في اليوم التالي، قرر أدهم أن يخطو خطوة إضافية في خطته للتقرب من ألارا، ولكن بطريقة مدروسة. اتصل بمعتصم ليقترح لقاءً جماعيًا صغيرًا مع مروان وألارا. أدرك معتصم نية أدهم لكنه لم يعلق، و وافق على اللقاء ببرود.
+
مكان اللقاء: مقهى راقٍ في وسط المدينة
عندما وصلت ألارا برفقة مروان، كان أدهم يجلس بالفعل، يرتشف قهوته ببطء، وبدا عليه الارتياح. استقبلهم بابتسامة ودية، ثم وقف لتحيتهم.
+
ــ “أهلاً أهلا.. أهو القعدة دي كنت محتاجها من زمان… مكان هادي وصحبة كويسة.”
+
جلست ألارا بجانب مروان، مترددة قليلاً لكنها حاولت أن تبقي الأمور طبيعية، بينما كان معتصم يجلس بجوار أدهم.
أدهم فتح الحوار بحديث عام عن الأعمال، مما جعل الجو يبدو أقل توتراً.
+
بعد قليل، اقترح بنبرة مرحة:
ــ “طب بما إننا في جو استرخاء، إيه رأيكم نلعب لعبة صغيرة؟ كل واحد يقول حاجة عن نفسه محدش يعرفها.”
+
مروان ضحك وقال:
ــ “هو ده وقت ألعاب يا أدهم؟… بس تمام، أنا أول واحد… حلم حياتي زمان كان أكون طيار، مش رجل أعمال.”
+
الضحكات ملأت المكان…. فالتفت أدهم إلى ألارا قائلاً:
ــ “وأنتِ؟.. لازم حاجة محدش يعرفها.”
+
ترددت ألارا، ثم قالت بابتسامة خفيفة:
ــ “يمكن ده هيبقى غريب، بس دايمًا كان نفسي أتعلم ركوب الخيل، عمري ما جربت.”
+
أدهم رفع حاجبه باهتمام:
ــ “ركوب الخيل؟ يبقى لازم نحقق الأمنية دي قريب.”
+
معتصم تدخل بنبرة هادئة لكن حازمة:
ــ “ركوب الخيل مش سهل، وبيحتاج تدريب طويل. مش أي حد ممكن يجيده.”
+
أدهم رد بابتسامة واسعة:
ــ “مفيش مستحيل مع شوية إرادة، صح؟”
+
—
+
بعد نهاية اللقاء، تقدم أدهم بخطوة إضافية. طلب الحديث مع ألارا على انفراد عند مدخل المقهى بحجة تقديم الشكر لها على حضورها.
+
ــ “ألارا، كنت حابب أقولك إن وجودك في القعدة كان له طابع خاص… أتمنى ما يكونش آخر مرة نتجمع فيها.”
+
ردت بابتسامة خفيفة:
ــ “بالعكس، القعدة كانت لطيفة… شكراً على الدعوة.”
+
تراجع أدهم خطوة للخلف، ثم قال بنبرة جادة:
ــ “على فكرة، لو فكرتي بجد في ركوب الخيل، أنا أعرف مكان ممتاز ممكن نجرب فيه.”
+
ألارا نظرت إليه بتردد، لكنها لم تستطع منع ابتسامة صغيرة من التسلل إلى وجهها:
ــ “هفكر.”
+
بينما غادرت مع مروان الذي كان يستشيط من الغضب، وقف أدهم يراقبها، يضع خططًا أخرى في ذهنه.
كان يعلم أن الأمر يحتاج إلى صبر، لكنه كان مستعدًا لخوض هذا التحدي.
اثناء عودتها في السيارة الى المنزل
كان مروان يقود بعصبية حتى انفجر فيها بغضب:
ـــ انا شايف ان ادهم تخطى حدوده معاكي و انتي عاجبك اللي بيعمله..
حاولت أن تبدو هادئة بعدما استشعرت غيرته التي تزعجها و قالت:
ـــ عادي يعني يا مروان.. أدهم اي نعم شخصية لطيفة بس هو بالنسبالي مجرد صديق..
صاح بنبرة مستنكرة:
ـــ نعم… صديق؟.. انتو لحقتو تبقوا اصدقاء؟!… اممم… و بمناسبة الصداقة دي بقى كان بيقولك ايه و انتوا واقفين لوحدكم كدا؟!
ردت بهدوء كعادتها:
ـــ كان بيقولي انه ممكن يعلمني ركوب الخيل..
ـــ دا على جثتي يا ألارا..
اغتاظت كثيراً من نبرته المتسلطة فردت عليه بانفعال:
ـــ مروان انت مش من حقك تمنعني.. بابا بس هو اللي يقدر يمنعني.
رد بنبرة متهكمة:
ـــ طبعاً و انتي متأكدة أن عمي مش هيعترض.. ماهو تربية أتراك هو كمان..
توسعت عينيها بغضب بالغ و صرخت به بحدة:
ـــ مروان احترم نفسك.. ميصحش تتكلم عن بابا بالطريقة دي.. و بعدين بابا مش هيعترض عشان واثق فيا و في تصرّفاتي.
ضغط على المقود بقوة و هو يحاول السيطرة على اعصابه التي اتلفتها… يحبها و يتمنى أن تبادله الشعور.. و لكنها تقاوم مشاعره بكل ما اوتيت من قوة..
+
صباح اليوم التالي بدأ العمل في المشروع الجديد على قدم و ساق، فقد كان لكل ضلع من أضلاع المثلث أدهم، معتصم و مروان عمل محدد، بالإضافة إلى ألارا التي اعتبرها أدهم هي مركز المثلث و الهدف الذي من أجله شارك في هذا المشروع..
بدأ أول يوم باشراف أدهم على الخطط المقدمة من الأعضاء و بالطبع كانت ألارا هي وجهته الأولى..
+
في مكتب ألارا
+
ألارا، وهي ترتب بعض الأوراق على مكتبها تفاجئت بطرق الباب ثم دلوف أدهم اليها، فرفعت رأسها نحوه تستقبله بابتسامة جميلة ذكرته في الحال بابتسامة ندى التي لا تختلف عنها بالمرة رغم تغير الهيئة العامة بسبب شعرها الطويل المنسدل على ظهرها و عينيها الخضراوتين..
ـــ “مستر أدهم… كويس ان حضرتك جيت… فكرت حضرتك ممكن تساعدني أكوّن رؤية أشمل عن المتطلبات التقنية للمشروع… الصراحة، بحس إن عندك خبرة أوسع مني بكتير في النقطة دي.”
+
أدهم، بابتسامة خفيفة:
ـــ “أكيد… أنا متاح لو احتجتي أي مساعدة… المهم إن الفكرة تخرج بالشكل اللي يحقق كل أهدافنا.”
+
ألارا، وهي ترفع رأسها لتنظر إليه بثقة:
ـــ “دا مش مجرد شغل بالنسبالي… دي فرصة أثبت فيها إن عندي الإمكانيات اللي تستحق إن الواحد يثق فيها.”
+
أدهم، بنبرة محملة بالإعجاب:
ـــ “ثقتك في نفسك واضحة.. ودي نقطة قوتك… أعتقد إنك ممكن تحققي نجاح أكبر مما تتخيلي.”
+
يدخل مروان إلى المكتب بعد طرق خفيف على الباب، مبتسمًا ابتسامة باهتة:
ـــ “يبدو إن الاجتماع هنا مستمر؟ أعتقد إني جيت في وقت مناسب.”
+
ألارا، بمرح:
ـــ “مروان! كنت لسه بتكلم مع أدهم عن شوية تفاصيل مهمة للمشروع… حابب تسمع؟”
+
مروان، وهو يقترب ببطء، ناظرًا إلى أدهم:
ـــ “أكيد. دايمًا بحب أكون على اطلاع.”
+
يجلس مروان على الكرسي المقابل، بينما يلاحظ تركيز أدهم على ألارا خلال الشرح… مع الوقت، تبدأ علامات الانزعاج الخفي بالظهور في ملامحه، ولكنه يحاول التظاهر باللامبالاة، مستخدمًا تعليقات جانبية لجذب الانتباه لنفسه.
+
مروان، مقاطعًا أدهم بخفة:
ـــ “بالمناسبة، ألارا عندها أسلوب مميز في تقديم الأفكار… أعتقد إنها الأفضل في الفريق كله، مش كده؟”
+
أدهم، مبتسمًا:
ـــ “فعلاً… قدرتها على التعامل مع التفاصيل والإبداع بتخليها نقطة قوة في المشروع.”
+
تلتقط ألارا كلماتهم بابتسامة خجولة دون أن تدرك التوتر الخفي.
بينما أدهم يبدو متماسكًا ولكنه ملاحظ لوجود مروان الذي يتظاهر بالمرح، إلا أن عينيه لا تخفيان شيئًا من الحذر.
+
يغادر أدهم المكتب بعد وعد بتقديم تقرير تقني مفصل، تاركًا خلفه شعورًا متناقضًا لدى مروان، الذي يبدأ بالتفكير بجدية في طبيعة علاقة ألارا وأدهم.
أما ألارا، فتشعر بالرضا عن اللقاء، دون أن تدرك التعقيدات التي بدأت تتراكم في أجواء الفريق.
+
كانت الشمس تودع الأفق، تُلقي بأشعتها الأخيرة على الحديقة الصغيرة أمام المنزل. جلست ألارا مع والدها نديم على الشرفة، بينما كانت نسمة هواء خفيفة تداعب شعرها.
كان نديم يُعد كوبين من الشاي بعناية، كعادته عندما يريد الحديث مع ابنته.
+
نظر إليها بحنو، ثم قال بابتسامة:
“إيه؟ شكلك مشغولة…من ساعة ما رجعتي من الشركة وأنا شايفك سرحانة… عايز أعرف إيه اللي حصل مع الراجل ده.. أدهم.”
+
تنهدت ألارا، وكأنها تحاول انتقاء الكلمات:
“أدهم… مش عارفة يا بابا، إحساس غريب، كأني أعرفه من زمان… أول ما عيني جت في عينه، حسيت بحاجة… حاجة مش مفهومة… يعني، هو لطيف وشيك، وكل حاجة، بس… مش مجرد إعجاب عادي.”
+
رفع نديم حاجبيه باهتمام، وهو يناولها كوب الشاي:
“إيه يعني؟ مش مجرد إعجاب؟ وضحي أكتر.”
+
نظرت إلى الشاي للحظات، كأنها تخاطب نفسها أكثر من أبيها:
“مش عارفة أوضح. حسيت إن في حاجة بيننا، كأن في قصة مش مكتملة… وفي نفس الوقت، طريقته في التعامل… بيهتم بيا بطريقة مختلفة، مش زي أي حد تاني.”
+
ضحك نديم بخفة، و وضع يده على كتفها بحنو:
“بصي يا ألارا أنا عارفك كويس، وإحساسك ده دايمًا بيبقى في محله… بس خلي بالك، إحنا مش عايزين مشاكل جديدة مع مروان.”
+
قطعت حديثه بحدة، لكن بصوت لم يخلُ من الحزن:
“مروان؟.. يا بابا أنا تعبت من الموضوع ده… مروان صديق كويس و في نفس الوقت ابن عمي، وكل حاجة، بس مش أكتر… أنا عمري ما حبيته، وأنت عارف ده.”
+
أومأ نديم برأسه، وقال بحكمة:
“عارف.. وعمري ما هضغط عليكي في حاجة… مروان ممكن يكون معجب بيكي… بس ده مش معناه إنك لازم تبادليه نفس الشعور… أنا بس خايف على قلبك، مش عايزك تتعلقي بأدهم أو أي حد تاني لو مفيش حاجة واضحة.”
+
ابتسمت ألارا برقة، وكأنها تحاول طمأنته:
“عارفة يا بابا، وأنا هكون حذرة… بس ساعات… ساعات بحس إني محتاجة أسمع رأيك، محتاجة دعمك.”
+
احتضن نديم يدها بحنان:
“طول عمري جنبك يا ألارا.. وكل قرار هتاخديه هكون داعم ليه، طالما فيه راحتك… وأنا واثق إنك هتختاري الصح.”
+
رفعت عينيها نحوه بابتسامة ممتنة:
“شكراً يا بابا… وجودك جنبي هو اللي بيخليني قوية.”
+
جلسا معًا يتبادلان الحديث والذكريات، بينما كان الليل يغمر الأفق، تاركًا ألارا تفكر في مشاعرها المتضاربة، بين اهتمام أدهم ودعم أبيها الذي لا يتغير.
أخبرته قبل خلودها الى النوم باقتراح أدهم تعليمها ركوب الخيل فرحب و لم يمانع بشرط أن تكون حذرة معه حول ما حدث لها بالماضي… فقد ولَّى الماضي بمرِّه و انتهى..
+
وقفت مودة في شرفة منزلها، تتطلع إلى السماء الملبدة بالغيوم وكأنها تبحث عن إجابات في الفراغ الممتد أمامها.
الهواء البارد كان يلسع وجهها، لكنه لم يكن قادرًا على تهدئة النيران التي تشتعل في صدرها.
خلفها، وقف آسر بصمت، يحاول أن يجد الكلمات المناسبة ليمزق الجدار الذي أقامته بينهما.
+
وأخيرًا، استدار نحوها وقال بصوت منخفض، لكنه مليء بالرجاء.
+
آسر: “مودة… لو كل مرة أشوفك هتحاولي تبعدي عني، مش هتنجحي… أنا مش هسيبك.”
+
مودة (تتظاهر بالتماسك): “آسر، ما تبقاش عنيد. إحنا عارفين إن اللي بيننا مستحيل.”
+
آسر (يتقدم خطوة نحوها): “ليه؟ عشان ميري؟ عشان قلبها؟ طيب… إنتي سمعتيه، سمعتي قلبك قال إيه لما قربت منك؟”
+
مودة (تستدير فجأة، غاضبة):
ـــ “كفاية بقى! كل مرة بتجيب سيرة ميري بتفكرني ان اللي بينبض بحبك دا قلبها هي مش قلبي…و إنت عارف كويس إني مش هي… ولا هقدر أكون هي.”
+
آسر (يقترب أكثر، بعينين ممتلئتين بالحزن):
ـــ “أنا عمري ما قلت إنك هي، ولا كنت عايزك تبقي هي. مودة… أنا بحبك إنتي… بقلبك اللي بينبض بالحياة حتى لو مكانش ليكي.. وبروحك اللي حاولت تعيش رغم كل حاجة.”
+
كلماته ضربت وترًا حساسًا بداخلها. شعرت بالضعف، لكنها كانت مصممة على أن تحافظ على المسافة بينهما. أغمضت عينيها للحظة، محاولة كبح الدموع التي تهدد بالظهور.
+
مودة (بصوت منخفض): “إنت عارف إن وجودك جنبي بيعذبني؟ إنت كل مرة بتفتكرني بيها… وأنا مش عايزة أكون ذكرى.”
+
آسر (باندفاع): “إنتي مش ذكرى يا مودة! إنتي حياتي اللي بدأت من جديد بعد موت ميريهان… يمكن القدر جمعنا بطريقة صعبة، بس ده ما يلغيش حقيقة إننا بنحب بعض.”
+
مودة (تنظر إليه، عيناها تلمعان بالدموع):
ـــ “حتى لو؟ حتى لو قدرت أحبك، هفضل دايمًا شايلة جوة قلبي جزء منها… وإنت شايف ان ده مش هيكون غلط؟”
+
آسر (يمسك بيدها بلطف):
ـــ “الغلط الوحيد هو إننا نهرب من اللي بيننا… القلب اللي في صدرك مش مجرد جزء من ماضيها، ده جزء من حياتك… وحياتك هي اللي تهمني.”
+
ترددت مودة للحظة، وكأنها تفكر في كلماته بعمق. شعرت وكأن جدرانها تنهار تدريجيًا، لكن الخوف من المستقبل كان يشدها للخلف.
+
مودة (تسحب يدها برفق):
ـــ “آسر… اديني وقت. محتاجة أفهم نفسي الأول.”
+
آسر (بنبرة مليئة بالحنان):
ـــ ” مع اني حاسس انك بترديهالي.. بس هستناكي.. بس ما تهربيش تاني… لو محتاجة وقت، أنا هنا… بس ما تسبنيش.”
+
تركها آسر بعدها، مخلفًا وراءه موجة من المشاعر المتداخلة التي كانت تثقل صدرها. نظرت إلى السماء مرة أخرى، وهي تتساءل إن كان قلبها سيجد يومًا إجابة لهذا الصراع.
+
بعد مرور أسبوع على لقاءهم في المقهى، خطط أدهم للخطوة التالية بطريقة تجعل ألارا تشعر براحة أكبر تجاهه.
قرر أن يدعوها إلى مزرعة خيول خاصة يمتلكها أحد أصدقائه، مستخدمًا شغفها بركوب الخيل كذريعة.ــ
+
اتفقت مع أبيها على الذهاب بسيارتها الخاصة و مقابلة أدهم في المزرعة على أن يخفي امر ذهابها اليه عن مروان حتى لا يزعجها..
تسللت خفية في الصباح الباكر قبل استيقاظ مروان الذي يقيم معها في نفس المنزل و انطلقت بسيارتها الى موقع المزرعة الذي أرسله لها عبر الواتساب..
+
في صباح يوم مشمس، وصلت ألارا إلى المزرعة. كان أدهم ينتظرها عند البوابة، مرتديًا ملابس رياضية بسيطة، وبدا واثقًا و مسترخيًا، بينما هي ارتدت بنطال قطني أسود و لكنه مجسم و كنزة سوداء باكمام طويلة و عكصت شعرها الأسود الطويل على شكل ذيل الحصان و انتعلت حذاء رياضي اسود اللون، فكانت أنيقة و جذابة للغاية
شعر أدهم بقليل من الغيرة و كأن ندى هي التي ترتدي تلك الملابس… فان كانت هي حقا فلن تسمح لنفسها و لن يسمح لها بارتدائها خارج المنزل… فقط لو كان له الحق في أن يلومها على طريقة ملبسها!!!
استقبلها بابتسامة عريضة أخفى ضيقه خلفها:
ــ “أهلاً بيكي.. نورتي المكان… جاهزة للتجربة؟”
+
ألارا نظرت حولها بدهشة طفولية، فالمناظر الطبيعية الخلابة و رائحة الأعشاب الطازجة أثارت بداخلها شعوراً بالسعادة:
ــ “المكان جميل جداً… مش مصدقة إني هنا.”
+
بعد قليل، قدّم أدهم لألارا حصانًا بني اللون يُدعى “نسيم”، وأصر على أن يساعدها بنفسه في تعلم الخطوات الأساسية.
بينما كانت ألارا تتعلم الإمساك باللجام، وقف خلفها بحذر لتوجيهها، لكنه شعر برعشة طفيفة عندما لمست يده يدها بالخطأ.
+
قال مازحًا:
ــ “ما تخافيش، نسيم لطيف أكتر مني.”
+
ألارا ضحكت بخفة:
ــ “لو وقعت من عليه، هتتحمل المسؤولية.”
+
بينما كانت ألارا تركب الحصان ببطء، تبعها أدهم سيرًا على الأقدام، يتحدث معها عن طفولته وشغفه بركوب الخيل. كانت هذه المرة الأولى التي تشعر فيها بأنه يتحدث بطريقة عفوية، دون تكلف.
+
قال فجأة:
ــ “عارفة يا ألارا، أول مرة ركبت حصان كنت صغير جدًا، ووقعت… افتكرت إن الموضوع انتهى بالنسبة لي، بس كنت غلطان… الوقوع كان البداية.”
+
نظرت إليه بفضول، وكأنها تحاول أن تفهم المغزى خلف كلامه:
ــ “وأنا.. خايفة أبدأ و أفشل.”
+
أدهم رد بابتسامة جادة:
ــ “الحياة كلها مخاطرة… لو ما حاولتيش، هتفضلي واقفة مكانك.”
+
—
+
عندما انتهت الجولة، جلسا في منطقة مخصصة للاستراحة.
أثناء الحديث، شعرت ألارا أن نظرات أدهم أصبحت أكثر جدية. التفت أدهم نحوها وقال بصوت منخفض:
ــ “ألارا… أنا شايف فيكي حاجة مختلفة، حاجة… بتخليني عايز أعرفك أكتر.”
+
تجمدت للحظة، محاولة استيعاب كلماته. شعرت بمزيج من التوتر والارتباك، لكنها ردت بهدوء:
ــ “شكراً… بس يمكن إحنا لسه في بداية التعارف.”
+
ابتسم أدهم، ولم يضغط عليها أكثر:
ــ “معاكي حق. كل حاجة في وقتها.”
+
في المساء، وبعد يوم طويل من الإثارة في المزرعة، جلست ألارا في غرفتها بهدوء.
أطفأت الأنوار وفتحت النافذة لتتنفس الهواء الليلي المنعش. ضوء القمر كان ينساب بهدوء على السرير، وكأنه يدعوها للتفكير بصوت مرتفع.
+
همست لنفسها:
“ليه يا ترى كنت مرتاحة كده معاه؟! يمكن عشان طريقته مختلفة؟!.. أدهم مش زي حد تاني قابلته… في حاجة فيه… حاجة بتشدني ليه.”
+
تذكرت اللحظة التي ساعدها فيها على ركوب الحصان، كيف شعرت بالأمان وهي بين يديه، وكيف استطاع أن يجعلها تضحك رغم قلقها.
+
ابتسمت بخفة وهي تضيف:
“أنا اتخضيت لما حسيت بلمسة إيده… غريب… كل حاجة فيه غريبة.. بس غريبة و حلوة!”
+
لكن فجأة، قطعت أفكارها وهي تمسك وسادتها وتضمها إليها وكأنها تخاف أن تواجه الحقيقة:
“بس.. مش ممكن… إحنا مجرد أصدقاء، أو حتى أقل من كده… ماينفعش أفكر بالطريقة دي. مروان أصلاً هيعمل إيه لو عرف؟”
+
—
+
في صباح اليوم التالي، وبينما كانت تتناول الإفطار مع والدها، قررت أن تفتح الموضوع بطريقة غير مباشرة.
+
قالت بابتسامة خفيفة و بصوت هامس حتى لا يسمعها مروان اذا ما أتى من خلفها:
“بابا انا اتبسطت اوي في المزرعة مع أدهم إمبارح.”
+
رفع نديم حاجبيه باهتمام، ثم قال وهو يمسك بفنجان قهوته:
“بجد!!… وأخبار التدريب إيه؟ اتعلمتي حاجة؟”
+
هزت رأسها بحماس:
“أيوه، جدًا! المكان كان رائع، وأدهم طلع بيعرف حاجات كتير عن الخيل… ما توقعتش انه يبقى بالمهارة دي”
+
ابتسم نديم بخبث خفيف، وكأنه يقرأ ما يدور في ذهنها:
“واضح إنه مش بس بيعرف عن الخيل… هو واضح إنه بيعرف ياخد بالك كمان.”
+
ضحكت ألارا، لكنها حاولت أن تخفي حيرتها:
“بابا! لا، الموضوع مش كده… إحنا مجرد زملاء و بس.”
+
رد نديم وهو ينظر إليها بحنان:
“ألارا.. مش لازم تنكري اللي بتحسيه، حتى لو لسه مش واضح قدامك… خدّي وقتك، بس كوني صريحة مع نفسك… وأهم حاجة، مروان ملهوش حق يتدخل.”
تنهدت بارتياح و هي تبتسم بحالمية، فقد كانت تنتظر هذا الكلام من أبيها الذي دائما يوجهها و تعتمد رأيه في كل شيئ..
+
بعد لقائه بها في المزرعة و تأمله لها في كل حركاتها التي تشبه ندى في كل تفصيلة انتابه فضول أكبر للتعرف على أبيها… ترى من يكون؟!.. و ان كانت ألارا هي نفسها ندى من أين ظهر لها هذا الأب؟!
تضاربت افكاره و رأى أنه من الأفضل مقابلة هذا الرجل الغامض و كشف السر حول علاقته بجنيته التي عادت له من الموت…
+
حصل على رقم هاتف نديم من معتصم و الذي كان هو سبب معرفته بألارا… فرغم علاقتهما المتوترة في الماضي إلا أنه يشعر نحوه بالامتنان أن عرفه عليها… و كأنه أعاد إليه روحه من جديد.
+
اتصل بنديم و عرفه بنفسه و طلب مقابلته في أحد المقاهي الراقية لزيادة القرب بينهما بعد الشراكة الجديدة، و نديم لم يمانع… بل كان أكثر منه فضولا للتعرف عليه.
+
جلس أدهم في المقهى الفخم، منتظرًا وصول نديم. كان المكان يعج بالهدوء، إلا أن داخله كان يعج بالتساؤلات والتخمينات.
عندما دخل نديم، وقف أدهم بابتسامة ترحيب مدروسة، مصافحًا الرجل الذي يحمل بعض الأجوبة التي يبحث عنها.
+
نديم بابتسامة ودودة:
ــ “متشكر على دعوتك يا أستاذ أدهم… الحقيقة استغربت شوية لما طلبت تقابلني.”
+
أدهم وهو يعدل ربطة عنقه:
ــ “الشكر ليك يا أستاذ نديم… الحقيقة، حبيت أتعرف أكتر عليك بما إنك والد ألارا… والظاهر إننا بقينا زملاء في مشاريعنا.”
+
جلس نديم بهدوء، وعيناه تراقبان أدهم بدقة، وكأنه يحاول قراءة ما خلف ابتسامته اللطيفة.
+
أدهم وهو يمسك فنجان القهوة:
ــ “بصراحة.. ألارا شخصية مميزة جدًا… طريقتها في التعامل وأسلوبها في الشغل… كأنها شخص متعود يكون في القمة… ده يخليني أتساءل، إيه السر؟ هي اتعلمت فين؟”
+
نديم بابتسامة خفيفة، وهو يختار كلماته بعناية:
ــ “ألارا مجتهدة جدًا، ودايمًا بتحب تكون قد التحدي… التعليم في تركيا كان له دور كبير في تشكيل شخصيتها.”
+
أدهم وهو يرفع حاجبه قليلاً:
ــ “تركيا؟ يا ترى حياتها هناك كانت مستقرة؟ يعني، بيتهيألي بلد زي دي بيكون ليه تأثير كبير على أي حد.”
+
نديم وهو يميل للأمام قليلاً، محافظًا على نبرته الهادئة:
ــ “أكيد… لكن ألارا مش بتحب تتكلم كتير عن الماضي. بتحب تركز على اللي قدامها.”
+
شعر أدهم بأن الإجابة كانت متوقعة ولكنها زادت من شكوكه. قرر تغيير مجرى الحديث بذكاء.
+
أدهم بابتسامة أكثر ودودًا:
ــ “هي فعلاً عندها طبع خاص… ساعات بحس إن في حاجة في طريقتها بتفكرني بناس عرفتهم زمان.”
+
نديم بتوتر بسيط، ولكنه أخفاه بسرعة:
ــ “ممكن… الناس أحيانًا بيلاقوا تشابهات غريبة.”
+
ابتسم أدهم دون أن يضغط أكثر، مغيرًا الحديث إلى مواضيع العمل. لكن داخله، كان متأكدًا أن هناك المزيد ليعرفه، وأن نديم يخفي شيئًا كبيرًا.
+
بعد انتهاء اللقاء، وقف أدهم عند باب المقهى، يشاهد نديم وهو يغادر. اتخذ قرارًا داخليًا بمواصلة لقاءاته مع الرجل، وفي كل مرة، سيطرح الأسئلة بطرق مختلفة… حتى يصل إلى الحقيقة.
+
—
+
عاد نديم إلى المنزل، محاولًا الحفاظ على مظهره الهادئ المعتاد، لكنه لم يستطع إخفاء فضوله المتزايد حول أدهم. وجد ألارا في غرفة الجلوس، منشغلة بجهازها اللوحي، وكأنها غارقة في عملها، لكن ملامحها كانت تحمل شرود خفيف.
+
نديم وهو يضع معطفه جانبًا ويتجه نحوها:
ــ “مساء الخير يا ألارا، مشغولة كالعادة؟”
+
ألارا ترفع عينيها وتبتسم قليلاً:
ــ “مساء الخير، زي ما أنت شايف. الشغل ما بيخلصش.”
+
جلس نديم مقابلها، يضع يديه على الطاولة وكأنه يمهد لحديث أعمق.
+
نديم بنبرة فضولية:
ــ “بالمناسبة، قابلت أدهم النهارده…عزمني على قهوة.”
+
توقفت ألارا للحظة عن الكتابة على جهازها، ثم عادت لتظاهُر الانشغال، محاولة كتم مشاعرها.
+
ألارا بنبرة محايدة:
ــ “قابلت أدهم؟ ليه؟”
+
نديم بابتسامة خفيفة، وهو يحاول قراءة تعابير وجهها:
ــ “بيتهيألي مهتم يعرف أكتر عن شريكته في الشغل… وعن والدها كمان. الحقيقة، لفت نظري إنه بيتكلم عنك كتير.”
+
رفعت ألارا نظرها إلى والدها بتوتر خفيف:
ــ “عنّي؟ وبيقول إيه؟”
+
نديم وهو يتراجع في مقعده:
ــ “بيسأل عن شخصيتك، طفولتك، وحتى عن تركيا. بصراحة كنت مستغرب. الراجل عنده اهتمام كبير بيكي”
+
ارتبكت ألارا، لكن حاولت السيطرة على تعابيرها، فقالت بصوت خافت:
ــ “يمكن لأنه بنشتغل سوا… طبيعي يبقى فيه اهتمام.”
+
نديم وهو يراقبها بحذر:
ــ “يمكن… لكن حسيته مهتم أكتر من اللازم… إنتي متأكدة إن ما فيش حاجة تانية؟”
+
ألارا بنبرة دفاعية لكنها تخفي ارتباكها:
ــ “إيه اللي ممكن يكون؟ أنا وأدهم مجرد شركاء في العمل، ومفيش حاجة تانية.”
+
أومأ نديم برأسه، لكنه لم يقتنع تمامًا بإجابتها. شعر بأن هناك شيئًا بين ابنته وأدهم لم تبح به بعد.
+
نديم وهو ينهض بتأنٍ:
ــ “طيب… بس خلي بالك، أدهم راجل ذكي، ولو في حاجة مش واضحة، هيعرفها بسهولة… ما تتعلقيش بأي حاجة ممكن تجرحك في النهاية.”
+
نظرت ألارا إلى والدها وكأن كلماته لمست جرحًا عميقًا بداخلها، لكنها لم ترد، واكتفت بالصمت.
+
خرج نديم من الغرفة، تاركًا ألارا تغرق في أفكارها المتشابكة بين أدهم وما يحاول اكتشافه، وبين والدها وما يخفيه من حقائق عنها.
+
—
عاد نديم ليجلس أمام ألارا مرة أخرى بعد لحظة من التفكير. بدا وكأنه يحاول اختيار كلماته بعناية، قبل أن يتحدث بنبرة مليئة بالجدية.
+
نديم وهو ينظر مباشرة إلى عينيها:
ــ “بصي يا ألارا، في حاجة لازم تبقي فاهمتها كويس… اللي فات مكانش سهل، وكونكِ عدّيتي المرحلة دي بأمان، ده نعمة كبيرة… لكن ما ينفعش أي حد يعرف تفاصيل حياتك، خصوصًا أدهم أو غيره… ماضيكي يخصك لوحدك.”
+
رفعت ألارا عينيها إليه بدهشة، وكأنها شعرت بشيء ثقيل في كلماته.
+
ألارا بتوتر:
ــ “لكن… هو ما يعرفش حاجة عن الماضي… أنا مقلتش له حاجة.”
+
نديم بابتسامة باهتة:
ــ “عشان كده بقولك خلي بالك… في ناس بتعرف اللي عايزاه حتى لو محدش قال لهم… وأدهم مش شخص عادي، ده راجل ذكي، وفضوله أكبر من الطبيعي.”
+
ألارا وهي تخفض بصرها:
ــ “أنا مش فاهمة… ليه بتحذرني كده؟”
+
نديم بصوت خافت وكأنه يحاول طمأنتها:
ــ “عشان ما تتهوريش. خليكي مركزة في شغلك، وابني حياتك بعيد عن أي أسئلة عن اللي حصل زمان.”
+
كانت ألارا على وشك أن تسأله عن السبب وراء هذا التحذير، لكنه وقف فجأة وكأنه يريد إنهاء النقاش.
+
نديم وهو يتجه إلى باب الغرفة:
ــ “بس خلي كلامي في بالك… أحيانًا التفاصيل الصغيرة ممكن تغيّر كل حاجة.”
+
خرج من الغرفة، تاركًا ألارا غارقة في أفكارها. الجملة الأخيرة تحديدًا أثارت بداخلها قلقًا خفيًا، وكأنها كانت إشارة لشيء لم تفهمه بعد.
+
—
+
يتبع…
+
انتظروا مزيد من الاثارة و التشويق بس متنسوش تفرحوني بآرائكم و توقعاتكم
و كمان متنسوش ترشحوا الرواية لأصحابكم من محبي الروايات..
مع تحياتي /دعاء فؤاد
+
التعليقات