رواية غوى بعصيانه قلبي الجزء الثالث للكاتبة نهال مصطفى الفصل السابع عشر
في تلك اللحظة التي نطق عندها رجل الدي جي معلنًا عن تقديم الراقصة مُهرة للحفل جاء يسري من الخلف هامسًا لصديقه بفرحٍ: -أيه رأيك في المفاجأة دي؟ من الآخر.
حك عاصي ذقنه وهو يلعن ذلك الحظ متمتمًا: -مالقتش غير مُهرة! هو يوم باين من أوله!
برقت عيني نوران بصدمة عندما سألها كريم عن رأيها بمفاجأته لها، فتفوهت متوعدة: -رقاصة! رقاصة يا كريم! دا أنت ليلتك مش فايتة؟ أقول لك طلقني!
وبخها كريم قائلًا كمن لا يقترف أثمًا: -مش لما اتجوزك الأول! بس أزاي الرقاصة تنزل قبل المأذون!
وضعت كفيها بخصرها: -والله، ده كُل ال هامك يعني!
غمز بطرف عينه متمايلًا لعندها: -افرضي غيرت رأيي كده!
-أنا قاعدة أهو وأنتَ كمان وقابلني لو الجوازة دي تمت، أنا عايزة شمس!
طافت عيني نوران باحثة عن أختها كي تنقذها من تلك الورطة. جاءت الراقصة رافعة وشاحها الشيفون كفراشة مُتطايرة تخترق ساحة الحفل. انضم مراد لتميم هامسًا باندهاش وهو يحملق بتلك التي تُظهر أكثر ما تُغطي: -اوعى، رقاصة؟ الواد كريم ده طلع بيفهم.
عقد تميم ذراعيه أمام صدر متكئًا على كتف مراد قائلًا بشرود: -تصدق عمري ما شُفت رقاصة لا ف تلفزيون ولا واقع. أنا ممتن لكريم أنه حقق لي حلم زي ده! أحنا طلعنا مش عايشين.
عقد عاصي كفيه أمام بطنه وهو يعانق السحب متحاشيًا النظر عن تلك التي ترسل له العديد من الغمزات والقُبل بالهواء، غمغم معاتبًا:
-الله يحرقك يا يسري ويحرق سنينك السودة!
مال يسري على آذانه معترفًا: -دي مش مصدقة نفسها لما قولت لها معاليك طالبها بالاسم.
حدج عينه معاتبًا: -أنا عرفت ليه حياة مصممة تبعدك عني، قلبها حاسس. محدش بيضلني غيرك.
أخذت مهرة تتمايل وتتراقص على صوت قرع الطبول ولم تتحرك عينيها عن عاصي رفيق لياليها الماضية. انسجم يسري مع حركات مهرة المثيرة مثلما انسجم تميم ومراد والذي انضم لهما كريم بعد ما تركته نوران وصعدت لل كوشة. صُوبت الأعين ناحية الراقصة وتجمهر المعازيم ولكنها لم تغازل إلا عاصي الواقف بجوار حياة يبتهل بأدعية كي تمر ليلته على خير.
انتبهت حياة لتلك النظرات الغريبة المنبعثة من عيني الراقصة وطالعته بنبرة مُحقق قانوني: -أنتَ تعرفها!
رفع وجهه بالسماء متحمحمًا، رفع كتفيه مبرئًا ذمته: -هعرفها منين يعني يا حياة! أنا جمبك أهو متحركتش.
احتدت نبرتها بأعينها المُتلصصة: -عاصي!
-معرفة قديمة يا حياة! ارتحتي؟
اعترف على الفور وهو يلقى نظرة تحذيرية لمهرة أن تكُف عن تصرفاتها الجنونية. فأكملت تحقيقها: -ودي جاية تعمل أيه هنا!
-وأنا مالي! اسألي كريم هو ال جابها.
قرصته بمعصمه بحذر وأكملت بنبرة خارجة من وراء فكيها المنطبقين: -والله كريم يجيب رقاصة تطلع معرفة قديمة! ودي صُدفة عادي ولا كُل راقصات البلد يعرفوك وتعرفهم!
غمغم بثبات مُقرًا حيث لا مفر من التلوين الذي يقف على مراجل تغلي: -كل راقصات البلد يعرفوني وأعرفهم. واسكتي أنتِ كمان.
-طبعا يا أهلًا بالتاريخ!
عقدت ذراعيها أمام صدرها لتخمد ذلك البركان المندلع بداخله وأكملت استجواب ذلك الغارق مع حركات مهرة الجنونية والتي لم تتوقف عنها: -ياجامد! ودي أيه حكايتها بقى! أحكي لي!
فاق لنفسه مؤخرًا، فطالعها: -في أيه يا حياة! منا واقف جمبك أهو ومبحلق في السما! عملت أيه للأسلوب ده!
نظراته لعندها لم تزيدها إلا قُربًا. جاءت راكضة ببراعة على طراطيف أصابعها تتمايل وتتراقص وأخذت تلف حوله، أغمض جفونه الاثنين وتمتم: -ياستي مش كده يا ستي ابعدي عني. مش أنا توبت! قولت توبت.
ألقت مهرة وشاحهها على كتفيه وأخذت تتدلل وتتمايل، ف تفاقمت النيران بقلب حياة التي رغم علمها بماضيه لكن نيران الغيرة لم تنجٌ منها فقدت قُدرتها على التحمل أكثر من ذلك، فتمتمت له بغلٍ وهي تربت على كتفه بقوة: -انبسط يا حبيبي. وخد وقتك. ولا كإني موجودة.
دار رأسه للوراء ليرى أين ذهبت تلك المجنونة فحاصرته مُهرة بوشاحها هامسة: -وحشتني ياباشا! فينك من زمان!
ضغط عاصي على قدم يسري المتراقص بجواره: -أنتَ يا زفت، خلصني من الورطة دي. دانا هطلع عينك يا يسري.
ثم دفعها برفق لتبتعد عنه ليلحق زوجته التي فارقت الحفل واتجهت لداخل القصر. بالجهة الأخرى يتراقص كُل من مراد وتميم وكريم على الغناء فجاءت الراقصة لعندهم لتشاركهم الرقصة وتتمايل عليهما ولكن حذرة من أي تلامس عكس ما تعمدت أن تفعل مع عاصي. جاءت كل من عالية وشمس بعواصف غضبهما فهتفت شمس لزوجها: -مش كفاية كده! المسخرة دي هتنتهي أمتى! المأذون جيه بره.
فأكملت عالية وهي تسحب زوجها من حقلة مرحهم: -قول لأخوك يمشي البتاعة دي من هنا، وأنتَ حسابك معايا بعدين. هاا عشان ترقص معاها تاني.
برر مراد موقفه: -وأنا مالي هي ال جت عندنا!
-مراد!
اندفعت شمس نحو كريم واشتدت معه: -روح اقعد جمب نوران وعدي ليلتك يا كريم. دي لو نوران عدتها أصلًا.
جمد تميم قلبه وجهر معارضًا عائدًا لرُشده: -أيه المهزلة دي! كريم مشي البتاعة دي من هنا دي ليلة مباركة يا جدع والواحد ف عرض حسنة!
رمقته شمس بنظرة حادة لا توحي بأن هناك خيرًا سيراه بعدها، فبلل حلقه قائلًا بتردد: -وأنا عملت ايه! دا أنا بنصحه، شمس خدي هنا هفهمك.
علي أعتات السُلم التي كادت أن تلمسه أقدام حياة تمسك بكفها كي يمنع رحيلها:
-هو يصح تسيبي المعازيم وتطلعي! حياة أنتِ أعقل من كده.
ردت بهدوء تُحسد عليه: -عشان تنبسط وتاخد راحتك.
جذبها لعنده كي تقف بين يديه تحديدًا ؛ وقرر أن يشتري عُمره قائلًا بحنان زاخر: -راحتي جمبك، ومش أنا ال هقول لك كده. يلا عشان محدش ياخد باله من غياب صاحبة البيت.
ثم ختم جُملته بتقبيل كفيها بلطف متنهدًا: -هاه يلا وفُكي التكشيرة دي!
أومأت على مضض ثم قالت مستسلمة: -ده عشان شمس ونوران بس. أما كلامنا لسه مخلصش.
حول طاولة كتب الكتاب.
شرع المأذون ببدء مراسم الزواج على الطريقة الاسلامية المعتادة. كان كريم جالسًا ويده بيد تميم وكيل العروس. تدخلت نوران قائلة: -بس أنا مش موافقة. ومش عايزة اتجوز
دارت جميع الأعين لعندها، فوثب كريم معارضًا كالبوتجاز: -نعم ياختي! هو لعب عيال.؟
ثم نظر للمأذون قائلًا: -متسمعش منها يا مولانا. دي اصلا فاقدة الأهلية، هناخد على كلام واحدة فاقدة الأهلية زيها!
-لا يجوز يا عريس!
وثبت نوران معارضة: -شايف يا مولانا! ده أسلوب واحد ينفع اتجوزه.
تمتم المأذون قائلا: -لا اله إلا الله. استهدوا بالله كده ده أكيد شيطان ودخل ما بينكم.
-رقاصة مش شيطان وو
ثم ضربت على سطح الطاولة وأتبعت: -مش أنا فاقدة الأهلية! هل يجوز حد مجنون يتجوز يا عمو!
رفع الشيخ حاجبه: -عمو! الله الله الله!
تدخلت شمس لتهدأ الأمر وتعاتب أختها: -نوران ما يصحش كده! أقعدي.
-لا مش هقعد. وأنا مش عايزة الجوازة دي؟ أنا عيلة ورجعت في كلامي.
نظر المأذون لعاصي فتدخل عاصي قائلًا: -ماتبطلوا لعب عيال وخلي اليوم المهبب ده يعدي!
ربت كريم على ظهر الشيخ وهو يستريح على طرف الكُرسي موضحًا الأمر بهدوء: -أنت عارف يا مولانا أن كُل الدوشة دي عشان بس حبيت أعملها مفاجأة وابسطها وأجيب لها رقاصة.
هلل الشيخ قائلًا: -لا اله إلا الله، راقصة في يوم مبارك يا بني!
انفجرت نوران معارضة: -أنا رقاصة هتبسطني ليه! قول أنتَ جايبها لنفسك. كريم و…
رمق بعينيه كي تصمت وأردف بحدة: -نوران ؛ ولا كلمة، لينا بيت نكمل خناق فيه! شوف شغلك يا مولانا. وسيبك منها دي تعبانة في دماغها.
-استنى يا مولانا.
هبت عواصف غضبها وقالت بلوم: -أولاً متزعقليش كده قدام الناس، ثانيا كان المفروض تاخد رأيي في حاجة زي دي الأول! ثالثا أنا كان نفسي نجيب رقاصة محترمة بَدرة أو جوهرة أما دي واحدة مشبوهة! جايب واحدة مشبوهة الفرح يا عمو! يرضيك؟
هز رأسه موضحًا ملوحًا بكفيه: -أعمل ايه طيب مش فاضيين! جبت أي واحدة تطري الليلة الناشفة دي وخلاص.
غمغمت شمس بذهول وهي تطالع تميم كي ينقذ الموقف: -لا، أنا دماغي هتتشل، أنا تعبت منهم. لالالا ده جنان رسمي! الاتنين دول أنسب عقاب لبعض، تميم اتصرف أنتَ.
أتكأ مراد على كتف زوجته وقال متمنيًا: -ياسلام لو جاب جوهرة ولا بدرة، كانوا ردوا الروح ف قلب الواحد!
لكزته عالية متوعدة: -استنى عليا أنتَ كمان!
-بقول لو، لو يا عالية بفضفض معاكِ، فُكي كده.
علي الجهة الأخرى مال عاصي الغارق في ضحكه المكتوم على جنون الاثنين، وهمس لحياة قائلًا بإعتراف: -البنت نوران دي ولا تفهم حاجة، مهرة برقبة الاتنين دول. تيجي تسألني أنا.
اكتفت بغرست كعب حذائها بقدمه وقالت بإمتعاض: -تصدق غلطانة، كانت جات اخدت رأي انتصارات التاريخ.
طوق خصرها بخفاء ليدنوها إليه وغمغم قائلًا: -هحكي لها عنك، لان أنتِ أعظم تاريخ في حياة عاصي دويدار.
-بكاش موت بردو لينا كلام تاني فوق.
ثم تبدلت نبرة صوته ليجهر قائلًا: -شوف شغلك يا مولانا وجوزهم واقفل اليوم ال مش عايز يخلص على الجريمة دي. دي القفلة الوحيدة ال تليق بيه.
طالع المأذون نوران الجالسة جنبًا: -ها يا عروسة!
أطرقت بدلال وغنج: -خلاص جوزنا ياعمو. بس قوله ما يعملش حاجة من ورايا مرة تانية.
توسل كريم للشيخ قائلًا: -اكتب يا مولانا قبل ما تغير رأيها، دي طايرة منها أنا عارفها…
فتح الشيخ دفتره وقال: -لا اله إلا الله؛ بسم الله…
مع نهاية هذه الليلة المكدسة بالأحداث، وخاصة في تمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أخذ كريم زوجته ل منزلهما الجديد. وفُضت مراسم الزفاف ولملم العُمال مستلزمات الفرش وغيرها. ربت عاصي على كتف أخيه قائلًا:
-يلا عشان ترتاح شوية. بكرة هتحضر اجتماع منصور الشيخ وقول لي رأيك في عرضه.
دار لأخيه متسائلًا: -وأنتَ مش هتحضره ليه!
رد بإيجاز: -عندي شغل كتير بكرة. هقابل لك بالليل ونتكلم.
-ماشي يا عاصي مش مشكلة، سهلة.
نادى على أحد الخدم وقال: -قفلوا البيت كويس. واتأكدوا أن كُل الشبابيك مقفولة.
سار الأخوان معًا كُل منهما باتجاه غُرفته. دخل تميم ل غرفته فوجد شمس تبدل ملابس صغيرها. فأندفع لعنده بكل مشاعره المتوقة:
-هو صاحي! ولاه يا طاطا. أنا جيت قوم نلعب.
مجرد أن سمع صوت أبيه صرخ الرضيع في مهده متحمسًا لمجيئه، جلس على رُكبتيه مستندًا بمرفقيه على الفراش وهمّ بحمل صغيرهُ ولكنها أبت وضمت صغيرها بعيدًا عنه: -تؤ مفيش مصطفى النهاردة. أنتَ متعاقب.
وقف على نصل عيونها الحادة وقال مداعبًا بطريقة يستجدي رضاها: -والعقاب بردو يشمل أم مصطفى.؟
ردت بجمود وهي مشغولة مع غيار صغيرها: -اه الليلة مفيش لا مصطفى ولا أم مصطفى.
عقد حاجبه مستفسرًا، متعمدًا لمس وجنتها التي بعدتها عنه: -طيب وأنا هنام ازاي من غير حضن مصطفى ومامته.
ردت بجفاء ممزوجًا بالابتسامة الانتقامية: -أنتَ مش هتنام معانا في الأوضة أصلًا.
-نعم! أومال هنام فين. شمس متهزريش أنا عملت أيه!
دارت إليه بوجهها المتصلب: -مش رقصت وانبسطت! يلا شوف لك مكان غير هنا.
-استهدي بالله كده وروقي يا شمس، دي ساعة شيطان بس.
أصرت على رأيها بحدة: -تميم هي كلمة واحدة مش هنام معاك في أوضة واحدة، ولو مخرجتش أنت ؛ هاخد ابني وامشي أنا، ها قلت أيه؟
-وعلى أيه! الطيب أحسن. أغير طيب ولا هطرد كده!
أمام غُرفة عالية.
يقف مراد مُترجيًا بصوت خفيض: -عالية افتحي الباب بلاش الحركات دي أحنا مش في بيتنا!
فرغت من ارتداء ملابس نومها لف شعرها قائلة: -مش كانت عاجبك الرقاصة ومستنى بدرة وجوهرة! روحلهم تصريحك مفتوح.
دق الباب بخفوت، وتمتم: -طيب افتحي نتفاهم! طيب كريم ال جابها أنا اطرد ليه!
أبت بإصرارٍ وهي تقول: -وأنت وأخوك أيه! نفس العينة.
جز على فكيه بضيق: -عالية، طيب افتحي أخد موبايلي.
غلقت أنوار الغُرفة متأهبة للنوم وقالت: -أشش غالية نامت وأنا كمان هنام، متعملش صوت.
خرج تميم من الغرفة مرتديا منامته الخاصة فألتقى بمراد الواقف أمام الباب وأشار له: -تعالي تعالى كلنا لها، كان لازم نفرح اوي ونرقص!
برر مراد موقفه وهو يحاول فتح مقبض الباب ؛ مردفًا: -مش عارف الباب مش راضي يفتح ليه! شكله ف مشكلة!
اقترب تميم منه ضاحكًا متفهمة محاولة مراد لتغاضيه عن أمر طرده ؛ غمغم مواسيًا وهو يربت على كتفه: -ومش هيفتح يلا حبيبي يلا نشوف لنا مكان ننام فيه.
قطب مراد حاجبيه ضاحكًا: -مطرود زيي! طيب ما تقول من بدري! جوازة أخويا دي جوازة شُؤم.
رفع تميم رأسه لأعلى وقال: -عاصي اي نظامه! هو مش هيطرد زينا!
-لو منزلش هو، هنطلع له يقولنا عملها أزاي.
بغُرفة عاصي…
خرج من المرحاض بعد استحمامه بالماء الفاتر متلفحًا بالمنشفة البيضاء حول خصره، تعرقل بصغاره الذي يحبو كل منهما بجهة مختلفة في أرجاء الغُرفة تأملهما للحظات قليلة ف بثت روح الحياة بقلبه ثم انتقلت عيناه لتلك الحورية التي تزيل أثار مستحضرات التجميل عن وجهها. دنى منها ووقف خَلفها شاردًا بجمالها الساحر الذي طمس عينيه عن بقية بنات حواء. رفع شعرها باحثًا عن شيء يخصه فأقطب قائلًا وهو يشير على جزء ما برقبتها:.
-كان في حبة بن هنا راحت فين!
اكتفت بإرسال نظرة حادة بالمرآة وهي تضع مرطب البشرة على وجهها. مال لعندها وخصيصًا عند الجزء المراد تقبيله ليطبع فوقها الكثير من حبوب البن. انسجم في فعل ما يُريده وتركته يفعل ما يشاء بدون وجه إعتراض حتى أصابها بلسعة حب جعلتها تتأوه متألمة وسرعان ما أخفت وجعها عنه وسألته، ذلك الغائص في ملاذه منها:.
-ممكن أفهم يعني أيه مش هنرجع الغردقة تاني! ومن أمتى القرارات المفاجئة دي؟ وكمان من غير حتى ما تاخد رأيي؟
ثم تملصت من بين يديه وفضت اشتباكه بها وأكملت: -مش المفروض إننا شُركا في كل حاجة!
نظر للمرآة وشرع بتصفيف شعره المتدلى على جبهته وقال: -هنا الرأس مال الأكبر والأهم، شغل هناك يمشي بمكالمة تليفون.
يقال أن ما بين الأنانية والعناد ضاعت القلوب، وقفت أمامه محاولة المحافظة على هدوئها: -أنتَ شايف كده! طيب مفكرتش في بناتك وأنا وبيتنا! طيب مسألتش نفسك هكون مبسوطة بقرارك ده؟
رد بثقة: -راحتك ف المكان ال هكون فيه ومعايا؟
زفرت باختناق وهي تدور حول نفسها مفكرة بخلق حجة واحدة تُقنعه بالعودة، فقالت: -طيب وشغلي!
-يونس أخوكي مش مقصر!
-طيب وشغلنا سوا؟
رد بنفس نبرته الباردة التي لفحت قلبها بجمر يحترق: -أرباحك هتوصلك كُل أول شهر وأنتِ قاعدة في بيتك.
تأزمت حالة عقلها من جُملة قراراته المفاجأة: -عاصي! لا بجد أنا مش عارفة المفروض اتكلم أقول أيه! أنت قلة الكلام معاك أحسن.
كادت أن تنصرف من أمامه فأمسك بمعصمها كي تتوقف عن رحيلها. وقفت بين يديه فأردف بنبرته الهادئة: -جمالك بيربكني، ومابعرفش اركز مع حد غيرك طول فترة الشغل.
ثم شق ثغره بضحكة خفيفة وقال ممازحًا: -عايزين ناكل عيش ياستي.
قنطت من عناده فأغمضت جفونها بكلل وهي تطرد دخان غضبها بزفيرٍ قوي: -عاصي بجد أنا مش قادرة اجادل معاك ولا عندي طاقة أواجه قراراتك المفاجئة دي، ممكن نأجل كلامنا لبكرة.
-ياريت!
ثم مال على مسامعها وقال بهمس: -العيال دي هتنام أمتى!
ردت بتعبٍ وإرهاق: -يخلصوا أكلهم بس وهينيمهم.
ثم انسحبت من تحت يديه بخطوات ثقيلة، انحنت لتحمل توأمها برفق وقربتهما من بعض جلست بالأرض وأخذت تناولهم طعامهما بمنتهى الدفء والحركات الطفولية التي تشجع فيها أطفالها لإنهاء اكلهما، ظل هو الآخر يتجول بالغُرفة على مراجل من نار منتظرًا قدومها لعنده. بدل ملابسه وأخذ يراجع بعض المهام المتأخرة في عمله حتى نفذ صبره وقفل جهاز الحاسوب. قائلًا:
-المفروض يناموا أمتى يعني!
حملت ريان ووضعته بين ذراعي أبيه وقالت:.
-اتفضل خُد ريان نيمه، لحد ما أكمل اكل ركان عشان ينام هو كمان.
عقد حاجبه متحيرًا: -أنيمه أزاي يا حياة!
زفرت بجزعٍ: -نيمه يا عاصي زي الناس!
ثم وضعته على كتفه وقالت بمللٍ: -اتكلم معاه بهدوء. وحسس على ضهره هتلاقيه نام.
ف بللت حلقها مواصلة وهي تطيل النظر بعينيه: -زي ما كُنت تنيمني.
ارتسمت ابتسامة عريضة على محياه وتمتم مداعبًا: -طيب ما تنيمي ريان وركان، وأنا أنيمك أنتِ بطريقتي. ونبقي خالصين.
أخفت ابتسامتها عنه بإعجوبة متوارية خلف ملامحها المنكمشة وقالت بحزم: -أنت هتنام ع الكنبة أصلًا.
-نعم! أيه القرارات المفاجأة دي؟
باغتته بابتسامة ماكرة: -بتعلم منك.
ثم دنت منه وهي تقفل أزرار منامته المفتوحة وقالت بخبث يبطنه الانتقام: -عشان حبيبي أنتَ من النهاردة متعاقب، ومش عارفة لحد أمتى؟ بس قول لحد ما انسى إنك خلفت وعدك معايا وشربت. وقراراتك ال جات فجأة دي!
ثم أخذت تداعب حشائش صدره بحركات دائرية جذابة وقالت بأعين تحمل التهديد: -ومش هفتح معاك موضوع الرقاصة عشان ده كان ماضي، واتمنى إنك حتى متفتكروش في خيالك عشان هعرف بردو.
-أنا عملت كُل ده أمتى!
تحمحم بخفوت وهو يربت على ظهره صغيره والضحكة تملأ محياه: -هنيم ريان حاضر.
عادت إلى ركان وتركته يتجول بالغُرفة حتى طالع النافذة فسقطت عيناه على تميم ومراد الجالسان بالحديقة، جهر مناديًا:
-بتعملوا أيه عندكم!
أقر مراد قائلًا بمزاحٍ: -بناخد تان على ضوء القمر.
فوضح تميم معترفًا: -هو بس محرج يقول لك أن عالية طردته.
انفجر عاصي ضاحكًا حيث باغته مراد قائلًا: -ما أنتَ كمان شمس طردتك! وماتقولش مطرود دي قدامي!
غمغم تميم متسائلًا: -وأنتَ يا سيطرة! على أيه الكلام؟
رمقهم بنظرات هُزء، وقال بتفاخر: -وهو أنا زيكم بردو! أنا التاريخ يا بني!
ثم شد ستائر الشُرفة وعاد ضاحكًا وكان أن يجلس على طرف التخت: -أنا مطردتش ليه زيهم، أهون من زن ريان!
ردت بجبروت: -لا ياحبيبي، أنت هتقعد هنا تحت عيني.
ثم أتبعت: -عاصي الكنبة.
عاد على مضض إلى الكنبة وشرع في بث شكواه بآذان صغيره وقال بهمس وهو يتمدد على الأريكة ويأخذ ابنه فوق صدره العريض:.
-تعرف أنتَ فاتتك أهم فقرة في اليوم وهي الرقاصة. كانت فقرة رجعت أبوك عشر سنين لورا. أنت لو شوفتها كُنت هتنزل تجري زي الحُصان كده.
تساءلت بشكِ: -أنت بتقوله أيه!
-أسرار مع ابني يا ستي! مدخلة نفسك في كلام الرجالة ليه!
-بقا كده يا عاصي! طيب نام! نام ربنا يهديك.
التعليقات