رواية زواج في الظل الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم ياسمين عطيه
رواية زواج في الظل الجزء الثاني والعشرون
رواية زواج في الظل البارت الثاني والعشرون
رواية زواج في الظل الحلقة الثانية والعشرون
مرت ثواني معدودة… المكان كان متجمد، مفيش صوت غير أنفاس متقطعة، محدش تحرك من مكانه، كأنهم تماثيل خايفة تتكسر لو نطقت.
الجد بصوت مليان غضب وكلماته تقيلة زي الرصاص:
– أفهم من كده إيه؟!
محدش رد… حتى اللي كان بيتكلم كتير دايمًا، دلوقتي لسانه مربوط، الخوف كان ماسك فيهم كلهم.
الجد رفع صوته أكتر، وضرب بكفه على الترابيزة بقوة:
– مفيش رجالة هنا تنطق؟ ولا كلكم فارين؟!
الصمت بقى أعمق… الجو مشحون، وكل واحد بيبص للتاني، خايف يتحرك أو حتى يتنفس بصوت عالي.
صلاح كان بيبص لهم، عيونه بتمسح وجوههم واحد واحد… مستني اللي عنيه تزوغ أو يتلخبط في حركته، مستني اللى عمل كده يفضح نفسه.،عيونه بتتنقل بينهم، بيدقق في كل حركة، كل نفس، بس لأول مرة… مش قادر يقرأ أي حاجة غير الخوف. مافيش كذب.
فؤاد بصوت محترم لكنه مهزوز من التوتر:
– يا بابا، محدش يقدر يخالف كلامك، ولو حد فكر يعملها، كان هيقف دلوقتي قدامك ويقول “أنا عملت كده”. احنا عارفين إن تحذيرك مرة واحدة، واللي بتقوله بيتنفذ بالحرف، مستحيل حد فينا يخاطر بحياته كده.
خليل بهدوء لكنه حاسم:
– ومن إمتى حد قدر يعترض على قرار ليك؟ ده مش مجرد عصيان، ده تحدي ليك ولقرارك ، واللي فكر فيه لازم يبقى مجنون! مفيش حد فينا يقدر يعمل حاجة زي دي من وراك.
طاهر وهو بيبص مباشرة في عين الجد:
– واللي أنت شايفه، واللي هتقرره، إحنا من إيدك دي لإيدك دي… بس لازم تصدق إننا ما خططناش لحاجة زي دي. أنا، عادل، سليم، ومروان، كنا مع بعض طول الوقت، ولا واحد فينا عمل أي حركة مريبة.
الجد سكت لحظة، عيونه لسه بتراقبهم بغموض، قبل ما يقول بصوت هادي لكنه قاتل:
– هصدقكم… عشان أنا عارف إن اللي عمل الحركة دي مش منكم. بس ده ميمنعش إن ثقتي فيكم مش هتبقى زي الأول. واللي عمل كده، لازم يعرف إن الحساب جاي… مش هرتاح غير لما يتحاسب.
وقف لحظة، وكأن كلامه بيغرس جواه قبل ما يوجه لهم أمر نهائي:
– امشوا من قدامي.
محدش اتكلم… نظرات صامتة تبادلوها قبل ما يبدأوا في الخروج واحد وراء التاني. الجو كان تقيل، التوتر ماسك في كل زاوية.
ـــــــــــــــ&ـــــــــــــ
في احدى الغرف
فؤاد بعصبية وهو بيتمشى في القاعة:
– بابا زودها أوي! إزاي يوقفنا كلنا زي العيال الصغيرة ويحاسبنا عشان حتة بواب؟
خليل بسخرية ممتزجة بالوجع:
– بيقولك البواب دا يوزن دماغكم كلكم!
سليم بتهكم وهو بيحط إيده في جيبه:
– طلع لينا من انهي علبة عفريت دا بجد؟
عادل بنبرة فيها غضب مكبوت:
– أنا مكنتش عايز أخلص عليه، بس دلوقتي طلبت معايا بجد!
طاهر بيهز راسه بضيق:
– يا عم اسكت… إحنا ناقصين؟ ده محدش قرب منه وعمل فينا كده، أمال لو حد فينا فكر يقرب فعلاً؟!
مروان بضحكة استهزاء وهو بيقلب في تليفونه:
– خد الحصانة خلاص، ممنوع حد يقرب له!
فؤاد بيركز عليه بنظرة غامضة قبل ما يسأله بصوت منخفض لكن فيه تهديد مستتر:
– واد… اوعى يكون ليك يد في الموضوع ده.
مروان بيرفع إيده ببراءة مصطنعة:
– لا والله يا بابا، سعيد دا مش فارق معايا…وكمل بشهوة اللي فارق معايا المهلبيه مراته!
فؤاد بحزم وهو بيشاور له بإيده بتحذير:
– وحتى مراته! اوعى تقرب لها، إحنا مش ناقصين مصايب!
خليل :
– وبعدين… اي القرف بتاعك دا، البت حامل!
مروان وهو بيضحك ببرود:
– مش مهم… تلزمني ليلة واحدة بس.
سليم بيهز راسه بأسف:
– مافيش فايدة في دماغك!
عادل وهو بيحاول يهديه بصوت منخفض لكن فيه تحذير واضح:
– يا ابني، بلاش تودي نفسك في داهية… جدك لما بيقول “لا”، تبقى “لا”، وميتكررّش الكلام بعدها، ولا يتحرف.
فؤاد بتحذير :انا قولت لك لو مش عايز تموت ملكش دعوه بالواد او مراته
الجو اتوتر… الصمت نزل عليهم للحظات. الكل فاهم إن الجد لما يحط حد، مافيش نقاش. بس مروان؟ دماغه دايماً في حتة تانية… وده اللي هيولّع الدنيا قريب.
ــــــــــــ&ـــــــــــ
المستشفى – غرفة أركان
بعد ما أسماء مشيت، الليلة بقت هادية في الغرفة، بس مش على ليلى. كانت قاعدة على الركنة قدام أركان، بتحاول تنام بس مش عارفة تلاقي وضع مريح. كل شوية تلف، ترفع رجل، تنزل رجل، تفرد ضهرها، وبعد دقيقتين ترجع تتكور على نفسها تاني.
أركان كان متابعها من غير ما تتوقع. عينه بتتحرك معاها في صمت، وكل حركة منها كانت بتأكد له إنها مش مرتاحة، بس مش راضية تتكلم. فضل ساكت لحد ما زهق من المنظر.
أركان بصوت هادي لكن ثابت:
– لو هتفضلي تتشقلبّي كده، مش هتعرفي تنامي ولا هتسيبيني أنام.
ليلى وهي بتفتح عينيها عليه بتردد:
– أنا مش قادرة أنام هنا… الركنة مش مريحة.
أركان وهو بيبصلها بملل:
– فـ؟
ليلى بخجل وهي بتشاور على السرير:
– ممكن أنام هنا؟ على الطرف بس؟
أركان فضل ساكت لثواني، كان واضح إنه مش متضايق، بس كعادته مش سهل يبين موافقته على طول. بعدها زفر بضيق مصطنع، وبص للسقف.
أركان بجفاف:
– اعملي اللي انتي عايزاه، بس لو كنتي ناوية تتشقلبّي هنا كمان، هرجعك الركنة.
ليلى ضحكت بهدوء، وحاولت تكتم فرحتها، قامت ببطء واتحركت ناحية السرير، اتحركت بحرص، قعدت على الطرف، وبعدها تمددت على جنبها بعيد عنه، بس برضه قريبة كفاية تحس بالأمان.
أركان كان عارف إنها مش هتاخد وقت كتير قبل ما تنام… وكان متأكد أكتر إنها في لحظة ما، هتتحرك ناحيته من غير ما تحس، وتيجي لحضنه زي كل مرة.
وبالفعل، معداش وقت طويل قبل ما يبدأ يحس بحركتها. في البداية كانت مجرد حركة صغيرة، محاولة غريزية للبحث عن الراحة، لكن مع مرور الثواني، بدأت تقترب أكتر، لحد ما في لحظة، وهي بين النوم والصحيان، حست بالدفء جنبه، فمدت إيديها تلقائيًا وسندت رأسها على صدره.
أركان حس بتنفسها الهادي، بحركتها البريئة اللي كانت شبه طفل بيدور على أمانه. بس المشكلة… إن الأمان ده كانت بتدور عليه عنده هو.
لف دماغه ناحية السقف، خد نفس عميق وهو بيحاول يتجاهل إحساسه بيها قريبة كده، وكل مرة نفس السيناريو بيتكرر. المفروض يبعدها، المفروض يصحيها، المفروض…
بس الحقيقة؟
هو ولا حتى حرك إيده.
وهو مغمض عينه، بصوت واطي وكأنه بيتكلم مع نفسه:
– أنا اللي وقعتك في ده… وأنا اللي لازم أتحمل.
وأغمض عيونه على إحساس، عارف إنه المفروض ما يحسوش.
أشعة الشمس تسللت من الشباك، خلت أركان يفتح عينه ببطء. أول حاجة حس بيها كانت ثقل خفيف على صدره… التفت بنظره لتحت، فلاقى ليلى لسه نايمة، وشها مدفون في صدره، وملامحها هادية تمامًا.
تنهد بهدوء…
كان المفروض يصحيها، بس إيده مكانتش بتتحرك. قعد يراقبها للحظات، لقى خصلات من شعرها نازلة على وشها، فرفع إيده غصب عنه وزحها بلمسة خفيفة.
بس فجأة…
ليلى اتحركت، غمغمت وهي لسه بين النوم والصحيان:
– خمس دقايق كمان…
أركان بكتم ضحكة:
– خمس دقايق إيه؟ قومي يا ست، انتي في المستشفى مش في بيتك!
ليلى فتحت عينيها ببطء… أول حاجة شافتها كانت عيونه القريبة منها جدًا، وساعتها… استوعبت!
قفزت بسرعة، عدلت قعدتها، ووشها احمر بشكل واضح:
– أنا… أنا… كنت نايمة؟!
أركان بابتسامة جانبية وهو بيعدل وضعه:
– نايمة؟ لااا… كنتي في غيبوبة، شكل السرير ما عجبكيش فجيتِ هنا برضو!
ليلى بحرج وهي بتقعد بعيد:
– أنا مكنتش قاصدة… بس معرفش ازاي كل مرة…
أركان وهو بيراقب ارتباكها، وبصوته الهادي المعتاد:
– عارف… متقلقيش.
ليلى بصتلُه باستغراب:
– عارف؟!
أركان بتنهيدة وهو بيبص بعيد:
ولا حاجة… قومي
ليلى بقلق وهي بتبص لأركان:
– انت كويس؟! أنا كنت نايمة على صدرك وانت متصاب… إيه الغباء دا؟! طب دراعك؟!
أركان بابتسامة خفيفة وهو بيبص ليها:
– انتي كنتي نايمة على كتفي اليمين، وأنا متصاب في الشمال، فـ أنا تمام… كويس.
ليلى وهي بتتنهد براحة:
– الحمد لله، خوفت أكون زودت عليك الوجع.
اركان يلا عشان هنمشي دلوقتي
ليلى وهي بتبص له بخوف واضح:
– انت كويس يعني؟ مافيش حاجة وجعاك؟ هتقدر ترجع وتشتغل عادي؟
أركان وهو بيزفر بهدوء، عارف إنها مش هتبطل قلق عليه:
– آه، الحمد لله… وبعدين المهمة مش هتستنى، أي يوم بضيعه معناه إني ضيعت فرصة أخلص على الناس دي.
ليلى بقلق:
– بس انت محتاج ترتاح شوية.
أركان وهو بيبصلها بنظرة ثابتة:
– مافيش راحة في الشغل ده، لو ارتخيت يوم واحد، هما اللي هيخلصوا عليّا.
ليلى وهي بتحاول تسيطر على خوفها:
– طب خد بالك من نفسك وأوعي تقسي على نفسك في حاجة، ولا تشيل حاجة تقيلة عشان تخف بسرعة، وبالراحة وانت بتفتح وبتقفل البوابة… وما تتخانقش مع حد.
أركان وهو بيضحك بخفوت، نبرته فيها سخرية خفيفة بس عنيه فيها حاجة مختلفة:
– مش شايفاني عيل صغير عشان تفضلي توصيني كده؟
ليلى وهي بتشيح بوجهها وتحاول تدارى ارتباكها:
– يعني لو حصل لك حاجة مش هتبقى مشكلة للمهمه، صح؟
اركان عارف انها بتحبوا فمحبش يحرجها اكتر من كده وسكت
وبعد لحظات
ليلى كانت ماشية جنب أركان، مستغربة جدًا هو بيودّيها فين. المفروض يخرجوا من المستشفى، لكنها لقت نفسها فجأة قدام قسم النساء والتوليد.
وقفت مكانها وهي بتبص له باستغراب:
– أركان… إحنا جايين هنا ليه؟
أركان وهو بيبص قدامه بثبات:
– انتي كشفتي من يوم ما عرفتي إنك حامل؟
ليلى :
– لا…
أركان بحزم :
– خلاص، جايين نطمن على البيبي اللي في بطنك، ومن هنا ورايح يبقى عندك دكتور تتابعي معاه على طول.
كملت كلامه عادي جدًا، بس ليلى كانت قلبها بيدق بسرعة…
المفروض تفرح؟ المفروض تتأثر؟ ولا المفروض تحس بالوجع؟
هو مش مهتم بيها…
هو مهتم باللي جواها… بابنه…
ومع ذلك، ابتسمت…
لأنه حتى لو مش بيهتم بيها كـ “ليلى”، فهو بيهتم بيها كـ “أم لابنه”… وأي أم، اللي يحب ابنها تحبه.
بس الفرق إنها أصلًا بتحبه، لمليون سبب…
وده… كان سبب جديد يتضاف لقلـبها.
ليلى كانت قاعدة في صمت، عينيها بتلف في المكان، كل زوج وزوجته كانوا قاعدين جنب بعض… بيتشاركوا الفرحة… بيتكلموا ويضحكوا… الحب باين في نظراتهم… في لمساتهم العفوية… في الخوف اللي مغلفه اهتمام.
لمحت راجل ماسك إيد مراته وهي بتتكلم معاه بحماس، وهو مبتسم ليها، نظراته فيها حب واضح، مش بس فرحة بالبيبي اللي جاي، لكن فرحة بيها هي… بحياته معاها.
ليلى حسّت بغصة في قلبها.
هو ده الطبيعي… ده المفروض يحصل بين أي اتنين في اللحظة دي… بس هي؟
بصت بطرف عينها لأركان…
كان قاعد جنبها، بس بعيد… مش في المسافة، في المشاعر.
ملامحه هادية، عينيه متعلقة قدام، مش متوتر، مش قلقان، مش مبسوط، ولا حتى زعلان… بس مفيش فيها نفس الشغف اللي في عيون الرجالة التانية.
رجعت تبص للناس تاني…
كان نفسها تكون زيهم… كانت نفسها تكون هي وأركان زيهم.
ليلى حاولت تسرق نظرة تانية على أركان، يمكن تلاقي في ملامحه حاجة تطمنها… أي إحساس يشبه اللي شايفاه في وشوش الرجالة اللي قاعدين مع زوجاتهم.
لكن ملامحه كانت جامدة… هادية بشكل غريب… لا فيها قلق ولا لهفة، ولا حتى اهتمام ظاهر.
حست بضيق في قلبها…
هو جابها عشان البيبي، عشان يطمن إنه بخير، مش عشانها هي… مش عشان هو مهتم بيها أو عايز يكون جنبها في اللحظة دي.
زودت على أسباب حبها ليه سبب جديد… بس في نفس الوقت، الألم زاد جواها.
فجأة، حسّت بإيده بتتمدد ناحيتها…
بصت له بسرعة، قلبها دق… يمكن؟ يمكن يكون حاسس بيها؟
بس كل اللي عمله إنه مسك ملف الكشف من جنبها، فتحه وبدأ يتصفح الورق ببرود.
رجعت تبص لقدام، كتمت تنهيدة جوة صدرها، في نفسها…
انتي عبيطة،يا ليلى؟ هو قالك من الأول، هو مش هيحبك… وانتي قبلتي بكده.
بس مهما حاولت تضحك على نفسها، الحقيقة كانت أوضح من إنها تتجاهلها…
هي عايزاه، مش بس كأب للطفل اللي في بطنها… لا، هي عايزاه ليها… كزوج، كحبيب، كشريك حياة.
بس هو؟ هو عمره ما بص لها بالشكل ده.
هو كان شايف كل حاجة… كل نظرة سرقتها، كل تنهيدة حاولت تخبيها، وكل مرة بصت لغيره بحسرة.
بس مقدرش يعمل حاجة.
هو مش غبي… ولا عديم إحساس. بالعكس، ده ظابط مخابرات، متدرب إنه يلاحظ كل تفصيلة، وكل حركة، وكل تعبير صغير حتى لو كان صاحبه بيحاول يخفيه.
كان حاسس بيها، وقلبه وجعه عليها، بس فضل ساكت.
كان ممكن يطمنها…
كان ممكن يمسك إيديها، يديها لمحة من الأمان اللي كانت بتدور عليه .
بس لو عمل كده، هيبقى ظلمها أكتر…
هو عارف إنه مش ليها.
هو عارف إن كل ده هينتهي… وإن كل واحد هيرجع لحياته في الآخر.
مش عايزها تتعلق بيه أكتر…
كفاية لحد كده.
بس المشكلة، إنه هو نفسه مش عارف لحد إمتى هيقدر يفضل عامل نفسه مش واخد باله.
#لما الممرضة نادت اسمها، قلبها دق بسرعة… مش عارفة ليه.
بصت لأركان، لقته واقف جنبها، عينه ثابتة، لكن إيده اتحركت تلقائيًا على ظهرها وكأنها بيوصل لها طاقة طمأنينة من غير كلام.
دخلوا مع بعض، والدكتور ابتسم لهم:
الدكتور: “أهلا، أول متابعة ليكِ؟”
ليلى: “أه… أول مرة.”
أركان قعد على الكرسي جنبها، متكلمش، لكنه كان متابع كل كلمة بتتقال، وكل حركة بتعملها.
الدكتور بدأ الفحص، وليلى كانت متوترة، مش عارفة ليه قلبها مقبوض… يمكن لأنها مش مستوعبة لسه…
لكن لما صوت نبضات قلب الجنين ملأ الأوضة، فجأة كل حاجة حوالينها اختفت.
بقت بس سامعة النبض…
سريعة… قوية… حقيقية.
حطت إيدها تلقائيًا على بطنها، وعينيها دمعت.
ليلى بصوت متهدج: “ده… ده ابني؟”
الدكتور ابتسم: “أيوه، وبيكبر كويس جداً، كل حاجة تمام.”
بصت لأركان، لاقته مركز على الشاشة… ملامحه متغيرة، نظرته مش مفهومة. كان باين عليه إنه مصدوم… أو يمكن مأخوذ.
هو نفسه مش مستوعب اللي سامعه… ده جزء منه، كائن صغير بيتحرك، قلبه بيدق، وعايش جواها.
وفجأة… وسط كل ده… لمح الابتسامة الصغيرة اللي ظهرت على وشها.
ابتسامة مخلية كل حاجة تستاهل.
فضل أركان ساكت، لكنه مقدرش يشيل عينه عن الشاشة… عن النبض اللي بيدق بانتظام، وكأنه بيناديه، بيقوله: “أنا هنا… أنا ابنك.”
الدكتور بابتسامة مطمئنة: “كل حاجة طبيعية جدًا، بس لازم تلتزمي بالأكل الصحي والراحة قدر الإمكان.”
ليلى بحماس وهي لسه ماسكة بطنها: “إن شاء الله… هعمل كده.”
بصت لأركان مستنية منه أي تعليق، أي حاجة توضح هو حاسس بإيه، لكنه كان متحفظ كعادته. بس في حاجة مختلفة، حاجة في نظرته… كأنه مش قادر ينكر إن اللحظة دي غيرته.
الدكتور وهو بيكتب في الملف: “هنحددلك معاد للزيارة الجاية، بس لازم تتابعي مع طبيب ثابت.”
أركان بحزم: “هتبقى متابعة هنا باستمرار.”
ليلى بصت له باستغراب، مش متوقعة قراره المفاجئ، لكنه كان واضح… مش ناوي يسيب حاجة للصدفة.
خرجوا من المستشفى ، وهي كانت لسه عايشة في اللحظة… في صوت النبض اللي لسه بيرن في ودانها.
وأركان؟ كان ساكت، لكنه حس بحاجة أول مرة يحسها… مسؤولية حقيقية، إحساس إن في روح معلقة بيه، مش مجرد زوجة على الورق… بل جزء منه، حاجة ملهاش علاقة بالمهمة، ولا بالتمثيل…
حاجة حقيقية جدًا.
أثناء ما هما ماشيين في الطريق، أركان فجأة هدى السرعة وركن على جنب، فتح الباب ونزل بسرعة، وقبل ما ليلى تسأل، بص لها بحزم وقال:
أركان بجدية: “استني هنا… متتحركيش من العربية.”
نزل وأقفل الباب وراه، وسابها مستغربة وهي بتراقبه من الشباك، بتحاول تفهم هو رايح فين وليه بالأسلوب ده.
بعد مده
ليلى كانت قاعدة مستنية في العربية، رجليها بتتهز من التوتر والملل. أول ما شافته داخل ومعاه شنط كتير، رفعت حاجبها باستغراب.
ليلى بفضول: “إيه ده كله؟ جبت إيه؟”
أركان ماردش، حط الحاجات في الخلف، وبعدها سحب شنطتين واداهم ليها من غير كلام.
ليلى وهي بتفتح الشنطة الأولى بابتسامة وكسوف: “جبتلي فطار؟ أنا كنت جعانة أوي بجد!”
وبسرعة فتحت الشنطة التانية، وعينها لمعت من الفرحة… المانجا! نقطه ضعفها واللي كل يوم بتحلم بيها في الوحام.
ليلى بفرحة طفولية وهي بتاخد نفس عميق من ريحتها: “يااااااه… مانجا”
من غير ما تحس، اتجهت ناحية أركان تلقائيًا، وطبعت قبلة خفيفة على خدوده كتعبير عن امتنانها… حركة عفوية، نابعة من قلبها ومن فرحتها.
أركان اتجمد لحظة… حس بكهرباء ماشية في جسمه، إيديه شدت على الدركسيون، وقلبه ضرب بقوة.
ليلى فجأة استوعبت اللي عملته، ووشها احمر وهي تبعد بسرعة، مكسوفة وبتضحك بارتباك.
ليلى بخجل وهي بتحاول تبرر: “أنا آسفة… بس بجد فرحانة… لما بشوف المانجا عيني بتطلع قلوب.”
أركان من جواه كان عايز يضحك، بس فضل مسيطر على ملامحه، وإن كان صوته طلع أهدى من العادي.
أركان في نفسه: “لا يا ليلى… إنتي اللي هتطلعي قلبي من مكانه وهتموتيني.”
بص قدامه، ركز في الطريق، لكن إحساسها، لمستها، نظرتها، كانت لسه موجودة… واللي هو حاسه دلوقتي، أكتر حاجة كان بيهرب منها.
أركان كتم ضحكته بصعوبة على شكلها الطفولي وهي بتاكل المانجا وهو بيركز في السواقة، لكن تأثير لمستها كان لسه سايب أثره عليه… حاجة سخنة ماشية في دمه، إحساس جديد وغريب عليه.
ليلى وهي بتاكل قطعة مانجا باندماج: “بجد مكنتش متخيلة إنك ممكن تجيب لي المانجا فعلا… إنت دايمًا باين عليك مش مهتم، بس الحقيقة غير كده.”
أركان بص قدامه، مديها إحساس إنه مش متأثر، بس الحقيقة إنه كان بيحاول يتحكم في مشاعره اللي بدأت تلخبطه.
أركان ببرود مصطنع: “لما تبقي مسؤولة مني، طبيعي أخد بالي منك.”
ليلى بابتسامة هادية وهي بتاكل : “انت حنين بس بتحاول تبان غير كده ”
كلامها خلاه يضغط على الدركسيون شوية أكتر، هو نفسه مش عارف يهرب من اللي بيحصل جواه… كان متعود يكون مسيطر على كل حاجة، بس ليلى كانت تهد كل سيطرته بنظرة، بلمسة عفوية، بضحكة بريئة.
فضلوا ساكتين شوية، بس الصمت بينهم مكنش تقيل… كان مليان مشاعر مش مفهومة، أسئلة كتير بدون إجابات، وحقيقة واحدة بتكبر بينهم… حاجة مختلفة بدأت تتولد، حتى لو هو مش عايز يعترف بيها.
وبعد مده وأول ما وصلوا البيت، وقبل ما ليلى حتى تلحق تنزل من العربية، اسماء كانت طالعة تجري عليها، لكن أول ما شافتها وقفت فجأة وضحكت بصوت عالي وهي بتبص على إيديها وهدومها اللي كانت مليانة مانجا زي الأطفال.
أسماء بضحك: “إيه دااا! هاتي واحدة بسرعة!”
ليلى بعفوية وهي بتستخبى وبتشد الكيس ناحية صدرها: “لااا مش هديكي، دي جوزي جابهالي!”
أسماء وهي بتجري وراها: “طب حتة صغيرة بس، دا حتى مش موسمها وصعب ألاقى!”
ليلى وهي بتخبّي الكيس أكتر: “عشان كده مش هديكي حتى حتة صغيرة!”
أسماء بحركة ذكية: “طب خلاص، أنا كنت عاملة لكِ مفاجأة، بس بقى مش هوريهالك!”
ليلى بفضول وهي بتحاول تبص على حاجة في إيد أسماء: “إيه! أنا عايزة أشوف!”
أسماء بضحكة انتصار: “هوريها للنونو الصغير، وانتي لا.”
ليلى بمرح وضحك: “خلاص خديه وريهاله!”
أسماء وهي بتشدها من إيديها وتسحبها ناحية أوضتها وأوضة أركان اللي في الجنينه: “تعالي بقى، هتشوفي المفاجأة بنفسك!”
كل ده كان تحت عين أركان، اللي كان واقف بعيد بيتابعهم وهو شايل الحاجات اللي جابها من العربية، بص لهم بتركيز، ابتسامة خفيفة سحبت طرف شفايفه وهو بيهز راسه بضيق متصنع… مش عارف ازاي الاتنين دول مبيبطلوش شقاوة!
أول ما ليلى دخلت الأوضة، وقفت في مكانها مصدومة، عنيها وسعت وهي بتبص حواليها… السرير، الكرسي، الأرض… كل حاجة كانت مليانة هدوم أطفال صغيرة جدًا، حاجات لسه مولودين، ألوانها هادية وجميلة، ومعاها ألعاب صغيرة موزعة في كل مكان.
حطت إيديها على بُقها وهي بتحاول تمسك فرحتها، بس الضحكة خرجت منها غصب عنها، بصت لأسماء باندهاش وهي بتضحك: “خلاصييييي…!!”
فضلت تلف في المكان، تمسك قطعة لبس صغيرة وتبصلها بذهول، تعدي على لعبة وتلمسها كأنها مش مصدقة. كانت شبه هتطير من الفرحة، وكل اللي في عقلها في اللحظة دي إن المفاجأة دي أحلى حاجة حصلت لها.
ولما لفت بجسمها… اتجمدت في مكانها.
أركان كان واقف عند باب الأوضة، متابعها في صمت، عنيه كانت سابحة فيها، مكنش بيتكلم، بس هي حسّت بنظرته، حسّت إنها كانت مختلفة.
هو نفسه حس إن قلبه اتخطف في اللحظة دي. منظرها وهي واقفة وسط هدوم الأطفال، عيونها اللامعة، ضحكتها العفوية، الإحساس اللي كان طالع منها… كل ده كان كفيل إنه يخلّيه يحس بحاجة جواه مكانش مستعد يعترف بيها.
شكل اللبس الصغير في إيديها وهي بتبص له بفرحة، كان مشهد عمره ما هينساه.
فضلت ليلى مسكة قطعة اللبس الصغيرة في إيديها، تقلبها بين صوابعها، كأنها بتستوعب إنها بجد تخص طفلها. بصت لأركان بطرف عينها، حسّة إن نظرته تقيلة عليها، مختلفة… فيها حاجة جديدة مش متعودة عليها.
أركان كان لسه واقف في مكانه، ساكت، بس عنيه كانت متعلقة بيها.
هي كانت فرحانة، هو كان متلخبط… مش قادر يبعد عينيه عنها، ولا عن الطريقة اللي بتبص بيها على الحاجات دي. قلبه دق أسرع شوية، إحساس غريب خبط فيه، حاجة شبه الضعف، بس كانت أقوى.
ليلى بضحكة هادية وهي بتمسك فستان صغير جدًا وبتكلم اركان:
“بص … ده صغير أوي، معقول النونو هيبقى بالحجم ده؟”
أركان بابتسامة خفيفة، نادرة، خرجت منه قبل ما يقدر يمنعها:
“أصغر كمان.”
ليلى اتحركت نحوه بدون تفكير، وهي رافعة اللبس قدامها، زي اللي بتخطط تلبسه للبيبي من دلوقتي. قربت منه، ومن غير ما تحس، المسافة بينهم بقت أقل بكتير من المعتاد.
هو كان شايف كل حاجة بوضوح… ملامحها، حماسها، اللمعة اللي في عنيها.
حسّ إنه عايز يمد إيده ويخدها في حضنه، يحس بيها… بس وقف نفسه، شد نفسه لورا خطوة وهو بيقول بصوت هادي، شبه مهموس:
“فرحانة أوي، مش كده؟”
ليلى ابتسمت، ابتسامة صادقة خلت قلبه يدق ببطء، لكن بقوة:
“أكتر مما تتخيل.”
سكتت لحظة، وبعدين بصت له بعيونها البريئة وسألته فجأة:
“هو أنت فرحان؟”
أركان اتفاجئ بالسؤال، حسّ إن الإجابة مش سهلة زي ما كان متوقع… بس الحقيقة كانت واضحة في نظره، حتى لو مش عايز يعترف بيها.
وفضل ساكت لحظة، كأنه بيحاول يهرب من السؤال، أو يمكن من الإجابة نفسها. بس عنيه فضلت ثابتة عليها… كانت مستنية تسمع منه حاجة، أي حاجة.
تنفس ببطء وقال بصوت هادي لكنه واضح:
“لو انتِ فرحانة… يبقى أنا كمان فرحان.”
كلامه كان بسيط، لكن أثره عليها كان كبير. قلبها دق بسرعة، مش عارفة ليه كلماته حسستها بدفء غريب… دفء كانت بتدور عليه من زمان.
أركان شاف في عيونها لمحة خوف، كأنها خايفة من ردة فعله، خايفة يكون كلامه مجرد تهدئة ليها. فكر لحظة قبل ما يرد، وبعدين مد إيده بخفة ولمس طرف الفستان الصغير اللي في إيديها.
ليلى حسّت إنها لأول مرة بتسمع منه حاجة شبه الاعتراف، لأول مرة بيشاركها حاجة حقيقية من اللي جواه. ابتسامتها وسعت أكتر، وعنيها لمعت بحب فطري، بسيط، لكنها عرفت تسيطر على مشاعرها وقالت بخفة دم
وهي بتمسك قطعة صغيرة من الملابس وتوريها لأسماء بحماس:
“بصي دي… صغيرة أوي! إزاي في بني آدم ممكن يلبس حاجة كده؟”
أسماء بضحكة:
“ياختي عليكي، أصله بيبي، مش واحد كبير زي سعيد!”
أركان رفع حاجبه وهو بيبصلها بنظرة جانبية، لكن فضل ساكت، مستمتع بتفاعلها الطفولي.
ليلى فجأة بصت له بحماس، ناسية أي حدود بينهما، وقالت بعفوية:
“بجد، انت شايف؟ تخيل البيبي بتاعنا لابس الحاجات دي!”
كلامها وقع على أركان كأنه صدمة، لمحة المستقبل اللي كانت بعيدة، فجأة بقت قدامه… طفل، ليه ملامحه، لكنه جزء منها. عض على شفايفه لحظة، قبل ما ياخد نفس عميق ويرد بصوته العميق:
“هنعرف قريب.”
أسماء وهي بتضحك بخفة:
“إحنا هنا عايزين ينولنا من الحب جانب!”
ليلى بابتسامة دافئة وهي بتحضنها بحب:
“أنا بحبك أوي،فرحتيني يا أسماء وخدي المانجا اللي انتي عايزاها… !”
أسماء وهي بتشدها لحضنها بحنية:
“ده أنا اللي من غيرك هنا مكنتش عارفة هعيش إزاي، قلبك طيب وروحك حلوة وجميلة.”
ليلى وهي بتضحك وبتبص لها بعفوية:
“ونِبي إنتي اللي جميلة! بس قوليلي… إيه حكاية هدوم الولاد والبنات؟ جايبة الاتنين ليه؟”
أسماء بابتسامة واسعة وهي بتلمس قطعة صغيرة من الهدوم:
“بصراحة كنت محتارة ولسه مش عارفين إنتي حامل في إيه، فقولت أجيب كله لحد ما نتأكد، وبعدين شكل لبس الاتنين عجبني أوي وخطف قلبي.”
ليلى بصت للملابس الصغيرة بإعجاب، ضحكت بحماس وهي بتلمس قطعة تانية، كانت حاسة بسعادة مالهاش وصف، وكأن المستقبل بقى أقرب من أي وقت فات.
ــــــــــــ&ــــــــــ
أركان كان واقف عند البوابة، ملامحه جامدة، لكنه متقمص الدور كويس.
صلاح وهو داخل بابتسامة جانبية: “إيه يا بطل، بدأت الشغل على طول كده؟ استريح لك يومين، خد نفسك.”
أركان بهدوء: “مافيش وقت للراحة، الشغل أهم يا حاج.”
صلاح ضحك وهو يبص لعبد الحق: “هي دي الرجالة ولا بلاش! مش زي فؤاد، اللي أول ما جاله برد استخبى أسبوع في البيت! حمد الله على سلامتك، واحده واحده لحد ماتخف، وعلى مهلك، متضغطش على نفسك. خلاص، بقيت من رجالتنا.”
أركان وهو بيمثل دور البواب الفرحان، ابتسم بانكسار، وانحنى بخضوع، وهو بيقول بصوت مليان ولاء: “إيدك أبوسها يا حج، كلك بركة!”
صلاح ضحك بخبث، راضي عن ولاءه الظاهري، بينما أركان كان جوه عقله بيراقب كل حاجة بتحصل، وبيحسب كل خطوة جاية.
ـــــــ&ـــــــ
ليلى فضلت قاعدة وسط الهدوم والألعاب، فرحتها كانت كبيرة لدرجة إنها مكنتش عايزة تقوم. فضلت تقلب في اللبس الصغير، تلمسه بحنية، تحلم باليوم اللي هتشوف فيه طفلها لابس الحاجات دي. ومع الوقت، التعب غلبها… نامت وسطهم على السرير، ملامحها هادية، وابتسامة صغيرة مرسومة على وشها.
لما أركان دخل الأوضة بليل، المنظر خطف قلبه. وقف عند الباب لثواني، عينه مش قادرة تسيبها. كانت شبه طفلة، نايمة وسط الألعاب والهدوم الصغيرة، ماسكة فستان في إيدها كأنها بتحلم بيها. حس بحاجة غريبة في قلبه… دفء، راحة، وإحساس عمره ما حسه قبل كده.
قرب منها بهدوء، غطّاها كويس، وعينيه فضلت معلقة بيها. لأول مرة، حس إنه مش عايز يفكر في بكرة، مش عايز يحسبها بعقله زي كل مرة… بس عايز يعيش اللحظة دي، وهي هنا، قدامه، نايمة بأمان.
في صباح يوم جديد، مليان بأحداث مختلفة، الشمس كانت لسه بتشق طريقها في السماء، والجو فيه هدوء غريب، هدوء يسبق العاصفة.
ليلى صحيت على صوت زقزقة العصافير، لكنها ما فتحتش عينيها على طول، كانت حاسة بدفء غريب حواليها، حاجات صغيرة وناعمة ملمساها كان مختلف. فتحت عينيها ببطء، وابتسامة صغيرة رسمت على وشها وهي بتشوف نفسها وسط هدوم البيبيهات والألعاب اللي اسماء جابتها، لسه مش مصدقة إنها هتكون أم.
في الناحية التانية، أركان كان واقف قدام المراية، بيظبط هدومه المناسبة لدوره، البواب اللي محدش هيشك لحظة في إنه مش مجرد بواب. نظرته كانت مليانة تركيز، حاسس إن النهارده مش هيكون يوم عادي.
اليوم بدأ، وكل واحد فيهم عنده مشوار مختلف… ليلى بتخطط لحياة جديدة وهي لسه مش عارفة إن حياتها هتتقلب، وأركان داخل عالم مليان مخاطر، وكل خطوة محسوبة فيها تمنها.
اركان دخل مكتب صلاح اللى بعت ليه صلاح بيبص لأركان بتركيز: “يلا يا بطل، جه وقت الجد… النهارده هتبدأ تشوف بعينك شغلنا الحقيقي.”
أركان بابتسامة جانبية وهو بيحط طاقية البواب على راسه: “أنا جاهز يا حاج.”
صلاح وهو بيبص لأركان بتركيز: “انت في المدة اللي قعدتها معانا شُفت عشرة في المية بس من شُغلنا… ودا الشُغل مع الناس الصغيرة. أما شُغلنا مع الكبار، فله أماكن تانية، وطرق تانية. هخُدك وحدة وحدة، مش بس عشان دراعك، لكن كمان عشان تتأكد إنك جاهز تقعد معانا على الترابيزة.”
أركان كان سامع كل كلمة بانتباه، ملامحه ثابتة، لكن جواه كان فيه نار بتشتعل، نار الطموح والرغبة إنه يكون في المكان الصح وسط الكبار. كان دا الطريق اللي عايزه من البداية، وها هو أخيرًا بيحط رجله على أول خطوة فيه.
ابتسامة خفيفة ظهرت على طرف شفايفه وهو بيرد بثقة: “أنا جاهز.”
صلاح ضحك ضحكة قصيرة وهو بيطبطب على كتفه: “نشوف بقى، الجاهزية مش بالكلام، بالأفعال.”
أركان حس إن الامتحان الحقيقي لسه ما بدأش… وإن اللي جاي أصعب، لكن دا اللي كان مستنيه طول عمره.
أركان كان قاعد مع عبد الحق بالساعات، بيحاول يجمع منه أي معلومة تفيده. كان بيتكلم معاه بطريقته، بيخليه يحس إنه واحد منهم، بيظهر اهتمامه بالشغل وبالمكاسب الكبيرة اللي ممكن يحققها.
مع الوقت، عبد الحق بدأ يفتح قلبه، وأركان بدأ يربط الخيوط ببعضها. عرف إن العصابة دي مش مجرد تجار مخدرات وسلاح، دول عندهم مصانع هنا في مصر، وبيشتغلوا مع أجانب مدربين على أعلى مستوى في تصنيع السموم وتعديل الأسلحة.
لكن أهم معلومة اكتشفها، إن المكان اللي بيتم فيه كل ده سرّي جدًا، ومحدش بيروحه غير صلاح بنفسه. حتى عبد الحق نفسه ما يعرفش مكانه بالظبط، وده معناه إن الوصول ليه شبه مستحيل… إلا لو لعبها صح.
أركان كان بيخزن كل التفاصيل الصغيرة في دماغه، كل اسم، كل رقم، كل حركة. عارف إن الحاجات اللي ممكن تبان تافهة دلوقتي، هتبقى مفتاحه بعدين للقضاء عليهم كلهم. كان صبور، مستني اللحظة المناسبة، لأنه مش ناوي بس يوقعهم، هو ناوي يسحقهم تمامًا.
ـــــــــــ&ـــــــــــ
في المساء
ليلى كانت واقفة في المطبخ، بتحاول تجهز العشاء، لكن صوت أم سعاد نداها من بره بصوت تعب:
أم سعاد: “هنيه يا بنتي، تعالي ساعديني، حاسة بتعب شوية.”
ليلى بسرعة راحت عليها، وهي بتشيل المريلة عن وسطها: “خير يا أم سعاد، مالك؟!”
أم سعاد وهي بتحط إيدها على ضهرها: “مش عارفة، بس حاسة بدوخة، وقفت كتير النهارده، وركبي واجعاني.”
ليلى بحنية: “اقعدي انتي وانا هخلص كل حاجة، إنتي بتعملي إيه أصلاً؟”
أم سعاد بابتسامة: “كانت داخله على
أوضة البيه صلاح.”
ليلى بابتسامه حنونه: “سيبيه عليا، ريحي انتي، وانا هظبط كل حاجة.”
أم سعاد بقلق: “بس يا بنتي انتي حامل، خايفة عليكي، متتعبيش نفسك.”
ليلى بطمنها: “ما تقلقيش، شوية ترتيب مش هيتعبوني، وبعدين أنا زهقانة وعايزة أعمل حاجة.”
أم سعاد بترد بتقدير: “ربنا يكرمك يا بنتي، قلبك طيب ، بس خلي بالك، متأخديش وقت طويل، البيه صلاح مبيحبش حد يقعد في أوضته كتير.”
ليلى وهي ماشيه: ” حاضر ، بس بقولك إيه، متتحركيش كتير، أنا هنا هعمل كل حاجة.”
دخلت ليلى الأوضة وبدأت تمسك في ترتيب الحاجات، مسحت التراب اللي كان على المكتب، رتبت الأوراق اللي كانت مبعثرة،أثناء ما كانت ليلى بتنضف الأوضة، فجأة سمعت صوت الباب بيتفتح، وقلبها وقع في رجلها أول ما شافته… آخر شخص تتمنى تشوفه ويكونوا لوحدهم في مكان واحد…
مروان.
عينيه كانت مليانة بنظرة غريبة، نظرة رغبة وافتراس وهو بيقفل الباب وراه ببطء.
ليلى بسرعة حاولت تخفي خوفها، وافتكرت دورها… هي هنا مجرد خدامة، ولازم تتصرف على الأساس ده.
ليلى بابتسامة مصطنعة وهي بتخفض راسها: “أقدر أساعدك في حاجة يا بيه؟”
مروان بصوت واطي وهو بيقرب منها، عينه بتتملى بجسمها من فوق لتحت: “حاجات كتير…”
ليلى حسّت بجسمها بيتجمد للحظة، لكن بسرعة تمالكت نفسها، ورجعت خطوة لورا وهي بتحاول تحافظ على هدوئها.
ليلى بحزم، رغم رعشة صوتها: “أنا مستعجلة، البيه زمانه جاي، لو حضرتك مش عايز حاجة معينة، ممكن تتفضل دلوقتي.”
مروان ابتسم بسخرية، وهو بيحط إيده في جيبه، كأنه مش مستعجل خالص، وكأنه مستمتع بخوفها.
مروان وهو بيتمهل في كلامه: “إيه، خايفة؟ ما تخافيش… أنا بس بحب أتعرف على الناس الجديدة اللي بتشتغل عندنا… خصوصًا الحلوين منهم.”
ليلى شدّت نفسها أكتر، وحاولت تكون ثابتة، لكن عقلها كان بيفكر بسرعة… لازم تخرج من هنا بأي طريقة قبل ما يحصل اللي هي خايفة منه!
مروان كان بيقرب منها ببطء، ونظرة عينيه كانت مليانة شر…
ليلى بخوف، وهي بتحاول ترجع لورا أكتر، لكن ضهرها خبط في الحيطة: “انت… انت عايز إيه؟”
مروان بصوت واطي، لكنه واضح: “عايزك.”
ليلى حسّت بالرعب بيسري في عروقها، لكن حاولت تفضل متماسكة، رفعت صوتها بتهديد وهي بتبص له بحدة: “هصوّت ولمّ عليك البيت كله! وجوزي تحت، لو عرف إنك حاولت تقرب مني، هيق*تلك.”
مروان ضحك بسخرية، ضحكة مليانة خبث وهو بيقرب أكتر، صوته كان هادي لكنه مليان تهديد: “صوّتي… بس فكّري، لو عملتي كده، إنتي وجوزك هتتطردوا من هنا في لحظة، وهقول إنك كنتي بتسرقي من أوضة جدي… وساعتها مش بس هتتطردوا، دي هتبقى نهايتكم هنا.”
الخوف لف ليلى، على نفسها… على أركان، على المهمة، على كل حاجة تعبوا عشانها. لكنها في نفس الوقت كانت مش هتسمح لنفسها تنهار قدامه. خدت نفس عميق، حاولت تسيطر على رعشة صوتها، وردت عليه بشجاعة وهي بتبص في عينه بثبات:
“ابعد عني… بالذوق.”
ليلى كانت متسمرة في مكانها، مش بيفصلها عن مروان غير خطوات بسيطة. قلبها كان بيدق بسرعة، وهي بتحاول تسيطر على رعشة جسمها.
مروان كان بيقرب أكتر، تقريبًا حشرها في الحيطة اللي وراها، حاصرها بين دراعاته وميل جسمه عليها، عينه فيها شهوة واضحة، وصوته طلع واطي لكنه مليان تهديد: “مالك؟ خايفة؟”
ليلى ابتلعت ريقها بصعوبة، لكن ملامحها كانت مصممة إنها متبينش ضعفها، رفعت عينها ليه بحدة، ورغم الخوف اللي جوها، حاولت تخلي صوتها ثابت: “ابعد عني، أنا محبش القرف ده!”
مروان ضحك ضحكة قصيرة، صوته كان كله استهزاء: “القرف؟ طب ما هو جوزك أكيد مش بيقرب منك وإنتي كده، هو شايفك خدامة برضه؟”
الغضب لف ليلى، بس كانت عارفة إن أي تصرف غلط ممكن يضيع كل حاجة، فقررت تلعب على وتر تاني، استجمعت قوتها وبصت له باشمئزاز وعينيها مليانة تحدي رغم الخوف اللى حاسه بيه: “أنت عارف الفرق بينك وبين جوزي؟ إنه راجل… وأنت أنت مجرد واحد تافه.. فاكر إن الفلوس تقدر تخلي أي حد تحت رجلك!”
مروان ضيق عينه، واتنرفز من ردها، قرب أكتر وهمس بصوت مليان تهديد:
“هتشوفي أنا ممكن أعمل إيه، وهعرفك مقامك كويس أوي!”
حدفها ليلى على السرير بعنف، وقبل ما تقدر تتحرك، كان هاجم عليها بكل وحشية.
و
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية زواج في الظل)
التعليقات