التخطي إلى المحتوى

رواية هل الضربة قاضية الفصل الحادي والعشرون 21 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية البارت الحادي والعشرون

رواية هل الضربة قاضية الجزء الحادي والعشرون

هل الضربة قاضية

رواية هل الضربة قاضية الحلقة الحادية والعشرون

قطعت حبيبة الاتصال فوجم رياض قليلًا وكأنه قد تفاجأ من ردة فعلها ثم اتسعت ابتسامته، نظر ناحية إيهاب المتابع لحوارهما مومئًا بحاجبيه، فأجابه إيهاب: أيوة بتغيير عليك يا خروف!
فاتسعت عينا رياض وأسرع مستنكرًا: هو مين ده اللي خروف؟! مش شايف إن لسانك طول اليومين دول شويتين تلاتة!
فضحك إيهاب قائلًا: لا ده أنا كده من يومي بس إنت مش واخد بالك، وبطّل تتوه في المواضيع، بأه مش عجبك الخروف! عل أقل لما تعجبه نعجة بيروح على طول مش بيفضل يعند ويكابر زي ناس.
فرمقه رياض، فقال إيهاب متصنعًا البلاهة: مالك! هو حد جاب سيرتك؟!
فنهض رياض واقفًا باحثًا بعينيه عن النادلة ليدفع الحساب، فجاءته فنظر في ورقة الحساب، أخرج عدة ورقات نقدية من عملة الدولار و وضعها على الطاولة وأشار لإيهاب بضيق.
وزاد من ضيقه تلك الفتاة الشقراء التي تحوم حوله من كل اتجاه فقال لها بنظرة قاتمة وصاح بالإنجليزية: معذرةً أود الذهاب!
ثم قال بصوتٍ خافت: الله يخربيتك يا شيخة شبهتيني.
فضحك منه إيهاب فرمقه رياض مرة أخرى ثم غادرا المكان.
أما حبيبة فأغلقت الاتصال وبكت بشدة كأن لم تبكي من قبل، أخذت ترتفع شهقاتها وعويلها كأن عزيزٍ لها قد وافته المنية، لدرجة أن صوت بكاءها قد أيقظ الفتاتين قرينتيها الموجودتين معها في الغرفة.
فزعت زميلتيها واتجهتا نحوها تحاولان تهدئتها أو معرفة ما الخطب! لكنها لم تهدأ ولم تعرف أيٍ منهما ماذا جرى!
كانت حبيبة تسبُّ نفسها من داخلها، فهاهي لم تتعظ بعد ولا زالت تتبع هوى قلبها وهاهو يوقع بها متسببًا في وجعٍ وألمٍ شديد.
ماذا كنتِ تنتظري أيتها الحمقاء؟! افهمي ولو مرة واحدة في حياتك! إنه مجرد شاب يتعرف على الفتيات من أجل التسلية لا حب ولا زواج، وقد قالها مرارًا أمامك ولم يُخفي ذلك ولم ينكره، لكنك حمقاء وبكل بساطة سقطتِ في شباك هواه ولم تسمعي لأي إنذارت قد أطلقها عقلك ولا تحذيراته، خطوتي نحوه تقتربي بكل ما أُوتيتي من طاقة لكن بلا فائدة، لم يشعر بك ولن يشعر هو فقط يحب قضاء أوقات لطيفة مع الجنس الناعم، ولِمَ لا إن كان وسيمًا وتتهافت عليه الجميلات! و هاهو في مكانٍ يعرض الملذات المحرمة بمنتهى السهولة ولن يمنعه أحد بل لو حاول أحدهم لتعدّي عليه أن ذلك لا يعنيه.
يا لكِ من غبية! صرتِ تُشبهين الببغاء وتكررين نفس الكلام مرة بعد مرة بلا أي فهم ولا حتى مرور على العقل! قولي متى ستتعلمين وتفهمين؟! متى ستفكرين بعقلٍ ناضج؟! ماذا دهاكِ؟!
لقد كنتِ نموذج للقوة والمقاومة، كنتِ لا تخشي أحد ولا تكترثي لأحد، كان لديك مبدأً ثابتًا لا يتغير، لا أمان لأي رجل، أي رجل هو خائن! إياكِ والثقة في أحدهم! إياكِ واقتراب أيٍ منهم من حياتك! فجميعهم نفس الطينة لا فرق بين متعلّمٍ وجاهل ولا صاحب جاه أو معدم، كلهم واحد…
أين ذهبت مبادئك؟ كيف تخليتِ عنها؟!
كيف صرتِ بهذا الضعف وسمحتِ لقلبك بخروج صوتٍ له؟! فقد كان مجرد عضو يعمل كالآلة تنفذ الأوامر، ماذا جرى؟!
لقد أهدرتِ كرامتك بما يكفي، وأضعفتِ نفسك ولم يعد لديكِ سوى البكاء، البكاء فقط مثل الضعفاء والحمقى.
كانت تحدّث نفسها، و تعيد اسطوانات ذكراياتها الطويلة من جديد بكل مآسيها وآلامها لعلها ترتدع عما تقدم عليه، لعلها تعود لرشدها وتحطّم هذا القلب الذي لم تجني منه سوى التعاسة وآلامٍ مبرحة.
هيا عودي لرشدك، هيا رددي بداخلك أن كل الرجال أعداء، كل الرجال أوغاد، كل الرجال لا يصلحون لشيء لا زوج أو حبيب ولا حتى… ولا حتى أب.
أب!
لتبكي من جديد، هي لا تعرف أب ولا حتى كلمة أب أو كيف تُقال! ذلك الشخص الذي تركها طفلة صغيرة لا زال عودها أخضر، تركها وأمها وبمنتهى اللامبالاة قد رحل دون أن يفكر فيهما يومًا، يشتاق إليهما أو يفتقدهما ويقلق على مصيرهما، قد تجد الرجل يهمل زوجته …. لكن ماذا عن ابنته؟! قطعة منه! نفس الدم و نفس النسب! نفس العرق ونفس الأصل! كيف تركها؟ كيف فعل بها كل هذا؟ كيف هو سر عقدتها وشقاءها؟! لا تعرف كلمة أب ولم تعد بحاجة إليها.
ومن هو الأب؟ هو مجرد رجل، إذن هي على صواب.
إذن لماذا تبكين؟! هيا انهضي وكفي عن بكاءك !
هيا انهضي وتدرّبي وحققي أحلامك!
هيا انهضي فلا سند لكِ إلا نفسك!
لكن رغم كل ذلك الحوار لم تتحرك ولم تكف عن ذلك النحيب بل ازداد وازداد حتى ملّ منها الجميع وتركوها لتقضي ليلتها وحيدة مع أحزانها وأسوأ ذكرياتها ربما تعود لرشدها و يعود قلبها صخرة.
أما رياض فقد عاد إلى الفندق بصحبة بن عمه إيهاب الذي لم يتوقف ولا لحظة عن ثرثراته ومزحاته التي لا تنتهي، لكن رياض كان في عالمٍ آخر، كان يستعيد كل كلمة قالتها حبيبة بل وكيف قالتها وكيف شعر بها!
إذن فإيهاب محق هي تحبني وتغار عليّ وقذفت بنيران غيرتها وغضبها عليّ وأنا لا زلت كالأحمق المغيّب! لكني لست بأحمق أنا أشعر بها وكل كلمة تقولها تلمس قلبي وكل حواسي، لكن لماذا أرواغ؟!
لماذا لا أصدق وأعترف؟ أعترف أني أحبها!
أجل أحبها! ماذا عن سعادتي عندما أراها أو بمجرد سماع اسمها؟ ماذا عن طيفها الذي يطاردني في صحوي ومنامي منذ أول يوم قد رأيتها فيه؟
ماذا عن إحساسي الجارف نحوها بمجرد وقوع عيني عليها؟ ماذا عن أشواقي وشعوري بافتقادها بمجرد غيابها عني؟ ماذا عن حزني العميق بمجرد رؤيتها حزينة، تتوجع أو حتى يؤرقها أي شيء؟
كل هذا ليس مجرد شهامة ولا موقفًا رجوليًّا، كل هذا لا يعني إلا شيء واحد… أنت تحبها يا رياض وبأعمق وأشد مما تتخيل ومهما بحثت عن كلمات لتصف شعورك هذا فلن تجد على الإطلاق.
هكذا هو الآخر يحدث نفسه!
مرت تلك الليلة أخيرًا وأصبح صباح جديد، بداية يوم جديد يُنتظر قدوم السعادة والفرحة معه، لكن مع الأسف أصبحت حبيبة مريضة كأشد ما يكون، لقد أصيبت بحمى شديدة بلا سببٍ طبي، مؤكد هو من شدة حزنها وحسرتها على نفسها، لكنها بالطبع لم تنطق فتحيّر الطبيب الذي يفحصها فلم يفلح في إيجاد تشخيص لحالتها، واكتفى بإعطاءها مجرد مسكنات ومخفضات للحرارة ومضاد إلتهابات.
كانت حبيبة طريحة الفراش تهاجمها تلك الحمى اللعينة، تفتك بجسدها وعظامها فلا تقوى على الحركة ولا تجد أي شهية لتناول أي شيء، حتى لم تكن ترغب بالحديث مع أحد، ولا حتى مع هاجر التي قد اتصلت مرارًا بلا فائدة حتى أخبرتها إحداهن بمرض حبيبة الشديد فحزنت هاجر بشدة وازداد قلقها هي ونادية على حبيبة، وكان تعجّب هاجر في كون حبيبة قلّما تمرض، تُرى ماذا أصابها! وقد صار الأمر لغزًا كبيرًا!
منذ ذلك اليوم افتقد رياض أي اتصال بحبيبة، وانتظر يومًا بعد يوم حتى علم بمرض حبيبة الشديد من أمه فحزن حزنًا شديدًا، فقد تأكد أنه أُس هذا البلاء وهاهي صارت مريضة طريحة الفراش.
قد أوهنت الحمى جسد حبيبة بشدة خاصةً مع انعدام الغذاء بشكل جيد فلم تكن تتناول سوى بضع لقيمات وبعد إلحاحٍ شديد.
بالطبع لم تتدرب حبيبة منذ ذلك اليوم وها هو اقترب لقاء النهائيات، حلمها، لكن لا يمكن لها الانسحاب فلتخوض التجربة كتحصيل حاصل ليس إلا، فلا شيء بيدها.
وجاء يوم المباراة النهائية، كانت حبيبة هذا اليوم أفضل من الأيام السابقة لكنها ليست أفضل بل ليست حبيبة التي يعرفها الجميع.
بدت حبيبة أكثر شحوبًا، فوجهها مائل للصفرة بشكلٍ كبير، عيناها غائرتين للداخل قليلًا وقد ظهر عليها فقدانها لوزنها، بدت بلا ملامح، فلا يمكن أن تدرك حالها الآن حزينة أم سعيدة، غاضبة أم متبلدة، خائفة أم متوترة!
دخلت حبيبة مع أفراد فريقها يحملون العلم المصري ثم وقفوا وعُزفت موسيقى السلام الجمهوري بعد موسيقى السلام الجمهوري لدولة اللاعبة خصمتها.
صعدت حبيبة بزيها الأحمر الشورت وفانلة ذات حمالات عريضة منقوشًا عليه رسمة صغيرة للعلم المصري، و نقش آخر للعلم عند حافة الشورت من الخصر وهاهي ترتدي خوذتها وتضع تلك القطعة المطاطية التي تعض عليها بأسنانها لتحمي الأسنان من الإصابة أثناء المباراة، وبدأت تعفّر يديها بمسحوق البودرة البيضاء ثم ربطت رسغيها كما المعتاد ثم ارتدت قفازيها وصارت على أتم استعداد.
بدأت المباراة وبدأت الجولة الأولى بدت حبيبة فيها أقل اتزانًا من طبيعتها فاستطاعت اللاعبة خصمتها الحصول على نقاط وانتهت دقائق الجولة الأولى.. وهاهي دقيقة الاستراحة وبدا على حبيبة الإنهاك.
وها هي الجولة الثانية والتي لم تختلف كثيرًا عن الجولة الأولى وصار الوضع ينذر بخسارة فادحة لحبيبة… وانتهت الجولة الثانية ولا زالت بلا ملامح أو تعبير، لكنها لمحت وجه مدربها وملامحه المستاءة والمتحسرة فقد كان يبني آماله عليها، ثم رفعت بعينيها مبتلعة الماء الذي تشربه، نظرت إلى جمهور الجالية المصرية الذي يشجعها وهاهي ستحطم آمالهم وتخيّب رجاءهم جميعًا.
تُرى ماذنب كل هؤلاء أن يشجعوا فتاة حمقاء تلقي بنفسها في تهلكة العشق؟! ماذا يا حبيبة هل ستخيّبي رجاءهم وتفقدي حلمك قبلهم؟!
هيا إنها لحظات الحسم!
نهضت من جديد واقتحمت الجولة الثالثة بنظرة قاتمة سددت لكمات متتالية تفاجأت بها خصمتها، في الحقيقة هي لم تكن ترى خصمتها في تلك الدقائق، هي فقط ترى وجهه، وجه رياض وهاهي تخرج كل طاقتها وتنفث عن كل غضبها الثائر داخلها.
ومع بداية الجولة الرابعة والأخيرة صارت خصيمتها فجأة هي المنهكة والتي لم تصدق كيف وصل بها الحال هكذا وهي خصمة قوية لها قدرات ومهارة لا يُستهان بها.
لكن قد تابعت حبيبة تنفيسها عن ثورتها المدفونة وظلت تلكم خصمتها المزيد من اللكمات، بل تلكم رياض سبب وجعها وإحباطها، ودت لو كان لأبيها صورة في خيالها لتضعها أمامها الآن وتصوّب عليها، لكنها ترسم اسم ذلك الأب في خيالها وتصوب عليه، ذلك الاسم الذي لم تحب يومًا أن تذكره إلا في أمورٍ مشددة وتذكر حتى كم كانت متضررة عندما كانت تكتب اسمه ملاصقًا لاسمها في وقت الإمتحانات وتعبئة الأوراق الرسمية، فهي لا تراه أبًا من الأساس!
وقبل نهاية الدقيقة الثالثة في الجولة الأخيرة كانت قد تمددت خصمتها أرضًا لا تقوى على الاستمرار إطلاقًا في ضربة قاضية تقنية قد سددتها حبيبة لها، وهاهو الحكم يبدأ العد التنازلي وهي تقف شاخصة ببصرها على تلك اللاعبة الممدة تتألم بينما حبيبة تلهث وتنصت إلى عد الحكم: عشرة! تسعة! ثمانية! سبعة! ستة! خمسة! أربعة! ثلاثة، اثنان، واحد…
و صوت صفارة الحكم معلنة فوز اللاعبة المصرية على قرينتها الأوربية وهو ممسكًا بيدها رافعها لأعلى ولا زال وجهها لا يحمل سوى ابتسامة باهتة.
ثم انحنت تساعد تلك اللاعبة على النهوض ثم تعانقتا وتصافحتا بروحٍ رياضية…
و لكن فجأة…
***

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هل الضربة قاضية)

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *