رواية أشباه عاشقين للكاتبة سارة ح ش الفصل الثاني عشر
(ميرنا)
ابتسامة عريضة شقت تقاسيم وجهي لتمنحي اشراقاً يزيل كل التعب الذي سيطر على والتجهم الذي غزاني منذ البارحة، وكأني مراهقة حمقاء لم تجرب يوماً الوقوع في الغرام، حسناً لنكن جادين. انا بالفعل لم اجرب الوقوع بالغرام من قبل!
انهيت لمساتي الاخيرة فوق مظهري قبل ان اسرع نحو حذائي لأرتديه بينما اسير بأستعجال نحو باب غرفتي لأنزل بلهفة نحو سيف الذي ينتظرني في ردهة الفندق!
نزل بي المصعد واشعر بقلبي ينزل معه يكاد يسقط بين قدماي متوقفاً من شدة نبضاته المجنونة وحماستي في اللقاء وكأني لم اقابله منذ سنين وليس وكأني كنت معه البارحة. بل وليس وكأني لم اقع بغرامه سوى منذ فترة وجيزة لاتتجاوز الاشهر!
فُتح باب المصعد لأشاهده يقف امامه منتظر خروجي هناك، منحته ابتسامة عريضة تعبر عن طفوليتي وجنوني بينما هو منحني ابتسامة هادئة تعبر عن مدى رصانته!
تقدمت بضعة خطوات الى ان خرجت من المصعد ووقفت امامه فرمقني بنظرة اعجاب من اخمص قدمي الى قمة رأسي ومن ثم قال:
– تبدين غاية في الجمال!
فقلت بغرور مصطنع:
– وماالجديد؟
– الجديد انك لم تعودي قبيحة كالسابق!.
فتحت فمي مع شهقة صدمة عالية بالكاد اكتم من خلالها ضحكتي وانا اقول: – هل عليك ان تكون دائماً صريح بهذا الشكل؟
ضحك وامسك يدي داخل يده لنسير معاً نحو مطعم الفندق بينما يقول: – ستتحملين كل كلمة اقولها ولن تعترضي مقابل تركك لي البارحة!
حسناً دعونا نعترف. هو وسيم. ولكنه لئيم. سيبقى يذكرني بأمر البارحة كي يستغلني اكثر!
جلسنا مقابلين لبضعنا حول الطاولة ولم يتأخر النادل سوى دقائق حتى حضر ليأخذ طلباتنا، وبالتأكيد طلبت وجبة غنية ولم اكتفي بكوب قهوة وقطعة كعك كالمرة السابقة، فالطعام هو الشيء الوحيد الذي التجأ اليه بسعادتي، ربما لهذا السبب انا نحيفة قبل ظهور سيف في حياتي، اتمنى فقط ان لايمنحني سعادة مفرطة فيضطر لنقلي برافعة من مكان لأخر بسبب وزني الثقيل في المستقبل!
– ماذا هناك؟
وها انا ذا اعود مرة اخرى لأبتسم من دون سبب كالبلهاء بوجه سيف بسبب افكار سخيفة ومضحكة تتداول داخل عقلي الاحمق، هززت رأسي بخجل وقلت بتلعثم: – لا. لاشيء!
فضيق عيناه بتشكيك وابتسامة ماكرة تزين وجهه وهو يقول: – اذاً لما انتِ مبتسمة؟
هل اخبره اني اتخيل نفسي بدينة وينقلوني برافعة؟ بالتأكيد لن افعل، لااريده ان ينفصل عني بعد ايام من بدأ علاقتنا بسبب افكاري المضحكة. او ربما سيصاب بأنهيار عصبي. او ان كان يملك مسدساً سيستخدمه الان! ومع هذه الفكرة انطلقت ضحكة مسموعة من بين شفتاي جعلت سيف يضحك على منظري المجنون وانا استمر بالضحك وسط هذه الاجواء الصامتة، يا ليته فقط يتمكن من رؤية العالم الثاني الذي صنعته بخيالي الجامح!
– ميرنا؟
كتمت ضحكتي فوراً مع نبرته الدافئة ونظرت له بأبتسامة وانا اقول: – نعم؟
– ألن تخبريني؟
وحينها اختفت ابتسامتي فوراً وانا ادرك الى ما يلمح، اخذت نفساً بسيطاً وانا اجيبه بضيق:
– دعنا ننسى هذا الموضوع لو سمحت!
فقال بحسم ولكن يغلفه بعض الترجي:
– انه امر ليس بسهولة ان ينساه احدهم، ماحصل لكي البارحة. واختفائك فجأة، انتِ بالتأكيد تعانين من شيء ما!
– اجل.
فرأيت بعض الشحوب يسيطر على ملامحه فأكملت فوراً موضحة: – خطباً ما اجل. ولكنه ليس خطير.
– اذاً لما لاتخبريني به؟
– لأني لااريد ذلك فحسب.
ولم يبدو اني قد نجحت في اطفاء قلقه بل زدت لهيبه اكثر وهو يقول بتوتر وضيق: – أأنتِ مريضة؟
حدقت داخل عيناه بعمق. رأيت ذلك الخوف الذي يرتسم بداخلهما، نظرات ليس غريبة علي. هو لم يمنحها لي من قبل. ولكن بشكل ما اشعر ان اعرفهما تمام المعرفة، تبسمت وقلت بصوت هادئ: – لا، لست مريضة. انها مجرد وعكة صحية.
انا اتسائل. هل لابأس في الكذب على من نحب كي لانؤذيه؟ هل لابأس في اخفاء آلامنا عنهم؟ نعم بالنسبة لي سأفعل ذلك، فقط كي ارى الراحة ذاتها التي سيطرت على عينا سيف بعد تصريحي الاخير، لاضرر من كتم الحقيقة عليه كي ابقيه سعيد، كي ابقيه ذلك الانسان البارد الذي لايتملق لي وسيصارحني ان ازعجه شيء مني بدل ان يكتمه على ويتحمل من باب الشفقة، ان اراد ان يتحملني فأريده ان يتحملني لأنه يحبني وليس لأنه يشفق على مريضة!.
– ستعودين الى المنزل!
فتحت فمي لأعترض فوراً ولكنه قاطعني وهو يقول بحسم: – بقائك بمفردك مع وعكتك الصحية هذه ستزيد الامور سوءاً!
فقلت فوراً بتضايق: – لست طفلة ياسيف وبأمكاني الاعتناء بنفسي!.
ظننته سيفقد اعصابه بسرعة كما يفعل الاغلبية معي عندما اعاند بشيء ما. ولكن تفاجأت به يمد يده ليقبض على اصابعي داخل يده الدافئة وهو يقول بأبتسامة: – اعلم انكِ لست كذلكِ، ولكن افعلي ذلك من اجلي ارجوكِ، دامكِ وحدكِ هنا انا سأبقى في قلق دائم عليكِ!
بالله عليكم هل تتوقعون ان ارفض طلبه امام هذه النبرة اللطيفة؟ امام تلك العيون الساحرة؟ بل وكيف سأجرؤ على الرفض او حتى التفكير بأي شيء ويده تقبض على يدي بهذا المقدار من الحنان الذي يبعث نسمات هواء دافئة داخل روحي الباردة؟ ماالذي فعله هذا البارد لي ليجعلني احبه بهذا الشكل خلال هذه الاشهر القليلة؟
تبسمت واومأت له ب نعم فسحب يده مع حضور النادل بأطباق فطورنا. ومن دون ارادة مني وجدت نفسي ارفع يدي نحو رقبتي لأقبض على القلادة التي تحوي صورة يوسف بين اصابعي، فكلما انتابني شعور معين امسك القلادة بين اصابعي وكأني ابثه مشاعري التي تجتاحني ليشاركني اياها، والان بثثت له سعادتي، بثثت له حماسي لوجود سيف امامي، أسمعته نبضات قلبي المجنونة. اوصلت له امنيتي بوجوده قربي ليشاركني مااشعر به الان، ولكن قطع تواصلي مع يوسف نظرة سيف الغريبة للقلادة التي بين اصابعي! لااعلم أكانت نظرة حزينة. ام سعيدة؟ لااعلم كيف اصفها. ولكن كانت عيناه تعكس حزن لسعادة لايفترض ان يشعر بها، وكأنها تحمل بعض الالم داخل اشراقها، ولكن مع الاسف. في يومها كنت لاازال اعيش داخل تفكيري البريء ولم استنتج اي شيء!
انهينا فطورنا وانتظرني سيف لأحضر حقيبة ملابسي من الغرفة، لم يكن هناك مكان للسيد ويزلي داخل حقيبتي فقد اشتريت بعض الاشياء مؤخراً جعلت سعة حقيبتي تبلغ اقصاها، لذلك حملته بيدي!
نزلت للأسفل واول ما رأني سيف احمل حقيبتي الثقيلة اسرع إلى ليحملها عني. احنى جذعه العلوي قليلاً ليأخذ مقبض الحقيبة من بين يدي ولكنه تجمد عن الحركة فوراً، رفعت يدي قليلاً ليأخذ الحقيبة مني. ولكنه لم يبدي اي ردة فعل، استقام بظهره ببطىء ونظر الي، بصدمة! ما باله صاحب النظرات الغريبة هذه التي لاافهمها؟ نظرت حيث كان ينظر فلم يقع بصري سوى على السيد ويزلي الذي بيدي، حسناً هنا انتابني الشك بعض الشيء، ليس حول شيء محدد ولكني لايمكنني نكران استغرابي منه! نظرت له وانا اقول بتشكيك:.
– أهناك شيء ما؟
توقعت ان يحدث كما يحصل في الافلام. سقول لا، لاشيء وانا سأستمر ببث المزيد من الشكوك لنفسي واكتشف ان هناك خطب ما، ولكن على التخفيف من الان فصاعداً من تأثير شخصية شارلوك هولمز التي تتلبسني!
– لا، فقط ذكرني الدب بأحدهم!
رأيت شبح ابتسامة مريرة ترتسم فوق شفتاه وهو ينظر لي بألم. فسألته بأسى:
– تبدو ان ذكراه مؤلمة بالنسبة لك؟
هل تتوقعون انه اجابني؟ حسناً. كل انسان عاقل سيعتقد هذا فحتى انا كنت اتوقع ان يجيب سؤالي ببساطة-رغم اني اشك بكوني انتمي لفئة الانسان العاقل-، ولكنه لم يجب. تقدم نحوي الخطوات التي تفصلنا فأصبحت المسافة بيننا معدومة ومنحني قبلة عميقة فوق جبيني جعلت رئتاي تتوقف عن العمل فوراً وقلبي يتسابق مع الضوء في سرعته، همس لي بعد ثواني:
– دعينا نذهب!
ومد يده نحو حقيبتي ليسحبها من يدي وسار قبلي ليخرج وانا اقف متسمرة كالحمقاء في مكاني لايمكنني استيعاب ما فعله هذا المجنون، وشيئاً فشيئاً بدأت الابتسامة تعلو وجهي وتتورد وجنتاي بألوان الطيف السبعة! اااه يااللهي. كم هو رائع هذا الشعور الذي ينتابني الان، لقد ادمنت هذه الوخزات الكهربائية التي تصعق اجزاء جسدي. احببت نبضات قلبي المجنونة، ولابأس ان توقفت رئتاي عن العمل. فلست احتاج الهواء بوجوده!
صعدت الى السيارة بجانبه والابتسامة لاتزال تسيطر على وجهي. والجمود لايزال يتشبث بملامح سيف، حسناً لم استغرب الامر كثيراً فلطالما كان سيف هادئ وقليل الحديث، لذلك اكتفيت بالانصات الى سمفونية قلبي التي تقرع طبولها بجانبه!
تبادلنا بعض الاحاديث البسيطة قبل ان نصل بعد20 دقيقة الى منزلي، ودعته بأبتسامة عريضة تحتل وجهي وابتسامة هادئة ورصينة تزين له وجهه. نزلت واتجهت الى الداخل لتبدأ ابتسامتي بالتلاشي مع صوت انطلاق محرك سيارته بعيداً وتغلغلي اكثر داخل حدود منزلنا، ام يجب ان اسميه بالجحيم؟.
من الجيد اني لاازال احتفظ بنسخة من المفتاح في حقيبتي ولم انساها. فتحت الباب الداخلي ودخلت اقلب بصري في الارجاء، اجل، لايزال كل شيء كما هو. خالي من الحياة!
اقتربت من الصالة لأجد امي هناك ترتشف قهوتها الصباحية المعتادة وهي تضع ساق فوق اخرى وتقلب صفحات المجلة تارة بأهتمام وتارة بملل، بالتأكيد انتم تتخيلون انها كانت في حالة قلق طوال الايام التي اختفيت فيها وانا ستهب واقفة الان بتفاجئ ما ان تراني وتذرف دموع سعادتها لعودتي، هه. كفو عن هذا التفكير الساذج!.
رفعت بصرها ببرود بعد ان احست بوجود احدهم، ولم تتغير نظرات البرود هذه وهي تدرك انها انا، بل والاسوأ اعادت نظراتها نحو المجلة وكأنها رأتني بالامس وقالت بعدم اهتمام:
– عدتي واخيراً!
لم استطع الاجابة، خيبة املي والمي منعني من ذلك! نعم هما معتادين دائماً على خروجي من المنزل عند غضبي، ولكن ألا يكتنفهما القليل من القلق حولي؟ ألا يخشيان اني لربما لن اعود؟ انا اتسائل، هل المال هو من يجعل الناس بهذه البرودة والقسوة؟ اذاً يا ليتنا لم نكن اغنياء ابداً. كي احظى بذلك الاهتمام الذي انتظره منهما!
لم اكن مهتمة بأجابتها بشيء وكأني اصبحت النسخة الاخرى منها في برودها واتجهت نحو السلم لأصعده نحو غرفتي. ولكن صوتها اوقفني وهي تقول لي بينما تستمر بتقليب صفحات المجلة:
– بعد قليل ستزورني السيدة نادية وصديقاتها، حضري نفسك.
هذه المرة لم اكتفي بالصمت واطاعة اوامرها. بل التفت اليها لأقول ببرود وسخط:
– في الحقيقة لست مهتمة بأمر صديقاتك السخيفات وثرثرتهن المملة. لذلك لن اقابلهم!
وتركتها وسط دهشتها وعيونها الجاحظة بصدمة من ردة فعلي وكلامي بهذا الشكل لأول مرة، حسناً، لن انكر، تلك الصفعة ستغيرني. بل ولقد تغيرت بالفعل!
وصلت الى غرفتي. كل شيء كما هو. لاتزال ملتجأي من هذا المنزل المخيف!
وقبل ان اتحرك خطوة طرق الباب طرقات سريعة يليها دخول سديم المفاجئ قبل حتى ان ءأذن لها بالدخول. وقبل ان تمنحني فرصة لأدرك شيء تقدمت إلى لتعانقني بقوة، وتبكي! أيمكنكم ان تستوعبو مايحصل، خادمتي تبكي لفراقي، وامي لم تبالي! ومع هذه الفكرة وجدت نفسي اعانقها بشكل اقوى واشاركها بكائها بصمت، اغمضت عيناي وانا اتخيل نفسي بين يدا امي. واتخيل صوت سديم صوتها، اريد ان اشعر بذلك الحنان الذي افتقده منذ طفولتي، لابأس ان كذبنا على نفسنا ايضاً بين الحين الاخر!
ثواني وابتعدت سديم قليلاً عني وهي تقول لي بملامة:
– لما فعلتي ذلك انستي؟
رفعت زاويا فمي بأبتسامة ساخرة وانا اجيب:
– ألا استحق بين الحين والاخر ان ابتعد عن هذا العالم المزيف لأبقى وحدي؟
نظرت نحوي بأسى دون ان تملك ماتعلق به لتشفي لي جروحي. فهي معنا منذ سنين وتدرك معاناتي جيداً مع طبقة الاسرة الراقية، جميعهم من دون استثناء. وحتى اسرتي. بل وبالاخص اسرتي!
سألتني بعطف:
– هل اخذتي دوائك بأنتظام؟.
تبسمت على عطفها اتجاهي وانا اجيب:
– اجل فعلت، ولكن افتقد بشدة القهوة التي تعديها من اجلي!
اتسعت ابتسامتها وهي تقول:
– دقائق وستكون لديكِ!
وخرجت مسرعة من الغرفة يكلل لهفتها سعادة عارمة لعودتي نحو المنزل، تلك السعادة النقية التي لم المسها مع احد سوى مع القليل!
اتجهت نحو سريري وارتميت فوقه وانا اسحب حاسوبي الشخصي لأقرأ الرسائل الالكترونية التي وردتني في غيابي، فطوال الايام الثمانية التي غبتها لم افتح ابداً حسابي الالكتروني!
ثمانية ايام من الغياب. أتعلمون كم رسالة وردتني؟ اثنتان! أيمكنكم ان تتخيلو؟ احدهم من خالتي روجينا والثانية من مراد!
فتحت رسالة خالتي اولاً فوجدتها قد ارسلت لي صورتها وهي تقف وسط الثلوج تحت برج ايفل في باريس، ضحكت على تعابير وجهها اللطيفة وهي ترسم الحماس الطفولي عليها، انها بالفعل طائشة، عكس شخصية امي تماماً! فالخالة روجينا تحب الحياة. مفعمة بالحيوية. نادراً ماتهتم لنظام اسرتها الارستقراطي. تهتم بمتعتها ومساعدة غيرها فقط ولاتهتم كثيراً في السعي وراء المال!
ارسلت لها تحية وبعض الكلمات الممازحة ادعي غضبي لأستمتاعها وبقائي وحدي هنا وانتقلت بعدها لرسالة مراد. مراد الذي من المفترض ان نكون اصدقاء مقربين، أتعلمون ماذا وجدت انه قد ارسل؟ رسالة واحدة فقط مكونة من كلمات بسيطة، اين انتِ يافتاة؟ منذ ايام وانتِ مختفية، اجل. هكذا تكون الصداقة داخل الاسر الارستقراطية، لم تثر استيائي او استغرابي هذه الرسالة، فحتى المقربين منهم يتعاملون معهم بهذا الشكل، اشعر ان ارواحهم فارغة، المال جعلهم اشخاص غريبو الاطوار بالفعل، يستمتعون. يبذرون. يحتفلون، يسافرون، لاشيء غير هذه الاشياء تشغل لهم ايامهم، أتسائل ان كنت انا الغريبة بينهم وليس هم!
اكتفيت برسالة عادية مثل رسالته اخبره اني كنت خارج المنزل طوال الايام التي مضت، وانا متأكدة انه لن يسألني اين كنت ولماذا، هذا ان اهتم بجوابي من الاساس!
قطع على تحديقي بشاشة حاسوبي رنين هاتفي. رفعته من جانبي ووجدت اسم السيد جلال يضيء شاشتي، اما انه يحمل خبر جيد او سيء. فليس من المعقول ان يتصل بي ليسألني عن اختفائي ايضاً!
– اهلاً سيد جلال!
– مرحباً انستي. كيف هو حالك؟
– بخير، شكراً لسؤالك!
تردد بادئ الامر قليلاً قبل ان يقول:
– اسف لما حصل، اعني امر تولي السيد سيف المنصب!.
تنهدت قبل ان اجيبه:
– لابأس. لست حزينة لذلك. هذه ايضاً فرصة لي لأحظى ببعض الراحة من العمل!.
– حسناً، لااظنك ستحظين بها مطولاً!
قلت بعدم فهم:
– ماذا تعني؟
– متجر المعجنات والحلوى خاصتك. اقترب من الانتهاء!
فقلت فوراً بحماس وفرحة عارمة:
– أأنت جاد؟
ضحك قبل ان يجيب:
– تمام الجدية، ولكن.
– لكن ماذا؟
– الميزانية لن تتحمل اكثر من 25 موظفاً يعمل داخل المتجر. او ما افضل تسميته بشركة تصنيع الحلوى الصغيرة، فالاموال التي انفقناها جعلتنا نطورها لتكون اكثر من متجر عادي، بأمكاننا التعاقد مع شركات اخرى لبيع بضاعاتنا وتجهيز الحفلات والمناسبات الضخمة.
– حسناً اذا كانت شركة صغيرة اكثر من كونها متجر لما لايمكننا توظيف المزيد؟
– لازلنا في البداية انستي ولم نجري الصفقات بعد، لذلك توظيف اكثر مما تتحمل الميزانية سيعتبر مجازفة كبيرة!
– والحل؟.
تنهد بأسى قبل ان يقول:
– اتا اعتذر انستي ولكن هذا مااستطعت فعله. لن نستطيع توفير الوظائف لأكثر من 25 شخص من ال40موظف!
عضضت زاوية شفتي السفلية وقطبت حاجباي وعقلي داخل تفكير عميق جداً. وفجأة قلت لجلال:
– حسناً، سأتدبر الامر واعاود الاتصال بك!
– حسناً انستي.
انهيت المكالمة معه وقمت من فوري ووقفت امام سريري، وقفت احدق ببلاهة، أليس من المفترض ان تكون فوقها حقيبة ملابسي؟ بل ومن الاساس هل انزلت الحقيبة من صندوق سيارة سيف؟ يا لحماقتي! تنهدت بقلة حيلة واتجهت نحو خزانتي. فأنا بكل الحالات سأذهب اليه. اخرجت ملابسي فدخلت في هذه الاثناء سديم تحمل كوب القهوة من اجلي، قالت بصوت شبه هامس بينما تضع الكوب على الطاولة المجاورة لسريري:.
– لقد عاد السيد ادهم وقد اخبرته السيدة بعودتك!
نظرت لها دفعة واحدة وشي مايعتصر قلبي بقوة. وتلك الصفعة انالها مرة اخرى بشكل وهمي وانا اتذكرها، انا بالفعل لااريد مقابلته!
قطبت حاجباي بشكل لاارادي وانا اعيد ابصاري نحو خزانتي اختار بقية ملابسي، حبست دموعي قدر المستطاع. تماسكت بقوة الى ان سمعت سديم تخرج، حينها فقط سمحت بأنهيار السدود المنيعة التي ابنيها، ففي بعض الاحيان احاول الادعاء بالقوة. لعلي اشعر بها!
انهيت ارتداء ملابسي وجلست امام منضدة التزيين ارتب شعري واضع بعض مساحيق البسيطة، وطُرق باب غرفتي!
انزلت احمر الشفاه عن فمي ببطئ وبقيت احدق بوجهي في المرآة بجمود احاول البقاء متماسكة، فأنا اعرف الطارق جيداً! اخذت نفساً عميقاً وكسيت عيوني بطبقة من البرود وانا اعود لفعل ماكنت افعله بصمت!
ثواني وفُتح باب الغرفة، احسست بحركته وهو يدخل. انتشر عطره داخل اجواء محيطي، سارت خطواته الثابتة والبطيئة لألمح هيئته فوق انعكاس مرآتي وهو يجلس على حافة سريري، ابي!
– لم اظنك ستغيرين رأيك وتعودي بهذه السرعة!
لم اجب بشيء واستمررت بفعل ماافعله من دون ان ابالي بوجوده! صمت لثواني قبل ان يخترق صوته المنكسر مسامعي جعل جسدي يتوقف عن الحركة لوهلة!
– اسف لصفعك!
عصرت قبضتي بقوة فوق احمر شفاهي كي امد جسدي بالقوة ولااجعله يضعف بهذه اللحظة بالذات. استعدت السيطرة على جسدي واعدت احمر الشفاه بأتجاه المنضدة وسحبت بدل منه فرشاة الشعر لأرتب بعض خصلات شعري المرتبة من الاساس!
– لقد اخبرني سيف بأمر ال100 موظف!
ومع عبارته الاخيرة اعتلت ابتسامة ساخرة زاويا فمي، لهذا السبب اعتذر!
– بأمكانك ان.
قاطعته بحدة:
– لااريد!
فأنا اعلم انه سيعرض على منصب المتجر مجدداً. وهذا شيء لن اتقبله ابداً، بل وسأتخذ امر الصفعة ذريعة كي اتخلص من كل مسؤوليات العمل من الان فصاعداً!
وضعت الفرشاة حيث وضعت احمر الشفاه والتفت اليه بعيوني الباردة وانا اقول:.
– لابأس ان صفعتني ابي. فهذا لن يقتلني، مايقتلني هو تجاهلكم لي من اجل اعمالكم واموالكم!
ثم املت رأسي للجانب قليلاً وانا اكمل:
– احياناً اتسائل، هل البشر بالفعل يفعلون كل شيء من اجل المال؟
ثم وقفت وسحبت حقيبتي اليدوية من جانبي واكملت بهدوء:
– وبتصرفك معي اجبتني عن هذا السؤال!
وقف بسخط وقال بالم:
– لمن اجمع المال؟ لمن اعمل؟ لمن ابني كل هذه الشركات والمصانع؟ أليس من اجل ان امنحك حياة افضل!
– اجل. حياة مليئة بالوحدة.
ثم اكملت بنبرة حادة:
– أتظن اني احتاج لوجود الاموال بجانبي؟ يومي الاول في المدرسة اردت ان اكون كبقية الاطفال الذين حضرو مع والديهم، ولكنك ارسلت معي مربيتي، ايام مرضي كنتما توظفان امهر الممرضات لتعتني بي. لكني كنت احتاج اليكما اكثر حتى من حاجتي للدواء. حفلة تخرجي لما تحضراها. انت بحجة العمل وامي هي الاسوأ. فقد فضلت الذهاب في اجازة مع صديقاتها.
ثم تقدمت اليه بضع خطوات وصوتي يصبح اكثر حدة:
– ومن ثم تمنحني صفعة وتتهمني بالسرقة!
قلت بغضب اشد وبنبرة ذات معنى:
– ولكن ان اعدنا تاريخ عائلتنا العريق. فلست انا من يسرق الاموال من افراد اسرته ياابي!
ومع هذه الكلمة الاخيرة قبض ابي على يدي بقوة وهو يقول:
– للمرة الالف. انا لم اقم بأختلاس اموال اخي!
ضحكت بسخرية وانا اسحب يدي منه واقول:
– اوه اجل صحيح، انا اصدقك!
ثم تحركت خطوة واحدة بأتجاه الباب ولكنه اوقفني وهو يمسكني من يدي مرة اخرى. ولكن هذه المرة بصورة اكثر رفقاً وقال لي ولااعلم لما شاهدت بعض الاسى يكتسي عيناه:
– ليس كل مانؤمن به يجب ان يكون صحيحاً ميرنا!
وتركني وسط عدم استيعابي وخرج من الغرفة. لم افهم لما قال هذا، بل ولااعلم حتى ماذا يعني. وفي الوقت الحالي لم اهتم!
اخرجت هاتفي واتصلت بدانة سكرتيرة ابي. ثواني حتى وصلني صوتها:
– اهلاً بك انسة ميرنا.
– مرحباً دانة. كيف حالك؟
– بخير انستي شكراً لكِ!
– دانة كنت اتسائل. هل بأمكاني طلب خدمة منك؟
– بكل تأكيد. تفضلي؟
– اريدك ان تعرفي لي عنوان السيد سيف. نائب ابي!
– حسناً. سأرى ملفه الشخصي الذي لدنيا. خمس دقائق وسأرسله لكِ في رسالة نصية!
– حسناً. اشكرك كثيراً.
– على الرحب والسعة انستي!
انتظرت بينما ارسلت لي دانة العنوان ثم خرجت من المنزل واستقللت تاكسي واعطيته عنوان سيف. فسيارتي لاتزال عند باب الفندق بعد ان عدت للمنزل بسيارة سيف!
استغرقنا الطريق 20دقيقة تقريباً ووصلت نحو شقة سيف. دفعت الاجرة ونزلت بلهفة من السيارة وكأني لم اراه منذ سنة كاملة وليس وكأننا التقينا منذ ساعة مضت!
صعدت الى المصعد وابتسامة عريضة تحتل وجهي، اشعر اني واخيراً بدأت احصل على سعادتي، الان فقط بدأت اشعر ان لوجودي في هذه الحياة معنى. وليس مجرد انسان يعيش حياة كآلة!
وصلت الى الطابق حيث شقته وضغطت على الجرس مرة واحدة، فليشكر الرب اني لاازال اشعر بالخجل امامه. فلولا خجلي لأبقيت اصبعي فوق زر الجرس لحين خروجه!
دقيقة واحدة وفتح الباب، اطل بملامح عادية. ولكن هذه الملامح سرعان ماانقبضت وهو يدرك من الزائر، ليقابل ابتسامتي العريضة بوجه شاحب لم افهم السبب لكل هذا التفاجئ، بل وانه اقرب الى الارتباك!
تمتمت شفتاه بأسمي ولكن صوته لم ينطلق. وكأن هناك شيء ما يمنعه من اخراج صوت حروفه من حنجرته!
تبسمت اكثر وانا اقول ممازحة:
– مابك وكأنك رأيت شبحاً؟.
فقال لي بتلعثم:
– ما. ماالذي تفعلينه. هنا؟.
بدأت ابتسامتي تختفي ووجهي يحمر خجلاً، فهذه العبارة لايجوز ابداً ان توجهها لفتاة تقوم بزيارتك. لأنك ستشعرها بمدى سخافتها وسذاجتها!
تنحنحت بأرتباك ثم قلت في محاولة فاشلة مني للملمة كرامتي المبعثرة:
– حسناً. اولاً نسيت حقيبتي بصندوق سيارتك.
ليقاطعني هو فوراً:
– كان بأمكانك الاتصال بي وكنت سأحضرها لك بدل قدومك!
فرفعت حاجبي فوراً بحدة وغزت ملامح الجدية كامل وجهي وهيئتي، انه اسلوب لايمكنني تقبله او حتى تحمله، انه يشعرني كما لو كنت مراهقة ساذجة اتبعه حيث مايذهب، يااللهي، لم اتعرض لأحراج كهذا طوال حياتي كلها، بل وانه حتى لم يدعوني للدخول، بل يقوم بطردي ولكن بطريقة لبقة، يالحماقتي!.
فأكملت بنبرة جافة:
– وثانياً. اردت التحدث معك بخصوص ال40 موظف. لقد اتصل بي السيد جلال لتوه واعلمني بالامر!
قطب حاجبيه بضيق اكثر وهو يقول بتوتر واضح:
– حسناً. هل يمكننا التحدث بالامر لاحقاً؟
عصرت قبضتي بقوة فوق سلسلة حقيبتي احاول تماسك اعصابي وانا اشعر بكل الدماء تتصاعد نحو رأسي تجعله يكاد ينفجر بين لحظة واخرى!
فقلت بكبرياء لااظن ان سيف ابقى لي شيء منه:
– حسناً، اعتذر عن الازعاج!
واستدرت من فوري راحلة، حسناً. دعوني اكون صادقة، مع السخط الذي كان واضحاً على شكلي من اسلوبه فكنت واثقة اني ماان استدير سأشعر بيده تقبض على يدي، سيعيدني نحوه، سيعتذر. سيستشعر غضبي. وسيصعب عليه احزاني، لم اتوقع ولو للحظة ان اسمع اغلاق الباب فور استدارتي. وكأنه ينتظر ذلك على احر من الجمر!
غاضبة؟ لاانها كلمة قليلة وبسيطة جداً لتعبر عما اشعر به الان! انا اكرهه بقدر مااكره نفسي وغبائي في الوقت الحالي!
(سيف)
أتعلمون اكثر مايؤذيني؟! اكثر مايقتلني ولكنه يبقيني اتنفس؟ هو اذيتي لها، فكلما تأذت مني كلما كرهت نفسي، اشعر اني اؤذي نفسي وليس أؤذيها هي، كل ما ابكيتها ينزف قلبي بقوة، كلما اغضبتها استأت، وكلما تسببت لها بأبتسامة اشعر اني الرجل الاسعد في هذه الحياة، انا بالفعل اؤمن انه ان احببت احدهم فستصبحان شخص واحد!
– هل رحلت؟.
زفرت بضيق والتفت نحو امي وانا اقول بأستياء:
– اجل!
وسرت بأتجاه الصالة لأجلس هناك ادخن سيجارة جديدة بغضب واستياء، تلك النظرة التي غزت عينا حبيبتي مني من المستحيل ان اتحملها، نظرة الاحباط، يا لي من احمق غبي. انا بالفعل لااستطيع الكف عن حبها ولاحتى الكف عن تخييب ظنها بشكل متواصل!
جلست امي على الاريكة المقابلة لي بظهر مستقيم وقبضتيها مستقرتان بشكل متعانق فوق حجرها وقالت لي بهدوء:
– كان عليك ادخالها وكنت سأدخل للغرفة كي لاتراني!
طرحت انفاسي المحملة بدخان سيجارتي وقلت:
– لا. لن اجازف. قد يحصل وتشعر بوجودك او تراكِ!
– لقد مضت سنوات طويلة يايوسف. وعندما رحلنا كانت لاتزال طفلة صغيرة. من الصعوبة ان تتذكرني!
– ولكنها بالتأكيد تحتفظ بصورة ما لكي، انا تحولت من طفل الى رجل ياامي لذلك من المستحيل ان تعرفني، ولكن انتِ لم تتغيري بشكل كبير. نعم تغيرت ملامحك ولكنها لاتزال مألوفة بالنسبة لهم. لذلك لن نجازف بجعلها تراكِ!
ثم ادرت بصري نحو النافذة وانا ارتكز بمرفقي فوق فخذي وكأني في وضيعة التحفز ولااستطيع الجلوس مسترخياً، قلبي يؤلمني بشدة. رئتاي منقبضة، انا بالفعل لايمكنني تحمل مجرد تخيلها حزينة او ماالذي قد تظنه عني، قد تعتقد اني لااحبها، قد تغضب مني ولن تتحدث معي مجدداً. قد تفضل كرامتها التي استمر بسحقها بقسوة لها على قلبها ومشاعرها، وفجأة انتشلني من عالم تخيلاتي ومخاوفي صوت امي وهي تسألني بنبرة هادئة ولكن ذات معنى:.
– هل انت مستاء بهذا الشكل لأنك تخشى اغضابها بالوقت الحالي؟ ام انك مستاء لأنك اغضبتها منك بشكل عام؟
نظرت لها لأرى نظرة التشكك تلك تغزو عيناها وهي تحدق بي بحدة، ادعيت البرود وانا ادعس سيجارتي داخل المنفضة واقول:
– لاارى فرق بالامر بأي حال!
فقامت من مكانها وهي تسحب حقيبتها اليدوية وتمسك بين اصابعها نظارتها الشمسية وقالت برصانة ولكن بنبرة جافة:.
– بل يوجد، اذ كان للوقت الحالي فحسب فلابأس. فهذا يعني انك لاتريد من اي شيء ان يفشل خطتنا ولانريد خسارة ميرنا بالوقت الذي نريد التقرب منها، ولكن ان كان بشكل عام، فهذا يعني انك ستشعر بذات الاستياء لغضبها منك حتى بعد ان ننجح بخطتنا ولن نعود بحاجة اليها!
ثم تطلعت بعيناي ببرود وهي تكمل بنفس الحدة:.
– وهذا سيعني انك لاتزال تكن المشاعر القوية لها، وانا لن اسمح لك بالوقوع بغرام ابنة سلوى يايوسف، اظن اننا اتفقنا على هذا منذ البداية، لذلك لاتكن كالاحمق وتسمح لها بأضعافك بهذا الشكل السخيف!
ثم سارت من دون اي تعليق اخر بأتجاه الباب وتبعتها انا من باب الاحترام كي افتحه لها، لنتجمد كلانا عن الحركة وتنقبض قلوبنا بقوة ونحن نحدق بصدمة بها اول مافتحت الباب، نتشابه مع التفاجئ الذي يغطي عيناها وهي تحدق بنا، ميرنا!
التعليقات