التخطي إلى المحتوى

رواية مهمة زواج الفصل الخمسون 50 بقلم دعاء فؤاد 

                                    
منزل مودة كان غارقًا في سكونٍ معتاد، يتخلله صوت النسيم الذي يتسلل من النوافذ المفتوحة. كان الجو يعكس هدوءًا ظاهريًا، لكنه كان يخفي في أعماقه الكثير من المشاعر المضطربة.
+
دق الباب برفق، فتح محمد، والد مودة، ليجد آسر واقفًا خلفه. لمح في عينيه شيئًا مختلفًا هذه المرة، شعورًا بالتصميم الذي لم يعتده منه من قبل. ابتسم محمد ابتسامة خفيفة لكنه حذرة.
+
ــ “أهلاً يا آسر، اتفضل.”
+
دخل آسر بخطوات ثابتة، يحاول السيطرة على توتره. لمح مودة تجلس على الأريكة، مرتدية فستانًا بسيطًا و حجابا رقيقا على رأسها، وجهها يحمل ملامح هادئة، لكنها شاحبة قليلاً، وكأنها لا تزال تعيش في ظل صدمة الحقيقة التي اكتشفتها قبل أسابيع قليلة. رفع محمد يده ملوحًا نحو المطبخ.
+
ــ “هجيب شاي وأسيبكم شوية تتكلموا.”
+
نظر آسر نحو مودة، محاولًا أن يلتقط أنفاسه. جلس على كرسي قريب منها، وترك للحظات الصمت أن تملأ المكان قبل أن يبدأ بالكلام بصوت هادئ، لكنه مليء بالعاطفة:
+
ــ “مودة… أنا عارف إن الفترة اللي فاتت كانت صعبة عليكي، وأكيد ما كانش سهل تواجهي الحقيقة بالشكل ده. عشان كده… احترمت رغبتك لما طلبتي تبعدي شوية.”
+
نظرت مودة إليه بعيون غامضة، وكأنها تتأرجح بين الحزن والرغبة في الحديث. لكنها لم تقاطعه، فتابع:
+
ــ “بس أنا مش هقدر أبعد أكتر. كل يوم كنت بحاول أعيش من غيرك، كنت بفشل. أنا عارف إن اللي عرفتيه عن قلب ميري، وعن الماضي، ممكن يكون عامل زي الجرح المفتوح، لكن أنا هنا النهارده علشان أقولك حاجة واحدة… أنا بحبك يا مودة، وبحبك عشانك إنتي، مش لأي سبب تاني.”
+
مودة أغمضت عينيها للحظة، محاولةً استجماع شجاعتها للرد. لكن قبل أن تتكلم، دخل محمد حاملاً كوبين من الشاي. وضعهما على الطاولة، ثم جلس بهدوء على كرسي قريب منهما. نظر إلى ابنته أولاً، ثم إلى آسر. بعد صمت قصير، قال بنبرة هادئة لكنها حازمة:
+
ــ “آسر، مودة مرت بأوقات صعبة جدًا، وأنا شايف إنك شخص محترم وبتحبها. بس لازم تكون عارف إن العلاقة دي مش هتكون سهلة. اللي حصل مش مجرد خبر، دي حاجة غيرت حياتها بالكامل.”
+
هز آسر رأسه بتفهم، ونظر مباشرة إلى محمد، ثم إلى مودة:
ــ “أنا عارف يا عمو محمد، وعارف قد إيه اللي حصل مأثر عليها. لكن اللي جوايا تجاه مودة أكبر من أي حاجة. أنا مش هنا عشان أتكلم عن ميري، ولا عن الماضي. أنا هنا عشان أقول إن حياتي مش هتكمل من غير مودة. لو هي تقبل، أنا مستعد أطلب إيدها بشكل رسمي، قدامكم، وقدام أي حد.”
+
ارتفعت عينا مودة ببطء نحو آسر، وملامح وجهها بدأت تذوب من الجليد الذي كانت تضعه كدرعٍ. لكنها ترددت، وكأنها تخشى أن تكون هذه الخطوة سابقة لأوانها. والدها كان يراقب الموقف بعينين تحملان الحنان والمسؤولية. أخيرًا، قال:
+           
ــ “مودة، القرار في إيدك. أنا هكون جنبك في كل خطوة. بس لازم تتأكدي إنك جاهزة تفتحي قلبك من جديد.”
+
مودة نظرت إلى والدها، ثم أعادت عينيها إلى آسر. تنفست بعمق، وكأنها تتحدى نفسها، ثم قالت بصوت مرتعش لكنه مليء بالصدق:
ــ “آسر، أنا… كنت محتاجة الوقت عشان أفهم نفسي، وأحاول أتكيف مع الحقيقة اللي عرفتها. بس اللي اكتشفته كمان إني مش هقدر أهرب من مشاعري ليك… أنا موافقة.”
+
ابتسامة عميقة ارتسمت على وجه آسر، وكأنها رفعت عنه ثقل سنوات. محمد ابتسم هو الآخر، وقال بلهجة ودودة:
ــ “خلاص يا آسر، لو دي رغبتكم، يبقى على بركة الله. أنا مستني أشوفك مع أهلك قريب عشان نتكلم بشكل رسمي.”
+
آسر وقف ومد يده نحو محمد بمزيج من الامتنان والاحترام:
ــ “شكرًا يا عمو محمد. بوعدك، هتكون مودة هي كل حاجة في حياتي.”
+
محمد أومأ برأسه، ثم ابتسم لابنته التي كانت تنظر إلى الأرض بخجل، لكنها كانت تبتسم بخفة. اللحظة كانت مليئة بالحنين، بالأمل، وببداية جديدة لمودة وآسر، طُويت صفحة الماضي لتُفتح صفحة مليئة بالوعود والمستقبل.
+
ــ ــ ــ 
+
اجتمع الجميع حول طاولة العشاء في منزل عائشة. معتصم كان جالسًا على رأس الطاولة، يتأمل وجوههم بابتسامة هادئة. عائشة كانت منهمكة بتقديم الأطباق، بينما زوجها هشام يجلس بجوارها، يتبادل أطراف الحديث مع صافية التي بدت خجولة بعض الشيء.
+
عائشة (بمرح):
ــ ما كنتش متوقعة إنك توافق تيجي النهاردة يا معتصم! المرة اللي فاتت لما عزمتك، اعتذرت بحجة الشغل.
+
معتصم (مازحًا):
ــ كنت محتاج دعوة رسمية مختومة من عم هشام!
+
ضحك هشام وقال:
ــ آه، طبعًا، لأن معتصم باشا بقى مشغول جدًا دلوقتي… بس خلينا نكون واضحين، اللي خلاك توافق المرة دي حاجة تانية.
+
ابتسم معتصم ابتسامة خفيفة، ثم قال بصدق:
ــ يمكن عشان….. قررت أرجع لريم.
+
توقفت عائشة عن ترتيب الأطباق، ونظرت إليه بدهشة، بينما صافية رفعت رأسها سريعًا، وكأنها غير متأكدة مما سمعته.
+
عائشة (بتردد):
ــ ترجع لريم؟.. بجد؟
+
معتصم (بحزم):
ــ أيوة… فكرت كتير، و… اكتشفت إن حياتي من غيرها ملهاش معنى.
+
صافية (بخجل):
ــ خطوة شجاعة يا أبيه… ريم… دايمًا كانت بتحبك، و… تستاهل فرصة تانية.
+
هشام (مؤيدًا):
ــ وأنا مع صافية… الحب الحقيقي مش بيتكرر، وأعتقد إنك بتعمل الصح.
+
عائشة (بحذر):
ــ بس لازم تكون واضح معاها، وتفهمها إنك مش راجع عشان تضحي أو تعوضها عن اللي فات… لازم ترجع بحب حقيقي، مش مجرد واجب.
+
هز معتصم رأسه موافقًا، وقال بهدوء:
ــ عارف يا عيشة… ودي أكتر حاجة متأكد منها دلوقتي.
+
        
          
                
هشام (متسائلًا):
ــ طيب، وأخبار حمد إيه؟ سمعت إنه قرب يرجع.
+
ابتسمت صافية بخجل واضح، ثم قالت:
ــ أيو.. حمد هييجي كمان أسبوع… أخيراً خلص دراسة و هيستقر
+
عائشة (بفرح):
ــ أخيرًا!.. الحمد لله.. ربنا يجمع شملنا دايما يارب. 
+
هشام (مازحًا):
ــ بس كفاية عليه سفريات… عايزينه يركز مع صافية بقى.
+
ضحكت صافية بخجل وقالت:
ــ إن شاء الله… هو بيفكر يستقر و يرجع لشغله هنا بدل السفر.
+
نظر معتصم إليها بابتسامة مشجعة وقال:
ــ حمد دايمًا كان عنده طموح كبير.. وأنا متأكد إنه هيحقق كل اللي نفسه فيه.
+
صمت للحظة، ثم أضاف بنبرة مفعمة بالعزم:
ــ كلنا لازم نركز على استقرارنا… كفاية شتات.
+
+
و علي الناحية الأخرى بمنزل أدهم.. 
+
في غرفة المعيشة الهادئة، كانت الأنوار خافتة والجو مشحونًا بالصمت الذي يسبق العاصفة.
ريم، التي كانت تجلس بجوار والدتها تيسير، كانت تبدو شاردة، عيونها تتنقل بين يديها المتشابكتين وكأس الماء الذي أمسكته بين أصابعها.
بجانبها، كانت روان جالسة، تمسك بفنجان قهوة ساخن بين يديها، عينها تراقب ريم بقلق، وكان الجو بينهما مزيجًا من الهدوء والتوتر المكبوت.
+
تيسير (بنبرة حانية، متأملة في ريم):
ــ فكري كويس يا ريم… مش كل يوم واحد زي معتصم يعرض فرصة زي دي… هو مش مجرد شخص عادي في حياتك.
+
ريم (بهمس، عيناها تنظران للأرض):
ــ ماما، أنا مش عارفة… تجربة خالد كسرتني، كسرني كل شيء… مش قادرة أتخيل نفسي في علاقة جديدة… خايفة من الخذلان تاني.
+
روان (بحزم، ملامحها تتغير لتصبح أكثر جدية):
ــ بس دي مش مجرد علاقة جديدة يا ريم، دا معتصم!…معتصم اللي مقدرتيش تتخطيه رغم كل اللي حصل… لو كان لسه بيحبك، دي فرصة مش هتتكرر.
+
ريم (بقلق، تتنهد وتنظر لوالدتها):
ــ عارفة يا روان، بس فكرتي لو رجعنا لبعض؟ لو العَلاقة بردت زي الأول؟ إحساس الخذلان مش سهل على القلب… مرات الواحد بيتعب من تكرار الأخطاء.
+
تيسير (مبتسمة، تنظر لريم بعينين مليئتين بالحب والحنان):
ــ حبيبتي، الحياة الزوجية مش هتكون سهلة، لكن لو الطرفين عايزين ينجحوا، هينجحوا. معتصم مش زي خالد، وأنتي مش زي زمان.
+
روان (مؤيدة، تبتسم بخفة ولكن عيونها تعكس جدية الموقف):
ــ صحيح… الحب ممكن يتجدد مع المواقف والتفاهم. معتصم لسه بيحبك، ومش عيب ندي له فرصة تانية. ما تخليش خوفك يوقفك عن حاجة ممكن تغير حياتك.
+
ريم (بتردد، صوتها خافت):
ــ يمكن… بس محتاجة وقت أفكر… مش عايزة أكون طايشة في قراراتي.
+
        
          
                
تيسير (بحنان، تضع يدها على يد ريم):
ــ خدي وقتك يا حبيبت قلبي. بس أوعي تضيعي فرصة ممكن تغير حياتك للأحسن، ممكن تكون دي الفرصة اللي كنتي مستنياها طول عمرك. الحياة مش هتوقف، بس لما تكوني متأكدة، هتاخدي القرار الصح.
+
بينما كانت ريم تفكر في كلمات والدتها، كانت روان تراقبها بصمت، ثم تغير الموضوع فجأة، وكأنها تريد أن تفرغ ما في صدرها أيضًا.
+
روان (بتغير مفاجئ في الموضوع، بينما تضع فنجان القهوة جانبًا):
ــ وبالمناسبة… سمعت عن الموضوع اللي اتكلمتي فيه مع أدهم…موضوع ألارا. 
+
ريم (تتنهد، عيناها تعبران عن حيرة):
ــ أيوة، الشبه بينها وبين ندى… شيء مش طبيعي. حتى أدهم مش قادر يتجاهل الشكوك دي.
+
تيسير (بتعجب، يعلو وجهها نظرة صدمة خفيفة):
ــ شبهها قوي للدرجة دي؟!.. في حاجة مش مرتاحة ليها في الموضوع ده.
+
روان (بجدية، تنظر إلى ريم ثم إلى والدتها، وكأنها تضع النقاط على الحروف):
ــ مش مجرد شبه بس، يا ماما. حتى صوتها وحركاتها. كل حاجة بتقول إنها هي، بس باسم جديد. وفيه حاجة في عيونها مش غريبة عليا
+
تيسير (بحذر، وكأنها تتأمل في الأمر بعناية):
ــ يمكن تكون صدفة… بس الشكوك دي مش هتتحل غير لما نشوفها ونسمع منها… لو كان الكلام ده صح، يبقى في شيء كبير مخفي.
+
ريم (بتردد، تعقد يديها في بعضهما):
ــ أدهم مش هيقبل بسهولة… هو نفسه متلخبط… مفيش حاجة واضحة… الموضوع صعب.
+
تيسير (بثقة، تنظر إلى ريم بتفهم):
ــ لو أدهم وافق، عايزة أشوفها… أحيانًا القلب بيحس بحاجات العقل ما يقدرش يفسرها. لو كانت فعلاً ندى هعرفها… في حاجة لازم نكتشفها.
+
روان (بتفكير، تظهر على وجهها ملامح الحيرة ولكنها لا تستطيع تجاهل الفضول):
ــ وأنا كمان نفسي أشوفها تاني من. قريب… لو طلعت ندى فعلاً، يبقى قدامنا أسئلة كتير محتاجة إجابات. الموضوع معقد أكتر من ما نتخيل.
+
ريم (بصوت منخفض، ولكن الحيرة واضحة على ملامحها):
ــ لو طلعت ندى، ده هيغير كل حاجة… كل حاجة! كل شيء بنعرفه هيتغير… حتى لو حاولنا نعود للماضي، مش هنعرف نرجع زي الأول.
+
توقفت الكلمات في حلق ريم، كانت كأنها تحاول الهروب من الحقيقة التي بدأت تتسرب إلى عقلها. لكن في تلك اللحظة، كان الصوت الداخلي للأم تيسير يحيط بهم، يهدئ الجو المفعم بالقلق.
+
تيسير (بتنهد، تنظر لابنتها وتبتسم بحنان):
ــ زي ما قولتلك يا ريم… خليكي دايمًا صادقة مع نفسك… لو في حاجة لازم تكتشفيها، هتكتشفيها.
+
ثم ساد صمت طويل، كان مليئًا بالتساؤلات التي لم تُطرح بعد، والقلق الذي كان يزداد مع كل لحظة. كانت الغرفة تكتظ بالشكوك والتساؤلات التي تحولت إلى عبء ثقيل على القلوب.
+
        
          
                
الأم تيسير كانت تدرك أن كل شيء على وشك أن ينفجر، وأن اللحظة القادمة ستحدد مصير الكثير من القلوب.
+
ـ ـ ــ ــ ــ ــ ــ 
+
مرت ثلاثة أيام عملت فيهم الارا على قدم و ساق مع فريقها المتخصص بالسياحة، و قد كانت تتجنب الاحتكاك بأدهم تماما.. 
بينما أدهم تركها و رغبتها ربما تفكر بطريقة أكثر عمقا و تشعر بمدى حبه الحقيقي لها.. 
+
بعد الكثير من التركيز و العمل من قبل الثلاثة شركاء، حدد أدهم موعدا لاجتماع جديد لعرض آخر ما تم تجهيزة بالنسبة للصفقة الجديدة.. 
+
في مكتب أدهم حيث التصميم ألأنيق الذي يعكس الجدية والأجواء المهنية. ألارا تجلس على أحد الكراسي المواجهة للمكتب، بينما معتصم يقف بجوارها، يُمسك بملف الصفقة الجديدة، وأدهم خلف مكتبه، يُراقبهم بصمت مدروس.
+
معتصم (بابتسامة دبلوماسية):
ــ “الخطوات اللي أخدناها لحد دلوقتي كويسة جدًا، والتواصل مع الطرف الآخر كان واضح، بس لازم ناخد بالنا من نقطة السعر النهائي.”
+
ألارا (بثقة، تنظر مباشرة إلى معتصم):
ــ “السعر النهائي مش مشكلة لو ركزنا على الجودة اللي بنقدمها. العميل مستعد يدفع مقابل الخدمة الممتازة، والأرقام اللي حددناها مناسبة للسوق.”
+
أدهم (مباشرًا، لكن بنبرة هادئة):
ــ “الأرقام مناسبة، بس ما ننساش إن العميل الجديد ده مش مضمون. لو خسرنا الصفقة، التأثير هيكون كبير على ميزانية القسم ده.”
+
ألارا (بهدوء، لكن حازمة):
ــ “وأنا مش شايفة إننا ممكن نخسر، طالما كل الأطراف التزمت بالخطة… اللي محتاجينه هو شوية مرونة منك.”
+
أدهم (يتراجع بظهره إلى الكرسي، ينظر إليها بتحدٍّ):
ــ “مرونة؟.. يعني أوافق على أي اقتراح بدون تفكير؟….لا طبعاً دا مش أسلوبي.”
+
معتصم (بسرعة، محاولًا تهدئة الأجواء):
ــ “يا جماعة، خلونا نفكر في مصلحة الشركة… إحنا هنا عشان نحقق أهدافنا، مش نختلف على أساليب التنفيذ.”
+
ألارا (تنظر إلى معتصم بابتسامة خفيفة):
ــ “معتصم عنده حق… بس لازم يكون في حد قادر ياخد قرارات واضحة من غير تردد.”
+
أدهم (بنبرة أكثر حدة، عيناه تحدقان بها):
ــ “لو قصدك عليّا، فأنا مش متردد… كل خطوة بحساب، ولو عندك اعتراض قولي بوضوح بدل الإشارة.”
+
ألارا (بثبات، ترفع حاجبًا بسخرية خفية):
ــ “أنا مش محتاجة أوضح… قراراتي دايمًا مبنية على العقل والمنطق، مش على مشاعر شخصية.”
+
معتصم (يشعر بالتصاعد الواضح في التوتر، يقف ويضع الملف على الطاولة):
ــ “تمام، واضح إن الحوار خرج عن مساره… أنا شايف إن الاجتماع لحد كده كفاية… ممكن نتناقش أكتر لما الأمور تهدى.”
+
ينظر معتصم إلى أدهم وألارا بتمعن قبل أن يخرج بهدوء، تاركًا الباب مواربًا. الصمت يخيم على المكان للحظات، قبل أن ينفجر أدهم بالكلام.
+
        
          
                
أدهم (يقف فجأة، يدور حول مكتبه متوجهًا نحوها):
ــ “مشاعر شخصية؟ إنتي أكتر واحدة تعرفي إنها جزء من كل قرار بتاخديه، حتى لو مش معترفة!”
+
ألارا (تتراجع بجسدها قليلًا، تنظر إليه بنظرات متحفظة):
ــ “مش فاهمة قصدك. حاول تكون واضح بدل الكلام الغامض.”
+
نظر لها أدهم بتغيظ و لكن لم يستطع لسانه أن ينطق بمكانتها عنده.. مكانتها كـندى زوجته.. و لكن فليتريث.. لم يحن الوقت بعد… 
حين سكت و لم يرد قامت ألارا بهدوء حاد، بعقد ذراعيها أمام صدرها):
ــ “إذا كنت عايز تتكلم عن الصفقة، خلصنا كل حاجة مع معتصم… لو عندك كلام تاني، مش مهتمة.”
+
أدهم (يقترب خطوة إضافية، يثبت عينيه على وجهها):
ــ “ليه كل مرة تحطي بيننا جدار؟ بتتعمدي تخلي كل حاجة بينا مستحيلة؟”
+
ألارا (تتراجع خطوة للوراء، بنبرة متماسكة):
ــ “أنت اللي مش فاهم… اللي بينا لو كان في حاجة أصلاً، انتهى… أنا مش محتاجة حد يلاحقني أو يحاسبني.”
+
أدهم (يحاول الاقتراب أكثر، يمد يده كما لو أنه يريد لمس كتفها):
ــ “بس أنا محتاجك، مش قادر أوقف التفكير…”
+
ألارا (تدفع يده بعيدًا بسرعة، عيناها تشتعلان بالغضب):
ــ “إياك تمد إيدك تاني، فاهم؟!.. أنت بتدخل في حياتي بشكل غير مقبول، ولو استمريت كده، مش هستحملك أكتر من كدا.. مش هسمحلك تلمسني تاني “
+
أدهم (باندفاع، وكأن كلماتها تضغط على جرح داخلي):
ــ “ليه بتعملي كده؟ بتتصرفي كأنك غريبة عني.. مش من حقك تمنعيني”
رفعت حاجبيها باستنكار ثم علا صوتها بانفعال بالغ: 
+
ـــ “انت فاكر نفسك مين؟!.. بأي عين تدي لنفسك الحق انك تتحكم فيا بالطريقة دي؟!.. أنا انسانة مستقلة بشخصيتي و مش من حق أي حد يمتلكني” 
+
اقترب منها للغاية حتى اختلطت أنفاسهما و انفحر بها دون أن يفكر: 
ـــ “لا من حقي.. من حقي اعمل أي حاجة معاكي.. لأنك ندى… انتي ندى مراتي” 
+
ألارا (تتجمد، عيناها تتسعان):
ــ “إنت بتقول إيه؟! أنا ألارا… إنت مجنون؟!”
+
أدهم (بنبرة تجمع بين الغضب والوجع):
ــ “مش مجنون! أنا عارفك أكتر ما تعرفي نفسك. كنتي حياتي، والنهارده واقفة قدامي ومش فاكرة حتى مين أنا.”
ألارا (بنبرة مليئة بالاستفزاز، ترفع حاجبًا):
ــ “أنت عايش في وهم؟.. يمكن أنت اللي محتاج تواجه نفسك بدل ما تضيع وقتك ووقتي.”
+
أدهم (يفقد السيطرة على نفسه فجأة، ينفجر بالحقيقة):
ــ “وهم؟! انتي الوهم اللي عايش في حياتي دلوقتي… انتي ندى، مراتي اللي اختفت فجأة… وأجبرتيني أشوفك بشخصية تانية، باسم تاني، وكأنك مش عايزة تعترفي بأي حاجة بينا!”
+
ألارا (تتجمد في مكانها، تنظر إليه بصدمة عميقة):
ــ “إنت… إنت بتقول إيه؟ أنا مش ندى… أنا ألارا… ومن فضلك، ما تحاولش تخليني أشوف نفسي من خلال نظرتك الغريبة دي.”
+
        
          
                
أدهم (يقترب أكثر، صوته ينخفض لكن بحدة متوترة):
ــ “إنتي فاكرة إنك تقدري تهربي من اللي حصل؟.. فاكرة إن أي عملية أو تغيير شكلك أو اسمك ممكن يمسح الماضي؟.. مش هقدر أنسى، ومش هقدر أصدق إنك مش هي.”
+
ألارا (تحاول الابتعاد عنه، لكن خطواتها تتعثر):
ــ “أنت بتتوهم، وبتحاول تخليني جزء من ماضيك اللي أنا ماليش علاقة بيه… سيبني في حالي!”
+
يحاول أدهم الإمساك بيدها ليوقفها عن المغادرة، لكنها تسحب يدها بقوة وتنظر إليه بعينين مليئتين بالغضب والدموع.
+
ألارا (بصوت مرتجف لكنه قوي):
ــ “لو فعلاً كنت بتحترمني، ما كنتش تحاول تفرض عليّا ذكرياتك أو أوهامك… أنا مش هسمحلك تحبسني في ماضيك.”
+
تستدير بسرعة، تغادر الغرفة بخطوات سريعة، تاركة أدهم واقفًا وحده، وكأن كلماته أصبحت عبئًا على كتفيه. ينظر إلى الباب الموارب، يحاول استيعاب ما حدث، لكنه يدرك أن اعترافه فجّر فجوة أكبر بينهما.
+
+
ظلام المساء كان يلف المدينة كعباءة ثقيلة، والأضواء الخافتة المنبعثة من أعمدة الإنارة تنعكس على زجاج السيارة بينما كانت ألارا تقود بسرعة جنونية. أصوات السيارات من حولها بالكاد تصل إلى وعيها؛ كانت غارقة في أفكارها، متخبطة بين ما قاله أدهم وبين شعورها الذي لم يعد يحتمل السيطرة.
+
يديها المرتجفتان كانتا بالكاد تسيطران على عجلة القيادة، وعيناها، الممتلئتان بالدموع، تتنقلان بين الطريق أمامها والمرايا الجانبية، وكأنها تحاول الهروب من شيء لا يمكنها رؤيته. في داخلها، كان كل شيء ينهار.
+
ــ “ندى؟! مستحيل… هو بيحاول يلعب بمشاعري؟ ولا… ولا فعلاً في حاجة أنا معرفهاش؟!”
+
الكلمات خرجت من شفتيها كصرخة مكتومة، بينما ضغطت على دواسة الوقود أكثر. الشوارع المزدحمة لم تكن تعني لها شيئًا، حتى حين كادت أن تصطدم بسيارة أخرى، لم تهتم؛ استمرت في القيادة بعشوائية. إحدى السيارات أطلقت بوقها بصوت عالٍ، لكنها بالكاد التفتت.
+
ــ “أنا ألارا! أنا مش ندى… أنا عشت حياة جديدة… أنا مش ممكن أكون…”
+
صوتها تلاشى مع ارتجاف جسدها بالكامل. لم تكن تعرف إلى أين تذهب، ولماذا حتى تقود بهذه الطريقة. لكن في داخلها، كانت تعرف أنها تهرب. تهرب من الحقيقة التي ألقاها أدهم أمامها، الحقيقة التي لا تريد تصديقها، لكنها في الوقت نفسه لا تستطيع تجاهلها.
+
عقلها بدأ يعيد شريط اللقاء: الطريقة التي كان ينظر بها إليها، الارتباك في صوته، الغضب، والألم الذي كان يملأ عينيه. هل يمكن أن يكون صادقًا؟ هل يمكن أن تكون بالفعل تلك المرأة التي يقول إنها زوجته؟ لكنها تعلمت أن تكون ألارا، عاشت كشخص مختلف. كيف يمكن أن تكون هناك حياة أخرى خلف هذا الوجه؟
+
ــ “ولو كان كلامه صح؟…”
+
جاء السؤال كطعنة، أعمق من أي شيء شعرت به من قبل. ضغطت على الفرامل فجأة، فتوقفت السيارة بعنف على جانب الطريق. وضعت يديها على المقود، رأسها مائل إلى الأمام، والدموع تنهمر بغزارة. قلبها كان ينبض كأنه يحاول الخروج من صدرها، وكأن روحها تمزقت بين ما تريد تصديقه وما تحاول إنكاره.
+
همست بصوت بالكاد تسمعه: “ليه يا أدهم؟ ليه تعمل كده؟ لو بتحبني زي ما بتقول، ليه تخليني أشك في كل حاجة أنا بنيتها؟”
+
رفعت رأسها ببطء، ناظرةً إلى انعكاسها في مرآة السيارة. كان وجهها شاحبًا، وعيونها متورمة من الدموع. للحظة شعرت وكأنها تنظر إلى شخص لا تعرفه. من هي ألارا حقًا؟ وهل يمكن أن يكون أدهم محقًا؟ أم أنها مجرد لعبة أخرى؟
+
أمسكت بهاتفها، تفكر في الاتصال بأي شخص يمنحها تفسيرًا، لكن أصابعها توقفت قبل أن تضغط على أي رقم. لم تستطع الاتصال بأحد. لم يكن هناك من يستطيع الإجابة على الأسئلة التي تملأ رأسها. أغلقت الهاتف بقوة وألقت به بجانبها.
+
ــ “أنا لازم أفهم. أنا مش هعيش في الضلمة دي أكتر من كده. لو هو بيكدب، لازم أعرف السبب. ولو كان صادق…”
+
لم تكمل الجملة. الفكرة وحدها كانت مخيفة. أخذت نفسًا عميقًا، وحاولت أن تهدئ من رجفة يديها، ثم أدارت محرك السيارة مجددًا. هذه المرة، كانت قيادتها أكثر هدوءًا، لكنها كانت تحمل بداخلها عاصفة لا تهدأ. كانت تعرف أن هناك مواجهة قادمة، مواجهة مع نفسها قبل أن تكون مع أدهم. وكان عليها أن تكون مستعدة للحقيقة، مهما كانت قاسية.
+
يتبع….
الواحد والخكسون من هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *