التخطي إلى المحتوى

رواية تعافيت بك الجزء الثالث للكاتبة شمس محمد الفصل الأول

و كأنني أحببتكِ بِروحي…
أبصرتُ فيكِ شفاء جروحي،.

ثِمةُ بَعض المعارك لا يتطلبُ مِنكَ خَوضها، ف بانسحابك منها تفقد قيمتها و يزولُ أثرُها، لتطرح في ذاتك سؤالًا هامًا، هل نفسك قادرة على العراك، أم أنك حقًا تَفيها حقها؟ فإذا كُتِبَت عليك الحرب و قرعت الطبول، قِف مُحاربًا لذاتك و اثأر لحياتك و كأنكَ لم تَرِد بعد بالعقول، فهل من أثرٍ قُتلِت روحك من أجله أن يزول؟ أم أنكَ فقط تحاول في كمدٍ و كأنك تحارب العقول؟

توقف عامر عن الحديث قبل أن يُكمل جملته حينما صدح صوت الفرقة على مُقدمة الشارع، و هي فرقة متخصصة في العزف بالطبول و يطلق عليها فرقة بلدي حيث يرتدي العازفون جلبابًا واسعًا مع عمامةً بيضاء، و في يدهم الآلات الموسيقية القديمة مثل الناي و الطبول الكبيرة، ضحك الشباب بقوةٍ و لكن ما أثار دهشتهم و جعل الصمت يُخيم عليهم هو قدوم مرتضى على أحد الخيول و كأنه فارسًا ماهرًا، فاقترب وليد من عامر يمسكه من تلابيبه و هو يقول بحنقٍ:.

مركب أبويا حصان يا عامر! هو دا السُكيتي؟ فاكر نفسك بتنقل عفش ابن الزناتي خليفه؟
كان مرتضى يرقص بالخيل على العزف الموسيقي حتى اقترب منه الشباب يقفون بجواره و هم يرقصون حوله، و النساء يشاهدن كل ذلك من الشرفات في البيت، و قبل أن تهدأ تلك الأجواء، اقتربت السيارات المتخصصة في نقل الأثات و يتقدمها السيارة الخاصة بالادوات الموسيقية و فوقها عامل الأفراح الذي يُدعى عمدة و هو يقول بصوته العال في مكبر الصوت:.

الليلة ليلة و لا ألف ليلة و ليلة، الليلة عيد، و الكل سعيد بفرحة أولاد الرشيد
اتسعت الأعين بقوةٍ بينما عامر ركض يركب خلف مرتضى على الخيل و هو يقول بمرحٍ: أديها يا عم مرتضى
رفع مرتضى الخيل للأعلى وسط تلك الأجواء الصاخبة حتى اندمج الشباب و السكان و الجيران معهم في تلك الفرحة، التي كان سببها أولًا و أخيرًا هو عامر.

وقفت الفتيات تضحك على تلك الأجواء التي بثت المرح في نفوسهن جميعًا و خاصة خديجة التي كانت تضحك مثل السَكير و هي ترى رقص الشباب حول عمها و عامر فوق الخيل خلف مرتضى، أما هدير فأخرجت هاتفها تقوم بتصوير تلك الأجواء و هي تضحك بسعادةٍ غمرتها كليًا و خصيصًا و هي ترى حسن وسط الشباب بمرحه و فرحته و ضحكته التي زَينتْ مُحياهُ، حتى مال ياسين على أذن ياسر و هو يقول هامسًا:.

أبوس رجلك يا ياسر إلحق سُمعة أخوك قبل ما تروح قدام نسايبي، عُمدة لو اتكلم أنا مش هعرف أرفع عيني في وش حد هنا تاني، الحقني.

حاول ياسر جاهدًا كتم ضحكته لكنه فشل في ذلك، فتخللت الضحكات المرتفعة صوته و وجهه الوسيم، حتى حدجه ياسين بغيظٍ و هو يضربه في كتفه، بينما عامر نزل من على الخيل ثم صعد السيارة بجوار عُمدة، حينها لطم ياسين وجهه بكفيه معًا خوفًا من القادم، حتى بدأ عُمدة التحية و هو يقول بصخبه و صياحه المعتاد في مهنته تلك:.

الليلة عيد و أحلى عيد، بفرحة أولاد الرشيد، يعني الرجولة و المَجدعة يعني فرحة الأستاذ طارق و البشمهندس وليد
ارتفع صوت الموسيقى بصخبٍ بعد تلك الجملة ثم نزل مرتضى من على الخيل و وقف وسط الشباب يرقص بمرحٍ على طَرق الطُبول ثم سحب أخوته معه عنوةً عنهم و معهم حسان، بينما اقترب احد الرجال من الشباب و هو يقول:
فين العرسان يا جماعة! فين أستاذ طارق و أستاذ وليد؟

رفع كليهما ذراعيه، فاقترب هو من الخيل يمسكه حتى وقف أمامهما مُجددًا و هو يقول:
طب يلا علشان تركبوا الخيل
نظر كليهما بتعجبٍ له من وقع جملته على سمعهما، فقال هو مُردفًا: دي أهم فقرة هنا، يلا يا شباب اركبوا، الأستاذ عامر متفق معانا على كل حاجة، يلا علشان الزفة
اقترب منهما عامر بعدما نزل من السيارة و هو يقول بمرحٍ: يلا يا عريس أنتَ و هو، اركبوا الحصان خلوا الزفة تبدأ قبل ما ننقل العفش.

رمقه وليد بسخطٍ و هو يقول: دا أنا هخليك تعيش على ترابيزة ميمي العُمر اللي جاي كله، صبرك عليا، حاضر
أطاح له برأسه و هو يقول بضجرٍ منه: روح نام أجري و لا روح أعملك سندويتش، بطل كئابة يالا
تحدث الرجل بقلة صبرٍ لهم: ها يا جماعة! هتركبوا الحصان ولا لأ؟ عاوزين نبدأ.

وافقا على مضضٍ ثم امتطى? وليد الخيل أولًا و خلفه طارق يتمسك به و هو يحاول جاهدًا كتم ضحكته لكن كل ذلك لن يُجدي بشيءٍ، حتى ضرب رأسه في كتف وليد و هو يضحك بقوةٍ و خصيصًا حينما التفت الفرقة حولهما في شكل دائرة يقومون بالعزف، فاقترب عامر من خالد و هو يقول هامسًا:
حد ينقط الفرقة علشان شكلنا ميبقاش وحش، المفروض حد ينقط حتى لو بخمسات، اتصرف.

رد عليه خالد متوعدًا له: صبرك عليا، قسمًا بالله ما حد جاله نُقطة غيري أنا من عمايلك السودا، هندخل ننقط ازاي يعني
حرك كتفيه منفعلًا و هو يقول بنفس النبرة الهامسة التي امتزجت بحنقه: معرفش! اتصرف بقى و بعدين أعمل إيه عمو مرتضى هو اللي طلب مني.

شمله خالد بنظرةٍ ثاقبة و كأنه يتوعد له، بينما حسن كان يقف بجوار ياسين الذي حرك رأسه نفيًا بيأسٍ مما يراه أمامه، فاقترب عامر يقول: نقط الفرقة يا ياسين، اعمل أي حاجة بدل ما أنتَ واقف كدا
أشار له ياسين بالتريث و قبل أن يتحدث وجد مرتضى يعطي النقود للفرفة و هو يضحك بمرحٍ و فعل مثله طه، فتحدث حسن بيأسٍ ممتزجٍ بضحكاتٍ: أنتَ عملت إيه في عم طه و عم مرتضى؟ دول مكانوش كدا يخربيتك.

رد عليه عامر بشموخٍ و ثقةٍ: هما بس كانوا عاوزين اللي يوجهم صح، و طبعًا مفيش حد أحسن مني ممكن يعمل حاجة زي دي
نظر له الشباب نظرةً واحدة و من بعدها ضحكوا عليه حينما تقابلت نظراتهم مع بعضهم، أما وئام فوقف يمسك صغيره على ذراعه و هو يقول بسخريةٍ: يا بختك يا فارس و الله العظيم يا بختك إنك مش شايف جدك و عمك و هما فاضحين سلسال الرشيد كله.

ضحك عليه خالد حينما استمع له، و في المنتصف كان كلًا من وليد و طارق يعتلي الخيل و الفرقة حولهما تطوف بالموسيقى و الخيال يحرك قدميه على اللحن حتى اقترب منهما الشباب يدورون حولهما وسط الفرقة فتحدث طارق بضجرٍ موجهًا حديثه ل وليد:
الليلة دي هتخلص إمتى؟ هما ناويين على حلقات الضوء الشارد كلها و لا إيه؟
رد عليه وليد بسخريةٍ: أنا خايف يدخلوا على مسلسل ذئاب الجبل، دي فيها للصبح.

قبل أن يرد عليه طارق شهق بقوةٍ حينما وجد عمه مرتضى يصعد السيارة بجوار عُمدة و في يده عصا كبيرة يرقص بها على السيارة، حتى رحب به ذلك الشاب وهو يقول بنفس الصخب:
عمنا، عم مرتضى الرشيد، يعني الفرحة يعني البهجة يعني اللي مخلي الكل فرحان و سعيد
بعدها ارتفعت الموسيقى فأمسك مرتضى مكبر الصوت و هو يقول لأخيه: اطلع يا محمد ارقص معايا مش دا عزال عيالك برضه؟ اطلع يلا.

ضحك الجميع عليه فرد شقيقه عليه بضجرٍ و صوتٍ عالٍ: ابعد عني يا مرتضى، أكبر بقى و بطل شغل العيال دا، دا أنتَ راجل هايف بصحيح
لوح له بذراعه ثم قال موجهًا حديثه لشقيقه الصغير: اطلع أنتَ يا طه يا حبيبي، متعملش زي محمد، تعالى ارقص مع أخوك ياض
خطى طه خطوةً واحدة فأوقفه أحمد بقوله المنصدم: رايح فين يا بابا! هتعمل إيه؟

رد عليه بخضوعٍ زائفٍ لشقيقه: هروح أرقص مع أخويا يالا مالك؟، دا أخويا الكبير هنزل كلمته الأرض؟ عيب ميصحش
انتشرت الضحكات عليه فاقترب هو من السيارة ثم مد يده ل مرتضى الذي جذبه للسيارة وهو يضحك عليه، حتى بدأت الأغاني و هما يرقصان سويًا و كلًا منهما يمسك في يده عصا يرقص بها،.

و كان المنظر يتنافى مع هيبتهما و وقارهما المعتاد خاصةً أمام الجيران، و بعد مرور دقائق من ذلك الوضع الغريب نزل طارق من أعلى الخيل بطلبٍ من وليد.

الذي واكب تلك الأجواء برقصة بالخيل مثلما فعل والده منذ قليل و كأنه تربى على تلك المهارة منذ صغره، حتى وقع بصره على الشرفة فالتقت عينيه بعيني عبلة و هي تضحك عليه و على منظره فوق الخيل بسعادةٍ بالغة جعلته يرفع الخيل للأعلى بثقةٍ حتى أصدر صهيلًا قويًا طغى على صوت الأجواء حولهما و الشباب يصفقون له.

بعد مرور بعض الوقت من ذلك الاحتفال بدأ نقل الأثاث من البيت إلى السيارات وسط الترحاب الحار من عُمدة، انغمس الشباب في رفع الأشياء و أكثرهم جهدًا كان عمار الذي اندمج وسط الشباب و معه عبدالرحمن الذي كان في أوجٍ من سعادته البالغة وسط تلك الأجواء العائلية التي حُرم هو من العيش بها،.

و في الأعلى كانت الفتيات بأكملهن يجلسن سويًا، و معهن زوجات الشباب و يونس الذي جلس معهن و كانت ميمي وسطهن أيضًا بعدما أتت معهن في نفس السيارة التي طلبها ياسين لجلبهن إلى بيت آل الرشيد،
و في الأسفل كانت السماعات تقوم بدورها في تلك الليلة و هو إحياء الأجواء بالأغاني الشعبية التي جعلتهم جميعًا يعملون بحماسٍ، وسط المباركات و التهنئات من الجيران و الشباب حولهم، حتى شرعت السيارات في التحرك،.

و قبل ذلك ارتفع صوت الألعاب النارية في السماء بألوانه المُبهجة بعدما قام كل فردٍ من الشباب بإشعال واحدةً من تلك الألعاب بعدما قام عامر بتوزيعها عليهم، و من شدة اللون و الصوت اختفت معالم الشارع بأكمله لتكسوها تلك الألوان و كأنهم بأحد المهرجانات السينمائية التي يتم بها الاحتفال بتلك الصبغات الملونة.

تحركت السيارات تباعًا خلف بعضها و رحلت الفرقة من المكان و ظلت سيارة الأدوات الموسيقية بها رجال العائلة الكبار و الشباب يتفرقون في سيارات الأثاث و الجميع حولهم ينظرون لذلك الموقف بضحكاتٍ عالية نظرًا لما أحدثوه على الطرقات العامة وسط الجمهور و تلك الحشود المتكدسة.

في بيت آل الرشيد ارتفع صوت الموسيقى وسط نساء العائلة احتفالًا بأبناء العائلة الأربعة معًا!، جلست الفتيات معًا في مرحٍ و كأنهن أقمن الحفل الخاص بهن، و على الجهة الأخرى وصلت السيارات بنفس الجلبة السابقة وسط المهرجان الشعبي الذي اختاره عامر كافتتاحيةً لدخولهم الشارع وسط صخب الألعاب النارية بألوانها المُبهجة التي زاد أثرها مع حلول الليل و خفوت إضاءة النهار حولهم، و بعد توقف السيارات رفع صوته يقول موجهًا حديثه للجميع بصوتٍ عالٍ:.

يا شباب ركزوا معايا! عاوزين نتفق علشان منتعبش، أي حاجة بلاستيك خفيفة هشيلها أنا، و أي أجهزة و حاجة تقيلة تشيلوها انتم
صفعه ياسين على رقبته من الخلف ثم قفز من السيارة، فرمقه عامر بمعاندةٍ حتى يشاكسه و هو يقول: عمو مرتضى قالي أنتَ في حمايتي، يعني أي حد فيكم هيجي جنبي و رب الكعبة هخليه يروح مشي، أنا اللي متفق مع العربيات و أن،.

قبل أن يُكمل جملته وجد خالد يرمقه بتحدٍ أن يُكمل حديثه، فقال هو متلعثمًا بوضوحٍ: و، و آه، أنا معاكم هنا علشان أخفف عنكم، علشان أشيل حملكم، لو فيه حد فيكم مش قادر يشيل أنا موجود علشان أشيل مكانه، و خصوصًا خالد
ضحك الجميع عليه بيأسٍ فتحدث وليد يسأل عمار بسخطٍ: أخوك إزاي دا! أكيد فيه حاجة غلط في الموضوع، شوف يا بني كدا يمكن حد فيكم متبدل في المستشفى.

تدخل عامر يقول بحنقٍ: أنتَ غبي يا وليد! و ملامحه اللي كلها مني يدوبك الشكل متغير دي إيه؟
رد عليه حسن بضجرٍ منه: يابني اسمها يدوب الاسم متغير و بعدين ما هو لو الشكل متغير يبقى مش شبهك
تدخل عبدالرحمن يقول بصوتٍ ضاحكٍ: و الله لولا الشبه بينهم كنت قولت إنهم مش أخوات و أكيد واحد فيهم متبدل، الغريب إن عمار هو الصغير.

قفز عامر من السيارة يمسك وجه أخيه بيده و هو يقول بمرحٍ: عموري حبيب عامر شبهي! أنا حلو و مسمسم كدا! أنا شبه الحلو دا!
زادت الضحكات أكثر من قبل حتى اقترب منهم محمود يقول بصوتٍ هاديءٍ: يلا يا شباب خلصوا قبل ما الدنيا تليل، عاوزين نروح بدري علشان وراكم شغل بكرة.

وافقوا على حديثه ثم شرعوا في حمل الأجهزة سويًا بعدما قسموا أنفسهم حتى لا تختلط الأشياء ببعضها، فقام جزءًا منهم بحمل أشياء شقة طارق و الجزء الآخر بحمل أشياء شقة وليد و بعد مرور الوقت الذي أوشك على إتمام الساعتين حتى انتهوا جميعًا من نقل الأثاث و أغلقوا البيت بإحكامٍ ثم ركبوا جميعًا في سيارةٍ واحدة كبيرة خلف سيارة الموسيقى التي عادت بهم من جديد نحو وجهتها لبيت الرشيد و في سيارة الشباب سأل عامر بفخرٍ:.

إيه رأيكم! عملتلكم جو و الله لو دفعتوا دم قلبكم مش هتعرفوا تعملوه
رد عليه وئام مؤكدًا: هو محدش هيخطر في باله إن دا ممكن يحصل أصلًا، خيل و طبل بلدي و إيه النبطشي دا؟
تدخل عمار يقول بتعجبٍ: مش دي المشكلة، المشكلة إن عمدة دا عمره ما فضي، يا بييحي فرش بالنهار يا بييحي ليلة بليل، جيبته إزاي يا عامر؟

رفع رأسه بشموخٍ وهو يقول: ميقدرش يقولي لأ، كان عنده فرح أصلًا و سابه علشاني و بعت أخوه مكانه، هو أنا أي حد و لا إيه؟
ضحكوا عليه جميعًا، فتحدث طارق يشكره بقوله: بس بأمانة عملت جو عظمة، روح ربنا يجبر بخاطرك و يفرح قلبك، نردهالك في عيالك يا عامر يا ابن فهمي يا رب
رد عليه بمرحٍ خبيث: لأ، أنتم تردوهالي في فرح عمار، كدا كدا هتبقوا موجودين غصب عنكم.

طالعه أخوته بتنبيهٍ و معهم وليد الذي ابتسم بيأسٍ، فتابع عامر قوله يُعدل ما تفوه به: قصدي يعني اننا كلنا أخوات و إن عمار أخوكم برضه، يعني قسمًا بالله لو حد فيكم مجاش هولع فيه و في الحاجة و في عمار معاكم
رد عليه عمار بضجرٍ: أنا مالي أنا! هما مجوش تولع فيا أنا ليه؟
تدخل ياسر يقول بسخريةٍ: معلش هو سلوكه ملمسة في بعض، يعني كلام على الفاضي.

رمقه عامر بنظرةٍ متهكمة ثم زفر بقلة حيلة، بينما ياسين أمسك زجاجة المياه البلاستيكية الموضوعة أمامه ثم قذفها عليه و هو يقول بضجرٍ: ارفع عيني في عين حمايا ازاي بعد كدا؟ يا أخي شكلي بقى فانلة قدام العيلة كلها
رد عليه عامر مُسرعًا: بس فانلة مستوردة، مش أي حاجة يعني
تدخل حسن يقول بنبرةٍ ضاحكة حتى يقوم بتهدئته: ما خلاص يا عم ياسين، الراجل كان بيفرفشنا كلنا و بيفرحنا، طب دا حماك نفسه خرب الدنيا رقص.

رد عليه أحمد بصوتٍ مرح: طب و الله العظيم دي أول مرة أشوف فيها بابا كدا، دا مش بعيد يشكروك على اللي أنتَ عملته دا و إنك دخلت عامر حياتنا
تحدث عامر مُمتنًا له: أنتَ رجولة ياض يا أحمد، أقولك على حاجة أنا هجوزك بنت عمك محمد
تدخل خالد يقول بسخريةٍ: لأ، كدا هتدخل على شغل وليد، كل واحد فيكم يفضل في مكانه لو سمحت
سأل حينها عبدالرحمن بتعجبٍ من حديثهم: هو وليد ماله و مال الجواز؟ هو مأذون؟

ضحكوا عليه جميعًا، فرد عليه طارق بسخريةٍ: آه، مأذون بالفطرة، أي حد مش متجوز وليد بيجوزه، ما شاء الله وفق 80 راس في الحلال
ضحكوا عليه جميعًا و خاصةً وليد الذي فشل في التحكم بضحكاته حتى بات الأمر مُستحيلًا، فتحدث عبدالرحمن من جديد: لأ بجد مش بهزر والله، إيه علاقته بالجواز؟

رد عليه ياسين مُردفًا: بص يا سيدي، أول حاجة جوزني أنا و مراتي، تاني حاجة جوز نفسه، بعدها طارق و مراته، بعدها عمته و جوزها رجعهم لبعض، بعدها حسن و مراته و بعدها واحد قريبهم من السويس و مراته
رد عليه عبدالرحمن بحماسٍ ممتزج بالدهشة: الله! طب حيث كدا بقى، فيه واحدة بحبها و عاوز أتجوزها، أعمل إيه علشان تجوزهالي؟
تحدث وليد بثباتٍ و ثقةٍ و هو يقول: أوي أوي يا حبيبي، عرفوا يا عامر الطلبات.

تحدث عامر بجديةٍ لا تليق به: بص يا بودي، هتروح تجيب أربع صور خلفيه بيضا، و تجيب بحث من الشئون الاجتماعية فيه بيان حالة، و تجيب مفردات مرتب للحج، و ورقة ممضية من مدام عفاف اللي في الأرضي
ضحك الشباب بقوةٍ عليه بسبب جديته التي يتحدث بها و كأنه يتعهد في إحدى الوظائف الحكومية بتلك المهمة، أما عبدالرحمن فقال بمرحٍ: يا جدعان أنتم جامدين أوي، هو أنا معرفتكوش من بدري ليه؟ أنا كدا هندم على عمري من غيركم.

سأله حسن بهدوء: هو أنتَ معندكش حد خالص؟ مفيش صحاب أو قرايب حتى؟
تنهد عبدالرحمن بثقلٍ ثم قال بنبرةٍ خافتة: لأ معنديش، بص هو أنا معرفش غير أبويا و أمي و أختي، مكانش عندي صحاب علشان أبويا شديد شوية، و قرايبنا معرفش مشكلتهم معايا إيه؟ عندي ابن عمتي و بنت عمي قدي في السن، و طول عمرهم بيكرهوني علشان بطلع الأول، و من ساعة ما نجحت في ثانوية عامة و دخلت صيدلة و هما كارهيني.

رد عليه وئام بنبرةٍ جامدة: في داهية يا عبدالرحمن، أهم حاجة نفسيتك و مستقبلك، أهم من قرايبك و أهم من كل الناس اللي بتزعلك، لما أنتَ تتعب هما مش هينفعوك بحاجة.

حرك رأسه موافقًا فأضاف عامر بجديةٍ تلك المرة: المشكلة إنها علاقات مفروضة عليك، يعني غصب عنك مضطر تتحملهم و تتحمل وجودهم، أنا طول عمري خالتي كانت بتتريق عليا و كانت عملالي عُقدة نفسية، و كنت مضطر استحملها، الفكرة إنهم من دمك و صعب تخرجهم من حياتك
أضاف وليد بثقةٍ: مع احترامي ليكم كلكم، أنا لو حد زعلني ممكن ازعله عمر كامل، سكوتك عن حقك يعتبر تفريط فيه، متجيش تزعل بقى في الآخر.

رد عليه عبدالرحمن يمازحه: خلاص يا وليد، الواد ابن عمتي كل شوية يعملي مشاكل، لو حطني في مشكلة بعد كدا، أجيبك تقفلي؟ بس بيكون معاه أخوه الكبير
اشار له برأسه موافقًا، فأضاف خالد مؤكدًا تلك الإشارة بقوله: لو معاه بلد بزيها، أخواتك في ضهرك، شاور بس و إحنا معاك و لا إيه يا رجالة؟
معاك يا كبير
تفوه بها الجميع بصوتٍ قويٍ جعلهم يرتمون على بعضهم من الضحك حينما خرجت الجملة بتلك القوة المُهيبة من الجميع.

بعد مرور دقائق وصلوا إلى بيت آل الرشيد و بعد إصرار رجال العائلة تناولوا الشباب وجبة العشاء معهم في الطابق الأرضي، و النساء في الأعلى يتناولن الطعام مع بعضهن و معهم ميمي التي استأنس الجميع بوجودها وسطهن، حتى تحدثت هي بعدما قاموا برفع الصحون من على الطاولة و التفوا حولها:
ربنا يبارك فيكم و يملى بيتكم بالفرح يا رب، انتم تستاهلوا كل خير، مش كدا يا جميلة أنتِ و عبلة؟

سألتهما بمرحٍ، فحركت كلتاهما رأسها بموافقةٍ، بينما مروة أضافت تحدثها بترحيبٍ: و الله الخير كله في وجودك يا ست الناس أنتِ، طول ما أنتِ وسطنا إحنا فرحانين، و البيت مليان خير
ردت عليها بحبٍ بالغٍ: الخير في أهل البيت يا أم وئام، ربنا يحميكم و يكمل فرحتكم على خير
تحدثت إيمان مسرعةً: أيوا! ركزي على يكمل فرحتكم على خير دي، أصل بحس إن فيه حد عامل سحر أسود و رميه هنا.

ضحك الجميع على حديثها، فأضافت هدير تؤيد حديثها: صح و الله، لاحظت كدا، بس إن شاء الله العيال دي غلابة و ربنا هيجبر بخاطرهم، سواء طارق أو جميلة أوي عبلة و وليد، ربنا يسعدهم
تدخلت سارة تقول بمرحٍ: طب العرايس الحلوين بقى ييجوا علشان نظبط الفساتين عليهم؟ هستناكم بعد بكرة
سألتها جميلة بحماسٍ: خلاص خلصتيهم! ما شاء الله، اللهم بارك لحقتي؟

حركت رأسها موافقةً ثم أضافت بنبرةٍ ضاحكة: أيوا يا ستي عيب عليكي، و بعدين عامر اتعلم كام حاجة و بقى بيساعدني كتير، فبقيت أخلص أسرع
ردت عليها عبلة بنفس حماس الأخرى و هي تقول: بجد! علمتيه يشتغل معاكي، شكلك مسيطرة، دي بركات إيمان أكيد
ردت عليه و هي تحرك رأسها نفيًا: لأ و الله، هو اللي صمم يتعلم علشان يساعدني في شغلي، عامر طيب أوي و بيحب دايمًا يريح كل اللي حواليه، و بصراحة انجز معايا كتير.

ردت عليها مشيرة بحبٍ بالغٍ: ربنا يخليكم لبعض يا رب، هو طيب رغم شقاوته دي، بس جدع و ابن أصول، عقبال ما تعملي فساتين بناتك يا رب
ابتسمت لها بمجاملةٍ و هي تشكرها، بينما يونس كان جالسًا بجوار والدته، فانسحب من موضعه و في يده قطعة حلوى، ثم اقترب من فارس و هو على ذراع والدته يقدم له ما يمسكه في يده بعدما استمع لصوت بكائه على ذراع هدى التي سحبته نحوها تُقبل وجنته و هي تقول بتأثرٍ:.

أنتَ حبيب قلبي أنتَ، ألف هنا و شفا على قلبك يا روح قلبي، كُلها أنتَ
تحدثت خديجة تقول بنبرةٍ ضاحكة تحاول إخفاء تأثرها بموقفه: يا جماعة اقفلوا عليه في متحف و لا داروه، الواد دا بيحرك مشاعري و بيخليني عاوزة أجوزه بنتي اللي لسه مش عارفة هتيجي إمتى
ضحكوا عليها جميعًا، فأضافت ريهام تشاكسها بمرحٍ: شدي حيلك بس و أنا و هو مستنيين ست الحُسن.

حركت رأسها موافقةً ثم قالت باستحسانٍ لحديثها: طالما يونس هيتجوزها أنا عيني ليكم، أفك الجبس بس، أنا زهقت
تدخلت إيمان تقول بضجرٍ منهما: هو إيه دا أنتَ و هي؟ أنا عمالة أربي و أكبر فيه علشان تيجي خديجة تاخده على الجاهز كدا! الواد دا هيبقى جوز بنتي أنا و خديجة تجيب واد و أنا أجيبله بنت و بعدها أجيب بنت كمان و اجوزها ابن عامر، علشان ابقى أنا اللي مسيطرة فيهم.

قالتها بغموضٍ غلف نبرتها و صوتها و نظرة عينيها، فضحك الجميع عليها، حتى هي معهم، و أبان ذلك مال يونس على الصغير يقبله ثم ربت على يده حتى لا يبكي من جديد ثم عاد يجلس بجوار والدته و هو يحرك رأسه يراقب الصغير على ذراع والدته و الجميع حوله يطالعوه بتأثرٍ و كلًا منهم تدعو الله أن يرزقها بفتى صالح مثله.
و قد تدخلت سلمى تسأل خديجة بعد موقف يونس: خديجة هو أنتِ بجد هتمشي النهاردة بيتك؟

حركت رأسها موافقةً و هي تبتسم لها، فأضافت سلمى بحنقٍ: ليه! خليكي معانا يا خديجة، أنا مبقيتش أذاكر غير لما أجي اتطمن عليكي، خليكي بقى و بعدين رجلك تعباكي، هتروحي ازاي؟
تنهدت بقلة حيلة ثم قالت: يا سلمى أنا بقالي كتير هنا، أنا داخلة في شهر أهو دا غير ساعة ولادة فارس كنت معاكم هنا، الشقة مقفولة و كدا كتير، هروح بس يومين و لو معرفتش اتعامل و الله العظيم هرجع هنا.

ردت عليها عبلة بتوسلٍ: ما تقعدي معانا يا ستي! يا خديجة كدا هنقلق عليكي، هتتحركي ازاي هناك طيب؟
ردت عليها و هي تبتسم بهدوء: معايا العصاية بتاعة جدو هتحرك بيها، و معايا ياسين برضه متقلقيش، و بعدين خلود هتظبط دروسها و تيجي معايا، خلوني بقى اشوف بيتي اللي نسيته دا
تدخلت جميلة أقول بنبرةٍ صوتٍ غلفها الحزن و هي تقول: يعني هدير هترجع بيتها النهاردة و أنتِ مصممة تمشي النهاردة! ردي عليها يا طنط زينب.

تكلمت زينب بقلة حيلة ممتزجة بالحنق و هي تقول: هي مش عاوزة تسمع كلامي و أنا تعبت، و محدش قادر عليها و لا حتى وليد نفسه
تحدثت هي بقلة حيلة: يا ماما أنا ما صدقت بابا يوافق بقى، علشان خاطري خليني أروح الشقة و وعد مني لو مرتحتش هرجع تاني ليكم.

في الأسفل عند الرجال و الشباب بدأوا في تجهيز انفسهن للرحيل من البيت و معهم ياسين أيضًا، و بعد خروج الشباب عدا وليد و ياسين الذي أوقفه الأول و هو يقول قبل خروجه من البيت نحو الخارج: ما تخليك يا ياسين معانا، خديجة لسه تعبانة و رجليها لسه متجبسة، كدا هقلق عليها.

تنهد هو بعمقٍ ثم قال: و الله العظيم لو هي عاوزة تقعد أنا مش معترض، بس هي مُصممة، و بعدين هي كلها اسبوع و تفك الجبس، خليها على راحتها أحسن
تنفس وليد بقلة حيلة ثم قال على مضضٍ و كأنه يُخرج سرًا: المشكلة أني خدت على فكرة وجودها هنا، حسيت إن كل حاجة عادية علشان هي معايا هنا، استغربت بس إنها هتمشي تاني.

سأله ياسين بمرحٍ صبغ نبرته به حتى يغير تلك الأجواء: هي مرات مين فينا! يا عم أنتَ مش عريس جديد؟ ركز مع مراتك و سيبلي مراتي.

ابتسم بسمة طفيفة لم تصل إلى عينيه و هو يقول بصوتٍ متأثرٍ: هي ممكن تكون مراتك و حبيبتك و كل كلام الحب اللي في الدنيا، بس هي لواحد زيي كل حاجة تخليه يقدر يعيش، خديجة القَشة اللي الغريق زيي اتعلق بيها، و للحق هي قَشة فعلًا، طير جناحه مكسور و سبحان الله كانت بتواسي طير زيي من كتر الطير تعب، كل حاجة و عكسها فينا احنا الاتنين، أنا الحرية و هي السجن، أنا التلج و هي النار، أنا الكلام و هي السكوت، واحد فينا كان للتاني حياة و التاني كان مكتوبله زي الموت، صحيح بحب عبلة و بعشقها و حبي ليها ملوش حديد، بس فيه حتة في قلبي مفيهاش غير خديجة، غصب عني إحساسي بيها مش بقدر أوصفه، أنا لو فيا خير لسه، هي السبب في دا، لولا حضنها اللي كان بيلحقني بعد كل مرة وقعت فيها، أنا كان زماني واحد تاني خالص ن.

رفع ياسين ذراعه يضعه على كتفه و هو يقول بنبرةٍ هادئة يشوبها مرحٍ طفيفٍ: لو فاكر إن بكلامك دا هتأثر عليا و تخليني أسيبها هنا، جدع علشان ثبتني و اقتنعت بكلامك
ابتسم له وليد و هو يقول: يا عم مش بثبتك، دي الحقيقة يا ياسين، مش هقدر أنكرها، بس أقولك على حاجة، أنتَ دخلت مع خديجة في نفس المكان في قلبي، بقت كفة موزونة، ياسين و خديجة مع بعض، مش هقدر أفصل بين واحد فيكم، هي شروة واحدة على بعضها.

خطفه ياسين بين ذراعيه و هو يقول بتأثرٍ: أنا اللي بحبك و الله و كسبتك أخ معايا و في ضهري، يا بخت اللي يصاحبك يا وليد
مسد على ظهره و هو يقول بسخريةٍ: يا بخت اللي يصاحبني أنا! اومال أنتَ إيه بقى؟ دا أنا حاطط فيك الأمل من الدنيا كلها، ربنا يديمك في ضهري.

ابتعد عنه و هو يبتسم له، فزفر وليد بقوةٍ لعله يُخرج ما اعتل به صدره من عدة مشاعر شعر بها تخنقه، فأشار له ياسين برأسه حتى يخرج معه من ذلك المكان و يقفا معًا في الخارج وسط الشباب الذين وقفوا مع بعضهم أمام البيت، و بعد مرور دقائق نزلت الفتيات الثلاثة و معهن ميمي، فتحدث خالد موجهًا حديثه للجميع: هروح أنا أوصل ميمي و أخد البنات معايا في العربية، ياسر و عامر معاكم ربنا بقى.

رد عليه عامر مُسرعًا: افتحلنا شنطة العربية و ارمينا فيها
رد عليه ياسر بضجرٍ: اتكلم عن نفسك يا حبيبي، مش هركب أنا في شنطة العربية، هو أنا أنبوبة؟
سخر منه عامر و هو يقلد طريقته بعدما رحل خالد من قربهم و توجه للنساء، فتدخل ياسين يقول بنفاذ صبرٍ: خلاص استنوا معايا، خديجة هتنزل و هوصلكم معايا في سكتي و خلاص، عمار هتروح ازاي؟

رد عليه بعدما رفع المفاتيح الخاصة بالدارجة المملوكة لشقيقه: معايا الموتوسيكل بتاع عامر، هوصل عبدالرحمن الأول و بعد كدا هرجع بيتنا، مشتغيلش بالك بيا
رد عليه ياسين بقلقٍ اتضح في نبرته و نظرة عينيه: أنا مبحبكش تركبه أصلًا يا عمار، كمان عاوز تركبه بليل؟ تعالى أوصلكم أنتم الأول و بعدين أرجع آخد خديجة
تدخل وليد يقول مُسرعًا: طب و ليه كل دا، هروح أوصلهم أنا و خلاص، خليك أنتَ و أنا هاخد الرجالة كلهم مع بعض.

تدخل عبدالرحمن يقول مُسرعًا يرفض كل تلك المُقترحات: يا جماعة كبرتوا الموضوع و هو مش مستاهل أصلًا، أنا هرَوح مع عمار على الموتوسيكل، و أنتم زي ما أنتم، كدا كدا عمار بيروح بيه الجامعة
رد عليه عمار موجهًا حديثه للجميع: شوفتوا! يلا سلام عليكم أنا بقى الساعة بقت 8 و هروح اذاكر لسه عندي امتحان بكرة.

تدخل طارق يسأله بتعجبٍ: هو أنتَ بتعمل إيه غير إنك بتمتحن؟ بجد و الله معندكش حياة خالص غير إنك تمتحن يا بني؟ أنا فاكر أني مكنتش بمتحن غير كل تيرم، هو حصل إيه؟
رد عليه عمار بسخريةٍ: أنا بمتحن في سكاشن عملي و بعدين بمتحن شفوي، بعدين ميد تيرم و بعد الميد تيرم بمتحن عملي، و بعدها بمتحن شفوي نهاية التيرم، بعدها نظري بعدها عملي النظري بعدها بقى النظري بتاع أخر التيرم.

تحدث حسن يقول بإشفاقٍ عليهما: ليه يا بني كدا! عليك ذنب؟ ليه تضيع أيام حياتك في امتحانات كدا؟ أخرج و لا سافر و لا أعمل أي حاجة، أنا طول عمري مبقتنعش بالامتحانات، الشاطر في الأخر اللي يدخل الجنة
رد عليه عبدالرحمن بقلة حيلة: ماهو احنا بقى بنسعى علشان ندخل الجنة، متنساش إن طلب العلم فريضة.

بعد مرور دقائق رحلت سيارة خالد بالفتيات و ميمي و بعدها مباشرةً نزلت هدير لزوجها فانسحب هو من أمام الشباب ثم اقترب يفتح لها باب السيارة و بعدما ولجت هي أغلق الباب ثم توجه للشباب يودعهما ثم عاد لها مرةً أخرى يركب بجوارها، ثم تحرك بسيارته من أمام البيت، بينما ياسين صعد للأعلى بعدما أرسلت له خديجة له تطلب منه المجيء إليها، صعد هو فوجدها تقول له بهدوء أمام الجميع:.

أهو ياسين جه أهو، يدوبك نتحرك قبل ما الدنيا تليل أكتر من كدا، يلا يا ياسين؟
حرك رأسه موافقًا فتحدثت مشيرة تقول مُسرعةً: طب حد فينا هنا زعلك! هتمشي ليه طيب و أنتِ لسه تعبانة؟
ردت عليها بعدما ابتسمت: خالص و الله، محدش زعلني و لا حد فيكم مخليني عاوزة حاجة خالص، بس عاوزة اروح أشوف بيتي بقى.

اقتربت منها تقف أمامها و هي تقول بصوتٍ مهتز الوتيرة و كأنها تجاهد للتحدث: طب بلاش هما، أنا زعلتك طيب؟ عملت حاجة تاني ضايقتك مني؟

حركت رأسها نفيًا ثم أشارت لها حتى تقترب منها، ففعلت مشيرة ما أرادت و قد توقعت أنها تخبرها شيئًا بصوتٍ هامسٍ، لكنها تفاجئت بها تطبع قبلة على وجنتها، نظروا جميعًا لهذا الموقف بتعجبٍ و دهشةً من خلال حدقتي عيونهم التي اتسعت، فوقفت مشيرة ترمش عدة مرات ببلاهةٍ حتى تحدثت خديجة تفسر فعلتها بقولها الذي أجمع براءة العالم في ثنايا حروفه:.

دي علشان أم على اللي كنتي بتعمليهالي و أنا تعبانة، أنا عمري ما بوستك قبل كدا، لو كنا صحاب كنت هريتك بوس و الله
اقتربت مشيرة منها تُقبل جبينها و هي تقول بندمٍ و هي تبتلع تلك الغصة المريرة في حلقها: لو كنا صحاب كانت حاجات كتير اتغيرت، مكنتش خرجتك من حضني يا خديجة.

ابتسمت لها باتساعٍ فرفعت كفها تمسد على رأسها و هي تقول: أوعي يا خديجة تتغيري مهما حصل، أوعي تخلي الدنيا تضحك عليكي و تاخد الحلو اللي فيكي منك، اسمعي مني أنا، أكبر شر يحصل للإنسان في الدنيا، لما يضيع الحلو فيه علشان دنيا زي دي، عارفة إنك طيبة أوي و عارفة إنك واحدة تانية غير الكُل، خليكي كدا يا خديجة علشان ترتاحي.

حركت رأسها موافقةً بحماسٍ فقبلت رأسها مرةً أخرى ثم عادت تجلس في موضعها، بينما ياسين اقترب منها يمسك يدها يوقفها و هو يبتسم لها فبادلته البسمة بأخرى ب
مثيلتها، فقال هو موجهًا حديثه للجميع:
عن إذنكم بقى يا جماعة علشان نلحق نتحرك، ياسر و عامر كمان مستنيين تحت علشان هييجوا معانا، عاوزين حاجة؟

اقتربوا منها جميعًا يودعونها و يحتضونها و هي بين الحين و الآخر تبكي و حينٍ آخرٍ تبتسم من بين دموعها و زادت تلك الدموع عند احتضان والدتها لها، حتى نزلت من أمامهم و خرجت معه من البيت فوجدت الرجال و الشباب معًا في الأسفل و حينها ابتعدا كلًا من عامر و ياسر حتى يتركا لها المساحة الخاصة في الحديث مع عائلتها اللذين قاموا بتوديعها أيضًا و أكثرهم تأثرًا كان أحمد الذي اقترب منها يقول بصوتٍ مختنقٍ:.

ما تخليكي معايا، أنا طول ما أنتِ هنا و أنا متونس بيكي، هتمشي ليه بقى! خليكي شوية
ردت عليه هي مُردفةً: الحمد لله بقيت أحسن بكتير، و خلاص اتعودت على العصاية و بقيت بتعامل عادي، لو مقدرتش اتعامل هاجي هنا و الله، وعد.

اقترب منها يُقبل قمة رأسها، ثم حرك رأسه موافقًا على مضضٍ، فاقترب منها طه يقول بهدوء: أنا بصراحة مش عاوزك تبعدي عني، بس أنا شايف عينك متعلقة ببيتك، خلاص روحي و أنا هجيلك مش هسيبك، هاجي اسرحلك شعرك
ابتسمت له فاقترب هو يحتضنها ثم قبل قمة رأسها، فتدخل مرتضى يقول بمرحٍ: بت عاوزك تفكي الجبس دا و تيجي علشان ترقصي معايا، سيبك من الهبل دا
رد عليه ياسين مُسرعًا:.

لأ معلش، خليها في جبسها أنا موافق كدا، مراتي مترقصش
رد عليه بضجرٍ يسخر منه:
بس يالا أخرس خالص، بدل ما اتصل بأبوك و أقوله! هاه لم نفسك يا أبو طويلة
حاولوا كتم ضحكتهم جميعًا، فرد عليه ياسين بيأسٍ:
هو أنا كنت قادر على أبويا لما أقدر عليك و أنتَ نسخة منه؟ سلام يا عم مرتضى
اقترب منه يضع ذراعه حول كتفه و هو يقول بمرحٍ:
تعرف يا واد يا ياسين أنا بحبك أوي، شهم و حنين و رجولة و ابن أصول، بس أنا بحب أبوك أكتر.

ضحك عليه و هو يحرك رأسه نفيًا بيأسٍ فوجده يمسد على ظهره وهو يقول:
يلا خد مراتك و امشي علشان البرد اللي دخل علينا دا، خلي بالك منها و حطها في عينيك
أشار على عينيه و هو يقول بنبرةٍ صادقة تخرج منه دومًا و كأنها عهدًا التزم هو به:
هي مش محتاجة وصايا، خديجة مكانها متشال فوق الراس و جوة القلب و تتحط في العين.

ابتسموا لهم جميعًا و خصوصًا وليد الذي اتسعت بسمته و هو يرى حبه الدائم لها و الذي لم يتوارى في إظهاره، بل على العكس دومًا يتحدث عنها أمام الجميع و كأنها مكسبه في تلك الدنيا، بينما هو أمسك يدها ثم أدخلها السيارة، بعدها أخذ الحقيبة الخاصة بملابسها من شقيقتها بعدما نزلت له بها، ثم وضعها في السيارة، بعدها لوح لهم يودعهم بعدما اقتربا منه ياسر و عامر ثم ركبا في الخلف و هي بجواره في الأمام و هي تبتسم بهدوء و هو أيضًا بعدما ولج السيارة بجوارها و كأنه لا يصدق إنه سيعود لبيته بعد تلك المغامرات التي عاشها في بيت آل الرشيد و خصيصًا المغامرات التي أصابت زوجته نتيجتها.

بينما عامر وكز خالد في كتفه و هو يشير نحو صديقه الذي كان يبتسم بفرحةٍ بعدما خشى هو عودته لمنزله بدونها.

في أحد الطُرق العامة أوقف حسن سيارته في مكانٍ متكدس بالأناسِ، عقدت هدير ما بين عينيها و هي تسأله بتعجب بات واضحًا عليها:
وقفنا هنا ليه يا حسن! مش هنروح؟ الساعة بقت 9 إلا شوية!
حرك رأسه نفيًا ثم قال:
مش أنتِ قولتي إنك ماكلتيش معاهم؟ و عاوزة تروحي علشان تاكلي؟ تعالي يلا أأكلك
ابتسمت له بتشككٍ و هي تقول بعدما اغلقت عين و ظلت الأخرى كما هي:.

بجد! إيه العسل دا و الشهامة دي؟ كدا كتير عليا و اتأثرت و الله
ابتسم لها بثقةٍ و هو يقول:
أي خدمة علشان تعرفي إنك محظوظة بس إنك تعرفيني.

حركت رأسها موافقةً عدة مراتٍ تؤكد على صدق حديثه، ترجل هو من السيارة أولًا ثم تبعته هي بحماسٍ جعلها تود القفز عدة مرات على الأرض حتى تخرج تلك الطاقة التي اقحمها هو لها، ثم دارت حول السيارة و هي تمسك يده حتى ابتسم لها، فدائمًا هي من تبادر في التشبث بكفه و كأنها طفلًا صغيرًا يخشى ترك كف والدته فيغدو شاردًا في الدُنيا، أما هو فكما المعتاد شدد على مسكة يدها و هو يومأ لها باهدابه، حتى سألته هي بحماسٍ:.

هناكل إيه بقى! يا رب تكون حاجة مطرقعة كدا زيك
حرك رأسه موافقًا ثم أضاف مُفسرًا لها و هو يشير نحو المطعم الصغير:
دا مطعم شعبي فيه كل اللي دماغك تتخيله، كل أنواع الأكل اللي ممكن تتخيليها، شوفي نفسك في إيه و أطلبهولك
قلبت عينيها بتفكيرٍ و هو يراقب ملامحها حتى وجدها تستند على مقدمة السيارة، ثم تنفست بعمقٍ و كأنها حبست أنفاسها لحين وقوع الاختيار، بينما هو سألها بتعجبٍ:.

كل دا! ها يلا قبل الزحمة، كل ما الليل يدخل الناس بتكتر، هتاكلي إيه؟
حركت كتفيها بقلة حيلة و كأنها تخبره بجهلها بالأمر و هي تقول:
مش عارفة بصراحة، بص شوف أنتَ بتاكل إيه و هاتلي زيك، مش هعرف أختار
حرك رأسه موافقًا ثم أمسك يدها يتجه بها نحو طاولة حديدية موضوعة بخارج المطعم تكفي لفردين، جلست هي أولًا بعدما سحب لها المقعد، ثم جلس هو مقابلًا لها فوجدها تبتسم له بسمتها المُشرقة، حينها سألها هو بتشككٍ:.

خير مش مرتاحلك! الضحكة الحلوة دي مش المفروض تطمني
ردت عليه هي تنفي حديثه و تزيل خوفه بقولها:
لأ و الله مش عاوزاك تقلق، بصراحة عاوزة اعتذرلك، علشان كنت بقول عليك رخم و تنك و متكبر و مغرور و نرجسي و ا…
توقفت عن الحديث حينما قاطعها هو بقوله:
بس بس بس، رايحة فين تاني؟ مفيش صفات حقيرة ممكن توصفيني بيها غير أني ابن كلب زبالة.

ضحكت عليه رغمًا عنها فوضعت كفها على فمها حتى تتحكم في صوت تلك الضحكات، بينما هو رمقها بسخطٍ، فتحدثت هي مُسرعةً:
و الله بصارحك، أنا كنت بحسبك شخص متكبر و عمري ما تخيلت إنك تطلع حنين كدا يا حسن، أعمل إيه طيب؟ حتى من غير ما أحس اتكفيت على وشي و حبيتك
أغمض جفنيه بيأسٍ ثم فتحهما على مضضٍ و هو يقول:
بقيتي دَبش زيي، الله يسامحك يا شيخة، هنحدف بعض بالطوب بعد كدا؟

حركت رأسها نفيًا ثم تنفست بعمقٍ و تبعت تلك الحركة بقولها:
لأ يا حسن، هفضل أحبك و أصونك، حتى لو مفيش كلام و حتى لو محدش فينا قال حاجة للتاني، كفاية وجودنا مع بعض، حتى لو زي ما قولتلي أني لما أحب هخاف، كفاية إني هخاف و أنا جنبك، و كفاية أني شايفة عينك فرحانة بيا
رفع عينيه يطالعها بنظرة حُبٍ خالصةٍ فهربت هي من نظراته و هي تقول بتلعثمٍ:
إ، شوف بقى هتأكلنا إيه، مش هنفضل نتكلم أنا جعانة.

حرك رأسه موافقًا ثم أشار للعامل حتى يقترب منه، و بعد اقتراب الأخر أملى عليه طلباته و هي تطالعه بدهشةٍ بعد استماعها لأسماء الطعام، و بعد رحيل العامل سألته هي بتعجبٍ:
هو إيه اللي أنتَ كنت بتقوله دا؟ أنا افتكرتك بتغلط فيه
حرك كتفيه ببساطةٍ و هو يقول:
دي أسماء الطلبات، هما عاملينها هنا كدا علشان يسهلوها على الناس و على نفسهم.

حركت رأسها موافقةً بتفهمٍ، بينما هو حرك رأسه يتفحصها ثم قال يثني على جمالها بقوله:
تعرفي إنك شكلك حلو أوي في لفة الطرحة دي؟ عجباني علشان شعرك كله مش باين و في نفس الوقت الطرحة لونها حلو عليكي
ابتسمت بسعادةٍ و هي تقول:
بجد! أول مرة ألفها كدا، كلهم قالولي حلوة بس كنت شاكة و الله
سألها مُبتسمًا:
طب و دلوقتي؟
ردت عليه هي:
دلوقتي اتأكدت إنها حلوة و لو كلهم كانوا قالوا وحشة و أنتَ قولت حلوة كنت هقتنع برضه.

حرك رأسه بتشككٍ فأضافت هي مُسرعةً تزيل تشككه ذاك:
و الله علشان أنا متأكدة يا حسن إن اللي بيحب حد بيبقى شايفه بعيونه هو، غير كل العيون التانية، هو بيكون مُحتفظ بنظرة تانية كدا غير الكل، علشان كدا كنت هثق في رأيك برضه
ابتسم لها هو ثم تحدث بفخرٍ:
أنا كل يوم بقيت بفتخر بيكي أكتر يا هدير، كل يوم بتكبري في عيني، و كل يوم مكانك في القلب بيكبر.

أخفضت رأسها بخجلٍ بينما هو زفر بقوةٍ حينما وجد العامل يقترب من الطاولة يضع عليها الطعام، و بعد رحيله نظرت للأطباق أمامها بحيرةٍ و هي تقول:
إيه دا يا حسن! سندوتشات إيه دي؟
سحب نفسًا عميقًا ثم قال:
دي يا ستي عبارة عن خلطة مع بعضها، يعني معاكي واحد سجق و مع واحد كبدة و مع واحد حواوشي و معاكي واحد فيه كله على بعضه
اتسعتا حدقتيها و هي ترمش ببلاهةٍ عدة مرات، فضحك هو على هيئتها ثم قال:
يا غالية! روحتي فين؟

ردت عليه هي بتيهٍ:
إيه كل دا يا حسن! هاكل كل دا ازاي؟ كتير أوي
رد عليها هو بسخريةٍ:
طب كلي، الأكل دا أصلًا بناكله علشان يفتح نفسنا و نعرف ناكل، كلي بس و هو سخن و السلطة و الطحينة معاكي أهم
تنفست هي بعمقٍ ثم أمسكت الرغيف من أمامها ثم شرعت في تناوله أما هو فانتظر بعدما ابتلعت ما تناولته ثم سألها بهدوء:
ها إيه رأيك! حلو؟
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ ثم أضافت:.

أوي يا حسن، طعمه حلو أوي، كُل يلا أنتَ كمان، مبتعرفش تاكل في اللمة.

حرك رأسه موافقًا ثم شرع في تناول الطعام و هي أمامه تأكل بنهمٍ و كأنها لأول مرة تتناول مثل تلك الأطعمة في حياتها، بينما هو كان يتابعها أثناء تناوله للطعام، و على رغم من انسداد شهيته بسبب تناوله الطعام مع الشباب، إلا أن هيئتها كانت أكثر من مُشجعةً له حتى يتناول الطعام، و أثناء انغامسه بالطعام، حرك رأسه للجهةِ الأُخرى فوقع بصره على شيئًا ما، حينها مضغ الطعام ثم انتظر حتى سألته هي بتعجبٍ من توقفه:.

مبتاكلش ليه؟ الأكل مش عاجبك؟ على فكرة حلو أوي
حرك رأسه يسألها باستهزاءٍ:
يا شيخة! على أساس إننا بنتعرف أنا و هو لسه؟
ردت عليه هي بنبرةٍ ضاحكة:
طب مبتاكلش ليه؟
حرك كتفيه ببساطة ثم قال:
شبعت الحمد لله، كلي أنتِ بس متشغليش بالك
أكملت هي طعامها ثم مدت يدها تطعمه و هي تبتسم له باتساعٍ، شعر هو بالحرج من رفضه تناول الطعام من يدها ثم حرك رأسه لها يتناول الطعام من بين أناملها، فقالت هي بمرحٍ:.

خلاص الحمد لله يلا بقى علشان نروح، علشان شغلك بكرة
حرك رأسه موافقًا ثم وقف يدفع الحساب و هي خلفه تنتظره حتى عاد لها و هو يبتسم و قبل أن تتوجه للسيارة أوقفها هو بقوله:
لأ استني يا هدير، مش هنركب العربية، تعالي معايا ثواني.

عقدت ما بين حاجبيها ثم أقتربت منه و قبل أن تسأل و تستفسر عن حديثه، وجدته يطبق بيده على يدها ثم تحرك بها للجهة الأخرى يعبرا الطريق سويًا، و هي تطالعه بتعجبٍ من حالته، حتى ترك يدها أمام مكانٍ متخصصٍ ببيع الدرجات النارية، ترك هو يدها ثم قال بهدوء:
خليكي هنا يا هدير هرجعلك تاني، هسأل على حاجة و مش هتأخر.

حركت رأسها موافقةً بتيهٍ و هي لا تفهم شيئًا من تغيره، فدلف هو المكان و بعد مرور دقائق وجدته يخرج و معه الرجل ثم أشار له على الدراجة التي قام باستئجارها، فأعطاه صاحب المكان المفاتيح الخاصة بها، بعدما ترك له البطاقة الخاصة به، و مبلغٌ من المال، تحول حالها إلى الصدمة و هي تنظر له، فوجدته يقترب منها بالدراجة و هو يقول بنبرةٍ قوية حتى يُخرجها من حالتها تلك:.

هتركبي و لا أروح بيه لوحدي؟ يلا قبل الراجل يقفل و ساعتها هنرجع من القسم
بعد حديثه ركبت خلفه فوجدته يلتفت لها و هو يقول:
أمسكي فيا جامد بدل ما تطيري مني على الطريق
حركت رأسها موافقةً بحماسٍ فحرك هو الدراجة النارية بمهارةٍ و هي خلفه تتمسك به و هو يتحرك بها على الطريق، فتحدثت هي تسأله بصوتٍ عالٍ حتى يصل له من بين صوت الهواء:
ليه يا حسن! مش معاك العربية؟ أجرته ليه؟
رد عليها هو بنفس درجة الصوت:.

وحشني ركوب الموتوسيكلات، قولت أركبه و بالمرة أفسحك بيه، مش بتحبيهم؟
ردت عليه مُسرعةً:
لأ بحبهم، بس أخر مرة ركبته و أنا في اسكندرية ورا عم مرتضى
حرك رأسه موافقًا ثم سألها و هو يرفع السرعة على الطريق:
قوليلي يا هدير، مبسوطة؟
مالت على أذنه و هي تقول بتأثرٍ و أعين أوشكت على البكاء:
أوي و الله، طول ما أنتَ موجود هفضل فرحانة طول عمري، ربنا يخليك ليا يا حسن.

قالت حديثها ثم وضعت رأسها على ظهره و هي تتنفس بعمقٍ، فابتسم هو براحةٍ ثم تحرك بالدراجة تاركًا الهواء يدخل لثنايا روحه المُتعطشة لذلك الونس حتى ارتوت روحه بقربها، هي من أثلجت نيران وحدته، و آنست وحشته، و أخيرًا أوقف الدراجة في مكانٍ أشبه بحلقات السباق، فسألته هي بعدما اعتدلت في جلستها:
هو إيه المكان دا؟ شكله مُرعب أوي بليل كدا ليه يا حسن.

نزل هو من على الدراجة ثم أمسك يدها ينزلها، و بعدها اقترب بها من السور الحديدي الذي يُحيط تلك الحلبة، ثم رفعها بيده تجلس عليه، بينما هو شبك كفيه في وضع مُعاكسًا لها و هو يقول:.

دي يا ستي حاجة زي ساحة سباق، عربيات و عجل و موتوسيكلات، كنت باجي هنا علشان أركب الموتوسيكلات و الغريب أني مكنتش باجي مع حد كنت باجي أنافس نفسي و أرجع تاني و أنا كسبان حد معرفهوش، بس كان دايمًا فيه حسن تاني بغلبه، حسن دا بقى طلع تاني و خد حقه في كل مرة هزمته فيها، حسن دا خرج لما حبيتك يا هدير
حركت رأسها له، فوجدته يقول مُبتسمًا لها:.

كل الحكاية أني كنت بصارع نفسي علشان مسيبش نفسي لدماغي، كنت بخاف أموت لوحدي في بيت مقفول عليا و محدش يعرف، المهم أنا جيبتك علشان نجرب السباق دا سوا و علشان أعرف أنهي حسن اللي يستحقك فيهم.

ابتسمت هي له فأمسك يدها ثم أنزلها من على السور، بعدها ركب الدراجة و هي خلفه مرةً أخرى، ثم نزل بها لتلك الساحة و هو يدور بها و هي خلفه حتى وقفت هي تتنفس الصعداء و فردت ذراعيها بجرأةً منها، و هو يدور بالدراجة في حلقات دائرية حتى ارتفعت ضحكته عاليًا و هي معه، و انتهى هو أخيرًا من ذلك السباق الذي بدل حاله عن قبل ثم أوقف الدراجة و جلس على حافة تلك الساحة حتى هي ارتمت تجلس بجواره بانهاكٍ واضحٍ، حتى استندت برأسها على كتفه، فسألها هو بسخريةٍ:.

مالك! جيبتي أخرك و لا إيه؟ غلبتك أنتِ بدل ما أغلب حسن؟
ردت عليه هي:
أنتَ ليه كل حاجة معاك بتكون حلوة؟ رغم إن فيها خوف بس هي مبتخوفش، أنتَ نفسك تخوف يا حسن، عامل زي البير اللي يخوف، بس لو قربت منه هتلاقيه مليان مياه و خير، غريب أنتَ و حياتك، بس حلو
ابتسم لها فوجدها تقول بنبرةٍ هادئة:
تعرف أني حبيتك 3 مرات؟ و الله بجد مش بهزر، كل مرة فيهم بطريقة و حِجة غير التانية.

عقد ما بين حاجبيه بحيرةٍ من حديثها، فأضافت هي مُفسرةً حديثها بنبرةٍ حالمة:
أول مرة حبيتك فيها حبيتك بعقلي، يعني قولت منطقيًا كدا لازم أحبك، طالما بقيت مراتك و أنتَ بقيت جوزي يعني كدا كدا تدبيسة، يبقى أحبك، و حبيتك طول فترة سكوتي بالعقل،.

و تاني مرة بالقلب؛ لما قلبي دَق في قربك و ليك، بقيت بتطمن في وجودك أنتَ و بس يا حسن، احساس غريب عليا مجربتوش قبل كدا، حسيت إن أنا مكاني أصلًا هو بيتك، و كانت تاني مرة أحبك فيها بقلبي،
تالت مرة بقى حبيتك بعيني، علشان بقيت بفرح لما بشوفك، بفرح لما ترجع من الشغل و بفرح لما ألاقيك جاي تقعد جنبي و بفرح لما بليل بنام على كتفك، طول ما عيني شايفاك كنت بفرح، يلا يا ابن المحظوظة ابسط بقى.

قالت جملتها الأخيرة بمرحٍ جعله يضحك عليها رغمًا عنه، فسألته هي بنفس المرح:
ها و أنتَ؟ حبيتني بقلبك و لا بعينك و لا عقلك و لا إيه حكايتك؟ قول متتكسفش أنا مراتك يا حسن، مش غريبة عنك
رد عليها يجاوبها بقوله الهاديء:.

أنا محبتكيش بولا حاجة من دول، لو هحبك بالعقل مسيره يجي يوم و ينسى، و لو بالقلب مسيره يجي يوم و يموت، و لو بالعين ممكن ييجي يوم و تزهق، أنا حبيتك بالروح يا هدير، الروح اللي بتفضل عايشة مبتموتش، الروح اللي لو حصل و راحت مني هتلاقيها مربوطة بروحك، تعرفي أني بقيت بطلب كل حاجة من الدنيا فيكي؟ لو بصلي و بدعي، بدعيلك أنتِ قبلي، طول عمري كنت بتمنى أدخل الجنة علشان الراحة موجودة فيها، أنا شوفت جزء من الجنة دي على الأرض هنا في وجودك و بقيت بدعي إن يجي يوم و يجمعني بيكي في جنته علشان أرتاح أكتر، حتى لو الرجالة ليهم حور العين، أنا هطلبك من ربنا في الجنة.

لمعت عينيها بفرحةٍ ظهرت على هيئة عبراتٍ تأثرًا من حديثه، فرفع كفه يمسح تلك الدموع ثم قال مُبتسمًا لها بهدوءٍ:
و أكتر حاجة بتزعلني هي دموعك، بلاش تعيطي، عيونك حلوين و الدمع مش لايق عليهم
ابتسمت باتساعٍ فوجدته يرفع ذراعه ثم احتضنها وهو يقبل قمة رأسها، و هي بقربه تشعر بمشاعر عديدة و كأنها لأول مرةٍ تعيش معه تلك اللحظة، ففي كل مرةٍ، تذوق معه طعمًا جديدًا للحياة.

في شقة ياسين دلفها هو أولًا و هي خلفه بعدما فتح هو الأضواء، و بمجرد دلوفها الشقة تفاجئت و اتسعتا حدقتيها بقوةٍ مما وقع بصره عليها، فابتسم هو بفخرٍ و هو يقول:
تصدقي أمي دي بتفهم؟ و الله يا بخت رياض بيها، ابن محظوظة
سألته هي بتيهٍ:
هو في إيه؟ مين اللي روق الشقة كدا؟ و مين اللي عمل كل دا؟
رد عليها هو بنبرةٍ ضاحكة بعدما أغلق الباب:.

كل الحكاية لما قولتلي الصبح إنك هتيجي الشقة هنا و إنك مُصممة، كنت هاخد أجازة و أجي أروقها علشان تيجي تقعدي في مكان نضيف و متتعبيش، كلمت رياض أقوله على أجازة ياخدهالي من الشغل و لما عرف السبب، بعت الست اللي بتساعد ماما في شغل البيت، و ماما جيت معاها، علشان التراب كان مالي الشقة
سألته هي مُسرعةً:
طب و مقولتليش ليه؟ كنت جيت ساعدتهم و لا حتى وقفت مع طنط بدل ما تبقى لوحدها.

رد عليها هو بعدما أجلسها على المقعد و جلس هو على ركبتيه أمامها:
هتيجي تعملي إيه يعني؟ هي بتروح لماما طول عمرها و ماما بتكون معاها، ماما أصلًا مكانتش عاوزة تدخل الشقة و محدش فينا هنا
قطبت جبينها و هي تسأله بتعجبٍ:
ليه يعني؟ مش دا بيت ابنها و بنتها و بيتها؟
رد عليها هو مُفسرًا:.

هي قالتلي إن الأصول بتقول مينفعش إنها تدخل بيت ابنها و هو مش فيه و لا مراته فيه، بس أنا أصريت عليها علشان الست أكيد مكانتش هتعرف تتعامل لوحدها هنا، هي كانت فكراكي هتزعلي إنها دخلت و أنتِ مش هنا
ردت عليه هي مُسرعةً ترفض حديثه:
لأ طبعًا يا ياسين، مش أنا اللي أفكر كدا خالص، دا بيتها و تيجي في أي وقت، و بعدين لو ماما كانت جت هنا كنت هتقول كدا؟
حرك رأسه نفيًا و هو يقول بتلهفٍ:.

لأ و الله خالص، دا بيتها و أنا قولتلك كدا، مش مهم بقى سيبك من كل دا، نورتي بيتك يا خديجة، نورتي بيتك و نورتي دنيتي من تاني، كدا أنا بقيت زي الفل رسمي
ابتسمت له و هي تقول بفرحةٍ:
و الله البيت هنا وحشني أوي و خصوصًا البلكونة و الشاي و قعدتنا فيها بليل، كل حاجة هنا وحشتني أوي يا ياسين، حتى أنتَ وحشتني، كنت كل ما أجي اقعد معاك العيال يجوا، يا أنام أنا على كتفك
ابتسم لها و هو يقول:.

طب يلا علشان تغيري هدومك و علشان تفردي رجلك، بقالها كتير على الأرض و كدا غلط، قومي يلا
حركت رأسها موافقةً ثم وقفت و هي تتمسك بكفه، بينما هو دلف بها الغرفة ثم أخرج لها ثيابها يضعها بجوارها و هو يبتسم لها، فتحدثت هي:
يلا برة بقى علشان أغير هدومي، هوينا يا ياسين
رد عليها يشاكسها:
ما يمكن تحتاجي مساعدتي، خليني هنا معاكي
ردت عليه هي بحنقٍ:
اطلع برة متعصبنيش، أمشي
خرج من الغرفة و هو يقول:.

براحتك بقى، بس لو ناديتي عليا مش هعبرك
سخرت منه و هي تقلد طريقته ثم شرعت في تبديل ملابسها، بينما هو جلس بجوار الغرفة مُنتظرًا استغاثتها به حتى تفاجأ بها تفتح الغرفة و هي تقول بحنقٍ:
إيه البيجامة القصيرة دي؟ الدولاب مليان هدوم و إيدك مجابتش غير دي؟
رد عليها هو مُسرعًا بضجرٍ:
ياختي اتوكسي دا أنتِ الجِبس واكل من رجلك حتة، اتنيلي اقعدي هنا لحد ما أغير هدومي و أجيلك.

رفعت كفها و قبل أن تمسه دلف هو الغرفة ثم أغلق الباب في وجهها، فتحدثت هي من خلف الباب تقول:
براحتك يا مهلبية، كدا كدا هتخرج يا ياسين
جلست على المقعد تنتظر خروجه، حتى فتح الباب و خرج لها بعدما ارتدى تي شيرت باللون الأسود و بنطال رياضي بنفس اللون، و هو يقول:
هتاكلي و لا تنامي و لا تتفرجي على التلفزيون؟ شوفي عاوزة إيه؟
ردت عليه هي بضجرٍ منه:.

هو أنتَ بتكلم بنت أختك؟ إيه الهطل دا؟ حط الأكل قدام التلفزيون علشان هعمل كل الأنشطة دي مع بعض، يلا
تحدث هو بضيقٍ منها:
أنتِ ست مُفترية و ظالمة، أقولك على حاجة؟ طز فيكي يا خديجة.

تحرك هو من أمامها بعدما رمقها بسخطٍ، فنظرت في أثره بتعجبٍ و هي تبتسم عليه، و بعد مرور ثوانٍ عاد لها يساندها حتى جلست على الأريكة و جلس هو بجوارها، و بعد تناولها الطعام شعرت بالتعب يصل مبلغه في جسدها و حينها حركت رأسها تُلقيها على كتفه و هي تقول بين اليقظة والنوم كعادتها منذ مرضها:
اقرألي القُرآن يلا يا ياسين.

حرك رأسه موافقًا ثم عدل وضعها حتى شملها بذراعيه ثم بدأ في تلاوة القرآن لها بصوتٍ هاديءٍ جعل الطمأنينة تسكن قلبها حتى غاصت في ثباتٍ عميقٍ و هو يطالعها بتمعنٍ و كفه يُمسد عليها.

في صباح اليوم التالي مُبكرًا و قبل أن يستيقظ البعض، كان وليد في عيادة الطبيبة النفسية بعدما طلب منها تحديد تلك الجلسة مُبكرًا حتى لا تعلم عبلة بموعدها و تتبعه، و على الرغم من تعجبها من الموعد و إصراره إلا أنها وافقت أخيرًا على استقباله في العيادة في ذلك الصباح، و بعدما دلف هو و جدها تنتظره في الداخل و هي تقول بتهكمٍ:
خير على الصبح؟ ياترى إيه اللي جابك في وقت زي دا؟ لسه قدامي ساعتين.

جلس مُقابلًا لها على المقعد ثم قال بهدوء:
أنا عاوز اتكلم معاكي ضروري، فيه حاجة كاتمة عليا يمكن لو خرجتها من جوايا هرتاح، حاجة عاوزها تختفي من دماغي
طالعته هي باهتمامٍ فوجدته يقول بصوتٍ مهتز:
مش أنتِ قولتي إن التراكمات اللي بنحوشها جوانا هي دي اللي بتتعنا! و قولتي كمان إن لازم نتخلص من كل حاجة مش قادرين نشيلها جوانا علشان طاقتنا بتخلص من غير ما نحس؟

حركت رأسها موافقةً و لازالت الحيرة كما هي على وجهها فوجدته يقول بترددٍ:
أنا بثق فيكي، و واثق إنك لا يمكن تأذيني، علشان كدا هقولك السر اللي مخليني بتعذب و بكره نفسي
ردت عليه هي بلهفةٍ بعد حديثه:
أي حاجة في يوم من الأيام كانت تعباك أو كانت سبب إنك تتعذب، لازم تخرجها من جواك، أنتَ لازم تفتح الصندوق اللي جواك علشان كتر قفلتك عليه هتخليه يصدي و فتحه بعد كدا يبقى صعب.

حرك رأسه موافقًا ثم قال بعدما ابتلع غصة مريرة في حلقه من تلك الذكرى السوداء التي حُفرت بعقله:
لما كنت مُدمن و تحديدًا الليلة اللي طلبت فيها العلاج، عبلة كانت هي السبب في كدا
ردت عليه هي بحيرةٍ:
طب ما أنا عارفة! ساعتها حبك هو اللي حركك علشان تطلب العلاج من شيء بشع زي دا
حرك رأسه نفيًا بالسلب و هو يقول:.

مش حُبي، خوفي، اللي محدش يعرفه غيري أنا و أنتِ تاني واحدة في الدنيا دي، هو إن دماغي وزتني على عبلة اليوم دا و ساعتها كل شيء بشع ممكن تتخيليه أنا شوفته قصاد عيني
اتسعتا حدقتيها بقوةٍ بعد حديثه، فوجدته يقول بصوتٍ ظهر به الآلم و الوجع الذي عاشه هو بتلك الفترة:
أنا ماكنتش واعي لنفسي ساعتها، بس لما دماغي وزتني كدا طلبت حد يلحقني من نفسي
سألته هي بحيرةٍ و تيهٍ:.

ثانية واحدة! يعني إيه مش فاهمة حاجة؟ دماغك وزتك إزاي؟
تنفس هو بحدة و كأنه النفس الأخير ثم قال مُفسرًا:
افهمي يا دكتورة! واحد مدمن مخدرات واخد حقنة و دماغه وزته على واحدة، يبقى إيه؟
شهقت هي بقوةٍ بينما هو أخفض رأسه خجلًا منها و في تلك اللحظة لعن نفسه و حظه و تسرعه على البوح بذلك السر.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *