رواية ظننتك قلبي الفصل السابع عشر 17 بقلم قوت القلوب
رواية ظننتك قلبي الجزء السابع عشر
رواية ظننتك قلبي البارت السابع عشر
رواية ظننتك قلبي الحلقة السابعة عشر
يتنفس الصباح أنفاسه المبهجة للروح ، بداية جديدة لكل طريق ، فعلى كل منا إتخاذ طريق الصواب ، لكن أولًا علينا إدراك ما هو الصواب وما الخطأ ، علينا تحديد طريق المصير ، علينا تعلم الإتجاهات فالبوصلة أخترعت قبل الساعة لمعرفة الطريق أولًا …
لم تستيقظ “عهد” فالإستيقاظ لمن غفى ونال من الراحة نصيب ، فلا عيناها غفت ولا عقلها سكن ولا قلبها إرتاح …
وقفت بصمت تستكمل إرتداء ملابسها السوداء وقد حلت تلك النظرة الخاوية مرة أخرى على عيونها الناعسة ، لملمت شعرها الأسود بغلظة لتعقصه بقوة للخلف ، زاد من مظهرها المتجهم وصرامة ملامحها و تعبيراتها …
ألقت نظرة على إنعكاس صورتها بالمرآة لكن تلك المرة لم تكن خاطفة كما إعتادت بل طالت النظر كمن تؤنس نفسها بوجود نفسها ، تتحقق من عودتها لما كانت عليه ، لكنها الوحيدة التى تدرك أنها بها شئ تحطم …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
إبتلعت ريقها لتشيح بعينيها مبتعدة عن التطلع بصورتها فهي لا تود رؤية هذا الإنكسار ، عليها بالظهور بصورة أقوى مما كانت عليه ، عليها أن تزيد غلافها صلابة لتحمى داخلها الهش …
تمامًا كحبة الجوز ذات قشرة صلبة قاسية لا يمكن تحطيمها بسهولة لتحمي ما بداخل قلبها من التفتت ، وإذا توجب عليها التحطم فيجب أن تُضلع قُوىٰ من يحاول كسرها أولًا …
سحبت نفسًا قويًا قبل أن تزفره ببطء ثم حملت حقيبتها فالآن عليها مغادرة الفندق للتوجه للمطار للحاق بموعد طائرتها المحدد ، فها قد حانت العودة …
❈-❈-❈
نمر إستوائي شرس قوى ، يركض بين جنبات الأشجار والطرق الزلقة وسط الوحل والعثرات من جانبه ، هكذا كان “معتصم” بعدما سَلَمَ الجهاز لرفيقه وإتجه للحاق بـ”عهد” قبل أن تستقل طائرتها فلم تحدد لهم سفرة واحدة ، بل تم حجز لكل منهما بموعد مختلف منعًا لإثارة أى إنتباه لو كانا مازلا تحت المراقبة …
بالكاد وصل للمدينة بعد حلول الصباح لكنه لم يكن لديه دراية كافية عن موضع الفندق الذى كانت تقيم به قبل مجيئها للكوخ ..
وقف “معتصم” يلتقط أنفاسه وقد أثنى جذعه تمامًا مستندًا بكفيه فوق ركبتيه يلتمس هدوء أنفاسه المتلاحقة ، رفع جسده بإستقامة مُخرجًا هاتفه ليضغط بعض اللمسات باعثًا برسالة لأحد زملائه بالجهاز …
[ عاوز عنوان الفندق إللي “عهد” نازله فيه …]
[ مينفعش تتقابلوا دلوقت .. لأمانك وأمانها ]
[ متقلقش … أنا مركز كويس … إبعتلي بس العنوان ضروري]
[ تمام .. حبعتلك رسالة باللوكيشن ]
أرفقت الرسالة الأخيرة بموضع الفندق وإسمه ليتحرك “معتصم” مسرعًا تجاهه متأهبًا للقائها قبل تحركها من الفندق …
❈-❈-❈
مكتبة بحر …
للصمت حكايات وللعين سراديب تخفى عاصفة القلوب ، سعادة تكمن فقط من نظرة ، فقط حين أُطيل النظر إليكِ أُدرك أن النعيم والحياة يكمنان فقط بنظرة ، شمس تتجلي لتشرق بسماء حياته القاحلة لتبقى كيقين بأن هناك بعض البشر كصفو السماء خلقوا للتأمل …
أضواء ملأت أرجاء المكتبة لحظة حضور “نغم” ، هكذا رآها “بحر” ، لؤلؤة تتألق لتنير حياته ببريقها حين تظهر ، مجرد متابعتها بعيناه أمل بحد ذاته ، لكن ياليتها تشعر بهذا العاصف الذى تزلزل من موضعه بداخل صدره ، ياليته يستطيع النطق بها …
ألقت “نغم” تحيتها بهدوء لتبدأ عملها بترتيب بعض الكتب قبل أن تجلس تقرأ إحداهم لحين ظهور عمل آخر لتقوم به ..
مجرد مشاهدته لها هى حلم حقيقي بالنسبة لـ”بحر” ، لكنه أخيرًا لم يكتفي بالمشاهدة ليقتحم جلستها متحدثًا إليها …
– على فكرة … الكتاب ده من الكتب المفضلة ليا …
إنتبهت له “نغم” لترفع رأسها ببسمة مجاملة …
– بجد … أنا أول مرة أقراه …
سحب “بحر” مقعدًا ليجلس عليه متابعًا حديثه معها ، يود رؤية ملامحها العفوية وهي تتحدث ، يثير حديث يستمع به لصوتها الرقيق بأى حديث كان ، يريد فقط قُربها الذى ينعش الهواء برئتيه وحياة بداخل قلبه …
– بس عارفه لو كنتِ بدأتي بكتاب أدبي أو رواية كنتِ حتتسلي أكتر …
بتهكم من حالها أجابته “نغم” …
– الصراحة أنا مش بقرا غير روايات بس .. عشان كدة قلت لنفسي طالما بشتغل فى مكتبة لازم أكون عميقة شوية وأقرأ كتاب .. بس بصراحة .. أنا مش فاهمة حاجة أبدًا …
ضحك “بحر” لتلقائيتها لتظهر وسامته الهادئة فكم هي عفوية ولطيفة …
– طب بتعملي فى نفسك ليه كدة … !!! واحدة واحدة حتحبي كل الكتب دي وتفهميها كويس .. كمان فيه كتب أبسط من كدة ممكن تبدأي بيها وحتعجبك جدًا … أنا بعمل كدة …
بفضول شديد سألته عن كتاب من هذه الكتب التى يتحدث عنها …
– زي إيه يعني …؟!!
وقف “بحر” بزهو ليختار لها أحد الكتب قائلًا …
– لو عايزة رأيي … إبدأي بالكتاب ده …
همست “نغم” تقرأ إسم الكتاب …
– (لأنك الله) .. الدكتور مصطفى محمود .. شكله حلو ..
– الكتاب ده حقيقي حياخدِك فى حته تانيه …
أومأت “نغم” بوداعة وهى تتطلع نحو غلاف الكتاب البسيط للغاية فيما شرد “بحر” بعذوبتها وبساطتها التى سلبت قلبه ، عاد لمقعده ليسترسل بحديث وراء آخر متطرقًا لعدة موضوعات يود لو أن حديثهم لا ينتهى …
حاول معرفة المزيد عنها والتحدث عن نفسه أيضًا ليمر الوقت دون الشعور به لكلاهما …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
سويسرا …
رسائل وكلمات مؤجلة ، بإرادتنا أو بدونها لكن النتيجة واحدة ، فقد تأجلت الكلمات وعز علينا الإيضاح لكننا لم ندرك أنه ربما تتغير العناوين ولا يمكننا إرسال الرسائل …
بالكاد وصل “معتصم” للفندق يشعر بالإجهاد والتعرق رغم برودة الأجواء من حوله ، وقف يتطلع بالمحيط من حوله باحثًا بعينيه الكاشفتين كرادار قوى عن وجهته ، دارت مقلتيه السوداء بالوجوه والأشخاص من حوله باحثًا عن هدف واحد فقط …
هدف كاد يُفقدهُ صَوابه منذ رؤيته ، وقف يلتقط أنفاسه المتصاعدة إثر ركضه السريع لوقت طويل ليصل لنتيجة واحدة بالأخير … إنها ليست هنا …
تقدم بهدوء خطواته الواثقة نحو مكتب الإستقبال متسائلًا ..
– من فضلك .. أريد الآنسة “عهد مسعود” ..
أجابة عامل الإستقبال بعملية ..
– لحظة واحدة …
طرق العامل بأصابعه فوق لوحة المفاتيح الخاصة بجهاز الحاسوب ليردف ببسمة لزجة للغاية ..
– عذرًا يا سيدي … لقد تركت الفندق منذ قليل …
توقف الزمن لتتجمد ملامحه للحظات ، لقد تأخر ولم يلحق بها ، وجد نفسه يشعر بشعور غريب للغاية ، إنه الإحباط .. ذلك الشعور الذى لم يحل به من قبل ، لكنه مُزج بشعور آخر مغاير تمامًا ، إنه متضايق منزعج بشكل قبض روحه ليبتلع ريقه ثم أردف متسائلًا ببعض الثبات ..
– منذ متى رحلت من فضلك …؟!!
أعاد العامل إجابته بذات الإبتسامة الدبلوماسية اللزجة …
– منذ ما يقرب من النصف ساعة …
تهدلت ملامح “معتصم” لوهلة بذهول فهو لم يتوقع أن ترحل بمثل تلك السرعة حتى أنه لم يتسنى له شرح موقفه لها ..
أومأ بخفة قبل أن يبتعد بخطواته لخارج الفندق متجهًا نحو المطار فربما يستطيع اللحاق بها هذه المرة رغم صعوبة ذلك لكنه لن ييأس من محاولة أخيرة قبل رحيلها فليس من طبعه الإستسلام بسهولة …
❈-❈-❈
مطار لوغانو “سويسرا” …
حُلة رسمية سوداء ، شعر معقود ملامح متجهمة وصمت تام ، وقفت “عهد” أمام أحد موظفي التأشيرات بالمطار تنهى إجراءات سفرها بوضع أحد الأختام بجواز سفرها إستعدادًا للمغادرة ..
سحبت نفسًا طويلًا باردًا للغاية ، ترى هل تلك البرودة من برد الشتاء العاصف بهذه المدينة أم هو حياتها التى لا تقترن بالدفء والراحة …
ختم وضع بصفحة جواز سفرها أعلن نهاية مهمتها وبقائها هنا ، البلدة التى شهدت على ميلاد قلبها ونهايته بذات الوقت …
رفعت رأسها بشموخ كما إعتادت وإتخذت خطواتها الجادة تجاه قاعة الإنتظار فلم يعد يتبقى على موعد إقلاع الطائرة سوى النصف ساعة …
جلست بمقعد الإنتظار تسترجع ومضات من زيارتها ومهمتها ، تسترجع مشاكسته لها وإبتسامته التى سرقت دقات قلبها الخائنة ، عيناه القاتمتان التى تتحدث بغموض ، ضمت شفاهها بتأثر لتنظر نحو الفراغ فعليها أن تنسى كل هذا ، يجب أن تُجبر قلبها وعقلها على النسيان وإعتبار تلك الأيام مجرد مُهمة وإنتهت منذ هذه اللحظة ولن يجمعهما أى زمان ومكان بعد الآن كما كانت من قبل …
دقائق ودقائق مرت متلاحقة ليعلن النداء عن التوجه إلى الطائرة فحان موعد الرحيل ، وقفت تستقيم بطولها المميز حاملة حقيبة يدها الخفيفة متجهة نحو البوابة لصعود الطائرة ليسدل الستار عن كل شئ خلف ظهرها …
وقفت إحدى سيارات الأجرة أمام المطار قبل أن يترجل منها “معتصم” بخطواته المتعجلة الأقرب للركض ليدلف إلى داخل المطار باحثًا بعيناه الكاشفتان عنها ، دار حول نفسه بإستدارة متعجلة يبحث عن طيفها الأسود لكنه فشل بإيجادها …
أسرع نحو أحد المكاتب يسأل عن موعد الطائرة المتجهة للقاهرة …
– معذرة … متى ستقلع الطائرة المتجهة للقاهرة من فضلك …؟!!
بدون حتى أن يتحقق الموظف أشار بكفه نحو السماء بيقين مجيبًا إياه …
– لقد حلقت بالفعل يا سيدى ….
تعلقت عينا “معتصم” المدهوشتان بالسماء الواضحة من النافذة الزجاجية حيث أشار الموظف بإحباط شديد وهو يملس جبهته بعنف لفشله مرة أخرى باللحاق بها …
أغمض عيناه لوهلة بضيق بالغ تَفَهمَهُ الموظف بأنه لم يلحق بالتأكيد بأحد الركاب بها ليلتف “معتصم” مغادرًا المطار ليعاود لمسكنه لتلقى آخر التعليمات وموعد عودته القريبة قائلًا لنفسه ببعض التحدى …
– ولو … حتى لو فلتى منى النهاردة … مسيري حرجع مصر … وأكيد الوشوش حتتقابل .. ويا أنا يا إنتِ يا “عهد مسعود” …
❈-❈-❈
بيت فخري النجار …
ماكر .. خائن كائن العنكبوت فهو يسقط فريسته ويصطادها داخل بيته اللزج لكنه هو فقط من يدرك أين يضع خطواته حتى لا يقع بالشرك الذى ينصبه ، كذلك كانت “حنين” فهي لا تختلف عن كونها أنثى للعنكبوت تنصب الشراك ببيتها تنتظر وقوع فريستها بالشباك بمكر ودهاء …
إنتظرت بداخل شقتها ذات الباب المفتوح منذ ساعات الصباح الباكر لخروج والد زوجها متجهًا لمحل العطارة خاصته لتنتهز فرصة بقاء “صباح” و “راويه” بمفردهن بالأعلى …
أعدلت من وضع عبائتها الحمراء المزركشة بخيلاء أمام المرآة قبل أن تصعد الدرج نحو شقة والدا زوجها لإتمام أمر تفكرت به جيدًا للتخلص من “راويه” التى تفسد عليها كل خططها للسيطرة على عقل “صباح” والاستفادة منها قدر الإمكان …
دقت جرس الباب بوجهها المقتضب وشفتيها المزمومتان لكنها فور أن فُتح الباب وإرتخت ملامح وجهها بإبتسامة مزيفة حين تلاقت عيناها مع بغيضتها “راويه” …
– صباح الخير يا عروسة ….
إطلاق هذا اللقب عليها لم يكن سعيدًا بالمرة بل هو مفاجئ مقلق خاصة من تلك الحرباء المتلونة …
ظنت لوهلة أن “حنين” تسخر منها وتقلل من شأنها كالعادة لتردف “راويه” بعدائية مهاجمة …
– ما تلمى نفسك يا “حنين” … ناقصة مسخرتك على الصبح …!!!
دفعت “حنين” بكفها كتف “راويه” تزيحها عن طريقها وهي تخطو نحو الداخل بتغنج وغرور وهى تُعلى من صوتها حتى تسمعها “صباح” …
– يا أختى بقى أنا الحق عليا إني جايه أبشرك بالعريس ….!!!
إخترقت كلمة (عريس) أُذن “صباح” التى خرجت للتو لتشهق بسعادة وعدم تصديق لما سمعته أذناها للتو …
– عريس …!!! إنتِ بتقولي عريس يا “حنين” …؟!!
ها قد نالت مرادها لتقف “حنين” بمواجهة والدة زوجها بغرور ممتعض من عدائية “راويه” معها قائله ..
– أيوة يا ماما “صباح” … بس الظاهر “راويه” عمرها ما حتعدل لسانها معايا …؟؟؟
قالتها لتثير حنق “صباح” على “راويه” وتوبخها لطريقتها الجافة معها ، هتفت “صباح” تعنف “راويه” بشراسة …
– إخرسي يا بت … ولمى لسانك مع مرات أخوكِ …
إتسعت عينا “راويه” بغيظ فتلك القميئة لا تنفك بأفعالها وكلماتها التى تبث السموم أينما وجدت لتهتف بغضب تجلى بملامحها وصوتها ..
– مش تشوفي هي بتقول إيه الأول … ولا على طول تطلعي فيا كدة … ما هي إللي بتتمسخر عليا .. !!!!
إستكانت “حنين” بوداعة لا تليق بها لتردف مرققة من صوتها …
– بقى كدة … كتر خيرك … ده أنا مستنيه من صباحية ربنا عمى “فخري” يروح الوكالة وآجى أبشركم ..
سحبتها “صباح” خلفها بحماس متجهة نحو غرفة الصالون الأحمر خاصتها وهى تدب الأرض بقدميها الممتلئتان قائله ..
– سيبك منها … تعالي قوليلى إيه حكاية العريس ده ..!!
جلست “حنين” غير عابئة بنظرات “راويه” المتقدة بغضب من خلفها لتزداد غرورًا وتفاخرًا بخبر الساعة ” عريس لـ راويه” …
– عريس إنما إيه … ما إنتِ عارفاه يا ماما “صباح” ..
إرتعشت عينا “صباح” بسعادة و حماس متسائلة بفضول كاد يحطم أعصابها بينما أنصتت “راويه” لما ستقوله “حنين” فيبدو أن الأمر جديًا ..
– ما تقولي على طول يا “نونه” … مين ده اللي أعرفه …؟!!
زمت “حنين” شفتيها المبتسمتان قبل أن تلقى بقنبلتها بوجهيهما …
– “حمو” إبن عمتي “عديلة” …
شهقت “راويه” بصدمة وهي تضرب صدرها بكفها بعدم تصديق ليتوهج وجهها الأسمر إنفعالًا من عرض “حنين” المُخزي لتصرخ بها بغضب …
– إنتِ إتجننتي ولا إيه … ؟؟! مش ناقص إلا “حمو” ده كمان …؟!! إنتِ الظاهر إتهلبتي فى دماغك … !!!!!
تلجمت “صباح” عن الحديث فبم ستجيبها ، هل بالنهاية يكون عرض الزواج الوحيد لأبنتها من هذا المعاق ذهنيًا إبن عمة “حنين” والذى يعيش بكنف والديه لا يفقه أى مسؤولية لذاته على الأقل …
أترضى به زوج لإبنتها وتتخلص من همها أم ترفض تلك الحياة المُهينة مع زوج لا يصلح لكونه زوجًا من الأساس …
طرفت “حنين” بعيناها لتبرر طلبها دون الإهتمام بصراخ “راويه” …
– عمتي “عديلة” ست قادرة ومعاها قرشين ونفسها تجوز إبنها ومش حتخلي “راويه” محتاجة حاجة … تؤمر بس … وأهي يبقى ليها عيشتها وبيتها وتطلع من بيت أبوها بدل ما هي عنست كدة يا ماما “صباح” … وأنا قلت “راويه” أولى بالعيشة الحلوة دي … كل حاجة حتبقى تحت رجليها من كافة شئ .. أبقى غلطانة عشان بدور على مصلحتها …
ضاقت نفس “صباح” لكنها لم ترفض الأمر نهائيًا لتردف بحيرة …
– بس متأخذنيش يعني … مفيش غير “حمو” … ده دماغه على قده …!!!
شعرت “حنين” بأن “صباح” قد تميل للموافقة إذا ضغطت عليها للتخلص من حمل “راويه” الذى أثقل قلبها لتردف بتزيين الأمر بعينيها …
– وهو ماله “حمو” … ده طيب وغلبان … ومعاهم فلوس زى الرز … يعيشوها ملكة … هي حتعوز إيه أكتر من كدة …؟؟!
دارت عينا “راويه” بحيرة بين كلاهما فهي لا تصدق أن هناك حوار يقام من الأساس لتهتف بغضب …
– إنتوا بتفكروا إزاى … وربنا ما يحصل … ده أنا أمُوت أرحم من الجوازه الهباب دي … ( ثم نظرت تجاه “حنين” بأعين ساخطة فهي سبب كل المشاكل ) … إنتِ المصيبة اللي بتحدف بلاويها علينا … إنتِ مالك ومالي … قاعدة فى مال أبوكِ … !!! مالكيش دعوة بيا … أنا حرة … أعنس معنسش أنا حرة … إطلعي إنتِ منها يا سوسة …!!
وقفت “حنين” تتصنع الإنفعال ..
– شايفة يا حماتي … شايفة بنتك بتقول إيه …؟؟! بقى أنا سوسة …؟!! يعنى الغلط بقى عندى أنا دلوقتِ … أنا إللي غلطانة إني بدور على مصلحتها …
قضمت صباح شفتيها بإمتعاض لا تدري أتوافق أم ترفض ، لكنها ترى إنفعال “راويه” بشكل مبالغ فيه لتهتف بها لتهدأ قليلًا …
– أصبري يا بت أما نشوف …
رفعت “راويه” كفيها تنهر والدتها لمجرد التفكير بالأمر …
-إنتِ بتفكري …!!!! الموضوع ده ما ينفعش أصلًا … يعني على آخرة صبري أخد العبيط إبن عمتها ..؟؟؟!
لم تطيق “حنين” أسلوب “راويه” المنفعل لتجدها فرصة لتصطنع الضيق قائله …
– لا ده مش إسلوب كلام أنا غلطانه من الأول إن أنا أجيب المصلحه دي ليكِ أنا نازله شقتي يا ماما “صباح” …
لم تلبث القليل إلا وخرجت من شقة والدى زوجها تاركة الأمر لتفكير “صباح” التي ربما توافق على زواج “راويه” والتخلص من مسؤوليتها وتكون هي الرابحة بغيابها عن البيت حتى تستطيع الوصول لمبتغاها من “صباح” و”فخري” …
شعرت “صباح” بالتخبط بين الموافقة والرفض لكن وجه “راويه” الغاضب جعلها تبتلع كلماتها تنتظر التفكر بالأمر جيدًا ، بينما أخذت “راويه” تدور بهياج لا تصدق أن “حنين” تجرأت بعرض مثل هذا الأمر عليها ، فكيف تُدني من نفسها لمجرد التفكير به ..
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
(نيره ستور) لمستحضرات التجميل ..
بجلسة ثنائية بين “نيره” وصديقتها “إسراء” بأحد أركان المتجر ، مطت “نيره” شفتيها وهي تستطرد حديثها قائله …
– وبعدين أصريت إن إحنا نرجع البيت وما نشوفش الموبيليا …
هزت “إسراء” رأسها إيجابًا لتصرف “نيره” السليم قائله …
– برافو عليكِ … صح كده عشان ما يفتكرش إن زعلك يعدي بالساهل … لازم يحس بقيمتك ويعمل لك ألف حساب .. إنتِ كمان لازم تكون عينك عليه أكتر من كده …
أوسعت “نيره” من عينيها متسائله ..
– يعني أعمل إيه …؟!!
لفت “إسراء” خصله شعرها حول إصبعها متفكره قبل أن تجيبها …
– إنتِ دلوقتِ في مرحلة كويسغ جدًا .. أي طلب حتطلبيه لازم يتنفذ فورًا … إنتِ كده بقيتي الأقوى .. بس لازم تكون سيطرتك عليه في الشغل كمان ..
– في الشغل طب أعملها إزاي …؟!!
حركت “إسراء” رأسها وهي تقلب شفتيها بتفكر بالأمر ثم أردفت …
– لازم من وقت للتاني تطبي عليه في الشغل .. عشان يعرف إن إنتِ عينك عليه على طول .. ما ينفعش تسيبيه لنفسه .. خطيبك ده بالذات ما لهوش أمان .. كل شويه يحب يقعد مع البنات ويتكلم معاهم .. إنتِ لازم تبقى عينك عليه في الشغل وفي البيت …
أومأت “نيره” رأسها منصاعة لأفكار “إسراء” التي تنير بصيرتها …
– صح معاكِ حق .. أنا لازم أطب عليه كل شويه في الشغل علشان أشوفه بيعمل إيه من ورايا …
– إنتِ كده صح …
دارت عينا “نيره” بتفكر كيف تمر بـ”رؤوف” من دون إخباره بذلك لترى ماذا يفعل من خلف ظهرها ..
❈-❈-❈
بيت محفوظ الأسمر ( وعد) …
لم يكن الأمر عاديًا ، فما تظنه يسيرًا قد حل بي بعد ألف معركة برأسي وألف ألف كسر بقلبي ، وإكتفيت بقول كلمة لا بأس …
حَملت بقلبي كل البأس لأجل صغيري فقط ، هو ما أتحمل لأجله فلا تظن أنه لسبب آخر …
تطلعت “وعد” بالجدران الكئيبة من حولها تدور بأفكارها الأحداث والذكريات بعد إصابة والد زوجها بالذبحة الصدرية ونقله إلى المستشفى …
فبعد تلك الليلة التى إنتهت بالمشادة القاسية بين “عاطف” و”عتاب” أمام أعين الجميع و إنسحاب “عاطف” منفعلًا بسبب إتهام “عتاب” له بأنه السبب بما حدث لوالدهم وأنها لا دخل لها بما حل به …
تلقوا باليوم التالي خبر مفزع بوفاة “محفوظ” فلم يتحمل قلبه كل هذا العناء …
كانت وفاة مرتقبة فحالته كانت سيئة للغاية إثر تلك الأزمة التى من الصعب تجاوزها …
تذكرت “وعد” تلك الأيام الكئيبة التى عمت البيت بأكمله حزنًا على فقدانهم لأبيهم ، لكن سرعان ما تحول هذا الحزن لصدام من نوع آخر …
تبدلت أحوال “عاطف” ليصبح أكثر عدوانية وتملكًا فقد إتخذ محل والده بكل شئ وأصبح هو فقط الآمر الناهي بالبيت والعمل …
ذلك الأمر الذى لم تتقبله “عتاب” بسهولة لتكثر مصادماتهم وشجارهم المتوالي فـ”عتاب” لم تكن بالراضخة لتملُك “عاطف” وسيطرته على كل شئ …
وما أثار حفيظتها هو تجنب “محب” لكل تلك الصدامات والوقوف كمتفرج لما سينتهي الأمر بين أخته وأخيه …
إستطاعت “عتاب” شحن نفس والدتها على أخيها لتشترك دومًا معها بالصدام مع “عاطف” الذى لم يكترث لهم بالمرة ، بل تمادى بكونه صاحب السلطة والتحكم فى المال …
كل ذلك أثار تساؤل “وعد” بقوة ، فلماذا يتحكم “عاطف” فقط بالمال والتجارة ؟!! لماذا يصرُ على بقائها بالشقة ولا تختلط بوالدته وأخته كما كانت بالسابق ؟؟ لماذا يهددها دومًا بأنه سيلحق بها الأذى أو يطلقها إذا لم تنتبه بشدة لولدهم الوحيد “زين” كما لو أن خطرًا ما سيحل به …
يومًا بعد يوم شعر “عاطف” بكونه الوسيم صاحب الثروة لتتفاجئ “وعد” بمعرفتها بأنه على علاقة بسيدات سيئات الخُلق يقضى معهن ليالٍ مشبوهة كروحه القميئة ، لم تكترث “وعد” بتلك الرسائل الوقحة التى تصلها منهن بوصف منحل لخيانته لها معهن فقد فقدت كل أحاسيسها تجاه هذا الرجل ، بل أوصلها بنفسه لحافة الكراهية والبغض ..
ما كانت تنظر إلا لولدها فقط ، فهي لن تستطيع الخروج به من هذا البيت لهذا عليها التقبل والبقاء معه فهو يستحق تلك التضحية …
أيام تتوالي وما عاد يربطها بهذا الخائن سوى طفلهما حتى الحديث بينهم قد إنقطع فبعد إغلاق المعرض يتجه لإحدى هؤلاء المنحلات لقضاء ليلته معهن ويأتى مع بزوغ الفجر سكيرًا مترنحًا بحالة يرثى لها كمن يتفاخر بكونه مرتكب تلك الكبائر دون أن تتفوه هي بكلمة معاتبة ، ربما يفعل ذلك بها كنوع من العقاب لها لتجنبها له ونفورها منه بالآونة الأخيرة …
❈-❈-❈
الطائرة …
كما لو كانت حلقت فوق السحاب تاركة قلبها يسير بالأرض ، كمن إنتزع قلبها تاركًا خلفه فراغ أجوف ، لكن العجيب أنه مازال يتألم …
إتخذت “عهد” مقعدها بالطائرة تتذكر رحلة قدومها كيف كانت ، قويه غير مبالية ، شرسة .. حادة بعكس جلستها اليوم هادئة مستكينة ، كمن تبدلت نظراتها للعالم من جديد وأصبحت ترى الدنيا من منظور مختلف …
هل بتلك الأيام الماضية فقط أزيلت الغشاوة عن أعينها ، أم أنها كانت تبصر واليوم غُم عليها …
بهدوء عكس طبعها جلست تنتظر نهاية رحلتها وعودتها إلى أرض الوطن …
❈-❈-❈
سويسرا ( الفندق) …
عاد “معتصم” إلى الفندق لينهي ما تبقى من مهمته إستعدادًا لإستقلال الطائرة مساء اليوم كما حُدد له …
جلس بطرف الفراش وهو يستند بمرفقيه فوق ركبتيه منكسًا رأسه بضيق بالغ متعجبًا من حاله ، فقد ظن أنه بمجرد الإنتهاء من المهمة سيكون سعيدًا بقدرته على الإنتهاء منها ، لكنه الآن يشعر بأن هناك شيء عظيم ينقصه ، لماذا ليس سعيدًا بنجاحه هذه المرة ؟؟!
هل يمكن أن تكون قد إستطاعت “عهد” أن تترك هذا الفراغ المهول بداخل نفسه حتى انه لا يستمتع بنجاحه ككل مهمة يقوم بها ، لقد أصبح نجاحه أمرًا عاديًا وسعادته منقوصة …
رفع وجهه قليلًا محدثا نفسه …
– لو فاكره إنك كده أنهيتي المهمة … تبقي لسه ما عرفتيش أنا مين … راجع لِك … وساعتها نشوف مين فينا حيغلب التاني يا “عهد” ….
❈-❈-❈
المستشفى …
كما وعدت يجب أن توفي بوعدها ، هكذا هي “شجن” ، إتجهت نحو المستشفى للمرور بـ”أيوب” للإطمئنان عليه فقد شعرت بالمسؤولية تجاه هذا الرجل الوحيد …
مرت أولًا بالطبيب المتابع لحالة “أيوب” لسؤاله عن حالته اليوم ….
– صباح الخير يا دكتور أنا “شجن” قريبة عم “أيوب” بتاع حادثة العربية …
نظر إليها الطبيب بتفهم قائلًا …
– أه أهلًا وسهلًا … كويس إن حد من أهله جه علشان كنت عاوز أوضح حالة عم “أيوب” لحد من قرايبه …
ضيقت “شجن” حاجيبها بتوجس لتردف متسائلة …
– ماله عم “أيوب” …؟؟ هو في مشكله ولا إيه …؟!!!!
أشار إليها الطبيب بالجلوس أولًا ليشرح لها حالته الصحية …
– شوفي يا آنسه عم “أيوب” بسبب الحادثة حصل له كسر مضاعف في عظم الحوض وده أثر على بعض الفقرات في العمود الفقري .. للأسف حيبقى صعب جدًا إنه يقف ويمشي على رجليه من تاني … مش عاوز اقولك إن الأمل إنه يرجع لحالته الطبيعية يكاد يكون معدوم … وحاليًا هو محتاج رعاية وإهتمام كبير جدًا ….
صدمة غير متوقعة لتتهدل ملامحها بذهول وتتشدق عيناها لتتسعا عن آخرهما ، فهل بهذه السهولة يتحول الإنسان من قادر إلى عاجز عن الحركة ، سبحان من يغير ولا يتغير ، أشفقت بتأثر لحال هذا الرجل الطيب فكيف ستخبره بالأمر … وكيف سيتقبله ، بل وكيف سيتعامل معه بوحدته التي يعيش بها …؟!!
هزت “شجن” رأسها بتفهم قبل أن تغادر مكتب الطبيب متجهة لغرفه “أيوب” وقد شعرت بثقلًا يجثم فوق قلبها …
طرقت الباب بخفة تستأذن للدخول حين طلت برأسها المستدير وإبتسامتها العذبة ليتفاجأ “أيوب” بزيارة “شجن” ، لقد أتت من أجله مره أخرى …
تهللت أساريره بسعادة وهو يتابع دخولها غرفته بوجهها البشوش وملامحها الرقيقة قائله بإبتسامة …
– صباح الخير يا عم “أيوب” …
حاولت “شجن” ألا تُظهر ما أخبرها به الطبيب ، فبالتأكيد نفس هذا الرجل المهترئة لا تتحمل خبر مثل هذا …
قابلها “أيوب” بإبتسامة ونظرة ممتنة لعودتها …
– صباح الخير يا “شجن” يا بنتي …
جلست “شجن” على المقعد المجاور لفراشه لتضع عُلبة الطعام الكبيرة التى حضرتها والدتها بالصباح …
– جايبه لك بقى فطار إنما إيه … ملوكي … كُل بقى و إدعي لي …
تطلع “أيوب” بالعُلبة البلاستيكية الكبيرة التي من الواضح أنها صنعت بالمنزل ليتفاجئ برائحة الطعام الشهية تدغدغ أنفه ، فيبدو أن تلك البسيطة تكلفت الكثير لإعداد هذا الطعام …
– إيه ده كله يا بنتي … مكلفه نفسك أوي كده ليه …؟؟!!
– لقمة بسيطة يا عم “أيوب” … يلا كُل إنت بالهنا والشفا الأكل ده كله علشان تقوم لنا بالسلامة …
إبتسم “أيوب” بوهن وحلت نظراته الحزينة بملامح وجهه المجعد حين أدرك بفراسة أكسبها له الزمن قائلًا …
– شكلك طيبه و إللي في قلبك بيبان على وشك على طول … شكلك عرفتِ يا بنتي الدكتور قال إيه …!!!
إبتلعت “شجن” ريقها الذي جف بحلقها لتجيبه بأمل ويقين …
– بس إحنا لسه قدامنا علاج وإن شاء الله حتبقى أحسن من الأول .. مش عايزاك تفكر خالص في الحكاية دي …
بتقبل تام ورضا بما قسمه الله له أجابها “أيوب” …
– إنتِ فاكره إني زعلان يا بنتي … ؟؟! لا والله ده نصيب وقدر وأنا راضي بقسمتي إللي ربنا كتبها لي …
شعرت بقلة الحيلة ، فماذا ستفعل لهذا الرجل الذى لابد من وجود رعاية كافية له …
– طب وإنت حتعمل إيه يا عم “أيوب” و إنت لوحدك كده ….؟؟!!!
أجابها “أيوب” بإستكانة …
– ربنا هو المستعان … أكيد ليها حل بإذن الله …
هزت “شجن” رأسها بعدم إدراك …
– طب إنت ليه لوحدك …؟!! فين أهلك فين ولادك .. فين الناس إللي بتحبهم …؟!!!
تنهد “أيوب” بضيق رغم تقبله لحاله …
– أنا مش من هنا يا بنتي … أنا كنت جاي القاهره أخلص شوية ورق … لكن أنا مش من هنا … أنا ما ليش حد في الدنيا يقعد معايا بس أكيد حرجع بلدنا … مش هينفع أقعد هنا على طول …
حاولت إظهار تفهمها لكنها كانت مشفقة جدًا على حاله ووحدته ، إنتبهت لتأخرها عن العمل لتنظر لساعة يدها الصغيرة لتردف بتعجل …
– إحنا لسه حنتكلم كتير … المهم دلوقتِ تخلص أكلك ده كله و أنا لازم أروح المستوصف أحسن أنا إتأخرت أوي … أنا حعدي عليك تاني عشان أعرف إيه حكايتك بقى بالتفصيل .. وتقول لي فين قرايبك دول عشان نتصل بيهم وترجع بلدك …
أومأ “أيوب” برفق فيكفيه وجودها إلى جواره ..
– ما تشغليش نفسك بحكايتي … كفاية إنك هنا و بتسألي عني …
ضحكت “شجن” بخفه قائله بشقاوة …
– لا أنا فضولية وعايزة أعرف إيه حكايتك بالتفصيل الممل …
– وأنا حقول لك كل حاجة لما تبقي تيجي تاني …
– ماشي يا عم “أيوب” أنا حروح الشغل وآجي لك بكره … إستناني …
– حاضر يا بنتي حستناكِ ….
أسرعت “شجن” بطريقها إلى المستوصف حتى لا تتأخر عن عملها الذى إستأذنت منه قليلًا للذهاب للمستشفى والعودة لإستئناف عملها مرة أخرى …
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
بيت النجار (زكيه) …
تحضرت “زكيه” وهي تنظر لآخر مرة بمحفظتها الخاوية ، لتتنهد بضيق فمتى ستنتهي الهموم التي تلازمها ولا تتركها للحظة ، ماذا فعلت لتنال كل هذا الحظ العسر …!!! لكنها تُدرك أن المؤمن مصاب ليتقرب إلى الله ويثقل ميزانه بالحسنات عوضًا عن حزنه وكربه بالدنيا …
جرجرت ساقيها لهذا الطريق فليس لديها حل آخر فما زال الشهر بمنتصفه والنقود بنهايته ..
تحركت صوب إحدى جارتهم بالحي التي إعتادت على الإقتراض منها لحين قدرتها على السداد ، وعليها إنتظار أن تحصل إبنتيها على راتبهم ببداية الشهر الجديد لسداد الدين …
مُجبرة وليست مُخيرة ، فمن أين تأتي بالمال لتعيش هي وبناتها ، تقدمت نحو بيت السيدة “خيريه” وهي كما تسمى تمامًا لا تتقاعس عن المساعدة ، لكنها تحب الإلتزام …
لطالما وقفت إلى جوار “زكيه” بأوقاتها الصعبة ، دقت “زكيه” باب “خيريه” لتستقبلها الأخيرة بترحاب وحفاوة …
– يا أهلًا يا أهلًا بالست “أم شجن” …
– صباح الخير يا “خيريه” … معلش أعذريني مقصرة معاكِ …
قالتها “زكيه” وهي تدلف نحو الداخل وتقصد ما قالته حقيقة فـ”خيريه” سيدة وحيدة ليس لها زوج ولا أولاد تنتظر مرور أحبائها بها لقضاء وقتها معهم فوحدتها قاسية على من هم بعمرها فقد فاتت كل القطارات لتتركها وحيدو بمحطة الكِبَر …
– أنا عتبانه عليكِ … كده برضه تغيبي ولا تسألي عليا …؟؟؟!
– حقك عليا يا “خيريه”… ما إنتِ عارفه دوخة البنات وعمايل “صباح” الله يسامحها …
ذمت “خيريه” فمها بإستياء من سلبية “زكيه” حتى بدعائها …
– هو إيه إللي ربنا يسامحها … يا أختي الله لا يسامحها على عمايلها فيكِ وفي عيالك … أنا عارفه بس إنتِ ساكته ومستحمله كده ليه …؟! تغور السُكنه إللي مبهدلاكِ إنتِ وبناتك دي …!!!!
تنهدت “زكيه” بقلة حيلة تجيبها بنفسها المتحشرج …
– يعني نترمي في الشارع وبيت أبوهم موجود …!!! أسيب لهم كل إللي حيلتي …!!! ما إنتِ عارفه إنهم نفسهم يطفشونا من البيت عشان ياخدوا الشقة …
ضربت “خيريه” بكفها فوق فخذ “زكيه” ببعض الملامة لتردف بقوة مستهزئة بحديث “زكيه” …
– لاااا … خليكِ في البهدله وقلة قيمتك وقيمة بناتك ..!!!! هو ده ينفع يا “زكيه”
.. دول عرايس بقوا واعين وفاهمين كل حاجة … بقى علشان ورثكم تتبهدلوا كده مع الوليه أم لسان طويل دي …!!!!
وكعادة الإستسلام لدى “زكيه” طأطأت رأسها بيأس وهي تجيبها مبررة إستسلامها الشديد ….
– الأمر لله حعمل إيه …!! ده حتى فلوس العِيشة مش مكفيه … ده أنا جايه لك و وشي منك في الأرض تسلفيني لحد أول الشهر … قوليلي طيب لو سكنت في شقة إيجار أقل إيجار بكام !!! … أهو في الأول وفي الآخر إسمه بيتنا … وحقهم وحق أبوهم ووصيته إننا ما نسيبش الشقة ….
زفرت “خيريه” بغيظ من إستسلام “زكيه” المعهود ….
– طب حتى دوروا على عقد الشقة عشان تبيعوها …!!
ضربت “زكيه” كفيها بعضهم البعض بتحسر …
– يا أختي كله إلا موضوع العقد ده … ده فص ملح وداب دورت في كل حته في البيت مش لاقياه أبدًا … البنات كل يوم والتاني عايزيني أبيع الشقة … طب إزاي … ؟!! هو أنا معايا عقدها …!!
بإندهاش هزت “خيريه” رأسها متسائله …
– يكون راح فين يا أختي ..؟؟! ما يكونش “فخري” ولا مراته سرقوه …؟!!!
مالت “زكيه” بفمها بسخريه قائله …
– دول ولا بيخطوا عتبة شقتي … عمرهم ما دخلوا عندي أبدًا … حيكونوا أخدوه إزاي بس .. ده أنا من بعد جوزي الله يرحمه ما مات دورت عليه لما دُوخت ما لقيتلهوش أثر ..مع انه موصيني ما أفرطش في حق البنات …
– عجيبة والله ..!!! ربنا يعترك فيه .. (مطت “خيريه” فمها بإمتعاض ثم أردفت مشفقة على حال جارتها)… خلاص يا أختي يبقى تكلمي “فخري” يلم مراته وعياله عنكم شويه … ولا هو خلاص حط إيده في المياه الباردة وسايبهم عليكم ..!!!
رفضت “زكيه” بشكل قاطع أي تعامل بينها وبين “فخري” …
– وعلى إيه يا أختي … أنا ناقصة مشاكل مع “صباح” … دي لو عرفت إني كلمته حتبقى ولا على حامي ولا على بارد … دي ما بتستحملش أقول له كلمة …
نهضت “خيريه” بضيق من حال “زكيه” الخانع ….
– والله غلبتيني يا “زكيه”…. المهم يا أختي تشربي إيه …؟!!
تشبثت “زكيه” بذراعها تدفعها للجلوس مرة أخرى …
– لا والله ما إنتِ عامله حاجة … أنا أصلي مستعجلة وجايه لك في قرشين أكمل بيهم الشهر … قلت أشوف ظروفك تسمح ولا إيه … لحد بس أول الشهر لما البنات تقبض … وإنتِ عارفاني ما بتأخرش عشان أسدهم …
بعتاب المحب نظرت “خيريه” لصديقتها ببعض الملامة …
– ولو يا “زكيه” … ده كلام …!!! براحتك يا أختي … حالًا أجيب لك الفلوس …
بكرمها الطائي دلفت “خيريه” لغرفتها لتأتي لها بالمال الذي تحتاجه فهي ميسورة الحال وتساعد الجميع بكرمها وجودها ، عادت “خيريه” لتمد يدها ببضعة أوراق نقدية اتجاه “زكيه” …
– خدي يا حبيبتي … وعلى راحتك خالص ما تشيليش همهم …
– كثر خيرك يا حبيبتي … إن شاء الله ما أتأخرش عليكِ … هو بس لحد أول الشهر …
إستقامت “زكيه” تستأذن من “خيريه” بالمغادرة حين تمسكت بها “خيريه” تلتمس بعد الوناسة بوجودها …
– خليكي معايا شويه … أديكِ شايفه لوحدي ليل ونهار …
إبتسمت “زكيه” بطيبه قلب لتعاود جلستها ومرافقتها لـ”خيريه” لبعض الوقت فهذا أقل ما يمكنها تقديمه لتلك السيدة الخيرة المُحبة …
❈-❈-❈
مكتبة بحر …
طريق السعادة يكمن في صوتك ثم حديثك ثم أنتِ ، هكذا رآها “بحر” لساعات حديثهم المختلف ، تلك الساعات التي لم يشعر بمرورها فقط بصحبتها ، تمنى لو أن حديثهم لم ينتهي …
لكن وقع خطوات دبت بأرضية المكتبة معلنة قدوم زائر إنتبه إليه كلاهما ، حين تقدمت إحدى الفتيات نحوهم …
إتخذت الطريق صوبهم كما لو كانت قد حددت من قبل ما تريد ، فهي لم تتطلع بأي إتجاه نحو الكتب المصفوفة أمامها بأعينها الناعسة النصف مفتوحة ليظهر وجهها الصغير وشفتيها اللاتي تمطتهما إلى الأمام بتغنج غريب وهي تعبث بشعيراتها الثائرة ، كما لو كانت بإحدى جلسات التصوير وليست لشراء كتاب بالمكتبة ..
– مساء الخير …
بلحظة لاحظت نغم تغير ملامح “بحر” المبتسمة لأخرى جادة تمامًا بعكس ما كان عليه منذ قليل معها ، وقف من مقعده ملبيًا طلب الفتاة ليظهر طوله وقوته لكنه كان مقتضب تمامًا بحديثه …
– مساء الخير يا فندم … أي خدمة …؟!؟
بللت الفتاة شفتيها بدلال قبل أن تستطرد متسائله …
– لو سمحت كنت عايزة كتاب عن تعليم الرسم ..
أشار “بحر” بذات الجدية التي أثارت تساؤل “نغم” لتبدُل أسلوبه المرح لهذا الجاد المقتضب الغريب تمامًا عن تعامله معها …
– في الركن ده مجموعة كتب ممكن تختاري منها إللي تحبيه …
زادت الفتاة من تمطط شفتيها بإمتعاض مستكملة بدلال مغثي للنفس ..
– ممكن تختار لي إنت واحد … أنا أصلي مش عارفه إيه يكون كويس …
رمقها “بحر” بضيق وهو يخبرها بنبرة حادة نوعًا…
– ما أعرفش ذوق سعادتك … الرفوف إللي هناك دي عليها الكُتب .. شوفي إللي يناسبك… أنا مش برشح كتب لحد ..!!!
إتسعت عينا “نغم” بتعجب فهو منذ قليل رشح لها كتاب لقراءته فلما يتعامل بخشونة مع تلك الفتاة ، لكنها تابعت حديثهم حين إستطردت الفتاة قائله …
– طب حضرتك زعلان ليه …!!! هو إنت إسمك إيه …؟!!
بإدراك تام لغايتها منذ البداية ، أجابها “بحر” بحدة …
– أفندم … !!! هو حضرتك عايزة إيه بالظبط …؟!!
نظرت الفتاة نحو “نغم” قبل أن تردف بحنق من طريقة “بحر” الجافة معها …
– مفيش … عادي يعني … إحنا جيران هنا قلت أسألك عن إسمك …!!
زفر “بحر” ببطء ويحاول التحدث بهدوء فلا داعي للإنفعال …
– لا طبعًا … عادي … بس مش متعود أنا الأستاذ “بحر” …
تعمد نطقها بهذه الطريقة لفرض التعامل معه برسمية ، لكنها أجابته بهيام مثيرًا للتقزز …
– إسمك حلو أوي … أنا “صِبا” …
رفع “بحر” حاجبيه و أهدلهما بتملل حين إستكملت “صبا” ناعسة العينين بدلالها الذي لا يتماشى مع إختيارها للكتب مطلقًا …
– ممكن تساعدني يا أستاذ “بحر” عشان أختار كتاب مناسب ..؟!!
غثت نفس “نغم” من طريقتها وميوعتها خاصة وهي ترى “بحر” يعاملها بضيق نفس متحملًا دلالها الزائد عن الحد بداعي اللياقة لا أكثر ، لتنهض بإبتسامة مزيفة قائله …
– بس كده تعالي يا آنسه “صبا” … أنا حجيب لك كتاب إنما إيه .. حيعجبك جدًا …
تطلعت “صبا” نحو “نغم” بإندهاش فلم تتوقع أن تطوع هي لمساعدتها لتردف برفض …
– لا لا يا حبيبتي … خلاص ما تتعبيش نفسك …
فاهت “نغم” فيها بتعجب فهي كانت تلح بصورة غريبة طلبًا للمساعدة ، والتي تلاشت فور عرضها لتتيقن أن هذه الفتاة لم تأتي سوى للتقرب من “بحر” فقط ، لتجيبها بتهكم ..
– على راحتك …!!!
هزت “صبا” رأسها بحركة سريعة بنفور منها ثم إتجهت نحو الأرفف وهي تزفر بقوة ، تدب خطواتها بإنفعال تكاد تترك أثرها بالأرضية ، إبتسم “بحر” من هيئة “نغم” المتعجبة وهي تتوسع بعينها السوداء ، تقلب شفتها السفلية بشكل طفولي لذيذ ، حين تحدث بنبرة منخفضة حتى لا تستطيع “صبا” سماعه …
– شكرًا إنك أنقذتيني …
حركت “نغم” رأسها قائله بتحدي …
– ما تقلقش هطفشها لك …
إتسعت ابتسامته الجذابه لخفة ظلها ، حين عادت “صبا” ترمقهم بنظرات يتطاير منها الشرر لضيقها الشديد ، خاصة وهي ترى إبتسامة “بحر” الواسعة تجاه تلك القصيرة ، وضعت الكتاب بقوة فوق الفاصل الخشبي بينها وبينهم …
– بكام الكتاب ده …؟!!
أجابتها “نغم” على الفور ببعض السخرية …
– سلامة نظرك … ما هو مكتوب عليها أهو …!!!
ضمت “صبا” شفتيها بغيظ لما تفسده تلك الفتاة ، لتخرج بعض العملات النقدية واضعة إياهم فوق الكتاب لتتلقاهم “نغم” مستكملة بيع الكتاب لها دون تدخل “بحر” …
إلتفتت مغادرة بتأفف شديد ضحكت له “نغم” قائله ببراءة …
– هو في كده …؟!!!
أجابها “بحر” مشمئزًا من طريقة تلك الفتاة …
– البنات بقت غريبة أوي يا “نغم” …
– إنت بتقول فيها … ده لولا إن أنا هنا مش عارفه كانت عملت إيه … شكلك غلبان أوي في حتة البنات دي …
لاحت بعيناه نظرات هائمه لم تفهمها “نغم” وهو يجيبها بوله عاشق لم تنتبه له هي بالمرة …
– بنات إيه بس … هي واحدة بس … لكن هي ولا هي هنا …!!!!
توسعت عيناها بإندهاش سعيد لتصريحه لها بمشاعره تجاه إحداهن …
– إيه ده إنت بتحب بقى …!!! طب مين سعيدة الحظ دي …. حد أنا أعرفه …؟؟؟؟
صدمته كانت قوية للغاية ، كمن يقف بطريق وهي تبعده بطريق مختلف ، كما لو أن بينهم مفترق طرق ، فقد قدرته على إيصال مشاعره لها لتتسع شفتيه بإستياء رغم صمته ليردف بإحباط …
– يعني …!!!!!!
تمنى لو يصرح لها بأنها هي المقصودة من حديثه ، لكن يبدو أنه بعيد تمامًا عن تفكيرها ، خاصة عندما أجابته …
– إنت إنسان محترم … وتستاهل كل خير … وأكيد هي محظوظة بيك أوي …
مال فمه جانبيًا لما سببته له من خيبة رجاء لينطق بحروفه المثقلة بتنهد …
– بس هي ما تعرفش …
ضحكة “نغم” مستكملة دون فهم لمقصده …
– إيه ده حب من طرف واحد كمان …!!! الله يكون في عونك … على فكرة أنا ممكن أساعدك لو أنا كنت أعرفها …
تهدلت ملامحه بتألم فيبدو أنها لا تشعر به مطلقًا …
– أكيد حطلب مساعدتك … بس لما هي تحس بيا الأول …
– وأنا معاك في أي وقت … إحنا أخوات …
أومأ لها بضيق فوقع الكلمة على قلبه كان مرهق للغاية ، فهو لا يتعدى مجرد أخ بحياتها ، إنسحب بهدوء و لاذ بالصمت بقية اليوم ليبقى داخل المكتبة مُلملمًا قلبه المبعثر دون أن تشعر هي بما حطمته للتو …
❈-❈-❈
مؤلم الفراق حتى لو كان بإختيارك ، فهو مفترق الطرق الذي يجب عليك أن تسلكه بالبقاء أو الرحيل …
نداء أخير أعلن وصول الطائرة لمطار القاهرة معلنًا عودتها لحياتها القديمة …
بآلية تامة خرجت “عهد” من المطار متجهة صوب شقتها …
هل عادت تلك السحابة السوداء القاتمة مرة أخرى لحياتها …
دلفت إلى داخل البناية التي تقطن بها لتمر بخطوتها السريعة من أمام حارس العقار الجديد الذي فور أن رآها توارى عن مقابلتها حتى لا تعنفه بشراسة كما فعلت بالمرة السابقة …
لم يهمها هذا الرجل بل كانت تتمنى أن تخلو كل الطرق من جميع البشر ، لتبقى بمفردها فقط كما إعتادت وكما عليها أن تتعود ، هي وحيدة فريدة ليست مِثل الجميع بل هي مَثَل للجميع …
تنفست براحة فور أن دلفت إلى شقتها القاتمة وأغلقت بابها من خلفها ، الآن فقط عادت إلى وطنها ، ألقت حقيبتها و مفاتيحها جانبًا للتهوى بجسدها المنهك فوق أحد المقاعد ، دارت بحدقتيها بالسكون المحيط حولها ، ها هي قد عادت من جديد …
بذات وقت العودة هو وقت الرحيل ، كلاهما يسلك إحساس مختلف ، إتجه “معتصم” لمطار (لوغانو) لإستقلال طائرته لكن بنفس مختلفة تمامًا عن الساعات الماضية ..
فهو سعيد لتلك العودة ، فالآن لن تستطيع الهروب منه ، بل هو من سيذهب إليها ، إنه لا يخسر معركة قد بدأها مطلقًا ، واليوم تبدأ معركته مع المتوحشة …
❈-❈-❈
شركة بيكو للأدوية …
بنبرة صوته السارقة للقلوب ، إنه الحنون لطيف المعشر معسول الحديث …
تقابل “رؤوف” مع مديرته بمكتبها ، والتي تكن له بعض الإعجاب بشخصيته المرحة الطيفه لا أكثر ، خاصة وهى تقرب من عمر والدته …
بدأ حديثه معها بلطافته المعتادة ، ذلك الأسلوب الذى لو إستمع إليه شخصًا غريب لا يعرف طبع “رؤوف” لظن أنه يتملقها أو يغازلها ..
– ما شاء الله عليكِ النهاردة … واضح إن مزاجك رايق …
رفعت السيدة “هناء” حاجبها بإعجاب لطريقته التى بدأ بها حديثه والذى تدرى تمامًا أن هناك طلب ما يكمن خلف تلك المقدمة اللطيفة لتجيبه بفراسة ..
– ما تدخل في الموضوع على طول …
أشار نحوها بسبابته بطريقته المرحة لتظهر إبتسامته المميزة بفمه الصغير …
– أه يا فهماني إنتِ …
جلس “رؤوف” بأريحية وهو يضع ساقيه فوق بعضهم بعض بغرور مازح كما لو كان هو صاحب الأمر والنهي …
– فيه موظفة جديدة عايزين نجيبوها معانا … هي بنوته شاطرة .. حتشتغل أثناء الدراسة .. وإن شاء الله تثبت جداره وتتثبت معانا بعد ما تتخرج بإذن الله …
بنظرة مندهشة أجابته “هناء” …
– لاااا … ده إنت أخدت القرار بقى …!!! والمطلوب مني إيه …؟؟!
ضحكه مقهقهة خرجت من “رؤوف” حين نهض من مقعده …
– لا … ولا أي حاجة … هي حاجة شكلية كده وخلاص … تمضي على ورق التعيين بتاعها …
لم ينتظر حتى سماع القبول أو الرفض منها فوجه “هناء” كان إجابه لذلك دون التصريح به …
طريقته العفوية واللطيفة جعلتها تضحك بصوت مسموع ، لكن فجأة وبدون إستئذان فُتح باب المكتب ليتفاجئ كلاهما بإقتحام “نيره” ثائرة الأعصاب …
– الله .. الله … ده إيه بقى إللي بيحصل هنا ده …؟؟!!!!!
نظر إليها “رؤوف” بصدمة متفاجئًا من حضورها وإقتحامها مكتب المديرة ، حتى أن “هناء” تجهم وجهها بقوة لتطاول تلك الفتاة وإقتحامها مكتبها بدون إذن لتهتف بها بحدة …
– إنتِ مين … ؟!! وعايزة إيه …؟!!!
حاول “رؤوف” تدارك الأمر ليشير نحو “نيره” بوجه مندهش …
– دي “نيره” خطيبتي … (ثم إستدار نحو نيره متسائلًا ) …في إيه يا “نيره” …؟!!!!؟
توسطت “نيره” خصرها بكفيها وهي تضرب الأرض بقدمها بتوتر و إنفعال
– إيه الضحك والمسخرة دي … !!! هو إنت مش حتبطل أبدًا يا “رؤوف” … أنا زهقت منك يا أخي …!!!
فهمت “هناء” مقصد تلك الفتاة التي يبدو عليها الغباء فكيف تظن ذلك وهي تقرب من سن والدته لتنظر هناء نحو “رؤوف” بصرامة ثم طلبت منه المغادرة وإنهاء هذا الوضع الغير مقبول …
– روح شوف الدنيا دي إيه … ويا ريت الموضوع ده ما يتكررش تاني يا “رؤوف” …!!!!
شعر “رؤوف” بالغضب من تصرف “نيره” المتهور ليشير نحو الخارج بحدة قائلًا …
– إتفضلي قدامي وأنا حفهمك .. (إستدار نحو “هناء” مؤكدًا على عمل “مودة” ) … أنا حكلم الناس .. خلاص إتفقنا …
هزت “هناء” رأسها بخفه لكن ظهر على ملامحها الضيق لتصرف خطيبته الغير مسؤول …
خرج “رؤوف” من المكتب لكنه قابل “نيره” بوجه مقتضب على غير العادة …
– لو سمحتِ يا “نيره” إنت كده حتبوظي لي شغلي … إيه إللي إنتِ عملتيه ده ..!!! حد يدخل مكتب المديرة كده …؟؟!
عقصت ذراعيها أمام صدرها بإستهزاء قائله …
– لا والله … خايف على إحساساتها أوي …!!!!
حاول “رؤوف” كبح غضبه قدر المستطاع حتى لا يثور على تصرفها الأهوج ، لكنه ولأول مرة أجابها بإقتضاب بنبرة حادة للغاية …
– لو سمحتِ يا “نيره” … إللي إنتِ بتعمليه ده أنا مسمحش بيه … أنا ما بعملش حاجه غلط … يا ريت تمسكي نفسك شويه وتعرفي إنتِ بتكلمي مين وإزاي … مش كل حاجه حعديها وخلاص … أنا يمكن بتكلم كويس مع الناس … لكن أنا عمري ما عملت حاجة غلط … وبعدين إنتِ جايه هنا ليه … وكمان من غير ما تقوليلي إنك جايه الشركة … إيه … بتراقبيني هنا كمان …؟؟!!
شعرت “نيره” ببعض الإرتباك من حدة “رؤوف” التى يظهرها لأول مرة ، خاصة وهو محق بهذا الأمر فهي لم ترى منه أي خيانه قط أو تصرف أرعن ، لكنه فقط مع معسول الحديث …
هدأت نبرة صوتها لتردف بإضطراب لشعورها بخطأها وتهورها …
– خلاص تمام .. أنا … أنا كنت جايه علشان نكمل مشوارنا وندور على العفش …
وجدها “رؤوف” فرصة مناسبة لتناسي خلافهما السابق ، ليجيبها ومازال الضيق يسيطر عليه حتى وجهه اللطيف إقتضب بشدة بصورة غير مسبوقة بينهما …
– خلاص تمام … إستنيني حعمل مكالمة ونتحرك سوا …
أشارت “نيره” بتوتر نحو الخارج قائله …
– تمام حستناك بره ….
فور أن خرجت “نيره” من الشركة لتلملم بقايا إضطراب نفسها لشعورها بخطئها الجسيم هذه المرة ، أخرجت هاتفها تتصل بـ”إسراء” تخبرها بما حدث وماذا عليها فعله لإصلاح الأمر ، لكن “إسراء” كان لها رأي آخر بأن على “نيره” إيقاعه بأي خطأ حتى تخرج من لومه لها لتهورها حتى لا تكون هي المخطئة …
أخرج “رؤوف” هاتفه ليتصل برقم “غدير” ليخبرها بموافقة رئيسته بالعمل على تعيين “موده” وأن عليها الحضور للشركة غدًا لترتيب بدأ العمل معهم ..
رواية بقلم قوت القلوب رشا روميه
❈-❈-❈
شقة موده …
تهللت “غدير” بفرحة حين أنهت مكالمتها مع “رؤوف” قبل أن تعود لأختها التي إنشغلت بترتيب جلستهما معًا لمشاهدة أحد الأفلام ..
قفزت “غدير” أمام “موده” وقد إتسعت إبتسامتها المميزة بإبتهاج قائله …
– إنتِ بتعملي إيه … يلا يلا قومي معايا … أنا مش عارفه إيه البيت إللي ما فيهوش حاجة حلوة ده .. !!!!
قلبت “موده” شفتيها بتفاجئ من تصرف أختها الطفولي قبل أن تعقب على حماسها المفرط …
– “دورا” انتِ اللي لسه قايله تعالي نقعد نتفرج على فيلم ..!!!!!!
حركت حاجبيها بشقاوة وهي تجيبها مطلقة ضحكتها قائله …
– أيوه من شويه مكناش حنحتفل … دلوقتي لازم نحتفل …
– نحتفل بأيه …؟!!!
قالتها “موده” ببعض التحفظ حينما سحبتها “غدير” من ذراعها قائله …
– نحتفل بشغلك الجديد يا بطوطه …
عقدت “موده” أنفها بإستهجان دون فهم ما تقصده “غدير” …
– شغل إيه ..؟؟!!
دفعتها “غدير” من ظهرها نحو الباب لتغادر المنزل قائله …
– أنا كلمت لك “رؤوف” … ومن بكره حتشتغلي معاه في شركة الأدوية … يلا بينا … تعالي إعزميني على حاجة حلوة … عايزة أكل حجازية …
تيبست “موده” بمكانها هل يمكن أن تلعب الصدفة دورًا ليسعد قلبها ؟؟ هل يمكن أن تصدق ما تسمعه بأن هناك طريق يقدم لها مقابلة معه بشكل رسمي دون جهد منها ؟؟؟ هل يمكنها أن تراه دون عناء أو تفكير .. هل يمكن أن يكون لحظها موجة سعيدة بعد عواصف حياتها الباهتة …؟؟!
قطع تشتت أفكارها دفعة أخرى من “غدير” وهي تقهقه بصوتها الرنان …
– يلا يا بخيله مش حسكت إلا لما تجيبي لي حجازية دلوقتي … دلوقتي ….
تهلل وجه “موده” بإبتسامة سعيدة فيكفيها قُربه فقط لتردف بإبتهاج يماثل حماس “غدير” وجنانها …
– حجازية بس … طب والله لأجيب لك جاتوه …
بهيام مزيف وضعت “غدير” كفها على صدرها متصنعه الإمتنان …
– قلبي مش قادر يستحمل أخيرًا حناكل جاتوه ….
تشبثت “موده” بذراع “غدير” ليغادرا البيت للشراء بعض الحلويات قبل عوده “غدير” لبيتها …
قطع كلاهما الطريق يتضاحكان بخفة إحتفالًا بهذا الخبر السعيد بعمل “موده” بشركة الأدوية مع “رؤوف” …
❈-❈-❈
شجن ونغم …
يوم جديد ينتهي به عملهما لتمر “شجن” بأختها لمرافقتها إلى البيت ، بتلقائية وحنو تأبطت “نغم” ذراع “شجن” تخبرها بتفاصيل يومها وعملها بالمكتبة وما حدث بينها وبين “صبا” و”بحر” اليوم …
كانت “شجن” أيضًا تفيض بحديثها مع أختها وصديقتها بتفاصيل يومها بالمستشفى والمستوصف …
هكذا إعتادتا ألا تخفي أحدهما عن الأخرى شيئًا ، بل لقربهما صلابة قوية ،
كنجمتين متلالئتين دلفا لداخل الحي يتوهجان بحُسنهما يخطفان الأبصار من حولهم …
لم يخطفا عيون المارة فقط بل تطلعت عيون “راويه” تجاهما بتحسر فهي لم تحظى يومًا بهذا القرب من أخت أو صديقة …
❈-❈-❈
هل يمكن ان ينقلب الحظ التعيس لضربة حظ وإحساس بالسعادة ، فبعد أن غابت عن عيناه ها هي تتألق أمامه لتسرق قلبه من جديد …
كان يظن أنه لن يراها بعد الآن ، لكن شاءت الصدف أن تقع عيناه عليها اليوم …
جلس “رشيد” بمقعد المقهى برفقة أقرانه ، لكن ذهنه وقلبه حلقا بعيدًا عنهم حينما رأى طيفها أمامه ، فها هو قلبه يدق من جديد …
كم إشتاق لإحساس السعادة برؤيتها فهل ستسمح له الفرصة بتقابل طريقهما بعد أن ظن أنه وصل لمفترق الطرق …
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ظننتك قلبي)
التعليقات