وقف رعد في خيمته وسط معسكره، أنامله تضغط على طاولة خشبية تملؤها الخرائط والرسومات العسكرية. كان جيشه قد اتخذ موقعه في الجنوب، حيث توقع الهجوم القادم، لكن شيئًا ما كان يُقلقه… شيء لا يستطيع تحديده بعد.
جاء صوت جود التى اقتحمت الخيمه “رعد، لدينا مشكلة.”
استدار إليها، عيناه تتقدان بحده جود ماذا هناك؟
تقدمت جود ببطء، تنظر حولها كأنها تتأكد أن لا أحد يسمعها “لقد تلقيت رؤيا، ليست كأي رؤيا… كان هناك ظلال تتحرك بين الأشجار، عيون تتوهج كالجمر… لكن لم يكن هذا ما أرعبني.”
اقتربت منه، خفضت صوتها: “رأيت بوابة الجان تُفتح من تلقاء نفسها… لم يكن هناك من يناديها، لم يكن هناك تعويذة… بل انشقاق في الهواء، وكأن شيئًا من العدم قرر الظهور في عالمنا.”
نظر رعد إليها بحدة،”هذا يعني أنهم لم يعودوا بحاجة لساحر لفتح البوابات… الجان صاروا قادرين على العبور بحرية.”
مع حلول منتصف الليل، بدأ كل شيء.
من قلب الغابة، ارتفع ضباب ثقيل، كأن الأرض تنفست الموت، أصوات غير بشرية تعالت، أنين، نحيب، ثم صوت صرير حاد، وكأن الهواء يُمزَّق.
في اللحظة التالية، شقّت البوابة نفسها في الفراغ، وانبثقت منها كائنات ليست كالبشر، ولا كالحيوانات.
كانت لهم أجساد طويلة نحيلة، وجوه بلا ملامح، وأذرع تنتهي بمخالب طويلة.
كانت حركتهم أشبه بالزحف، لكنهم ما إن لمسوا الأرض حتى انطلقوا بسرعة تفوق المنطق.
في ثوانٍ، كانت جيوش رعد تواجه كابوسًا حقيقيًا.
“استعدوا!” صرخ رعد، ممسكًا بسيفه، وقد انتشرت قواه كألفا عبر جيشه.
اصطدمت المخلوقات بالجنود، وسقطت أولى الجثث قبل أن يدرك أحد ما يحدث.
كان السلاح العادي يبطئهم، لكنه لم يكن يقتلهم.
ضرغام، الذي عاد في اللحظات الأخيرة، ضرب أحدهم بفأسه العملاق، فقط ليجد أن الجرح التأم أمام عينيه.
“إنهم لا يموتون!” صاح غاضبًا.
لكن رعد لم يكن ليسمح بالخوف أن ينتشر بين رجاله،”إنهم يموتون، لكن ليس بأسلحتنا العادية… ماجى؟
كانت ماجى تتابع المعركه من فوق صخره وقد بدأت قواه تتقد ، تنقض على المخلوقات وتطلق لهيبها النارى كانت القوى السحريه التى نالتها حين حرب الساحره باتيكا انطلقت فجأه داخلها
كأنها كانت تنتظر تلك اللحظه بالذات، تنتظر تلك المخلوقات . وما إن لامسهم اللهب، حتى انطلقت صرخاتهم العالية، ثم احترقوا بالكامل.
“النار!” صاح رعد. “أشعلوا السهام، استخدموا الزيت، لا تسمحوا لهم بالاقتراب!”
اشتعلت السهام وانطلقت، لكن الجان لم يتوقفوا. كانوا يهاجمون دون خوف، وكأن لا شيء يردعهم.
لم يكن الليل قد انتصف بعد عندما بدأ جيش رعد يتراجع ببطء.
كانت النيران وسيلة فعالة، لكن العدو لم يكن بشريًا، ولم يكن يخشى الألم أو الفناء كما تفعل الكائنات الحية.
المخلوقات كانت تتكاثر… أو ربما لم تكن تموت حقًا. كلما ظن أحدهم أنه قتل واحدًا، عاد ليجد آخر يشبهه تمامًا يخرج من الظلام.
وقف رعد على تلة صغيرة، يراقب ساحة المعركة، ثم استدار إلى جود التي عادت إلى هيئتها البشرية، أنفاسها متسارعة وعيناها تلمعان بإدراك جديد.
“رعد، الأمر ليس مجرد غزو… إنهم ليسوا جنودًا عاديين.”
حدق فيها. “ماذا تعنين؟”
بلعت جود ريقها، وكأنها غير قادرة على التصديق بنفسها. “هذه ليست مجرد مخلوقات تم استدعاؤها من عالم آخر… إنهم أرواح معذبة، كائنات تم تشكيلها من بقايا الميتين.”
عبس رعد، تذكر الجثث التي كانت تملأ القرى المدمرة، وأدرك الحقيقة البشعة: “أنتِ تقصدين أن الهجمات السابقة… لم تكن لإبادة البشر فقط، بل لجمع أرواحهم وصنع هؤلاء؟”
أومأت جود برأسها، وجهها شاحب. “ريان لم يفتح البوابات ليجلب جنودًا من عالم الجان فحسب… لقد استخدم الموتى لبناء جيش لا يفنى.”
نظر رعد حوله، ورأى أن المخلوقات بدأت تتصرف بشكل مختلف.
لم تعد تهاجم بلا هدف، بل بدت وكأنها تنسحب إلى الخلف، متجمعة في نقطة معينة.
في وسط الفوضى، بدأ ضوء أزرق خافت ينبعث، مثل نبض قلب خفي. كانت هناك طاقة تتجمع، تدور، وكأنها تستعد لتغير كل شيء.
همست ماجي من خلفه: “هذا ليس جيدًا…”
وفي لحظة، انفجر الضوء، وخرجت منه شخصية طويلة، أكثر وضوحًا من باقي الكائنات. لم يكن له ملامح، لكن عينيه كانتا مشعتين بلون الدم.
رفع يده، وبصوت بدا وكأنه يأتي من العدم، نطق بكلمات لم يسمعها أحد من قبل.
وتوقفت المعركة.
المخلوقات كلها جثت على ركبها، وكأنها تستمع لأمر خفي. ثم، دون سابق إنذار، استدارت بالكامل، وبدأت تتجه نحو العاصمة بسرعة مذهلة.
حدق رعد بالمشهد بذهول، ثم أدرك الحقيقة المفزعة:
“إنهم لم يكونوا هنا للقتال… كانوا هنا لتشتيتنا عن هدفهم الحقيقي!”
دون أن يضيع ثانية، صاح رعد بصوت مدوٍ: “عودوا إلى العاصمة! الآن!”
لكن عندما استدار، رأى ما جعله يتوقف للحظة.
على قمة التلة البعيدة، بين الضباب والليل، وقف شخص واحد، يرتدي عباءة سوداء ترفرف مع الريح. لم يكن بحاجة إلى أن يرى وجهه ليعرف من هو.
ريان كان هناك.
وكان يراقب كل شيء.
التعليقات