رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الأول
جلّ المنادي
جلّ المنادي
ينادى ينادي
ينادى ينادي
ياعبادي أنا ماحي الذنوب والأوزار
جلّ المنادي
ينادى ينادي
جلّ المنادي
ينادى ينادي
ياعبادي أنا ماحي الذنوب والأوزار
إلهي إلهي
بنورك اهتدينا
وبفضلك استعنا
وبك أصبحنا وأمسينا
بين يديك نستغفرك
يا اللّه
يا غفّار
يا توّاب
يا رحيم
ترددت تلك الكلمات على مسامعهم ليلاً من أحد المنازل، ثلاث أشخاص يتسللون للهروب في ظلام الليل الدامس والحارس هو اللّ?ه…
أعينها تفيض بالدمع حزناً على حالهم، هي وأختها يجرون الكرسي المُتحرك الخاص بوالدتهم للنجاة من براثن الموت، نجحوا في الخروج من المنزل الكبير نسبياً والمُحاط بحديقة وأسوار منخفضة، نظرت عائشة بإمتنان لحارس البوابة والذي لم يكن سوى عم فيصل صديق والدهم والبواب الخاص بمنزلهم – السابق –
شكرًا يا عم فيصل، حقيقي معروفك ده مش هنساه دنيا وآخرة.
راقبهم الآخر بحسرة شديدة وهو يكاد يبكي على حالهم، فمنذ متى وأصحاب الحق يوأدون وتُسلب حقوقهم.
دي حاجة بسيطة أقدر أردها من جمايل المرحوم والدكم عليّا، سامحونى يا بنتى، واللّ?ه العظيم لو في حاجة أقدر أعملها كنت عملتها، بس دول ناس مفترية ظالمة محدش يقدر عليهم غير اللى خلقهم.
أهتاجت أنفاس عائشة بحزن، ونظرت لشقيقتها التي تُناظر المنزل بحسرة شديدة، ووالدتها التي تبكي بكاءَ الأم المكلومة على فقدان وحيدها، ولأنها الكُبرى أستعادت صلابتها، هذا ليس وقت الإنهيار يا عائشة هذا وقت النجاة…
رأت عائشة عم فيصل يخرج من جيبه لفافة قماشية يمدها ناحيتها وقد أستطاعت العلم بما بداخلها، ولأنها عزيزة النفس كوالدها، إبتسمت له بهدوء:.
شكرًا يا عم فيصل، وأرجوك دخل الفلوس دى تاني، إحنا ربنا سترها معانا الحمدلله، أرجوك متوجعش نفسي أكتر من كده.
تنهد الرجل بتعب، هو يعلم أنها لم تكن ستأخذها ولكن لا ضير من التجربة، ربنا معاكم يا بنتي، وييسر أموركم وينتقم من إللي كان السبب، بصي يا بنتي أنا عارف إنكم مفيش حتّة تروحوا فيها ولا حد تروحوا عنده، فأخرج من جيب عباءته ورقة مطبقة ومهترئة وأكمل حديثه:.
خدي يا بنتي، ده عنوان شقه قديمة لناس حبايبنا، سافروا بقالهم سنين وشقتهم فاضية، أنا جبت العنوان منهم وهما عارفين الظروف فمتخافوش هما آمان، ومحدش من جوا عارف حاجة عنهم، ومترفضيش يا بنتى، لو مش علشانك، فعلشان الست الوالدة وأختك الصغيرة، وكمان ده عنوان راجل ساكن هناك، أنا هكلمه وهو هيساعدكوا برضوا…
نظرت عائشة للورقة بألم، هذا أفضل من المجهول، لن تفكر بأنانية، مصلحة أختها وأمها هي الأهم سيذهبون لتلك الشقة ثم تبدأ هي للتخطيط لحياتهم هناك، التقطت عائشة الورقة وشكرت الرجل بإمتنان والذي ظلّ يدعو لهم بقلة حيلة ثم ودعهم ليعود ناحية المنزل، وأُغلق الباب في وجههم ربما لوقتٍ لا يعلمه إلا اللّ?ه وربما للأبد.
توجهت عائشة ناحية أختها رهف التي تبكي بقلة حيلة على فقدانهم منزلهم منذ صغرهم، فسحبتها عائشة لحضنها وربتت على كتفيها بحنان، ثم مدّت يدها الأخرى لتقبض على كتف والدتهم كأنها تخبرها أنا هنا لا تقلقي يا أمي.
تحركت بهم عائشة وفي كل خُطوةٍ تخطوها يزداد ألم قلبها وصراخه، الذكريات القاسية لا ترحم عقلها ولا قلبها، أصواتُ قهقهاتها حينما كان يركض والدهم خلفها ليأخذ بحق أختها منها، أو صراخ والدتها عليهم لكى يتركوا هواتفهم ويأتوا لمساعدتها، صوت أخاها الفقيد وهو يرتل بعض آيات القرآن أثناء تحضير الإفطار لهم، غرفتها، مكتبها، ملابسها، أرجوحتها، وسائر الأشياء الأخرى، تم سلبهم كل شئ حتى فرحتهم المُتبقية لم يتركوها لهم، فتاتين وامرأة، تسير الفتيات ببطئ وخوف ويدفعون الكرسى الخاص بوالدتهم التي لا زالت في حزنها وهلوستها، لم تفق والدتهم من حالتها من بعد وفاة والدها وفقدان أخيها، ولكنها تشعر بهم، وتشعر بما يمرون به.
عادت عائشة من شرودها في الأحداث الأخيرة التي واجهوها، لا زال الطريق طويل أمامهم إلى تلك الحارة التي سيذهبون إليها، رهف أختها تستند على كتف والدتها النائمة وتترجى النوم لكن عقلها يأبى، حاجاتهم الصغيرة مركونة بجوارهم في تلك العربة التي تأجرها عم فيصل لهم لتأخذهم إلى وجهتهم، إلى حي السيدة، أين السبيل أمامكم يا عائشة، أين الطريق وإلى أين ستذهبون، أين الوجهه وماذا يخبئ لكم القدر في طياته؟..
فى حارة السيدة
كان يجلس في خشوع يرتل بعض آيات القرآن الكريم، في وقته المُعتاد والناس نيام.
يستيقظ كل يوم في هذا الوقت تقريباً ليذهب للقاء الرحمن، لقاء يهتز قلبه له ويرتجف داخل أضلعه في كل مرّة كأنها المرة الأولى له، تنهد سُفيان ببكاء حينما وصل إلى الآيات التي تمس روحه في سورة ق، وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ.
وفي نهاية الآية إنهار بالبكاء كعادته، هذه الآية لها وقع رهيب على قلبه، يالله أنا المذنب، أنا العاصي، يارب مليش غيرك أدعيه، يا رب سامحني، يارب…
قال سفيان كلماته ببكاء شديد وهو يتذكر أفعاله السابقة والمُخزية، أفعاله التي تجعله يخجل من رفع يديه والدعاء، أفعاله التي كانت ولا زالت نقطة سوداء في صفيحته، اللهُ أكبر، الله أكبر.
صدح صوت الآذان بعد فترة طويلة نسبياً من المذياع الصغير الموضوع في غرفته، لينهض بثقل يجّر خطواته وراءه، خرج من غرفته وأغلق الباب وراءه، ثم توجّه ناحية غرفة والديه ودقّ الباب، يلا يا حج، يلا يا حجّة، الصلاة يا مؤمنين، اصحوا يا بشر.
وعلى صوت فتح الباب ركض سفيان من أمامه، والده حين إستيقاظه أفعاله لا تكون مضمونه- قليلاً -.
وقد صدق حدسه، حيث استمع إلى صوت ارتطام الصحن بالأرض بقوة، وقف سفيان يُطالع الصحن بدهشة، ثم خبط كفه بالأخرى وقد ارتسمت على فمه ابتسامه متعجبة، ذهَب ناحية غرفة أخيه وفتح بابها بخفة ليراه نائماً على سريره وكعادة نومه الغريبه هناك قدم مرتفعة في الهواء والآخرى يمدها خارج السرير، ابتسم سفيان واقترب من سريره ببطء، ثم قام بصب قطرات من الماء الموضوع على الكومود في يديه، ونثرها على وجه الآخر بقوة، جعد أدهم حاجباه بضيق شديد، ففتح عين واحدة وترك الآخرى مغلقة، وهنا لم يستطع سفيان كتم ضحكاته، فإنطلق في الضحك بقوة وهو يخبط على فخذه دون وعي، ايه يا زفت، فيه حد يصحي حد كده، قال أدهم بضيق شديد وهو يتثائب ويعتدل جالساً، نظر له سفيان بإستفزاز ولاعب حاجبيه بخبث.
مش أنا صحيتك كده، يبقا فيه.
ناظره أدهم بقرف شديد، ليبتسم سفيان ببرود وسكب باقى الكوب في وجهه ثم خرج من الغرفه بهدوء كأنه لم يفعل شئ تاركاً الآخر يصرخ بغضب ويسبه، توجه سفيان بعدما توضأ ناحية غرفة الصلاة والتي كانت عبارة عن غرفة صغيرة ممتلئة بالكتب الدينية والمصاحف وبها ركن للصلاة يشبه المسجد بشكل مصغر، هذه الغرفة التي تشعره بالآمان حين يطأ بقدمه هنا، أمسك بمسبحته بين أصابعه وردد بعض الذكر على لسانه، دلف سفيان للغرفة فوجد والدته جالسة على الأرض ووالده مستلقي ورأسه موضوعه على قدمها، بينما هي ترتل بعض آيات القرآن وتمسح بيدها على رأسه، ابتسم سفيان بدفئ، وحمد الله في داخله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ايه ده، فعل فاضح في بيت الحاج أمجد.
شهقة خرجت من فم تلك الفتاة وهي تردد جملتها على مسامعهم، قهقه سفيان بخفة شديدة، ونظر وراءه لها.
هايدي ، اخته الصغرى ورفيقة دربه، والتي يحبها بشّدة ويعاملها برقة شديدة كما سنرى، الحقي يا زينبو، الحقي فعل فاضح في بيت جوزك الله يرحمه، آه مكنش العشم يابا، ارتفعت قهقهات سفيان وهو يراقب جديتها في الكلام، كانت ترتدى إسدال الصلاة الخاص بها وتقف في وسط الغرفة واضعه يدها على خصرها والاخرى تستند بها على الباب من هول الصدمة، دُفعت هايدي بخفة من على الباب حينما وطئت.
زينبو إلى الغرفة مستندة على عكازها، وأدهم يقوم بإمساك يدها الحرة بين يديه، وسعى يا بت كده إما نشوف، أبوك دايمًا فاضحنا وجايب لينا الكلام، آه يا مُرك يا زوبة، ابنك فسد يا زوبة
صرخت زينبو في نهاية جملتها بصوت منخفض، ليعتدل الحاج أمجد من نومته بينما زوجته سُعاد فهقهت بخجل على الموقف بأكمله، لا إله إلاّ اللّ?ه، ليه يا رب رزقتني بعيلة مجانين.
قال الحاج أمجد وهو يخبط كف بكف، اقترب منه أدهم وخاطبه بغضب.
لا بقولك أيه مش علشان أبونا هنسكتلك، الست دى لازم تكتب عليها النهاردة فاهم.
نهض الحاج أمجد من جلسته وسحب أدهم من ياقة قميصه، قسماً باللّ?ه العظيم، لو شغلتوا هبلكوا عليّا من دلوقتي ما هتعرفوا ايه إللي هيجرالكوا، يلا نصلي وكل واحد يشوف مصالحه فين فاهمين، مصمصت زينبو شفتيها بإمتعاض، اللّه بقا يا أمجد سيب الولاد يهزروا، مش تبقى قفل يا حبيبي كده غلط على صحتك، لم يستطع سفيان الإحتمال أكثر من هذا فخرج من الغرفه وهو يضحك، بينما أدهم كان لازال بين يديه فأمسك نفسه بشّدة، من سينجده منه إذا ابتسم، سفيان خرج وتخلى عنه، والدته الخجولة لازالت تخبئ وجهها منهم، هايدي مختبأة وراء زينبو التي تحتاج إلى مخبأ هي الأخرى، استغفر الحاج أمجد بغضب ونظر لوالدته، يا أمي بقا، يا أمي أنا عندي ستين سنة مش عيّل صغير يا حبيبتى، ناظرته زينبو بحب وحنان، أنت صغير في نظري يا حبيبي، ده أنا لسه فاكره لما كنت عيّل صغير لسه بتلبس با…
إختنق أمجد في تنفسه بينما أدهم خرّ ساقطاً على ملامح والده، بسسس خلاص يا أمي كفاية، خليني صغير في نظرك إنتِ بس أرجوكِ.
هايدي واقفة تضحك بهستيرية شديدة على الموقف بأكمله، وأدهم لا زال على حالته، بينما سُعاد لم تتمالك نفسها فقهقهت ه الأخرى…
تنهد أمجد بخفة واحتضن والدته بينما يقبل رأسها بحب، ويناظر عائلته الصغيرة بحنان شديد ويدعو المولى ألاّ يحرمه منهم، وحين استمعوا للإقامة، استعد كل منهم للصلاة، وجاء سفيان ثم وقف يؤمهم لصلاة الفجر، والآن لنتعرف على عائلة الحاج أمجد الدرملى؛
أولاً الحاج أمجد الدرملي.
من أشهر تجّار الذهب في القاهرة، وُلد في حي السيدة وورث عن أباه هذه المهنه وتمسك بها وطوّرها إلى أن ذاع صيته في محافظات عديدة، وعلى الرغم من هذا لم يتخلى عن هذا الحي ولم يُفكر في تركه أبداً، وأصبح رجلاً مسئولاً عن الحي وجميع المشكلات التي تحدث به، حيث أنه لا يرفض مساعدة أحد حتى ولو أخطئ في حقه.
سفيان أمجد الدرملي.
طبيب الحي كما يُقال عنه، شاب مليح الوجه، أكحل العينين، تخرج من كليّة الطب واستقر بعيادته في الحي ورفض ترك عائلته، قوي البنية الجسدية، طويل القامه كوالده، عريض الكتفين، ضخم الجثة وأسمر البشرة، لحيته الخفيفة تعطيه مظهر رجولى وعيناه زيتونية، حادة و مخيفة في بعض الأحيان.
أدهم أمجد الدرملى.
الأخ التوأم لسفيان، لكنه مختلف عنه كليّاً، ظابط شرطه له مكانته داخل القسم، وقد عاند الجميع ليدخل هذه الكلية، وسيم الملامح وأشبه لوالدته من جميع إخوته، يتميز ببشرة قمحية وأعين عسلية لامعه، طويل القامة لكنه أقصر من سفيان بعدّة سنتيمترات، قوي البنيان و شديد العصب.
هايدي أمجد الدرملي.
مدللة العائلة كما يُعرف عنها في الحى، لكنها فتاة عاقلة فدلالهم لها لم يُفسدها، تخرجت من كلية التربية وتعينت في مدرسة الحي الثانوية كمُدرسة، خفيفة الظل مرحة تحب الضحك، طبيعية الملامح لكن وجهها مريح للنظر، أعينها بنية لامعة كجدتها وطويلة القامة نسبياً وجسدها ممشوق مائل للنحافة، وتمتلك لدغة في حرف الراء جعلت من حديثها يبدو لطيفاً طوال الوقت.
سعاد منصور.
زوجة أمجد وابنة خالته، تعشق زوجها وأولادها، وقد كرست حياتها بأكملها لهم.
الحاجة زينبو
والدة أمجد، و التي تخرجه عن شعوره في كل مرة تمازحه بها.
توقفت السيارة على أول الحب وقد كان هذا في وقت الظهيرة وهذا وقت الذروة في زحام الحي، وعلى أثر السيارة الغريبة، توقف بعض المارين يُناظرونها، وهذا كان شيئًا ليس مألوفًا لعائشة التي هبطت بجسدها من السيارة وهي تتثائب بنعاس، ساعدها الرجل في إخراج الحقائب من صندوق السيارة، بينما هي توجهت ناحية الباب الآخر لتيقظ أُختها ووالدتها، رو?انة، إصحب يا حبيبتي يلا إحنا وصلنا، قالت عائشة بنبرة منخفضة لكي لا تُفزع أختها، وبعد عدّة دقائق إستيقظت رهف من نومها تنظر حولها بإستغراب، إبتسمت عائشة عليها بخفة، فقد بدت تائهة للغاية ونَعسة بشكل لطيف، صحيت يا عائش، يلا علشان ننزل ماما…
هزت عائشة برأسها بالإيجاب وقد إستعاد جسدها القليل من النشاط، بعد دقائق ليست بقصيرة وقفت عائشة بحقائبهم ووالدتها تجلس على الكرسى خاصتها تجاورها رهف التي تنظر حولها بدهشة، هي ليست معتادة على هذا الزحام.
تذكرت منزلهم، ومنطقتهم السكنية ككل، هذا شئ يُسبب لها الإنزعاج، كانوا يسكنون في كومباوند فاخر في إحدى المناطق الراقية في محافظة الإسكندرية، هزّت رهف رأسها بضيق، واستغفرت من أفكارها المُتضاربة، ذلك البيت كان سيكون موتهم لا مُحالة مثل والدهم وأخاهم، أفاقت من شرودها على صوت إختها يخاطبها، رهف خلي بالك من ماما، هروح أسأل على عنوان الحاج اللى عم فيصل قالي عليه تمام، وافقت رهف وعندما تحركت عائشة عدّة خطوات، فُزعت والدتهم تدور برأسها بحثاً عنها، فمدت رهف يديها لتضعها على كتفها لتهدئها ولكنها أبت، فنادت رهف على إختها فسارعت بالعودة والوقوف أمام والدتها لطمئنة قلبها عليها، والدتها التي على الرغم من مرضها إلا إنها تشعر بهم وبما يمرون به، خلاص يا ماما إهدب يا حبيبتي، بصي طيب رهف هتروح تجيب لينا أكل علشان إحنا جعانين موافقة، نفت والدتهم برأسها بخوف شديد، وأمسكت بملابسها بقوة أثارت استغراب المارة الذين تمتموا لها بالشفاء والباقى يناظرها بشفقة واضحة، ارتجف قلب رهف بغضب على نظرات الشفقة الموجهه ناحيتهم، فتنهدت بقلة حيلة، ثم مالت بجسدها على أذن أختها تخبرها بأن تحتضن والدتها لتهدئها وهي ستذهب للبحث عن هذا الرجل، وبالفعل احتضنت عائشة والدتها تطمئنها ببعض الكلمات العابرة، ورهف استعادت ثباتها وابتعدت عنهم تذهب ناحية إحدى السيدات لتسألها عن الرجل الذي من المُفترض بأنه سيساعدهم في حياتهم.
– المؤقتة – هنا كما تتمنى، السلام عليكم، لو سمحتِ يا طنط أنا عايزة بيت الأستاذ…
ولم تكد تُكمل رهف كلماتها، إلا واستمعت لصراخ إحدى السيدات المُتصاعد من إحدى المنازل، وفجأة تجمع المارة أسفل هذا المنزل لكي يعرفوا السبب كعادتهم الفضولية، عادت رهف لأختها مُضطربة الخُطى وخائفة وعائشة فهمت ما تمر به فجذبتها ناحيتها لتطمئنها، أختها تخاف بشّدة من الأصوات العالية وهذا كان بسبب الأشياء التي واجهوها في منزلهم بعد وفاة والدهم، كانوا يقفون في المُنتصف والناس يلتفون حولهم، حيث أن المنزل المقصود كان ورائهم مُباشرة، فتحركوا مبتعدين عن منطقة التكدس هذه ووقفوا في ركنِ خفي بعيداً عن الناس، وضعوا حقائبهم بجوار الحائط ثم جلست رهف التي لم تستطع التحمل أكثر من هذا بعد ارتفاع الصراخ ودون تدخل من الناس، فقط يستغفرون ربهم، يخبطون كف بكف بقلة حيلة، راقبت عائشة الوضع أمامها بحدّة، تلك المرأة لا تعلم ماذا يحدث لها ولكنها من الواضح بأنها تمر بشئ سئ وللغاية، اتسعت الدائرة فجأة واقترب صوت الصراخ منهم، وتوقعت عائشة بأن هذه المرأة تنزل إلى الشارع، ولكن ما لم تتوقع رؤيته، هو رؤيتها تُجر من خصلاتها من إحدى الذكور ناقصي الرجولة وأطفالها خلفهم يبكون بقوة ويضربون هذا الرجل بقوتهم الواهنة، وقف الناس يناظرون الموقف بأكمله دون تدخل منهم، فسبتهم عائشة في سرها ورأت إحدى أطفال المرأة يركض مبتعداً مُتوجههاً بجسده إلى وجهة لا يعلمها إلاّ الله، ناظرت عائشة أختها وربتت على كتفها بقوة فرفعت رهف أنظارها التائهة نحوها فأشارت إختها لها بإمساك والدتهم، فهمت رهف عليها وعرفت ماذا ستفعل، فدّب الحماس بداخلها مجدداً، هي حقاً تعشق اختها، أمسكت عائشة بحقيبتها بين يديها وأخرجت بخاخة صغيرة وأغلقت عليها بقوة في كفها، نظرت عائشة للناس بقرف شديد، حتى إذا ماتت المرأة أمامهم لن يتدخلون أبداً، الوضع كالتالى، أمام المنزل الصغير يتجمع الناس على هيئة نصف دائرة يتوسطها حيوانٌ بربرى يكاد يفتك بسيدة وهي تصرخ وتستنجد بهم ولكن دون مُجيب، أطفالها يصرخون بخوف عليها ويتوسلونه بأن يتركها ولكنه يبدو مُغيباً من شدّة غضبه، رهف ووالدتهم في ركنٍ خفي وضعتهم عائشة به وهي مُتوجهة الآن ناحية الشجار المشتعل أمامها، إذا كان الرجال أصبحوا ناقصين رجولة هي ستريهم كيف تكون الرجولة، قامت عائشة بالإستئذان بأدب من السيدة لتبتعد من أمامها كى تستطيع الدخول داخل الدائرة، ناظرتها المرأة بإستغراب فإبتسمت في وجهها بهدوء، بعد ثوانٍ قليلة ابتعدت المرأة من أمامها لتتنهد عائشة بقوة وانخفضت بجسدها لتُمسك بقطعة حصى مُتوسطة الحجم ثم سرعان ما قذفتها في رأس الرجل بقوة.
وعند سماع صراخه سبّت عائشة نفسها بقوة، هي حقاً مغناطيس للمشاكل كما تخبرها رهف، التفت الرجل بجسده الضخم مُتوجهاً ناحيتها وارتفع صوت سبابه لها وشهقات الناس من حولها.
وحين اقترب الرجل منها بمسافه كافية وقبل أن يرفع يده ليضربها قامت بإمساك بخاخ الفلفل خاصتها ثم نثرت منه على وجه الرجل الذي أمسك بعينيه وأصبح يولول بصراخ كالحريم وهو يسبها، يعنى بتستقوى عليها وتضربها علشان مفيش راجل قادر يوقف المهزلة دى، أنتوا ناس ناقصة بصحيح، لو مامت حضرتك مش علمتك إزاى تحترم الستات أنا هعلمك، وبعد إنتهاء عائشة من كلامها استمعت لبعض الكلام الجانبي من الناس ولم تهتم حقاً بهم، فقط اهتمت بهذا الثور الذي جلس أرضاً وهو يفرك عينيه بقوة وصراخ…
نظرت عائشة للسيدة بألم، تذكرها بحالها هي وأختها في ذلك البيت، لكنها لم تعد عائشة ضعيفة الشخصية بل أصبحت ذات شخصية مُتبجحة تأخذ بحقها وحق من يخصها حتى ولو كان في فم السبع…
نظرت للرجل بإشمئزاز شديد و نظرت للعلامات التي شوههت جسد المرأة، فقامت بخلع حذائها تحت نظرات السُكان المصدومة هذه الفتاة لا تعلم في ماذا تقحم نفسها، أمسكت عائشة حذائها بين يديها وإستمعت لصوت صفير أختها المُشجع لها فإبتسمت عليها بهدوء ثم اقتربت من الرجل ورفعت حذائها في الهواء وفجأة…
ارتفع صوت صراخ الرجل حين هبط الحذاء على صلعته اللامعه، سكون دام لعدة دقائق وملامح السكان لا زالت منصدمة وحين ظنوا بأنها سترحل الآن للنجاة من براثن الموت المتمثل في هذا الرجل إذا فاق.
وجدوها ترفع حذائها مجدداً وتهبط بجسدها عليها مرةً بعد مرّة، وعلى أثر فعلتها نهضت المرأة من الأرض واقتربت منها ثم بكفها الحر ساعدتها في ضربه وأخذ حقها وأطفالها أيضاً أخذوا دورهم في الضرب، يبدو بأنها كانت تنتظر من سيأخذ شرف الضربة الأولى…
قهقه بعض الناس على الأمر والآخر لا زال مُتعجب من الأمر برمته، وقفت عائشة تلهث بقوة بعدما انهت مهمتها وتحركت للخروج من المكان…
حياتهم هنا مؤقتة وهي لم تستطع منع نفسها من إرتكاب أية مصائب كعادتها، الله وحده يعلم ماذا سيحدث لهم في حياتهم الآن…
توقفت عائشة بجسدها عندما استمعت لهذا الصوت الآجش الذي جعلها مُتصنمة في مكانها ولا تعلم كيف جعلتها نبرة صوته خائفة، ايه إللي بيحصل هنا.
دخول رايق بيسبب حرايق ??
آسفة على مقاطعة القراءة واللّه بس البارت خلص خلاص، الرواية أحداثها مولعة شوية وهنا هتقابل كل الأشكال والأنواع، بس بصورة معقولة شوية، بطل عايش في حارة وبطلة جاية من منطقة راقية بس هي مش زى ما بيبان عليها، عائش هتبهركوا ????
أتمنى دعمكوا الجميل للرواية، ومتستعجلوش على الأحداث، قبل ما تمشي بص تحت هتلاقى نجمة صغننة دوس عليها وبس كده سلام.
التعليقات