التخطي إلى المحتوى

رواية هل الضربة قاضية الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم نهال عبدالواحد

رواية هل الضربة قاضية البارت الخامس والعشرون

رواية هل الضربة قاضية الجزء الخامس والعشرون

هل الضربة قاضية

رواية هل الضربة قاضية الحلقة الخامسة والعشرون

بينما هاجر كانت جالسة مع حبيبة إذ فجأة دقَّ جرس الباب فاتجهت هاجر لتفتح الباب وما أن فتحت حتى تفاجأت بشاب معتدل القامة لكنه وسيم كأنه أشقر لكنه ليس كذلك فبشرته بيضاء، شعره بني فاتح مائلًا إلى الصفرة وربما إلى الحمرة، عيناه بندقيتان، شعرت كأنما قد رأته من قبل؛ فهذه الملامح ليست بغريبة عليها نهائيًّا! كان ذلك الشاب يتطلع لها مثلما تتطلع له ويألف ملامحها مثلما تألف ملامحه.
ظلا واقفين يحملق كلًا منهما للآخر في صمتٍ تام حتى قطع ذلك الصمت صوت حبيبة تنادي على هاجر مقتربة بضع خطوات: مين جه يا هاجر الساعة دي؟!
لكنها فجأة توقفت عن الخطى وتجمدت مكانها عندما لمحت الواقف أمام هاجر، فانتبهت هاجر لصوت ابنة خالتها كما انتبه ذلك الشاب أيضًا.
لكن الغريب أنه ما أن رأى حبيبة حتى تقدم داخل الشقة دون أي كلمة كأنها بيته الذي اعتاده، وكانت هاجر تراقب الموقف بصمتٍ وتوجس، والغريب أنها لم تصيح في ذلك الغريب الذي اقتحم شقتهم بتلك السهولة!
دخل الشاب، سار بضع خطوات حتى توقف أمام حبيبة مباشرةً وعينيه في عينيها.
كان كل منهما يشعر برجفةٍ وانجذاب فطري نحو الآخر وكلًا منهما يتأمل من أمامه واقفًا في صمتٍ تام، وهاجر لا زالت واقفة تراقبهما وتتابع الموقف عن مقربة.
ظل الصمت بضع دقائق حتى سُمع صوت طرقات عصا تطرق الأرض وأخذت تقترب وتقترب حتى أمست قريبة للغاية.
تجمدت حبيبة مكانها وأخفضت عينيها أرضًا لكنها شاردة تحدق في الفراغ مشبكة يديها في بعضهما البعض ضاغطة بكل قوتها حتى ابيضت أطراف أناملها بل أوشكت أظافرها أن تخترق جلدها.
كانت حبيبة في توترها ولا زالت واقفة مكانها ومع صوت طرقات العصا أسرع قلبها في دقاته أكثر وأكثر ويزوغ بصرها أكثر من فرط توترها.
دخل الرجل يتلفت بعينيه داخل المكان كأنما يبحث عن شيءٍ بعينه، حتى لمح بغيته، صورة معلّقة لهناء والدة حبيبة -رحمها الله- ظل محملقًا فيها يتأملها بعينيه الدامعتين.
ولا زالت هاجر متابعة ولا تعلم لأين سينتهي ذلك الموقف، بل كيف سيبدأ؟
فقررت بدء المبادرة فحمحمت بصوتها وقالت بصوت مسموع: أهلًا وسهلًا، هو مين حضراتكم؟!
فالتفت إليها الرجل وابتسم: أنا رأفت نبيل إبراهيم القاضي، والد حبيبة وده نبيل ابني وأخوها.
مشيرًا إلى ابنه الواقف الذي بدأ يتنحّى جانبًا ليفسح المجال لأبيه، فشهقت كلا من حبيبة وهاجر بصوتٍ مسموع، وأخذت حبيبة تتراجع للخلف رويدًا رويدا، و هي تهز برأسها لليمين واليسار برفض.
وفجأة خارت قواها وهمّت لتسقط فأسرعت نحوها هاجر وأيضًا ذلك الشاب ليلحقا بحبيبة قبل أن ترتطم أرضًا، فأمسك كل منهما من جانب وأجلساها على إحدي الكراسي.
وقف الرجل بعض الوقت يحملق ويعبئ نظره من صورة هناء، كم بدا عليه عشقٌ دفين! لكن لم تفطن إليه حبيبة؛ فقد كانت في حالة غريبة غير مفهومة.
ثم جلس الرجل على الكرسي المقابل لحبيبة متطلعًا نحوها هي الأخرى، كسر الرجل الصمت قائلًا: أنا أبوكِ يا حبيبة.
بالطبع عندما قالها ظنّ أن ابنته ستسرع نحوه ملقية بنفسها بين أحضانه لتنعم به، لكن ما حدث كان على النقيض تمامًا، فقد كانت تلك الكلمة التي قالها بعفوية بمثابة قرار القائد بقذف متتالي متتابع.
فهبت واقفة وصاحت: وأنا ماليش أب! ولا اعرف يعني إيه الكلمة دي!
وهنا رغرغت عينا الأب بالدموع من جديد ثم أخرج عدة ورقات قائلًا: دي قسيمة جوازي من أمك، ودي شهادة ميلادك ، صدقيني أنا أبوكِ!
فصاحت بقوة: وأنا قولت مليش أب!
فقال نبيل: إهدي يا حبيبة عشان نتفاهم بالعقل، أنا مقدر موقفك و…
فقاطعته قائلة: لا! شكرًا ومش عايزة منك عذر ولا عايزاك تقدّر موقفي! تعرف إيه عني ولا عيشت إيه زيي عشان تقدر موقفي!
إيه! طلعت الدنيا لاقيت نفسك من غير أب وكل ما تسأل يقولولك مسافر! وبعد كده تكتشف إنه مش مسافر ولا حاجة وإنه بس هجّ وساب مراته وبنته! ولا عيشت عمرك منبوذ لمجرد إن الأم اشتغلت شغلانة بسيطة عشان تصرف بيها على نفسها عشان المعاش ملاليم ومش هيعمل حاجة! و كل اللي يناديك يقول يابت الدادة مش لأي سبب إلا إنها طفلة وعايزة تلعب وسط باقي الأطفال! لا بصت لأكلهم ولا للبسهم أو لحالهم؛ الحمد لله صحيح مش معانا لكن إتربينا على عزة النفس وما نبصش لحد! ولا اتطلب منك ما تروحش الكلية وانكسر حلمك وموته قبل ما يكون وكفاية التعليم المتوسط لأنهم مش حمل فلوسه فتتخلى عن حلمك غصب عنك لأن مفيش اختيارات! ولا تفقد كل اللي حواليك وتلاقي نفسك بطولك! بنتين عايشين ف الدنيا لوحدهم بعد سنين بيتنقلوا مع أمهاتهم من مكان لمكان حسب لقمة العيش، واتضح إن أمي مريضة وخبت عشان مش حمل الدكتور ومصاريفه، فتموت! وبعدها تموت خالتي وبآينا لوحدنا! نعتمد على نفسنا في كل حاجة! ننزل نشتغل إحنا كمان أي شغلانة بسيطة نصرف بيها على نفسنا ونفضل دايرين ف ساقية طول الوقت! ولما يجي الليل نبات مرعوبين في شقة جدنا اللي ف الدور الأرضي المشرّخة وحيطانها اشتكت م الرطوبة والمحارة البايظة، وطول الليل نسمع صوت الناس اللي ف الشارع نموت ف جلدنا! حتى لما حبيت أكبر جت واحدة تسألني بقلة ذوق ودمرتني من أول وجديد عشان تعمل شو إعلامي وبدل ما تتكلم عن بطلة تتكلم عن وسطها وإنها ف الآخر مجرد جرسونة!
تحدثت حبيبة بانفعالٍ شديد، ثم قال رأفت: زي ما سمعتك إسمعيني، أنا رأفت نبيل إبراهيم القاضي، إبراهيم باشا القاضي كان شركسي إقطاعي بيكره المصريين وبيعاملهم أسوأ معاملة وبيستعبدهم وبيعذبهم كأنهم مخلوقات درجة تانية، وكل حاجة عنده بتمشي بالكورباج، كان عنده ولد واحد اللي هو أبويا نبيل القاضي، والدي كان متعود يسافر أوروبا وارتبط بواحدة هناك وحبها جدًا لكن لما جدي عرف عنفه جدًا وحرمه من السفر مرة تانية وأجبره يتجوز والدتي هانزادا هانم اللي لها صلة قرابة بجلالة الملك وقتها بنت الحسب والنسب اللي يليق بيه وبالعائلة، لكن بعد كده قامت ثورة يوليو واتحجز على معظم ممتلكات جدي من أراضي وفلوس، جدي مااستحملش الصدمة ومات، واتحول كل الكره ده لأبويا، ورثه بالميللي وبأه زيه بالظبط في قسوته وعنصريته ضد المصريين وإنهم مجرد فلاحين صعاليك، والدي خلف نشأت أخويا وبعد كده أنا وبعد كده قوت أختنا الصغيرة، نشأت زي بابا بالظبط ونفس الطبع عشان كده كان متدلع ومهما يعمل يتغطى عليه ومش مهم لو شال عمايله واحد برئ، لكن أنا وقوت كنا مختلفين عنهم عشان كده كنا منبوذين، جه أبويا جوّز كل واحد فينا حسب المصلحة، حتى أختي راح جوّزها لواحد من سن أبويا، كسر شبابها وذلها وهانها، ضاع كل عمرها معاه بالإكراه عل فاضي! حتى ما رُزقتش بأولاد، وأنا اتجوزت عنيات أم نبيل أخوكِ الكبير -وأشار نحوه- وشاهندة أختك الصغيرة، آه ما انت ليكِ أخت كمان، الحياة بينا كانت شبه مستحيلة، لكن طبعًا لازم أكمل غصب عني، لحد ف يوم ما زاد همي بالأوي وروحت لواحد صاحبي هو صاحبي الوحيد، كان كل ما أصاحب واحد أبويا يطفشه ويؤذيه بكل بشاعة لأنه فلاح مصري حقير ومش من مستوايّ، إلا صاحبي ده ما كانش يعرفه، صاحبي ده يبقى إسماعيل أبوكِ يا بنتي -ونظر إلى هاجر فأومأت برأسها بابتسامة هادئة-
كنت بقابله وكان بيخفف عني كتير، كان عارف كل حاجة عني وأد إيه كنت بعاني، لحد ما جه عزمني على فرحه من عايدة أمك يا بنتي -و أشار نحو هاجر من جديد-
المهم روحت معاه وكنت مبسوط جدًا لأني كنت عارف أد إيه بيحبها وتعب وشقي لحد ما قدر يفتح بيت، كنت بسمع عن الحب ده وكأنه شيء خرافي من عالم الحكايات ما اعرفش عنه حاجة، بس أول ما روحت معاه قابلت هناء وشوفتها، كانت جميلة أوي أول ما بصتلها خطفت قلبي وما أعرفش إيه اللي حصل كأني شوفتها قبل كده، كأنها ملكت روحي وإحساسي وكل ما ابعد أقرب تاني ويزيد إحساسها جوايّ أحس بيه بيمشي جوة دمي، حسيت بيها بتبادلني نفس الإحساس والشعور بس طبعًا من غير ما تقول، وده لاحظته بعد كده كل ما أروح عندهم وأقابلها وكنت تعبت من كتر العشق ومش قادر على بعدها، قررت أتجوزها وأهلها رحبوا على طول حتى بعد عرفوا إني متجوز، المهم ما كانش ينفع حد من أهلي يعرف خوفًا عليهم، وعيشنا أجمل قصة حب وأحلى شهور ما كنتش مصدق نفسي إن اللي بسمع عنه في الأغاني وأقراه في الروايات في منه موجود على أرض الواقع، صحيح ما كنتش مقيم معاها لكن كانت دايمًا مستنياني ومستقبلاني أحسن استقبال وتخفف عني وتشيل أي وجع كنت داخل بيه، كانت طيبة وقلبها كبير، وبعد كده إنت جيتِ للدنيا، كنت فرحان فرحة ما تتوصفش كأني عمري ما كنت أب قبل كده، كنت عايز أسميكي هناء على اسم هناء حب عمري، لكنها ما رضتش، فسميتك حبيبة عشان تكوني حبيبة رأفت يعني هناء.
-وأغمض عينيه حابسًا دمعه وابتلع ريقه بمرارة-
للأسف مفيش حاجة دايمة، وللأسف أبويا عرف إني اتجوزت واحدة م العامة رغم إن الطبقات كانت انتهت من زمان!
و هددني لو ما طلقتهاش هيؤذيها وهو كان أد كل كلمته، معنى يؤذيها يعني ممكن لما يوصلها يقتلها، لكن ما كانش يعرف بوجودك إني خلفت يعني، كان متصور إنها مجرد نزوة وهو بيلمها عشان اسم العيلة، وحكيت لأمك، طلبت مني أبعد وكنت بتوجّع كل يوم وأنا شايف إصرار أبويا وخايف يؤذي أمك أو يعرف بوجودك، عرفت بعد كده إنه لا يقع طلاق المُكره، واتفقت معاها إن هوري لأبويا ورقة الطلاق عشان يرتاح لكنها هتفضل على ذمتي بس هبعد فترة لحد ما الظروف تسمح، في الأول كان إسماعيل حلقة الوصل بينا ف السر برضو لأن والدي ما كانش هيقبله، لحد ما مات وانقطعت العلاقات وبعدها أبويا استوحش أكتر وأكتر وجه موضوع قوت أختي وكل يوم بمشكلة جديدة، ولا نشأت أخويا ومراته ولعبهم اللي ما بيخلصش من تحت لتحت والمصايب اللي كل يوم بيعملها ويشيلها لأي واحد غلبان ما كلهم صعاليك! كل ده وأنا صابر ومستني المعجزة وإنه يهدى، لكن ما هديش وربنا طول ف عمره، لسه متوفي من كام شهر بس.
فنظرت إليه حبيبة قائلة باستخفاف: خلصت خلاص!
فأجاب بصوت منكسر: إنت مش مصدقاني ولا إيه!
فأومأت برفض وقالت: ولا عمري صدقتك ولا آمنت بوجودك! قُلت اللي عندك خلاص!
فتدخلت هاجر: معلش يا حبيبة، هو صحيح غلطان لكن مهما كان ده أبوك.
فصاحت فيهم: وأنا ما بآمنش بالكلمة دي! ولو أقدر أمسح إسمك من شهادة الميلاد هعملها!
قالتها وتركتهم مسرعة إلى حجرتها أما رأفت فبكى بحرقة وحاول نبيل تهدئته، في حين هاجر متابعة الموقف واجمة لا تدري ماذا تفعل!
فقالت: معلش حضرتك اعذرها اللي مرت بيه مش سهل أبدًا.
فأسرع نبيل قائلًا: ووالدي كان مجبر والموضوع كان حياة أو موت!
– معلش هتاخد وقتها وإن شاء الله المية هترجع لمجاريها.
فقال رأفت بصوت يخنقه البكاء: إقنعيها يا بنتي الله يسعدك! حنني قلبها عليّ! والله هعوضها عن كل حاجة! أنا مش وحش للدرجة دي يمكن قوة كل اللي حواليّ لغت شخصيتي لكن أنا عمري ما كنت مفتري ولا ظالم.
فأومأت هاجر بتأثر من حال ذلك الرجل وهي في حيرة بين حالته وحالة حبيبة، فنهض رأفت وهو يتسند على ذراع نبيل ليقف ثم سار بخيبة أمل خارجًا من باب الشقة متكئًا على عصاه وخلفه نبيل، ثم التفت ناحية هاجر فجاة وأعطاها كارت بأرقامه لتتواصل معه بعد ذلك ثم انصرف الجميع.
أسرعت هاجر نحو حجرة حبيبة التي تسمع صوت بكاءها من الداخل، فدخلت إليها هاجر قائلة: إهدي يا حبيبتي ما تعمليش ف نفسك كده.
فقالت بصوت منهار: مش قادرة مش قادرة!
فأجابتها: ما كانش ليكِ حق ف اللي عملتيه مع الراجل ده، ده طلع طيب ومظلوم.
فصاحت فيها قائلة بحدة: وأنا اللي ظالمة يعني!
ثم أخفضت صوتها ببكاء وأكملت: وبعدين ما دي المشكلة، يا هاجر ده ما طلعش وحش مش هعرف انتقم منه ولا حتى أعمل أي حاجة! أنا متكتفة متكتفة! لا مني قبلته ولا مني سامحته، أعمل إيه أعمل إيه! هموت م الوجع يا هاجر ! كان نفسي ألاقيه وحش حتى يبقى معايا حق ف كل اتهاماتي وكرهي وانتقامي، لكن دلوقتي هروح فين؟! إتشلت حركتي يا هاجر إتشلت حركتي يا هاجر! هي دي الضربة القاضية! هي دي الضربة القاضية!
كانت تبكي، تنتحب، تصرخ وهي تتحدث لدرج
ة الانهيار.

يتبع…..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية هل الضربة قاضية)

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *