التخطي إلى المحتوى

                              

                                    

في صباح جميل بمدينة الاسكندريه.. 

كانت السماء تمتد بصفاء يوازي مياه البحر الهادئة، والهواء المنعش يحمل عبق الملح والرطوبة. وقف أدهم على طرف اليخت، يراقب ألارا وهي تجلس على الأريكة الخارجية، عيناها تسرحان في الأفق، وشعرها يتطاير مع النسيم.

+

(أدهم، بنبرة هادئة):

“عارفة… المكان ده دايمًا كان بيخليني أفتكر حاجات قديمة. ذكريات ما بتنتهيش.”

+

(ألارا، بابتسامة طفيفة):

“الذكريات دايمًا بتطاردنا، مش كده؟”

+

جلس بجانبها، واضعًا حقيبة صغيرة على الطاولة بينهما.

+

(أدهم):

“صحيح. بس في حاجات لما نفتكرها، بنكتشف إنها مش واضحة زي ما كنا فاكرين.”

+

فتحت ألارا عينيها بفضول، وراقبته بينما فتح الحقيبة. أخرج منها باروكة قصيرة ذات غرة كثيفة، وعدسات لاصقة بنية اللون، وملابس صيفية أنيقة.

+

(ألارا، بدهشة):

“إيه ده؟ إنت ناوي تعمل جلسة تصوير؟”

+

ضحك أدهم، لكن عينيه كانت ثابتة عليها، كأنه يزن ردود أفعالها.

+

(أدهم):

“لا، فكرتها مجرد لعبة. قلت نتخيل حاجة مختلفة. فكرت أشوفك بشكل جديد…زي ما كنت دايما بتخيلك”

+

(ألارا، بابتسامة خجولة):

“أوه… يعني شايفني محتاجة تغيير؟”

+

(أدهم):

“بالعكس… أنا بس عايز أشوفك بشكل ممكن يكون… مألوف أكتر.”

+

أخذت ألارا الملابس والباروكة بين يديها، نظرت إليها، ثم إلى أدهم.

+

(ألارا):

“طيب… ما عنديش مانع. بس، مستغربة إيه اللي خلاك تفكر في ده؟”

+

(أدهم، مترددًا، يحاول إخفاء اضطرابه):

“يمكن عشان دايمًا بحب أكتشف حاجات جديدة عن الناس اللي بحبهم.”

+

اختفت ألارا في غرفة صغيرة داخل اليخت، وتركت أدهم جالسًا وحده. بدأ عقله يموج بالأفكار، مترددًا بين شكوكه وما قد تكشفه هذه اللحظة.

+

خرجت بعد دقائق، مرتدية الملابس التي اختارها، وقد وضعت الباروكة بعناية. عيناها الواسعتان تطلان عليه بنظرة مليئة بالدهشة والمرح.

+

(ألارا):

“ها… إيه رأيك؟”

+

تجمدت جسده حين رآها تطل عليه بهيئة ندى.. لا لا بل هي ندى بالفعل.. 

حاول ان يسيطر على علامات الصدمة التي احتلته حتى لا تتزعزع ثقتها به ثم ابتسم أدهم ابتسامة باهتة، لكنه لم يقل شيئًا. 

كان يشعر أن الكلمات تخونه، كل حركة منها تقربه خطوة نحو الحقيقة التي لا يريد مواجهتها.

+

(ألارا، وهي تقترب منه):

“على فكرة، ما كنتش محتاجة العدسات البنية… لون عيني أصلاً بني.”

+

سقطت كلماتها كالصاعقة على أذنيه. اتسعت عيناه، وانعقد حاجباه في صدمة غير قابلة للإخفاء. تراجع خطوة إلى الخلف، وكأنه يحاول الهروب من الحقيقة التي انهارت أمامه فجأة.

+

(ألارا، باستغراب):

“أدهم؟ فيك حاجة؟”

+

رفع يده مشيرًا أنه بخير، لكنه لم يكن كذلك. شعر أن ساقيه لا تقويان على حمله. استدار دون أن يجيبها، واتجه نحو حافة اليخت و خلع التيشيرت.. 

+

(ألارا):

“أدهم! استنى، إنت بتروح فين؟”

+

لم ينظر خلفه… فق قفز إلى الماء فجأة، تاركًا إياها مذهولة في مكانها.

+

تحت سطح البحر، كان كل شيء صامتًا. غطس أدهم في المياه الباردة، محاولاً إغراق صرخاته، أفكاره، وجنونه. الحقيقة كانت واضحة الآن: هي ندى. كيف؟ ولماذا؟ الأسئلة كانت تطارده كأمواج لا تهدأ.

+

ظل تحت الماء يفكر في كل شيئ… كيف تحولت ندى لألارا… من هو نديم.. كيف وصلت الى تلك المرحلة من التغيير… كيف أنها لا تعرفه… حتى بدأ صدره يصرخ طلبًا للأكسجين. 

رفع رأسه فوق السطح بعنف، أخذ شهيقًا عميقًا، وكأنه يفرغ غضبه في الهواء.

+

(أدهم، لنفسه بصوت خافت):

“إزاي؟… إزاي دا حصل؟”

+

سبح باتجاه اليخت ببطء، وملامحه تحمل خليطًا من الصدمة والجنون المكتوم. صعد على متن اليخت، ووجد ألارا تقف تنتظره، القلق يكسو وجهها.

+

(ألارا):

“إنت كويس؟ إيه اللي حصل؟”

+

نظر إليها، ولم يقل شيئًا. ابتسم ابتسامة هادئة، تخفي عاصفة في داخله.

+

(أدهم):

“آسف…مش عارف.. حسيت فجأة اني كنت محتاج الغطس دا”

+

لكن داخله لم يكن بخير. أدهم كان يعلم أن الخطوة القادمة ليست معها. عليه أن يواجه نديم. الحقيقة كانت قريبة جدًا، لكنه لم يكن مستعدًا لها بعد.

شعر بأن شيئًا ما داخله قد انقلب رأسًا على عقب. لم يعد الأمر مجرد شك أو صدفة غريبة؛ كان متأكدًا الآن أن ألارا ليست سوى ندى، زوجته التي ظن أنه فقدها إلى الأبد. ولكن كيف؟ ولماذا هذا التغيير الجذري؟

+

جلس قبالتها مرة أخرى، وكانت ما تزال ترتدي الباروكة و ملابس ندى، تمامًا كما طلب منها. نظراتها كانت مشوبة بالدهشة، لكنها لم تبتعد أو تظهر أي نفور. كان في عينيها سؤال، لكنه لم يترك لها مجالًا لتسأله.

+

(أدهم، بنبرة هادئة لكنها مشبعة بالشجن):

“ألارا… بتحسي إن في حاجة ناقصة في حياتك؟ حاجة مش مفهومة؟”

+

رفعت عينيها إليه، تشعر بنغمة مختلفة في صوته، شيء بين الحنين والحب، لكنها اكتفت بالرد بحذر:

“مع انك سالتني السؤال دا كتير.. كلنا بنحس إن في حاجة ناقصة أحيانًا، بس أنا راضية باللي عندي.”

+

ابتسم ابتسامة صغيرة، وكأن كلمتها الأخيرة تلامس شيئًا دفينًا بداخله. ثم وقف فجأة واقترب منها بخطوات واثقة، وكأن الخوف الذي كان يسيطر عليه قد تبدد. أمسك بيدها برفق، وأشار إلى الأفق حيث البحر يلتقي بالسماء.

+

(أدهم):

“عارفة يا ألارا… كان عندي يقين إن الحب الحقيقي مش ممكن يضيع، مهما حصل… وإن اللي مكتوب لينا دايمًا بيرجع لينا.”

+

        

          

                

نظرت إليه باستغراب، لكنها لم تسحب يدها. كانت المرة الأولى التي ترى فيها هذا الجانب المختلف منه، الجانب العاطفي الجريء.

+

(أدهم، ينظر في عينيها):

“حسيت إني فقدت جزء كبير من روحي لما… لما ندى راحت… لكن وجودك، قربك، رجعلي إحساس إني لسه حي… حتى لو ما فهمتش كل حاجة دلوقتي، أنا متأكد إنك السبب.”

+

شعرت ألارا بارتباك، لكنها في نفس الوقت لم تستطع أن تخفي ابتسامتها. كان هناك شيء في كلماته يحرك مشاعرها، وكأن قلبها يعرف هذه الكلمات، هذه النبرة.

+

(ألارا):

“أنا مش عارفة أقولك إيه… بس يمكن… يمكن كلامك فيه حاجة حقيقية.”

+

في تلك اللحظة، اقترب منها أكثر، ونظر إليها نظرة عميقة، ثم رفع يده ولمس الباروكة برفق، كأنه يعيد تشكيل ملامحها القديمة في ذهنه.

+

(أدهم، هامسًا):

“النهارده بس، حسيت إنك أقربلي من أي وقت فات. وصدقيني… ما عنديش نية أبعد عنك تاني.”

+

لم ترد، لكنها شعرت بدفء كلماته يغمرها. وفي داخله، أدرك أدهم أن الخطوة التالية يجب أن تكون حاسمة. سيبحث عن نديم. 

سيواجهه بكل ما لديه من تساؤلات. ولكن حتى ذلك الحين، سيبقى قريبًا من ألارا، يتعامل معها كأنها ندى، دون أن يضغط عليها بالحقيقة التي باتت واضحة له.

+

قضيا اليوم ما بين تعليمها السباحة الى تناول الطعام سويا و كأنهما زوجان في شهر العسل.. اندمجت ألارا معه للغاية و لم تستنكر موقعها بالنسبة لحياته، و كأنه بالفعل زوجها.. 

+

كان البحر ساكنًا في تلك الليلة، والقمر ينير الأمواج المتراقصة حول اليخت، ليخلق جوًا كالحلم. وقف أدهم عند حافة اليخت، مستندًا إلى الدرابزين، وأشار إلى ألارا أن تقترب.

+

(أدهم، بنبرة مرحة ودافئة):

“تعالي هنا… لازم تحسي بإحساس مميز وانتى وسط البحر.”

+

تقدمت ألارا نحوه ببطء، ووقفت بجواره، لكنه فجأة أمسك بيدها وسحبها لتقف أمامه تمامًا، كأنها تعيش مشهدًا من فيلم سينمائي.

+

(أدهم، بخفة وهو يرفع ذراعيها):

“زي ما بيعملوا في الأفلام… بس ده أحلى، لأن ده إحنا.”

+

ابتسمت رغم نفسها، وأغمضت عينيها للحظة، لتشعر بنسيم البحر يداعب وجهها. كان إحساسًا جديدًا، لكنها لم تتوقع ما حدث بعد ذلك.

+

اقترب منها أدهم، واحتضنها برفق من الخلف، بينما كان صوته يهمس في أذنها:

“ألارا… وجودك هنا معايا بيعنيلي أكتر مما تتخيلي.”

+

لم ترد، لكنها شعرت بدفء حضنه وقربه بطريقة جعلت قلبها ينبض بعنف. كان هناك شيء مطمئن في قربه، شيء لم تستطع تفسيره.

+

استدار بها ليواجهها، نظر في عينيها مباشرة، وكأنما يحاول أن يقرأ أعمق أسرارها. اقترب أكثر، حتى كادت أنفاسهما تتلاقى. ترددت للحظة، لكن قربه لم يدع مجالًا للمقاومة.

+

        

          

                

قبّلها بلطف، قبلة مليئة بالشوق والحنين، وكأنها كانت تنتظره منذ سنوات. تفاعلها معه كان عفويًا، لكنها لم تدرك ما يدور في عقله حين شعر فجأة بندبة صغيرة تحت أطراف أصابعه وهو يلامس خاصرتها المكشوفة.

+

(أدهم، متوقفًا وهو ينظر إليها بدهشة):

“إيه ده؟ الجرح ده كان إيه سببه؟”

+

نظرت إليه للحظة، وكأنها تحاول البحث عن إجابة مناسبة، ثم قالت بهدوء:

“حادثة قديمة… حاجة حصلت من زمان، مش فاكرة تفاصيلها كويس.”

+

توقف أدهم لبرهة، يحاول أن يربط بين كلامها وما يعرفه عن الحادث الذي أودى بحياة ندى. عادت ذكريات تلك الليلة المأساوية تتسرب إلى ذهنه، كأنها قطع أحجية تتناغم ببطء.

+

(أدهم، بحذر وهو يحاول أن يبقي نبرته طبيعية):

“حادثة قديمة؟… كانت كبيرة؟ أثرت على حياتك؟”

+

(ألارا، بحذر واضح):

“أعتقد… كنت محظوظة أني نجيت منها.. بس مش بحب أتكلم عنها كتير.”

+

شعر أدهم بأنها تحاول الهروب من الموضوع، فقرر أن يتراجع، دون أن يُظهر شكوكه. لم يكن يريد أن يُفسد اللحظة أو يثير قلقها.

+

(أدهم، بابتسامة خفيفة):

“خلاص… مش هتكلم في اللي يزعلك.. أهم حاجة إنك هنا، وإننا بنعيش اللحظة دي مع بعض.”

+

أمسك بيدها مجددًا، وقرر أن يترك الأمر مؤقتًا. لكنه كان متأكدًا من شيء واحد: الخطوة القادمة لن تكون مجرد انتظار. كان عليه أن يواجه نديم، وأن يجد الحقيقة مهما كلفه الأمر.

+

وفي تلك اللحظة، كان البحر يحمل أسرارهما معًا، لكن في قلب أدهم، كانت الحقيقة تزداد وضوحًا، كضوء القمر الذي ينير عتمة الليل.

+

كان القمر يعكس ضوءه الفضي على سطح الماء الهادئ، مما أضفى سحرًا إضافيًا على تلك الليلة. كانا واقفين بالقرب من حافة اليخت، والنسيم العليل يحيط بهما، يحمل معه رائحة البحر.

+

اقترب أدهم أكثر، هذه المرة دون تردد، ورفع يده ليلامس وجهها بلطف.

+

(أدهم، بصوت منخفض وعاطفي):

“انتي مش مجرد شخص دخل حياتي… انتي الحلم اللي كنت فاكر إنه مستحيل أعيشه تاني.”

+

كانت كلماته أشبه بموسيقى هادئة تصل إلى قلبها مباشرة. شعرت بتوتر طفيف، لكنه كان ممتزجًا بدفء غريب. لم تفهم تمامًا سبب هذا الشعور، لكنها لم تستطع مقاومته.

+

أمسك بيدها وقادها لتجلس معه على الوسائد المريحة الموضوعة على سطح اليخت. مد ذراعه ليحيط بها، وسحبها برفق لتستند على صدره.

+

(أدهم، وهو يهمس في أذنها):

“كنت فاكر إني فقدت الإحساس ده للأبد… إحساس إن فيه حد ينتمي ليا.. حد يديني حياة جديدة.”

+

أغلقت عينيها للحظة، تحاول أن تستوعب كلماته. شعرت بالأمان بين ذراعيه، وكأنها وجدت مكانًا أخيرًا تنتمي إليه.

+

        

          

                

أمال رأسها لينظر في عينيها بعمق، ثم طبع قبلة طويلة على جبينها. لم تكن قبلة عادية؛ كانت مليئة بالشوق، بالحب، وبحنين لا يوصف.

+

(ألارا، بصوت منخفض يشوبه الخجل):

“أدهم… ليه بتعاملني كأنك تعرفني من زمان؟”

+

(أدهم، مبتسمًا وهو يلامس وجنتها برفق):

“يمكن… لأنك مش مجرد غريبة… يمكن قلبي عرفك قبل ما عقلي يستوعب ده.”

+

ابتسمت بخجل، لكنه لم يتوقف عند ذلك. مد يده ليمررها على كتفها المكشوف بلطف، وكأنما يستكشف ملمس بشرتها لأول مرة.

لم تكن هناك أي مقاومة منها، بل شعرت بشيء جديد تمامًا: نوع من الانجذاب العميق الذي لم تجربه من قبل.

+

اقترب منها أكثر، وهمس بصوت خافت:

“ألارا… عايزك تعرفي إن وجودك جنبي هو الحاجة الوحيدة اللي بتديني أمل في الحياة.”

+

لم تستطع الرد، لكن نظراتها كانت كافية لتخبره بكل شيء. شعرت بأنها للمرة الأولى وجدت شخصًا يمكنها الثقة به، رغم أنها لا تزال تحمل في داخلها أسرارًا لم تبح بها.

+

في هذه اللحظة، وبينما كانا في حالة من القرب الحميمي، شعر أدهم بندبات أخرى تحت أطراف أصابعه، أكثر وضوحًا هذه المرة. سألها برفق وهو يمرر يده على ساقها:

(أدهم، مستفسرًا بصوت دافئ):

“الجروح دي… مالهاش علاقة بالحاضر، صح؟”

+

رفعت رأسها لتنظر إليه، ثم تنهدت وقالت:

“زي ما قلتلك… حادثة قديمة مش مهم نتكلم عنها.”

+

لم يرد أن يضغط عليها، لكنه لم يستطع إبعاد الفكرة عن ذهنه. كان كل شيء يقوده إلى نتيجة واحدة: هي ليست مجرد ألارا. هي ندى، زوجته التي كان يظنها مفقودة.

+

بدلاً من المواجهة، اختار أن يبقى في هذه اللحظة. جذبها أكثر إليه، كأنما يحاول أن يثبت لنفسه أنها حقيقية، أنها هنا معه.

+

(أدهم، بنبرة واثقة):

“مش مهم الماضي دلوقتي… المهم إننا هنا، مع بعض.”

+

ومع هذه الكلمات، عانقها بحرارة، وكأنما يحاول أن ينقل لها كل الحب والشوق الذي احتجزه في داخله لسنوات. كانت لحظة مزيج من الحب والرغبة، لحظة أكد فيها لنفسه أنه لن يدعها تذهب مرة أخرى، مهما كانت الحقيقة.

+

بينما كان أدهم يحتضنها بقوة، شعر بارتياح غريب يمتزج برغبة عميقة في استعادة “ندى” بالكامل، بكل تفاصيلها التي يحبها. لكنه اختار أن يترك الأمور تأخذ وقتها.

+

بعد لحظات من الصمت المليء بالمشاعر، قالت ألارا بهدوء:

“بحس إنك دايمًا عايز حاجة مني… حاجة أنا مش فاهمها.”

+

ابتسم أدهم بخفة، كأنه يخفي مشاعره:

“مش عايز حاجة غير وجودك جنبي… الباقي تفاصيل.”

+

لم تصدقه بالكامل، لكن دفء كلماته جعلها تصمت.

+

قرر أدهم أن يغير الأجواء قليلاً، فوقف ودعاها للوقوف معه عند مقدمة اليخت. كان المشهد ساحرًا، الهواء المنعش والأمواج التي تلامس الهيكل. أمسك بيدها وقادها إلى حافة السطح، ثم وقف خلفها، واضعًا يديه على خصرها بلطف.

+

        

          

                

(أدهم، بابتسامة هادئة):

“عارفة المشهد ده؟ تايتانيك؟ دايمًا كنت شايفه رومانسي.”

+

ضحكت بخفة وقالت:

“آه… بس إحنا بعيد عن قصة التايتانيك التراجيدية دي… صح؟”

+

(أدهم، بجدية مموهة بابتسامة):

“أكيد بعيد… إحنا قصتنا نهايتها سعيدة.”

+

قربها إليه أكثر، حتى شعرت بأنفاسه على رقبتها. لأول مرة منذ التقيا، لم تشعر بالخوف أو الحذر، بل بشيء يشبه الراحة. فجأة، طبع قبلة خفيفة على كتفها المكشوف.

+

(ألارا، بخجل):

“أدهم… إحنا هنا عشان ننبسط، مش عشان مشاعر معقدة.”

+

(أدهم، بابتسامة واثقة):

“مين قال إن الحب معقد؟.. الحب هو أبسط حاجة… و أصدق حاجة.”

+

تركته يكمل حديثه، لكنها لم تنظر إليه. كان داخلها صراع غريب، بين ما تشعر به الآن وما تخاف منه. هل هو مجرد رجل يعبر عن إعجابه، أم هناك شيء أعمق؟

+

+

بينما استمر أدهم في هذه اللحظة الرومانسية، كان عقله يعمل بلا توقف. لا تزال آثار الحادث على جسدها، وتلك التفاصيل الصغيرة، تضغط عليه بشدة. فجأة، سألها بحذر، محاولًا كسر الجدار بينها وبينه دون إثارة شكوكها:

+

(أدهم):

“ألارا… عمرك فكرتي في شخص من الماضي، حد مش فاكرة عنه كتير لكن تحسي إنه جزء منك؟”

+

(ألارا، بتردد):

“مش فاهمة قصدك… يعني زي إيه؟”

+

(أدهم، محاولًا الحفاظ على هدوئه):

“زي حد حسيتي إنك عايزة تكوني معاه، بس مش عارفة السبب؟”

+

تراجعت قليلاً ونظرت إليه نظرة حائرة، كأنها تحاول تفسير ما يقصده. ثم قالت بهدوء:

“يمكن… بس لو كنت أعرف، كنت حكيتلك.”

+

ابتسم لها، لكنه شعر بأن شيئًا ما يقف بينه وبين الحقيقة. قرر أنه لن يفسد هذه اللحظة، وبدلاً من ذلك، سيستمتع بقربها الآن ويخطط لمواجهته القادمة مع نديم.

+

+

وبينما كانت الليلة تمضي، والنسيم يتلاعب بشعرها، أدرك أدهم أنه أقرب من أي وقت مضى إلى ندى، إلى زوجته، حتى لو كانت ترتدي قناع “ألارا”. لكن عليه أن يتعامل بحذر، حتى لا يخسرها مجددًا.

+

بعد أن أتمّا لحظتهما عند مقدمة اليخت، عاد أدهم ليجلس على أريكة في زاوية السطح، مستندًا بظهره، بينما كانت ألارا تجلس بجواره. أمسك بيدها دون تفكير، متأملاً في عينيها اللتين كشفتا عن شيء جديد لم يكن قد لاحظه من قبل.

+

(أدهم، بنبرة منخفضة لكن مليئة بالشجن):

“عارفة يا ألارا… ساعات بحس إن القدر بيدينا فرصة تانية، بس مش دايمًا بنقدر نفهمها من أول مرة.”

+

نظرت إليه بحذر، وكأنها تحاول فك شيفرة كلماته. لم ترد، لكن ملامح وجهها عكست قلقًا ممزوجًا بفضول. أكمل بصوت أهدأ:

“مش بحاول أخوفك، بس حاسس إنك… إنك كنتي دايمًا قريبة مني أكتر ما تتخيلي.”

+

        

          

                

شعرت وكأن الهواء بينهما أصبح أثقل. سحبت يدها برفق، قائلة بابتسامة مرتبكة:

“أدهم… أنا مش فاهمة أنت بتتكلم عن إيه بالضبط.”

+

رأى التوتر في عينيها، فاختار ألا يضغط أكثر. لكنه أيضًا لم يستطع كبح الكلمات التي بدأت بالخروج من أعماقه:

“أنا آسف… بس صدقيني، في حاجات كتير عايز أقولها، بس مش عايز أستعجل.”

+

ثم فجأة، قرر أن يفتح الموضوع الذي ظل يؤرقه منذ لمس آثار الجروح على ساقها. قال بهدوء وهو ينظر بعيدًا نحو الأفق:

“الندبات اللي على رجلك و وسطك… بتحسي بحاجة لما تفكري فيها؟ أو حتى لما تشوفيها؟”

+

ترددت للحظة، وكأنها تقلب الإجابة في ذهنها. أخيرًا، قالت بصوت هادئ لكنه مشوب بالحزن:

“مش بحب أتكلم عنها كتير… هي نتيجة حادثة زمان، بس مش متذكرة تفاصيلها كلها.”

+

كانت تلك الجملة كافية لتثير عاصفة في عقل أدهم. كيف لا تتذكر حادثها؟ ولماذا تشعر بالراحة في الحديث عن الأمر دون خوف أو محاولة إخفاء شيء؟ لكنه قرر أن يبقي مشاعره مكبوتة، رافضًا مواجهة الحقيقة قبل أن يستعد تمامًا.

+

(أدهم):

“معلش لو سألت، بس بتحسي إنها بتوجعك؟”

+

ابتسمت، لكن ابتسامتها كانت مشوبة بغصة:

“مش الجروح اللي بتوجع، الذكريات اللي مرتبطة بيها هي اللي بتوجع أكتر.”

+

تلك الكلمات أصابت أدهم كالسهم في صدره. هل هي تتحدث عن ذكريات ندى؟ عن الحادث الذي غير حياتها للأبد؟ اختلطت عليه مشاعره بين الحزن والغضب، لكنه أخفى ذلك بابتسامة مطمئنة.

+

+

لاحقًا، قرر أدهم أن يصنع لحظة ختامية لهذا اليوم لا تُنسى. قادها إلى أسفل سطح اليخت، حيث أعد عشاءً خفيفًا على طاولة صغيرة تطل على المياه. أضاء شموعًا، وفتح زجاجة عصير ، محاولاً جعل الأجواء أكثر حميمية.

+

(أدهم، وهو يسكب العصير):

“عارفة يا ألارا، بحس إن فيه حاجة فيكي بتخليني عايز أبقى أفضل نسخة مني… كأنك بتخليني… أفتكر مين أنا.”

+

نظرت إليه، متأثرة بكلماته التي بدت صادقة تمامًا. شعرت أن هناك شيئًا في عينيه يشبه الدموع، لكنه كان يخفيها جيدًا. قالت بخفوت:

“وأنا… مش متعودة حد يعاملني بالطريقة دي. كأنك بتشوفني بشكل أنا مش شايفاه.”

+

(أدهم، بابتسامة):

“لأنك تستاهلي.”

+

في تلك اللحظة، قررت ألارا أن تنسى تحفظها لبعض الوقت. ابتسمت له، ووضعت يدها على يده بحركة عفوية. كان هذا كافيًا ليشعر أدهم وكأنه عثر على جزء مفقود من روحه. لكنه في داخله كان يعلم أن القصة لم تنتهِ بعد. بل بالكاد بدأت.

+

+

انتهت الليلة بهدوء، لكن في عقل أدهم، كانت فكرة واحدة تتردد: “لازم أرجعك يا ندى… لازم أعرف كل حاجة عشان نبدأ من جديد.”

+

-أثناء قيادة أدهم للسيارة على الطريق الساحلي، كانت ألارا تجلس بجواره، تراقب المناظر التي تتسارع حولهم. لكنه لم يكن يرى شيء مما حوله. 

عقله كان غارقًا في أفكار عديدة عن تلك الرحلة، والشخصية الغامضة التي أمامه. كان يشعر أن كل شيء بات أكثر تعقيدًا، وأحس أن هناك شيئًا ما غريبًا في ألارا.

+

قرر أن يواجهها، لكن بحذر، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يتحدث:

+

“في حاجة لازم أسألك عنها. العدسات الخضرا.. ليه مش بتغيريها؟.. مش غريب تلبسي لون مش طبيعي لعيونك؟”

+

ألارا أخرجت ضحكة خفيفة، ثم ابتسمت، لكن ابتسامتها كانت مليئة بالحذر، كما لو كانت تحاول تبرير شيء ما في قلبها:

+

“علشان بابا… هو كان بيعشق العيون الخضرا.. لأن عيون anne قصدي ماما  كده، وكان دايمًا بيقولي إن اللون ده هو اجمل لون في الوان العيون و كان نفسه يكون لو عيوني كدا… فطلب مني ألبس العدسات دي. حتى مروان مش عارف إن عيوني أصلاً بني.”

+

كلماتها كانت تؤثر في أدهم كالصاعقة. كان يراقب وجهها عن كثب، وكل شيء أصبح واضحًا أمامه، لكنه حاول التماسك قدر الإمكان.

+

“مروان مش عارف؟ يعني… في حاجة غريبة في الموضوع ده.”

+

ألارا ردت وكأنها تحاول أن تكون هادئة، لكن كان هناك شيء في صوتها يدل على أنها تتهرب من السؤال:

+

“مروان لسة متعرف عليا من ست شهور بس…لما جالنا تركيا مع باباه و مامته و اخته…بابا بيقول ان اخوه و عيلته مش زارونا من زمان… من و انا لسة صغيرة في الابتدائية.. مروان فضل معانا لحد ما نزلنا مصر… و عمو و مراته و بنته سافروا امريكا و سابوا مروان يدير شركاته و املاكه اللي في مصر “

+

أدهم شعر بقلبه يثقل. كان هذا الموقف يزداد غموضًا، وهو بدأ يربط الأمور ببعضها أكثر.

+

ثم سألها بحذر، لكن فضوله كان يزداد:

+

“طيب… طبعا بما انك عايشة في تركيا من صغرك… ليه لهجتك المصرية قوية بالشكل دا؟ مش حاجة غريبة إنك تعرفي اللهجة دي و تتقنيها بالطريقة دي؟”

+

ألارا توقفت للحظة، وأخذت نفسًا عميقًا، ثم أجابت بصوت هادئ، مع ذلك، كان هناك ارتباك واضح في عينيها:

+

“أنا… مش فاكرة… يمكن بابا هو اللي خلاني اتقنها… في حاجات كتير مش عارفاها اوي… لكن أنا كنت صغيرة وقتها.”

+

أدهم كان يشعر بتسارع ضربات قلبه، وعقله يعيد ترتيب كل التفاصيل في رأسه. ما الذي كانت تخفيه؟ كل كلمة كانت تشير إلى شيء أكبر. 

كان يعلم في أعماقه أنه لا بد أن تكون ندى، لكن لماذا كل هذه التغييرات؟ ومن هو نديم؟

+

“يعني… طالما حياتك كلها كانت في تركيا، إزاي مفيش تفاصيل واضحة؟ ليه كل حاجة ضبابية؟”

+

ألارا صمتت لبرهة، ثم أجابت بتردد، وكأنها تفتح نافذة من التوتر:

+

“أنا مش عارفة أقولك ايه؟.. كانت فترة مش واضحة بالنسبالي.”

+

كلماتها جعلت أدهم يشعر أنه اقترب أكثر من الحقيقة. لكن ماذا يفعل الآن؟ هل يواجهها بكل شيء؟ أم أنه يجب أن يكتشف المزيد قبل أن يتحدث؟ سؤال واحد بدأ يطارد ذهنه: من هو نديم؟ وأين الحقيقة الكاملة؟

+

—–

يتبع…. 

+

ايه رأيكم؟! 

توقعاتكم..

مع تحياتي 

دعاء فؤاد

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *