رواية سلطان الهوي قلب القمر3 الفصل الثالث والرابع بقلم شيما سعيد (حصريه وجديده في مدونة الشروق للروايات)
رواية سلطان الهوي قلب القمر3 الفصل الثالث والرابع بقلم شيما سعيد (حصريه وجديده في مدونة الشروق للروايات)
الفصل الثالث
أصابتها صاعقة كهربائية، نطقه لإسمها وضعها بنقطة اللاشيء.
هيف كلمة لطالما تمنت سماعها من بين شفتيه الرجولية من جديد، مشاعر ما بين الوجع واللذة، جسدها يصرخ لكي يسقط بداخل أحضانه ليروي عطشه، ارتجف فكها بطريقة ملفتة تعلم أنه يهددها فقط ولن يفعلها.
من الواضح نسي أنها تعرفه وتحفظ تصرفاته أكثر من نفسه.
علمها الصلاة، حفظت على يديه القرآن، وهو أول شخص يضع على رأسها الحجاب، كيف يأخذها كجارية أو يفتح جناح الجواري بعد يوم واحد من زواجه.
جملة خرجت من نيران قلبه المشتعلة إلا أنه لن يفعلها خصوصًا من أجل شكران زوجته المطيعة.
عاد إلى الخلف، الخروج من هذا المكان أفضل حل، أصابته لعنة عشق ستأخذ روحه.
صوتها الذي يشبه قطرة الندى بصباح يومٍ مشرق أوقفه مكانه متحجر وهي تنطق حروف اسمه:
– بدر.
أروع من هذا لا يوجد، بلهجة مميزة أثارت أشواقه الأكثر من مشتاقة لها، عاجز عن الرحيل كما هو عاجز عن النظر إليها، يخشى إظهار ضعفه أمامها من جديد.
بات يتألم بقربها أكثر من بُعدها، لحظات عمره معها تسير أمام عينيه مثل شريط السينما.
دار لها ليقابل عينيها الزرقاء الواسعة، أنفها الذي لا يظهر من معالمه سوى فتحتين صغيرتين، شفتيها الساحرتين.
من خصلاتها علم هويتها، من نظراتها المتلهفة على رؤيته علم هويتها، من نبضات قلبه الصاخبة تيقن من عودته إلى الحياة من جديد.
هو كما هو مع الجميع… سلطان، معها طفل مقسم جزء معها وجزء معه.
أين صوته؟ بين سحرها حاول إثبات القوة بنبرته مردفا:
– خير… هتكذبي و تقولي إنك مش هيف؟!
حركت رأسها بنفي مردفة:
– لا مش هكذب، بس مش متوقعة إنك أول ما تشوفني بعد السنين دي كلها تدي ليا ضهرك، للدرجة دي مكاني في قلبك بقى مش موجود.
تلعب بمشاعره مثلما تريد وهو مثل الأحمق يترك لها زمام الأمر.
مكانها بقلبه أحرقته ليالي الفراق الطويلة وأيام الحرمان الكريهة.
لماذا دائمًا تضغط على وجعه وتعطي له المزيد؟!
بوجه جامد ونبرة خالية من التعبير مشيرًا بأحد أصابعه إلى شرفة غرفتها المقابلة لهم.
– من يوم ما أديتي ليا ضهرك ومشيتي مش عامل حساب أي حاجة حلوة كانت بنا ومكانك في قلبي ملوش وجود، عايزة تفضلي هنا… قصر السلطان مش بيطرد حد من شعبه، عايزة تمشي للمرة التانية هقولك الباب مفتوح.
دموعها دائمًا تكون ضلع القوة بأي خلاف بينه وبينها.
يحث نفسه على الاستسلام، يكفي وجع وفراق إلى هنا، الأكبر من غفرانه لها امرأة حملت إسمه وقلبه متعلق بها سيضع قلبه تحت سيفه ويكمل طريقه.
اختارت الخروج من دائرة ظله لتبقى بمفردها، ماذا تريد منه الآن؟
بكف يد مرتجف أشارت على نفس الغرفة مردفة:
– بعشقك ومتأكدة من عشقك ليا، الجناح ده عشت فيه أجمل أيام حياتي، حبي ليك خلاني أهرب بعيد عنك سنة وأكتر بس مقدرتش رجعت وفضلت جنب الفرس ده خيط بيربط بين حب عمره وأمان خايف أبعد عنه، وقت لما عرفت الحقيقة كل حاجة بقت باللون الأسود، أنا بقيت من غير أهل بسيفك وسيف ووالد، دمي… أغلى الناس عندي ريحته في كل دقة قلب ممكن تجمعنا سوا، أهرب وأبعد أو أغدر وآخد تار اللي ماتوا، طفلة مش فاهمة حاجة مطلوب منها القتل، واحد من غيره بتكون ناقصة بنته وأخته وحبيبته، اخترت الهروب بس مقدرتش.
اعتراف مهلك لقلبه المسكين الذي تسكنه متربعة بكبرياء.
لو بوقت غير الوقت لكان أعلن زواجه منها بنفس اللحظة.
بهمس خشن سألها:
-لقرارك الأخير إيه؟! فين الفرق بين زمان ودلوقتي عشان تفضلي قصاد مني، دم أهلك برد ولا قلبك انتصر.
للمرة الثانية تنفي صحة كلماته يا ليتها بتلك القوة لتأخذ قرار يريح أوجاعها.
أعطت بعض الطرواة إلى شفتيها الجافة قائلة بغصة تملأ حلقها:
– لا ده ولا ده، أنا مش قادرة أبعد ولا عارفة أكون معاك.
– المرة دي أنا صاحب الكلمة الأخيرة، وبقولك مفيش أمل عشان تكوني معايا.
أغلق الباب خلفه وتركها وحيدة تخوض حرب اليتم بمفردها.
دمعاتها تتساقط، جسدها أصابه حالة من الارتخاء، قلبها ينقر آلامًا مبرحة.
لحظة الفقدان ما أبشع تجربتها وأصعب التأقلم عليها.
أبوها يبغض وجودها مثله مثل أي رجل عمى عينيه الجهل، حلمه وهدفه الوحيد صبي يحمل إسمه، حتى لو إبن عاق.
اعتادت على الإهانة منه حتى لو بنظرة عابرة، كانت والدتها سندها ومركز قوتها، وضعت بداخلها عشق يسمى مصطفى، زواجها من مصطفى خطة رسمتها والدتها منذ طلقات الولادة.
أحبته بالفطرة تخيلت ملامحه بأحلامها ليأتي الخط الفاصل وترحل حياة، بكت… إلا أن وجعها تضاعف مع كل دمعة خائفة من القادم.
اشتاقت إلى وجهها وابتسامتها بعد ساعاتٍ قليلة من الرحيل كيف سيكون حالها بعد عدة أيام؟!
لو وقع عليها حائط لن تشعر بهذا الألم الذي يركض بانحائها يعتبرها بيته.
ضمت ساقيها إلى صدرها ساحبة وسادة الفراش تكتم بها صرختها، رائحته بالوسادة أدلفت الأمان بين صدرها لتتنفس بهدوء.
شتان بين رجولته وأفعال والدها المشينة، ظل يقهر بهما حتى انتهت حياة والدتها.
أغلقت عينيها براحة نفسية مصحوبة بلذة تشعل الأجواء، استسلمت لسلطان النوم بعدما نال منها اليأس ما ناله، ساعة والثانية فالثالثة أعطى القمر ابتسامة حلوة قبل أن يسلم مهمته إلى الشمس.
دلف إلى الغرفة بثقل ليس له مثيل أصبح عمره أضعاف، لا يشعر بموت حبيبته لأن قطعة طبق الأصل منها تزين فراشه، ابتسم من بين بحر أحزانه على مظهرها الطفولي، ماذا يريد من فتاة بالتاسعة عشر من عمرها.
خصلاتها الطويلة تغطي معالم وجهها، لعن بداخله هذه الخصلات الموروثة عن خصمه لأول مرة يراها من تحت الحجاب، إنذار قوي يضعه أمام الحقيقة، ليست حبيبتك، هى ابنتها.
لا يهم سيعيش معها كل تجربة أراد أن يخوضها مع حبيبته لو على لون الخصلات سيغيرها.
هشة ناعمة أتت إليه بوقت تغلب به على كل الصعاب، ليس بطريقه أي عائق حتى يعيش سعادته المفقودة.
ضمها إلى صدره لتقوم الحلوة من غفوتها خائفة مع شعورها ببعض الدفء على رؤية مقيدها.
ما بين الحلم والحقيقة ابتسمت له بسحرها المسيطر عليه، تصلب جسده وانحبست أنفاسه مع كلمة خرجت من بين شفتيها المهلكة بلا وعي.
– بحبك.
ملامح حياة مع كلمة بهذا العمق أخذته وذهبت به إلى أبعد مكان ممكن، ألصقها به يتمتع بنعومة أنثى صافية ببراءة طفل يُلقي على العالم أول نظرة.
– وأنا بعشقك يا حياة.
فاقت هي، فاقت من حلمها الوردي على كابوس مرعب، فتحت عينيها على وسعهما ماذا فعلت بكل غباء وإلى أي موقف وضعت نفسها، لو انشقت الأرض وأخذتها من أمامه سيكون أفضل شيء حدث له.
غصة مريرة ابتلعتها بحلقها رغما عنها مبتعدة عنده مردفة بنبرة منكسرة أهانت نفسها بنفسها:
– أنا خديجة مش حياة يا باشا.
خديجة! أهو بقسوة مميتة إلى هذة الدرجة ليقتل فتاة بعز شبابها، وردة صغيرة جميلة تتفتح بين يديه منتظرة كلمة بسيطة تشعرها بأنوثتها إلا أنه وبكل غباء قطفها قبل الأوان.
وضع خصلة شاردة خلف أذنها مردفًا بابتسامة متوترة:
– عارف إنك خديجة، لكن غصب عني بشوفك فيها، أنا وهي اتولدنا في نفس اليوم ماتت هي وادتني هدية جميلة تكمل معايا المشوار هو أنتي يا خديجة.
يكذب، يحاول تجميل الحقيقة بأنها مجرد دمية تشبه حلم لم يستطع تحقيقه إلا أنها راضية.
صعب على أي شخص الوقوع بالحب بهذه البساطة خصوصًا لو كان أفنى شبابه بعشق سراب.
احترمت عطفه عليها وإحترامه لمشاعرها التي جرحها دون قصد.
رفعت كفها المرتجف ثم وضعته أسفل ذقنه تضم وجهه إليها وهي تنظر إليه من بين أحضانه مردفة بهدوء:
– مشاعرك وصلت ليا من أول مرة وقعت عيني عليك لما اتجمدت وتخيلت أن أنا هي، الحب اللي جواك ليها بنام عليه كل يوم من حدوتة منها وعندي احترام كبير لمشاعرك دي، كل اللي بطلبه منك فرصة ليا وليك نبدأ فيها من جديد كل واحد فينا يدور على نفسه في التاني يمكن يكون ليك مكان جوايا وليا مكان جواك.
_____ شيما سعيد ______
أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة
الفصل الرابع
بعد مرور ثلاثة أشهر.
تتابع الجواري حولها يقدمن فروض الولاء والطاعة إلى السلطانة شكران التي طلبت رؤية جميع الخدم والجواري بالحرملك.
دلفت إلى القصر لترى زوجة حبيبها غريمتها المنتصرة.
مثل الوردة فقدت مظهرها الخارجي ونقص وزنها الكثير.
أصعب شيء في اللقاء بعد الفراق اختفاء نظرات الحب.
توترت من إشارة السلطانة شكران إليها بالاقتراب من مقعدها، ابتلعت ريقها رأتها وهي تتخفي مثل اللصوص خلف الستار.
جرت ساقيها جرًا لتستطيع الوصول إليها، مواجهة جديدة لا تريدها.
ابتسامة الأخرى رسمت علامات التعجب على وجهها،وأنثى طيبة إلا أنها لا تقدر على تقبلها، يكفي وجودها مع بدر بجناح واحد.
انحنت إليها لتشير لها الأخرى بالجلوس فعلت مثلما طلبت، لتقول السلطانة:
– كله بره أنا عايزها هي.
تريدها هي؟! أتى بعقلها فكرة سوداء من معرفتها إلى هويتها.
دارت بعينيها بالمكان تهرب من النظر المباشر لعيون الأخرى.
قبضة غريبة بصدرها ثقل كبير وشعور الاختناق يقتلها، ضمت يديها بقوة تثبت حركة الارتجاف المسيطرة عليهما.
إبتسامة شكران تخفي خلفها ألف علامة استفهام ليس لهم إجابة.
تُقيمها بدقة عالية تتأكد من كل تفصيلة صغيرة أو كبيرة تصدر منها.
حصون من القوة تحاول هيف رسمها، آخر شيء تخطط له هو خراب حياة بدر.
انتفض جسدها على اقتراب الأخرى منها بيد تسير على مفاتنها كأنثى بشكل مريب، حاولت الابتعاد إلا أن شرارات الصرامة الموجة لها ثبتتها بمكانها مثل التمثال الخالي من الروح.
عادت شكران على عرشها معطية لظهرها الراحة الكاملة.
قوية بها شموخ وعيون قاسية لا تنكر خوفها البسيط منها.
قطع الصمت صوت شكران الجاد:
– أكيد عقلك عايز يعرف أنا ليه جمعت كل الخدم والجواري، و اشمعنا اختارتك أنتي من بين كل دول صح؟!
أومأت الأخرى برأسها عدة مرات متلهفة لتكمل شكران حديثها بنظرة يصعب تفسيرها.
مزيج بين قهر وقوة إمرأة، حرب داخلية لإخراج باقي الكلمات.
ثلاثة أشهر لم يقترب منها كزوجة له، يحترمها يقدرها، يعطف عليها إلا أنها ترى نظرات من الحيرة والندم تأسر عينيه.
– من غير تفاصيل كتيرة قبل ما أقولك أنا عايزة منك إيه هقولك اختارتك ليه، شوفت في عينك نظرة أي ست في الدنيا ممكن تحس بيها ويوصل المشاعر فيها بكل بساطة، أنت قاعدة قصاد السلطانه شكران لازم تخافي وتعملي حساب لكل خطوة جاية بعد النهاردة حتى لو هترفضي العرض بتاعي، عايزة منك تكوني الجارية بتاعتي الخاصة، عشان أكون أوضح معاكي تعرفي توقعي السلطان في حبك ولا لا؟
زلزال عنيف أصابهما الاثنتين بنفس اللحظة، واحدة نادمة على الاقتراح والثانية تحاول استيعاب الجملة الأخيرة.
برودة اجتاحت عروق هيف، دوامة جديدة تدلف إليها بلا نهاية.
يا ليت الزمن يعود، يا ليتها لم تراه لم ينقذها من الموت.
حافية على أشواك من الجمر تحرق كل خلية بداخلها تمتص دماءها.
موقفها لا يقل عن شكران المرغمة على الدخول بهذه اللعبة.
سارت قشعريرة بجلدها، سؤال يعصف برأسها لمَ هذا الطلب العجيب؟!
لأول مرة ترى زوجة تقدم زوجها إلى امرأة ثانية بطلب منها.
بحة صوت هامس وتحريك بسيط لشفتين مترددتين:
– أنا مش فاهمة حاجة من جنابك يا مولاتي، عايزة أخلي السلطان بدر جوزك يقع في حبي أنا؟!
بحركة بسيطة من رأسها أكدت شكران على طلبها الغريب.
عيونها مثيرة للشفقة دمعة ساخنة تختفي ببريق لامع.
– ليه؟!
سؤال آخر من هيف أجابتها عليه بسرعة لتنهي هذا النقاش:
– عشان ولي عرش السلطان مش عايزة ولا سؤال تاني.
خائفة من سماع إجابتها، خائفة من حرب تعلم أنها بنهايتها خاسرة، ليأتيها رد هيف:
– موافقة يا سلطانة.
تأقلم ناعم بحياة مصطفى وخديجة، استقرار نفسي محلى بقطعة من السكر.
مهتمة دائمًا بتفاصيله الدقيقة، حتى الأكلات المحببة لديه، تخطت معه شعورها الدائم باليتم الذي بدأ يكتم روحها.
أغلقت الباب خلف الخادمة بعدما أخذت صنية محملة بالطعام.
بالفعل مشاعرها تأخذها إلى طريق لا رجعة فيه، خصوصًا تمكنه من قلبها.
غيرت لون شعرها لتحقق طلبه برسم صورة كاملة لوالدتها، حريق مقام بداخلها يزيد اشتعالًا مع كل نظرة حب تثبت أنه يرى بها أخرى.
إلقاء بعض عبرات الغزل تدغدغ مشاعرها وتكتم أنفاسها، عيناها تسير على جسدها بالمرايا تتمنى التحقق من شخصيتها الحقيقية، لم تجد شيئًا يعبر عن هويتها، مجرد نسخة طبق الأصل من امرأة عاش أسيرها طوال حياته.
نفضت تلك الأفكار المميتة من رأسها، تأخر كثيرًا اليوم.
تركت الجناح لأول مرة منذ قدومها لهذا القصر العريق تتفقد المكان حولها، حلاوة تُذهب العقول وتأسر القلوب، متعة في التحليق بالخيال إلى قطعة من الجنة.
أخذت نفسًا عميقًا بالحديقة الواسعة لداخل صدرها بعض الأمل المصحوب بالنشاط.
بشع الفقر والبخل، بشع الشعور بالعطاء دائمًا والمقابل مفقود.
اقتربت من زهرة حمراء رائعة عطرها يغطي المكان بنسمات الربيع.
قبلتها، رفضت قطفها يكفي عليها زيارتها اليومية والحديث معها.
تحتاج إلى سرد وجعها لأحد حتى لو لم يرد عليها إلا أنها ستشعر بالقليل من الارتياح وبدأت في الحديث معها قائلة:
– شكلك حلو أوي، مرتاحة نفسيا ولا أنتي كمان في حاجة تاعبة قلبك؟! أنا غلطت لما قربت منه بالطريقة اللي هو اختارها ولا صح؟! كان كل هدفي أرسم السعادة على وشه، ينسى اللي فات أو على الأقل يعوضه، بس هو غاص فيه أكتر خلاني مجرد مسخ، صورة من غير روح، تعبت ومش قادره أكمل كدة، زي ما هو محتاج العوض عن اللي فات أنا كمان محتاجة ده، بصي أنا بعد كدة هقولك يا مصطفى وأتكلم معاكي براحتي.
– بتحكي وجعك لزهرة وأنا موجود معاكي يا خديجة.
لا… يقف خلفها وسمع حديثها الأحمق عنه؟! ابتلعت ريقها بتوتر، تعجبت من ابتسامته المرسومة على معالم وجهه بحنان، لم يغضب منها، ارتجفت شفتها السفلية بطريقة مغرية.
ابتلع هو الآخر ريقه على أثر رؤيتها، يقولها بكل صراحة اشتاق لها بهذه الساعات القليلة التي قضاها بالخارج.
من سنوات لم تأتِ إليه هذه المشاعر المغلفة بمتعة مميزة.
رفع أصابع كفه ليمسك خصلة من شعرها مردفًا:
– أنا لما طلبت منك تغيري لون شعرك فده لأنه وراثة من أبوكي اللي مش بكره في حياتي اده، لكن وقتها كانت حرية اللون في ايدك، انتي اللي اختارتي لون شعر حياة مش أنا اللي فرضت عليكي ده.
عتاب مزق قلبه أصابه بمقتل من عسلها الأسود الزاهي بوجهها الأبيض، لعن نفسه متذكرًا لهفته الواضحة لكل جزء منها بعد تغيير لون شعرها.
عقله الباطل تخيلها حبيبته التي لم ينَلها، وقهرته لسنوات.
تخيلها أصبحت ملكة ليعطي لها أول قبلة على هذه الخصلات الساحرة، تذكر تعليقه السمج وقتها:
– بجد روعة يا خديجة بقيتي قمر، أنتي كنتي قمر بس زادك اللون جمال، الأسود حلو على بشرتك.
سيف أدخله بكل قوته بقلبها ليظهر بعد لحظات من ظهرها قاسمًا إياها.
لمعة اللوم لم يأخذ باله منها بوقتها إلا أنها الآن واضحة مثل الشمس.
اعتذار نادم اعترف به دون خجل:
– آسف بس وقتها كنت مغيب، اللي جوايا مفيش كلام هيقدر يوصفه بس فيا جروح قديمة عشرين سنة زي ما هي، ازاي في كام شهر أبدأ من جديد وأنسى ده كله ورا ضهري.
التمست له العذر، أرادت مسامحته حتى لو عذر أقبح من ذنب.
إلى هذه اللحظة هي لا شيء بالنسبة له لتلوم عليه أو تغضب من تصرفاته.
أومأت برأسها مردفة بنبرة لأول مرة خالية:
– عندك حق، اللي عشت فيه سنين أنا مين عشان تخرج منه، مش زعلانة منك لأني اتسرعت في القرب، كان لازم أصبر شوية على مشاعرك، يلا ناكل أنا جعانة ومش حابة أفتح الموضوع ده تاني.
ثقل كبير يخنق أنفاسه بين صدره يمنعهم من الخروج إلى الهواء، يسير بالقصر وخلفه وزيره الوفي وباقي الخدم بتوتر.
غاضب وغضبه يكاد يحرق الأخضر واليابس، اشتعال يأكل جسده ويؤلم قلبه.
تركها ترحل ليعيش بعذاب الفراق والآن ضربة جديدة من العذاب معه تحت سقف واحد وكرامته ترفض الذهاب إليها.
لا يريدها… كلمة أطلقها لسانه بوقت انفعال يدفع ثمنها بنغزة مسمومة.
أغلق باب الجناح خلفه، ليس لديه طاقة للحديث مع أحد وعلى وجه الخصوص شكران.
نظرة الحسرة بمقلتيها تُشعره بذنبٍ قاتل تجاه امرأة هشة.
توقف لحظات يستوعب وجودها بجناحه بدل زوجته على فراشه، نائمة براحة شديدة لا يظهر منها إلا ملامحها الغارقة بالأحلام.
سار بعينيه بالمكان يبحث عن شكران إلا أنه لم يجد لها أثر.
تحركت تفاحة آدم بصعوبة بالغة مقتربًا من الفراش.
رمش جفناه أكثر من مرة ليتأكد من استيقاظه، تهرب من المواجهة.
جلس على أحد المقاعد القريبة منها واضعًا ساق على الأخرى، يتابعها من بعيد أهذه هي هيف صغيرته وتوأم روحه.
الحياة وقفت بينهما لتجعلها بعدما كانت ملكه يشاهدها على مسافة أمتار.
أحمر وجهها وتسارعت حركات صدرها بين الصعود و الهبوط، قشعريرة مثيرة أصابتها لمعرفتها بمراقبة عيونه لها، خائفة متوترة لا تعرف أتقول حقيقة اتفاقها مع زوجته أم تلعب دورها بصمت؟
تسطح بجوارها، حركة الفراش تدل على وجوده معها عليه، الفاصل بينهما سنتيمتر أو اثنين بالكثير، انكمشت حول نفسها بتلقائية، خجولة بالفطرة لا تعرف رجلًا غيره وعندما تركته أفنت وقتها مع الجواد.
أطلقت شهقة قوية مع ملمس يده إلى حجابها بخفة.
فتحت عينيها تُعلن استسلامها لتجده على بعد مسافة كبيرة منها يحدق بها بصمت.
أخفضت رأسها إليه ليقول بهدوء:
– ارفعي راسك وقوليلي بتعملي إيه هنا؟!
حتى ابتلاع لعابها أصبح صعب عليها، اشتاقت إليه جدًا، غير واعية لأي شيء حولها إلا وسامته الطاغية تراه أجمل الرجال.
بابتسامة بلهاء وفم مفتوح عبرت عن إعجابها الواضح بالسلطان مردفة:
– وحشتني.
كلمة بسيطة تصف ما يطوف بمشاعرهما بدقة مثيرة للدهشة.
تجرأ ورفع كف يده محركًا إياه على تفاصيلها البسيطة.
خدود وردية، عين تفضح الكثير من الخبايا والاحتياج.
ضائعة بين جدران قصره والمأوى الوحيد لها ملطخ بالأشواك.
مازالت طفلة صغيرة تفر من العقاب باتساع عينيها وكلمة مشتاقة لك.
تنهيدة حارة ارتاح قلبه على إخراجها مردفًا بتعب:
– وحشتك في شهور؟! طيب وسنين عمري اللي فضل قلبي ينزف فيها حقها فين؟! كنت خايف عليكي من كل حاجة، هيف متعرفش في الدنيا دي إلا بدر وبس، مصيرها انتهى، كنت بتألم قصاد عينك وأنتي واقفة تتفرجي من بعيد، أهلك لا أنا ولا والدي لينا ذنب في موتهم، دي حرب محدش فيها بيشوف حد، أنا رفضت قتلك زمان ودلوقتي بتمنى كنت عملتها وقتها.
حركت رأسها بقوة نافية قدرته على قتلها، هو لا يستطيع فعلها.
روح واحدة ازاي خرجت انتهت حياة الاثنين هذا حديثه هو.
القمر دون قلب يموت بنفس اللحظة، أعطت لشفتيها بعض الطراوة بشفتيها مردفة:
– أنا كمان كنت بموت مش أنت لوحدك اللي كنت موجوع، بشوفك قصاد عيني كل يوم ومش قادرة أقرب منك، كنت خايفة تقتلني بعد ما تعرف بوجودي بنت عدوك في قصرك وعرفت الحقيقة أول حاجة هتحصل إن السلطان هيحكم عليا بالموت، عقل طفلة عندها تسع سنين قالها الحكاية بينكم بقت يا قاتل يا مقتول، هربت و فضلت أتنفس الهوا اللي بيخرج منك لحد ما كبرت شوية، وقتها فهمت إن بدر مستحيل يحكم عليا بالموت بس مقدرتش أقولك أنا أهو بعد خمس سنين من البعد.
– بتعملي إيه في جناحي أنا والسلطانة شكران يا قمر؟!
قال سؤاله وهو يبتعد عنها بالمسافة المسموح بها. الحلال بين والحرام بين.
بأي لحظة ستكون شكران بالغرفة كيف سيتحمل الكسرة بعينيها، ألا يكفي العتاب؟!
الأخرى كل تفكيرها على قمر التي قالها، أخذت صك الغفران أو بدأت أول خطوة للوصول إليه لتقول بتعجب:
– قمر! أنت قولت قمر يا بدر صح؟! قولها تاني وريح قلبي عشان أنا والله العظيم مش قادرة أتحمل أكتر من كدة.
إحترامًا لصاحبة الفراش لابد أن تقوم من عليه غريمتها.
جاء ليطلب منها الرحيل إلا أنه فات الأوان و دلفت شكران إلى الغرفة.
_____ شيما سعيد ______
التفاعل مش حلو خالص
أستغفروا الله لعلها تكون ساعة استجابة
تكملة الرواية من هناااااااا
التعليقات