رواية نافذة العمر الفصل الثاني 2 بقلم دعاء الحادي وعلا السعدني
وقفت رهف في إحدى غرف المنزل أمام المرآه تتأمل انعكاس صورتها. تسقط خصلات شعرها الطويل على كتفيها، وتبدو عيناها متعبتين، كأنها تحمل على كاهلها ثقل العالم.
وتعود ذكرياتها إلى تلك اللحظات السعيدة التي عاشتها مع زوجها، تلك الضحكات التي كانت تتردد في أرجاء المنزل، ولكن كل شيء تلاشى الآن.
تشعر بالألم يتسلل إلى قلبها، وكأن خيانة زوجها كانت طعنة غادرة.
– إزاى يعمل كده فيا …. معقول كل شيء كان عبارة عن كدبة كبيرة وكنت عايشة فيها؟!
جال بذهنها عدد لا حصر له من المشاهد التي جمعتها به، تلك الليالي التي كانت فيها تتحدث عن أحلامها وأمانيها، والوعود التي قطعها لها. “أين ذهب الحب؟” تفكر. “هل كانت كل تلك اللحظات زائفة؟”
تغلق عينيها، وتسترجع صورة وجهه، المليء بالحنان، وكيف تحول ذلك الحنان إلى خيانة.
– إزاي مخدتش بالي ؟! إزاي مفهمتش؟!
هو أنا فيا ايه وحش كده يخليه يخوني
نظرت رهف مرة أخرى للمرآة لكى ترى هل هى قبيحة؟
هل هناك مشكلة لديها تجعله يقوم بخيانتها؟
فقد كانت عيناها واسعة يتهوه الكون فيها، ملونة بلون المحيط كما كان يقول لها دوما
لم يتغير بها شيء
نفس ملامحها و وجها
مازالت نفس الشخص
مازال كل من يراها يشهد لها بالجمال
إذا لماذا؟!
لماذا قام بخيانتها ؟!
لماذا مزق قلبها؟!
لماذا هدم كل شيء؟
هل تغير طبعها ؟! هل صدر منها ما يزعجه؟!
هل كانت تقصر في حقه؟!
كل هذه الأسئلة جالت بذهنها وأكثر
وبعد تفكير موضوعي كانت الإجابة لأ
هي لم تقدم له سوى المحبة والإحترام والاهتمام لكنه لم يكن يستحق
مسحت دموعها ثم نظرت للمرآه وفجأة شعرت وكأن المرآة تهتز ظنت انها قد أصيبت بدوار
لكن سرعان ما لبثت المرآة فى عرض مزيج من الصور
وكأنها قد تحولت لشاشة عرض
الغريب في الأمر انها لم تشعر بالرعب بل أخذت تشاهد ما يحدث في انبهار
ظهر في المرآة رجل شاب يرتدي ملابس كاجول
يبدو مرحا بعض الشيء
وجهه بشوش ملامحه جذابة
كان وسيما بشكل مختلف
بشكل قريب من القلب
يسير في الطريق واسع الخطى شديد الثقة
يشعر المرء حين يراه بالأمان
نعم الأمان لدرجة تجعل المرء يحتمي به
توجه نحو سيارته ثم استقلها بخفة
التقط هاتفه وهو يقول متحدثا:
– الو رهف حبيبتي وحشتيني جدا…. عرفت انك رجعتي لبيت جدتك ….. استنيتك كتير كتير قوي
أغلق الهاتف ثم تنهد في هيام
رفعت رهف حاجبيها في دهشة
وقالت تحدث نفسها وهي مأخوذة من الذهول :
– هل ما رأيته حقيقي؟ ترى من هذا الشخص ؟
هل هذه المرآة مسحورة؟
شعرت وكأنها تريد أن تستكمل مشاهدة الأحداث
وبالفعل ظهر أمامها هذا الشخص وهو يصف سيارته
ويترجل نحو حديقة منزلها ثم توقف فجأة ثم انحنى ليلتقط كرة القدم ويبدأ في اللعب بها
وفجأة انطفأت المرآة وكأن شيئا لم يحدث ثم ظهرت انعكاس صورتها مرة أخرى
كانت علامات الذهول مرسومة على وجهها وفمها مفتوح في بلاهة
فجأة شعرت بالرعب وكأنها كانت مسحورة
هرولت مسرعة خارجة من الغرفة وهي تلتقط أنفاسها وكأنها كانت تجري لأعوام
***********************
في صباح اليوم التالي تراقصت أشعة الشمس المتطفلة التي تسللت عبر الشرفة الموجودة في ردهة منزل جدة رهف
والقت ظلالها على وجه رهف الجميل فزاده نورا واشرقا
فتحت رهف اعينها في صعوبة وسرعان ما تذكرت ما حدث بالأمس فانتفضت فجأة لتجد نفسها نائمة على الاريكة المتهالكة القابعة بشموخ في الردهة
جلست رهف على حافة الاريكة وهي تقول محدثة نفسها:
_ هو اللي شفته إمبارح ده كان حقيقي ؟ لا لا مستحيل يا (رهف) أكيد كنت بهزي، لازم كان بيتهيألي
بصي فكك من الهبل ده خليكي في مصيبتك
انتي حياتك ادمرت ولازم تبقى قوية وتقفي على رجلك مفيش حد يستاهل تموتي عشانه لازم تعيشي وتبني نفسك من جديد وتنجحي وتكبري في شغلك عشان هو ده الوحيد اللي مش هيخونك
انسابت دموعها لكن سرعان ما مسحتها وهي تقول لنفسها :
– مش هبكي على حد ما يستاهلش، مش هسمح لحد يبكي عيني تاني من اللحظة دي أنا هبدأ حياة جديدة مفيهاش وجع
كانت رهف تمر بحالة إنكار شديدة و كانت تتظاهر بالقوة أمام نفسها رغم أنها محطمة لذا ارتدت أفخر ثيابها ووضعت مكياجها رغم أنها في العادة تضع القليل فقط لكنها في هذا اليوم كانت بكامل حليها وأناقتها
كما لم يكن من قبل لتثبت لنفسها أنها موجودة وانها جميلة ليست فقط جميلة بل بارعة الجمال
كانت كأنها لوحة فنية !
****************************************
– هي اللي لوحة فنية !
قالها (فهد) محدثا نفسه وهو يتابع نسمة من بعيد والتي استغرقت في رسم لوحتها التي اولتها كل تركيزها
ظل يتأملها حتى أقبل الليل وبدأت الحفلة التي تقام كل يوم على الشاطيء
كانت أغنية راقصة تلوح في الأجواء
أجواء صيفية بامتياز
أخذ الشباب يرقصون على الشاطيء وفجأة وجد (فهد) واحدة من الفوج الروسي الذي يدربه على الغطس تسحبه من يده ليرقص معها
كانت نسمة انهت رسمتها فأخذت تتنفس بعمق لتشم رائحة الهواء المحمل برائحة البحر والمرح
ثم جلست لتشاهد الأجواء الراقصة وهي مستمتعة بأجواء الحفل
شاورت لها الفتاة التي ترقص مع (فهد) لتنضم لهم لكنها اعتذرت بذوق واكتفت بالتصفيق
وسرعان ما أن أنهى (فهد) رقصته ذهب إلي (نسمة) التي قالت له بابتسامتها الهادئة :
– واضح إن إنت كمان متعدد المواهب
ابتسم (فهد) ابتسامة ودودة و رد عليها قائلا:
_ لا دي حاجة بسيطة كده
ثم سألها مستفهما:
– وانتي بقى ليه مرقصتيش معانا ولا مش بتعرفي ترقصي على فكرة ممكن اعلمك
نظرت له بحدة ثم قالت بجدية :
– لا أنا بحب أسقف بس
قالتها ثم همت بالرحيل وهي تقول مودعة:
– بعد اذنك يا كابتن محتاجة اطلع اوضتي ارتاح شوية
لم تنتظر اجابته وفرت هاربة من أمامه
تابعها بعيونه حتى اختفت وهو يقول باندهاش:
– البنت دي مجنونة باين !
ثم ابتسم وهو يقول :
– بس عجباني
******************************************
اتصلت (سارة) ب(هشام ) خطيبها لتقرأ له توكيدات الصباح حتى يكررها ليبدأ يومه وفور أن رأي (هشام) اسمها على الهاتف رد عليها بسرعة وقبل أن يمنحها فرصة لتتحدث قال بسخرية:
توكيدات الصباح
تنفس بعمق وكرر ورايا
أنا أجذب كل الطاقات الايجابية في الكون
أنا رائع ومبدع وعبقري ورز بلبن
كانت سارة تسمعه وعلى وجهها ابتسامة رضا حتى سمعت كلمته الاخيرة
فقالت بعدم فهم :
– انت رز بلبن ازاي يعني
وسرعان ما فهمت انه يسخر منها فقالت بغضب:
– هشام! انت بتتريق علفكرة الموضوع مش مضحك خالص لازم تبعد عن الهزار وانت بتقول التوكيدات احسن تجذب لنفسك طاقة غير مرغوب فيها
ضحك (هشام ) وهم ليرد قائلا:
– هو الرز بلبن ده حاجة وحشة طيب ياريت كل يوم افطر رز بلبن
قالت باستنكار:
– رز بلبن ايه ومهلبية ايه بس انا هقفل عشان انت كده وصلتنى لطاقة الغضب ودي طاقة سلبية كبيرة ومدمرة وانت كده هتقفلي اليوم مع السلامة
لم تنتظر رده وأسرعت بغلق هاتفها
هز رأسه في يأس وهو يقول :
– ده انتي ربنا يعينك على المهلبية اللي في دماغك
******************************************
خرجت (رهف) من منزل جدتها ثم وققت في الحديقة لبعض الوقت وقد مر على ذاكرتها المشاهد التي رأتها في المرآة لذلك الشخص ثم وقفت في نفس المكان من الحديقة حيث كان يقف
وفجأة وبدون سابق إنذار وجدته أمامها
نعم
التعليقات