التخطي إلى المحتوى

                                  

بسم الله الرحمن الرحيم 

ان شاء الله الفصل دا هدية لمحبي الرواية و اللي بيفرحوني دايما بآرائهم و توقعاتهم 

المرادي مفيش تطور اوي في الأحداث لكن في حالة رومانسية جديدة بين أدهم الجديد و ألارا… حالة جميلة هتستمتعوا بيها جدا 

أنا شخصيا استمتعت بكتابتها و كأني كنت معاهم 

اسيبكم مع قراءة ممتعة 

+

قام أدهم بالاتصال بنديم في محاولة للتقرب منه أكثر و بناء جسر من الثقة معه.. 

اقترح عليه أن يقوم بجولة مع الارا في أحد المعارض الفنية بحجة عدم استكشافها للجمال المصري بعد عودتها من تركيا .. 

رغم فهم نديم لمحاولات تقربه من الارا إلا أنه وافق ربما يفهم اغوار ذلك الأدهم يوما ما… 

+

كان المساء يلف المكان بهدوء يليق بمعرض فني يزخر بجمال كلاسيكي ونبض حديث. وقف أدهم خارج الباب الزجاجي، مرتديًا بذلة بسيطة أنيقة، يعكس مظهره مزيجًا من الثقة والرغبة في التعمق. حين وصلت ألارا، بابتسامتها الحذرة وملابسها التي جمعت بين البساطة والرقي، لم يتمكن من كبح شعور مألوف بالانجذاب، كأنها تحمل قطعة مفقودة من أحجية قديمة.

+

دخلا المعرض معًا، واللوحات تحيط بهما وكأنها شهود صامتة على حديث يدور على مستويات عدة. أدهم، بنظرته التي تزن التفاصيل، بدأ يتحدث عن الفن، لكنه كان يختبر ردود فعل ألارا، يبحث عن لمحة غير مقصودة، عن تلميح لحقيقة يريد كشفها.

+

أدهم (يشير إلى لوحة لرجل واقف وسط بحر من الألوان الداكنة):

“شايفة اللوحة دي؟ حسيتها بتتكلم عن حد كان تايه في الضلمة، وفجأة شاف نور بعيد.”

+

ألارا (تنظر بتأمل، تضع يدها تحت ذقنها):

“يمكن… بس ساعات النور ده ما يكونش حقيقي. مجرد وهم.”

+

أدهم (بنبرة دافئة):

“ولو الوهم ده قادك لحاجة حقيقية؟ ساعات الوهم بيكون بداية الطريق.”

+

ألارا (تتنهد):

“ممكن… بس في ناس ما بتعرفش تمشي في الطريق، حتى لو لقوا النور.”

+

وقفا للحظة أمام لوحة تظهر امرأة تقف في مهب الريح، شعرها يتطاير وعيناها مليئتان بالحيرة. تأمل أدهم تفاصيلها، ثم قال:

+

أدهم (مبتسمًا بخفة):

“اللوحة دي فكرتني بموقف شفته في حياتي… حد كان قدام تحدي كبير، وقرر يواجهه.”

+

ألارا (تستدير إليه):

“والموقف ده انتهى بإيه؟”

+

أدهم (ينظر إليها مباشرة):

“ما خلصش لسه.”

+

شعرت ألارا بثقل كلماته، وكأنها تحمل رسالة خفية، لكنها حاولت الهروب من هذا العمق. انتقلت بخطوات هادئة إلى ركن آخر من المعرض، لكنها شعرت بأدهم يتبعها بخطواته الثابتة.

+

ألارا (بلهجة مازحة لتخفيف الجو):

“إنت دايمًا كده؟ بتحلل كل حاجة قدامك؟”

+

أدهم (يضحك):

“مش كل حاجة… بس الحاجات اللي تستاهل.”

                

ابتسمت، لكنها شعرت بشيء يشتعل داخلها. كان حديثه يحمل أبعادًا لم تكن تريد مواجهتها، وكأنها أمام مرآة تعكس مشاعرها المختلطة. 

وبينما وقفا أمام منحوتة لرجل يحمل طفلًا صغيرًا، نظر إليها أدهم مرة أخرى، لكن هذه المرة بنظرة أكثر جدية.

+

أدهم (بصوت منخفض):

“عارفة، أحيانًا القدر بيخلينا نعيد اكتشاف حاجات كنا فاكرين إنها ضاعت للأبد.”

+

ألارا (ترد بخفوت):

“بس المشكلة لما تكون الحاجة دي مش ليك من الأول.”

+

نظر إليها مطولًا، لكنها حولت نظرها بعيدًا، وكأنها تهرب من مواجهة ما بداخلها. قررت أن تنهي الحديث بلباقة.

+

ألارا (تبتسم بلطف):

“شكراً على الدعوة، المعرض جميل. بس لازم أمشي دلوقتي.”

+

ابتعدت بخطوات واثقة، لكنها كانت تشعر بثقل نظراته تطاردها حتى خرجت من الباب.

+

بينما كانت ألارا تغادر المعرض، خطواتها مترددة وكأنها تراجع قرارها في الابتعاد، لاحظ أدهم ذلك ولم يتمكن من تركها ترحل دون أن يحاول استغلال اللحظة أكثر. أسرع بخطواته خلفها، وصوته الخافت يقطع المسافة بينهما:

+

أدهم (بنبرة ودودة):

“استني، إزاي هتمشي كده لوحدك؟ لازم أوصلك.”

+

ألارا (تلتفت مبتسمة بارتباك):

“مفيش داعي… البيت قريب.”

+

أدهم (بثقة):

“أقرب بالعربية… يلا، مش هناقش في دي.”

+

بعد تردد بسيط، وافقت ألارا على مرافقته. ركبت السيارة، وكانت أجواءها هادئة ومريحة، لكن الصمت بينهما كان مشحونًا بتوتر خفي.

+

أدهم (وهو ينظر إليها سريعًا):

“إيه أكتر حاجة عجبتك في المعرض؟”

+

ألارا (تفكر للحظة):

“اللوحة بتاعة البنت اللي في العاصفة… حاسة إنها كانت بتحارب لوحدها، بس عندها أمل.”

+

أدهم (يبتسم):

“غريب… دي أكتر لوحة أنا وقفت عندها برضه.”

+

تلاقت عيونهما للحظة قصيرة، لكنها كانت كافية ليشعر كل منهما بترابط غير منطوق.

+

أدهم (بابتسامة مازحة):

“بما إننا بنتفق على الفن، أعتقد إنك محتاجة دروس ركوب خيل أكتر، علشان نتفق على حاجة تانية.”

+

ألارا (تضحك بخفة):

“دروسك صعبة قوي، بس موافقة… المهم متأخرش عليا زي المرة اللي فاتت.”

+

أدهم (بجدية مخلوطة بمرح):

“الوعد وعد… بس المرة الجاية ما فيش اعتذارات منك لو وقعت.”

+

وصلت السيارة إلى وجهتها، لكنها لم تغادر على الفور. استدارت نحو أدهم وقالت بصوت خافت:

+

ألارا:

“شكرًا على الليلة دي… كانت مختلفة.”

+

أدهم (بصوت عميق):

“كل ليلة معاكي لازم تكون مختل

          

                

غادرت ألارا السيارة أخيرًا، لكن خطواتها كانت أبطأ، وكأنها لا تريد إنهاء اللحظة. ظل أدهم ينظر إليها حتى اختفت خلف باب منزلها، ثم استند برأسه إلى المقعد، وهو يتأمل في اللقاءات القادمة التي ستجمع بينهما.

+

+

كانت ليلة شتوية هادئة، صوت المطر بالخارج ينساب برقة، فيما كانت تيسير جالسة في غرفة المعيشة، تقلب صفحات ألبوم صور قديم. عيناها تتأملان ذكريات الماضي بحنين ممزوج بألم خفي. 

فجأة، فتح الباب، ودخل أدهم بخطواته الثقيلة، ملابسه مبللة قليلاً من المطر، ووجهه يحمل آثار إرهاق واضح.

+

توقفت تيسير عن تقليب الألبوم، رفعت عينيها نحو ابنها الذي بدا وكأن شيئًا كبيرًا يثقل على عاتقه.

+

تيسير (بهدوء قلق):

“أدهم، تأخرت تاني؟ إيه الحكاية يا ابني؟”

+

أدهم (ينزع معطفه ويضعه على كرسي قريب):

“مفيش يا أمي، شوية شغل.”

+

تيسير (بنبرة أكثر جدية):

“شغل إيه اللي بيخليك تفضل برة لآخر الليل؟ بقالي أسبوع مش بشوفك إلا لمحة… إيه اللي وراك؟”

+

أدهم توقف عن الحركة، وكأن كلماتها أصابته في مقتل. حاول أن يظهر هادئًا، لكنه كان يعلم أن أمه ترى ما خلف كلماته.

+

أدهم (بتردد):

“بقولك شغل، إيه اللي مخليكي فاكرة إن في حاجة تانية؟”

+

تيسير (تضع الألبوم جانبًا وتقترب منه):

“أنا أمك يا أدهم، وعارفة كل حاجة عنك. مش محتاجة تفسير علشان أفهم إنك بتدور على حاجة شبه اللي فقدتها. بس يا ابني… ندى راحت، ومهما شفت حد يشبهها، ده مش هيعيد اللي كان.”

+

رفع أدهم عينيه نحوها، تلك الكلمات كانت بمثابة سهم أصاب ألمه الداخلي. لكنه أبى أن يُظهر ضعفًا.

+

أدهم (يحاول تهدئة الأمور):

” يا أمي اللي بتقوليه غلط… أنا مش بدور على ندى، أنا بس… بحاول أكتشف الحقيقة.”

+

تيسير (تضع يدها على كتفه):

“حقيقة إيه؟ مش كل حاجة محتاجة تكتشفها يا أدهم. أحيانًا الحقيقة بتكون وجع، والوجع ده مش هيفيدك في حاجة.”

+

أدهم (بهدوء وصرامة):

“لو كانت الحقيقة قريبة مني، مستحيل أسيبها تضيع… أنا مش متهور، بس عندي حق إني أعرف.”

+

تيسير جلست على الأريكة بهدوء، نظراتها مليئة بحزن عميق. 

تيسير:

“أنا عارفة إن قلبك مشغول، وإنك شايف أمل في كل خطوة بتاخدها، لكن اسمعني كويس… لو الطريق اللي ماشي فيه ده هيرجعك للوجع، فكر مرتين.”

+

أدهم (يجلس بجانبها):

“مش هعرف أرتاح إلا لما أعرف الحقيقة كاملة… وعد مني، لو حسيت إن ده هيكسرني… هرجع لك فورًا.”

+

تيسير (بصوت مرتجف):

“ربنا يهديك يا ابني. مش عايزاك تروح بعيد وتنسى نفسك.”

بعد لحظة صمت طويلة، نهض أدهم وابتسم لأمه ابتسامة خفيفة، ثم غادر إلى غرفته. 

تيسير ظلت جالسة، تنظر إلى الألبوم مرة أخرى، عيناها تحملان خوفًا عميقًا على ابنها الذي كانت تعلم أنه يسير نحو طريق محفوف بالمخاطر، لكنه لن يستمع إلا لصوت قلبه.

+

        

          

                

انتهت ريم من عمل يوم شاق.. و قبل ان توقف تاكسي للعودة الى المنزل، فضلت ان تسترخي قليلا في احد الكافيهات القريبة من المشفى.. 

+

كان المقهى هادئًا في ذلك الوقت من النهار، أضواؤه الخافتة تنسجم مع رائحة القهوة الدافئة التي تملأ المكان. 

معتصم جلس في زاوية قريبة من النافذة، عيناه تراقبان المطر الذي ينساب على الزجاج بخطوط غير منتظمة. في يده كوب قهوة لم يمسسه، وفي عينيه نظرة شاردة، وكأن عقله بعيد عن كل ما حوله.

+

لم يرفع رأسه حتى سمع صوت الباب يفتح وصوت خطوات تتردد على الأرضية الخشبية. دخلت ريم بخطوات مترددة، تتلفت حولها وكأنها تبحث عن شيء ما. 

التقت عيناهما للحظة. نظرة قصيرة، لكنها أثارت داخله الكثير من المشاعر المخبأة. حاول أن يبدو غير متفاجئ، بينما شعرت هي بعدم ارتياح مفاجئ.

+

ريم اتجهت إلى الكاونتر، طلبت قهوتها بصوت خافت، ثم توجهت إلى طاولة بعيدة عن معتصم. لكنه، بعد لحظات من التردد، قرر أن يكسر الصمت بينهما.

+

معتصم (بصوت هادئ):

“ريم؟ صدفة غريبة.”

+

ريم (تنظر إليه بحذر):

“فعلاً، غريبة.”

أخذت نفسًا عميقًا وجلست على الطاولة التي أشار إليها، لكنها أبقت حقيبتها على كتفها، وكأنها تستعد للمغادرة في أي لحظة.

+

جلسا في صمت لبضع لحظات. ريم كانت تشعر بالتوتر، وكأن كل كلمة منه قد تفتح أبوابًا لا ترغب بفتحها. أما معتصم، فكان يحاول أن يبدو واثقًا، لكنه كان يراقب ملامحها بدقة، يحاول فهم ما يخبئه هذا الوجه الهادئ.

+

معتصم (يبتسم بحذر):

“ما توقعتش إني ممكن أشوفك هنا.”

+

ريم (بصوت ثابت):

“أنا برضو.”

نظرت إلى قهوتها، تتجنب عينيه.

+

معتصم:

“إزايك؟ أخبارك إيه؟”

+

ريم:

“الحمد لله، كله تمام.”

ثم نظرت إليه مباشرة، وأضافت بنبرة محايدة: “وإنت؟”

+

معتصم (يحرك كوبه دون أن ينظر إليها):

“كويس… بحاول.”

+

ريم شعرت أن كلماته تحمل أكثر مما يقول. أرادت أن تبني جدارًا عاليًا بينهما، خاصة بعد تجربتها الأخيرة التي علمتها أن الحواجز ضرورية.

+

ريم (بجدية):

“زمان خلص يا معتصم… مفيش حاجة ممكن ترجع زي الأول.”

+

معتصم (يرفع عينيه نحوها):

“وأنا مش بحاول أرجع حاجة.”

ثم أضاف بنبرة أهدأ: “أنا بس بحاول أكون طبيعي… صدفة زي دي، صعب نتجاهلها.”

+

ريم شعرت أن كلماته تقرع أبوابًا مغلقة داخلها. لكنها لم ترغب في السماح له بالاقتراب أكثر.

+

ريم (ببرود):

“أنا مش محتاجة أفتح أي أبواب مقفولة، ولا حتى أدور على إجابات.”

+

معتصم (ينظر إليها بصمت للحظة):

“وأنا مش هدور على أسئلة… لكن أوقات، الدنيا هي اللي بتقرر تاخدك لحاجة… مش إنت.”

+

        

          

                

شعرت ريم بثقل كلماته، لكنها حافظت على برودها. أنهت قهوتها بسرعة، وأخذت حقيبتها وهي تقف.

+

ريم:

“مش هطول… صدفة كانت غير متوقعة فعلاً “

+

معتصم (بنبرة حاول أن يجعلها خفيفة):

“يمكن الصدف دي تتكرر.”

+

ريم (تبتسم بخفة، لكن عيناها تحملان معنى آخر):

“ما أظنش.”

غادرت ريم المكان بخطوات سريعة، تاركة معتصم في مواجهة صمته مرة أخرى. لم يكن اللقاء عابرًا بالنسبة له، بينما كانت هي مصممة على جعله كذلك.

+

عادت ريم إلى منزلها متأخرة بعض الشيء. خلعت معطفها ووضعته على الكرسي القريب، ثم جلست على الأريكة في غرفة المعيشة. 

كانت الغرفة مظلمة إلا من ضوء خافت ينبعث من المصباح الجانبي. أخذت نفسًا عميقًا وهي تتذكر اللقاء القصير الذي جمعها بمعتصم. 

رغم قصر اللحظات، إلا أن كلماته ونظراته أعادت لها مشاعر كانت تظن أنها قد انتهت تمامًا.

+

انتابها شعور غريب، خليط من الندم والخوف والحنين. لم تكن تريد أن تعيد فتح أبواب أغلقتها بإحكام بعد طلاقها من خالد. 

في داخلها، كانت تدرك أن تكرار أخطاء الماضي هو ما تخشاه أكثر من أي شيء آخر.

+

بينما كانت غارقة في أفكارها، سمعت صوت خطوات خفيفة. التفتت لترى تيسير تقف عند الباب، ملامحها تحمل قلقًا واهتمامًا واضحًا.

+

تيسير (بنبرة هادئة):

“مالك يا ريم؟ رجعتي متأخرة والظاهر في حاجة شغلاكي.”

+

ريم (تحاول التهرب):

“مفيش يا ماما، كنت برة وبس… شوية شغل اتأخرت فيهم.”

+

تقدمت تيسير وجلست بجانبها، ثم وضعت يدها على كتفها برفق.

+

تيسير (بنبرة أمومية مشفقة):

“شغل إيه اللي يخليكي ترجعي بالشكل ده؟ أنا شايفة إنك مش مركزة خالص… في حاجة مزعلاكي؟”

+

ريم (تتنهد):

“لا، مفيش حاجة… يمكن بس تعبت شوية.”

+

نظرت إليها تيسير طويلاً قبل أن تقول:

تيسير:

“ريم، أنا عارفة إنك بتحاولي تبيني قوية ومش فارق معاكي، بس الوحدة بتكسر القلب مهما حاولتي تتجاهليها… وإنتي من ساعة اللي حصل، وأنا شايفة إنك بتبعدي عن الكل… الدنيا مش دايمًا ظالمة زي ما إحنا فاكرين.”

+

ريم (بصوت خافت):

“أنا مش ببعد يا ماما… أنا بس بحاول أحمي نفسي.”

+

تيسير:

“عارفة يا حبيبتي، بس الحماية الزايدة بتتحول لسجن… شوفي نفسك، حتى لما بتحاولي تبتسمي، عينك بتقول عكس كده.”

+

ريم شعرت بصدق كلمات تيسير… لم تكن تريد الاعتراف، لكنها تعلم أن والدتها على حق… محاولة بناء جدران عالية بينها وبين الآخرين جعلتها وحيدة أكثر مما يجب.

+

ريم (بعد لحظة من الصمت):

“أنا مش عايزة أعيش اللي فات يا ماما، مش عايزة أكرر نفس الغلط.”

تيسير:

“ومين قال إنك هتكرريه؟ مش كل الناس زي بعض.. بس إنتي محتاجة تفتحي باب صغير على الأقل، يمكن الحياة تلاقي طريقها ليكي.”

تيسير تركتها لتفكر في كلماتها، بينما استمرت ريم في الجلوس وحدها. اللقاء مع معتصم، وكلمات والدتها، كلاهما كانا كافيين لزرع بذور أفكار جديدة داخلها. لكنها لم تكن واثقة بعد إن كانت مستعدة للسماح لتلك البذور بالنمو.

+

        

          

                

أخبرت الارا والدها بدعوة أدهم لها لاستكمال دروس ركوب الخيل فوافقها بلا تردد حين لمح في عينيها سعادة لم يراها من قبل… 

اخبرته بان يبقى هذا اللقاء سرا بينهما، فان علم مروان حتما لن يتردد في افساد لقائها به.. 

+

كانت السماء صافية، والشمس تلقي دفئها على الحقول الخضراء. وقفت ألارا بجوار الحصان “نسيم”، تنظر إلى أدهم بابتسامة خجولة، بينما هو يتفحصها بنظرات هادئة تخفي خلفها عاصفة مشاعر لا تهدأ.

+

ــ “كنت فاكرة إن المرة اللي فاتت هتكون الأخيرة في دروس ركوب الخيل.” قالت ألارا وهي تحاول ربط الحزام على الحصان، لكن يدها المرتبكة أفشلت محاولتها.

+

اقترب أدهم بخطوات واثقة، أمسك بيديها برفق، و وجهها بلطف:

ــ “مش كفاية تتعلمي مرة واحدة… لازم تكرري المحاولة علشان تثبتي الخطوة… وأنا قلت لنفسي، ليه ما أديكيش فرصة تانية مع نسيم؟”

+

شعرت ألارا بحرارة يديه على يديها، فارتبكت قليلاً وحاولت التراجع، لكنه ظل ممسكًا بها، يوجّهها بتأنٍ، وكأنها ملكه.

+

ــ “ما تخافيش. ركوب الخيل مش بس حركة… لازم تحسي بالخيل… خليه يحس إنك واثقة.”

+

نظرت إليه وهي تهمس:

ــ “واثقة، بس أنت اللي مش مديني فرصة أتحرك لوحدي.”

+

ضحك أدهم، ابتعد خطوة صغيرة ليتيح لها الفرصة، لكنه بقي قريبًا بما يكفي ليشعر بأنفاسها.

+

بعد دقائق من التدريب، طلب منها الصعود على ظهر الحصان. كان يساعدها بحذر، لكن يديه امتدت أكثر مما يجب، وكأنهما تستندان على ذكريات قديمة.

+

ــ “متقلقيش، أنا هنا… لو حسيتي بأي خوف، أنا جنبك.”

+

بينما كانت تركب الحصان، شعر أدهم بشيء غريب يسيطر عليه. نظر إليها وهي تضحك بسعادة طفولية، وكأنها نسيت العالم بأكمله. لمح خصلات شعرها تتطاير مع الرياح، فاستدار قليلاً ليخفي ارتباكه.

+

ــ “عارفة، لما بشوفك كده، بحس إني…” صمت لثوانٍ قبل أن يكمل بصوت أكثر دفئًا:

ــ “بحس إني شايف حد أعرفه من زمان.”

+

ألقت عليه نظرة جانبية، وقالت مازحة:

ــ “ده غالبًا لأنك شفتني في الحلم.”

+

ابتسم ابتسامة شابتها بعض الحيرة، وأردف:

ــ “يمكن. أو يمكن لأني… مش عارف، بس وجودك مريح.”

+

في لحظة خاطفة، فقدت ألارا توازنها على الحصان، فاندفع أدهم للإمساك بها، احتضنها بقوة لتجنب سقوطها.

+

ــ “قولتلك متخافيش! أنا جنبك”

+

نظرت إليه مندهشة، وكانت ملامحها قريبة جدًا من وجهه، وكأن الزمن توقف للحظة. ارتبكت، وابتعدت عنه قليلاً:

ــ “شكراً… يمكن كفاية ركوب خيل النهارده.”

+

أومأ برأسه، لكنه بقي يراقبها بينما تمشي بجوار الحصان. كان عقله يصرخ باسم ندى، بينما قلبه يحاول احتواء ألارا.

+

        

          

                

لم تستطع انهاء اللقاء بهذه السرعة فتراجعت لتركبه مجددا.. 

بعدما انتهت ألارا من ركوب الخيل، نزلت ببطء عن “نسيم”، مستندةً على يد أدهم دون أن تدرك أنها تمسك يده أكثر مما هو ضروري. 

كانت أنفاسها متسارعة، مزيج من التعب والحماس، بينما ابتسامتها تعكس ارتياحها العميق.

+

أشار أدهم إلى مقعد خشبي تحت شجرة ظليلة:

ــ “تعالي نرتاح شوية، واضح إنك تعبتي.”

+

جلست ألارا وهي تحاول ترتيب شعرها الذي تفلت من ذيل الحصان بفعل الرياح:

ــ “متوقعتش إني هقدر أكمّل الجولة كلها… بس نسيم ده بجد رائع.”

+

جلس أدهم بجانبها، لكن بتأنٍ، وكأنه يحاول الحفاظ على مسافة، بينما كان في الحقيقة يعجز عن مقاومة رغبة الاقتراب منها. مد يده ليزيل قليلاً من الغبار عن كتفها، لكنها استدارت فجأة، لتلتقي عيناها بعينيه مباشرةً.

+

شعرت ألارا بارتباك بسيط، لكنها أخفت ذلك بابتسامة صغيرة:

ــ “إيه؟ في حاجة؟”

+

أدهم تنهد، محاولاً أن يبدو طبيعيًا:

ــ “كنتي فعلاً شجاعة النهارده… ما توقعتش إنك هتتعلمي بسرعة كده.”

+

ضحكت ألارا بخفة:

ــ “ده بفضل معلمي، شكلك شاطر مش بس في شغلك.”

+

صمت للحظة، وكأن أدهم يبحث عن الكلمات المناسبة. ثم قال بصوت منخفض، أقرب إلى نفسه منه إليها:

ــ “عارفة… ساعات بحس إنك… مش مجرد حد قابلته صدفة… كأنك… جزء من حياتي من زمان.”

+

نظرت إليه بتعجب، لكنها شعرت بشيء في داخله يجذبها. قالت بابتسامة خجولة:

ــ “ده شعور متبادل… حتى أنا ساعات بحس كده.”

+

اقترب قليلاً دون أن يدرك، صوته يحمل مزيجًا من الجرأة والحذر:

ــ “ممكن أكون بس بحاول أملا فراغ كبير جوايا، بس في وجودك… الحكاية بتكون مختلفة.”

+

شعرت ألارا بتسارع نبضاتها، لكنها اختارت أن تغير الموضوع لتخفيف التوتر:

ــ “طب هتعلمني أكتر عن ركوب الخيل ولا لأ؟ ولا هفضل مبتدئة كده؟”

+

ابتسم أدهم ابتسامة عريضة، محاولًا العودة إلى أجواء خفيفة:

ــ “أكيد هتتعلمي… بس بشرط، لازم تبقي دايمًا مستعدة للجولات الطويلة.”

+

نهضت وهي تمسك بيديها جوانب معطفها، ثم نظرت إليه بابتسامة تحدٍ:

ــ “مستعدة… بس المرة الجاية هتتعبني أكتر.”

+

وقف ليعيد الحصان إلى الإسطبل، لكنها بقيت مكانها للحظة، تتأمل ظهره وهو يبتعد. همست لنفسها:

ــ “إيه اللي بيحصل لي؟ ليه بحس بالأمان معاه بالطريقة دي؟”

+

أما أدهم، وهو يعيد “نسيم” إلى مكانه، فكان ذهنه عالقًا في كلماتها ونظراتها. كان قلبه يخفق بإيقاع لم يعهده منذ سنوات، وكأن روحه وجدت شيئًا كانت تفتقده دون أن تدري.

+

+

بعد استراحة قصيرة، قرر أدهم أن يزيد من حماس التجربة. أمسك بزمام حصان آخر كان بجوار الإسطبل، هذه المرة حصانًا رماديًا يُدعى “سراب”. اقترب من ألارا وهو يبتسم بخبث بسيط:

ــ “إيه رأيك نجرب سباق صغير؟ بس المرة دي هتكوني لوحدك على نسيم، وأنا على سراب.”

+

        

          

                

نظرت إليه بشك:

ــ “سباق؟ أنا لسه مبتدئة!”

+

رد بابتسامة واسعة:

ــ “مفيش مبتدئين هنا… لو خسرتي، الغدا عليكي.”

+

ضحكت ألارا بخفة وهي تمسك بلجام الحصان بحذر:

ــ “وأنا لو كسبت؟”

+

أجاب بثقة:

ــ “هديكي جولة حرة في المزرعة كلها، بس بشرط، لازم تتعلمي توجهي الحصان من غير مساعدة.”

+

ركبا الخيول ووقفا في خط بداية وهمي صنعه أدهم على الأرض بأحد العصي. قبل أن يعطي الإشارة للبدء، اقترب منها على حصانه وهمس بنبرة لم تستطع تفسيرها تمامًا:

ــ “عارفة يا ألارا… لو ركزتي بس على الطريق قدامك، هتوصلي بعيد جدًا.”

+

أجفلت للحظة، محاولة تجاهل دفء صوته الذي تسلل إليها دون استئذان.

+

بدأ السباق، ومع ضحكاتها المتقطعة بسبب الحماسة، كانت ألارا تشعر وكأنها تركض بلا قيود لأول مرة منذ فترة طويلة. لكن أدهم لم يترك لها مجالًا لتفوز بسهولة، متعمدًا زيادة سرعتها عن طريق استفزازها بعبارات مشجعة من بعيد:

ــ “يلا يا بطلة، كده هتخسري!”

+

عند نهاية السباق، سبقتها خطوات قليلة فقط، لكنه قفز من على حصانه بحركة سريعة، منتظرًا وصولها بابتسامة انتصار.

+

ــ “كنتي قريبة جدًا. برافو!”

+

ترجلت عن الحصان بصعوبة، لكن عيناها كانتا تلمعان بالحماس:

ــ “مش عارفة إزاي بتقدر تتحكم في الحصان بالشكل ده… واضح إني لسه عندي كتير أتعلمه.”

+

وقف بالقرب منها، ومال بجسده قليلاً وكأنه يحاول قراءتها، ثم قال بنبرة دافئة:

ــ “أنا موجود عشان أساعدك في كل خطوة… متقلقيش، هتكوني محترفة قريب.”

+

لكن المسافة بينهما هذه المرة كانت أقرب مما ينبغي. شعرت ألارا بأنفاسه قريبة منها، وكأنها تلمس شيئًا غريبًا، مألوفًا في الوقت نفسه. وقبل أن تتمكن من الابتعاد، رفع يده بلطف ليلتقط ورقة صغيرة عالقة في شعرها.

+

ــ “فيه حاجات صغيرة لازم تنتبهي ليها أكتر.”

+

شعرت بحرارة خفيفة على وجنتيها، لكنها أدارت وجهها لتخفيها. قالت، محاولة كسر لحظة التوتر:

ــ “شكراً. المرة الجاية أنا اللي هاكسب.”

+

ابتسم أدهم وهو يضع الورقة بين أصابعه:

ــ “أهو ده التحدي اللي مستنيه.”

+

وقفا هناك لدقائق، وسط صمت ممتد، لكنه كان يحمل في طياته الكثير مما لم يُقال.

+

بعد أن انتهوا من السباق، جلسا معًا في إحدى الزوايا الهادئة داخل المزرعة، حيث نصب أدهم مقعدين خشبيين تحت شجرة ضخمة. كان الهواء منعشًا، والأصوات الوحيدة حولهما هي حفيف الأشجار وصهيل الخيول من بعيد. أحضر أدهم كوبين من عصير الليمون ووضع أحدهما أمام ألارا.

+

ــ “بما إنك تعبتي النهارده، العصير ده مكافأة صغيرة.”

+

تناولت الكوب بابتسامة، متأملة المشهد حولها:

ــ “المكان هنا مريح جدًا. بتحس إنه بعيد عن الدنيا كلها.”

+

        

          

                

رد بنبرة مائلة بين المزاح والجدية:

ــ “وده اللي مخليكي ترجعي تاني؟ ولا عشان أنا مدرب ممتاز؟”

+

ضحكت، لكنها تظاهرت بالتفكير:

ــ “يمكن الاتنين.”

+

جلس قريبًا منها هذه المرة، أقرب مما كان في أي لقاء سابق. شعرها المتدلي من ذيل الحصان جذب انتباهه، لكنه حاول أن يبقى هادئًا:

ــ “أنتِ… بتحبي الأماكن الهادية اللي زي دي؟ ولا دايمًا مشغولة في شغلك وحياتك اليومية؟”

+

نظرت إليه، لكنها أحست بشيء غير معتاد في سؤاله، وكأنه يحاول أن يتعرف على ما خلف شخصيتها، أو ربما يبحث عن ماضٍ لا تعرف كيف تفسره.

ــ “بحب الهوا ده… بس حياتي فعلاً مشغولة. ساعات بحس إني محتاجة وقت أوقف فيه كل حاجة وأستريح.”

+

صمت للحظة، ثم قال بلطف:

ــ “كلنا بنحتاج وقت كده… المشكلة إننا ساعات بنفوت اللحظة دي… وأحيانًا نندم لما تضيع مننا.”

+

رفعت عينيها لتنظر إليه، وحاولت قراءة ما خلف كلماته. شيء ما فيه جعلها تشعر بأنها أمام شخص يحمل همومًا أكثر مما يظهر على السطح.

ــ “أنت بتحس بالندم على حاجة؟”

+

تجمد قليلًا، لكنه ابتسم، محاولا لتغيير الموضوع:

ــ “أنا جيت هنا عشان أتعلم أستمتع باللحظة… يمكن أنا و انتي نكون بنحاول نتعلم نفس الدرس.”

+

عندما انتهت من كوب العصير، وقف أدهم ومد يده إليها:

ــ “تعالي. فيه حاجة عايز أوريهالك.”

+

ترددت للحظة، لكنها استجابت. قادها إلى أحد الأحواض الصغيرة في طرف المزرعة، حيث كانت هناك نافورة ماء صغيرة محاطة بالورود. الجو هنا كان أكثر هدوءًا، وكأنهما دخلا عالمًا منفصلًا.

+

وقف خلفها بلطف، مشيرًا بيده إلى السماء التي بدأت تكتسي بألوان الغروب:

ــ “بصّي. ده أكتر وقت بحبه هنا… الغروب دايمًا بيحسسني إن في أمل جديد جاي مع بكرة.”

+

نظرت إلى السماء بألوانها الدافئة، لكنها شعرت بشيء آخر، أكثر دفئًا، ينبع من قربه. كانت هذه اللحظة مختلفة… شيء ما كان يتغير داخلها، لكنها لم تجرؤ على تسميته.

+

+

مع تلاشي وهج الغروب، أدار أدهم وجهه نحو ألارا، التي كانت عيناها مثبتتين على الأفق. الهواء البارد حمل شذى الزهور، لكنه أيضًا حمل رغبة دفينة بالكلام.

+

بهدوء، قال أدهم بصوت خفيض وكأنه يخشى كسر السكينة:

ــ “ألارا… ممكن أسألك سؤال شخصي؟”

+

نظرت إليه بحذر، لكنها هزت رأسها موافقة.

ــ “أكيد، اسأل.”

+

اقترب منها قليلاً، على نحو غير متعمد لكنه مقصود في الوقت ذاته، ليصبح على بعد خطوة واحدة فقط.

ــ انتي… مش بتحسي إن في حاجات جواكي بتتغير؟ يعني… حاجات ما كنتيش متوقعة تحسيها.”

+

أخذت نفسًا عميقًا، ولم تعرف كيف تجيب… كان هناك شيء في كلماته يوقظ بداخلها مشاعر لم تعهدها من قبل، لكنها لم تكن مستعدة للاعتراف بها.

ــ “أحيانًا… بس… مش دايمًا التغيير بيكون حاجة وحشة.”

+

        

          

                

ابتسم بخفة، لكنه لم يتحرك. عينيه كانتا مركزتين عليها وكأنه يحاول قراءة شيء أعمق مما تقوله.

ــ “أنا شايف إنك شجاعة… مش أي حد بيعرف يتعامل مع التغيرات.”

+

نظرت إلى يده التي كانت قريبة جدًا من يدها، وتحركت دون وعي لتسحب يدها قليلًا إلى الوراء، لكن أدهم لاحظ ذلك. بخطوة جريئة، رفع يده ليلمس طرف شعرها المتدلي على كتفها.

+

ــ “دايمًا كنت بقول لنفسي… إن الحاجات الحلوة بتحتاج وقت عشان تتفهم.”

+

تجمدت للحظة، غير متأكدة مما يحدث. قلبها كان يخفق بعنف، لكنها حاولت الحفاظ على مظهر هادئ:

ــ “أدهم… أنت بتقول كلام غريب… في حاجة في بالك؟”

+

اقترب أكثر، لكن دون أن يتخطى حدودًا واضحة، وكأنه يختبر مياهًا باردة:

ــ “في حاجة بحسها كل ما أكون معاكي… حاجة بتقولي إنك مختلفة.”

+

هزت رأسها بابتسامة متوترة، محاولة إيقاف هذا التعمق المفاجئ:

ــ “يمكن علشان أنا بحب أكون نفسي، وما بحبش أتصنع.”

+

أدهم أخذ خطوة للوراء، وكأنه يدرك أنه يجب أن يتمهل. رفع يده معترفًا:

ــ “حقك. يمكن أكون استعجلت شوية. بس اللي أكيد… هو إن الوقت معاكي بيفرق معايا.”

+

تركها تنظر إليه بدهشة قبل أن يغير الموضوع فجأة:

ــ “يلا. عايز أوريك حاجة تانية في المزرعة. دي هتعجبك أكتر من الغروب.”

+

أمسك بزمام الحديث وكأنه يعطيها مساحة لتعيد ترتيب أفكارها. بالنسبة له، كان هذا اللقاء مختلفًا… خطوة أقرب نحو الحقيقة التي كان يشعر بها تجاهها، حتى لو لم تكن هي جاهزة لتلك الحقيقة بعد.

+

بعد أن قادها أدهم إلى زاوية جديدة في المزرعة، أشار إلى حظيرة صغيرة تعج بالصخب. كان هناك مهر صغير، بني اللون بعيون لامعة، يبدو كأنه يستعد للحياة خارج نطاق الحظيرة.

+

ــ “ده اللي كنت عايز أوريهولك. اسمه شهاب، لسه مولود من شهر. مش كتير ناس شافوه.”

+

اقتربت ألارا ببطء، وكأنها تخشى أن تزعج المهر الصغير. ابتسمت وهي تراقب حركاته المترددة:

ــ “شهاب؟ الاسم حلو. شكله لطيف قوي، بس واضح إنه شقي.”

+

ضحك أدهم، مستندًا إلى سور الحظيرة وهو يتأمل المهر:

ــ “آه، شقي جدًا. أول ما بدأ يمشي كان عايز يجري. بيفكرني بنفسي وأنا صغير.”

+

التفتت إليه، ورفعت حاجبها بتحدٍ مرح:

ــ “يعني كنت طفل شقي؟”

+

هز رأسه بابتسامة مليئة بالذكريات:

ــ “مش شقي… كنت مغامر. بحب أكتشف كل حاجة حواليَّ، حتى لو ده معناه إني أقع واتعور.”

+

نظرت إليه باهتمام، وكأنها تكتشف طبقة جديدة من شخصيته:

ــ “وأنا كنت العكس تمامًا… دايمًا كنت بخاف أجرب حاجات جديدة.”

+

مد يده نحوها فجأة، وكأنه يحثها على تجاوز مخاوفها القديمة:

ــ “طب جربي حاجة دلوقتي… تعالي امسكيه.”

+

        

          

                

نظرت إلى المهر بتردد، ثم إلى يده الممتدة. بعد لحظة من التفكير، ابتسمت بخجل ومدت يدها لتلمس رأس المهر. شعره الناعم جعلها تضحك بخفة.

+

ــ “مش مخيف زي ما كنت فاكرة.”

+

اقترب أدهم أكثر، وخفض صوته وكأنه يتحدث بسر:

ــ “أهو ده اللي كنت عايز أثبته… ساعات الخوف بيكون مجرد وهم.”

+

نظرت إليه للحظة طويلة، وكأنها تقرأ شيئًا عميقًا في عينيه. لكنها سريعًا ما حولت نظرها لتعود إلى المهر.

+

ــ “شكلك بتحب تبهر الناس.”

+

ــ “مش ببهرك… أنا بس بحب أشوفك مبتسمة.”

+

تجمدت للحظة عند كلماته. شعرت بأن حرارة كلماته تخترق هدوءها، لكنها رفضت الاستسلام. تراجعت خطوة إلى الوراء بحذر:

ــ “شكلك عايز تشغلني بحاجات علشان مافكرش كتير.”

+

أدهم ابتسم بخفة، مستشعرًا محاولتها للحفاظ على مسافة.

ــ “يمكن. بس لو ده يخليكِ تبقي مرتاحة أكتر، يبقى أنا كسبان.”

+

بينما كانت ألارا ما زالت تتأمل المهر، اقترب منها أدهم خطوة أخرى، وصوته هذه المرة كان أهدأ، أكثر دفئًا:

ــ “عارفة، شهاب ده مش بيحب أي حد يقرب له. بس شكله ارتاحلك.”

+

نظرت إليه، وابتسمت برقة:

ــ “يمكن لأنه حاسس إني زيه… لسه بخطو أول خطواتي.”

+

ــ “مش مجرد خطوات يا ألارا. دي خطوات ثابتة. كلنا في وقت معين بنحتاج نبني حياتنا من أول وجديد.”

+

كان صوته يحمل شيئًا أعمق مما بدا عليه… نظرت إليه بعينين متسائلتين، لكنها لم تسأل. بدلاً من ذلك، حركت يدها برفق على رأس المهر وقالت بهدوء:

ــ “يمكن شهاب كمان محتاج فرصة جديدة.”

+

أدهم أمال رأسه قليلاً، مستشعرًا معنى كلامها، ثم قال بابتسامة خفيفة:

ــ “شهاب محظوظ… لقي اللي يهتم بيه.”

+

رفعت نظرها إليه ببطء، وشعرت بشيء غير مألوف. كأن الكلمات التي قالها كانت موجهة لها، لا للمهر. حاولت التهرب من تأثير لحظتهما المشتركة، فتراجعت بخطوة وقالت:

ــ “شكله محتاج يهتم بنفسه كمان. مش كفاية إنه يعتمد على غيره.”

+

أدهم أدار رأسه قليلاً، وكأنه يقيم كلامها:

ــ “صحيح. بس برضه، حتى أقوى الخيول بتحتاج حد يوجهها.”

+

ألارا ترددت، لكنها لم ترد. شعرت بكلماته تلامس أعماقها، لكنها لم تكن مستعدة للاعتراف بذلك.

+

مد أدهم يده مرة أخرى، وكأنه يريد أن يقودها خارج الحظيرة:

ــ “تعالي، فيه حاجة كمان عايز أوريهالك.”

+

تبعته بخطوات مترددة، بينما قلبها ينبض بشعور جديد لم تختبره من قبل. شيء بين التردد والانجذاب، بين الخوف والأمان.

+

عندما وصلا إلى منطقة مفتوحة في المزرعة، أشار إلى حصان أبيض جميل يقف بفخر تحت أشعة الشمس:

ــ “ده رمح. أنا عايزك تجرّبيه النهارده.”

+

ــ “رمح؟! شكله قوي جدًا. مش يمكن أوقع؟”

+

ــ “وإيه يعني لو وقعتي؟ أنا هكون جنبك. مش هسيبك.”

+

كلماته جعلتها تتوقف للحظة. كانت تعلم أنه يقصد الركوب، لكن وقع عبارته كان أعمق من ذلك بكثير. ارتبكت قليلًا، لكنها أخفت ذلك بابتسامة خفيفة:

ــ “طيب… نجرب ونشوف.”

+

بينما ساعدها أدهم على صعود الحصان، شعرت بيده تثبتها بحذر. نظراته كانت تتابعها، وكأنها تعني له أكثر مما يريد أن يعترف.

+

ــ “مستعدة؟”

+

ــ “مستعدة.”

+

انطلق رمح بخطوات هادئة، وأدهم يسير بجانبها، يتابع كل حركتها وكأنها محور اهتمامه الوحيد. كان هذا اليوم بداية لشيء أعمق مما يمكن لأي منهما أن يعترف به.

+

يتبع.. 

اتمنى يكون الفصل عجبكم 

و برضو هستنى رأيكم و توقعاتكم 

مع تحياتي /دعاء فؤاد 

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *