التخطي إلى المحتوى

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الثاني

وقفت عائشة تلهث بقوة بعدما انهت مهمتها وتحركت للخروج من المكان…
حياتهم هنا مؤقتة وهي لم تستطع منع نفسها من إرتكاب أية مصائب كعادتها، الله وحده يعلم ماذا سيحدث لهم في حياتهم الآن…
توقفت عائشة عندما استمعت لهذا الصوت الآجش الذي جعلها مُتصنمة في مكانها ولا تعلم كيف جعلتها نبرة صوته خائفة، ايه إللي بيحصل هنا
صدَر هذا الصوت من خلفها فاستعادت أنفاسها والتفتت بهدوء شديد، وما هذا الباب المتنقل؟!

عائشة ناظرته بخوف في البداية، هذا الرجل الشراسة تنبض في عينيه، وملامح وجهه الأسمر تحاكيها أنها تعبث مع الشخص الخطأ.
ناظرها الرجل- والذي لم يكُن سوى سفيان -ببرود هو الآخر، ابتلعت رمقها ببطئ وأخذت أنفاسها ثم رفعت حاجباها بتبجح وأردفت، أبداً بعيد عنك مشكلة صغيرة كده مفيش راجل واحد كان قدها، بس أنا حلتها متقلقش.

ابتسم سفيان ببرود وقبل أن يرد عليها بحديث يضعها عند حدّها، وصل والده وأخاه أدهم الذي كان يحمل الطفل الصغير بين يديه ويربت على ظهره بخفة.
ايه اللى حصل هنا، حد يرد عليّا.

قال سفيان كلامه بغضب بعدما نفذ صبره، ليضع أدهم الطفل أرضاً بين يدي والده الذي يراقب الوضع بهدوء شديد، اقترب أدهم من سفيان ببطء يقف بجانبه، أخاه عندما يغضب يصبح كالرجل الأخضر لا يفيق إلا عندما يُحدث دماراً شاملاً في الأرجاء، نظرت له عائشة ببرود مصطنع وفي داخلها هي مُرتعدة من الخوف، هذا الرجل الضخم للغاية يجعلها تريد الهروب والإبتعاد من أمامه، نظرت رهف لوالدتها فوجدتها قد تاهت في ملكوتها الآخر مرّة أخرى فحمدت ربها ثم توجهت ناحية.

أختها، عائشة، يلا نمشى كفاية كده.
هزّت عائشة رأسها بموافقة وحين تحركت للذهاب وجدت الرجل قد نهض من الأرض وتقدم ناحيتها بغضب، صرخت عائشة بخوف منه وتراجعت بجسدها للخلف، وقبل أن يمس جسدها بيده وجدت نفسها تُسحب لتوضع وراء الرجل المُخيف، ايه يا أسطى فرغلي، مش عيب عليك يا راجل تمد أيدك عليها وأنا واقف، تقول عليا ايه. طرطور.

قال سفيان وهو يُمسك بيد فرغلى بين قبضتيه، جاوره أدهم وهو يضع كفه على كتف الآخر، إلا قولى يا فرغلي، جسمك خف من ضرب المرة اللى فاتت ولا لسه…

هز فرغلى جسده بعنف ليتخلص من قبضة سفيان له لكنه فوجئ بأدهم يأخذ برأسه ويضعها في أحضانه بعنف من ثَم قبض على عنقه بيده فأصبحت رأسه محتجزة بين يديه، نفض سفيان يده بقرف ونظر إلى المرأة التي جلست تبكى بقلة حيلة على ما أصابها، ست أميرة اطلعى لمى حاجتك من فوق، إنت ملكيش قعاد فيها، صرخ الرجل بغضب ولا زال أدهم يمسك به، ملكش فيه، إنت مين إنت علشان تمشى كلامك على مراتى.

ابتسم أدهم وأردف، حلو كده، قابل يا معلم.
تركه أدهم ليسقط الرجل أرضاً يتنفس بضعف، بينما ذهب الحاج أمجد الصامت إلى الآن ناحية رهف وعائشة الذين ينظرون للموقف بتوهان شديد، لا يعلمون ماذا يفعلون…
تعالي يا بنتي بعيد كده شوية، أصل ابني هيتهور بعيد عنكم، نظرت له عائشة بإستغراب، ورهف فتحت فمها ببلاهة وقد إرتسمت معالم الصدمة على وجهها.

تحركَ سفيان ناحية فرغلي ببطئ شديد، ثم شمر أكمام قميصه ليكشف عن ساعده العضلى، عائشة تراقب سفيان بترقب، أمسك سفيان الرجل من ياقة قميصه ورفعه عن الأرض بسهولة كأنه لا يزن شئ، وماله نتعرف من الأول يا فرغلي.
لكمه سفيان بعنف في وجهه تحت شهقات عائشة المصدومة ورهف المُشجعه بحماس، هذه الفتاة تعشق البلطجة…

أنا سفيان يا روح أمك، قال سفيان بشراسة وقد فقد السيطرة على غضبه، فبدأ يلكم في الرجل بغل شديد والآخر يستنجد بالناس بألم، أدهم يناظر الوضع ببرود والحاج أمجد لا زال صامت كما هو، هذه ليست المرة الأولى في ضرب هذا الرجل الناقص، ففي كل مرة يضرب زوجته أو يعنف أطفاله يأتى سفيان ويأخذ بحقوقهم منه…

وكالعادة لم يتدخل أحد من الناس، أخذوا وضعية المُشاهد الأخرس وكأنهم يشاهدون برنامجاً للطهى، لا رجلاً يكاد يُقتل، ابتلعت عائشة رمقها بخوف شديد من هذا الكائن، ملامحه الحادة لم تفلح في جعلها تهدئ بل زادت من خوفها منه ولا تعلم السبب، ملامحه قاتمه بسبب غضبه الذي لم يهدأ وهذا زاد من رعبها، تذكرت شخصاً آخر بطريقة أكثر دموية من هذا، شخصاً لو علم أثراً لهم سيجعل من حياتهم جحيماً كالسابق بل وأشد، كفاية، الراجل هيموت في إيدك يا بني آدم.

صرخت عائشة بعنف شديد به وأسنانها تصطك ببعضهما من الخوف الرجل فقد وعيه من كثرة الضرب والآخر لا زال كما هو يضرب به غير مبالي بأحد، تقدم أدهم من سفيان المُغيب بسبب غضبه وجذبه من على الرجل بقوة لكنه أبى، وعندما ازداد دفع أدهم لسفيان أمسكه سفيان بقوة ودفعه بغل أرضاً، محدش يدخل منكم فاهم، اللى هيقرب منى هيبقى بموته النهاردة.

صرخ سفيان بعنف شديد وقد نفرت عروق رقبته بغضب، إختبئت رهف وراء عائشة وأمجد ذهب ناحية أدهم يطمئن عليه بقلق، سفيان وقف الهبل اللى بتعمله ده خلاص، الراجل هيموت في إيدك، قال أمجد كلامه بغضب عندما إطمئن على أدهم الذي سقط أرضاً وقدمه ثنيت أسفل جسده، وقبل أن يتحرك ناحية سفيان رأى عائشة تذهب ناحيته بخوف هستيرى، سيبه إنت مجنون، فاكر نفسك مين علشان تمشي تقتل في خلق الله، إبعد بقا.

أردفت عائشة بغضب وهي تحاول أن تفصل بينهم، لم يتأثر سفيان بها وهي حينما لمحت ملامح الرجل المدمية إزداد صراخها الهستيرى ناحيته، أدهم لا زال جالس أرضاً يمسك قدمه بألم، يبدو بأنه كسرٌ آخر سبّبه أخاه دون قصد كالعادة، الحاج أمجد نظر للفتاة الصارخة ولإختها التي تبكي وقد سقطت أرضاً تكتم أذنها، منصور، روح نادي صالح من بيته، بسرعه إنت لسه واقف، قال أمجد بصراخ، الأمر فلت زمامه من بين يديه، ابنه سيتسبب بمصيبه لنفسه دون وعى منه، إقترب أمجد من رهف بسبب حالتها الغير مستقرة ونادها علّها تستفيق من حالتها فوجدها تكاد تفقد وعيها، خاطبته رهف بهلع، ماما يا عمو، ماما هناك لوحدها…

ثم فقدت رهف وعيها ليجلس أمجد على ركبتيه يتلقى رأسها بين يديه قبل أن ترتطم بالأرض، سب أمجد سفيان بغضب وشُغل بالفتاة الفاقدة للوعى و ترك سفيان يفعل ما يريد، مدّت عائشة يدها ناحية سفيان بغضب وسحبته بقوة شديدة لا تعلم من أين إكتسبتها، سكنت جميع الأصوات فجأة حينما هبطت صفعة قوية على صدغ سفيان والذي على أثرها تركَ فرغلى يسقط أرضاً وسكن جسده من وقع الصدمه عليه، نظرت عائشة ليدها بخوف وصدمة ولم تتجرئ على رفع أعينها تجاه الآخر الذي تُقسم بأنه سيفتك بها في أى لحظة، بصيلي…

قال سفيان بهدوء مفاجئ يسبق إنهيار البركان وقد أغمض عينيه يُحاول السيطرة على أعصابه، وحين لم تتجاوب معه صرخ عليها بغضب شديد
قلت بصيلي.

إرتجف جسدها برعب وحين إقترب منها خطوة أخرى فقدت وعيها لتسقط في أحضانه ويمسكها هو بحماية قبل سقوطها، زلزال صاخب يدمر خلايا قلبه، وتضارب شديد في مشاعره جعله في حالة حيرة، أيحملها أم يتركها، إستغفر سفيان بقلة حيلة، هذا فعل إنساني ولا شئ آخر، هذا واجبه تجاه عمله كطبيب، ليس وكأنه لم يكد يقتل أحد الأشخاص قبل قليل، نظر سفيان لملامحها بهدوء شديد وإبتلع رمقه بصعوبة، فزفر أنفاسه بضيق من نفسه ولا يدري أى سحر هذا في ملامحها جعل من غضبه يهدء بهذه الطريقة، في المُعتاد لا أحد يتجرأ على رفع عينيه ناحيته ولا النظر له بنظرة سيئة، ولكن هذه الفتاة فعلت كل شئ ضد قوانينه والعجيب أنه لا يحمل أى ضغينة لها، من الممكن بأن هذا بسبب أنه لا يعرفها؟!

سفيان يا ابن المجانين ايه اللى إنت عملته ده!
قال مصدوماً صالح صديقه المُقرب الذي بعث له أمجد يستنجد به، نظر حوله بعدم تصديق للوضع، سفيان يحمل بين يديه فتاة لم يتبين ملامحها، الحاج أمجد يجلس أرضاً وبجانبه مباشرة إستقرت فتاةً أخرى رأسها موضوع على الشال الخاص به وللعجيب أنها فاقدة للوعى أيضاً، أدهم يستند على يد رجل تقدم لمساعدته مشكوراً بعد عدّة دقائق من التلوى أرضاً كالحرباء من الألم.
سفيان…

قال صالح وقبل أن يكمل جملته أشار سفيان له بالصمت وأمره أن يحضر متعلقاتهم الشخصية وراءه.

سبّه صالح بسخط ووقف أمام الناس ثم بدأ بالتصفيق فجأة، يلا يا جدعان المولد خلص، روحوا شوفوا جنازة تانية واشبعوا فيها لطم، نظر له الناس بقرف ليبتسم لهم بإستفزاز، إقتربت منه امرأة مسنة وهي تمصمص شفتيها بسخط، ولا يا صالح، يخيبك واد، إنت بتزعقلى ياولا والله لقول لأبوك اصبر عليا بس، نظر لها صالح بسخط، ست بهانة باللّه مش ناقصك عالصبح، عايزة تصطبحى على حد روحي اصطبحي على جوزك، ذنب أمي أيه كل يوم…

توسعت عين بهانة بصدمة وقالت بغضب، ااه يا سافل، والله لوريك يا بن أباظة، إشحال أبوك اسمه أباظة، بتتنك على إيه يا عيوني، شهق صالح بطريقة سوقية ووضع يده في خصره، ماله أباظة يا ولية يا سكرانة إنتِ، ده إنت مشهورة في الحى ب الولية القراشنة روحي يا حجّة الله يا يسهلك، نظرت له بهانة بقرف، ورفعت رأسها بكبرياء وتعنت ثم مشت من أمامه بطريقة مضحكة نوعاً ما كانت بالنسبة لها راقية، ماشية زي الفرخة إزاى، استغفر الله العظيم يا رب، يا رب إبعدها عن طريقي علشان المرارة يا رب.

صوت حمحمة خافتة صدر من وراءه فإلتفت بجسده ليجد أمجد يناظره بسخرية، لو خلصت فقرة الردح بتاعتك يا خويا روح هات أمهم من هناك، شوفها وهاتها ناحية البيت، والشنط بتاعتهم برضوا، إما نشوف مين دول وإيه قصتهم بالظبط…
تحرك صالح من أمامه يذهب ناحية المكان الذي أشار إليه أمجد، بينما أمجد أمر منصور أن يأخذ أدهم ناحية البيت ونادى على فتاتين كانا يمران بالشارع يستسمحهم بإسنادها إلى البيت…

وفرغلى تكفل بحمله ثلاث رجال من رجال الحى وذهبوا به للمشفى داعين المولى أن يكون هناك علاج لحالته…

عائش، فتحى عينك كويس يا حبيبتى، عايزك تحضري اللحظة من أولها لآخرها، علشان تشوفى نتيجة أفعالك.
قال لها كلامه وهو يكمم فمها بينما يداه تحتضن خصرها، تلوت عائشة بعنف بين يديه لتتخلص منه لكنه أبى تركها.
أزاح يده فجأة من على فمها لتصرخ هي برعب شديد، أرجوك، سيبه أنا آسف، أنا آسفة والله مش هعمل كده تانى
ربت على كتفها بحنان شديد، اششش، بصي كويس يا حياتى وافتكري دايمًا إنك السبب في موته.

صرخت برعب شديد ولم تستطع التحمل ففقدت وعيها من هول الموقف…
~
شهقة متألمة خرجت من فاهها حينما استيقظت من نومها مفزوعة، كابوس حياتها اللعين الذي لا يريد تركها، والأسوء من هذا أنه كان حقيقة في يوم من الأيام.
هزت رأسها لتتخلص من أفكارها ونظرت حولها بإستغراب شديد، ما هذا المكان.؟
استعادت عائشة ذاكرتها بعد عدّة ثوانى لتنهض من مكانها بهلع، ما هذه الغرفة؟ أين اختها ووالدتها؟!

نظرت لملابسها لتطمئن على نفسها، خمارها موجود أعلى رأسها، ملابسها معتدلة دون خدش واحد، إذاً هي بخير…
لم تكد عائشة تنهض من على السرير إلا ووجدت صوت الباب يفتح ببطئ مثير للأعصاب فإبتلعت ريقها ببطئ وجحظت عيناها بترقب، ايه ده إنتِ صحيتِ، صح النوم يا جميلة.
قالت الفتاة – هايدي – بإبتسامة رقيقة، نظرت لها عائشة بإستغراب، لو سمحتِ أنا فين، إنتِ مين…

قبل أن تكمل عائشة كلامها وجدت رهف تركض ناحية غرفتها وتحتضن جسدها بقوة، عائش، حمدالله على السلامة، وقفتى قلبى، إنت بقالك سبع ساعات نايمة، توسعت أعين عائشة بصدمة، سبع ساعات؟!
طب أنا هسيبكم دلوقتي بقى، ومتقلقيش مامتك كويسة، يبقا طمنيها يا رهف.

قالت هايدى بهدوء لتومئ لها رهف ببطء، التفتت رهف لأختها عائشة فوجدتها تناظرها بترقب وهي ترفع حاجبها بإستغراب، إحنا فين، مين دي، وإزاي عارفة اسمك كده، وبعدين هو أي حد نأمنله يا رهف، مش ممكن يكونوا مش كويسين.
قالت عائشة بخوف تسأل أختها، فإحتضنتها رهف لتطمأنها وتهدئ من روعها، عائش إهدي يا حبيبتي، ده عمو أمجد الدرملي إللي كان مكتوب في ضهر الورقة، نظرت لها عائشة بصدمة، ما هذه الصدفة الغريبة!

عمو أمجد، طب إنتِ عرفت إزاى…
قالت عائشة بإستغراب، فتنهدت رهف و حكت لها كل شئ حدث معها حينما استفاقت من إغمائها.
°°°
فتحت رهف عينيها بإعياء شديد فوجدت أشخاص كثيرة حولها، لتصرخ بفزع وتتراجع بجسدها للخلف، إنتوا مين، وبتعملوا ايه هنا، فين ماما وأختى.
قالت رهف بتقطع وهي تناظرهم بهلع، إحنا مين ملكيش دعوة، وبنعمل إيه هنا فده بيتنا، مامتك نايمة وأختك لسة مغمى عليها، دلوقتى بقا إنتوا مين؟

ردّ عليها أدهم بهدوء وهو يكتف يديه أمام صدره، سفيان جلس على الأريكة المقابلة لها ويزجرها بنظرات باردة، متخافيش يا بنتي، قولي إنتوا عايزين مين هنا في الحي وإحنا هنوصلكوا ليه.
قال الحاج أمجد بحنان وقد أشفق عليها حقاً، الفتاة ستبكى من الفزع وابناؤه الثيران لا يهتمون.
وسع يا ولا إنت وهو، عايزة أشوف القمر دى، بسم الله ما شاء الله، إزيك يا حبيبتى، إنتِ كويسة، أصلك يا ضنايا كنت شبه الميتين وهما ساندينك.

قالت زينبو بحماس لتناظرها رهف بإستغراب، ولم تتح لها زينبو الفرصة لتتمالك أعصابها، ا?ه يقطعنى أنا معرفتكيش على نفسى، أنا زينبو يا حبيبتى ونادينى زوبه أو زينب أو زوزو
أومئت لها رهف بخفة، هذه المرأة تبدو لطيفة على عكس الوحوش الذين يراقبون الوضع بتملل.
لو سمحت يا عمو فين ماما و وأختى، أنا هصحيهم وهنمشى وآسفين على الإزعاج بس هو الموقف جه كده بقا.

قالت رهف وهي تتلاعب بأصابعها بخجل، واضح إنك مش سمعتينى يا آنسة، إنتوا مين؟ وبتعملوا ايه هنا؟
ردّ عليها أدهم بنفاذ صبر لتنظر له بخوف وصوت دقات قلبها يتعالى داخل صدرها، أنا رهف.
قالت رهف ببطئ وقد تجمعت الدموع داخل أعينها.
أصل إحنا نقلنا هنا علشان، في دكتور هنا كويس قرايبنا قالولنا عليه، فإحنا اتأجرنا شقة هنا وو…

أكملت هي حديثها بتقطع لينظر لها سفيان بسخرية، بالتأكيد هي لا تظن بأن هذه الكذبة ستنطلى عليهم، أشار أدهم لسفيان فخرجوا من الغرفة وقبل خروجهم نظر أدهم لها بتفحص شديد، فأشاحت هي بوجهها بعيداً عن مرمى أنظاره، بص يا عمو. إحنا جايين هنا لواحد اسمه أمجد الدرمندلى. هو المفروض عارف قريبنا اللى إحنا جايين تبعه، ممكن بس تقولنا على عنوانه.

قالت رهف بهدوء بعدما إستعادت صلابتها، درمندلى، واد يا أمجد إنت سيبت شغلك وبقيت طبّال
قالت زينبو المُتابعة للموقف بسخرية، تنهد أمجد بضيق شديد، يا أمى ممكن تتفضلى وناديلى هايدى وإنت جاية.
قال أمجد فنظرت له زينبو بإمتعاض وإستقامت وهي تتمتم بأشياء لم تستطيع رهف تحديد ماهيتها.

أنتوا اللى جايين تبع عم فيصل، هو مقالش تفاصيل أكتر من إنكم عايزين الشقة متروقة، أردف أمجد وهو يناظرها بهدوء فأومئت برأسها بتوتر، تنهد أمجد بقلة حيلة هذه الفتاة تثبت شكوكه في شئ، هُناك شئ كبير ورائهم، فهذا التوتر وهذا الخوف لا يثبتان صحّة حديثها في قدومهم إلى هنا لعلاج والدتهم…
أمجد حبيبى، زوبة قالت إنك عايزنى. في حاجة؟

قالت هايدى بمرح شديد تضائل في نهاية حديثها وهي تراقب تلك الفتاة، حيث أنها لم تكن في البيت حينما حدثت كل هذه الأحداث.
تعالى يا حبيبتى، ممكن تاخدى الآنسة دى أوضتك تغير هدومها، وبعدين قولى لمامتك تاخدها أوضة الضيوف علشان تشوف مامتها. ا?ه صحيح، أختك موجودة في أوضة سفيان إبنى، هو إضطر ياخدها هناك لإن الأدوات الطبية موجودة فيها…

نظرت رهف لأمجد بصدمة بعدما أكمل حديثه، أختها في غرفة الوحش، ما هذا الحظ المشؤوم الذي يلاحقهم، أفاقت رهف من شرودها عندما فرقعت هايدى أصابعها أمام وجهها، وعندما نظرت لها سحبتها هايدى من يدها لتنفذ ما قال له والدها، بعد خروج رهف بعدّة دقائق دلف سفيان وأدهم وصالح إلى الغرفة، فنظر لهم أمجد بغموض، هو يعلم في ماذا هم يفكرون.
إيه يا حج ساكت ليه، متقولش إنك صدقت الهبل اللى هيا قالته من شوية.

قال سفيان بإستنكار لينفى أمجد بهدوء، مصدقتش كلامها طبعاً، بس إحنا مالناش صالح إننا ندّخل في حياة حد، دى حياتهم وهما حريين، إحنا مبنتدخلش إلاّ لو حصل أذى لحد، مش شغل بلطجة هو يا ابنى.
قال أمجد بحكمة ليزفر سفيان بضيق، ولا يمتلك تفسير لإضطراب مشاعره، هو خائف ولا يعلم السبب.

أمسك أدهم الحقيبة الصغيرة والتي أحضرها من حقائبهم وقبل أن يُبدى والدهم إعتراضه فتحها وألقى ما بداخلها، محفظة نقود، هاتف، مناديل، شريط دواء، وورقة مطوية.
تفحصها بعينيه ومدّ يده ثم فتحها فوجدها صورة عائلية قديمة نوعاً ما مُكونة من الفتاتين، وتلك المرأة ولكنها طبيعية الحال هنا لا تبدو هزيلة كما الآن، رجل بشوش الملمح يحتضن المرأة الكبيرة، وشاب بارد الملامح يمسك الفتاتين من مؤخرة عنقهم…

نظر للصورة بهدوء لثوانٍ قليلة وقبل أن يعيدها مرّة أخرى لمكانها سحبها سفيان بفضول يتفحصها هو الآخر.
مروان…
قال سفيان بصدمة ليفتح صالح عينيه بجحوظ، من المؤكد هذا ليس إلا تشابه أسماء صحيح…
نظر له سفيان بشحوب وجه، فنهض صالح من مكانه يجذب الصورة وينظر لها بخوف، وعند تأكده من كلام سفيان نظر إلى أمجد بإستنجاد ليغمض أمجد عينيه بقسوة شديدة…

إذا تم النبش في الماضى ستُفتح عليهم أبواب الجحيم، جميعهم دون إستثناء، نظر أدهم لهم بتعجب شديد وعندما همّ أن يتساءل أشار له والده بالصمت، فكتم حديثه بداخله إحتراماً لوالده…

نهض سفيان من مكانه ببطئ وهو يجر خطواته بصعوبة بالغة، إقترب منه صالح ليسنده لكنه أشار إليه بالرفض، وحينما دلف إلى غرفة المكتب خاصته إنهار كل شئ بداخله وجلس أرضاً يضرب مؤخرة رأسه بالحائط خلفه، لماذا بعد كل هذه السنين يحدث هذا معه، ياللّه هذا بلاءٌ عظيمٌ لقلبه، رفع سفيان يده برجفة خاشعة وتضرع للرحيم واللطيف بعباده، ياللّ?ه، ياللّ?ه. أنا مش حمل كل ده يا رب، مش هقدر أواجه الأحداث دى تانى، يا رب ده صعب على قلبي…

ثم تصدّع جبل تحمله لتبدأ شهقاته المُتألمة تتعالى في غرفته…
°°°
وفى مكان آخر بعيد كليّاً عن الحى، وقف رجل في منتصف غرفة مظلمة وفوضوية قليلاً، يشمر كم قميصه الأسود وقد ألقى جاكت بدلته أرضاً، ملامح وجهه تبدو شرسة بصورة مخيفة.
وقف يُمسك بين يديه مسدس وفي يده الأخرى أمسك بسيجارته ووضعها داخل فمه، ثم أخرج الدخان ببطئ مثير للرعب، ايه يا عم فيصل، برضوا مش ناوي تقول وديتهم فين.

قال بصوت آجش لينظر له العم فيصل بقرف ثم بصق عليه بإشمئزاز واضح، ليتنهد الرجل بخفة ثم أشار للرجال بأن يكملوا عملهم في تعذيبه، وقد كانوا على هذا الحال منذ إستيقاظه ومعرفته بهروبهم…
فاكرة نفسك ذكية وهتقدرى تهربى منى، إتدلعي براحتك يا حبيبتى بس يوم ما همسكك ورحمة أمي لهندمك على الساعة اللى هربتي فيها وده وعد منى، ورائف مبيخلفش وعوده أبداً.

قال المدعو ب رائف بغضب وهو يُلقي بعقب سيجارته أرضًا ودهسه بقدمه بعنف ثم تحرك للخارج مُتجاهلاً صرخات عم فيصل المُتألمة…

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *