رواية فى حي الزمالك الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم ايمان عادل كامله
رواية فى حي الزمالك الفصل الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر بقلم ايمان عادل كامله
الفصل الحادي عشر: هَدِيَّةٌ
ساد الصمت طوال الطريق بينما أكتفى نوح برمق أفنان بطرف عيناه من آنٍ لآخر.
“أنا هنزل اجيب السمك خليكي هنا.”
“ماشي.” اردف نوح ثم غادر السيارة لتتأفف فور خروجه، يصدح صوت رنين هاتفها في المكان لتجدها مريم؛ شقيقة نوح.
“ألو أيه يسطا عاملة أيه؟”
“أيه يا أفنان، أنتوا قدامكوا كتير؟”
“يعني، نوح نزل يشتري السمك وأنا في العربية.”
“اه ما أنا عرفت أنك مش معاه.”
“أنتي كلمتيه؟”
“اه ولاقيته متعصب.. هو حصل حاجة؟”
“اه.. هحكيلك لما أجي إن شاء الله.” قالت أفنان لتحاول إنهاء المكالمة سريعاً دون أن تسرد ما حدث.
“طيب، متتأخروش وخلي نوح يسوق على مهله.”
“أي أوامر تانية؟”
“لا شكراً.” هكذا انتهت المكالمة وعادت أفنان للإنتظار حتى يأتي نوح، ارادت تشغيل أغنية عن طريق وصلة السيارة ‘AUX’ لكنها لم تجدها في موضعها وسرعان ما تذكرت أن نوح دائماً يضعها داخل ‘التابلوه’ لأنه لا يُحب تركها متدلية حينما لا يستخدمها، أخذت أفنان تعبث في التابلوه حتى سقطت صورة صغيرة.. إلتقطتها من الأرضية وهي تنظر إلى ما داخلها لتجد.. صورتها وهي طفلة!
“يا ابن اللذينة دي الصورة دي مش معايا أنا شخصياً..” تمتمت بها وهي تنظر إلى الصورة حيث كانت ترتدي فستاناً وردي وقد رُفعت خصلات شعرها على هيئة ‘قطتتين’ وتعود تلك الصورة إلى يومها الأول في الروضة.. عاد نوح إلى السيارة وهو يحمل في يده العديد من الأكياس وبمجرد أن رأى الصورة في يده اضطربت معالمه قليلاً..
“جبتيها منين؟”
“لا هو أنا اللي المفروض اسأل جبت الصورة دي منين؟”
“وقعت من ماما في مرة فقولت اشلها معايا عشان متضعش.”
“أنت بتألف؟”
“اه.. كنت محتفظ بيها عشان شكلك كان كيوت.”
“ومازلت متنكرش.” اردف بغرور ممتزج بالمزاح ليبتسم نوح ابتسامة صغيرة ثم سرعان ما اختفت
“أوعي تفتكري أن عشان هزرنا أني هعدي حوار الزفت اللي اسمه رحيم.” لم تُعلق على ما قاله وبالرغم من أنها تشعر بالحنق تجاه رحيم لما فعله لكنها شعرت بضيق حينما سبه نوح، وهي لا تدري سبب ذلك..
“طب اتحرك بقى عشان نلحق نوصل قبل ما السمك ما يبرد.”
في مقر الشركة صعد رحيم إلى الطابق الثاني بعصبيه شديد بعد أن غادرت أفنان، لا يعلم سبب غضبه المبالغ فيه.. ما مشكلته بأن تركب السيارة برفقة ذلك النوح؟ لا يدري.. لكنه يشعر أنه ليس بالصواب أن يراها برفقة ذلك الشاب.
توجه نحو المكتب الذي يجمع جميع ‘الدكاترة’ الذين يقومون بعملية التدريب بحثاً عن أنس، ليجدهم مجتمعين ويأكلون بطريقة عشوائية، يرمقهم رحيم بغضب وهو يُردف:
“هو أنا مش قولت مشوفش المنظر ده جوا المكتب تاني!”
“مالك يا رحيم في أيه؟”
“اسمي دكتور رحيم!” قال رحيم وهو يرفع إبهامه أمام ‘دكتور’ أيمن بنبرة تحذيرية.
“أنا عايز اعرف أيه المشكلة؟”
“المشكلة أن المنظر ده المفروض يبقى في الكافيه تنزلوا تاكلوا وتشربوا لكن مش في مكان الشغل!”
“أحنا أسفين يا سيدي.”
“انتوا هيتخصملكوا على فكرة!”
“ده على أساس أيه؟” سأل أحدهم بإنفعال ليقترب منه رحيم بحركة فجائية ثم يصفع يده على المكتب بجانب الآخر وهو يقول بغضب:
“على أساس أني رحيم حامد البكري!” في تلك اللحظة أقتحم أنس الحجرة وهرول نحو رحيم وهو يحاول أن يدفعه برفق نحو الخارج..
“رحيم.. رحيم، اهدى بس تعالى برا.”
“معلش يا جماعة حصل خير.”
“لا مش معلش! سيبه يضرب دماغه في الحيط!” قال رحيم قبل أن يغادر المكان نتيجة لجذب أنس له نحو الخارج، أخذه أنس إلى مكتبه.
“خد أشرب مياه.”
“معدنية؟”
“مش وقته تناكة يا روح… طنط.” اردف أنس بمزاح لينظر نحوه نوح بحده ثم تظهر ابتسامة جانبية على وجهه.
“كنت أوڤر أوي؟”
“بصراحة اه! هو أيمن مستفز بصراحة بس الحوار مش مستاهل يعني!”
“لا مستاهل!” اردف رحيم بعصبية ليرد عليه أنس بسؤال قائلاً:
“كل ده عشان بياكل في المكتب بطريقة عشوائية مقززة يعني؟”
“بص If he is acting like an animal
then he should be treated like one!
‘إن كان سيتعامل كحيوان إذاً يجب معاملته كواحد’.”
“يا ابني عيب كده! هو حيوان اه بس عيب برضوا! أنت عمرك ما اتعاملت مع حد كده.. أيه اللي مقريفاك بقى؟”
“اللي أيه؟” سأل رحيم بتعجب ليصفع نوح وجهه بيده ثم يقول:
“يا ابني هو أنت العربي بتاعك ميح خالص كده؟ قصدي أيه اللي مزمزاءك مخليك تقف للناس على الواحده كده؟”
“؟؟!!!” نظر نحوه رحيم ببلاهة شديده ليقهقه أنس ثم يقول:
“لا أنت محتاج درس في اللغة! هبقى أعلمك، المهم قصدي أيه اللي معصبك كده مخليك ماشي تخبط في الناس كلها؟”
“لا متعلمنيش أفنان هتعلمني.. لا! أفنان لا!!!” كان يتحدث رحيم بلطف ثم سرعان ما تذكر ما حدث ليمتعض وجهه.
“قول كده بقى.. أنت متخانق مع البت دي؟”
“اه متخانق ومسمهاش بت.. هي ليها اسم على فكرة.”
“خلاص يا سيدي، عشان متخانق مع أفنان يعني.”
“اه اتخانقت معاها، عشان الهانم بتقولي أنها مبتركبش العربية مع حد غريب وفي الآخر ألاقيها راكبة العربية مع الحيوان اللي اسمه نوح ده!” تحدث رحيم بحنق قبل أن يُخرج من أحدى جيوبه علبة سجائر فاخرة وقداحة.
“دكتور نوح؟ ده انسان محترم أوي.”
“أنس.. اعتبر نفسك مرفود.”
“يعم بهزر معاك! بس الشهادة لله مشوفتش منه حاجة وحشة!”
“وأنا مالي تشوف ولا ماتشوفش!” قال وهو يُشعل لفافة التبغ ليهرول نحوه أنس ويأخذها من يده.
“أنت عبيط! مينفعش تدخن هنا، تعالى ننزل تحت، ولا أقولك تعالى نمشي من الشركة اصلاً.”
“يلا أنا مش طايق اقعد في المكان ده.” اردف رحيم وهو يزفر بضيق قبل أن يدس لفافة التبغ في جيبه مره آخرى.
“كنت هقولك تعالى نقعد في حتة كده تروق أعصابك بس احنا الصبح.”
“اروق أعصابي أني اروح بار؟ أنت عبيط يا أنس؟”
“أنا مقولتش بار اصلاً.” نظر نحوه رحيم بطرف عيناه قبل أن يقول ساخراً:
“على فكرة أنت صديق سيء خد بالك.”
“متبقاش تكلمني تاني، عمتاً تعالى نروح البيت ونطلب غدا ونشوف حوار أفنان اللي مضايقاك ده.”
وصل كلاهما إلى المنزل وقام أنس بطلب الغداء من أحدى المطاعم الشهيرة.
“يعني أنت مشكلتك أنها راكبة العربية مع نوح ولا أنها راكبة عربية مع راجل عمتاً؟”
“الأتنين.”
“طب ما هو.. هي تعرف نوح ده منين اصلاً؟”
“وأنا هعرف منين يعني؟ كل اللي أعرفه أنه بيشرحلها في التدريب زيها زي أي حد.” أوضح رحيم بضيق ثم اخرج لفافة التبغ التي كان يحتفظ بها في جيبه ليشعلها ثم ينفث دخانها بضيق.
“لا بس من طريقتهم كده تحس أنها أكيد عارفاه.”
“مش عارف بقى.. المهم أني اتخنقت معاهم!”
“يا غبي! بتتخانق ليه؟ أنت مالك اصلاً؟” سأله أنس بنبرة جدية ليلكمه رحيم بخفه في كتفه.
“احترم نفسك! وبعدين أنا مكنتش شايف قدامي وكنت متغاظ!”
“ألطم على وشي؟! هو أنت لحقت تحبها عشان تغير عليها؟”
“أحبها أيه بس أنت عبيط يا أنس؟ هو أنا لحقت أعرفها اصلاً.”
“طب ما تقول نفسك!”
“أنا بي اتضايقت أوي ومعرفش ليه.. المهم أني دلوقتي مضطر اصالحها..”
“ليه هو أنت عكيت أوي؟”
“اتعصبت عليها جامد وعليت صوتي قدام الناس..”
“مبدأياً أنت محتاج تعتذرلوهم.” اومئ رحيم موافقاً على ما يقوله أنس ثم انتبه لما قاله الآخر ليسأله مستفسراً:
“لا ثواني كده.. مين هم؟”
“يسطا صحصح معايا هيكون مين يعني؟ أمي؟ أكيد أفنان ونوح.” قال أنس بنفاذ صبر لينظر نحوه رحيم بتجهم ثم علق قائلاً:
“ده على جثتي! أنا اعتذر لده؟ أنا هصالح أفنان بس.”
“أفنان بس أيه؟ ده أنت بوظت نص علاقاتك النهاردة.” اردف أنس بسخرية وهو يقهقه لينظر نحوه رحيم بإمتعاض ثم يضحك هو الآخر قائلاً:
“أنا عمري ما كنت قليل الذوق بالشكل ده في حياتي..”
“اتفق، So دلوقتي احنا محتاجينك تصالح أفنان، زمايلنا في الشغل ونوح.” تحدث أنس بنبرة جادة وبصوتاً مسموع ثم خفض صوته حتى صار أقرب إلى الهمس حينما ذكر اسم نوح.
“أهم حاجة أفنان.. ودي بقى أصعب واحده فيهم دي ممكن تطلع Pocket knife ‘مطواة’ تعورني بيها يا عم.”
“ايه؟ Pocket knife؟ اسمها مطواة يسطا!” علق أنس ساخراً لينظر نحوه رحيم بإشمئزاز ثم يقول:
“أنا بس محتاج أكل وبعدها نخطط بقى هصالح أفنان ازاي..”
في منزل خالة أفنان، وصل نوح وأفناز اخيراً وهم يحملون عدة أكياس تحوي الطعام، فتحت لهم مريم الباب لتستقبلهم وهي تُتمتم:
“اخيراً! حمدلله عالسلامة.”
“فضوا الحاجة في السريع بقى عشان ميته من الجوع.” قالت أفنان وهي تضع الأكياس على طاولة الطعام، بينما كانت ملامح وجهها طبيعية تماماً بينما كان الضيق واضحاً على معالم نوح.
“مالك يواد في أيه؟ حصل حاجة في الشغل؟” سألت والدته لتزدرد أفنان ما في فمها ببطء قبل أن تُجيب عوضاً عنه:
“مفيش يا خالتو.. أنا وابنك شدينا مع بعض في الطريق، العادي يعني.” نظر نحوها نوح بإبتسامة صغيرة لأنها أجابت بدلاً منه.
“أيه ده مزعله ابني ليه يا أفنان؟”
“أنا يا خالتو؟ ده يزعل بلد.. وبعدين بصراحة هو بيعمل حوارات على كل حاجة.”
“والله انتوا ظالمينه.” صدرت هذه الجملة من ميرال بالطبع لينظر نحوها نوح بإمتنان ثم يقول:
“الوحيدة اللي بتنصفني في القاعدة دي، هي وخالتو طبعاً.”
“يلا ناكل بقى ونبقى نرغي بعدين.” علقت مريم لتُخرج ميرال من شرودها، فلقد كانت تتأمل نوح بشكلاً واضح.
“هاه؟ اه يلا..”
“يا بت أنتي منبقيش مفضوحة كده..” همست مريم في أذن ميرال وهي تضع الأطباق.
“أنا عملت أيه؟”
“عملتي أيه في أيه؟ ده أنتي ناقصلك ثانية كمان وتطلعيله صورة ٤×٦.” اردفت مريم بسخرية لتضربها ميرال بخفة وهي تقول:
“دمك خفيف أوي ما شاء الله.”
“يلا يا بنات ابدأو أكل.. أفنان سيبي تليفونك وقولي بسم الله يلا.” تومئ أفنان وهي تفعل شيء آخير في هاتفها قبل أن تغلقه، وما فعلته هو وضع رقم رحيم في القائمة السوداء ‘Black list’ ، فهي لا تريد أن تتحدث إليه مجدداً ولا تريد أن تمنحه فرصة للإعتذار.
“هي مش خالتو قالتلك سيبي التليفون؟”
“ما أنا سبته يا نوح هو أنت كفيف ولا أيه؟” سخرت منه أفنان لينظر نحوها بإمتعاض ثم يهمس قائلاً:
“مسحوبة من لسانك.”
“عارف يا نوح لو خليتك في حالك ربنا هيكرمك.” هنا صمت نوح والجميع وانتبه كلاً منهم للطعام الذي أمامه لكن مريم كانت تنظر نحو أفنان من آنٍ لآخر بلوم، فهي دائماً ما تقوم بإحراج شقيقها حتى ولو كان يمزح.
انتهت الليلة سريعاً وعادت أفنان برفقة والدتها وشقيقتها إلى منزلهم، اتجه نوح نحو غرفته فور أن عاد إلى المنزل مجدداً بعد أن قام بإيصالهم إلى منزلهم بواسطة سيارته.
“بقولك أيه يا نوح، ما تفكك من أفنان.”
“أيه يا بنتي ده مش تخبطي قبل ما تدخلي! وبعدين أفكني منها ازاي يعني مش فاهم؟”
“يعني أفنان حبيبتي وعلى عيني وراسي بس هي مش مناسبة ليك.”
“وده ليه إن شاء الله؟”
“عشان انتوا تفكيركوا غير بعض خالص.. حتى مواصفات فتاة أحلامك نصها متنطبقش على شخصية أفنان.” تحدث مريم بصدق وهي تجلس على سرير شقيقها.
“طز في الصفات كلها.”
“أنت وأفنان على طول بتتخانقوا وكأنكوا مولديين فوق روؤس بعض.”
“طب ده اللي بيحبوا بعض بجد هما أكتر ناس بيتخانقوا، وبعدين مفيش أجمل من الخناقات اللي من النوع ده.”
“غلط يا نوح.. لما تحب حد المفروض تحس معاه بالإرتياح والتفاهم والمودة مش الخناق والزعيق وجو الروايات الرخيص ده.. الحب احتواء.. تشابه.. سكن، هل أنت شايف أن أفنان سكن ليك؟” صمت نوح لثوانٍ وهو يفكر في ما قالته شقيقته، إن كلامها صحيح بنسبة كبيرة لكن كلامها وإن كان حقيقي لن يستطيع منعه من الإنجذاب نحو أفنان.
“عندك ميرال مثلاً.. هادية، مش عنيدة، ومتفاهمة ومش معنى كده إنها معدومة الشخصية بالعكس هي ليها شخصية واراء وطموح ولكنها أعقل وأهدى من أفنان.”
“يادي ميرال.. ليه كل ما نجيب سيرة أفنان تتكلمي عن ميرال؟”
“عشان ميرال هي الأنسب ليك!”
“وأنتي عرفتي منين؟ ليه بتحكمي أن في حد أنسب بالنسبالي من أفنان في حين أن أنا وأفنان لسه مدخلناش في علاقة اصلاً!”
“عشان باين من الأول يا نوح! باين أنك لو ارتبطت بأفنان فالعلاقة دي هيبقى مصيرها الفشل!”
“أنت بتأڤوري أوي وبتكبري المواضيع، مكنتش كام كلمة سخيفة اللي قولناهم لبعض عشان تعملي التحليل العميق ده كله!”
“تقدر تقولي أيه اللي حصل خلاك أنت وأفنان تتخانقوا النهاردة؟”
“يعني بزمتك هي محكتلكيش؟”
“وحتى لو حكتلي أنا عايزة اسمع منك أنت.”
“واحد مغرور معانا في الشركة بيتخانق معاها عشان ركبت معايا العربية! اتجنن في دماغه!” سرد نوح ما حدث بإختصار بينما نظرت نحوه مريم بإنتباه.
“وأنت عملت أيه؟”
“اتخانقت معاه طبعاً وخدت أفنان ومشيت.”
“شكل أفنان دي هتضيعلك مستقبلك!” تحدثت مريم بنبرة ساخرة لكن تحمل في طياتها بعض الجدية.
“تضيعه يا ستي، براحتها.”
قضت أفنان اليوم التالي في منزلها حيث جلست هناك تراجع ما تم شرحه في الأيام السابقة في الصباح الباكر محاولة إبعاد رحيم وما حدث عن رأسها، أرسل لها نوح بضع رسائل يتناقش فيما حدث بالأمس ايضاً.
“أفنان ينفع أعطلك؟” سألت ميرال فور اقتحامها للغرفة.
“أرغي يا ست ميرال.”
“هو أنتي هتزعلي لو خرجت مع نوح؟” سألت ميرال بينما تعبث في أحد أغراضها متجاهلة النظر نحو أفنان مباشرة.
“أكيد لا.. عادي يعني براحتكوا.” تحدثت أفنان بينما مازالت تنظر في الملاحظات الموضوعة أمامها، لكنها انتبهت لما قالته مجدداً لتُردف:
“لا ثواني كده.. هتتقابلوا ليه؟ هتتكلموا في أيه يعني؟”
“هتفرق معاكي؟”
“لا بس المهم متجيبوش سيرتي.”
“وهنجيب سيرتك ليه؟”
“عشان نوح مبيتكلمش غير عليا.” اردفت أفنان لتشعر ميرال بغصه في حلقها، تسأل نفسها داخلياً لما دائماً ما ينصب الإهتمام نحو أفنان وليس هي؟
“لا مش هنتكلم عليكي يا محور الكون، هي الساعة بقت كام؟”
“تمانية ونص، وهتنزلوا أمتى بقى؟” سألت أفنان بنبرة أشبه إلى التحقيق لتُجيبها ميرال بنبرة طفولية:
“ملكيش دعوة.”
“أحسن مش عايزة أعرف.”
“أنتي مش نازلة الشغل ولا أيه؟”
“لا نازلة بس عندي ميتينج الساعة عشرة مش دلوقتي.”
“طب بصي…” كادت أفنان أن تتحدث لكن قاطعها صوت جرس الباب، لتنظر نحوها ميرال بتعجب وهي تسأل:
“مين هيجي بدري كده؟”
“مش عارفة.. ممكن البواب يكون بيلم الزبالة؟”
“طب قومي شوفي.”
“ما تروحي أنتي يا ميرال ما أنتي واقفة.”
“لا أنا مش فاضية أنا هكوي، يلا اخلصي قبل ما ماما تصحى.”
تأفأفت أفنان واتجهت نحو الخارج على مضض شديد، أخذت تبحث عن أقرب إسدال صلاة أو خمار لكنها لم تجده، يصدح صوت الجرس مجدداً فتصيح أفنان بعصبيه.
“ثانية واحدة.”
وجدت الإسدال اخيراً لكنها عانت حتى استطاعت ارتدائه بصورة صحيحة، تفتح الباب لتجد الفراغ يصرخ في وجهها، أهي مزحة سخيفة من أبناء الجيران؟ اتجهت أفنان خطوتين نحو الخارج وكادت أن ترفع صوتها وهي تسب أبناء الجيران الذين لم يحظوا بالتربية قط لكن قدمها اصطدمت في شيء صلب، خفضت عيناها لترى ماهيه هذا الشيء..
‘اصرية’ زرع تحوي زهور اللڤندر ذات اللون الأرجواني الساطع والرائحة المُحببة للنفس، وقد ألتفت الزهور بشريطة أحمر اللون وقد تم طيه على هيئة ‘فيونكة’ ويحمل كارتاً صغيراً.. حملت أفنان أصيص الزرع وهي تتأمل مظهره المُبهج وتحاول أن تنزع الكارت منه..
‘To the sweetest girl in the whole world.. Afnan.’
‘لألطف فتاة في العالم بأكمله.. أفنان’
لمعت عين أفنان وهي تنظر إلى ما كتب بخط يد رائع وبحروف إنجليزية متشابكة وقبل أن يستوعب عقلها ما يحدث وجدت هاتفها يُنير مُعلناً عن وصول رسالة على برنامج ال ‘واتس أب’ كانت الرسالة من رقم مجهول:
‘قبل ما تفكري ترمي الهدية أو متقبليهاش أعرفي أن ديه هدية كإعتذار عن اللي حصل.. أنا أسف جداً على اللي عملته ده.. أنا مش عايزك تزعلي مني، جبتلك زهرة شبهك.. مبهجة، مُريحة للنفس، ريحتها مميزة ومحبوبة من الكل زي بالضبط.’
-رحيم البكري.
أخذت تقرأ الأفنان بأعين شبه دامعه، تلمع من السعادة بينما تُمسك الزهرة بيد مرتجفة.. كيف تسبب في ثورة المشاعر تلك بفعلته هذه؟ كيف استطاع أن يجعلها تنسى سبب الغضب والخصام بهذه السهولة؟
بقدر ما شعرت أفنان بالسعادة وكأن قلبها على وشك أن يطير خارج صدرها إلى أنها شعرت بالقلق.. بالقلق من مدى تأثيره عليها.. اهٍ من موجة المشاعر تلك.
“أيه ده اللي في ايدك ده؟” سألت ميرال بفضول وهي تنظر نحو الزهور بفضول.
“لاڤندر..” همست أفنان وهي تُقرب الزهرة من أنفها لتستنشق عبيرها.
“لا ما أنا واخده بالي أنها لاڤندر، جبتيها منين يعني؟”
“رحيم..” اردفت أفنان ثم اتجهت نحو السلم لعله يكون هو من احضرها ولعله لم يرحل بعد..
“لاقيتيه؟”
“لا..”
“أومال عرفتي منين أن هو؟”
“عشان هو بعتلي مسدچ.. أنا اصلاً كنت عملاله بلوك.. بس هو يعني عرف يوصلي وهو اصلاً عرف البيت منين؟” تحدثت أفنان بعبارات متداخلة وجمل غير مفهومة لتنظر نحوها ميرال ببلاهة ثم تقول:
“أنا مش فاهمة حاجة بس لو رحيم اللي عمل كده فدي حركة جامدة أوي بجد.”
“هو رحيم.. محدش يعرف يعمل حاجة حلوة كده غيره.”
“أيه ده أيه ده؟ ده أنتي عنيكي بتطلع قلوب..”
“بس يا فصيلة.. روحي، روحي شوفي وراكي أيه.” قالت أفنان وهي تدفع ميرال نحو غرفتهم، تضم أصيص الزرع وهي تبتسم بلطف ثم تتجه نحو الشرفة التي توجد داخل حجرتها لتضع أزهارها في الداخل.
“هنسيب بقى مذاكرتنا وحياتنا ونقعد جنب الزرعة.”
“طب بذمتك، لو نوح جبلك لبانة مش هتفضلي جنبها طول اليوم؟” سألت أفنان بخبث لتكسو الحمرة وجه ميرال وتردف بتوتر:
“أنا نازلة.. يلا باي.”
ودعتها ميرال لتعود أفنان إلى الشرفة مجدداً وهي تتأمل زهور اللاڤندر خاصتها وتُفكر هل يجب عليها الرد على رسالته؟ أم تجاهلها حتى تقابله بالغد؟ قررت في النهاية أن تجعله يجلس على أعصابه حتى الغد، لكن ترى ما الثوب الذي سترتديه؟ قررت في النهاية ارتداء الثوب ذاته الذي ارتدته في أول مقابلة لهما في حي الزمالك.
في صباح اليوم التالي قررت أفنان الذهاب باكراً لعلها تصادف رحيم قبل تواجد الجميع، توجهت إلى الداخل وبمجرد وقوفها قرب الإستقبال تخللت أنفها رائحة عطره المميز لذا اقتربت من الموظفة سائلة:
“هو دكتور رحيم وصل؟”
“اه وقاعد في الكافتيريا.”
“تمام شكراً.”
اتجهت إلى ‘الكافتيريا’ بعد أن تأكدت أن مظهرها مُرتب، كان يجلس على أحدى الطاولات بحيث يُعطى ظهره لها، اقتربت منه بهدوء لتجلس في الكرسي المُقابل لخاصته وتُردف:
“أنت عارف أن في ناس بتقول أن الملكة كليوباترا كانت بتستخدم اللاڤندر كتير أوي..” انتفض رحيم من مقعده فور رؤيتها بينما لمعت عيناه بقوة حينما رأى الثوب الذي ترتديه ولون الوشاح المميز، ابتسم بتوتر ثم قال:
“واضح أن كل الملكات بيحبوا اللاڤندر..”
“يخربيت الفصلان.. أيه التلزيق ده يا رحيم؟” سألت بإزدراء ثم قهقهت لرؤية تعبير وجهه المنصدم وهو يسأل قائلاً:
“أنا قولت أيه غلط؟”
“مقولتش مقولتش.. عالعموم يعني شكراً يا سيدي عالهدية وخلاص قبلت اعتذارك بس لو اتكررت تاني يا رحيم همسح بكرامتك الأسفلت.” اردفت لينظر نحوها بإبتسامة لطيفة ثم سرعان ما تختفي لتتحاول تعابير وجهه إلى الإزدراء مما قالته.
“ماشي يا ستي.. هي مش هتتكرر تاني عشان مش من الأدب أني ارفع صوتي على حد ولا اتدخل في حاجة متخصنيش.”
“أشطر كتكوت والله.” قالت وهي تضحك ليضحك هو الآخر وهو يُعلق:
“كتكوت كتكوت.. المهم أني شاطر.”
“صح، المهم أنا عندي سؤال كده.. كفضول يعني.”
“أكيد اتفضلي.”
“ليه مجبتش الورد في بوكية؟ ليه أصيص زرع؟ مش بتنك والله بس بحاول أفهم وجهه النظر.”
“عشان البوكية يومين وهيدبل وهتنسيه.. لكن الأصيص هترويه والورد هيفضل يكبر ومش هيدبل وكمان هيفضل موجود قدام عينك.. وهتفتكريني بيه.” تحدث رحيم بصدق وهو ينظر إلى داخل عينيها بينما تجنبت هي النظر إلى عيناه، فنظراته تُشعرها بالتوتر..
“وجهه نظر حلوة أوي.. أجمل حاجة يا رحيم أنك بتعمل الحاجة بإحساس وتفكير عميق مش بصورة عشوائية.” تحدثت وهي تتجنب النظر إليه لكنها لمحت ابتسامة كبيرة ارتسمت على وجهه لذا وجهت نظرها إليه، السعادة تُزين وجهه وكأنه لم يسمع كلمات غزل كتلك من قبل.
“أنتي عارفة.. من زمان مسمعتش حد بيقولي أني بعمل حاجة مميزة أو مختلفة.. أنتي بس اللي بتقوليلي.”
“بجد؟ ناس معندهاش نظر، عمتاً متزعلش كل لما تحتاج تسمع كلام إيجابي أنا هقولك.” قالت بلطف ممتزج بالحزن تأثراً بما سرده رحيم، لتتسع ابتسامته ويعلق قائلاً:
“أنتي وجودك في حد ذاته طاقة إيجابية.. بتعملي روح للمكان.”
“أنا بعمل كل ده؟ عالعموم أنت لسه مشوفتش حاجة ده انا هبهرك.” علقت بمزاح وهي تقهقه لكنه نظر نحوها بنظره جادة وإبتسامة صغيرة وهو يقول:
“وأنا واثق أنك هتبهريني.”
“طب.. عن إذنك بقى.. هطلع عشان متأخرش.” اردفت بإرتباك وهي تلوح له ثم غادرت المكان بعد أن أخذت نفساً عميق مستنشقة رائحة عطره وهي تفكر للمرة المليون.. كيف يستطيع التأثير عليها بهذا الشكل؟!
_______________________________
تذكره: (يا رب ارزقنا واسعدنا وافرحنا من فضلك وكرمك وابعد عنا بؤسنا وحزننا يا رحمن.)
مساء الخير وحشتوني جداً بعتذر عن التأخير بس كنت مشغولة جامد وفي نفس الوقت مش عايزة اكروت الشابتر
أنا وأنا بكتب المشاهد بين رحيم وأفنان :
يارتني كنت أنا والله العظيم يارتني كنت أنا
رأيكوا في الأحداث؟
الحوار بين مريم ونوح؟
الحوار بين رحيم وأنس؟
هدية رحيم لأفنان؟
الحوار بين أفنان ورحيم؟
إن شاء الله مش هتأخر عليكوا تاني
#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_
بحبكوا + باااي
الفصل الثاني عشر: عِنَاقٌ
جلست أفنان تستمع إلى المحاضرة بسعادة شديدة وكانت الإبتسامة لا تفارق وجهها حتى لاحظ نوح ذلك، وأمتعض وجهه لأنها تبتسم.
“دكتورة هو في سبب للإبتسام؟ياريت تشاركينا يعني.”
“حضرتك بتكلمني أنا؟” أجابات أفنان على السؤال بآخر وهي تدعي أنها لا تعرف أنها المقصودة.
“أظن أني ببصلك يبقى الكلام موجه ليكي.”
“بس أنا متكلمتش يا دكتور ولا عملت حاجة.. أنا بس ابتسمت.”
“مفيش داعي للإبتسام برضوا!”
“صدقة.. الإبتسام في وش الناس صدقة.” هنا صمت نوح فلقد صدقت في ما قالته وقد كان واضحاً أمام الجميع أنه يفتعل شجار من اللاسبب.
بعد نهاية الشرح كالعادة بدء الجميع في التوجه إلى المعامل ككل مرة ما عدا أفنان حيث أوقفها نوح وهز يقول:
“بقولك أيه يا أفنان.. أنا هخليهم يغيرولك المجموعة بتاعتك عشان تبقي بعيد عن رحيم ده.”
“نعم؟ على أساس أيه يعني؟” سألت أفنان بإستياء وهي ترفع أحدى حاجبيها.
“يعني أيه على أساس أيه؟”
“أنت مين معلش عشان تقرر بدالي؟ مين قالك أني عايزة اغير المجموعة بتاعتي؟!!” سألت أفنان بإنفعال ثم أخذت نفساً عميق محاولة إستعادة هدوءها.
“يعني أنتي عجبك القاعدة مع الحيوان ده؟!”
“متغلطش يا نوح!!”
“أيه يا دكتورة مش هنيجي نشوف الشرح اللي ورانا؟” جاء صوت رحيم أشبه بعاصفة في ليلة هادئة.. ساد الصمت لثوانٍ، ينظر نوح نحوه بحدة في الوقت ذاته أخذ يتسأل هل سمعه رحيم وهو يسبه؟
“أنا أسفة يا دكتور رحيم.. أصل دكتور نوح كان بيشرحلي حاجة مفهمتهاش.” اردفت بنبرة جادة وهي تنظر نحو نوح بحدة، يمتعض وجهه وينظر نحو رحيم بإزدراء لكن رحيم ينظر نحوه ببرود تام.
“طب يلا..” اتجه كلاهما نحو الخارج ثم توجهوا إلى المعمل، نظرت أفنان نحو رحيم لتجد ابتسامة جانبية قد ظهرت على وجهه.
“رحيم.. مدام إيڤلين عالتليفون.” صدر صوت أنس من اللامكان وهو يهرول نحو رحيم ويتحدث بنبرة أقرب إلى الهمس وقد غلفها التوتر حتى أن أفنان لم تستطع سماع اسم المتصلة.
“نعم!!! Shit.” لعن رحيم وهو يضغط على أسنانه لتنظر نحوه أفنان بقلق ثم تسأل:
“أيه يا رحيم في أيه؟”
“ضهرك كده يا عروسة.. يبقى يفهمك بعدين!” قال أنس لتنظر نحوه أفنان بإشمئزاز وهي تعلق ساخرة:
“عروسة؟ واقفين في موقف ميكروباصات أحنا يا أخ!!”
“أنس.. خلي حد تاني يشرحلهم العملي.” تحدث رحيم بجديه ثم غادر الممر على الفور تاركاً أفنان بدون تفسير..
“نجيب مين مكان رحيم.. نجيب مين مكان رحيم.. خلاص عرفت.” وقف أنس يفكر بصوتاً عالٍ لتنظر نحوه أفنان من الأسفل إلى الأعلى ثم تغادر المكان متجه إلى المعمل في انتظار بديل رحيم.
جلست تنتظر برفقة الجميع حتى عاد أنس إلى الداخل وبرفقته.. نوح!!!
“الله يخربيتك يا أنس الزفت!” همست بصوتاً منخفض وهي تحاول التحكم في غضبها وعدم الذهاب إلى أنس ولكمه، لقد تصادمت مع نوح بسبب رحيم قبل بضع دقائق والآن تبدلت الأدوار ونوح هنا الآن.. مؤكد سيتعمد إحراجها كما يفعل على الدوام..
“يلا يا دكاترة كله يسيب اللي في أيده ويركز معايا.”
بدء نوح عملية الشرح وإجراء التجارب التي كان يفعلها بطريقة تختلف تماماً عن ما كان يقوم رحيم بفعلها.
“بس دكتور رحيم مشرحش دي كده.” علق أحد الفتيان لينظر نحوه نوح بحده ثم يُردف:
“أنا اللي بشرح هنا دلوقتي لما يبقى يجي دكتور رحيم بتاعك يبقى يشرحلك بالطريقة اللي تعجبه!” هنا نظرت أفنان نحو نوح بمقت شديد، ليس من طبع نوح أن يتحدث بتلك الطريقة أو أن يتحدث عن شخصاً آخر بشكل عام، حاولت أفنان إلتزام الصمت والهدوء طوال الوقت بالرغم من مضايقات نوح لها.
“يا دكتورة فتحي مخك! أنا شرحت الحتة دي أكتر من مرة وقولتها في الزفت النظري!! ولا أحنا بقينا مبنفهنش؟!” صرخ نوح في وجه أفنان لتجفل لثوانٍ ويتوقف الجميع عن ما يفعله وينظروا نحوهم.
“لو سمحت يا دكتور أتكلم معايا بإسلوب أحسن من كده!”
“أنتي هتعلميني أتكلم ازاي ولا أيه؟! لو مش عاجبك أتفضلي برا!” تحدث نوح بغيظ وهو يوبخها بصوتاً مرتفع.
“أنا طالعه اصلاً من غير ما تقول، وأسلوب حضرتك ده مش مقبول خالص!”
“تمام اتفضلي.. ويلا كل واحد يبص عاللي في أيده.”
غادرت أفنان المكان بعصبية شديدة وقامت بصفع الباب بقوة ومن داخلها قد عزمت على شيء واحد.. ستقدم شكوة لإدارة التدريب.. ضد نوح!!
بمجرد خروج أفنان قابلها رحيم وهو ينظر نحوها بتساؤل لا يدري سبب مغادرتها باكراً وسبب الإستياء البادي على ملامحها.
“مالك يا أفنان حصل أيه؟ وأيه اللي مخرجك بدري كده؟ أنتوا خلصتوا؟”
“لا مخلصناش.. دكتور نوح طردني.. يعني هو أنا اصلاً كنت هطلع برا بس هو قالي لو مش عاجبك طريقتي اتفضلي برا.. وكل ده عشان بقوله يكلمني بأسلوب كويس لأنه بيحرجني قدام باقي الناس..”
“نعم!!! بيطردك ليه إن شاء الله؟ وازاي يكلمك كده؟ ده عبيط ده ولا أيه؟” سأل رحيم بإمتعاض وبنبرة غاضبة وهو يتوعد لنوح بداخله.
“أنا عايزة أقدم شكوة ضده.. عشان هو مش بيعامل الناس كلها زي بعض، بيعاملهم كلهم كويس ما عدا أنا وبيكلمني بأسلوب وحش قدام زمايلي.”
“طبعاً من حقك.. تعالي معايا هدخلك للمسئول عن التدريبات هنا، هو هيحلك المشكلة دي Don’t worryy.”
“ماشي يلا بينا.” تبعت رحيم الذي سبقها بخطوة أو اثنتين، هو يعلم أنه من الذوق أن يجعلها تسير أمامه لكنه لم يفعل ببساطة لأنها لا تعرف الطريق إلى وجهتهم.. توقف رحيم أمام باب فخم على الأغلب ينتمي للمسئول، فتح الرحيم الباب دون أن يطرقه لتنظر نحوه أفنان بإندهاش وتسأل قائلة:
“هو مش المفروض تخبط؟ ذوقياً يعني.”
“أتفضلي يا أفنان..” اردف وهو يفتح الباب على مصرعيه سامحاً لها بالدخول أولاً.. كان المكتب فارغ.
“هو مش هنا؟”
“أستني بس.. أتفضلي أقعدي على الكرسي اللي قدام المكتب.” قال بهدوء لتفعل وتجلس منتظرة منه أن يجلس في الكرسي المجاور لها لكنه ذهب بخطوات واثقة ليجلس على كرسي المكتب.
“مساء الخير يا دكتورة..”
“قوم يا رحيم مش وقته استظراف.. لو دخل صاحب المكتب هيعملك مشكلة!”
“مع حضرتك رحيم حامد البكري.. المسؤول عن التدريبات في الشركة.” أعلن رحيم بنبرة هادئة لا تخلو من الثقة وهو يضع اللافته التي تحمل أسمه أمام أفنان مباشرة.
“أيه؟ طب ثواني كده..” سألت بإندهاش ثم حمحمت وهي تعتدل في جلستها وتبدأ في التحدث بنبرة شبه رسمية قائلة:
” يا فندم أنا جاية أقدم شكوى ضد دكتور نوح.. النهاردة أتكلم معايا بإشلوب وحش جداً قدام الناس كلها، وكمان بيتعود أحراجي وحصلت أكتر من مرة سواء في النظري أو النهاردة في العملي..”
“تمام يا دكتورة.. أنا هجبيبه وهديله لفت نظر لو اتكررت هضطر أفصله خالص وأمنعه من أنه يجي يدي تدريبات هنا تاني..”
“شكراً جداً يا دكتور.”
“عفواً أفنان، يلا فين ال Smile ‘الإبتسامة’ الحلوة بتاعتك بقى؟”
“لو بتكلم واحدة في حضانة مش هتكلمها كده بجد.” علقت أفنان وهي تقهقه لينظر نحوها رحيم بلطف ويقول:
“أنتي ازاي Cheerful ‘ميهجة’ وبتهزري كده حتى وأنتي زعلانة؟”
“أصل الدنيا في مواقف كتير وحشة لو وقفت عند كل موقف هعيش أكتر من نص حياتي مكتئبة.” شرحت أفنان وجهة نظرها بصدق لينظر نحوها رحيم بتركيز مستمعاً لم تقوله ثم أومئ موافقاً على ما تقوله ثم علق قائلاً:
“عندك حق فعلاً.. بس مش كل حاجة بنقدر نتخطاها، زي ما نوح مش هيقدر يتخطى اللي هيحصل دلوقتي.”
“هو أيه اللي هيحصل؟ هتعمل أيه؟”
“استني بقى و Watch & learn.” شعرت أفنان بمزيج من الحماس والتوتر في انتظار ما سيفعله رحيم، ضغط على زر الهاتف الموضوع أمامه ليصدح في المكان صوت أنثوي يقول:
“ايوا يا دكتور رحيم.”
“لو سمحتي ابعتيلي دكتور نوح.” اردف لتتسع أعيم أفنان وهي تشير إليه ب ‘لا’ لكنه تجاهلها مُكملاً
“عايزه يجيلي حالاً ولو مخلصش شرح يسيب الشرح ويجي.” أغلق الهاتف لتنظر نحوه أفنان بعبوس ثم تتنهد وهي تصفع جبينها بيديها.
“أنا لازم أمشي.. مش المفروض أكون هنا وأنت بتناقشه في اللي عمله..”
“أناقشه؟” سأل رحيم بسخرية وقد ظهرت ابتسامة جانبية على ثغره.
“أومال أنت ناوي تعمل أيه؟”
“ما قولتلك Watch & learn ‘شاهدي وتعلمي’.” بمجرد أن أنهى رحيم كلمته سمع كلاهما صوت طرقات على الباب ليجيب رحيم سامحاً للطارق بالدخول وكما هو متوقع لقد كان نوح، الذي كان قد انتهى من عمله وجاء ليرى ما يريده رحيم.
توجه نوح نحو الداخل وبمجرد رؤيته لأفنان أعتلت ملامحه الدهشة قبل أن يرمقها بحدة.
“خير يا دكتور رحيم.”
“أتفضل استريح يا دكتور نوح.”
“من غير ما استريح ممكن أعرف حضرتك طلبتني ليه؟” سأل نوح بنفاذ صبر لينظر نحوه رحيم ببرود ويقول:
“أنت حر، على العموم طلبتك عشان دكتورة أفنان مقدمة ضدك شكوى.”
“نعم ياختي؟! مقدمة شكوى ضدي ليه إن شاء الله يا ست أفنان؟” سأل نوح بإمتعاض ليجيبه رحيم بنبرة أشبه بالصراخ يتخللها الغضب قائلاً:
“دكتور نوح! متنساش نفسك أنت في مكان محترم.. أيه الإسلوب اللي بتتكلم بيه ده؟ وبعدين اسمها دكتورة أفنان.”
“أنا أسف يا دكتور رحيم، بس أنا حابب أعرف الشكوى اتقدمت ليه؟”
“الدكتورة اشتكت من أن حضرتك بتعاملها بإسلوب سخيف قدام زملائها ومش بس كده أنت كمان بتتعمد تحرجها قدمهم، رأيك أيه في الكلام ده؟”
“رأي أن ده محصلش وأن أفنان عندها أوهام في دماغها.”
“قولتلك يا دكتور نوح تتكلم عن الدكتورة بإسلوب كويس ومسمهاش أفنان.. اسمها دكتورة أفنان، وبعدين يعني أنا دلوقتي لو جبت حد من المجموعة بتاعتها وسألتهم عن اللي هي حكته هيقولوا أنها بتكذب؟”
هنا توترت معالم نوح فهو يعلم جيداً أنه تعمد إحراج أفنان، لكنها ليست المرة الأولى التي يقدم فيها على شيء كهذا، فلقد كان يفعل ذلك مراراً في الجامعة ولم تكن لتجرؤ على تقديم شكوى ضده هناك، لكن وجود تلك الأفعى من وجهه نظره والتي يقصد بها رحيم قد جعلها تتشجع وتفعل شيء كهذا.
“طبعاً معندكش رد.. دكتور نوح أنا هكتفي بتحذيرك المرة دي لكن لو جالي أي شكاوي ضدك تاني هيكون ليا تصرف مش هيعجبك، وطبعاً حضرتك مدرك كويس معنى أن شركة زي شركة البكري تدي عنك review ‘تقييم’ وحش للشركات والمصانع التانية.” تحدث رحيم بصوته الرخيم وبنبرة أشبه بالهدوء فهو في موضع قوة لذلك لاداعي للإستخدام الصوت العالي.
“طبعاً عارف يا دكتور.. ممكن أعرف أيه المطلوب مني دلوقتي؟”
“تعتذر لدكتورة أفنان.” أعلن رحيم بهدوء لتتسع أعين نوح وهو يقول:
“نعم؟!”
“مالك مستغرب ليه؟ مش أنت أحرجتها وعملتها وحش، يبقى هي تستحق منك أعتذار، وخد بالك أنا متساهل معاك وبقولك تعتذر هنا بدل ما أخليك تعتذر قدام المعمل كله.”
“لا وعلى أيه؟ أنا أسف يا دكتورة، مطلوب مني حاجة تاني؟”
“لا يا دكتور تقدر تتفضل.” هنا غادر نوح الغرفة بعد أن رمق أفنان بنظرة أخيرة، صفع الباب من خلفه ليبتسم رحيم ابتسامة جانبية.
“يلا قوليلي استفدتي أيه من اللي حصل؟”
“من أيه؟”
“اللي أنا عملته قدامك.. دي الطريقة ال professional اللي ممكن تهزقي بيها حد ضايقك وكله بالأدب والحدود بدل ما أنتي ماشية تبهدلي الناس غلط خالص.”
“ما شاء الله بتعلمني حاجات قيمة برضوا.”
“بغض النظر عن نبرة السخرية ولكن اللي بعلمهولك ده ضروري في الشغل والعلاقات الرسمية عمتاً.. و As you like ‘كما تودين’ عايزة تاخدي بنصحتي ماشي مش عايزة أنتي الخسرانة.”
“تعجبني فيك نبرة الثقة اللي بتدي على سنه غرور دي.”
“غرور.. غرور المهم أن عجبك حاجة..”
“طب.. أنا هروح بقى.. أشوفك بعد بكرة إن شاء الله وبجد Thank you عاللي عملته.”
“بقيتي تحطي كلام English في النص أهو بعد ما كنتي بتتريقي.” اردف رحيم بنبرة لطيفة وهو يضحك لتشعر أفنان بوجنتها تشتعل، هل حقاً أصبحت تقلده؟ إذن عليها أن تُقلل مدة الجلوس برفقته.
“يلا سلام بقى.” قالت بتوتر وغادرت على الفور بينما جلس يراقبها بعينيه حتى أختفت.
غادرت مقر الشركة لتجد نوح داخل سيارته ينظر نحوها بغضب ثم قام بفتح زجاج سيارته ويخرج رأسه منه ويقول:
“اتفضلي اركبي.” لم ترد لكنه ذهبت لجهه الآخرى من السيارة لتفتح الباب وتجلس إلى جانبه.
“أنا مش مصدق أنك عملتي كده بجد يا أفنان!”
“مش مصدق أيه؟ أني اشتكيتك!!” سألت أفنان بإندهاش بينما نظر نحوها نوح ببرود قبل أن يُجيبها:
“مش مصدق أنك عايزة تضيعي مستقبلي!!”
“تصدق أول مرة أخد بالي من أنك بجح! يعنيأنت عادي أنك تحرجني قدام الناس وتكلمني بالأسلوب ده وأنا بقى naughty ووحشة عشان أديت رد فعل؟!!! ومتستعبطتش وتقولي مخدتش بالي أني ضايقتك لأني حذرتك أكتر من مرة يا نوح بعد السكاشن في الكلية وكلمتك مرة واتنين واشتاكيت لخالتو بس أنت الظاهر فاكر أنك كده روش وهتكسب إعجابي وهتلفت انتباهي لما تعمل الحركات القِلة دي!!!”
“ثواني بس.. أيه اللي أنتي بتقوليه ده؟!”
“أنا بقول الحقيقة اللي شايلاها في قلبي بقالي مدة! وخد بالك يا نوح طريقتك دي هتخليني بجد أقطع علاقتي بيك في مرة من المرات، واسمحلي أقولك أني مش طايقة أبص في وشك دلوقتي.”
صاحت بعصبية مفصحة عن كل ما يجول في خاطرها ثم قامت بفتح باب السيارة وكانت على وشك المغادرة لكن أوقفها صوته وهو يقول:
“استني بس رايحة فين؟”
“رايحة في ستين داهية.. ملكش دعوة..”
“يا أفنان أركبي خلينا نمشي ونخلص.”
“مش هتزفت.” اردفت بصوتاً مرتفع وهي تبتعد عن السيارة وتقوم بطلب سيارة أجرى بواسطة التطبيق، انتظر نوح في مكانه حتى اطمئن أنها رحلت بسلام ليرحل هو من بعدها.
عادت أفنان إلى المنزل مستاءة، دلفت إلى الداخل دون إلقاء تحية على أسرتها بل توجهت مباشرة إلى حجرتها وصفعت الباب بقوة.
“مالها البت المجنونة دي؟!!” سألت والدة أفنان لينظر نحوها زوجها ويقول:
“سيبيها يا رانيا.. شكلها متضايقة، لما أختها ترجع أكيد هتفضفض وهنعرف مالها.”
“اسيبها براحتها؟ دي حتى مرمتش السلام وهي داخله، أدي اخرة دلعك يا أستاذ أحمد.” علقت والدتها بنبرة أقرب إلى المزاح لينظر نحوها زوجها بلطف ويقول:
“وإن مكنتش أدلع بناتي هدلع مين يعني؟”
“بناتك بس؟” سألت رانيا بغيظ طفولي ليقهقه أحمد ثم يردف بلطف:
“وأم البنات كمان، وبعدين أن مقولتش اسمك معاهم عشان أنتي ليكي دلع ومكانة خاصة.”
“ايوا يا أخويا سبتني بالكلام.”
جلست أفنان على سريرها تضحك على الحوار اللطيف بين والديها، ومن داخلها كانت تدعو الله أن يرزقها في المستقبل بزوج حنون، متفهم، رومانسي كوالدها، أخرجها من شرودها صوت إشعار من هاتفها، تُمسك بالهاتف وقد توقعت أن صاحب الرسالة نوح لكنه كان رحيم.
‘ياريت في نهاية التدريب تكتبي عني Review ‘تقييم’ كويس بقى.’
‘ده على أساس أيه بقى؟’
‘على أساس أني جبتلك حقك النهاردة من اللي اسمه نوح ده.’
‘ثواني بس.. هو ليه أنتوا الاتنين كل ما تجيبوا سيرة بعض تقولوا نفس الجملة؟ (اللي اسمه)، وبعدين اللي عملته النهاردة ده وجبك ودورك ولا أيه يا دكتور؟’
‘اه طبعاً واجبي هو حد اعترض؟ وبعدين أنا مبقولش حاجة زي حد هو اللي بيقلدني.’ أرسل رحيم لتقهقه أفنان على طفوليته، أحياناً تنسى أفنان أنه يكبر ببضع أعوام.
‘أنت محتاج ترجع الحضانة تاني بجد.’
‘حضانة؟’ سأل وقد توقعت أفنان أنه لم يفهم معنى الكلمة لذا ترجمتها على الفور ثم أرسلت قائلة:
‘ال Nursery أقصد.’ كانت تتسأل من داخلهاوكيف يستطيع والديه التواصل معه في حيث أن نصف لغته العربية في الحضيض.
‘يارتني أرجع أيام ال Nursery أو أقولك يارتني أرجع أيام قبل ما أتولد اصلاً.’ علق رحيم وأرسل تعبيرات ساخرة لتبتسم وتجيبه:
‘كلنا نفسنا يسطا والله..’
استمرت محادثات رحيم وأفنان على مدار أربعة أيام، كانت تقابل نوح في الشركة لكنه كان يتجاهلها فتفعل المثل.. لكن ذلك لم يُشعرها بالراحة فحتى وإن كانت مستاءة منه أو من أي شخص فهي لا تُحب أن تمر دون أن تلقي التحية لكن تجاهل نوح لها جعلهت تضطر إلى أن تعامله بالمثل، لم تسرد أفنان ما حدث لأسرتها با أكتفت بقولها أنها تشعر بالضغط لذلك يبدو عليها الإستياء.. وفي ليلة الخميس لم تذهب أفنان إلى منزل خالتها برفقة والدتها وشقيقتها كالمعتاد وقد تحججت بشعورها بالإرهاق والتعب بالإضافة إلا ظهور بعض أعراض الإنفلونزا عليها.
في بداية الأسبوع ذهبت أفنان إلى التدريب كالعادة ولكن نوح لم يأتي في ذلك اليوم وبغض النظر عن غضبها إلا أنها شعرت ببعض القلق فليس من عادته أن يتغيب عن العمل، بعد انتهاء الشرح النظري اتجهت أفنان إلى المعمل لتقابل رحيم، بمجرد رؤيته ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغر أفنان.
“النهاردة يا دكاترة هنشتغل شغل كتير أوي وهيبقى titrations ‘معايرة’ كتيرة أوي وأكتر حد هيطلع الأرقام والشغل مضبوط هديله gift ‘هدية’ صغننه كده.” اتسعت ابتسامة أفنان حينما سمعت ما يقول فهي تحب ذلك النوع من المنافسة الدراسية والذهنية، صبت تركيزها على ما يقوله رحيم طوال الشرح وهي تتحرق شوقاً لمعرفة إن كانت هي من سيحصل على الجائزة الصغيرة أو لا..
“كده أنا عندي إجابتين صح وكل واحدة فيهم دقيقة جدا.. فخليني أقول أن أحسن شغل النهاردة عمله أفنان أحمد ومحمود.” أعلن رحيم بعد مرور ساعتين تقريباً لتصفق أفنان بحماس طفولي فينظر نحوها رحيم وهو يضحك ثم يضيف:
“استنوا هروح اجبلكوا ال gifts.” ذهب رحيم وعاد وهو يحمل اثنين من ألواح الشيكولاتة كبيرة الحجم والتي كانت ذات اسم غير مألوف ويبدو عليها أنها باهظة الثمن، أخذت أفنان لوح الشيكولاتة وعلى وجهها ابتسامة واسعة..
“طب ما تيجوا نأخد Selfie كلنا بقى؟” اردف رحيم ليوافق الجميع ويشعر بأن قلبه يكاد يقفز من موضعه.. سيظهر في صورة برفقة أفنان.
“معلش يا دكتور محمود ممكن تشوف حد برا يجي يصورنا؟” طلب رحيم ليومئ الفتى وينفذ ما قاله، اصطف الجميع إلى جانب بعضهم البعض وفي المقدمة أفنان ومحمود حيث يمسكون بألواح الشيكولاتة وفي المنتصف رحيم، كانت تقف أفنان على استحياء وقد ابتعدت عن رحيم بمسافة كافية بحيث تكون أقرب إلى صف الفتيات، ينظر الجميع نحو الهاتف ويبتسموا ويحاول رحيم جاهداً ألا ينظر نحو أفنان أثناء إلتقاط الصورة كي لا تفضح نظرته مشاعره المُرتبكة..
“كده احنا خلصنا يا دكاترة، لو حد عنده أي سؤال يبعته عالجروب بتاعنا وأشوفكوا بعد بكرة إن شاء الله.” قال رحيم ليودعه الجميع ويتجهوا نحو الخارج فينتظر هو دقيقة ثم يتبعهم ويبحث عن أفنان.
“بسم الله الرحمن الرحيم أنت بتطلع أمتى؟ خضتني!” تحدثت أفنان بعد أن شهقت برعب حينما ظهر رحيم من اللامكان وتحدث إليها.
“شوفتي ghost ولا أيه؟ وبعدين قولت أجي أوصلك.”
“توصلني ازاي يعني؟” سألت أفنان بنبرة حادة وهي ترفع أحدى حاجبيها ليجيبها رحيم قائلاً:
“هوصلك لحد تحت.”
” اه إذا كان كده ماشي.” اردفت وهي تقهقه ثم ابتعدت عنه قليلاً تاركة مسافة كافية بينهم، توقفت لثوانٍ ثم سألت قائلة:
“هو مين اللي كلمتك من كام يوم دي وسبتني ومشيت كده؟” سألت أفنان لتتوتر معالم رحيم ويقول:
“هاه؟ مش مهم..”
“حاجة في الشغل يعني؟” سألت أفنان بفضول ليُجيبها بصوتاً خافت:
“اه..”
“حساك بتكدب بس ماشي.. أنت حر يعني تحكي أو متحكيش.” اردفت أفنان وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة.
“يعني هو جملتك بتوحي بأنك متفاهمة الوضع لكن نبرتك بتوحي أنك زعلانة.” قال رحيم وهو يحك مؤخرة عنقه لتنظر نحوه أفنان بتعابير وجه غير مفهومة قبل أن تقول بنبرة مرحة:
“يا عم مش فارقة، صحيح أنا في حاجة في التجربة بتاعت النهاردة عايزة اتأكد منها..”
“طب ما قولتيش جوا ليه؟ ما أنا سألت.. كنت عدت شرحها عشان تفهمي كويس.”
“لا هي جزء من التجربة مش التجربة كلها.. ما أنا فاهمة وحليت صح.. بس بص..” قالت وهي تمسك بدفتر الملاحظات خاصتها وتبحث عن الصفحة المقصودة..
“رحيم!!! Omg i missed you so much!! ‘يا إلهي لقد اشتقت إليك كثيراً’. ” اخترق صوت أنثوي مسامع أفنان ورحيم وقبل أن تستوعب ما يحدث وجدت فتاة شابة تُشبه إلى حد كبير دمية باربي تهرول نحو رحيم لتأخذه في عناق عميق!!!!!
_________________________________
تذكره: (اللّهم إنّي أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سَخطك.)
معلش شابتر النهاردة مش طويل أوي بس أعتقد أن الأحداث كويسة ولا أيه؟
رأيكوا في الأحداث؟
بتحبوا رحيم أكتر ولا نوح؟
رأيكوا في لُطف رحيم مع أفنان؟
تفتكروا مين البنت اللي جت دي؟
بجد حابه أقولكوا شكراً جداً أننا خلاص قربنا نكمل 5k views في شهر ونص وبجد بحبكوا كلكوا وعقبال ما نوصل مليون يارب
بحبكوا + باااي
#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_
الفصل الثالث عشر: بَريقٌ
وقفت أفنان لثوانٍ عقلها لا يستطيع ترجمة ما تراه وما قد حدث للتو، وجدت نفسها تلقائياً تسير جهة المصعد بخطوات سريعة أشبه بالروبوت، لكن وقبل أن تبتعد عنهم دفعت الفتاة التي تضم رحيم بقوة بواسطة كتفها حتى كاد كلاً من رحيم والفتاة أن يسقطا ارضاً.. حيث عاد رحيم بضع خطوات إلى الوراء.
“ماشي يا ابن ال… البكري.” همست بالقرب من إذنه بحنق ثم اتجهت نحو المصعد مباشرة والذي كان قد وصل إلى الطابق حيث كان أحدهم داخله.
“أفنان Wait ‘انتظري’ .. معلش Excuse me ‘اعذريني’ دقيقة.” صدح صوت رحيم في المكان طالباً من أفنان الإنتظار ومعتذراً من الفتاة، لكن أفنان تجاهلته ودلفت إلى داخل المصعد ليهرول رحيم ناحيتها وبمجرد أن وصل أمامها انغلق باب المصعد وهو يرى أفنان تنظر نحوه بوجه محتقن بينما نظر هو نحوها بلهفة وتوتر.
“أيه يا رحيم.. where are you going؟ ‘إلي أين أنت ذاهب؟’.” سألت الفتاة ليزفر رحيم بضيق ويقول:
“مش رايح! تعالي اتفضلي عندي في المكتب..”
“مالك يا رحيم؟ أنت متضايق أنك شوفتني ولا أيه؟” سألت بضيق وبلهجة مصرية مُنهكة ليتمالك رحيم أعصابة ويبتسم بلطف ثم يردف:
“لا طبعاً أنتي منوراني..”
“مش باين عليك.. Who was that girl؟ ‘من كانت تلك الفتاة؟’.”
“أفنان.. جايه تتدرب هنا في الشركة.”
“حلو.. بس are you sure she is just a trainee؟ ‘هل أنت واثق أنها متدربة فقط؟’.”
“اه.. يعني أحنا صحاب نوعاً ما..”
“صحاب بس؟” سألت وهي تضم عينيها الخضراوين التي تشبه إلى حد كبير لون خاصة رحيم، كانت نظراتها تحمل في طياتها الشك لتظهر ابتسامة جانبية على ثغر رحيم وهو يسألها:
“عايزة توصلي لأيه؟”
“أصل يعني.. شكلها اتضايقت when we hugged ‘حينما تعانقنا’.” اردفت وهي تُعدل من خصلات شعرها الشقراء القصيرة.
“تفتكري؟”
“اه طبعاً It was so obvious ‘لقد كان الأمر واضحاً للغاية’.” قالت ليبتسم رحيم ابتسامة واسعة، بالطبع سيتعرض للتوبيخ من أفنان وسيبذل الكثير من الجهد ليُصالحها لكن هناك جزء داخله سعيد بشعورها بال.. الغيرة؟!
“مامي مقالتليش أنك جايه.”
“عارفة أنا كنت عايزاها تبقى Surprise ‘مفاجأة’ بس شكلك مش مبسوط.” قالت الفتاة بلطف لينظر نحوها رحيم وهو يُمثل الفرحة قائلاً:
“لا أنا اتفاجئت بصراحة.. بس كان ممكن اتفاجئ في البيت مش لازم الشركة يعني!”
“رحيم أنت ليه رخم كده؟” سألته بغضب طفولي ليقلب عيناها ثم يقول بمزاح:
“أفتكرتك أتعودتي على رخامتي، Anyway ‘على أي حال’ يلا نروح البيت.”
“يلا..”
طوال الطريق كان رحيم شارداً يُفكر في أفنان ويتذكر تعابير وجهها الغاضبة فتظهر ابتسامة جانبية على شفتيه.
“رحيم أنت سامعني؟” سألته لتخرجه من شروده فيرمش مرتين ثم يُجيبها:
“بصراحة لا..”
“كنت عارفة.. Wait ‘انتظر’ مكالمة من London.” قالت ليزفر رحيم براحة حيث ستنشغل هي في المكالمة بينما هو يعود إلى شروده، وصل رحيم إلى المنزل بعد معاناة مع الطريق المزدحم، فور توقف السيارة غادرها رحيم وذهب نحو الجهه الآخرى ليقوم بفتح الباب من أجلها.
“شكراً، صحيح جبتلك هدايا من London.”
“شكراً يا ستي، يلا ادخلي.”
بمجرد اقتراب رحيم والفتاة من الباب فتحته الخادمة من الداخل.
“اتفضلي.. Ladies first ‘السيدات اولاً’.” قال رحيم بذوق لتدلف إلى الداخل ويتبعها رحيم.
“اهلاً.. Auntie ‘خالتي’.”
“اهلاً ميا.. I missed you so much ‘لقد اشتقتُ إليكِ كثيراً’.”
“وأنا كمان حبيبتي….” استمرت المحادثة بينهم والتي كانت معظمها باللغة الإنجليزية عوضاً عن لغتهم العربية الضعيفة، لم يهتم رحيم كثيراً بما يقال وفي نهاية الأمر استأذن من والدته ليصعد إلى غرفته لتبديل ثيابه والحصول على قسط من الراحة.
أما عن أفنان فغادرت مقر الشركة وهي تشعر بغضب غير مبرر وفضول يكاد يقتلها لمعرفة من تكون تلك الفتاة الشقراء.
“وأنا مالي أنا يحضن واحدة ولا يتنيل!!” وبخت نفسها بصوتاً مرتفع نسبياً وهي تسير في الشارع لتُدرك أن هناك من ينظر نحوها بالطبع فهي تتحدث إلى ذاتها في الشارع!
“منك لله يا رحيم الناس فكراني اتجننت!!!”
عادت أفنان إلى منزلها بعد معاناة مع الطريق المزدحم والمواصلات العامة فلا يوجد نوح ليقوم بإيصالها بالسيارة إلى المنزل.
“حمدلله عالسلامة.” اردفت والدتها فور دخول أفنان.
“الله يسلمك يا ماما.. بابا فين؟”
“عند جدتك.” فور سماع أفنان زفرت بضيق ثم اردفت بسخرية:
“يادي النيلة! يارب ميرجعش من هناك ضغطه ٧٠٠٠ بقى.”
“في النهاية هي أمه ودي صلة رحم يعني لازم يزورها..”
“ما أنا عارفة الكلام ده كله يا ماما أكيد.. أنا بس نفسي يبقى عندها شوية رحمة وحنية!”
“ربنا يهدي الحال.. مالك قالبه وشك ليه؟”
“مفيش المواصلات زحمة أوي..”
“أيه ده؟ هو نوح موصلكيش؟”
“أنا ونوح مبنتكلمش يا ماما ده اولاً، ثانياً بقى هو مجاش النهاردة اساساً.. بصي كلمي خالتو اطمني عليه ومتقوليش أني أنا اللي قولتلك.” قالت أفنان وهي تُحذر والدتها من إخبار خالتها أنها من تود الإطمئنان فهي لا تريد أن تضعف وتبادر هي بعمل مصالحة مع نوح.
“ماشي حاضر.. أنتي قلقتيني عليه.”
“ماما أوعي تقعي بلسانك ها؟”
“أيه يأ أفنان أنتي شايفاني هبلة يعني؟!” سألت والدتها بإستنكار لتنظر نحوها أفنان لثوانٍ.
“لا طبعاً يا ماما العفو.” قالت أفنان وهي تحاول ألا تضحك لتقذفها والدتها بنعالها المنزلي.
“أنا عملت أيه طيب؟” تجاهلتها والدتها بعد أن أصدرت تنهيدة ثم أمسكت بهاتفها وقامت بالإتصال بشقيقتها.. والدة نوح.
“ألو ايوا يا حبيبتي ازيك عاملة أيه؟.. اه أحنا بخير الحمدلله، نوح أخباره أيه؟ أصل البت أفنان قالتلي أنه عيان..” سمعت أفنان والدتها وهي تتحدث لتتسع عيناها ثم تصفع جبينها بيديها.
“يالهوي عليا وعلى سنيني!!” اردفت أفنان بصوتاً منخفض وهي تنظر نحو والدتها بغيظ فتُشير إليها والدتها بمعنى ‘ادخلي جوا’ لتذهب أفنان إلى غرفتها وهي تصفع الأرض بقدمها بغضب طفولي، تتجه نحو سريرها مباشرة وتتمدد وهي تُمسك بهاتفها وقبل أن تفتحه تجد الشاشة قد مُضاءة لتعلن عن وصول رسالة من رحيم..
‘طبعاً أنتي قاعدة بتشتميني دلوقتي.. بس اديني فرصة اشرحلك..’ بعث رحيم بهذه الرسالة لأفنان لتنظر نحوها طويلاً ويشعر هو على الجانب الآخر بالتوتر..
‘أشتمك ده في حالة أنك إنسان مهم وشاغل بالي وكده وده مش حقيقي ده اولاً، ثانياً بقى أنت مش هتشرحلي.. ده أنا هشرحك.’
‘إن شاء الله قصدك هشرحلك بس نسيتي حرف ال L’ أرسل رحيم الرسالة ومن بعدها ملصق يحمل صورة قط يبكي، تقهقه أفنان ثم تبعث له قائلة:
‘L? اسمه لام يا أهبل.’
‘يا بنتي بلاش قلة أدب بقى وأديني فرصة أشرحلك!’
‘ملوش داعي تشرحلي.. أنا اصلاً مليش دعوة يكش تتجوزها عرفي أنا مالي.’ اردفت أفنان بغير اقتناع لكنها لم تُريد أن يستشعر غضبها ولكنه قد فعل بالفعل وكي يزيد الطين بلة أرسلها لها الآتي:
‘والله؟ طب مترجعيش تزعلي بقى وتعملي زي الأطفال وتسبيني وتمشي.’
‘اجري ألعب بعيد يَلا هرش مياه.’
‘فين؟’ سألها رحيم حيث لم يستطيع أن يستوعب ما قالته.
‘أوف… أنت level ‘مستوى’ الذكاء عندك بالسالب.’ أرسلت ليُرسل لها رحيم مُلصق لجروب صغير يضرب الآخر، تبتسم أفنان ابتسامة جانبية ثم سرعان ما تختفي هذه الإبتسامة وتُلقي بهاتفها بعيداً حتى تستطيع النوم.
استيقظت أفنان بعد ساعتين على صوت ميرال تتحدث في الهاتف بنبرة أقرب إلى الهمس، فركت أفنان عيناها بكسل ونظرت نحو ميرال التي ارتبكت على الفور وأغلقت الخط.
“أيه ده أيه الجو ده؟”
“اخيراً صحيتي، يلا قومي عشان نتغدى.”
“مرام متصعيش عليا وقولي كنتي بتكلمي مين؟”
“أنا؟ كنت بكلم صحابي.. صحبتي.. صاحبي..” ارتبكت ميرال وبدأت تتفوه بأشياء لا معنى لها لتنظر نحوها أفنان بحاجب مرفوع لتزفر ميرال وتردف بتوتر:
“نوح.. كنت بكلم نوح.”
“طب ومالك بتوشوشيه ليه؟”
“خوفت تضايقي.. عشان يعني أنا بكلمه وأنتوا متخانقين وكده.. بس أصل هو تعبان يعني فكنت بتطمن عليه وهو اعتذارلي عشان مخرجناش سوا زي ما كنا بنخطط…” فسرت ميرال بعبوس لتنظر نحوها أفنان بلطف وتعلق قائلة:
“مش معقولة ال Baby Face ‘وجه طفولي’ دي تبقى أختي الكبيرة.. لا هو استحالة أنك تكوني أختي اصلاً بالهدوء واللطف ده، عالعموم أنا مش زعلانة أكيد أنتي من حقك تكلمي نوح براحتك.”
“شكراً يا ستي.. بس عشان أنتوا زعلانين من بعض.”
“يا حبيبتي وأيه المشكلة؟ أحنا ناس كبير وواعية حتى لو أنا وهو متخانقين فعلاقتك بيه ملهاش دعوة وهو في النهاية ابن خالتنا يعني.. وبعدين ما أنتي عارفة أنا ونوح مولودين فوق روس بعض وطول الوقت بنتخانق..” تحدثت أفنان بصدق لتبتسم ميرال بسعادة.
“بس أنا حاسه أنكوا مزودين العيار حابتين الفترة دي.”
“عشان نوح مش قادر يستوعب أني كبرت.. وبقيت أخد قرارات.. أخد ردود أفعال.. أتعرف على ناس، هو لسه فاكرني العيلة اللي كانت بتلعب معاه في الشارع وبيضرب ولاد الجيران عشانها.”
“يضرب مين عشان مين؟! ده أنتي كنتي بتمسكي العيال تضربيهم.”
“خلاص متمسكيش في الكلمة كده متبقيش رخمة! وبعدين اللي بحكي عنه ده لما كنا صغيرين خالص.” فور انتهاء أفنان من جملتها أقتحمت والدتهم الغرفة وهي توبخهم قائلة:
“يلا يا أختي أنتي وهي مش هعمل الغدا لوحدي وأغرفه لوحدي ياريت يبقى في سِنة من الأحمر!”
“حاضر يا ماما جايين وراكي.” قالت أفنان وهي تستقيم من مقعدها وترتدي نعالها.
“ماشي، ومحدش يجي جنب أبوكوا خالص عشان هو لسه راجع من عند جدتكوا وعلى آخره.”
“حاضر يا ماما.. أي أوامر تاني؟” سألت أفنان وهي تتنهد لتنظر نحوهل والدتها بجدية وتقول:
“لا.. يلا اتفضلوا.”
فور جلوسهم على طاولة الطعام كان الهدوء يسود المكان لا أحد يتحدث بينما كان التلفاز يعمل ولكن صوته كان بالكاد مسموع.. كان يظهر على والدهما الإستياء والإرهاق.
“عارف يا بابا.. أنا عملالك مفاجأة.” قالت ميرال لتقطع الصمت فينظر نحوها والدها بنصف انتباه وعلى وجهه شبح ابتسامة.
“بجد؟”
“اه والله.. جبتلك علبة من الشيكولاتة اللي بتحبها اللي هي ferrero rocher.”
“يا حبيبتي أنا بحبها أوي فعلاً.. بس دي غالية يا ميرال.”
“ما أنت طول عمرك يا حبيبي بتجبلنا الغالي كله وبعدين هو أنا عندي مين أغلى منك..” اردفت ثم انتبهت لوالدتها التي تنظر نحوها بحدة وهي ترفع أحدى حاجبيها لتحمحم ميرال بتوتر وتُعدل من جملتها قائلة:
“أغلى منك أنت وماما طبعاً ربنا يخليكوا ليا.. لينا.”
“ايوا كده اتعدلي، وبعدين ثواني.. ال Ferrero وعرفنا مين اللي جابها أومال أيه الشيكولاتية الغريبة الكبيرة اللي في التلاجة دي؟” سألت والدتها لينفي الجميع علاقته بلوح الشيكولاتة المُريب ذلك عدا أفنان التي وجه ثلاثتهم نظرهم نحوها.
“دي.. دي.. أحم.. شيكولاتة جايه من برا مصر مستوردة..”
“اه وسافرتي جبتيها يعني ولا أيه؟” سألت والدتها ساخرة لتنظر نحوها أفنان نظره تعني ‘هنهزر؟!’
حمحمت أفنان وأجابت مُفسرة:
“الدكتور اللي بيدينا التدريب ادهالي.. زي مكافئة يعني عشان حليت صح بس.”
“غريبة محكتيش يعني؟ ما أنتي بتحكيلي كل حاجة.” علقت ميرال لتدعس أفنان على قدمها.
“أيه يا جماعة مكبرين الموضوع ليه؟ ديه حتة شيكولاتة يعني وبعدين أنا لسه وخداها النهاردة.”
“ماما أحنا هنروح عند خالتو الخميس ده صح؟” سألت ميرال لتترك أفنان ملعقتها وتكاد تعلق لكن والدها يسبقها قائلاً:
“هو مش المفروض أنهم كانوا معزومين عندنا الجمعة دي؟”
“أصل نوح تعبان فكنت عايزة اطمن عليه يعني.. مش عارفة.. يمكن على يوم الخميس يبقى كويس ويجوا.”
“تمام.. حاولي أن هما اللي يجوا أنتوا اللي بتروحولهم على طول وكده عيب يعني بنتقل عليها.”
“ما أنت عارف أني أكيد مش بروح بإيدي فاضية.. أنا تقريباً باخد معايا اللي بناكله وبنشربه.”
“يا حبيبتي أنا عارف بس برضوا.. كده أحسن.”
لم تشارك أفنان في الحوار الذي دار.. ففي كلا الحالتين هي لن تشعر بالراحة، فلا يمكنها تجاهل نوح أثناء تواجده في منزلها ولا يمكنها تجاهله وهي في منزله بالإضافة إلى كونه مريض كذلك..
“سرحانة في أيه؟”
“مفيش.. فكريني أحكيلك حاجة عن الشكولاته.” أجابت أفنان بهمس وأنهت حديثها بإبتسامة لتبادلها ميرال وقد لمعت عيناها من الفضول.
في غرفتهم سردت أفنان ما حدث بإختصار لتنظر نحوها ميرال ويمكنها رؤية القلوب تخرج من عيناها.
“ده عسول أوي يا أفنان.. أكيد عمل حوار الشيكولاتة دي عشانك.”
“اه عسول أوي بأمارة البت الشقراء اللي خدته في ثانية.”
“مش ممكن يكونوا صحاب؟”
“صحاب أيه بس؟ بقولك خدته بالحضن.. رحيم كان جانبي وفي ثانية بقى جوا حضنها!!”
“طب وهو حضنها؟”
“يعني أيه؟ يا بنتي بقولك حضنوا بعض!”
“يعني هو لف ايده حواليها ولا معملش حاجة ولا حاول يبعدها ولا أيه بالضبط؟”
“لا مش عارفة.. أصلي كنت متزرزرة وزقيتهم ومشيت.”
“كل ده وبتقولي مش غيرانة!” علقت ميرال لتشعر أفنان بحرارة في وجهها وتُردف بتوتر:
“لا طبعاً! غيرانة أيه؟ أيه الهبل ده؟!”
“يا شيخة اسكتي بقى ده أنتي نظراتك وأنتي بتحكي فضحاكي مبالك بقى رد فعلك كان ازاي وقتها!”
“شت! يعني تفتكري رحيم خد باله؟ أكيد هيفهم غلط وأني كنت غيرانة وكده وده مش صح..”
“يا بنتي بقى! ده أنتي عنيكي بتطلع شرار وأنتي بتحكي!”
“ما أصل هو مستفز والله.. ثواني ثواني.. أيه ده؟!” سألت أفنان بإستياء وهي تنظر إلى الصورة التي وضعها رحيم ك ‘حالة’ على تطبيق الواتساب، كانت صورته وإلى جانبه تلك الشقراء وقد وضعت يديها على كتفه وكتب تعليق أسفل الصورة قائلاً:
“You were missed ‘لقد أفتقدكِ’.”
“بصي الحيوان!!!!”
“أيه ده؟ ده أمور أوي وشكله ابن ناس فعلاً.” قالت ميرال لتضربها أفنان بالوسادة وهي تردف بغضب:
“وقته ده ها؟ وقته؟”
“وأنتي مالك متضايقة ليه مش قولتي أنك مش غيرانة؟”
“أنا غلطانة أني بتكلم معاكي وهعمله بلوك!” تحدثت أفنان بغضب وهي تُغلق الهاتف وتضعه جانبها وتتمدد على السرير وهي تُجبر نفسها على الخلود إلى النوم بينما قفز إلى عقلها سؤالاً واحداً..
ما الذي جعلها غاضبة بهذا الشكل فور رؤية ما حدث اليوم والصورة الآن؟ حاولت إنكار الإجابة التي تتردد في عقلها فمؤكد أنها لا تشعر بال.. الغيرة؟!!
في عصر اليوم التالي وبينما كانت أفنان تجلس تشاهد التلفاز أثناء ‘تقميع البامية’ كمساعدة لوالدتها وصلتها رسالة من رحيم تحوي صورة وبداخلها نسبة مئوية مرتفعة لإختبار ما، عقدت حاجبيها وهي تنظر إلى الصورة قبل أن تسأله:
‘أيه ده؟’
‘اولاً: صباح الخير، ثانياً: ده IQ Test ‘أختبار ذكاء’ شوفتي النسبة عالية ازاي؟ عشان بتقولي بس أنه بال minus ‘بالسالب’.’
‘على فكرة أنت نونة أوي.’
‘نونة؟’ سأل ثم بعث لها بملصق القط الذي يبكي مجدداً.
‘اه نونة.. ومتتكلمش معايا تاني بقى لو سمحت وبعدين ثواني.. صباح أيه؟ أحنا العصر يا ابني!’
‘مش أنتي قولتيلي مكلمكيش؟ بتكملي كلام ليه بقى؟ وبعدين اه صباح الخير.. ما أنا لسه صاحي، كنت سهران طول الليل إمبارح.’
أرسل متعمداً اثارة غيظها، تنظر نحو الرسالة بإمتعاض وتهز أحدى قدميها بقوة لتنظر نحوها والدتها وتقول:
“أيه مالك؟ أتجننتي ولا أيه؟”
“أنا كويسة.” قالت أفنان وهي تُلقي هاتفها بإهمال بعد أن قرأت الرسالة تاركة رحيم بدون رد.
“هتيجي معايا عند خالتك تطمني على نوح صح؟”
“معرفش..”
“مفيش حاجة اسمها متعرفيش.. عيب يبقى ابن خالتك تعبان ومتطمنيش عليه.”
“ما هو يا ماما.. حاضر..” قالت أفنان بضيق فوالدتها محقة لكن في الوقت ذاته نوح هو من أفتعل المشكلة لذا هو من يجب عليه البدء بعملية الصُلح لا هي!
في صباح اليوم التالي حيث بدأت نسمات الخريف في مداعبة أوراق الأشجار الذابلة التي على وشك السقوط ذهبت أفنان إلى الشركة وبسبب تلك النسمات الخفيفة وسرعة قيادة السائق قد خرب مظهر حجاب أفنان لذا بمجرد وصولها إلى الشركة
توجهت أفنان مباشرة إلى دورة المياه..
فور دخولها كادت أن تصطدم بالفتاة ذات الشعر الأشقر والتي وقفت أمام المرآة التي وُضعت بالقرب من الباب لتقوم بتعديل أحمر الشفاه خاصتها، نظرت نحوها أفنان بطرف عيناها بينما تقوم بضبط حجابها، انتهت أفنان سريعاً وغادرت متجهه نحو القاعة.
قابلت رحيم في طريقها وعلى الفور قامت بإشاحة نظرها عنه وأدرات وجهها نحو الجهه الآخرى محاولة تجاهله.
“أيه ده أيه الحركات دي؟ مش عيب كده؟”
“أخفى من وشي الساعة دي بدل ما أفرج عليك اللس يسوى واللي مايسواش!!” اردفت أفنان بنفاذ صبر بينما وقفت تهز قدميها بغضب.
“رجعنا تاني للكلام الغريب؟ هو Special ‘مميز’ اه بس أنا مش بفهم نصه!”
“مش فايقالك يا رحيم ويلا روح شوف ست باربي بتاعتك.” قالت أفنان بحنق وهي تُشير بيدها لرحيم بالإبتعاد.
“باربي؟ اه قصدك على ميا يعني.” سأل رحيم بتعجب وهو يقهقه.
“اسمها أيه يا أخويا؟”
“م..ي..ا.. ميا!”
“اسم مايع زيها.” علقت أفنان لينظر نحوها رحيم بنصف إبتسامة وهو يستفسر بإندهاش قائلاً:
“مايع؟ يعني أيه مايع دي؟”
“مش عارف مايع؟ هي مشتقة اصلاً من كلمة موائع اللي هي المواد كده مش معروفلها حاجة كده مش مفهومة وخواصها بتتغير في وجود ضغط.. ملهاش ماسكة يعني زي البت الطرية دي!” نظر نحوها رحيم بثغر مفتوح وأعين مضمومة يحاول إستيعاب وترجمة ما تقوله.
“طب تعالي المكتب نتكلم.”
“مكتب أيه يا أبو مكتب؟ أنت مجنون يَلا!” اردفت أفنان بنبرة عالية نسبياً لتلفت رحيم حوله بتوتر ليرى إن كان احد ينظر إليهم أو قد سمعهم.
“ششش هتعمليلي فضيحة!!! مش هنبقى لوحدنا اصلاً! ميا هتبقى معانا.”
“لا والله؟ وأنت عادةً بقى بتقعد معاها في المكتب لوحدكوا؟”
“يا أفنان اخلصي بقى! بقولك أيه حصليني عالمكتب وانجزي قبل ما الدكتور ما يجي ويبدأ شرح.” كادت أفنان أن تعترض لكن رحيم تركها وتوجه نحو مكتبه، انتظرت أفنان دقيقتين حتى رأت تلك الفتاة تدلف إلى داخل مكتب رحيم فلحقت بها.
“أفندم.. عايز أيه بقى؟”
“هي دي أفنان؟ She is so pretty ‘إنها جميلة للغاية’.” قالت الفتاة وكادت أفنان أن تعترض لكن حينما أنهت الفتاة جملتها ابتسمت أفنان بتكلف وشكرتها.
“شكراً.. أنتي كمان.. ها عايز أيه يا دكتور رحيم؟”
“بصراحة أنا اللي عايزة أقول.. مش رحيم.” نظرت أفنان بحيرة وشك نحو كلاهما لتُكمل الفتاة حديثها قائلة:
“أنا ورحيم Are just friends ‘أصدقاء فقط’ وكمانi Hugged him ‘لقد ضممته’ عشان كان واحشني بس.” أوضحت الفتاة ما حدث لكن أفنان لم تبدو مقتنعة كثيراً، نظرت نحو رحيم ليحمحم ثم يقول:
“بصي أنتي فهمتي غلط ومشيتي وأنا ملحقتش أفهمك!”
“تفهمني أيه؟ أنك بتحضن بنت غريبة؟” سألت أفنان بإستياء لينظر رحيم نحو ميا بنظرة ذات مغزى فتذهب لتجلس على الأريكة البعيدة عن المكتب حتى يستطيع أفنان ورحيم التحدث براحة أكثر.
“أولاً هي اللي حضنتني وأنا حاولت أبعدها بس أنتي من العصبية مركزتيش، ثانياً بقى هي صاحبتي وكمان قريبتي..” حاول رحيم تفسير ما حدث لكن ملامح أفنان كان مازال الغضب مسيطر عليها فعلقت بضيق ممتزج بالدهشة قائلة:
“وكل ده يديها الحق أنها تحضنك؟ أنتوا الأحضان عادي في عيلتكوا يعني؟!!!”
“أفنان ميا عايشة في England ‘إنجلترا’ طول حياتها ودي طريقتها في التعامل يعني.. الأحضان عادي بالنسبالها..”
“اه بس مش عادي بالنسبالنا! وشيء مش مقبول ومش صح!”
“عندك حق.. بس.. طيب متزعليش.”
“خلاص مش زعلانة.. وبعدين قريبتك منين؟ دي شكلها أجنبية؟” سألت أفنان بعدم إقتناع لتتوتر ملامح رحيم قليلاً ويحاول تغير الموضوع قائلاً:
“ها؟ هبقى أشرحلك الموضوع ده بعدين، خلاص بقى مش زعلانة صح؟”
“خلاص..يلا أنا همشي بقى عشان النظري هيبدأ.” قالت أفنان واستقامت لتغادر، وفي طريقها إلى القاعة لحق بها رحيم وأوقفها صوته وهو يسألها قائلاً:
“صحيح نسيت اسألك عجبتك الشيكولاتة؟”
“لا.” أجابت أفنان وهي ترفع كتفيها بلا مبالاة.
“ليه هي وحشة؟” سأل رحيم بحزن وبنبرة أقرب للصدمة.
“مكلتهاش اصلاً.”
“ايه ده ليه؟”
“عشان كنت متعصبة منك ومش طايقاك!” قالت ليقهقه رحيم فتنظر نحوه بحده ثم قالت بسخرية:
“وبعدين أيه يا عم الشيكولاتة دي؟ بتسترخص وجايب ماركة مش معروفة طب هتلي كوفرتينا حتى!” اتسعت أعين رحيم فور سماعه ما قالته لينظر نحوها بإزدراء ثم يردف:
“اه يا جاهلة!!! ما هي مش معروفة هنا عشان هي مستوردة!!! جايبها من Englandd.”
“أحلف؟”
“والله!”
“يا ابن ال… أكيد جايبلي شيكولاتة فيها خمرة؟!! عايزني اسكر يا رحيم!!”
“ششش بس هتفرجي الناس علينا!!! أنتي مجنونة! خمرة أيه وتسكري أيه؟! ديه حلال! هجيب شيكولاتة مش حلال ليه يعني؟!”
“وأنا أيه عرفني يعني؟ ما أنت مش مضمون، وبعدين متتعصبش عليا كده عشان غلط على صحتك.. يلاهوي الدكتور دخل.. يلا سلام.” أنهت جملتها وهي تركض نحو باب القاعة بينما وقف رحيم يراقبها وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية، منذ مدة طويلة لم يشعر بالسعادة عند التحدث إلى فتاة بتلك الطريقة.. والأهم أن أفنان ليست كأي فتاة آخرى.. بل هي مميزة!
فور عودة أفنان إلى المنزل في ذلك اليوم وجدت والدتها تتحدث في الهاتف إلى خالتها ومما سمعته أفنان قد استنتجت أنهم هم من سيذهبون لزيارة خالتها، على ما يبدو أن نوح مازال مريضاً.. شعرت أفنان بغصة في حلقها لأنها ستضطر إلى بدء الكلام مع نوح، بعد ساعة تقريباً عادت ميرال من العمل وهي تحمل حقيبة صغيرة سوداء.
“أيه ده؟ جبتي أيه؟!”
“بسم الله الرحمن الرحيم خضتيني! ولما أنتي صاحية قاعدة في الضلمة ليه؟!!” سألتها ميرال وهي تأخذ نفسها بصوتاً عالٍ من آثر الخوف.
“مفيش كنت بفكر أنام شوية بس خلاص بقى.”
“بصي.. بصراحة كده أنا جبت حاجة صغننه كده لنوح.. مش عارفة هتعجبه ولا لا..”
“أي حاجة منك يا ميرال بتبقى مليانة حب وإهتمام وصدق مشاعر فمهما كانت هدية صغيرة أكيد هتعجبه إن شاء الله، بس ثواني ده مش عيدميلاه.”
“أتمنى بجد.. كلامك حلو أوي على فكرة، واه أنا عارفة هو عيدميلاه مش دلوقتي خلاص بس حبيت اشتريها وخلاص..”
“ده مش مجرد كلام.. دي الحقيقة يا قمري.” قالت أفنان وفي تلك اللحظة قد أدركت أن عليها الإختفاء عن أنظار نوح الليلة وقد قطعت على نفسها عهد ألا تُفسد على شقيقتها ما تحاول فعله حتى وإن كان عن غير عمد..
في مساء تلك الليلة ارتدت ميرال ثوب بلون السماء الصافية ووشاح باللون الأبيض به بعض النقوش لم تضع مساحيق التجميل فلقد أخبرتها أفنان أنها تبدو أجمل بكثير من دون إضافة أي شيء إلى وجهها، حتى تلك الهالات السوداء من الإرهاق قد زادتها جمالاً، تعمدت أفنان ألا ترتدي ثوب مُلفت لتجعل شقيقتها ذات الإطلالة الأجمل.
“يلا يا بنات انزلوا وأنا هحصلكوا عشان أبوكوا هيوصلنا.”
“حاضر يا ماما، طبعاً هتوقفينا ساعة هناك نجيب فاكهة.”
“اه طبعاً مش ابن خالتك عيان ومحتاج يتغذى.”
“مكنش حتة دور برد يعني اللي عاملين عليه حوار كلكوا.” علقت أفنان بسخرية لتضرب والدتها كتفها بخفة، بعد ساعة ونصف تقريباً كانوا يجلسون داخل شقة خالتها، لاحظ كلاً من مريم وخالتهم مظهر ميرال المنمق هذا اليوم.
“هو نوح فين؟”
“مريح شوية في أوضته.. تعالوا.”
“لا يا خالتو خليه مرتاح مش عايزين نزعجه..” قالت أفنان في محاولة لعدم رؤية نوح والتحدث إليه لكن محاولتها فشلت حينما اردفت خالتها:
“لا هو عارف أنكوا جايين، مريم ادخلي لنوح خليه يقعد وبعدها خدي خالتك وبناتها عشان يسلموا عليه.”
“حاضر يا ماما.” نفذت مريم ما طلبته والدتها، بعد بضع دقائق عادت مريم إلى الخارج لتأخذ خالتها وبناتها.
“ازيك يا نوح يا حبيبي عامل أيه دلوقتي؟ سلامتك.”
“الله يسلمك يا خالتو ربنا يخليكي، أنا كويس الحمدلله.. معلش تعبتكوا وخلتكوا تيجوا.” أجابها نوح وهو ينقل نظره بين أفنان وميرال.
“لا يا حبيبي متقولش كده.. طب ثواني وهجيلك تاني عشان مامتك بتنده عليا.”
“سلامتك.” قالت أفناز بصوت خافت وهي تُشيح بنظرها عنه، بينما جلست ميرال على كرسي وُضع جانب سريره وجلست مريم على طرف السرير بينما بقيت أفنان واقفة.
“نوح.. بص.. أنا جبتلك حاجة..”
“أيه ده بجد؟ جبتيلي أيه؟” سأل نوح بحماس طفولي وهو يبتسم لتبادله ميرال الابتسام وتجيبه قائلة:
“مج.. جبتلك مج جديد هدية.. عشان يعني أنا عارفة أنك بتحب الحاجات السخنة وكده وبما أنك عيان وبما أن الجو بدأ يبقى برد يعني..فقولت أجيبه.. وجبته لونه أسود عشان عارفة أنه لونك المفضل..” فسرت ميرال وهي تتحدث بتوتر وتنظر إلى عين نوح من حين لآخر.. بينما نظر نحوها نوح بإبتسامة صافية ولأول مرة ترى مريم بريق داخل عين نوح مماثل للبريق الذي كان يلمع داخل أعين ميرال منذ سنوات…
_______________________________
° تذكره: (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى).
بدأتوا دراسة ولا لسه يا كتاكيت؟ بعتذر عن التأخير بس كنت مشغولة وبخلص حاجات في الكلية وكده يارب الشابتر يكون عجبكوا
رأيكوا في الأحداث؟
تفتكروا رحيم مخبي حاجة عن علاقته بميا؟
رأيكوا في المواقف بين رحيم وأفنان؟
رأيكوا في الشخصيات عمتاً؟
تفتكروا نوح هيفكر في مرام؟
بجددد شكراً أننا كملنا 6.3k views ربنا يخليكوا ليا بجد وبحبكوا نفر نفر وعقبال ما نوصل لمليون متابع.
باااي
#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_
الفصل الرابع عشر: طِفْل وَحِيدٌ
_____________________________
“الله ده حلو أوي!! تسلم ايديك يا ميرال تعبتي نفسك والله.”
“تعب أيه بس؟! دي حاجة بسيطة..”
“لا والله فرحت أوي هبقى أخده معايا الجامعة والشغل بعد كده إن شاء الله.” قال نوح لتتسع إبتسامة ميرال أكثر، سيأخذ هديتها كتذكار معه في كل مكان! سيأخذ الكوب الذي صبت داخله الحب والإعجاب صباً معه إلى العالم الخارجي.
“يلا شد حيلك بقى وبطل مرقعة ودلع عشان ترجع لشغلك ولا قاعدة البيت جت على هواك؟” سألته أفنان متعمدة إثارة غيظة لتحاول فتح حوار معه دون اللجوء إلى المعاتبة الإعتذارات المبتذلة من كلا الطرفين حول ما حدث ذلك اليوم.
“أيه وحشتك؟” سأل نوح وبالرغم من كونها جملة عادية إلا أنا وجه ميرال قد عبس، حيث شعرت في تلك اللحظة أن كلمة واحدة من فم أفنان حتى وإن كانت لاذعة قادرة على لفت إنتباه نوح وأن كل ما تبذله ميرال من جهد لا يساوي شيء أمام تأثير أفنان عليه..
“أعوذ بالله يا عم! هي دي أشكال توحشني برضوا؟! بقولكوا أيه تعالوا نقعد برا عشان الجو هنا خانقة.”
“يا بت أنتي لسانك بينقط سم ليه كده؟!” سألها نوح بنبرة مزيج من الغيظ والسخرية، لتُجيبه هي الآخرى بنبرة سخيفة قائلة:
“من كتر القاعدة معاك!”
“يا شيخة ده الحمدلله أن ميرال مش زيك! كان هيبقى الوضع صعب أوي!”
“يا شيخ الحمدلله أن مريم مش زيك كان هيبقى الوضع صعب أوي.” قلدت أفنان نبرة نوح بسخرية قبل أن تأخذ حقيبتها ومريم وميرال وتغادر الحجرة.
جلست أفنان على الأريكة أمام التلفاز وإلى جانبها ميرال ومريم أما نوح فقد جلس على كرسي إلى جانبهم، كان يجول بنظره بين أفنان وميرال لتنتبه مريم لذلك وتنظر نحوه بحده، بعد دقيقتين يصدر صوت إشعار من هاتف أفنان فتُمسك به وتظهر إبتسامة واسعة على ثغرها.
“بيوزعوا نكت في التليفون ولا أيه؟” سأل نوح ساخراً لتنظر نحوه أفنان بإزدراء وتقول:
“أيه يا واد الخفة دي؟ وبعدين خليك في حالك.”
“سيبك منه يا أفنان مترديش عليه.” صدرت هذه الجملة من خالتها وهي تمنحها طبق البوشار.
‘الشيكولاتة عجبتك؟’ عاودت النظر إلى رسالة رحيم وقررت أن تجيبه هذه المرة:
‘لسه مكلتهاش والله.’
‘طب هتاكليها أمتى؟ عايز أعرف هتعجبك ولا لا؟’
‘ليه الإهتمام الأوڤر ده؟ هتعمل أيه يعني لو عجبتني؟’
‘هجبلك علبة كاملة ليكي لوحدك.. وبعدين ثواني هو أنتي بتردي متأخر ليه؟’
‘علبة كاملة!! لا يا عم مش للدرجة دي!! أصل أحنا مش في البيت.’
‘سهرانة برا؟’
‘أنت بتقول أيه؟! لا طبعاً، سهرانة مع ماما وأختي عند خالتو.’
‘وطنط اللي أنتي عندها دي.. عندها ولاد؟’ قرأت أفنان الرسالة وأخذت تقهقه من سخف جملة رحيم.
‘طنط دي عندها بنت وولد.’
‘ولد كبير؟’ سأل رحيم وهو يستخدم لفظة ‘ولد’ بدلاً من شاب، لتبتسم أفنان من لطفه.. إنه حقاً أشبه بشخص ما مازال يتعلم كيفية نطق الكلمات، لكن أفنان توقفت عن الإبتسام لثوانٍ وأدركت أنها لم تخبر رحيم قط بشأن صلتها بنوح.. لم تجد سبباً منطقياً يمنعها من فعل ذلك لكنها شعرت أنه من الأفضل ألا تُخبره تجنباً لمزيد من الشجار، أو ربما ذلك سيتسبب في مزيداً منه.. هي لا تدري..
‘اه ولد كبير.. شاب.’
‘تمام.. خدي بالك منه بقى يعني.. Take care about yourself ‘احرصي على سلامتكِ.’
‘حاضر يا عمو رحيم.’
‘عسولة ما شاء الله عليكي.’ كان هذه الرسالة الأخيرة حيث ترك هاتفه حينما سمع صوت طرقات على الباب وكانت الخادمة.
“رحيم بيه، مدام إيڤلين بتقول لحضرتك أن معاد العشاء فاضل عليه خمس دقايق.” سمع رحيم ما قالته وقلب عيناه بتملل قبل أن يومئ لها بمعنى ‘حسناً’
“مساء الخير يا مامي.. فين بابي؟” سأل رحيم وهو يجذب الكرسي ليجلس في موضعه المعتاد.
“مساء النور، حامد جاي حالاً كان معاه مكالمة شغل.”
“هناكل أيه النهاردة؟” سأل رحيم بحماس طفولي وهو يشعر بزمجرة في معدته من الجوع، لكن والدته لم يبدو عليها الحماسه ذاتها حيث علقت بفتور قائلة:
“من أمتى وأنت بتسأل؟ you eat what’s in your plate bm ‘أنت تتناول ما يُوضع في صحنك’.” لم يُعلق رحيم بل زفر بضيق وهو يهز قدميه بإمتعاض.
“مساء الخير حبيبتي، مساء الخير يا رحيم.” قال حامد فور قدومه قبل أن يقبل رأس زوجته ويجلس في مقعده.
“مساء الخير يا بابي.” ساد الصمت بعد هذه الجملة ولا يوجد أي مصدر ضوضاء سوى الصوت الخافت لإصطدام شوكتهم بالأطباق، قطع صوت رحيم هذا الصوت وهو يسأل والدته قائلاً:
“مامي ممكن اسأل حضرتك سؤال؟”
“اتفضل.”
“هو ليه أنتي وبابي مخلفتوش غيري؟” سأل رحيم لتضطرب معالم والده قليلاً بينما نظرت نحوه والدته بثبات وقالت:
“عشان كنا شايفين أننا أكتفينا بطفل واحد، نديله إهتمام ورعاية.” أجابت ليزدرد رحيم ما في فمه ببطء وهو يفكر في أن ذلك كان أسوء قرار قد اتخذوه يوماً فبغض النظر عن عيوب كونه طفلاً وحيداً، كونه هو محط الإهتمام وموضوع أسفل عدسة مكبرة طوال الوقت هو اسوء ما في الأمر، فلا يوجد شخص سواه يسلب جزءاً من إهتمام والديه المبالغ فيه.
“بس مش شايفة أنه قرار كان غلط؟”
“لا، أنا مباخدش قرارت غلط.” أجابت والدته بنبرة صارمة لينظر نحوها رحيم بعدم إقتناع ويُردف:
“أسف يا مامي.. بس مفيش حد مبيغلطش.”
“أنا قراراتي كلها مدروسة.”
“حتى ولو بيفضل برضوا في نسبة خطأ واردة.”
“خلاص خلصنا! أقفل النقاش في الموضوع ده!!” أردفت والدتها بعصبيه ليجفل رحيم لثوانٍ ثم ينظر لوالده الذي رمقه بنظره ذات مغزى تعنى ‘خلاص اسكت دلوقتي’
“أنا شبعت!” قال رحيم وهو يغادر مقعده بغضب وتنظر نحوه والدته بحده ثم تردف بغضب قائلة:
“أحسن!” أبتلع رحيم ما في فمه وهو يصعد نحو غرفته، وكانت تقريباً تلك هي المرة الأولى التي يرى فيها والدته بهذا الغضب، فمهما كانت مستاءة كانت دائماً مُحافظة على هدوئها قدر الإمكان.
أمسك رحيم بهاتفه وشعر بضيق فهو لا يزال جائعاً وبشدة لكن كرامته لن تسمح له بالنزول والحصول على الطعام الآن.
‘أنا جعان أوي!!’
‘طب ما تخلي مامتك تعملك أكل.’ أجابت أفنان ببساطة ليشعر رحيم بغصه في حلقه حينما قرأ الرسالة ثم أجابها قائلاً:
‘مامي.. نايمة.’
‘مامي؟ مكذبتش لما قولت عليك توتو مش الوقت بدري شوية عالنوم؟ عمتاً حاول تعملك سندوتش جبنة ولا مِش.’
‘أولاً أنا مش توتو.. ثانياً يعني أيه توتو؟ ثالثاً أيه مش دي؟ مش أيه؟’ قهقهت أفنان بصوتًا مسموع لينظر نحوها الجميع بشيء من الريبة، نظرت نحوها مرام بحاجب مرفوع قبل أن تستنج أنه بالتأكيد لا شيء ولا أحد يمكنه أن يُضحكها سوى رحيم.
“أسفة يا جماعة.. قريت ميم بيضحك بس.” كذبت أفنان لتومئ الفتاتان بينما لم يُبدي نوح ردة فعل عدا تعابير وجه مستاءة.
‘أولاً أنت توتو، ثانياً توتو دي يعني عيل ابن ناس طري كده، ثالثاً مِش دي أكلة.. اللي هي جبنة قديمة أوي كده وطعمها حادق سِنه، أنا بشرحلك أيه بجد؟’ فسرت وأنهت جملتها بتعابير وجه تبكي من الضحك.
‘هو أني أكون ابن ناس دي حاجة وحشة؟ وبعدين ما كلنا ولاد ناس يعني ولا أنتي سُلالتك أيه؟’
‘أنت طيب أوي يا رحيم بجد.. بحسك عامل زي العيل الصغير.’
‘طب دي حاجة حلوة ولا وحشة؟’
‘مش عارفة.. ساعات بتبقى حاجة حلوة وساعات بتعصبني وببقى عايزة اضربك!’
‘أعوذ بالله.. متعرفيش تكملي جملة حلو ابداً؟ بس عالعموم شكراً يا دكتورة’ نظرت أفنان نحو الرسالة وابتسمت على لطفه.
“طب ما تضحكينا معاكي يا أفنان، وبعدين ما تخلي عندك ذوق شوية هو مش كلنا قاعدين مع بعض؟ محدش ماسك تليفونه غيرك.” علق رحيم بإزداء لتنظر نحوه أفنان بغيظ وتردف:
“ما تهدى عليا شوية يا عم نوح في أيه؟”
“يا شيخة بس بقى، ترجع الدراسة بس وهوريكي!”
“ماشي وأنا كل لما أصلي هدعي الرسالة بتاعتك متتقبلش.. ها خالصين؟” قالت أفنان بنبرة واثقة لتتسع أعين نوح وينظر نحوها برعي قائلاً:
“يا ساتر!!! لا خلاص أنا أسف يا ستي.. كله إلا الرسالة اللي طالع عين أهلي فيها!!”
“ايوا كده اضبط.”
في غرفة رحيم، جلس رحيم ينتظر من أفنان رداً على رسالته الأخيرة لكن لم يصله رد ليشعر بإمتعاض وهو يفكر في أن ربما وجودها برفقة ابن خالتها ذلك هو السبب في تأخر الرد.
“رحيم ممكن أدخل؟” سمع صوت والده في الخارج ليستقيم على الفور ويقول:
“طبعاً يا بابي اتفضل، خير في حاجة ولا أيه؟”
“لا مفيش حاجة.. مالك قلقت كده ليه؟”
“أصل حضرتك مبتدخلش أوضتي خالص، لما بتعوز حاجة بتقول لل Maid ‘الخادمة’ تقولي.”
“تصدق فعلاً.. بس أوضتك حلوة ومنظمة، ذوقك عالي زي.”
“طالع لحضرتك طبعاً.. ها حضرتك عايز تكلمني في أيه؟”
“عايزك تنزل تكمل أكلك.. أنا عارف أنك مش عيل صغير عشان أقولك تعالى كُل ومتتقمصش والكلام ده، بس أنا عارف أن طريقة مامتك ضايقتك فجيت أقولك متزعلش.”
“لا عادي يا بابي أنا أتعودت.. بس حضرتك تعبت نفسك صدقني الموضوع مش مستاهل..” تحدث رحيم بنبرة يشوبها الحزن بينما ينظر نحوه والده بأسى وهو يربت على كتفه ثم يقول بنبرة جادة:
“أنا بس كنت عايز احكيلك على حاجة.. محدش يعرفها خالص تقريباً..”
“أنا برضوا قولت أكيد في حاجة.. مامي مش بتتعصب كده ابداً، أنا سألت سؤال غلط صح؟” سأل رحيم بفضول وانتباه شديد منتظراً الإجابة.
“مش فكرة غلط.. هو بس جيه على الجرح.”
“جرح؟” عقد رحيم حاجبيه وهو ينتظر تفسيراً من والده.
“اه.. أنا ومامتك يا رحيم كان نفسنا أننا نجبلك أخ.. كان نفسنا أننا نجيبك اصلاً، بص أنا ومامتك فضلنا كام سنة بنحاول نخلف أول لما اتجوزنا لكن كانت محاولات فاشلة عشان مامتك كان عندها مشكلة لحد ما المعجزة حصلت بفضل ربنا والعلاج وأنت جيت ومليت علينا دنيتنا..” سرد والده ما حدث بنبرة مهتزة بينما غلفت طبقة بلورية عيناه العسلية.
“أنا فعلاً أول مرة اسمع الموضوع ده..”
“الموضوع مخلصش هنا.. بعد كام سنة حاولنا نجبلك أخ أو أخت لكن المشكلة اللي عند مامتك كبرت لدرجة أنه بقى مستحيل تقريباً أنها تخلف، حاولنا مرة بتدخل طبي لكن المحاولة منجحتش.. ولو كنا كررنا المحاولات والتدخلات الطبية تاني كان هيبقى في خطر على حياتها!”
“أنا.. حقيقي أسف.. لو كنت أعرف الكلام ده عمري ما كنت هسألها! بس هي عمرها ما حكتلي حاجة زي كده..”
“متقلقش أنت سألتها كتير زمان بس أنت مش فاكر.” اردف والده وهو يقهقه بينما يكفكف الدموع التي كانت على وشك الهبوط من عيناها ليقترب منه رحيم ويضمه برفق.
“متزعلش يا بابي.. أنا موجود وهعوضك عن كل ال Babies ‘الأطفال’ اللي مجوش.” قال رحيم بنبرة طفولية لينظر نحوه والده بإبتسامة واسعة وهو يُعلق قائلاً:
“صح فعلاً هتعوضني بس لما تجبلي تلات أو أربع أحفاد كده ألعب بيهم.”
“يعني أنا أتدبس في تلات بيبيهات عشان حضرتك عايز تلعب؟ وبعدين أنا مالي أنا بالكلام ده.. أنا بقول أنا موجود أنا.. مجبتش سيرت أطفالي!!!” صاح رحيم بفزع نتيجه لمجرد تخيله بأنه قد تزوج وأصبح أب لطفل أو ربما أكثر!!!
“نبقى نتناقش في الموضوع بعدين.”
“يبقى أحسن.. ” أردف رحيم لكنه سرعان ما تذكر شيئاً آخر فأضاف:
“بس بابي أنا عارف طبعاً أن اللي حضرتك بتحكيه ده تجربة صعبة أوي بس أنا مش متخيل أن مامي ممكن تنهار لأي سبب من الأسباب..”
“لا طبعاً ازاي؟ والدتك كانت منهارة جداً وقتها، دي حتى فضلت لوقت طويل مقتنعة أني هتجوز عليها أو هسيبها اصلاً..” عقد رحيم حاجبيه وهو لا يصدق ما يسمعه، صمت لثوانٍ ثم سأل بفضول قائلاً:
“وأنت عمرك ما فكرت في ده؟”
“مستحيل يا رحيم، مستحيل أي ست في الكون تاخد مكان مامتك في قلبي أو حتى عقلي، إيڤلين هي أجمل ست شافتها عيني، وحتى لو مكناش خلفناك عمري ما كنت هسيبها.. كنت ممكن أتكفل بطفل لكن أجيب طفل من ست تانية.. لا!” تحدث والده بصدق وبنبرة مليئة بالحب، ليبتسم رحيم ابتسامة واسعة كبيرة ثم علق:
“أنا طول عمري عارف أنك بتحب مامي.. بس أول مرة أعرف أنك بتحبها أوي كده.”
“اللي بينا أكبر من الحب، اللي بينا حب، وعشرة ومشاركة في كل حاجة في الدنيا، أتمنى إنك في يوم من الأيام تقابل بنت تستحق وتحبها زي ما بحب إيڤلين وأكتر كمان!” فور أن أخترقت تلك الكلمات أذن رحيم أغمض عيناه لثوانٍ بينما قفزت إلى عقله على الفور فتاة واحدة فقط… أفنان!
“سرحت في مين؟”
“قصدك سرحت في أيه؟”
“لا.. أقصد مين.” اردف والده ثم ابتسم إبتسامة جانبية وهو يراقب تعابير وجه رحيم.
“موضوع كده.. هبقى أحكي لحضرتك بعدين.”
“ماشي يا سيدي هستناك، وهخلي ال Maid ‘الخادمة’ تطلعلك الأكل بعد ما إيڤلين تطلع الأوضة.”
“شكراً يا أعظم بابي في الدنيا.” قال رحيم وهو يضم والده بلطف ليبادله الآخر ثم يستأذن ويغادر الحجرة.
في منزل أفنان، عادت هي وأسرتها إلى المنزل بعد قضاء الأمسية في بيت خالتها.
“كان باين أوي أنك بتكلمي رحيم.”
“كان باين أوي أن عينيك بتطلع قلوب وأنتي بتدي المج لنوح.” توترت ميرال بشدة حينما سمعت ما قالته أفنان حتى أنها جرحت أصبعها بواسطة ‘دبوس’ الطرحة خاصتها.
“أيه؟ قلوب؟ لا لا لا أنتي فاهمة غلط خالص!!!”
“أنتي ليه بتحسسيني أني بعمل معاكي تحقيق؟ يا عبيطة أنا أختك!!”
“ما هو أصل أنتي بتقولي حاجات غريبة..”
“غريبة اه، طب بس يا ميرال بس!” قالت أفنان بغيظ لتصمت ميرال ومعها أفنان لكن أفنان تتذكر أمراً ما وتنتفض من مقعدها ثم تقول:
“لا مش خلاص.. أنا عايزة أقولك حاجة.. أنا متضايقة أوي.”
“من نوح؟”
“يادي النيلة عن نوح محور الكون ده! لا مش نوح.. التدريب قرب يخلص..”
“طب ما هو أي حاجة بتخلص، وبعدين أيه الحلو يعني في مرمطة المواصلات والتركيز في الشرح والمذاكرة!”
“ميرال أنتي مستوى ذكائك بالسالب ارحميني!! مذاكرة أيه وشرح أيه؟ ما في داهية كل ده.. أنا بتكلم عن رحيم!”
“اه عشان مش هتشوفيه تاني وكده؟”
“أعوذ بالله يا شيخة.. إن شاء الله هشوفه تاني أكيد بس ازاي بقى؟”
“أنا هقولك جملة واحدة بس! ‘إذا أحببت شيئاً بقوة فأطلق سراحه فإن عاد إليك فهو ملكك للأبد وإن لم يعد فهو ليس لك من البداية’.” تحدثت ميرال بأداء مُبالغ فيه وبنبرة جادة، لتقهقه أفنان بسخرية ثم تُعلق على حديثها قائلة:
“يا سلام عالحكمة يا سلام، قاعدة مع أسامة منير ياربي!! وبعدين أطلق سراح أيه هو أنا خطفاه؟ وبعدين شيء؟! رحيم بقى شيء؟!”
“رحيم مين؟!” اخترقت مسامعهم صوت والدتهم وهي تقتحم الغرفة لتتسع أعين كلتاهما وتكاد أفنان تفتح فمها لكن تُخرسها ميرال وهي تُجيب عن السؤال قائلة:
“رحيل يا ماما.. رحيل اللي كانت معايا في الكلية.”
“مالها؟”
“خطوبتها الجمعة الجاية إن شاء الله.” قالت ميرال لتنظر نحوها أفنان بدهشة لثانية ثم تحاول إخفاء الدهشة وتومئ مُصدقة على كلام ميرال.
“عقبالكوا إن شاء الله، أنا كنت جايه أقولكوا متسهروش أوي عشان منتأخرش واحنا رايحين لجدتكوا.”
“بس كده؟ من عنيا حاضر.. هاخد منوم.” تحدثت أفنان بصوتاً مسموع في بداية الجملة ثم ختمتها بهمس لتضحك ميرال ضحكة مكتومة، تغادر والدتهم الحجرة لتزفر أفنان براحة ثم تقول:
“ياربي.. كنت هتقفش!”
“تتقفشي في أيه؟ ده اسم زي أي اسم.”
“يا ستي بقى مش عايزة حوارات وبعدين انتي عارفة كل حاجة ماما بتعرفها بتحكيها لخالتو وطبعاً خالتو هتقول لمريم ونوح، اللي هو خطيبي في مخيلتهم!” قالت أفنان ثم أدركت ما اقترفته من خطأ حينما رأت عبوس وجه ميرال لتحمحم ثم تضيف:
“بس ده بعينهم طبعاً! كلنا عارفين نوح هيتجوز مين بس عمرنا ما نروح نقول!”
“إستحالة يا أفنان.. اللي بيشوفك مبيقدرش يشوف بعدك.” تحدثت ميرال بإبتسامة ممتزجة بالآسى، لتشعر أفنان بغصه في حلقها ثم تُردف بمزاح قائلة:
“يا ساتر! أنا بخزق عنيهم ولا أيه؟”
“لا.. بس مش بيشوفوا أي بنت تانية.” تحدثت ميرال بصيغة الجمع لكن أفنان كانت تعرف جيداً أنها تقصد شخصاً واحداً.. نوح!
“ازاي يعني؟ طب بصي لنفسك في المراية وبصلي، ده أنتي أحلى مليون مرة كفاية أنك واخده حلاوة خالتو وماما وكمان فيكي شبه من نوح أكتر مني، وبعدين بصي بشرتي وبشرتك والله حرام منتجات ال skin care اللي بخلص مصروفي عليها دي!!”
“خلاص أقتنعت.” تحدثت ميرال وهي تمسح دمعه كانت على وشك الهبوط من عيناها لتضمها أفنان بلطف ثم تُردف بسخرية وهي تضغط على حرف الدال:
“في حد يبقى زعلان وهو رايح يقابل الدكتورة ريماس بكرة إن شاء الله؟”
“متفكرنيش أبوس ايديك! وياريت بلاش مشاكل من فضلك!”
“مشاكل؟ أنا بعمل مشاكل؟ يالهوي عالظلم!!”
في صباح اليوم التالي ارتدت أفنان ثيابها وهي تشعر بضيق لأنها تعلم ما سيؤل إليه يومها.
“يلا يا ميرال ماما وبابا مستنين تحت.”
“بقولك أيه.. اطلبي أوبر.”
“أشمعنا؟ بابا قال هنركب من الموقف.”
“لا أطلبي أوبر وأنا هدفع! مش هسيب بابا يتمرمط في ميكروباصات وخاصة أننا رايحين عند تيتة وعمتو.” أوضحت ميرال بإصرار وهي تضبط وشاح الرأس خاصتها لتُعلق أفنان قائلة:
“ربنا يخليكي لينا يا ستي، هطلب بس انجزي.”
بعد ساعة تقريباً كانوا داخل منزل عمتها، وبالرغم من عدم بعد المسافة إلا أن الإزدحام قد عطلهم قليلاً.
“ازيك يا تيتل عاملة أيه؟ ازيك يا عمتو؟” سألت أفنان فور جلوسها لتُجيب كلتاهما ب “الحمدلله”
“أيه هو أنا شفافة بالنسبالك؟”
“لا مش شفافة أكيد كنت هاجي أسلم عليكي.. لو صبر القاتل!”
“أفنان هدي الدنيا اليوم لسه طويل.” همست ميرال في أذن أفنان لتومئ أفنان بعد أن غادر فمها تنهيدة طويلة.
“أفنان قومي أغسلي فاكهة ليكوا، قومي قومي متتكسفيش البيت بيتكوا.”
“لا يا طنط أنا مش مكسوفة، وكمان شكراً أحنا لسه واكلين من شوية وبعدين أنا شايفة ريماس رجلها سليمة ما شاء الله ما تقوم هي.” أردفت أفنان بنبرة باردة وهي تحاول أن تداري الغيظ الذي داخلها لتنظر نحوها جدتها بحدة وتُعلق قائلة:
“وبعدين في طولة لسانك دي!”
“عيلة يا ماما سيبك منها.. بقولك أيه يا أم ميرال مش تقوليلي مبروك.”
“ألف مبروك يا ستي بس على أيه؟”
“مش ريماس بنتي اتقدملها عريس وشكلنا كده هنوافق، أصله ميتعيبش بصراحة.” قالت عمتها لتتسع أعين كلاً من أفنان وميرال.. أليست ريماس صغيرة على أن تصبح زوجة؟ وماذا عن مستقبلها؟ إنها في سنتها الثالثة من كلية الطب! إنها مازالت في العشرين من عمرها كذلك! وهل هي مؤهلة من الأساس للزواج؟ هل ستكمل تعليمها أم سيجبرها على التوقف؟ وحتى وإن تركها تُكمل الجامعة.. كيف ستستطيع التوفيق بين الدراسة والمنزل؟ وماذا عن العمل؟ ألن يدعها تعمل بعد تعب سبع سنوات؟!
أسئلة كثيرة تبعثرت داخل عقل أفنان وهي تنظر بآسى نحو ريماس وقد توقعت كيف ستكون نهاية ذلك الزواج…
_______________________________
[ تذكره: للهم إني أسألك الجنة وأستجير بك من النار.]
وحشتونيييييي جدااااااا بعتذر جداً عن التأخير الجامد ده ولكن ربنا يعلم أنا كنت تعبانة ازاي وروحت للدكتور وأدوية ومكنتش بقدر اتحرك بس الحمدلله، فدعواتكوا بالشفاء
رأيكوا في الفصل؟
اللي بابا نوح حكاه؟
تفتكروا ده سبب صعوبة شخصية والدة رحيم؟
بتحبوا رحيم أكتر ولا نوح؟
بتحبوا ميرال أكتر ولا أفنان؟
رأيكوا أيه في موضوع ريماس؟
الفصل الخامس عشر: نِقَاشٌ حَادٌّ
“مش ريماس بنتي اتقدملها عريس وشكلنا كده هنوافق، أصله ميتعيبش بصراحة.” قالت عمتها لتتسع أعين كلاً من أفنان وميرال.. لتنظر نحوهم والدتهم بنظرة ذات مغزى.
“مالكوا ساهمتوا كده ليه؟ ما تبركوا لبنت عمتكوا يا بت أنتي وهي!” قالت جدتها لتجفل أفنان لثوانٍ وتُهنئها ميرال على الفور بتلعثم.
“أ.. ألف مبروك يا ريماس.”
“ألف مبروك على أيه؟! قصدي يعني..”
“أيه يا أفنان الغل مخليكي حتى مش عارفة تباركيلها!” علقت عمتها بإنفعال لتنظر نحوها أفنان بسخرية لثوانٍ.
“غل؟ هغل على أيه بس؟ هي حاجة عدلة يعني! وأنتي يا ريماس موافقة؟” سألت أفنان بإزدراء ونبرة مُنفعلة بعض الشيء وهي تحاول التحكم في أعصابها علماً بأن ذلك النقاش لن ينتهي على خير فعلى الأغلب سيضطر أحدهم إلى طلب النجدة لإنهاء ما على وشك أن يبدأ.
“بقولك عريس ميترفضش وبعدين أنا وأبوها وجدتها موافقين.” كانت تتحدث عمتها بشغف بينما لم تبدو ريماس متحمسة كثيراً لما يُقال، وكان يدور في ذهن أفنان سؤال هام.. إذا كان والدها ووالدتها وجدتها والجميع موافقون على ذلك الشاب.. إذاً أين رأي ريماس في الأمر كله؟
“طب يا حبيبتي ربنا يتمملكوا على خير.. بس هي مش صغيرة شوية؟” سألت والدة أفنان بنبرة لطيفة لتُجيبها عمتها بنبرة هجومية قائلة:
“لا يا حبيبتي مش صغيرة وبعدين أنا هستناها لما تبور زي بقيت بنات العيلة ولا أيه؟.” كان من السهل تخمين مقصد عمتها بتلك الكلمات لتنكمش ميرال على نفسها، كانت كلمات العمة مُثيرة لإستفزاز أفنان لذا علقت بدورها قائلة:
“لا يا طنط ارميها لأي حد وخلاص!”
“أرميها ده أيه يا مقصوفة الرقبة أنتي! ده عريس غني أوي وابن ناس كمان، تصدقي مبيقولش جملة عربي من غير ما يبرتم بكلمتين إنجليزي في النص، وطول بعرض ودقن ولبس غالي.” هنا شعرت أفنان بإنقباض في قلبها، كم تصل نسبة حدوث ما تُفكر فيه؟ واحداً إلى المليون؟ فمؤكد عمتها لا تقصد نفس الشخص الذي قفز إلى عقل أفنان، فمن بين بنات العالم كله لن يقع اختياره على ريماس ابنة عمتها أليس كذلك؟
“و.. واسمه أيه بقى العريس ده؟” سألت أفنان بإرتباك وبنبرة مُهتزة غير مُبررة، لتبتسم ريماس ابتسامة واسعة ثم تُجيب قائلة:
“فريد.” هنا تزفر أفنان براحة حينما تتأكد من أنه ليس رحيم، يالسخفها! لما سيقوم رحيم بطلب يد ريماس أو أي فتاة آخرى من الطبقة الإجتماعية ذاتها؟ فمؤكد رحيم حينما سيختار فتاة سيختار فتاة تُشبهه..
“اسمه حلو.. عرفتيه منين بقى ولا دماغه عاملة ازاي؟” سألت أفنان بحسن نية لتنظر نحوها عمتها بطرف عيناها قبل أن تتمتم:
“تعرفه ده أيه؟ أنا بنتي محترمة مبتعرفش شباب يا حبيبتي الدور والباقي عالبنات التانية.”
“لا إله إلا الله…” همست أفنان وهي تزفر بضيق قبل أن تُضيف:
“والله يا طنط أنا مبقولش تصاحب ولاد، أنا بقول إنها لازم تبقى عارفة دماغ اللي قدمها وتبقى متعرفة عليه وكله بإحترام يعني!” وضحت أفنان وجهه نظرها وهي تتحدث ببطء محاولة التحكم في نبرتها بينما رسمت إبتسانة مصطنعة على ثغرها.
“وبعدين في مياصه بنات الإيام دي، ما كلنا اتجوزنا رجالة منعرفهاش وعيشنا عيشة زي الفل.. ده أنا يا بت لما كنت قدك كنت في بيت جوزي متستته ومعايا أبوكي.” علقت جدتها بنبرة مزيج من الغيظ والإستهزاء لتبتسم أفنان ابتسامة جانبية متذكرة كم كان يعامل جدها جدتها بسوء وأنه لم يُحبها قط كما كانت تتذكر في صغرها، أهذه كانت العيشة الهنيئة التي كانت تتحدث عنها جدتها؟!
“اه طبعاً يا تيتة.. المهم يا ريماس طب هو شافك فين ولا هو قريبك من ناحية باباكي؟” كانت تنظر ميرال نحو أفنان بإندهاش، فليس من عادة أفنان أن تُبدي إهتماماً بشئون عمتها أو ابنتها لذا هناك شيء خاطئ هنا إما ما تفعله أفنان هو بدافع الفضول لا أكثر أو أنها تهتم بحق بشأن ريماس وهذا الإحتمال مستبعد بنسبة تسعون بالمئة، صمتت ريماس لثوانٍ وكأنها تفكر ولكن حينما فتح فمها لتُجيب اخيراً قاطعتها والدتها لتُجيب بدلاً عنها قائلة بفخر:
“يعرف أبوها من شغله في الخليج.”
“هو مش مصري؟”
“لا مصري بس طول حياته عايش برا مصر وأيه متريش الله أكبر من عين كل حسود وعنده بزنس كبير أوي.”
لم يبدو حديث عمتها صائباً إلى درجة كبيرة بغض النظر عن كونها تظن أن أفنان قد تحسد ريماس على شيء كهذا، لكن.. كيف لشاب في بداية عقده الثالث أن يملك ثروة هائلة وأن يكون متحكماً في أعمال خاصة بهذه العمر الصغيرة؟! هذا الحديث ينتمي إلى الروايات وليس إلى أرض الوقع، لذا هذا يعني أنه هناك إحتمالاً لا ثالث لهما..
إما أن عمتها تهول الأمور كما تفعل عادةً رغبة في التظاهر بأنها أفضل من كل هي وكل من يخصها أو أن يكون ما تقوله صدق لكن هذا يعني شيئاً واحداً.. أنه ليس شاباً!!!!
“ما شاء الله يا عمتو عمل كل ده؟ وده عنده كام سنة على كده؟” هنا تغيرت معالم وجه ريماس وارتبكت قليلاً لكنها في النهاية أبدت حماس ظاهري وهي تُجيب قائلةً:
“تلاتة وتلاتين.”
“!!!!!!” سعلت أفنان بعد أن ابتلعت ما ارتشفته من كوب الماء الذي أمامها بدلاً من أن تبصقه في وجه عمتها من هول ما سمعتها قبل ثوانٍ، مزيج من معالم الدهشة والتقزز قد ارتسمت على وجه أفنان ولكن ليست وحدها، بل شاركتها والدتها وشقيقتها كذلك!
“تلاتة وتلاتين سنة؟! العريس عنده تلاتة وتلاتين سنة!!!!” صاحت أفنان بصوتاً مرتفع وهي تستقيم من مقعدها ثم تضع كلتها يديها أمام عينيها وتبدأ في عد فارق العمر على أصابع يديها.
“يعني أكبر منك بحوالي اتناشر أو تلاتشر سنه!!!! أنتي مجنونة يا ريماس! ده لو كان اتجوز بدري كان خلف واحدة في سنك يا بنتي!!”
“أفنان اقعدي وبلاش مشاكل! أحنا ملناش دعوة.” همست ميرال في أذن أفنان لتنظر نحوها أفنان بإستنكار.
“اه يا حبيبتي أكبر منها بكام سنة فيها أيه يعني؟ ما الناس زمان كلها كانت بتتجوز بفرق سن كبير وبرضوا كانت عيشتهم زي الفل.”
“منطقي.. منطقي جداً أنه يبقى عنده بزنس خاص بيه لأن البيه قرب على نص التلاتينات!!” تحدثت أفنان بهدوء في بداية حديثها ثم أنهت حديثها بإنفعال.
“اقعدي يا بنت أحمد وقولي لبنت عمتك مبروك واحضنيها وأدعي ربنا تحصليها أنتي وأختك ولا هتفضلوا في بيت أبوكوا كتير.” اردفت جدتها بنفاذ صبر وبنبرة أمرة حازمة لكن أفنان لم تُبدي اهتماماً كثيراً بما قالته بل أضافت الآتي بنبرة هادئة استفزازية:
“والله يا تيتة أني أقعد في بيت أبويا معززة مكرمة لحد ما يجيلي الشخص المناسب بجد أحسن أما أروح أتجوز أول واحد يجي، عشان هي مش بيعة وشرواه!”
“شايفه يا ست رانيا.. شايفة كلامك اللي مليتي بيه دماغ عيالك بوظهم ازاي؟ ما هو أنتي لو كنتي بتقرصي عليهم من صغرهم مكنش ده بقى حالهم!”
“مالها حالتها يا طنط؟ بنتي بتتكلم صح من وجهه نظرها ومن وجهه نظري أنا كمان.. وأظن أنها متعدتش على حرية ريماس في اختيار المناسب ليها، هي بس قالت وجهه نظرها.” دافعت والدة أفنان عن بناتها وتربيتها لهم لكن بطريقة غاية في الأدب في الوقت ذاته.
“اه يا عيني عليك يا ابني.. الله يعينك على أهل بيتك.” تمتمت جدتة أفنان بصوتاً منخفض نسبياً لكنه كان ما يزال مسموعاً لتبتلع والدتها الغصة التي في حلقها وهي تنظر نحو أفنان.
“ألف مبروك يا ريماس.. ويارب يبقى اختيارك صح.”
“الله يبارك فيكي يا أفنان عقبالك.” كاد الحديث أن يقف عند تلك النقطة لكن عمتها فضلت الثرثرة عن الصمت وتهدئة الأمور لذا أضافت:
“وريماس بنتي هتكمل تعليمها طبعاً، بس من بيت جوزها بقى ما هو العريس مش هيستني خمس ولا أربع سنين يعني لحد اما تخلص جامعة.”
“على خير يارب.. وأنتي هتعرفي توفقي بين الدراسة والبيت؟”
“ما هو هيساعدني.”
“هيساعدك ازاي مش فاهمة؟ في شغل البيت يعني؟”
“يخيبك يا أفنان.. شغل بيت أيه يا بت؟ ده عنده خدامين وبعدين ما هو كمان دكتور زيها فهيساعدها في المذاكرة وكده.” فسرت عمتها وهي تتحدث بحماس مُفرط ورائحة الطمع تفوح من حديثها، الآن عرفت افنان سر أصرار عمتها على ذلك ‘العريس’.
“اممم.. دكتور..”
“اه دكتور وكمان قالي أنه ممكن يفتحلي مستشفى.” تكلمت ريماس بنبرة طفولية ساذجة وكأنها ستذهب مع أحدهم ليبتاع لها الحلوى لا أن يُصبح شريكها طوال العمر.
“يااه معقول؟” سألت أفنان بإندهاش مُزيف تفوح منه رائحة الإستهزاء.
“وأنتي قعدتي معاه بقى على كده؟”
“لسه.. يعني اتكلمنا عالفيس بوك، بس هقابله لما بابا يرجع من السفر إن شاء الله عشان هما هيجوا سوا.” أجابت ريماس بحماس مفرط لتبتسم أفنان بصدق وليس بسخرية.
ساد الصمت لبضع دقائق قبل أن يقطعه صوت رنين هاتف أفنان الموضوع أعلى الطاولة التي أمامها لتهرول سريعاً وتُمسك به لتجده.. رحيم!!!
توترت معالم أفنان وهي تنظر إلى الأسم قبل أن تُغلق المكالمة ‘تكنسل’
“مين؟” سألت ميرال بهمس لتنظر نحوها أفنان بإرتباك ثم تهمس هي الأخرة قائلة:
“بعدين هقولك.”
أمسكت أفنان بهاتفها واتجهت مباشرةً إلى محادثتها هي ورحيم لتُرسل له برسالة عتاب :
‘أنت اتجننت؟! بتتصل ليه؟!’
‘أسف بالغلط.’ أرسل هذه الرسالة ومن بعدها مُلصق لقطة مذعورة تختبئ خلف الحائط.
‘هنستعبط؟ ده أنت رنيت لحد ما قرب يفصل.’
‘كنت عايز اسمع صوتك.’
‘خف مياصة شوية يا عم ممس عشان أنا مش في البيت؟’
‘أومال في الغيط؟’ سأل رحيم بسخرية لتنظر أفنان نحو الرسالة بإشمئزاز من سخف دعابته.
‘أتعلمتها منين دي يا ظريف؟ أكيد الواد الشمام اللي بتقعد معاه.’
‘قصدك على أنس؟ هو فعلاً اللي علمهالي، المهم أنتي فين؟’
‘طب بطل تقعد معاه وخليك ولد مؤدب كده، عند عمتو وتيته.’
‘شكلك مش مبسوطة، وبعدين ثواني هو انتوا مش بتقعدوا في البيت عندكوا خالص ولا أيه؟’
‘لا بنقعد بس دي طقوس عائلية كده.’
‘أيه طقوس دي؟ بتحضروا أشباح ولا أيه؟’ سأل رحيم ببلاهة لتبتسم أفنان بسبب سخفة ثم تُعلق قائلة:
‘أيه يا ابني خفة الدم دي؟ قصدي يعني احنا عندنا عادة كده الخميس عند خالتو والجمعة عند تيتا وعمتو.’
‘طب حلو أوي.. ولا أنتي مش بتحبيهم؟’
‘بصراحة بحب خالتو أوي لكن عمتو يعني.. علاقتنا مش أحسن حاجة.’
‘ليه كده!’
‘مش هقولك.’
‘أيه ده في أيه؟ أنا عملت أيه؟’ سأل وقد ألحق الرسالة بصورة لفأر صغير مندهش، لتبتسم أفنان بإتساع غير منتبهة أن انظار الجميع قد وقعت عليها
‘عشان أنت مش بتحكيلي عنك خالص ولا عن عيلتك مع أنك عارف حاجات كتير عني.’
‘اولاً: أنتي مسألتيش.. لو سألتي احتمال ماجوبش اه بس still أنتي مسألتيش، ثانياً: بقى أنا معرفش حاجات كتير عنك.’
‘طيب أنت بتحب مين أكتر عيلة مامتك ولا باباك؟’ سألت أفنان بفضول رغبة في معرفة المزيد عن حياة رحيم.
‘مش عارف..’
‘يعني أيه مش عارف؟’
‘الموضوع complicated ‘معقد’ شوية.. أنا اتربيت وسط عيلة مامي ويمكن شوفت عيلة بابي مرات قليلة أوي بس حسيت معاهم بإحساس مختلف.. دفى يمكن؟’
‘مامي وبابي؟ ده أنت ابن ناس بجد بقى.’
‘هما باقي البشر ولاد أيه؟ مش ولاد ناس برضوا.’
‘مش قصدي يا ذكي.. هي جملة بتتقال كده.. بص اسكت اسكت، أنا هقفل بقى عشان العيلة كلها مركزة معايا وهيشكوا فيا.’ أرسلت قبل أن تُغلق الهاتف سريعاً ثم تتمتم :
“تخيلوا يا جماعة بدأو يعملوا جروبات للمواد بتاعت الكلية من دلوقتي مع أن لسه شوية عالدراسة.”
“لا وأنتي وش دراسة أوي يا أختي.” همست عمتها بسخرية لكن كلماتها اخترقت مسامع أفنان لترد دفاعاً عن ذاتها قائلة:
“اه طبعاً يا عمتو ما أنا بطلع من الأوائل كل سنة.”
في تلك سمعوا صوت طرقات خفيفة على باب المنزل وقد عرفت أفنان من طريقة الطرق أن هذا والدها حيث أن له طرقة مميزة.
“مش معقول أي باب بخبط عليه في أي حته ألاقيكي أنتي اللي بتفتحي.”
“وأنت متضايق ولا أيه؟ وبعدين أنا عندي كام بابا يعني؟” مازحته أفنان بلطف بينما نظرت نحوهم رياس بحده بلا سبب.
“ازيك يا حمادة يا أخويا عامل أيه؟” رحبت عمتها بأكثر نبرة مزيفة في الوجود لينظر نحوها أفنان ووالدتها وشقيقتها في اللحظة ذاتها.
“كويس الحمدلله.. يلا يا رانيا؟”
“على فين بس يا أخويا هو أحنا لحقنا نشوفك؟ ده أنت تحت من ساعة ما جبت مراتك وعيالك.”
“معلش ورايا مشوار مهم الصبح بدري.” فسر بنبرة هادئة جافة ثم ذهب ليقبل رأسه أمه ويأخذ زوجته وابنتيه ويتجه بصمت نحو الخارج.
“مشوار أيه اللي بابا رايحة ده؟” سألت ميرال ببلاهه وهي تتجه إلى خارج العمارة لتنظر نحوها أفنان بضسق وتقول بنفاذ صبر:
“مشوار أيه أنتي كمان؟ أنتي عبيطة يا ميرال؟! ده قال كده بس عشان مش قادر يقعد معاهم.. نِفسه مش قابلة الموضوع بعد المشاكل اللي حصلت آخر مرة وموضوع الفلوس.” همهمت ميرال بتفهم ثم اقتربت من أذن أفنان وقالت:
“تفتكري بابا هيفضل متجنبهم كتير؟”
“مظنش.. بابا قلبه طيب وبالرغم من كل حاجة هو مازال بيحبهم وكمان عشان صلة الرحم.”
“يمكن، بس أنا حاسه أن بابا واخد موقف جامد المرة دي.” قالت ميرال لتتنهد أفنان ثم تعلق قائلة:
“ولسه.. العيلة دي مش ناوية تجبها البر، ربنا يستر.”
“يارب، صحيح هتشوفي رحيم بكرة؟” سألت ميرال بدون سبب وبصوتٍ عالٍ نسبيًا لتقترب منها أفنان على الفور وتضع يدها أعلى فم الآخرى لتجعلها تصمت.
“ششش وطي صوتك وطي صوتك!!!”
“أ..أوعي بوقي.”
“أنتي هتودينا في داهية في مرة بسبب صوتك ده! اه هتنيل أشوفه ما هو أكيد هيبقى موجود بكرة في الشركة.”
“طب سلميلي عليه.”
“لا هسلملك على نوح.” همست أفنان وأنهت كلامها بغمزة بعيناها اليُمنى، لتضربها ميرال على كتفها بخفه.
فور عودتهم إلى المنزل خيم الهدوء على المكان حيث جلس والد أفنان صامتًا يعبث في هاتفه ثم جلس ليقرأ بضع صفحات من المُصحف خاصته، عندما انتهى من القراءة جلست أفنان إلى جانبه وهي تسأله في حنان:
“أنت كويس يا بابا؟”
“الحمدلله يا حبيبتي رضا.” قال بنبرة تفوح منها الحزن لتسأله قائلة:
“هو حصل حاجة أحنا منعرفهاش؟”
“لا.. حاسس أني مرهق شوية متشغليش بالك أنتي.”
“بتخبي عليا؟ هو مش أحنا صحاب يا عم أحمد ولا أيه؟”
“اه طبعًا يا عين أحمد، بس يا حبيبتي أنا مش عايز أشيلك الهم كفاية عليكي اللي أنتي فيه والدراسة ومستقبلك، اه وخدي بالك أنا حاسك متغيرة كده وبقالك كتير مش بتحكيلي بتعملي أيه في يومك.” تحدث بنبرة هادئة كالمعتاد لكن انهى حديثه بنبرة مرحة لتبتسم أفنان تلقائيًا بينما تتوتر معالم وجهها قليلًا.
“ها؟ أنا بس.. أصل في امتحان كده في آخر التدريب فأنا بقضي اليوم بذاكر لما برجع.. لما برجع البيت قصدي يعني..”
“بس بس.. مالك اتوترتي كده ليه؟ شكل في حاجة.. بس عمتًا مش هضغط عليكي.. أنا عارف أنك هتيجي وتحكيلي بنفسك.”
“صح.. يلا تصبح على خير.” أردفت أفنان ثم استقامت من موضعها لتُقبل رأس والدها ثم تتجه نحو غرفتها مباشرة وقد ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغرها.
في صباح اليوم التالي ارتدت أفنان ثوب باللون السماوي بالإضافة إلى وشاح باللون الأزرق الداكن وقد زُين بنقوش بنفس لون الثوب.
اتجهت أفنان نحو الشركة وهي تهرول ظنًا منها أنها ستتأخر لكن في نهاية الأمر وجدت نفسها قد وصلت باكرًا نسبيًا على موعدها، تسير إلى داخل الردهة ثم تتجه إلى الطابق المنشود وبمجرد مغادرتها للمصعد سمعت صوتًا من خلفها يهمس قائلًا:
“أنتي عارفة أن دي أول مرة أحس فيها اللون ال Baby blue ‘السماوي’ حلو أوي.. يمكن عشان اللون بيحلو بحلاوة الشخص اللي لابسه؟” انتفضت أفنان ثم ألتفتت على الفور بحثًا عن صاحب الصوت لتجده رحيم، يقف مستندًا على باب مكتبة وفي يده فنجان من القهوة.
“بسم الله الرحمن الرحيم خضتني!!!”
“أنا عارف الكلام ال Romantic ‘الرومانسي’ بيخض.” تحدث رحيم بنبرة واثقة لتنظر نحوه أفنان بإستهزاء ثم تقول:
“أيه اللي أنت بتقوله ده؟ أنا اتخضيت عشان مفيش حد بيكلم حد فجاءة كده، وبعدين أيه الواقفة دي؟ أنت معندكش شغل.”
“أنا حر، هتحاسبيني على شغلي كمان يا دكتورة ولا أيه؟!”
“لا يا فندم هو أنا أقدر.” اردفت وهي تبتسم ابتسامة ساخرة ليُبادلها هو بواحدة لطيفة، يسود الصمت لدقائق قبل أن تقطعه هي بسؤال:
“صحيح أخبار صاحبتك الأجنبية دي أيه؟”
“أني واحدة؟”
“نهارك أبيض!!! هما كام واحدة؟” سألت أفنان بمزيج من الدهشة والإعتراض ليُجيبها بكل برود:
“مش عارف.. I don’t count ‘مش بعد’.”
“اللي كانت معاك هنا يا رحيم!!! اللي حضنتك يا أخويا ولا أنت بتتحضن كل يوم من واحده؟!!!”
“أيه؟ قولي تاني..”
“أقول أيه تاني؟” سألت بحماقة لينظر إلى عيناها مُباشرة ويُجيبها بنبرة هادئة:
“يا رحيم.. تقريباً أول مرة تندهيني بإسمي.”
“لا متسبليش كده أنا مفطرتش وممكن أقع منك أنا بحذرك.”
“مفطرتيش بجد؟ ليه طيب؟”
“لا والله مفطرتش بجد، أفتكرت أني هتأخر فنزلت جري وفي الآخر وصلت بدري زي ما أنت شايف.” أردفت أفنان بحسرة ممتزجة بالسخرية.
“تمام.. المهم بقى أنتي كنتي بتسألي على ميا صح؟ عمتًا هي راحت تقعد مع صاحبتها في الفيلا بتاعتها كام يوم ومن ساعتها مشوفتهاش في البيت.”
“ثواني بس.. هي قاعدة عندكوا في البيت؟!!!” سألت أفنان بأعين متسعة وبنبرة يفوح من الإعتراض، لينظر نحوها بتعجب ثم يسألها بكل هدوء قائلاً:
“أيه المشكلة؟”
“أيه المشكلة؟! المشكلة أن في جحش قاعد في نفس البيت ومينفعش تبقى معاه!!” علقت أفنان بإمتعاض وبنبرة مُرتفعة نسبياً.
“دي شتيمة صح؟” سأل ببلاهة متجاهلاً حديثها كاملاً.
“لا هو ده حيوان.. مزيج بين الحصان والحمار بيبقى عقيم المفروض و.. اه تعتبر شتيمة عمتًا، بس مش ده موضوعنا دلوقتي!!”
“حسيت برضوا.. طب بصي هقولك حاجة.. ادخلي دلوقتي عشان متتأخريش ونكمل كلام بعد المحاضرة.”
“ماشي يا أخويا.”
“أخوكي؟” سأل بإزدراء لتقهقه على تعابير وجهه ثم تتركه وتتجه إلى المحاضرة والتي كان نوح هو كن سيقوم بشرحها، فور رؤيته ذهبت ببرود لتجلس في مقعدها.. كان يبدو في صحة جيدة مقارنة بليلة الخميس.
“هنستنى خمس دقايق عشان بقية الناس تيجي وبعدها هنقفل باب القاعة ونبدأ الشرح بتاعنا، واعملوا حسابكوا أحنا هنطول شوية النهاردة.” أومئ الجميع وفعلت أفنان المثل بينما أخذت تلوم نفسها لأنها لم تُحضر معها شيئًا للتناوله وستبدأ معدتها في التذمر عما قريب ولن يكون الأمر مُريب أن انتهى بها الوضع تأكل فخذة من تجلس بجانبها.
بدأ نوح في عملية الشرح وقد مرت نصف ساعة بالفعل قبل أن يسمع الجميع صوت طرقات خفيفة على الباب ثم يدخل أحدى العاملين ب ‘كافتيريا’ الشركة وهو يحمل في يده صندوق صغير ومشروب في اليد الآخرى.
“أنا أسف يا دكتور بس الحاجة دي مطلوب مني أوصلها للدكتورة أفنان أحمد.”
“تمام اتفضل، هي اللي قاعدة في الصف الخامس ولابسه طرحه زرقا.” تحدث نوح بهدوء بينما ينظر نحو أفنان بشك والتي كانت تنظر بدهشة نحو الُعلبة والفتى ونوح، وبالفعل كانت الأنظار جميعها موجهة نحوها فلا أحد يعلم سر الإهتمام المُبالغ فيه الذي تحظى به أفنان من الجميع، على أي حال أخذت من الفتى العُلبة والكوب البلاستيكي الذي اتضح أن بداخله قهوة مُثلجة.
“شكراً جداً..” أردفت بعد أن وضعت العُلبة على قدمها والمشروب في يدها ليرحل الفتى.
تفتح العُلبة لتجد بداخلها أربعة قطع من ‘الدوناتس’ ذات ألوان مُختلفة وورقة صغيرة موضوعة في ركن العُلبة كُتب فيها:
‘مينفعش أفطر وأنتي لا، ده فطار صغنن كده لأحلى مُتدربة ودكتورة دخلت الشركة من يوم ما اتفتحت، بالهنا والشفا.. Enjoy ‘استمتعي’ رحيم :).’
قرأت بعيناها ما كُتب بخط عربي مُنمق وبعض الأخطاء الإملائية البسيطة وقبل أن تصل إلى اسم المُرسل كانت قد علمت بالفعل.. فلا أحد بهذا اللطف سواه.. رحيم!
_________________________________
[تذكره: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل.]
تكملة الرواية من هناااااا
التعليقات