تلك المرة قررت الارا أن تحدد هي موعد الدرس المقبل مع مزرعة الخيول… بعدما شعرت بأن أسوار قلبها قد تحطمت على يد أدهم.. و ازادات رغبتها الداخلية في الاقتراب منه أكثر.. تلبيةً لنداء قلبها الذي يصرخ بإسمه و كأنه ملكه منذ أمدٍ بعيد..
+
كان النسيم باردًا وهادئًا، كأنه يراقب المشهد بصمت. الشمس تتسلل بين الأغصان، تغمر الأرض بنورٍ ذهبيٍ دافئ.
وصل أدهم إلى المزرعة مبكرًا، يتفقد تجهيزات الحصان، ويتأكد أن كل شيء في مكانه.
+
حين وصلت ألارا، كانت ترتدي معطفًا طويلًا أحمر وحذاءً جلديًا بنيًا. بدا وجهها مشرقًا، وعيناها تلتمعان بشوقٍ خفي، كأن هذا اللقاء أصبح جزءًا من عالمها الجديد الذي لا تريد أن تفقده.
+
استقبلها أدهم بابتسامةٍ مائلة للثقة:
ــ “كنت متأكد إنك هتيجي… المكان بيفقد جماله لو ما كنتيش موجودة.”
+
ضحكت بخجلٍ واضح:
ــ “كلامك ده… ممكن يخليني أصدق إن المكان كان ناقص من غيري.”
+
قادها أدهم إلى الحصان، هذه المرة حصان أبيض يُدعى “برق”.
بينما ساعدها في الصعود، وقفت يده على خصرها أكثر مما ينبغي، وكأنها تواصلت مع روحٍ يعرفها من قبل. أدرك نفسه سريعًا وسحب يده، لكنه شعر بارتعاشٍ في داخله، وكأنها ندى التي أمامه، لا ألارا.
+
ــ “برق ده… بيستجيب لحس الفارس أكتر من أوامره. لو كنتي خايفة، هيحس بكده.”
+
قالتها بنبرة تحدٍّ، وقد أمسكت باللجام بثبات:
ــ “وأنا مش خايفة.”
+
بينما ركبت الحصان وأدهم يسير بجانبها، بدأت تميل للأمام لتتحكم في التوجيه. اقترب منها قليلاً ليصحح وضع يديها على اللجام. شعر بدفء يدها وهو يمسك بها ليوجهها بلطف:
ــ “شوفي… لما تمسكيه كده، الحصان هيحس إنك مسيطرة.”
+
أجفلت قليلاً من قربه، لكن الدفء الذي شعرت به جعلها تثبت مكانها. قالت بصوت خافت:
ــ “شكلك بتعرف تتعامل مع الخيول أكتر مني.”
+
أجابها بابتسامة هادئة:
ــ “وانتى… شكلك بتعرفي تسيبي تأثير في كل حاجة حواليكي.”
+
مر الوقت سريعًا. وبعد جولة طويلة، جلسا بجانب السور الخشبي، حيث أحضر أدهم بطانية صغيرة وضعها على الأرض.
جلست ألارا بجانبه، تستمع إلى حديثه عن شغفه بالخيول. فجأة، قال بنبرة أعمق:
ــ “عارفة يا ألارا… الحصان لما يتوحش، بيبقى لأنه فقد ثقته في اللي قدامه… وأنا… بحس إن حياتي كانت زي كده فترة طويلة.”
+
نظرت إليه وكأنها تحاول فك شيفرة كلماته:
ــ “بس دلوقتي؟”
+
ــ “دلوقتي… يمكن لقيت حاجة تخلي الحصان يهدى.”
+
صمت للحظة، ثم وضع يده بخفة على يدها التي كانت تستند على الأرض. شعرت بلمسته، لكنها لم تسحب يدها. بل رفعت عينيها ببطء لتنظر إليه.
+
ــ “إنتي… حسيتي قبل كده إنك عارفة حد من قبل ما تقابليه؟”
+
ابتسمت ابتسامة غامضة:
ــ “مش عارفة… يمكن.”
+
اقترب منها قليلاً، وكأن العالم كله توقف من حولهما. قال بصوت أشبه بالهمس:
ــ “وأنا… بحس كده معاكي”
+
لكن فجأة، وقبل أن يسترسل، نهضت ألارا وكأنها تهرب من تلك اللحظة. أمسكت باللجام وقالت بحزمٍ مصطنع:
ــ “لازم أمشي دلوقتي… الوقت اتأخر.”
+
نظر إليها وهو يشعر بتلك المسافة التي عادت بينهما، لكنه لم يقل شيئًا. اكتفى بمراقبتها وهي تبتعد، وكل جزءٍ فيها يذكره بندى، لكن كل جزءٍ آخر يجعله يريدها هي… ألارا.
+
كان الجو مشحونًا داخل الغرفة. مروان، الذي عادة ما يظهر متماسكًا، بدا عليه التوتر والغضب وهو يمشي جيئة وذهابًا.
ألارا فتحت الباب ودخلت بهدوء، لكنها توقفت فور أن وقعت عيناها عليه. نظراته كانت حادة، وكأنها تتهمها قبل أن يتحدث.
+
مروان (بصوت منخفض لكنه ممتلئ بالغضب):
“كنتي فين يا ألارا؟”
+
ألارا (تتنهد وتحاول الحفاظ على هدوئها):
“كنت برة… عندي شغل مهم”
+
مروان (يقترب منها، صوته يرتفع قليلًا):
“شغل مع أدهم؟ ولا إيه؟”
+
صمتت ألارا لثوانٍ، محاولة استيعاب حدة سؤاله، قبل أن تتخذ خطوة للأمام، تثبت أنها ليست في موقف دفاع.
+
ألارا (بنبرة ثابتة):
“أيوة، كنت مع أدهم. وإيه المشكلة؟ يا ريت متتدخلش في حياتي.. وده مش أول مرة أقولك كده.”
+
مروان (يقاطعها بحدة):
“و شغلك تقعدي معاه بالساعات وتروحي أماكن محدش عارف عنها حاجة! أنتِ عارفة إن الناس بتتكلم؟”
+
ألارا شعرت بالحرج لأول مرة. لم تكن واثقة مما يقصده، لكن كان واضحًا أن مروان لن يهدأ بسهولة.
+
ألارا (بغضب مكبوت):
“إنتَ بتشك فيَّا يا مروان؟ أنا عارفه حدودي، وأدهم بيحترمها… إنت اللي مكبر الموضوع.”
+
مروان (بصوت مرتجف من الغضب):
“أنا مش بشك فيكي، أنا بحميكي! أدهم ده مريب، ولازم تفتحي عنيكي.”
+
التوتر بينهما كان يزداد، وكأن الحجرة نفسها ضاقت عليهما. ألارا أخذت خطوة للخلف، محاولًة السيطرة على أعصابها.
+
ألارا (بحدة و وضوح):
“مروان، أنا مش طفلة عشان تحميني بالطريقة دي. وإذا كنت بتتوقع إني أقطع علاقتي بأدهم علشان شكوكك، يبقى أنتَ مش فاهمني كويس.”
+
مروان (يحاول التماسك):
“أنا مش بقول كده… بس…”
+
ألارا (تقاطعه):
“خلاص، مفيش بس… أنا عارفة أنا بعمل إيه، ومش هسمح لحد يتحكم في قراراتي… مش دلوقتي، ولا بعدين.”
+
غادرت ألارا الغرفة بغضب، تاركة مروان يقف وحيدًا وسط أفكاره. كان يعلم أن المواجهة لم تنتهِ، لكن كلماته لم تعد تصل إليها، وكان ذلك يثير بداخله قلقًا أكبر مما يستطيع احتماله.
+
جلس على الأريكة بعد مغادرة ألارا، يشعر بثقل الغضب والخوف على كتفيه. كانت تحذيراته تبدو عبثية أمام عنادها وثقتها بأدهم، لكنه لم يستطع التخلص من القلق الذي ينهش داخله.
+
ظل صامتًا للحظات قبل أن يلتقط هاتفه. بدا وكأنه يحاول الاتصال بشخص ما، لكنه تردد. لم يكن يريد التصرف باندفاع قد يعمق الفجوة بينه وبين ألارا.
+
(عن ألارا):
في الغرفة الأخرى، ألارا كانت تمشي ذهابًا وإيابًا، محاولة تهدئة أعصابها. كلمات مروان لا تزال ترن في أذنيها، لكنها لم تكن متأكدة إن كانت تعكس حبه لها أم مجرد محاولته فرض السيطرة على حياتها.
+
أمسكت هاتفها للحظة، تفكر في الاتصال بأدهم، لكن شيئًا بداخلها منعها. لم ترد أن تبدو وكأنها تبحث عن ملاذ في كل مرة تواجه تحديًا.
+
(عن مروان):
في تلك الأثناء، قرر مروان أن هذه المعركة لم تنتهِ بعد. كان عليه أن يجد طريقة لإبعاد ألارا عن أدهم، حتى لو تطلب ذلك اللجوء إلى وسائل غير مباشرة.
+
المواجهة بينهما لم تكن النهاية، بل كانت بداية لصراع جديد بين مروان ورغبته في حماية ألارا بأي ثمن، وبين استقلاليتها وتمسكها بقراراتها.
+
……………
في المكتبة الصغيرة بالمستشفى..
كانت ريم تركز بشدة على الكتاب المفتوح أمامها، تحاول أن تغمر نفسها في الكلمات لتبقى بعيدًا عن أفكارها التي تزدحم بالمشاعر. لكن شيئًا غريبًا في الجو جعلها ترفع عينيها فجأة، لتجد معتصم واقفًا عند الباب، عينيه ثابتتين عليها، كأنه يراقبها منذ فترة طويلة.
+
شعرت بالارتباك يتسلل إلى قلبها، ولكنها حاولت أن تبدو هادئة، حتى لو كانت أعصابها مشدودة تمامًا.
+
معتصم (يقترب بخطوات واثقة، لكنه يوقف نفسه على مسافة قريبة):
“ريم.. ليه كل مرة بحاول أتكلم معاكي بتصديني؟”
+
ريم (تنظر إليه بنظرة باردة، محاولة أن تُخفي مشاعرها):
“علشان كده الأحسن تسيبني في حالي.”
+
لكن معتصم لم يبتعد، بل اقترب أكثر، وصوته كان منخفضًا لكنه مليء بالنية.
+
معتصم (بتنهدة خفيفة، وهو ينظر إليها بتركيز):
“وأنا فين حالي من غيرك؟”
+
خفق قلب ريم بشكل أسرع، وكأن كلماته أصابت مكانًا حساسًا. كانت تحاول مقاومة تأثيره، لكن مع كل خطوة يخطوها نحوها، كانت تحس وكأن المسافة بينهما تزداد ضبابًا. حاولت أن تُخفي ضعفها وراء نظرتها الجافة، لكن كلامه أصاب قلبها مباشرة.
+
ريم (تضيق عينيها، تحاول أن تظل متماسكة):
“إنت عارف إن كلامك ده مش هيغير حاجة.”
+
معتصم (يقترب أكثر، كأنه يقرأ مشاعرها التي لا تُقال، صوته يصبح أكثر إصرارًا):
“يمكن يغير جواكي… أنا عارف إنك لسه… لسه بتفكري.”
+
توقفت لحظة… كان صوته يحمل شيئًا يشبه الاعتراف، لكن دون أن يصرح به بشكل كامل. كان يُغلف كلماته بحذر، لكنه كان يقول لها كل ما تحاول أن تخفيه.
لم تستطع أن تتجاهل مدى عمق تأثيره عليها، لكنها كانت تعرف أن كل هذا مشاعر معقدة لا يجب أن تخرج للعلن.
+
ريم (بتنفس عميق، تنظر إلى الكتاب بين يديها للحظة ثم ترفع عينيها نحوه):
“مفيش حاجة هتتغير يا معتصم… ده كان قرارنا.”
+
معتصم (بعينين جادتين، محاولًا دفعها نحو التفاهم):
“أنا مش جايلك علشان أغير قرارك يا ريم… أنا جايلك علشان أقولك إنك مش لوحدك في اللي أنتي فيه… يمكن نبدأ من جديد، لو كنتي مستعدة.”
+
ريم كانت تحاول أن تبقي قلبها بعيدًا عن مشاعرها. لكن عيون معتصم كانت تلاحقها، وتبحث في أعماقها، وكأنها تجرأ على كشف كل شيء.
كان حديثه مليئًا بالأمل والحذر في ذات الوقت، وكل كلمة كان يقولها كانت تفتح نافذة صغيرة في قلبها كانت قد أغلقها بإحكام.
+
ريم (تهز رأسها ببطء، محاولة إبعاد المشاعر المحبوسة في قلبها):
“معتصم، فيه حاجات مش هتقدر تغيرها… وكل ما أفتح الباب ده تاني… أنا هخسر.”
+
معتصم (مقتربًا أكثر، صوت قلبه يعلو مع كلماته):
“يمكن اللي بتخافيه مش هو اللي هحصل. يمكن أنا اللي هخسر لو ما حاولتش.”
+
أحسّت ريم بأن مشاعرها تتأرجح بين الأمل والخوف، وأصبحت الكلمات تتردد في ذهنها دون أن تجد طريقًا لها.
لم تكن تريده أن يكون قريبًا، ولكن في نفس الوقت، لم تستطع أن تمنعه من الاقتراب. كان الأمر أكبر منها، أكبر من اللحظة التي يعيشونها الآن.
+
نظرت ريم إلى معتصم بعيونٍ مختلطة، ولم تجد ما تقوله. كانت تائهة في فكرها، مشاعرها مشتتة بين الماضي الذي يحاول معتصم استعادته وبين حاضرها الذي بدأ يتغير.
+
—
+
في اليوم التالي و بعد يوم جميل قضاه أدهم معها في مزرعة الخيول، تهافتت روحه لرؤيتها لعله يعبر لها عما يجول بقلبه من مشاعر أثقلت صدره… فاستدعاها لمكتبه بحجة تفقد بعض الملفات..
+
كان المكتب غارقًا في هدوء مشحون. ألارا كانت تقف أمام نافذة ضخمة تطل على المدينة، تشعر بنظرات أدهم التي تلاحقها بصمت. لم يكن هناك حاجة للكلمات؛ كل شيء في حضوره كان يكشف عن مشاعر عميقة لا يستطيع إخفاءها.
+
اقترب منها بخطوات هادئة حتى صار على بعد خطوة واحدة. صوته كان ناعمًا ولكنه يحمل شحنة من العاطفة المكبوتة:
ــ “كل مرة أشوفك… بحس إنك بتسحبي روحي لمكان تاني، لمكان كان مفروض أكون فيه من زمان.”
+
التفتت إليه ألارا ببطء، عيناها مليئتان بالخجل ولكن لا تخلو من الترقب.
شعرت أنها في مواجهة مشاعر لم تفهمها بالكامل، لكنها لم تعد تخشاها. أدهم مد يده بلطف، وكأنما يطلب الإذن. لم تبتعد.
+
بجرأة غير معتادة، وضع يده على كتفها ثم جذبها برفق إلى حضنه. لوهلة، شعرت ألارا بالتردد، لكنها استسلمت للحظة، وكأنها كانت تنتظر هذا القرب منذ زمن.
+
همس بصوت خافت وقريب:
ــ “أول مرة احضنك و متحاوليش تبعدي؟”
+
ابتسمت بخجل ولم ترد، لكن انفاسها المتلاحقة فضحت ارتباكها. لم تكن تعرف كيف تفسر شعورها، ولا لماذا لم تقاوم هذا القرب.
+
كانت اللحظة مشحونة بالعاطفة، ولكن فجأة انفتح الباب بعد طرقة خفيفة لم يسمعاها، ليظهر وجه ريم الغاضب والمصدوم.
+
ريم:
ــ “أدهم؟!”
+
قفزت ألارا بسرعة من بين ذراعي أدهم، وجهها احمرّ خجلًا، وبدأت تبحث عن حقيبتها وهي تتمتم:
ــ “آسفة… انا..أنا هسيبكم دلوقتي.”
+
خرجت ألارا مسرعة من المكتب، تاركة أدهم وريم في مواجهة متوترة.
+
ريم، بنبرة استجوابية:
ــ “إيه اللي كان بيحصل دلوقتي؟! أدهم… ده إنت!”
+
أدهم، محاولًا تهدئة الموقف:
ــ “ريم… الموضوع مش زي ما أنتي فاكرة.”
+
ريم، بحدة:
ــ “مش زي ما أنا فاكرة؟! أدهم، أنت عمرك ما لمست بنت ما تحلّش ليك، ودايمًا بتحاسب الناس حوالين الموضوع ده… فجأة بقيت شخص تاني؟!”
+
أدهم، بنبرة مليئة بالحنين:
ــ “انتي مش فاهمة يا ريم… ألارا مش شخص عادي بالنسبالي.”
+
ريم، وقد بدأت تستوعب:
ــ “أدهم… أنت مقتنع إنها ندى، مش كده؟”
+
أدهم، بنبرة مثقلة بالألم:
ــ “مش مقتنع… متأكد… كل حاجة فيها بتقولي إنها هي.. مش ممكن تكون مجرد صدفة.”
+
ريم، بغضب مشوب بالقلق:
ــ “حتى لو شبهها، ده مش يديك الحق تعمل كده! ألارا مش ندى، وأنت بتأذي نفسك قبل ما تأذيها.”
+
صمت أدهم للحظة، ثم قال بهدوء وكأنه يخاطب نفسه:
ــ “لو مش هي… ليه لما بلمسها بحس إن كل حاجة في حياتي رجعت لمكانها؟”
+
ريم، بحزم:
ــ “أدهم، لازم تواجه الحقيقة… مش تعيش في الوهم.”
+
تركته ريم وغادرت المكتب حتى انها من فرط صدمتها بشقيقها نسيت سبب زيارته لها، تاركة أدهم في صراع داخلي، ممزقًا بين الحقيقة والخيال، وبين عشقه العميق والشكوك التي تحيط به.
+
في المساء تأخرت ألارا في الشركة و غادرت في ساعة متأخرة..
كانت السماء تعصف بغضب شديد، المطر ينهمر بلا توقف، والرياح تصفع أوراق الأشجار بقوة.
حاولت ألارا أن تسلك طريقًا مختصرًا إلى المنزل، لكنها سرعان ما وجدت نفسها عالقة في منتصف الطريق، محاطة ببرك الماء التي حجبت الرؤية تمامًا.
السيارة تعطلت فجأة، وبدأ الذعر يتسرب إلى أعماقها.
+
“يا رب… مش عارفة أعمل إيه… البطارية خلصت.”
+
أخرجت هاتفها بيدين مرتجفتين، بحثت عن اسم أدهم بين جهات الاتصال، وكأنها لم تجد ملاذًا سواه.
ضغطت على اسمه، لكن الاتصال لم يتم بسبب انقطاع الشبكة.
أغلقت الهاتف بعصبية وضغطت على البوق طلبًا للمساعدة، لكن الصوت اختفى وسط عاصفة الطبيعة.
+
في تلك اللحظة، في منزل أدهم، كان يجلس على أريكة الصالة، ينظر بشرود إلى المطر المنهمر عبر النافذة. فجأة، شعر بشيء غريب، كأنه صوت داخلي يصرخ باسمها.
وقف بسرعة، قلبه ينبض بخوف لا يعرف مصدره. أمسك بهاتفه و اتصل بالارا عدة مرات و لكن في كل مرة كان الهاتف غير متاح..
قفزت في عقله فكرة ماذا لو لم تصل بعد لبيتها في هذا الطقس السيئ!!
أمسك بمفاتيح سيارته وخرج دون تفكير.
+
قاد سيارته بسرعة جنونية وسط الطرق الغارقة، وكأن حدسه يقوده مباشرة إلى ألارا.
عند وصوله إلى مكان قريب، لاحظ سيارة متوقفة بجانب الطريق. أدرك فورًا أنها سيارتها. ترجل مسرعًا، ينادي باسمها بصوت مضطرب:
+
“ألارا! ألارا!”
+
وجدها جالسة في المقعد الأمامي، مرتجفة وملامحها ممتزجة بين الخوف والتعب. فتح الباب واحتضنها بسرعة دون تفكير، يحاول طمأنتها.
(أدهم):
+
“ألارا إنتي كويسة؟ حصل لك حاجة؟”
+
(ألارا، بصوت ضعيف):
+
“كنت خايفة أوي… البطارية خلصت وما كنتش عارفة أعمل إيه.”
+
حملها بين ذراعيه، وكأنها تحمل كل ما تبقى له في هذه الدنيا، وضعها في سيارته بلطف، وغطاها بسترة كانت بجواره و انطلق بها الى اقرب مستشفى للإطمئنان عليها..
+
في المستشفى، كانت ألارا ترقد على السرير فاقدة للوعي، وأدهم جالس بجانبها وكأنه لا يرى العالم من حوله. أمسك يدها، ينظر إليها وكأنها ندى تمامًا، كأن الزمن عاد به.
لم يستطع منع نفسه من لمس شعرها، يمرر أصابعه بلطف وكأنه يعيد ترتيب ذكريات قديمة. كانت كل حركة تذكره بندى، كل نفس من أنفاسها ينعش قلبه المتعب.
(أدهم، بخفوت):
+
“ندى… كنت هتروحي مني تاني… لا مش هسمح بكده أبداً.”
+
مال برأسه نحو يدها وقبّلها بحنان، ثم همس وكأنها تسمعه:
+
“بعد ما رجعتيني للحياة تاني… عايزة تسيبيني؟! “
+
اقترب ببطء، لم يقاوم رغبته في لمس وجهها، تحسس وجنتها بحذر وكأنها قد تختفي إن ضغط بأصابعه أكثر. تحدث وكأنه يبرر لنفسه:
+
“إنتي ندى…أنا متأكد انك ندى.”
+
بقي بجانبها لساعتين، يستعيد ذكرياتهما معًا، ويتذكر كيف كانت تخجل حين ترتدي أمامه ملابس قصيرة، وكيف كان يمزح معها ليزيل عنها خجلها. فتح هاتفه ليشاهد صورها، وابتسم بألم. ثم عاد لينظر إليها وكأنها ندى التي عادت إليه بعد غياب طويل.
(أدهم، متمتمًا):
+
“لو تعرفي كنت خايف قد إيه… مش هسيبك تروحي مني تاني.”
+
عندما بدأت تتحرك قليلًا في نومها، أمسك يدها بقوة أكبر، وكأن ذلك يطمئنه أنها لن تتركه.
+
لم يعد يرى ألارا كشخص منفصل، بل كامتداد لندى، كجزء من روحه التي عادت إليه.
ابتسم حين فتحت عينيها ليسرع بضمها برفق الى صدره و هو يقول:
ـــ ندى انتي فوقتي.. عاملة ايه دلوقتي؟!
نظرت له بملامح متجهمة ثم قالت بنبرة باردة:
ـــ أنا ألارا..
تجمد للحظة، وكأنه استوعب كلماتها فجأة. بدا أن إدراكًا مؤلمًا ضربه في الصميم… تركها ببطء، ونظر بعيدًا وكأنه يخجل من نفسه.
+
(أدهم، بصوت مكسور):
+
“أنا آسف… غلطت لما ناديتك باسمها.”
+
صمت للحظة، لكن عينيه لم تستطع الهروب من عينيها، وكأن هناك قوة خفية تجبره على المواجهة. أكمل بصوت منخفض:
(أدهم):
“مش سهل عليا أنسى… ندى… كانت كل حاجة بالنسبالي… ولما شفتك في الحالة دي… حسيت إني بفقدك زيها.”
+
تراجعت ألارا في سريرها قليلًا، متأملة ملامح وجهه التي لم تُخفِ مشاعر القلق والانكسار.
شعرت بشيء مختلف؛ شيء أكبر من مجرد خلط بين هويتين.
(ألارا، بهدوء):
+
“أدهم، أنا مش زعلانة منك.. بس… مش عايزاك تشوفني كنسخة من حد تاني… أنا ألارا.”
+
نظر إليها وكأنه يحاول أن يزن كلماتها، ثم تنهد بعمق، وابتسم ابتسامة خافتة مليئة بالحزن:
+
“عارف… وكل مرة أقول لنفسي إني فاهم ده… بس الحقيقة إني ساعات بحس إن القدر بيحاول يرجّع لي اللي خسرته.. أو بيعاقبني على اللي حصل.”
+
اقترب منها مرة أخرى، وأمسك بيدها برفق، وكأنه يحاول أن يثبت لها شيئًا. عينيه كانت مملوءة بالمشاعر التي يصعب وصفها.
+
(أدهم، بنبرة جادة):
+
“أنا مش هقدر أتحمل إني أشوفك تجرحي… أو يحصلّك حاجة. اللي حصل النهاردة… كان كابوس. فكرة إنك ممكن تختفي من حياتي خلّتني أحس بأني برجع للمربع الأول.”
+
ألارا شعرت بذلك الصدق الجارف في كلماته. أرادت أن تضع حدًا لتلك الفجوة الغريبة بينهما، لكن في نفس الوقت لم تستطع إنكار تأثير كلماته عليها.
+
(ألارا، بابتسامة خافتة):
+
“طيب… بس اوعدني بحاجة.”
+
(أدهم):
+
“إيه هي؟”
+
(ألارا):
+
“تشوفني زي ما أنا… مش ظل لحد تاني.”
+
ابتسم، ورغم صعوبة الوضع، كانت ابتسامته مليئة بالدفء. أمسك بيدها بقوة أكبر قليلاً، وقال بصوت حاسم:
+
(أدهم):
+
“وعد.”
+
ثم استقام ببطء، وكأنه يريد أن يمنحها بعض الراحة. قبل أن يبتعد تمامًا، أضاف بهدوء:
+
الحوار (أدهم):
+
“بالمناسبة… دروس ركوب الخيل مستمرة. مش هقدر أوقفها، ومش هسيبك.”
+
بخطوات ثابتة لكنه مثقلة بالمشاعر، اقترب منها، ثم مال برأسه قليلاً وأشار:
(أدهم):
+
“تعالي، أوصلك البيت. مش هينفع أسيبك لوحدك في الحالة دي.”
+
أومأت ألارا برأسها بخجل، ثم تبعته بصمت. كانت تشعر أن هناك ثقلًا بينهما لم يُناقش بعد، لكنه لم يمنعها من ملاحظة الدفء في تصرفاته.
+
في الطريق إلى المنزل، كانت ألارا تحاول فهم ما يجول في ذهنه. أدهم كان يقود السيارة بصمت، لكن قبضته المشدودة على عجلة القيادة ونظراته التي تهربت منها كانت تعكس ما بداخله.
(ألارا):
+
“أدهم… ممكن أسألك سؤال؟”
+
(أدهم، بتركيز وهو ينظر إلى الطريق):
+
“اسألي.”
+
(ألارا، بتردد):
+
“مين هي ندى؟”
+
قبضته ارتخت قليلاً، لكن صمته كان أطول مما توقعت. شعرت أنه يحاول اختيار كلماته بعناية، لكن رده جاء هادئًا أكثر مما توقعت:
+
(أدهم):
+
“شخص كان جزء كبير من حياتي.”
+
تأملت ملامحه الجانبية، محاولة أن تستشف مشاعره من ردة فعله، لكنها لم تجد سوى قناع من الحيادية يخفي خلفه كل شيء.
+
(ألارا، بصوت منخفض):
+
“وحشتك، مش كده؟”
+
ارتسمت على وجهه شبه ابتسامة، لكنها كانت مليئة بالحزن.
+
(أدهم):
+
“ندي مش مجرّد ذكرى. هي كل حاجة… كانت.”
+
كلماته، رغم بساطتها، حملت معها ثقلًا كبيرًا. شعرت ألارا بشيء من الحزن لأجله، لكنها لم تكن تجرؤ على سؤاله المزيد. فجأة، أوقف السيارة أمام منزلها والتفت إليها:
(أدهم):
+
“أنتي محتاجة ترتاحي… متفكريش في أي حاجة دلوقتي.”
+
لكن فضولها لم يكن ليسمح لها بالسكوت. قبل أن تفتح باب السيارة، التفتت إليه مرة أخرى:
+
(ألارا):
+
“طب ليه مبتحبش تتكلم عنها؟ أو حتى… تشوفها بشكل مختلف؟”
+
نظر إليها نظرة طويلة هذه المرة، وكأنه يبحث عن إجابة وسط أفكاره المتشابكة. لكنه اكتفى بالقول:
+
(أدهم):
+
“لأن في حاجات لو اتكلمنا عنها، بنرجّع وجعها.”
+
فتحت باب السيارة بهدوء، لكنها لم تستطع تجاهل الحزن الذي أحاط بكلماته.
أدهم كان أكثر تعقيدًا مما اعتقدت، لكنها شعرت أيضًا أنه يحمل أعباءً أكبر مما يبوح به.
+
بعد نزولها، تابع أدهم النظر نحو المنزل لفترة طويلة، كأنه يتأكد أنها بأمان. ثم، بصوت بالكاد يسمعه، همس لنفسه:
(أدهم):
+
“ندى… أو ألارا… أنا مش عارف أفرق بين اللي عايز أعيشه واللي مش قادر أنساه.”
+
ثم أدار السيارة وعاد أدراجه، لكن صور ألارا في لحظة احتباسها داخل السيارة لم تفارقه للحظة واحدة.
+
يتبع
مع تحياتي /دعاء فؤاد
التعليقات