكرر سؤاله بصيغ مختلفة: -يعني هنا جوه في أخ او أخت لمصطفى. وأنا هابقى أبوهم.

ثم غير وجهة الحديث ليُخاطب جنينها: -صباح الخير يا بن ال أنا أبوك عشان تحفظ ده الصوت كويس، مش عايزك تتعب مامي لحد ما تيجي وتنور حياتنا ولما نروح هعرفك على أخوك صاصا.
ارتجفت أعينها ارتجاف ورق الشجر الذي يُداعبه المطر. غرست أناملها في جدائل شعره الراسية عند بطنها وقالت بخوف: -تميم أنا مش هقدر على حمل تاني الفترة دي ومش عارفة المفروض اعمل ايه.
ثم زفرت كأنه صعب الأمر عليها: -تميم ممكن نتكلم بالعقل.

وثب قائمًا بحماس متجاهلًا حزنها تمامًا. سحبها من كفها لتستريح على أقرب مقعد ثم طبع قُبلتين فوق رأسها وقال بصوت يملأه الحماس: -ولا حركة. بصي انا هعمل كل حاجة ابخر الشقة و اشيل الحاجات فالتلاجة المهم أنتِ تقعدي هنا متتحركيش.
قيد فرحه لسانها فاكتفت ببث النظرات إليه. ما كاد أن يخطو خطوة فتراجع مستفسرًا: -هو هيكون ولا ولا بنت؟

ثم رفع جفونها للسقف داعيًا وهي يلهث رحيق السعادة: -إن شاء الله تكون بنت. هي بنت. وبعدها نجيب ولد تاني عشان يسند أخوه. آه وبعدها بنوتة عشان البنت يكون لها أخت.
غمغمت بذهول: -تميم!
فلوح بسبابته أمرًا: -اقعدي مكانك متتحركيش. أنا هخلص كل حاجة.
بسيارة عاصي.

تجلس حياة بالمقعد الأمامي وبحضنها تاليا التي هزمها النوم من كثرة البُكاء. لم تتوقف حياة عن بث القُبلات الحنونة لجبين الطفلة والكثير من اللمسات الدافئة كي تطمئنها حتى أردفت منزعجة وهي تضمها لحضنها أكثر: -يا روحي جسمها كله بيترعش.
ضرب مقود السيارة بعنف ودخان الغضب يتطاير من عينيه ؛ وانتفخت أوداجه قائلًا: -متخلنيش أرجع ادفن الست دي هي وابنها دلوقتِ.

عارضته بلوم: -والله! مش مكفيك ال عملته في جوزها، وعضوية النادي ال اتسحبت منهم!
رد مغلولًا وهو يتسابق مع السيارات المارة بطريقه: -مش كفاية، مش كفاية عشان تمد أيدها على طفلة في العُمر ده! دي ست عايزة تتربى من أول وجديد.
تدخلت داليا الجالسة بالمقعد الخلفي في حوارهم: -بابي المرة الجاية ال هيزعلنا هنكسر دماغه بالحجر زي ما قولت لنا.
كاد أن يؤيد صغيرته فأوقفته نظرة حياة الممزوجة بالعتاب: -عاجبك كده!

ثم دارت ل داليا بنبرة لطيفة وقالت: -حبيبتي أحنا مش بلطجية عشان نعمل كده، لو حد زعلنا مرة تانية نروح نشتكي لناني وهي هتتصرف. لكن ما يصحش نرد الإساءة بالسوء.
ثم أشاحت بنظرها لعنده وقالت متسائلة: -ولا أيه يا بابي!
أردف مقطب الجبين بملل: -مش زمن حكم مواعظ يا حياة. اسكتي.
عبست ملامحها بضيق وهي تولى وجهها الناحية الأخرى: -والله! تمام ه سكت خالص يا عاصي…
مع غروب الشمس.

تقف عالية أمام المرآة تراقب تفاصيل فستانها الأسود الطويل وحجابها الذي يزيد من جمالها. ثم أكملت جمال إطلالتها بلف الإسوارة التي سبق وأهداها لها عاصي. مع عقد هادئ من نفس اللون الفضي. وختمت إطلالتها باللون الوردي الرقيق الذي صبغ فاهها. خرج مراد من الحمام بعد أن قام بأخذ حمامه الدافئ مع صفير إعجابه برقتها وهو يُديرها أمامه:
-سبقتيني! بس أيه الحلاوة دي كُلها.؟

ترنحت أمامه بدلالٍ وهي تسد فراغات أصابعه: -بجد! يعني مفيش أي كومنت!
اكتفى بتقبيل أرنبة أنفها بقُبلة ناعمة وقال: -طبعًا فيه!
زاد اهتمامها لسماعه: -ايه مش عاجبك وأنا أغيره.
ارتسمت الابتسامة الخفيفة على محياه قائلًا بلُطف: -أن حلاوتك زيادة النهاردة وكده مش هعرف اركز مع حد غيرك طول الفرح!
تقاسم الفرح معالم وجهها، فأضافت متبسمة: -ومين قال لك إني عايزاك تركز مع حد غيري طول الفرح!

عقد حاجبيه وهو ذائب في جمالها الرقيق وملامحها التي تبث قلبه بالحب ؛ وبنبرة جدية مبطنة بالمزاح متنهدًا: -أنا قولت لك بحبك النهاردة ولا نسيت!
بغنج إمراة رواها نهر الحُب، أردفت قائلة: -لا قولتها. بس أحب اسمعها تاني.
تمتم بنبرة تُكاد لا تُسمع غيرها: -بحبك ؛ وأعملي حسابك هتسمعيها كتير أوي النهاردة.
ثم اتسعت ابتسامته متمنيًا: -هو اليوم ده هيخلص أمتى!

عبس وجهها بمزاحٍ: -هنبتدي! مراد الساعة بقيت 8 وسيادتك بترغي، يلا اجهز قبل المعازيم ما يوصلوا، أنتَ أخو العريس على فكرة…
ما كادت ان تفارق يديه ثم تراجعت متسائلة: -مامتك رفضت تيجي بردو!
شرع بارتداء ملابسه الخاصة بالزفاف بيأسٍ: -قالت مش حابة تعكر فرحتهم. ورفضت تنزل بس بعتت له هديته إمبارح.
ربتت على كتفه بحنو: -كله هيتصلح ويرجع أحسن من الأول.

هز رأسه متأملًا أن يتحسن الوضع ثم غير مجرى الحديث قائلًا: -حكم المحكمة طلع النهاردة، ونسبك ثبت ل عزالدين وطنت سوزان، يعني الموضوع انتهى.
خيم فطر الحزن على ملامحها، حيث أومأت بخفوت: -عاصي عرف!
-آكيد المحامي بلغه.
أغرورقت عينيها بعبرات الحزن وخسارتها الأبدية لأخوتها: -تمام. حاول اتكلم معاه يا مراد، وقوله إني مش هاخد حاجة، ده مش ورثي ومش حقي.

عقد حزامه الجلدي المُلتف حول خصره وقال: -نخلص من دوشة الفرح وحلي معاهم كل المواضيع دي، أنا ماليش حق ادخل.
ثم ربت بحنان على ظهرها: -بلاش الزعل ده. وعايز أشوف وشك دايمًا بيضحك.
بغرفة عاصي.
يتجول بالغرفة هو يُكمل إرتداء ملابسه متجاهلًا حالة البؤس التي تملأ أركان الغُرفة وطريقة تجاهلها لوجوده. وقف أمام المرآة وهو يعقد رابطة عُنقه ممتلئًا بصورتها المعكوسة بالمرآة:
-البوز ده مكمل معانا لحد أمتى؟

اردف جملته بتوغر وغضب إثر تجاهلها التام لوجوده وتعاملها بجفاء على عكس عادتها التي لا تخلو من المرح ومداعبته باستمرار خلال فترة وجوده معها، ثم دار إليها مكملًا:
-وبردو هفضل أكلم نفسي كده كتير؟
انتهت من قفل زر بنطال صغيرها ومسحت على شعره بكفها العطوف وقالت دون أن تطالعه، مصدرة وجه النساء النكدي:
-بما أن كلامي مش عاجبك، قلت لي اسكتِ فسكتت!

ثم تركت صغيرها يحبو على الفراش ويداعب أخيه بلطفٍ وصرخات تملأ المكان بهجة أشبه بتغريد عصافير الصباح، تحركت لعنده بخطوات واسعة فوق رياح الغضب وأكملت:
-لأن حتى لو اتكلمت، أنت هو أنتَ مش هتتغير ودايمًا شايف إنك صح وكلنا غلط! يبقى السكوت معاك هو الحل.
هَمّ بعقد رابطة عنقه مرة آخرى قائلًا بهدوء يحسد عليه: -وأنا كُنت عملت أيه لده كله! بدافع عن بناتي! عايزهم يبقوا أقويا زيك!

يبدو أن حديثه رق له قلبها. هدأت عواصفها قليلًا ف دارت لتقف أمامه وتعاتبه بهدوء: -ياحبيبي تربيتك للبنات غلط وبتبوظ كل ال بعمله معاهم.
ثم أمسكت بمعصمه وأكملت توبيخه بنفس النبرة: -في أب يقول لبنته افتحي دماغ ال يزعلك هو وال جابوه! ده كلام ده! بنربي جيل سوي ولا بلطجية! يأخدوا حقهم بالطريقة الصح.

ردت بإقتناع تام لمبادئه: -هو ده الصح بالنسبة لي! متعرفيش حاجة أنتِ، البنت لازم تطلع قوية وتجيب حقها بنفسها، مش عايزها تخاف من حد ولا تعمل حساب لحد!
ثم مال على آذانها وأتبع: -تكسر وهروح أكسر معاها! بناتي وولادي خط أحمر.
جحظت عينيها بذهولٍ محاولة استيعاب جبروته: -لا مش طبيعي! أنتَ الكلام معاك مفيش منه فايدة!

ثم أشارت بسبابتها وأكملت محذرة: -سيبني أربي الأولاد براحتي، أنا أدرى بمصلحتهم. ممكن متدخلش بينا!
ذاع بوجهها مترنحًا وبنبرة مبطنة بالاعتراض: -الله! أنتِ ناوية تربي ولادي كمان التربية المايعة دي! لا انسي. ولادي أنا هربيهم بمعرفتي. أنتِ ال متتدخليش.
رفعت حاجبها مذهولة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها متمنعة ؛ وبسخرية أردفت: -ااه ولادك!، ودول هتربيهم على البلطجة، مش كده!

عاد إلى المرآة ليكمل ضبط ملابسه وقال بثبات: -والله ولادي وأنا حُر. محدش يدخل مابينا، أنا عايز أطلع رجالة يفوتوا ف الحديد ويكملوا مجد أبوهم عاصي دويدار.
اكتفت بزفيرٍ قوي بوجهه ثم عادت لصغارها وهي تهزي بكلمات غير مفهوم، فجهر ناصحًا: -أفردي البوز ده بدل ما أجي أفرده بطريقتي.

اكتفت بإرسال نظرة حادة إليه بالمرآة، حتى رأته يتناول سترته السوداء، حملت ركان وعادت إليه قائلة: -أنت شكلك خلصت، خد كده ركان وأنا هلبس وانزل بريان. يلا يا عاصي مفيش وقت.
رمت صغيره على كتفه متبعة خطتها في حفر أساس الأبوة بصدره. سار خلفها معترضًا: -خدي هنا! مش هنزل بعيل تحت! بقولك فرح وهستقبل أكبر رجال الأعمال و غيرهم! اشيل ركان ازاي؟ حياة متهزريش متعودتش على كده؟

أخفت ضحكتها بصعوبة محافظة على تلك الملامح الصارمة: -وفيها أيه! ابنك ده ولا جايبه من الشارع أنا!
ثم غمغمت بعجلٍ: -يلا ياعاصي عايزة ألبس. لبست البنات والولاد وأنت كمان جهزت. مش باقي غيري.
ألقى نظرة ساخطة على ملامح ركان الضاحك له ؛ فتمتم: -حياة! مش هينفع.
أخرجت ملابسها من الخزانة متجاهلة اعتراضه، كادت أن تخطو للمرحاض ثم تراجعت راكضة وهي تحضر زجاجة العِطر الخاصة بصغارها: -استنى استنى كُنت هنسى.

رشت القليل من العطر الفواح على ياقة صغيرها ثم قبلت كفوفه بحبٍ حتى نظرت لعيني عاصي المُلتهبة بجمر الغضب: -عاصي تاخد ريان كمان. أصلو هيعيط لو ملقاش أخوه جمبه!
رفع أكتافه احتجاجًا، ف عض على شفته السُفلية كاظمًا غضبه بعد ما لمح بريق الانتصار بملامحها، رفع حاجبه معاندًا في صغيره: -وأنا! البرفيوم بتاعي هناك على فكرة.
ظلت تهندم في ملابس صغيره متعمدة تجاهله: -هاته بنفسك.

ألتف ذراعه حول خصرها بغتة لتصرخ شاهقة بحضنه، فقال معاتبًا: -قولت نفرد البوز ده والا.
حاملًا صغيره بيساره ومالكًا أنثاه المُدللة بيمينه ليراوغها بكل معانٍ الحُب. تملصت من قبضته متدللة: -عاصي، الفرح والمعازيم.

لم يتنازل عن حقه إلا بترك بصمته على ثغرها المًنكمش ليُمدده بقُبلة طويلة كتمت أنفاسها المتمردة على شطي بحرها الذي لم يكن أول عشق له بل كان أول حياة لقلبه. فاق الثنائي على صوت صرخة ركان الضاحك الذي لا يُدرك شيء ولكن يبدو أن رائحة الحب أصابت نشوة الفرح بقلبه. افترقت عنه مجمعة شتاتها الذي بعثره مكتفية بضربة خفيفة على كتفه ثم ركضت لتحمل ريان وتضعه بيمينه وقالت:
-كده تاخد الاتنين معاك وتنزل…

ما فرغت من سرد عارضة طلباتها ركضت للمرحاض هاربة من شر أعينه التي كادت أن تحرقها بمكانها. تأرجحت عيني عاصي على صغاره يمينًا ويسارًا بحسرة: -أنا أيه ال بعمله في نفسي ده بس!
خرج عاصي من غُرفته حاملًا صغاره على يديه وهي يشاجر أنفاسه حتى وصل إلى الطابق الثاني بالقصر فألتقي بتميم الخارج من غُرفته حاملًا مصطفى بفرحة تتقاذف من عينيه، اقترب الأخوة من بعضهما حيث عبر عاصي عن سخطه قائلًا بهمس:.

-عاجبك البهدلة دي! تميم أنا اتورطت ولأول مرة مش عارف أخلع!
انفجر تميم ضاحكًا وهو يربت برفق على كتفه أخيه: -كلنا لها يا أبو ريان.
-ياعم اسكت بقا! المهم مفيش صرفة للعيال دي! اوديهم فين.
ركز تميم في ملامح التوأم متسائلًا: -ده مين الأول!
رد عاصي بضيق: -استنى بص على الاسورة. ده ركان.
ثم ماله ليعطيه لأخيه: -ده هادي ده وطيب زي أمه بالظبط. أمسك كده بس.

في تلك الأثناء خرج مراد من غُرفة عالية منضمًا لمجمعهم معبرًا بفرحة: -التوأم الجامد ده! تصدق بيوحشوني.
بتنهيدة استغاثة دار إليه عاصي: -ابن حلال. لسه ريان كان في سيرتك. امسكه كده!
ثم غمغم: -بنتك أكيد مع جدتها. يبقى تخلي ريان معاك.
رماه بحضن مراد وتفوه قائلًا: -حياة لو سألتكم قولولها أنكم ألحيتوا عليا.
فهندل ملابسه سريعًا وقفل زر بذلته مستردًا لهيبته: -هروح استقبل ضيوفي…

بالحفل…
حفل زفاف عملاق أُقيم بقصر دويدار الذي حاوطته الإنارة من جميع الجهات مع صوت الغناء ومفرقعات الأفراح. انتشرن رجال عاصي بالحفل لتأمينه على أتم وجه ووقف عاصي وحياة على البوابة لاستقبال ضيوفهم من صفوة مجتمعهم. مالت حياة على آذانه:
-الولاد فين!
رد بهدوء وهو يُرحب بأحد الرجال: -شبطوا في تميم ومراد.
حدجته بشكٍ: -والله!

جاء احد رجال الأعمال وزوجته اللذان استقبلهما عاصي بود وترحاب، صافحت حياة السيدة ورحبت بمجيئها ما خطت تلك السيدة خطوتين فتمايلت على زوجها قائلة بصوت وصل لمسامع حياة:
-مراته جميلة أوي!
-ده عاصي دويدار، مابيقعش إلا واقف.
سماعها للجملة أدخل السعادة على قلبها حيث مالت لعنده وسألته بعتبٍ: -ماقولتش رأيك في الفُستان!
جذبها من خصرها لتقرب منه أكثر وأردف بثقة دون التطلع لعندها: -أنتِ محلياه.

حدجته بلومٍ: -طيب بص لي.
انضم مُراد لموقفهم فقال بعتبٍ: -ابنك بهدل البدلة وخلاني أغيرها، عاجبك عمايل جوزك دي يا حياة!
تأرجحت عينيها الخبيثة لعنده وقالت بشكٍ: -متأكد أن هما ال شبطوا في مراد وتميم!
ثم ربتت على كتفه بتوعدٍ متأهبة للرحيل: -هدخل جوه ومراد جيه أهو يقف معاك.

بادلها بابتسامة خفيفة وآخرى متوعدة لمُراد. ف تلك اللحظة جاء رشيد بصُحبة ريم خطيبته ومساعدة عاصي. تبادل السلامات والمباركات. مال عاصي معاتبًا:
-ابقى قابلني لو ليلتي عدت النهاردة!
لكزه مراد ضاحكًا: -أيه الكلام ده! فين أيام عاصي دويدار ؛ أنا عايز أرفع القُبعة لمراتك.
نصب قامته خافيًا ضحكته وقال: -قول حاضر وأعمل ال في دماغك، أنا بشتري راحة بالي مش أكتر.
أردف بإعجاب: -منك نستفيد يا مدرسة.

أنضم لهم تميم قائلًا: -أنتوا سايبين المعازيم وواقفين هنا!
ثم نظر لمراد معاتبًا: -وأخوك شوفه فين قال هياخدها الفوتوسيشن ويرجع، اتأخروا ليه…
بداخل الحفلة.
تدور كل من حياة وشمس وعالية حول المعازيم وتقدم لهما أشهى وأغلى أنواع الحلوى بصحبة مساعدين البوفيه. ركضت تاليا ل حياة هاتفه:
-مامي مامي!
دار حياة لصغيرتها مُلبية ندائها: -نعم يا قلبي؟
استأذنتها تاليا قائلة: -ممكن أكل وان بيس أف شكوليت كمان!

فتوسلت لها: -بليز يا مامي وافقي! بليز!
قبلت وجنتها بحُب وقالت: -واحدة كمان وبس. بروميس؟
ثم أشارت لمربية: -خليك معاهم.
فجاءت سيدة حاملة صغارها وقالت: -ست حياة، بيعيطوا ومش عارفة أعمل معاهم أيه!
أغرورقت عيني حياة بقلة حيلة وهي تأخذ واحد منهم وقالت: -تعالي يا سيدة معايا ننيمهم.
تهامسن أحدى السيدات اللاتي يُراقبن الوضع، فقالت أحداهن بنظرات حاقدة: -هي مخلفة كل دول ومش باين عليها دي ولا بنت 15 سنة!

فهتفت الأخرى بغلٍ: -متجوزة واحد زي عاصي دويدار وعايزاها تبقى أزاي يعني! كل ده عمليات وفلوس، ميغركيش ولازم تعمل كده أحسن جوزها يطير منها! دي البنات حوليه زي الرز.
فهتف الأخرى بسخط وهي تفحصن شمس وعالية: -البنت ال هناك دي كمان مراة تميم اخوه، بيقولوا البنت دكتورة وبنى لها مستشفى كبيرة باسمها ومسميها مستشفى الشمس.
ثم تمصمصت مكملة: -بنات حظها من نار!

أخذت سوزان حفيدتها من يد عالية وقالت: -حبيبتي ركزي مع ضيوفك وأنا هقعد مع لوزة حبيبة قلب آنة.
نظرت لها عالية بامتنان: -مرسي أوي يا مامي. هروح أشوف مُراد فين.
أمام البوابة التي يقف عندها الثلاثة رجاء. يتهامس فأقبل يسري لعنده قائلًا: -عاصي بيه تأمين المكان على أعلى مستوى.
-عفارم عليك يا يسري.
جاء كمال بصُحبة شيرين ابنة عمهما الفرح، فوقف عاصي لاستقبالهم: -كده بردو تقطعوا شهر العسل وتيجوا!

أردف كمال بامتنان: -معاليك عارف مقدرش اتأخر على حضرتك.
ربت عاصي على كتفه: -عارف يا كمال.
ثم وجه حديثه لشيرين فارحًا: -مبروك يا عروسة.
منذ بداية معرفة كمال بشيرين وتوليه مهمة عملها بالشركة، نشأت شراشرة الحب بين الثنائي حتى تأكد أن جميع مشاعرها لعاصٍ ما هي إلا أوهام تراودها. صافحت ابن عمها وردت له التهنئة: -الله يبارك فيك ياعاصي.
مال يسري على آذان عاصي قائلًا: -في مفاجأة هتعجبك أوي.

-مش بخاف غير من مفاجئاتك!
أتت حياة في تلك اللحظة بعد ما التقت بشيرين وكمال ورحبت بهما ثم أقبلت إليهما حيث تبدلت ملامحها بصجر عند رؤيتها ليسري، أشاحت له بنظرة ساخطة ثم قالت لعاصي بهدوء: -حبيبي لو سمحت عايزاك!
لبى دعوتها ووقف الثنائي بمكان بعيد عن الضوضاء، فعاتبها قائلًا: -لسه بردو هتقلبي وشك كل ما تشوفي يسري!
جحظت عينيها بعتاب: -والله! مش ده ال كان بينظم لك سهراتك المشبوهة!

عقد حاجبيه مذهولًا: -يسري! ده حبيبي!
تأففت بضيق ثم قالت: -سيب مراد وتميم هنا عشان صفوت علام بيسأل عليك جوة.
-صفوت علام! فكرتي في موضوعه!
تأرجحت عينها بتوتر: -مش عارفة؛ أنت ليه مقلق من شراكته؟
هنا. ارتفع صوت الغناء وقرع الطبول وقدوم الفرقة الموسيقية التي تُلعن بمجيء كريم ونوران. اتسعت ابتسامة حياة وهي تُراقب دخولهم وتمسكت بيده وقال بسعادة: -العرسان جم.

هبط كريم من سيارته وساعد نوران صاحبة الفستان الكبير أن تخرج من السيارة. تمسك بذراعه. احتشد الجميع حولهم فطوقت شمس أختها بفرحة وانفجرت باكية: -زي القمر يا روح قلبي.
حيث احتضن مراد أخيه وبارك له على تمام زواجه متمنيًا لهما السعادة. تقدم تميم وعانق كريم ثم طبع قُبلة خفيفة على رأسه نوران وقال ناصحًا: -لو زعلتها هتشوف شغلك.

تقدم عاصي بصحبة حياة ورحب بالعروسين، تدخل كريم ليجفف عِبرات نوران المُترقرقة وهمس قائلًا: -روقي بقا محضرلك مفاجأة هتعجبك أوي جوه.
زُفَ العرسان على أجمل الأغانٍ المصرية القديمة حتى وصل إلى الكوشة، مالت نوران على آذانه وسألته: -أيه هي المفاجأة!
أشار كريم لُيسري ففهم مغزى إشارته، فلوح له أن يتمهل قليلًا. تقف حياة بمحاذاة عاصي بوجه ضاحك وعبرت عن فرحتها قائلة: -شكلهم حلو أوي.

ضمها من خصرها المرسوم الذي يغطيه شعرها المتدلى ليطبع قُبلة خفيفة على وجنتها وقال: -مفيش في حلاوتك!
تقتنصهم عيني السيدات الناقمات لتقول إحدهن للآخرى وهي تلكزها بحذر: -بصي بصي! شايفة الدلع والحب!
أقبل فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها لتصافح عاصي قائلة بامتنان: -عاصي بيه، أنا سعيدة أوي إني قابلت حضرتك، أنا رنا بنت المهندس حجازي الشيخ.

تفحصت عيناه رقة الفتاة وقال بابتسامة عريضة: -أهلًا أهلًا يا رنا، طبعًا باباكي غني عن التعريف.
مدت يدها حياة عندما لاحظت أن هناك شيء غريب بالأمر وقالت: -هاي! انا حياة مراة عاصي بيه.
صافحت رنا زوجته بعدم اهتمام ثم قالت موجهة حديثها لعاصٍ: -متتصورش بابي بيحبك أد ايه ومن كلامه عنك بقيت قدوتي في عالم البزنيس. عشان كده بتمنى لو حضرتك تشوف لي أي شغل كتدريب فالشركة لان حقيقي هيشرفني أوي استفيد من خبرتك.

رد مُرحبًا: -طبعا تنورينا يا رنا…
أصدرت حياة ايماءة اعتراضية وهي تُراقب نظرات إعجاب الفتاة بزوجها، فتدخلت منادية على يسري لتقطع اتصالها بعاصي خاصة بعد طلبها لرقمه الشخصي:
-الأستاذ يسري، تقدري تستفسري منه عن كل حاجة، هيفيدك أكتر من عاصي بيه، لان للاسف مش من مهام عاصي تشغيل الموظفين.
ثم سحبته عنوة فعارضها قائلًا: -حياة أيه ده! أزاي تكلمي البنت كده!

تأففت بضيقٍ: -أنتَ مش شايف بتبص لك أزاي! عاصي ممكن تعدي اليوم على خير، بجد كفاية كده، أنا بجد مش عارفة مالي!
قفل جفونه لبرهة محاولًا تمالك اعصابه: -أنا هروح أخد درينج يفوقني. وأنت أهدي!
ما كاد أن يخطو خطوة فتراجع متحسسًا درجة حرارتها ؛ وسألها بشك كاسرًا حاجز الشجار بينهما: -الهرمونات دي مش غريبة عليا! أنتِ حامل طيب!
زفرت في وجهه بملل وقالت قبل أن تنصرف من أمامه: -والله أنت فايق ورايق.

لم تهن عليه أن يتركها في حرائق غيرتها المشتعلة. منع ذهابها فاقترب منها مداعبًا خصلات شعرها وقال بحُب: -وبعدين هتغيري من عيلة صغيرة زي دي! وأنتِ عارفة أن عيني عمرها ما هتشوف غيرك! روقي بقا وكفاية نكد بقى، أنا مش عارف اليوم ده مش ناوي يخلص له.
تجولت عينيه ف المكان سريعًا ثم سرق قُبلة من جوار ثغرها فتبسمت وقال: -تيجي نشرب حاجة سوا!

تنهدت بارتياح: -لا ياحبيبي. هروح أشوف البنات عشان يناموا. كفاية سهر عليهم كده.
بعد مرور نصف ساعة.
-مراد، عاصي فين؟
تدخلت عالية متسائلة بأعين تبحث عن أخيها، فأردف: -كان مع حياة! شوفي كده.
اقتربت من حياة وسألتها: -عاصي فين! المأذون على وصول وعاصي مختفي!
تمتمت حياة بحيرة وهي تطوف بأعينها باحثة عنه: -مش عارفة، قالي هياخد درينج ويرجع. هشوفه فين آكيد مع ضيوفه!

تفقدت الحفل والمعازيم باحثة عنه ولكن بدون جدوى حتى وصلت للبار المخصص للحفل، وهتفت:
-عاصي أنتَ هنا سايبنا بندور عليك؟
ثم اقتربت منه و: -تاني يا عاصي! مش اتفقنا هتبطل الهباب ده!
جاءت من الخلف تجر في ذيل فستانها بخطوات حثيثة، فهبت بجُملتها الأخيرة وهي تشد كأس النبيذ من يده، فبرر قائلًا:
-من غير كحُول! وبعدين ده فرح!

جزت على فكيها وهي تراقب الحشد حولها وأطرقت بصوت دفين: -عاصي ؛ متنرفزنيش. فيه زفت كحول ولا لا. أنتَ وعدتني هتبطل. وخلاص.
لعن حظه سرًا ثم تمتمَ مغلوبًا على أمره: -هات يا بني قهوة سادة!
لم تُكف عن إرسال نظرات العتاب إليه. مما جعله يتفوه بإغتياظ:
-في إعتراض كمان على القهوة!
سكبت محتوى الكأس بالأرض بنظراتها الحارقة ثم وضعته على سطح البار محدثًا صوتًا مزعجًا وقالت بتأفف:.

-تخلص قهوتك وتيجي تُقف معايا المأذون على وصول.
-دقيقتين بشم فيهم هوا يا حياة بعيد عن الدوشة دي.
ثم استسلم لرغبتها متجنبًا غضبها: -هشرب حاجة تفوقني وأجي لك. حاضر.
انصرفت على مضضٍ وهي تهذي مع نفسها سرًا. ف دار إلى النادل المختص بالبار مستردًا هيبته:
-وأنت على كده متجوز يا سعيد!
رد الآخر بتمنى: -دعواتك يا بيه.
رد عاصي متحسرًا: -قول لي أدعي عليك. بص أنا جيالك من المستقبل وبقول لك أنتَ كده زي الفل.

ثم هز رأسه متبعًا: -ال قدامك ده مفيش حد استجرى وقدر يمشي كلمته عليه، بس تقول أيه. غدار الزمن!
فرمقه بحسرة: -اتجوزت وزي ما أنت شايف.
فأخذ نفسًا عميقًا وأتبع بنبرة ناصحة: -نصيحة مني لو هتتجوز، متقولش غير حاضر وبس. متجادلش ياسعيد. نفذ كلام مراتك بالحرف هتعيش ملك.
أرسل له النادل ابتسامة خفيفة ووضع فنجان القهوة أمامه قائلًا: -قهوتك يا باشا.

عقد حاجبه بإمتعاض من حماقة سعيد وقال: -وأنا ال افتكرتك فاهم! بقول لك مفيش حد يقدر يمشي كلمته عليا. ادلق القهوة دي وحط لي فيه ال كنت بشربه. استعجل يا سعيد قبل ما ترجع…
نفذ سعيد أوامره بالحرف وسكب له النبيذ بفنجان القهوة، ما كاد أن يلامس فاهه فعادت حياة لعنده مرة ثانية وقالت بجزع: -عاصي!
رمن الفنجان من يده على الأرض ووثب مُلبيًا طلبها: -جيت أهو!

زفرت بإمتعاض وتوسلت له: -ممكن نعدي اليوم على خير! حاسة في حاجة غلط!
مسك كفها وقال على مضض وهو يسحبها لساحة الفرح مرة آخرى: -محسودين، شكلنا محسودين، النحس ده مش طبيعي. تعالي.
علي ساحة الرقص وثب الثنائي لتراقصان على الأغاني الرومانسية فتمتم نوران التي تعانقه وتتمايل على صوت الموسيقى: -أيه هي المفاجأة!
غمز بطرف عينيه: -ثواني وهتعرفي.
مالت حياة نحو عاصي الواقف يشاهد العرسان معها وسألته: -نرقص!

غمغم برفض: -بقولك محسودين يعني تسكتي!
في تلك اللحظة التي نطق رجل الدي جي معلنًا عن تقديم الراقصة مُهرة جاء يسري من الخلف هامسًا لصديقه: -أيه رأيك في المفاجأة دي؟
حك عاصي ذقنه لاعنًا حظه وتمتم: -مالقتش غير مُهرة! هو يوم باين من أوله!
برقت عيني نوران بصدمة عندما سألها كريم عن رأيها بمفاجأة، فتفوهت متوعدة: -رقاصة! رقاصة يا كريم! دا أنت ليلتك مش فايتة؟ أقول لك طلقني!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *