رواية فى حي الزمالك الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم ايمان عادل كامله
رواية فى حي الزمالك الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر بقلم ايمان عادل كامله
الفصل السادس: كُوبًا مِنَ الْقَهْوَةِ
“أنا هقول حاجة واحدة بس.. !!!Shit” قالت بصوتاً مُنخفض قبل أن تسقط مُغشياً عليها…
“أفنان!!! أفنان!!! حد يجيب Perfume بسرعه!!”
تُحضر أحدى الموظفات زجاجة عطر ليضع القليل منها نحو أنفها لكن تنهره الموظفة وتقول:
“مستر رحيم ممكن حضرتك تتفضل وأنا والبنات هنحاول نفوقها..”
“واتفضل برا ليه يعني؟” سأل بضيق وتوتر.
“عشان أحنا هنحتاج نفكلها الطرحة وطبعاً حضرتك مينفعش تبقى موجود.”
“صح.. أنا أسف، طيب بصي خديها ورا خالص على جانب كده بعيد عن كاميرات المراقبة اللي في القاعة.” أعتذر رحيم بتوتر وصفع نفسه داخلياً على غباءه.
“تمام يا فندم حاضر.”
“وأنا هبعتلكوا Juice مع أي واحدة من العمال.” بالفعل غادر القاعة وطلب من أحكى العاملات أن تُحضر لها عصير فاكهة طبيعي، بينما وقف هو أمام باب القاعة ينتظر في توتر شديد.
“يارب ولد!” همس لنفسه وهو يتحرك ذهاباً وإياباً قبل أن يسب نفسه قائلاً:
“ايه الهبل اللي أنا بقوله ده؟”
“ايه ده مالك يا رحيم؟ متتوترش ربنا يقومهالك بالسلامة هي والنونو الصغير.” اردف صديقه أنس وهو يضع يده على كتف رحيم والذي يدفعها بقوة.
“بطل سخافة عشان مقلش أدبي عليك.”
“ايه ده ايه ده؟ ايه الأسلوب السوقي ده؟”
“مش وقت هزارك يا أخي!” تحدث رحيم بحنق ليقهقه الآخر بإستفزاز فيرمقه رحيم بنظره حاده.
“طب قولي بجد في أيه؟ أيه اللي موقفك كده؟”
“في بنت من اللي بيتدربوا.. اتخانقنا وبتاع أغم عليها.”
“أيه الأوڤر ده؟”
“معرفش بقى!” بعد ثلاث دقائق تقريباً خرجت أحدى الموظفات لتطمئن رحيم أن أفنان أصبحت بخير الآن ويمكنه التحدث إليها إذا اراد، شكر الموظفة ثم توجه إلى الداخل تاركاً أنس بالخارج.
“بقى يحصلك كل ده عشان قولتلك بس أن Papy صاحب الشركة؟!”
“أيه الهبل ده؟ لا طبعاً أنا أغم عليا عشان مفطرتش الصبح!”
“طب يستي أديكي شربتي Juice Fresh ‘عصير طازج’ على حسابي.”
“هديلك الخمستاشر جنيه عالدزمة.”
“بهزر يا بنتي بهزر.. مبتعرفيش تهزري؟”
“لا طبعاً ازاي يا رحيم باشا.. ما أنا طول الفترة اللي فاتت دي كنت بهزر مع حضرتك!” اردفت بنبرة مزاح مصطنعة مع ضحكة غريبة في نهاية حديثها.
“مش باين بس ماشي، عمتاً أنا كنت برخم عليكي.”
“يعني أنت أبوك مش صاحب الشركة بجد؟”
“أبوك؟” سأل بإشمئزاز قبل أن يحمحم ويُجيبها قائلاً:
“لا بابي صاحب الشركة فعلاً والفروع اسمها على أسمي فعلاً بس ده ملهوش علاقة يعني بعلاقتنا.”
“ما شاء الله.. لا هو في علاقة؟”
“أنتي الكلام معاكي مُرهق أوي بجد.” قال ثم تنهد تنهيدة طويلة.
“متكلمنيش.. سهلة وبسيطة أهي.”
“أنا فعلاً غلطان! ويلا بقى روحي للتدريب العملي عشان فاتك نصه.”
“يالهوي!! أنا نسيت!” شهقت بصدمة ثم صفعت رأسها وهي تتحدث إليه بإمتعاض:
“زي ما أخرتني، تدخلني بقى عشان مسمعليش كلمتين من الدكتور!”
“حاضر يا أفنان هانم، اتفضلي قدامي.” غادرت الحجرة وتبعها هو بعد أن تأكدت أن خصلات شعرها لا تظهر من الوشاح خاصتها أثناء نظرها لإنعكاسها في الباب الزجاجي.
فور مغادرتها للقاعة تجد شاباً يقف أمامها تماماً، خصلات شعر بنية وعيون بنفس ذات اللون.. يُحدق فيها مع إبتسامة غير مبررة.
“مساء الخير.. مع حضرتك أنس فريد.”
“أهلاً وسهلاً.. ايوا أعمل أيه يعني؟”
“لا مفيش أنا قولت نتعرف.. القمر زعلان ليه؟”
“القمر مش زعلان.. القمر هيزعلك!” قالت وكادت أن تصفعه لحقيبتها لولا أن وقف رحيم في المنتصف وقال:
“معلش يا دكتورة سماح المرة دي.. ميعرفكيش!”
“وأما هو ميعرفنيش واقف يتنحنح معايا ليه؟”
“أيه دي يا رحيم مالها دي؟”
“مالها أيه؟ ما أنت واقف صحيح تت… واقف بيعمل ايه؟” كان يتحدث بعصبيه لكنه توقف لثوانٍ وهو يسألها بنبرة طفولية عن الفعل الذي وسمت به أنس قبل قليل.
“يتنحنح.” همست وكأنها تُغششه الإجابة في إختبار ما.
“واقف تتنحنح.”
“خلاص أنا أسف يا دكتور، أوعى يا عم سيبني.”
ابتعدت أفنان عن كلاهما ليلحق بها رحيم سريعاً ويهمس:
“هو المفروض Ladies first وكده، بس هدخل أنا الأول عشان أكلم الدكتور.”
“تمام، اتفضل.” سبقها رحيم بالفعل وبمجرد دخوله المعمل انتبه الجميع له وللواقفة خلفه.
“في حاجة يا دكتور رحيم؟”
“مفيش، أنا كنت بتناقش مع دكتورة أفنان في المحاضرة اللي اتشرحت وهي أغم عليها وكنا بنفوقها عشان كده اتأخرت.”
“تمام يا دكتور مفيش مشكلة، اتفضلي يا دكتورة وأنا هشرحلك اللي فاتك.”
“ميرسي لذوق حضرتك يا دكتور.” كان يظن رحيم أنها تتحدث إليه لكن في الواقع هي كانت تتحدث إلى دكتور أحمد الذي يتولى عملية الشرح، رمقها بنظرة تحوي في طياتها الغيظ قبل أن يغادر المعمل.
ذهب رحيم ليجلس في مكتبه وكان أنس ينتظره في الداخل.
“وصلت ست الدكتورة للمعمل؟”
“وصلتها اه.” تحدث رحيم بشرود ليُحرك أنس يده أمام وجهه.
“من كوكب الأرض لرحيم، حضرتك معايا؟”
“لا.. أنا معاها.”
“ايه ده ايه ده! أنا آخر مرة شوفتك فيها كده كان أيام الجامعة!” اردف أنس ليعبس وجه رحيم حينما يذكر الآخر أيام الجامعة.
“أنا أسف مش قصدي”
“ولا قصدك.. المهم أنت سايب الشغل وقاعد هنا ليه؟” سأله رحيم بضيق وهو يُخرج علبة سوداء فاخرة تحوي لفافات تبغ وقداحة سوداء كذلك، يُمسك بإحدي اللفافات ويضعها بين شفتيه ويكاد يُشعلها لكن يهرول أنس نحوه ويجذبها من فمه.
“أنت عبيط يا رحيم هتدخن هنا؟ مينفعش!”
“مخدتش بالي..”
“وبعدين اصلاً التدخين غلط عليك.”
“مش مهم.” قال رحيم بلا مبالاة وهي يرفع كتفيه قبل أن يقول:
“أنا هروح، حاسس أن دماغي مصدعة.” رحل رحيم دون أن ينتظر رداً من أنس ليشعر أنس بإرتباك، لم يكن عليه ذكر أمر الجامعة ذلك..
استقل رحيم سيارته طالباً من السائق أن يسير بأقصى سرعة ممكنه فهو لا يكاد يطيق الإنتظار حتى يعود إلى منزله لكنه غير وجهته حالما تلقى رسالة من والده يأمره فيها بالعودة إلى المنزل الكبير بحي الزمالك.
توقفت السيارة لتصطف إلى جانب خمس سيارات فخمة من طرز مختلفة لكنها جميعاً تنم عن الثراء، يترجل رحيم من السيارة، يضبط بدلته ويعيد خصلات شعره إلى الوراء ثم يتوجه بخطى بطيئة نحو باب الڤيلا أو هو أقرب إلى القصر في الفخامة والمساحة، كان يكسوه مزيج من اللون الأسود مع درجات مختلفة من الرمادي والأبيض وقد تزين المكان بمزيج مختلف من الأشجار والورود.
يطرق رحيم الباب بهدوء لتفتح الخادمة ويتوجه نحو الداخل وقبل أن يتفوه بحرف يأتيه صوت والدته ذو النبرة الحادة قليلاً المميزة وهي تقول:
“متأخر خمستاشر دقيقة وأربعين ثانية على معادك.”
“حضرتك عارفة أن كان عندي شغل.”
“متقطعنيش يا ولد.. استنيتك في المطار كتير لكنك مجتش.”
“أقدر أجاوب دلوقتي؟”
“اتفضل.”
“مكنش عندي خبر بميعاد وصول حضرتك لمطار القاهرة، وبعدين أنا ملتزم بمواعيد محددة في الشغل مقدرش اخرج قبلها.”
“العذر مقبول لكن ياريت متتكررش المفروض أنك تبقى عارف ميعاد وصولي.”
“أنا بعتذر جداً، I promise it won’t happen again ‘أعدكِ أن الأمر لن يحدث مجدداً.’ “
“تقدر تغسل ايدك وتيجي تتغدى معانا.”
“حاضر.” نفذ الأمر ليجلس على المائدة التي تجلس على رأسها والدته وإلى يمينها والده وإلى يسارها رحيم، يأخذ كمية قليلة من الطعام مع مراعاة ألا تختلط جميعها سوياً حتى لا يبدو شكل الطبق غير لائق.
“نانا صحته عاملة أيه دلوقتي؟”
“بخير لكنها طالبه تشوفك، ‘I promised her that you will visit her soon ‘لقد وعدتها بأنك ستقوم بزيارتها قريباً’ ” تحدثت والدته بلكنة إنجليزية مميزة بالإضافة إلى نبرة حازمة، فلا مجال للنقاش في ما قالته.
“طبعاً إن شاء الله.” قال بتوتر وهو ينظر إلى والده الذي لم يبدو مهتماً كثيراً للمحادثة التي تدور بينهم.
انتهى رحيم من تناول طعامه واستأذن للصعود إلى غرفته، فور دخوله إلى حجرته السوداء الكلاسيكية خلع رابطة عنقه والمعطف البذلة الرسمية، كم يود تدخين لفافة تبغ الآن لكن إن وصلت الرائحة إلى أنف والدته الحساسة ستحدث كارثة وسيجبر على سماع محاضرة لا داعي لها.
“ألو.. ايوا يا أنس، مامي رجعت البيت.” قال وهز يصفع يده بوجهة في ضيق وعلى الأغلب فعل أنس المثل.
“طب ايه يا معلم هتعمل ايه؟”
“معرفش، بس غالباً مش هنعرف نسهر سوا ال Weekend ‘نهاية الأسبوع’ دي.”
“ده أنا كنت هسهرك في مكان يجنن بس ملكش في الطيب نصيب بقى.”
“بص أنا هشوف كده لو مامي هتبات عند حد من أخواتها أو صحابها ممكن ابقى اسهر معاك شوية.”
“تمام ضبط وكلمني.” ذفر رحيم بضيق وهو يتمدد على سريره قبل أن يغفو دون أن يشعر، يستيقظ باكراً صباح اليوم التالي ويتجه إلى الشركة محاولاً تخطي وجبة الإفطار في المنزل وقد نجح في ذلك بالفعل.
بعد مرور يوماً آخر ذهبت أفنان إلى مقر الشركة، توجهت نحو المصعد والذي لم يأخذ سوا بضع ثوانٍ ليحضر، دلفت إلى الداخل وضغطت على رقم اثنين وقبل أن يُغلق الباب يقتحم ذراع أحدهم المسافة الفاصلة جاعلاً الباب يُفتح مجدداً وكان من السهل أن تُخمن أفنان صاحب الذراع من رائحة عطره التي لوثت أنفها.. لقد كان رحيم!
بجسده الممشوق وطوله الفارع ووجهه الوسيم لكن هناك اختلافات بسيطة.. مثل أنه خفف لحيته قليلاً، يرتدي ساعة يد مختلفة اليوم و.. ووجهه عابس ومنطفئ على غير العادة.
“أنت كويس؟” لا تدري لما فعلت ذلك، وعلى الأغلب ستقضي يومها كاملاً وهي تسب ذاتها على ذلك السؤال.. فهي واثقة من أنه سيقوم بإحراجها بالطبع..
“لا مش كويس خالص..” بنبرة حزينة قال جملته وقبل أن تتفوه بحرفاً واحد فُتح الباب ليواجههم بعض الموظفين فيتحرك كلاً منهما في اتجاه معاكس مما يعني انتهاء الحوار الذي لم يبدأ بعد..
ذهبت إلى القاعة في انتظار قدومه ليقوم بعملية الشرح وقد فعل لكن عيناه كانت شاردة معظم الوقت ولم ينظر نحوها كما كان يفعل في المرات السابقة، هي لا تهتم.. لا تهتم.. تحاول إقناع ذاتها بأنها لا تهتم.. فليحدث ما يحدث له، يبدو أنها كاذبة فقد اضطربت قليلاً حينما اعتذر عن إكمال الشرح وتوجه نحو الخارج.
“ماله ده؟” همست لنفسها.
“أحنا كده خلصنا، وعلى فكرة من أول الأسبوع اللي جاي هيكون معانا مُحاضر جديد إن شاء الله.”
غادر المحاضر القاعة والجميع بالتبعية ليذهبوا إلى المعامل لتلقي الجزء العملي، لم ترى رحيم مجدداً في ذلك اليوم.
في اليوم التالي ذهبت أفنان برفقة أسرتها إلى منزل جدتها بالقرب من ميدان الجيزة، كان الإمتعاض بادي على وجه الجميع لكنهم حاولوا إخفاء ذلك الإمتعاض والضيق فور وصولهم لكن أفنان لم تحاول، فهي حقاً تشعر بالغضب تجاه جدتها وعمتها وابنتها المدللة.
“أهلاً يا تيتة.” اردفت أفنان وهي تُقبل يد جدتها العجوز.
“أهلاً بيكي يا بنت رانيا، ايه يا بت هو لازم استنى كل جمعة عشان اشوفك؟” حاولت أفنان جاهدة أن تبتسم وتبتلع حديث جدتها خاصة وأن لقبتها بإبنة رانيا عوضاً عن ابنة أحمد، وذلك كان له دلالة.. بالطبع هذا لا يعني أن أفنان غضبت لنسبها إلى والدتها بل لأنها تعلم غاية جدتها من قول جملة كتلك.
“معلش يا تيتا ما حضرتك عارفة أني مشغولة بالكلية والتدريبات.”
“طب ما ريماس بنتي اللي في طب بتفضى تيجي تشوف جدتها عادي، شوفيلك حجة غيرها.” رمقت أفنان عمتها بحدة قبل أن تبتسم ابتسامة مستفزة وهي تقول:
“ربنا يخليهالكو.”
“شايفه يا رانيا بنتك وأسلوبها المستفز؟” سألت عمتها بغيظ وهي تتعمد إثارة شجار لكن والدة أفنان ابتسمت بهدوء وقالت:
“حصل ايه بس؟ ده حتى أفنان بتدعي لريماس أن ربنا يخليهالكو.. فين الغلط؟” لم يُجيب أحد على ما قالته لتبتسم أفنان بإنتصار، فهي تعلم أن والدتها ستكون دوماً في صفها.
ساد الصمت في المكان قليلاً قبل أن تأتي ريماس وتجلس في مواجهه أفنان وميرال، حيث تجلس كلتاهما على الأريكة وريماس على كرسي، وفجاءة وبدون سابق انذار تقول ريماس الآتي:
“إلا قوليلي يا أفنان هو مش انتوا ليكوا قريب حلو كده اسمه نوح؟” تحدثت ريماس بنبرة لعوب لينظر نحوها أفنان وميرال بحده في نفس اللحظة، ترتكب الآخرى وتعتدل في جلستها.
“وأنتي مالك بيه؟” سألت ميرال في غيظ شديد.
“يعني ايه مالي بيه؟ أنا حرة.. وبعدين هو يخصك ولا أيه؟”
“اولاً ملكيش دعوة يخصني ولا ميخصنيش، ثانياً متقربيش من حد تبعنا عشان متزعليش.” صعق الجميع من نبرة ميرال الحادة، فهي لم تتحدث بتلك الطريقة من قبل.. حتى أنها لم تُدرك أنها كانت غاضبة إلى ذلك الحد.
“بصي يا ريماس من الآخر كده شيلي نوح من دماغك عشان هو مبيحبش البنات اللي زيك.”
“ايه البنات اللي زيها دي؟ هو حد يطول يتجوز ريماس بنتي!”
“اه يا طنط، نوح يطول اللي أحسن من ريماس كمان.. وأنتي يا ريماس ياريت تشيلي نوح من دماغك أحسنلك.”
“ما تشوفي يا رانيا بنتك عديمة الرباية دي!” تحدثت عمتها بصوت مرتفع لكي تُشعل الشجار.
“أنا بنتي مش عديمة الرباية! ومسمحلكيش لا أنتي ولا أي حد أنه بغلط في بنتي وتربيتها.” اردفت والدة أفنان بغضب وهي تستقيم من مجلسها، لقد اضطرت لتحمل سخافة شقيقه زوجها كثيراً لكن حينما يتعلق الأمر بإحدى بناتها فهي لن تدع الأمر يمر مرور الكرام.
“قوموا يا بنات عشان نروح أحنا ملناش قاعدة هنا.” استقامت أفنان ومعها ميرال استعداداً للرحيل.
“ما تقعدي ياختي.. محصلش حاجة لكل ده، وبعدين ما أنتي بنتك لسانها طويل فعلاً.” قالت الجدة ليزداد غضب رانيا وتردف:
“عن إذنكوا.” خرج زوجها من غرفة الضيوف حيث يجلس هو وثلاثة من رجال العائلة.
“أيه يا رانيا حصل حاجة؟” سأل بقلق وهو ينظر إلى وجه زوجته الممتعض.
“لا مفيش.. أنا والبنات هنسبقك عالبيت.”
“ماشي، خدوا تاكسي ولا أوبر.”
“حاضر يا حبيبي متقلقش.” قالت رانيا لتنظر نحوها شقيقة زوجها بغيظ وإشمئزاز.
“سلامو عليكوا.” ساد الصمت طوال الطريق وحتى وصولهم إلى المنزل، فور وصولهم كانت أفنان على وشك الدخول إلى حجرتها لكن أوقفها صوت والدتها وهي تتحدث بنبرة جدية قائلة:
“أفنان عايزة أتكلم معاكي.”
“أتفضلي يا ماما.” تخللت تنهيدة حديث أفنان فهي تعلم أنها على صدد جلسة معاتبة.
“أفنان، أنتي عارفة أني طول عمري في صفك وعمري ما سمحت أن حد يقولك نص كلمة.”
“طبعاً يا ماما..”
“وعارفة برضوا إني بحب شخصيتك القوية وإنك بتجيبي حقك وحقنا.. لكن ساعات بتتمادي يا أفنان.”
“بس يا ماما..”
“اسمعيني الأول، أنتي عارفة كويس أن جدتك وعمتك بيتلككوا عشان يعملوا أي خناقة وعارفة أنهم بيتعمدو يحرجونا ويضايقونا دايماً..”
“ما أنا عشان كده برد!”
“غلط، مش لازم تردي طول الوقت.. هما هيعصبوكي وهيخلوكي تغلطي وبعدها هيغلطو فيا أنا وأبوكي وهيقولوا أننا معرفناش نربيكي.”
“أنا اسفة يا ماما.. أكيد أنا مقصدش أن الحوار يوصل لكده..”
“أنا عارفة يا حبيبتي لكن ده أسلوبهم.. أحسن حاجة أنك تتجاهلي اللي هما بيقولوه.. كلامهم لا هيزود ولا ينقص، أفنان أبوكي بيكبر مش بيصغر وهما على طول مشلينه الحمل والهم.. مش عايزين أحنا كمان نضغط عليه.”
“حاضر يا ماما، أوعدك أني هحاول اضبط الموضوع ده..”
“شطورة يا قلب ماما.” قالت ثم اقتربت من أفنان لتُقبلها ثم تضمها هي وميرال في عناق جماعي.
“أنتو أغلى حاجة عندي في الدنيا دي.” همست وسط العناق.
بعد بضع دقائق توجهت أفنان إلى الحجرة لتبديل ثيابها وكانت ميرال تجلس في الداخل وتعبث في هاتفها.
“أفنان بقولك أيه.”
“قولي يا ميمي.”
“هو أنتي اتعصبتي النهاردة ليه؟”
“لا أنا اتعصبت النهاردة كتير.. قصدك على أيه بالضبط؟”
“عشان حوار نوح يعني.. هو أنتي غيرتي عليه؟” سألت ميرال بصوت منخفض وقد اضطربت معالم وجهها خوفاً من سماع الرد.
“اه.. بس عشان هو زي أخويا، وبصراحة بقى اللي زي ريماس دي متستاهلش ضفر نوح.”
“زي أخوكي وبتغيري عليه؟ الجملة مش راكبة على بعضها.”
“ليه يعني؟ أي واحدة ليها أخ بتغير عليه، وبعدين ده بابا لما بيلبس بدلة وبيتشيك بغير عليه جداً.”
“بس نوح مش أخوكي يا أفنان..”
“تاني يا ميرال؟ قولتلك نوح زي أخويا وياريت تشيلوا الحوارات دي من دماغكوا.” اردفت أفنان بنفاذ صبر وهي تضع ثيابها داخل الدولاب.
“بقولك ايه ما تسلفيني البلوزة الجديدة بتاعتك اروح بيها التدريب بكرة.”
“لو وقع عليها نقطة من المواد الكيميائية بتاعتك دي هزعلك!”
“أعوذ بالله على الإخوات لما ياكلو في بعض.” قالت أفنان بنبرة درامية.
في صباح اليوم التالي ذهبت أفنان إلى الشركة وقد قفز إلى عقلها رحيم ووجهه الحزين في المرة السابقة، شعرت بآلم في الرأس لذا قررت الذهاب إلى المقهى الصغير الملحق بالشركة، يالها من رفاهية ولكن الأمر منطقي كشركة كبيرة كهذه.
“بعد إذنك عايزة كوباية قهوة.”
“عايزاها اسبريسو ولا موكا ولا كابتشينو؟” سألت الفتاة لتجفل أفنان لدقيقة ثم تقول:
“قهوة.. قهوة عادية.. ماية وقهوة وسكر وكده.”
“حاضر.”
“دكتور رحيم.. حضرتك تشرب أيه؟”
“هاتيله قهوة زي وعلى حسابي.” قالت أفنان بلطف لينظر نحوها ببعض الدهشة.
“بس دكتور رحيم مبيحبش القهوة دي.”
“لا أنا هشربها تمام.” ابتسمت أفنان بإنتصار قبل أن تذهب لتجلس وتضع أغراضها في انتظار القهوة ليأتي ويجلس أمامها.
“القهوة مرة أوي وأنا مش بحبها.. بس هشربها عشان أنتي طلبتيها.”
“هتعجبك المرة دي متقلقش، شكلك زعلان.”
“مخنوق وزهقان شوية..” اردف وهو يخطف نظره نحو الساعة الذكية التي يرتديها في يده اليسرى.
“حياة الأغنيا دي صعبة جداً ربنا يكتبها علينا.” قالت بمزاح لترى شبح ابتسامة على وجهه ثم يقول بسخرية:
“صدقيني لو عشتي حياتي دي مش هتعجبك..”
“أوبا هندخل بقى في محاضرة في الحقد الطبقي.” قهقه رحيم حتى اختفت عيناه ثم قال وسط ضحكاته:
“هو أنتي بتجيبي الكلام ده منين؟ لا Seriously يعني؟”
“معرفش.. صدقني مبفكرش كتير أنا بقول ايه، بقول اللي بيجي على لساني.”
“عارفة هو أنتي غالباً بتقولي كلام دبش يعني بس أحلى حاجة أنك مش Fake ‘مزيفة’ ” لم تجد أفنان رداً على ما قاله وشعرت ببعض التوتر.. لعنت نفسها داخلياً فهي لم تكن تتأثر بكلمات أحدهم بهذا الشكل.
“القهوة يا فندم.” وضعت الفتاة أكواب القهوة أمامهم لينظر نوح بقلق وإشمئزاز نحو الكوب البلاستيكي.
“أنت هترجع ولا ايه؟”
“لا.. مش متعود اشرب في حاجة غير كوبايتي أو فنجاني عشان بقرف أوي.”
“لا حول ولا قوة إلا بالله.. طب اشرب يا رحيم اشرب.” ارتشف من الكوب لتنقلب تعابير وجهه كلياً وكأنه على وشك التقيؤ.
“دي بطعم مرار الأيام وسواد الليالي.” اردفت أفنان وهي تقهقه فلقد كانت القهوة سيئة بالفعل.
“ممكن تقوليلي سعر القهوة؟”
“قولتلك أنا اللي عازمة يا هندسة.”
“هندسة برضوا؟ وبعدين لا مش المفروض اسيبك تدفعي.”
“اه عشان أنت الراجل بقى وكده؟” سألت بحنق.
“ذوقياً.. ولكن لو على الطريقة الإنجليزية فكل واحد يدفع لنفسه.” تحدث بنبرة هادئة مع ابتسامة صغيرة.
“خلاص.. نمشيها إنجليزي.” دفع كلاً منهم الحساب واتجهت أفنان نحو السُلم بحركة مُباغتة وتركض بأقصى سرعتها ليفعل هو المثل بفزع دون أن يدري ماذا يحدث..
وصلت إلى الطابق الثاني لتقف وهي تتتفس بقوة ويتخلل تنفسها ضحكات متقطعة.
“أفنان!! Are you crazy؟” سأل رحيم بعصبية وأنفاس متقطعة.
“لا بس أيه رأيك في الحركة الأكشن دي؟” نظر نحوها بغضب ولم يتفوه بحرف.
“طب أنا هضطر أمشي بقى عشان اتأخرنا عالمحاضرة.” قالت ثم تحركت نحو القاعة لتتركه يقف وحيداً، ينظر إلى ساعة يده فيدرك أنه قد تأخر بالفعل.
تقتحم أفنان القاعة منتظرة دخول رحيم من خلفها، لم تهتم كثيراً لتأخرها طالما أن المحاضر الذي هو نفسه رحيم لم يأتي بعد، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.. فلقد فوجئت أفنان بأن هناك شخصاً آخر بالداخل.. شخصاً يعشق الهدوء والإلتزام ويكره المزاح والتأخير..
“نوح!!!!!”
________________________________
تذكره:(اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل.)
أطول شابتر كتبته لحد دلوقتي
رحيم ونوح في نفس المكان.. أن أن أن *موسيقى تصويرية*
ايه رأيكوا في الأحداث؟
شخصية ريماس؟
شخصية والدة أفنان؟
شخصية عمتها وجدتها؟
والدة رحيم ؟
#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_الفصل السابع: غَضَبٌ وَاِسْتِيَاءٌ
“نوح!!!!!” صدح صوت أفنان في القاعة وتعابير الصدمة باديه عليها، يفتح نوح عينيه على مصرعيهما ثم يضرب وجهه بيده.. تتوتر معالمها ويزداد الأمر سوءاً حينما يدلف رحيم إلى القاعة بإندفاع ويكاد يصطدم بأفنان لكنه يتوقف قبل أن يصدمها ولكنه يصدم كتفه بالباب.
“يلاهوي.. أنا أسفة..” قالت لرحيم ثم وجهت نظرها لنوح الذي رفع أحدى حاجبيه بنفاذ صبر.
“أنا اسفة جداً يا دكتور عالتأخير وعاللي حصل ده…”
“اتفضلي مكانك يا دكتورة.” قال بنبرة صارمة لتهرول نحو الداخل وتجلس في صف شبه فارغ، الجميع مازال ينظر نحوها ونحوهم لتشعر بوجنتها تشتعل حمرة وهذا نادراً ما يحدث! فأفنان ليست من النوع الذي يسيطر الخجل عليه.
“دكتور نوح.. أنا دكتور رحيم، اللي كنت مسئول عن التدريب قبل ما حضرتك تشرفنا.”
“اهلاً وسهلاً بحضرتك.” رحب به نوح بآدب ليصافحه رحيم برسمية، بينما اختبئت أفنان أسفل الفتى ذو القامة الطويلة أمامها وهي تلعن حظها السيء.. نوح ورحيم في المكانه ذاته!
انتهت فقرة التعارف وكان من المفترض أن يغادر رحيم القاعة ويذهب لعمله لكنه قرر الجلوس لبعض الوقت ليرى كيف يقوم نوح بعملية الشرح، كان يبدو من جلسته أنه غير مرتاح؛ بالطبع فلقد كان الفضول ينهشه نهشاً ليعرف ما علاقة أفنان بنوح.. ولما انصدمت لتلك الدرجة عند رؤيته؟!
حاولت أفنان جاهدة أن تصب تركيزها على الشرح بدلاً من التفكير في ما سيحدث فيما بعد حينما يسألها نوح من يكون رحيم الذي تبعها نحو الداخل وحينما يسألها رحيم من يكون نوح.
“كده يا دكاترة محاضرة النهاردة خلصت.. ده رقم تليفوني لو حد عنده أيه سؤال أو استفسار.” اردف نوح بنبرة هادئة قبل أن يكتب رقم هاتفه بواسطة القلم ال ‘Marker’
“اتفضلوا يا شباب على المعامل والدكاترة هيحصلوكوا.” اومئ الجميع بما فيهم أفنان التي توجهت سريعاً نحو الخارج، تبعها نوح ورحيم.
“أفنان..” جاءها صوت نوح لتقف وهي تُغلق عيناها بضييق قبل أن تلتفت لتواجهه.
“نعم؟”
“دكتورة أفنان.. اتفضلي عالمعمل بتاعك لو سمحتي.” كان هذا صوت رحيم الذي اقتحم المحادثة التي كانت على وشك أن تبدأ لتحمد الله داخل نفسها.
“معلش يا دكتور نوح أصل الشرح هيبدأ.”
“لا يا دكتور مفيش حاجة.” قال نوح بآدب وحاول كتم غيظه.
توجهت أفنان نحو المعمل وتوجه رحيم إلى المكتب حيث يجتمع سائر المُدربين.
“معلش يا دكاترة أنا عايز ادرب عملي.”
“غريبة يا دكتور رحيم.. ده احنا اتحايلنا عليك تاخد مجموعة من المجاميع بس أنت رفضت.”
“غيرت رأي، عندك مانع؟”
“لا معنديش.. ممكن تاخد..” صمت لبضع ثوانٍ وهو يفكر وفي الوقت ذاته ينظر إلى المجموعات وخطة التدريب.
“ممكن تاخد المجموعة التالتة.”
“لا، أنا هدرب الجروب الخامس.”
“واشمعنا الخامس يعني؟” سأل أحدهم بنبرة فضولية ليزفر نوح بضيق قبل أن يجاوب سؤاله بسؤال آخر.
“هو تحقيق يا دكتور ولا ايه؟”
“لا العفو يا دكتور.. خلاص تمام هحط حضرتك في المجموعة الخامسة.” ابتسم رحيم برضى وهو يرى اسمه يوضع بجانب المجموعة حيث توجد أفنان.
“مساء الخير يا جماعة..” اردف نوح فور إقتحامه المكتب لينظر نحوه رحيم بطرف عيناه.
“ايه مساء دي يا دكتور نوح؟ ده احنا الضهر.” تحدث أحدهم بسخرية وهو يبتسم.
“ما هو عشان احنا الضهر يا جاهل بقينا PM خلاص.” قال رحيم بحنق مُفسراً الأمر بدلاً من نوح.
“بعد إذنكوا أنا كنت عايزة ادرب جروب من جروبات العملي.”
“هو كله عايز يشتغل في العملي النهاردة؟ ما كنا بنتحايل على الكل، عايز مجموعة معينة بقى؟” سأل بنبرة مزيج من السخرية والجدية.
“ممكن أشوف القوائم وعددهم وكده.. وهختار واحدة، لو متاح يعني.” أخذ نوح يتجول بعيناه بحثاً عن اسمها حتى وجدها اخيراً.. في الصفحة الأخيرة؛ المجموعة الخامسة.
“ممكن أخد المجموعة الخامسة.” قال نوح ليعتدل رحيم في جلسته ويرفع أحدى حاجبيه في إعتراض.
“هو كله عايز المجموعة دي ليه؟!”
“هو في حد تاني عايز يبدل وياخدها؟”
“أنا.” اردف رحيم بثقة شديدة ليُغمض نوح عيناه محاولاً التحكم في تعبيرات وجهه وأعصابه كذلك.
“طب في إمكانيه إننا نبدل؟”
“لا.. Sorry، عن إذنكم.” تفوه بها رحيم وهو يستقيم من مقعده ويضبط بذلته ويغادر المكان سريعاً دون أن يسمح لنوح بالرد.
“ده أنت مستفز.” همس بها نوح من بين أسنانه.
ولو أول مرة تقريباً كانت أفنان شاردة معظم الوقت أثناء الشرح أو بمعنى آخر هي تستمع لما يُقال وتكتب ملاحظات وترى بعينيها التفاعلات وكيفية عمل الأشياء لكن عقلها لم يستطع ترجمة اياً من ذلك، لا تدري هل من حسن حظها أم من سوء حظها أن الذي يقوم بعملية الشرح قد انتهى؛ فهي تشعر بآلم شديد في رأسها وفي الوقت ذاته لا تدري ماذا سيحدث..
غادرت أفنان المعمل وتوجهت نحو الطابق الأرضي ومنه كانت على وشك المغادرة فهي لا تدري هل نوح سيرحل الآن أم لا.
“أفنان.. Wait ‘انتظري’.” أوقفها صوت رحيم لتصفع نفسها داخلياً لكنها تلتفت وتنظر إليه بإبتسامة صغيرة.
كنت عايز اقولك Thank you على ال Coffee وأننا اتكلمنا يعني.” قال بنبرة مُهذبه واثقة مع لكنة إنجليزية ثقيلة.
“على أيه بس.. وبعدين ده أنت اللي دافع لنفسك اساساً أنت نسيت؟”
“مش مهم مين اللي دفع.. مش ده قصدي اصلاً.”
“عالعموم You’re welcome عشان تعرف بس أني مثقفة وبتاعت لغات.” اردفت بمزاح وهي تضحك لكن سرعان ما تختفي الإبتسامة فور رؤيتها لنوح يغادر المصعد.
“الناظر جه..” همست بصوتاً منخفض لينظر نحوها رحيم بتعجب محاولاً فهم ما تقوله.
“طيب.. أنا لازم امشي.. سلام.” قالت وتحركت سريعاً مُبتعدة عن رحيم؛ ليس وكأنها تخاف من نوح.. فهي لم تُخطئ في أي شيء كل ما في الأمر أنها تحاول تجنب المتاعب والشجار قدر الإمكان.
“دكتورة أفنان استني.” بنبرة رسمية تحدث نوح لتقف مجدداً قبل المغادرة وهي تكاد تُجزم أن الباب الذي يُفتح تلقائياً على وشك أن يُسبها من كثرة اقترابها وابتعادها عنه كل ثانية.
“نعم يا نوح.”
“نعم يا نوح؟ عادي كده؟”
” لا.. بالمكسرات، عايز ايه يا نوح اخلص.” قالت أفنان بضيق وهي تزفر.
“وطي صوتك ده اولاً، ثانياً بقى متكلمنيش كده قدام الناس وثالثاً….” تحدث نوح بنبرة جادة وشبه غاضبة لتقلب أفنان عينيها بتملل.
“هو لسه في ثالثاً؟ لا بقولك ايه نتناقش في العربية بقى عشان رجلي وجعتني من الوقفة.”
“اتفضلي.” قال لتتجه إلى الخارج ويلحق بها، تدلف إلى داخل السيارة بعد أن يفتح لها الباب وهي تستعد نفسياً لشجار لا داعي له من الأساس.
“ممكن اعرف بقى ايه العبث اللي بيحصل ده؟”
“عبث؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.” قالت وهي تضحك ليزداد امتعاض وجه نوح.
“أفنان كفاية استفزاز وبرود!”
“أنا مش باردة.. أنا بس بتكلم بهدوء لكن أنت اللي متعصب.”
“ممكن اعرف مين ده؟ وبتتكلمي معاه بصفته مين؟!”
“اولاً يا نوح مش من حقك تعلي صوتك عليا، ثانياً بقى ده دكتور وبيشرحلنا ومفهاش حاجة لما اتكلم معاه أو استفسر عن حاجة في الشرح.” تحدثت أفنان بنبرة صارمة وجادة لم يعتد نوح أن تستخدمها معه.
“ووقفتكوا دي بقى كانت استفسار؟ كنتي بتستفسري عن ايه بقى إن شاء الله؟!” سأل نوح وقد ازدادت نبرته في الحده.
“وأنت مالك؟”
“هو أنتي بتتكلمي جد؟”
“اه بسأل بجد والله.. ده يخصك في أيه يعني؟” سألت أفنان بحنق وقد ارتفع صوتها نسبياً.
“عندك حق.. أنا أسف.” اردف نوح ثم دعس على البنزين بقوة لتتحرك السيارة بإندفاع وتكاد تصطدم أفنان ‘بالتبلوه’ الخاص بالسيارة.
“أنت اتجننت يا نوح؟ لو هتسوق كده يبقى تنزلني!”
“أنا أسف.. مكنش قصدي، حطي الحزام.” نفذت ما قاله دون أن تنبس ببنت شفة وقد ضمت حاجبيها في غضب، ساد الصمت طوال الطريق حتى توقفت سيارته أمام منزلها.
“سلميلي على خالتو.”
“يوصل.” قالت وهي تغادر السيارة وقد قررت أن تُغلق بابها بعنف لكنها تراجعت رأفة بالسيارة التي لا ذنب لها في كان نوح وغد.
طرقت الباب ببعض العنف لتفتح لها والدتها بقلق.
“ايه يا بنتي هتكسري الباب!” لم تعلق أفنان وتوجهت إلى غرفتها مباشرة فتلحق بها والدتها.
“مالك يا بنتي؟ وشك مقلوب ليه؟”
“مفيش.. مُرهقة وعايزة أنام.”
“لا استني أبوكي وأختك على وصول نتغدى كلنا سوا.”
“أنا هريح شوية ولما يبقوا يرجعوا ابقي صحيني.”
“على راحتك.” اردفت والدتها بعد أن اطلقت تنهيدة قبل أن تتجه نحو الخارج، تُبدل أفنان ثيابها وتتمدد على السرير خاصتها وهي تُفكر في كل ما حدث اليوم.. لم يكن الأمر يستدعي كل هذا الغضب والشجار، لكن نوح قد اثار غضبها حينما سمح لنفسه بتخطي المساحة التي رسمتها أفنان..
في وقت الغداء كان والد أفنان شارد على غير العادة، لم يُنهي حصته من الطعام كما كان يفعل في السابق.. شعرت أفنان بغصة في حلقها وهي ترى والدها بهذا الشكل..
“أنت كويس يا بابا؟”
“اه يا حبيبتي.”
“طب أيه يا حمادة مخلصتش طبقك ليه؟” سألت بمزاح وهي تحاوط والدها بذراعيها.
“شبعت يا حبيبتي…” اردف بلطف ثم غادر الطاولة لتختفي ابتسامة أفنان وتتبدل بحزن وقلق.
“ماما.. هو في حاجة جديدة حصلت؟”
“لا.. لكن الشهر الجديد خلاص هيبدأ وأبوكي قلقان من موضوع الفلوس ده..”
“يا رورو متقلقيش إن شاء الله هتدبر.. وبعدين يعني أنا وميرال كبرنا خلاص؛ يعني مش هنحتاج لبس مدرسة ولا شنطة مدرسة..”
“ايوا يا ماما وبعدين ما أنا بدأت شغل وإن شاء الله هسند معاكوا.”
“ربنا يخليكوا يا حبايبي.. المهم متشغلوش بالكوا أنتوا بالموضوع ده.” قالت والدتهم مع إبتسامة ممزوجة بالآسى، تذهب أفنان إلى حجرتها هي وشقيقتها وتتمدد على السرير وهي تزفر بضيق.
“مالك أنتي كمان في أيه؟”
“مفيش.. اتخنقت أنا ونوح.” اعتدلت ميرال في جلستها وسألتها بلهفة قائلة:
“اتخانقتي معاه ليه؟ أكيد زعلتيه صح؟”
“أهو ده اللي كنت عاملة حسابه، كله هيقف في صف نوح.”
“ما هو عشان أحنا عارفينك وعارفين نوح.. أكيد استفزتيه.”
“ده حقيقي فعلاً.”
“وليه بقى يا مُستفزة؟”
“عشان هو بيتحشر في اللي ملهوش فيه.. عملي حوار من اللا شيء حرفياً.” اردفت أفنان بإنزعاج، لتنظر نحوها ميرال ببعض الإمتعاض.
“وبعدين هتعملي ايه بقى؟ هتصالحيه طبعاً”
“اه هصالحه اه.. أنتي عبيطة يا ميرال؟ ده هو اللي غلطان اصلاً.”
“لا مش هو.” قالت بنبرة طفولية لتضحك أفنان على سخافتها وتقول:
“طب كلفي خاطرك واسأليني اتخانقنا ليه بدل ما أنتي داخله تدافعي وخلاص.” اردفت أفنان من وسط ضحكاتها لكنها تذكرت أنها لم تُخبر ميرال بشأن تحدثها مع رحيم في الأيام الماضية؛ جيد شجاراً آخر..
“اه صحيح اتخانقتوا ليه؟”
“هاه؟ ايوا يا ماما جايه.” لبت أفنان نداء والدتها الوهمي فوالدتها لم تذكر اسمها من الأساس لكنها فعلت ذلك لتهرب من إخبارها بالسبب الحقيقي للشجار..
للنتقل إلى داخل قصر حامد البكري، يجلس رحيم في غرفته وكأنه طير محبوس داخل قفص؛ فوجود والدته في المكان ذاته هو أشبه بالسجن..
فهو لا يمكنه أن يُقدم على فعل أي شيء دون سماع توبيخاً منها والذي عادة ما يكون باللغة الإنجليزية وباللكنة الثقيلة خاصتها.
“دكتور رحيم الهانم الكبيرة بتنده لحضرتك.” قالت الخادمة بعد أن طرقت الباب بخفة للتنبيه لكنها لم تدخل الغرفة.
“حاضر.. قوليلها أني نازل.” اردف رحيم وهو يستقيم من سريره، ينظر في المرآة فيجد أن خصلات شعره الأسود مُبعثرة فيُعيد ضبطها ويتأكد أن ثيابه تبدو جيدة قبل أن يتوجه إلى الخارج.
“رحيم.. تعالى هنا.” جاءه صوت والدته فور أن رأت خياله على الدرج.
“أمرك يا مامي.” قال ثم ذهب إلى الصالون ذو الأثاث الراقي باهظ الثمن، كان معظمة كلاسيكي ذو طراز إنجليزي أصيل، يجلس أمام والدته بهدوء تام.
“أيه رأيك في ال Beauty Queen ‘ملكة الجمال’ دي.” أمسك رحيم بهاتف والدته ذو الإصدار الحديث لتقع عيناه على صورة فتاة إنجليزية بالطبع، ذات خصلات شعر شقراء قد شقت بعض الأمواج طريقها إليها وزوج من العيون الزرقاء.
“أوه.. She is so pretty ‘إنها غاية في الجمال’ فعلاً..”
“طبعاً.. وهو ينفع اصلاً رأيك يبقى مُخالف لرأي؟”
“لا طبعاً..”
“أنت عارف إن اسمها على اسمي؟ إيڤلين.”
“لا مكنتش اعرف.. بس ممكن اسأل ايه الغرض من الكلام عن البنت دي؟”
“الغرض أنك هتقابلها.. وهتتعرفوا على بعض.” ضم حاجبيه بمزيج من الدهشة والإمتعاض قبل أن يقول:
“أمتى وليه؟”
“في إنجلترا.. ما أنت هتسافر هناك قريب.” اردفت بنبرة واثقة وكأن ما تقوله هو ‘تحصيل حاصل’
“بس أنا مش عايزة أسافر..”
“من أمتى يا رحيم ورأي حد غيري هو اللي بيمشي؟” سألت بنبرة واثقة وهي ترفع أحدى حاجبيها ليحمحم رحيم ثم يُردف:
“مش قصدي يا مامي أكيد.. لكن أنا مقدرش اسيب الشغل هنا وأسافر.”
“دي هتبقى أجازة For one month or something ‘لشهراً واحداً أو شيء من هذا القبيل’ “
“حاضر يا مامي.. هنشوف وقتها، عن إذنك.” قال نوح ونهض متوجهاً إلى حجرة المكتب خاصة والده.
“بابي، بعد إذنك عايزك في موضوع مهم.” اردف رحيم بإندفاع فور دخوله الحجرة ليُشير له والده بأن ينتظر فيُدرك رحيم أنه يتحدث بالهاتف.
“تمام.. خلاص أنا هشوف الموضوع ده.. مع السلامة، تعالى يا رحيم أقعد.”
“شكراً.. بابي كنت عايز حضرتك في موضوع.”
“أكيد اتفضل.. يا رحيم.”
“أنا تعبت من أسلوب مامي.. بتتحكم في كل حاجة وبتفرض عليا حاجات أنا مش عايزها وأنا مبقتش صغير!!!” بصق رحيم كلماته دفعة واحدة غير تاركاً مجال لإجابة والده أو ليتنفس هو شخصياً.
“اهدى بس يا رحيم، هو أنت أول مرة تتعامل مع والدتك يعني؟ ما أنت متعود على أسلوبها.”
“ايوا اتعودت بس أنا خلاص تعبت..” بنبرة مليئة بالخيبة والحزن قال رحيم لينظر نحوه والده بآسى ثم يُردف مع ابتسامة صغيرة:
“خدها على قد عقلها يا رحيم.”
“يعني ايه؟”
“يعني قولها أنك موافق عاللي هي عايزاه وأوعدك أني مش هخليها تغصبك على حاجة.”
“بدماغها الإنجليزية دي؟ أشُك.”
“خليك واثق فيا يا ولد، وبعدين المشكلة دي كلها بسبب أيه بقى؟” اردف والده وهو يُشعل لفافة تبغ بُنية عريضة فاخرة.
“عايزاني أسافر إنجلترا..”
“وأيه وجه الإعتراض؟ عايز تسافر فرنسا مثلاً؟ اللي أنت عايزه يا حبيبي.”
“لا.. الإعتراض إنها عايزة تفرض عليا بنت من هناك.. معنديش فكرة هي تعرفها منين، لكن أنا رافض.” ادرف رحيم ثم زفر بضيق..
“وأنت رافض ليه؟ مش يمكن البنت تطلع كويسة وتعجبك؟”
“اولاً She is not my type ‘ليست نوعي المُفضل’.. ” كاد رحيم أن يُكمل لكن قاطعه والده قائلاً:
“والله وكبرت يا رحيم وبقى ليك type.”
“أكيد يا بابا.. Everyone has a type، زي ما حضرتك بتحب الشعر الفاتح كده واللكنة الإنجليزية والطباع الصارمة.”
“ويا ترى ايه ال Type بتاعك بقى؟”
سأل والده وعلى الفور قفزت إلى عقله ملامح أفنان العربية الأصيلة، الحواجب الكثيفة السوداء، مع زوج من العيون الكحيلة الحادة، حتى تلك الحبوب التي اتخذت موضعاً في وجنتها قد جعلت ملامحها مميزة.. لكن تلك الفتاة الآخرى؛ إيڤلين.. هي ايضاً جميلة.. لكنها تُشبة دمية باربي من وجهه نظره.
“حضرتك هتشوفه بنفسك في يوم من الأيام.. وإحتمال يبقى قريب كمان.” قال وهو يقهقه بمزاح.
“ماشي يا سيدي اديني مستني على احر من جمر، على العموم متشغلش بالك بموضوع البنت دي.”
“حاضر.. شكراً يا بابي.” اردف رحيم وهو يستقيم من موضعه ويذهب نحو والده ليعانقه بلطف ويبادله الآخر.
مر يوماً كاملاً حتى جاء موعد التدريب وقد تحفزت أفنان لأنها ستقابل نوح في الشركة بعد ما حدث بينهم منذ يومان، لم يحاول مُراسلتها وهي لم تفعل بالطبع… وصلت إلى مقر الشركة وقد كان الإستياء بادٍ على ملامحها، وصلت إلى الطابق المنشود وأخذت تسير بخطوات مُسرعة نحو وجهتها لكنها توقفت حينما مر رحيم من جانبها.
“صباح الخير يا دكتور.” اردف رحيم مع إبتسامة صغيرة وقد قال ‘دكتور’ بحذف التاء المربوطة لأنه ببساطة قالها بالإنجليزية وليست بالطريقة المُعربة.
“صباح النور يا دكتور برضوا.” ردت التحية مع إبتسامة صغيرة.
“يلا ادخلي عشان متتأخريش.. See you soon ‘اراكِ قريباً’. ” قال ثم غادر لتتسع ابتسامتها قليلاً ثم تُكمل نحو وجهتها.
كانت القاعة شبه فارغة فيما عدا خمسة طلاب تقريباً، جلست أفنان في الصف الأول لغرض ما في رأسها.. فهي لن تجلس في الخلف وتحاول التخفي من مواجهة نوح فهي ليست بهذا الضعف، بعد عشرة دقائق تقريباً بدأ المكان في الإزدحام ودلف نوح إلى القاعة والذي بمجرد أن وصل أخذ يبحث بعيناه عنها في الصفوف الخلفية ولم يلحظ المُغفل أنها تجلس أمامه مباشرة.
“صباح الخير يا دكاترة، هنتكلم النهاردة في الشرح عن المسكنات أو ال Ananlgesia” انتبهت أفنان للشرح كثيراً وأخذت تدون بعض الملاحظات فهي لا تأمن غدر نوح فقد يسألها أي سؤال بغتة ويقوم بإحراجها أمام الجميع، فلقد فعلها عدة مرات في الجامعة.
انتهى الجزء الخاص بنوح بعد ساعة تقريباً وأكمل مُدرب آخر لمدة نصف ساعة إضافية، توجه الجميع نحو المعامل في إنتظار الجزء العملي.. جلست أفنان تعبث في هاتفها بملل حتى يأتي المُدرب لكن حاسة الشم القوية خاصتها أرغمتها على رفع عيناها بحثاً عن صاحب الرائحة التي عطلت المكان بأكمله..
“رحيم؟!” همست بها بإندهاش وهي تراه يرتدي المعطف الأبيض ويدخل المعمل وعلى وجهه ابتسامة جعلت مُعدل نبضات قلبها يرتفع قليلاً دون سبب واضح، تتسع إبتسامته عندما يقرأ شفتيها فيُدرك أنها ذكرت اسمه بهمس.
“مساء الخير يا دكاترة، أكيد كلكوا عارفني أنا دكتور رحيم.. اشتغلت فترة معاكوا في النظري وحبيت كمان نشتغل عملي سوا.” تحدث بنبرة هادئة بينما لم تُفارق عيناه عين أفنان التي سُرعان ما توترت ونظرت إلى الجهه الآخرى ثم وبخت نفسها؛ عاودت النظر نحوه بأعين واثقة بينما تستمع إلى ما يقول.
صدح في المكان صوت أغنية لأحد الفنانين الذكور والتي كانت ذو موسيقى صاخبة بعض الشيء ليلتفت الجميع نحو مصدر الصوت؛ أفنان.. أو بمعنى آخر هاتف أفنان..
“أنا أسفة جداً يا دكتور.” قامت برفض المكالمة والتي كانت من شقيقتها ميرال، تلك الحمقاء هي تعرف جيداً أن أفنان في التدريب، مرت دقيقة لتعاود ميرال الإتصال مرة آخرى واسكتت أفنان الهاتف مجدداً لتكرر ميرال المحاولة للمرة الثالث، لكن هذه المرة قد تسرب شعور القلق إلى قلب أفنان، فليس من عادة ميرال أن تُكرر الإتصال وايضاً من المفترض أن تكون ميرال في العمل الآن..
“دكتورة أفنان.. ممكن تخرجي تردي، هناخد كلنا بريك خمس دقايق يا دكاترة بس ياريت محدش يخرج برا المعمل.” هرولت أفنان إلى خارج القاعة لتتحدث إلى ميرال في الهاتف، حاول رحيم أن يُحافظ على خصوصيتها لكنه في النهاية استسلم لتلك الخصلة السيئة في بني آدم وهي “الفضول”.
وقف رحيم بالقرب من باب المعمل بينما تحدثت أفنان في الهاتف بتوتر:
“ايوا يا ميرال.. في حاجة ولا أيه؟”
“بكلمك كتير مردتيش.”
“ثواني بس هو مش المفروض أنك في الشغل؟ وأيه الدوشة اللي جنبك دي؟”
“بابا..”
“ماله بابا؟” سألت أفنان بصوتٍ عالٍ وبرعب، ينتبه رحيم ويقترب منها قليلاً.. لتُجيبها الآخرى:
“اهدي بس.. هو ضغطه عالي شوية..”
“طب أيه؟ هو كويس يعني؟ أيه اللي حصل؟”
“تيتا كلمته وبتطلب منه حاجات يجبهالها قالها أنه مش معاه فلوس دلوقتي.. اتخانقت معاه جامد وهو فضل يزعق ويقولها أن المصاريف زادت عليه وأن هو مش عارف حتى يصلح عربيته.. ده اللي عرفته.. في الآخر يعني ضغطه عِلي جامد وصحابه نقلوه المستشفى..”
“مستشفى؟؟!! أنا جايه حالاً.. ملعون أبو الفلوس اللي تعمل في أبويا كده…ابعتيلي اللوكيشن بسرعة..”
اردفت بنبرة مزيج من الغضب والإنكسار قبل أن تُغلق المكالمة سامحة لدموعها الدافئة التي حبستها بالإنهمار.. أخذت نفس عميق بينما يحاول عقلها إستيعاب ما يحدث.. عليها أن تأخذ الأذن من رحيم وترحل من هنا في الحال، تنفست الصعداء ثم كفكفت دموعها بيديها..
لا يجب أن يراها أحد وهي تبكي..
ألتفتت لتذهب إلى المعمل لكنها فوجئت برحيم في مواجهتها تماماً بينما يفصل بينهم مسافة صغيرة….
____________________________
تذكره:( اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهمَّ اغفر لنا ما مضى وأصلح لنا ما تبقى .)
وبكده يبقى خلص الشابتر بتاعنا
أسفة عالنكد اللي في الآخر بس مقدرتش منكدش بصراحة + شابتر طويل أهو عشان متقولوش حاجة
رأيكوا في الأحداث؟
نوح وأفنان؟
الخناقة بتاعتهم ؟
رحيم وأفنان ؟
#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_
بحبكوا اد الدنيا كلهاااااا + باااي
الفصل الثامن: رَقْمُ هَاتِفُ
ألتفتت لتذهب إلى المعمل لكنها فوجئت برحيم في مواجهتها تماماً بينما يفصل بينهم مسافة صغيرة..
“يلا بينا عالمستشفى.. هاتي اللوكيشن.”
“حاضر.. لا استنى بس.. عايز اللوكيشن ليه؟” كانت على وشك التحرك لكنها انتبهت لما يقوله.
“لسه هتفكري؟ يلا بسرعة هوصلك بعربيتي.”
“لا طبعاً مش هينفع.. فين نوح؟” امتعض وجه رحيم على الفور لكن لا وقت للشعور بالغضب أو بتلك الغصة في حلقه الذي لا يعلم سببها، هو يريد مساعدتها لذا سحبها من معطفها نحو المكتب الذي يجمع المُدربين..
“تعالي نشوفه هنا.” أقتحمت أفنان الغرفة ومن خلفها نوح لتُفاجئ بالمُدربين مُلتفون حول أحد المكاتب وأمامهم العديد من الشطائر، انتبه جميعهم وقد ظهر الإرتباك على وجههم لرؤية رحيم والذي كان ينوي أن ‘يخرب بيتهم’ لو كان أكتشف مثل هذا الأمر في ظروفاً آخرى لكن لا وقت لهذا الهراء الآن.
“فين دكتور نوح؟”
“مش عارف… لسه خارج من هنا..” اردف أحدهم وهو يحاول إبتلاع ما في فمه من قضمات بحجم الفيل بالإضافة إلى قطعة أو اثنتين من المُخلل.
غادرت المكتب وهي تتأفف بينما رمقهم رحيم بنظرة نارية قبل أن يلحق بها نحو الخارج، بحثوا عنه في بضع أماكن آخرى سريعاً.. وفجاءة تذكرت أفنان أن العلم تقدم وأن هناك اختراع يُسمي ‘هاتف خلوي’ لذا قامت بالإتصال به.. لم يُجيب.. كررت المُحاولة فأغلق المُكالمة ‘كنسل’ .. عاودت الإتصال للمرة الأخيرة فوجدت الهاتف مُغلق.. عبس وجهها قليلاً وهي تبتلع الغصة التي في حلقها، إنها في أمّس الحاجة إلى نوح والأمر طارئ لكنه قرر تجاهلها بسبب شجار سخيف حدث بينهم..
“يلا بقى عالعربية ربنا يهديكي” اردف رحيم ثم تنهد لتومئ أفنان ثم تفيق من شرودها وتقول:
“لا طبعاً، انت عبيط؟”
“اومال هنروح ازاي؟ مش وقته الجنان وطولة اللسان بتاعك ديه خالص!” تلفظ رحيم بنفاذ صبر وبصوت عالي نسبياً.
“هطلب اوبر.”
“هتركبي مع سواق اوبر الغريب عشان خايفة تركبي معايا؟ هو أنتي Normal يا بنتي؟”
اولا انا مش خايفة وبعدين ثواني.. هو انت شايف اني في ظرف يسمح بالخناق والهبل اللي احنا بنعمله ده؟!”
“الحقيقة لا.. خلاص يلا ننزل تحت وانا هطلب اوبر بس ابعتي اللوكيشن..”
“هات رقمك طيب..” قالت أفنان لتظهر ابتسامة جانبيه على شفته ثم منحته هاتفها ليدون رقمه ثم أخذته سريعاً لتبعث له رسالة تحوي الموقع على جهاز الملاحة.
“وصلك كده المفروض..”
“تمام طلبت.. الكابتن فاضله دقيقتين يلا عقبال ما ننزل.” اومئت أفنان بإستسلام ثم هرولت نحو السُلم، لا وقت لإنتظار المصعد.
بالفعل وصلت السيارة في خلال دقيقة تقريباً لتتجه نحوها أفنان بسرعة لكن يسبقها رحيم ويقوم بفتح الباب الخلفي سامحاً لها بالدخول.
“يا عم اخلص مش وقته جنتله!” وبخته أفنان ليهز رأسه بإستنكار ثم يركب في المقعد الأمامي إلى جانب السائق، استغرقت المسافة تقريبا خمسة وأربعون دقيقة حتى وصلوا إلى وجهتهم، بينما كانت أفنان صامته طوال الطريق لا تفعل أي شيء غير الدعاء وقراءة ما تيسر لها من القرآن.
“كده أحنا وصلنا يا فندم هي دي المستشفي.” اردف السائق ليشكره رحيم وتحاول أفنان أن تختلس النظر إلى تكلفة الأجرة فيُخبرها رحيم:
“اسبقيني يا أفنان على جوا ولا أنا جاي وراكي.” منح السائق ثمن التوصيل ثم لحق بها إلى داخل المشفى الخاص والذي كان هناك تعاقد بينه وبين الجهه حيث يعمل أبيها، وجدها تقف قرب الإستقبال وهي تسأل عن والدها فيُخبروها أنه كان في حجرة الطوارئ لكن تم نقله إلى غرفة عادية بصورة مؤقتة حتى تسمح حالته بالمغادرة.
“أجي معاكي؟ لو مش هتحسي أنك مرتاحة أنا ممكن استناكي هنا.” اردف بلطف لتنظر نحوه بإمتنان وتقول:
“معلش خليك هنا.. ممكن حد من قرايبي يشوفك..” اومئ بتفهم لتهرول هي نحو الممر حيث أرشدتها موظفة الإستقبال، يقف هو في بداية الممر يتابعها بعينيه ثم يجلس على أحدى المقاعد المعدنية..
تصل إلى نهاية الممر فتجد شقيقتها ووالدتها، تركض نحوهم وهي وتسأل عدة اسئلة دفعة واحدة بقلق:
“بابا كويس؟ الدكتور قال ايه؟ طمنوني..”
“الدكتور طمنا وقال أن اللي حصل ده ضغط عالي.. واداله حباية تحت اللسان عشان تنزل الضغط شوية..”
“يا حبيبي يا بابا… طب يعني هو ايه اللي حصل بالضبط.”
“خناقة مع جدتك الله يسامحها بقى.. حس يا حبيبي براسه هتتفرتك،من الصداع وبعدها حس أنه مش قادر ياخد نفسه، صحابه اتلموا حواليه وجابوه على هنا..” سردت والدتها ما حدث بحزن شديد بينما انهمرت دموع ميرال في صمت وهي تسمع ما حدث مجدداً..
“طب أنا عايزة اشوفه.” قالت بلهفه لتُبلغها والدتها بالآتي:
“استني دقيقة الدكتور عنده بيطمن عليه وبعدها ندخل.”
“ماشي.. بس يعني هو فايق صح؟”
“اه يا حبيبتي فايق..”
بعد ثلاث دقائق تقريباً خرج الطبيب لتسأله أفنان مجدداً عن حالة والده فيُخبرها أنه بدأ في التحسن وسيتمكن من المغادرة اليوم مساءاً، حيث سيبقى لبضع ساعات حتى يتأكدوا أنه بخير تماماً.
توجهت إلى غرفة والدها ببطء شديد وهي تحاول أن ترسم ابتسامة على لطيفة على ثغرها حتى لا يُصيبه مزيد من التعب عند رؤية حزنها..
“أي يا بابا الدلع ده؟ بتشوف غلاوتك عندنا ولا ايه؟” قالت بنبرة مزاح ممزوجة بحنان وهي تنظر إلى وجه والدها المُرهق وعيناه الذابلة، تقترب لتجلس إلى جانبه على السرير وهي تضمه برفق وتُقبل رأسه.
“دماغي كانت وجعاني بس خلاص خفت كده.” اردف والدها مُلاطفاً اياها وإن كان يتحدث ببعض الثقل لتعبه.
“مكنش في داعي يا حبيبتي تسيبي التدريب وتيجي.. وأختك دي كمان اللي سابت شغلها.”
“ازاي يعني بس يا بابا؟ هو احنا عندنا حاجة أهم منك أنت وماما؟ في داهية أي حاجة عشانكوا.”
“ايوا يا سيدي جاتلك حبيبتك بقى.” علقت والدتها بمزاح وهي تتجه إلى داخل الحجرة ومن خلفها ميرال.
“وحبيبتي التانية جت اهي.. تعالي يا ميرال اقعدي جنبي.”
“ألف سلامة عليك يا حبيبي.” علقت ميرال وهي تُقبل يده بينما اغرورقت عيناها بالمزيد من الدموع، اندمجت أفنان داخل الجو العائلي اللطيف ونسيت تماماً أمر رحيم.. لقد تركت الشاب المسكين وحيداً بالخارج..
“طب عن إذنكوا دقيقة هشوف حاجة.” استأذنت أفنان بهدوء قبل أن تنسحب من الغرفة وتعود إلى المكان حيث تركت رحيم لكنها لم تجده، مؤكد أنه شعر بأنه قد أتم مهمته بإيصالها إلى هنا ورحل، وله كامل الحق في ذلك.. وقفت تنظر حولها لثوانٍ قبل أن تقرر العودة إلى الحجرة لكن يوقفها صوت رحيم وهو يقول:
“كنت لسه هكلمك.. كويس أني لاقيتك.” اردف بنبرة هادئة لتلفت نحوه وهي تنظر بتعجب إلى الكيس البلاستيكي في يده.
“أنا جبت Juice وشوية حاجات حلوات كده عشانك أنتي وأسرتك.” كانت نبرته ألطف ما يكون بعض النظر عن الضحكة البسيطة التي غادرتها حينما قال ‘حلوات’ لكنها سرعان ما بدلت الضحك بنظرة إمتنان وإبتسامة صغيرة..
“أنا بجد يا رحيم.. مش عارفة اشكرك ازاي والله عاللي عملته معايا النهاردة..”
“ششش.. مفيش داعي للكلام ده خالص، المهم بس أونكل يقوم بالسلامة.”
“أنت حقيقي إنسان.” اردفت لتتبادل معالم وجهه ويرفع أحدى حاجبيه وهو يسأل بإستنكار:
“كنتي فكراني حيوان ولا ايه؟”
“لا لا مش قصدي والله.. أنا قصدي إنسان جدع وشهم يعني.. بس قولت إنسان بس الأول لأن الناس دلوقتي بقت منزوعة الإنسانية..” فسرت بصدق لترتخي تعابير وجهه وترى شبح ابتسامة على وجهه قبل أن يقول:
“هعتبره مدح ف Thank you.. وياريت متقوليش شكراً تاني.”
“ماشي يا سيدي حاضر.”
“طيب أنا همشي دلوقتي.. خدي بالك من نفسك ومن باباكي وقوليله Get well soon ‘أتمنى لك الشفاء العاجل’.”
“هقول لبابا Get well soon حاضر.” علقت بسخرية وهي تضحك ليُبادلها ببسمة صغيرة قبل أن يرتدي نظارته الشمسية باهظة الثمن ويُغادر المكان.
تعود هي إلى غرفة والدها بينما وقف رحيم أمام باب المستشفي في انتظار سيارة الأجرة التي ستقوم بإيصاله إلى الشركة مجدداً، يستغرق الأمر ثلاث دقائق.. يرى السيارة فيتجه نحوها ليلمح بطرف عيناه نوح الذي يتجه نحو المستشفى، يرمقه نوح بحده بينما تظهر ابتسامة جانبية على شفة رحيم دون أن ينظر إليه.
“وده بيعمل ايه هنا إن شاء الله؟” سأل نفسه بهمس وهو يضم قبضته بغيظ قبل أن يقوم بضبط نظارته الطبية فوق أنفه بعنف.
يتجه نحو الداخل ويسأل عن غرفة زوج خالته وتُرشده الممرضة إلى مكان الحجرة في تلك الأثناء كانت أفنان قد وصلت إلى الغرفة ومنحتهم الحلوى التي ابتاعها رحيم.
“شوفتوا جبتلكوا ايه؟ عشان تعرفوا إني مدلعاكوا بس.” قالت أفنان بمزاح ليبتسم جميعهم ثم تنظر نحوها ميرال بشك وتقول:
“وأنتي لحقتي تخرجي تجيبي الحاجات دي من برا وترجعي بالسرعة دي؟”
“اه.. خدت الهليكوبتر بتاعتي من على باب المستشفى يا ظريفة.” وقبل أن تُعلق ميرال سمعوا طرقات خفيفة على باب الحجرة لتقول والدتها:
“اتفضل.” يدخل نوح لتتجهم أفنان وتُشيح بنظرها عنه.
“ألف سلامة على حضرتك يا عمو.. طمنيني يا خالتو ايه الاخبار ؟”
“احنا كويسين يا ابني الحمدلله على كل حال.” اردفت والدتها بإنكسار لتقفز أفنان من مقعدها فور سماعها لصوت ونوح وتُغادر الحجرة تاركة الجميع في حيرة من ردة فعلها الغير معهودة.
“مالك يا أفنان يا بنتي؟” سألت والدتها بقلق وكانت على وشك أن تلحق بها لكن أوقفها نوح بآدب وهو يقول:
“خليكي هنا يا خالتو أنا هروح أشوفها..”
“لسه فاكر؟” سألت مع ابتسامة ساخرة ممزوجة بالسخط.
“أفنان أنا…”
“أنت أيه؟ أنت خزلتني.. وأنت مُستفز.. أنت أخويا بالإسم بس!”
“صدقيني أنا فعلاً …” حاول نوح تبرير فعلته لكن أفنان قاطعته قائلة بنبرة تحمل في طياتها الخزلان:
“أنت مش جدع يا نوح.”
“أنتي عندك حق تزعلي.. بس صدقيني أنا فعلا غلط بس صدقيني أنا كنت مشغول والله.. ايوا كان المفروض ارد عليكي واقولك كده بس أنا…”
“أنا لا عايزة اتكلم ولا اسمع.. خلاص يا نوح اللي حصل حصل.” اردفت ثم تركتها وحيداً وعادت إلى غرفة والدتها ليتبعها مجدداً لكن دون أن يتفوه بحرفاً واحداً، قضى ما تبقى من الساعات داخل المستشفى برفقتهم.. أنهت أفنان إجراءات الخروج وقد دونت تعليمات الطبيب ومواعيد جرعات الأدوية التي أوصى بها.
“يلا يا خالتو العربية جاهزة خدي المفتاح واسبقيني أنتي وميرال وأنا وأفنان هنسند عمو ونيجي.”
“طب ما أفنان وماما يروحوا وأستنى أنا هنا..” قالت ميرال بخجل وتوتر لتقلب أفنان عيناها بتملل ويُعلق والدهم بمزاح:
“تسند مين يا ولد؟ اسند نفسك أنت بس الأول.. أنا الحمدلله لسه شباب وقادر أقف على رجلي.”
“طبعاً يا عمو، ربنا يديك الصحة وطول العمر.”
“تعيش يا ابني.. يلا بقى نمشي كلنا سوا.” اومئت أفنان وأمسك بذراع والدها وهي تسير إلى جانبه.
داخل السيارة كان يجلس والدها إلى جانب نوح في المقعد الأمامي وهي وشقيقتها ووالدتها في المقعد الخلفي، كانت تتجنب النظر نحو نوح بينما كان يخطف هو نظرات نحوها بين الحين والآخر في المرأة.
“حمدلله عالسلامة يا جماعة وصلنا.” قال نوح فور توقف السيارة ثم عقب قائلاً:
“معلش يا خالتو ماما معرفتش تجيلك النهاردة بس هتجيلك بكرة إن شاء الله هي ومريم.”
“احنا يا حبيبي مفيش بينا الكلام ده.. وأنت موجود أهو تنوب عنها.”
“معلش يا نوح تعبناك معانا.” بالطبع صدرت هذه الجملة من ميرال ليُخبرها نوح بلطف أنه قد قام بواجبه فتضحك أفنان بسخرية ثم تُغادر السيارة.
“انجزوا يا جماعة عشان بابا عايز يرتاح.” اردفت أفنان وهي تُساعد والدها في الخروج من السيارة، ودعهم نوح ولم يصعد.. وبمجرد وصولهم إلى الشقة وتأكدهم من سلامة والدها وارتياحه بغرفته بدأ الحصار على أفنان ليحاولوا معرفة سبب معاملتها السيئة لنوح.
“أنا عايزة أفهم بقى.. الواد واقف معانا طول النهار ووصلنا لحد هنا وفي الآخر تكلميه بالأسلوب ده؟”
“هو انتوا هتفضلوا طول حياتكوا بتدافعوا عن نوح من غير ما تسألوني أيه اللي حصل؟” سألت أفنان بحنق ولكن حافظت على نبرة صوت هادئة احتراماً لمرض والدها.
“عشان أحنا عارفين أنك مُندفعة يا أفنان.. وممكن يعمل حاجة من غير قصد وأنتي متديلوش فرصة يشرحلك.”
“ميرال! أنتي بالذات بقى بتنصفي نوح عليا مع أنك أختي أنا يعني!”
“سيبك من ميرال وكلميني أنا.. حصل أيه بقى؟”
“محصلش يا ماما.. أنا مرهقة وعايزة أنام شوية..” قالت أفنان وهي تتمدد على السرير وتسحب الغطاء لتُغطي جسدها كاملاً.
“هتفطسي كده يا بنتي.”
“أنا متعودة يا ماما..” أجابت أفنان بصوت مكتوم من أسفل الغطاء، فلقد اعتادت أن تنام بهذا الشكل سواء في فصل الشتاء أو حتى الصيف.
في منزل رحيم جلس في غرفته يعبث في هاتفه حتى مر أمامه اسمها في محادثة اليوم على تطبيق ‘واتس أب’ والتي لم تحتوي على شيء غير موقع المستشفى، لكن ذلك كان كافي بالنسبة له فلقد استطاع الحصول على رقم هاتفها دون أن يتكبد عناء طلبه منها، قام بفتح المُحادثة وقام بكتابة
‘ازيك يا أفنان دلوقتي..’ لكنه قرر حذف ما كتبه ثم كرر المحاولة مجدداً..
‘أونكل أخباره أيه..’ لكنه قرر حذف ذلك ايضاً وقد قرر تأجيل مُحادثتها للغد ربما..
جلس شارداً يحك ذقنه وهو يراجع تفاصيل اليوم كاملة.. وجهها المُتورد وعيناها التي كستها الحُمرة في محاولة بائسة منها بعدم البكاء..
لقد شعر بغصه في حلقه عندما رأها في ذلك الوضع، لكن سرعان ما خطر على باله ابتسامتها الصافية ونظراتها المُمتنة وكلماتها الصادقة وهي تشكره على ما فعله اليوم، بالرغم من أنه لا يرى أنه فعل شيئاً يستحق الشكر.. فمن المفترض أن يفعل أي شخصاً مكانه الشيء ذاته، لكن نوح لم يفعل.. فكر في ذلك لتظهر ابتسامة جانبيه على ثغره.
أخرجه من شروده صوت رنين هاتفه بنغمة مميزة قد وضعها لصديقة المُفضل.. أنس.
“ألو.. ايوا يا أنس.”
“أيه يا رحيم بيه فينك طول اليوم؟ سبت الشغل كده ومحدش عارف روحت فين.” سأل نوح بنبرة درامية ثم أنهى حديثه بنبرة لعوب.
“كنت في مشوار كده و… ثانية واحدة.. أنت فاكر نفسك خطيبتي ولا أيه؟”
“الحق عليا بطمن عليك؟ روح مكان ما أنت عايز متصدعنيش.. المهم ما تيجي.”
“أجي أيه يا زبالة أنت!!!”
“يخربيت دماغك يا عم.. قصدي ما تيجي نخرج.” صحح أنس على الفور مسار الحديث ليقهقه رحيم ثم يقول:
“ايوا أنا محتاج أغير جو فعلاً.. عايز مكاني هادي.”
“اشطا هجبلك مكان على ذوقي.”
“عايز كافية هادي يا أنس مش عايز مكان فيه Drinks ‘المقصود مشروبات كحولية’ ها؟”
“خلاص قولت اشطا بقى! وبعدين ما في كافيهات فيها Drinks وهادية عادي.”
“لا أنت شكلك مبتفهمش.. خلاص مش عايز اخرج.”
“بهزر يا عم.. المهم هعدي عليك بالعربية ونروح سوا.”
“أوك ماشي، صحيح بقولك أيه يا أنس.. أنا جاتلي فكرة للتدريب وعايز أنفذها.”
“أيه هي؟ ونشوف مناسبة ولا لا.”
“أنت في حاجة في دماغك ولا أيه؟ مفيش حاجة اسمها هنشوف.. أقولك مش عايز منك حاجة أنا هتصرف.. يلا باي.” اردف رحيم ثم أنهى المكالمة دون أن ينتظر سماع رد من أنس.
في صباح اليوم التالي استيقظت أفنان باكراً لتجد أنها الوحيدة المُستيقظة في المنزل، تذهب نحو المطبخ وتقرر إعداد فطور مميز لوالدها.. تبدأ اولاً بإعداد ‘الشاي باللبن’ الذي أدمنته جميع أفراد الأسرة.. جاءها صوت إشعار من الهاتف لتُمسكه بملل وهي تتوقع أن المُرسل بالطبع هو نوح!
لكنها كانت مُخطئة فالمُرسل كان رحيم!!!
تفتح الرسالة بتوتر وهي لا تدري ماذا عساه يقول الآن؟ إنها السابعة والنصف صباحاً تقريباً.
‘صباح الخير يا أفنان.. أسف على الإزعاج بس كنت عايز اطمن على أونكل، هل بقى كويس دلوقتي؟’
قرأت الرسالة وشقت الإبتسامة طريقها إلى وجه أفنان حتى شعرت أن وجهه يؤلمها من شدة الإبتسام، لقد قرأت الرسالة وهي تتخيل طريقة قول رحيم لتلك الجملة بنبرة صوته المميزة وطريقته في نطق الكلمات التي توحي بأنه أجنبي وليس مصري.
‘الحمدلله يا رحيم بابا بقى أحسن.. شكراً بجد على سؤالك وحقيقي شكراً على وقفتك جنبي إمبارح..” شعرت بنبضات قلبها تزداد وهي تُرسل الرسالة بينما توتر الآخر حينما أدرك أنها قرأت الرسالة بل وتقوم بكتابة الرد، فلقد كان ينوي حذف الرسالة لأنه لا يدري ردة فعلها فهي ‘مجنونة’ كما أنه لم يتوقع أن تستيقظ مبكراً.
‘طيب الحمدلله.. ولو سمحتي متقوليش شكراً دي تاني، مفيش بينا الكلام ده.”
‘ماشي يا عم الحنين.. متتعودش بقى عالسهوكة دي عشان متحولش عليك.’
‘مبتعرفيش تكملي الجملة لآخرها حلو ابداً؟’ ضحكت بصوتاً منخفض وكادت أن تُجيب لولا أنها سمعت خطوات من خلفها.
“صباح الخير يا قمر بابا.. ايه الروايح الحلوة دي؟”
“صباح الفل يا حبيبي.. ديه ريحة الفطار.. أصلي صحيت بدري قولت أجهز الفطار عقبال ما تصحوا.” قالت أفنان بلطف وهي تُقبل رأسها والدها.
“تسلم ايديك يا حبيبتي، محتاجة مساعدة؟”
“لا يا بابا ربنا يخليك بس ممكن تقعد معايا عقبال ما أخلص.”
“ماشي يا ستي.. وأدي قاعدة.” قال وهو يجذب أحدى الكراسي ويجلس، فلقد كانت مساحة المطبخ كبيرة بحيث يضم من الداخل طاولة خشبية صغيرة وثلاثة كراسي خشبية بالإضافة إلى الأجهزة والمتعلقات الأساسية التي توجد داخل أي مطبخ.
“إلا قوليلي الجميل سرحان في أيه وبيكلم مين الصبح بدري كده؟” سأل والدها بنبرة مزاح، فهو يسألها من باب الإطمئنان وليس من باب التحقيق، فهو يثق في أفنان وميرال.. والأهم يثق في تربيته لهم.
“ده الدكتور اللي بيدربني في الشركة.. كان بيطمن على حضرتك يعني.” فسرت بتوتر ممزوج ببعض الخجل ليبتسم والدها ويقول:
“كتر خيره والله.. قوليله أني بقيت بخير، بس هو عرف منين؟”
“أصلي كان لازم استأذن منه قبل ما أمشي إمبارح وكده..”
“اه عشان كده.. تمام، بس ثواني.. هو كده مش هيبقى عندك يا بنتي مشكلة عشان الغياب اليوم ده؟”
هنا أدركت أفنان أنها نسيت أمر الغياب تماماً.. عبس وجهها قليلاً وهي تفكر في أن الشركة قد ترفض منحها شهادة إتمام التدريب بسبب غيابها في ذلك اليوم..
“هحاول اسأله عالموضوع ده وأشوف حل.. لو معرفتش أحل الموضوع مش مشكلة الشهادة يعني المهم أني استفدت من التدريب العملي..” قالت مع ابتسامة صغيرة في محاولة لطمئنة والدها.
“ماشي يا حبيبتي إن شاء الله خير.. أنا هروح اصحي رانيا وميرال عشان نفطر سوا.”
“ماشي يا حبيبي.”
بالقرب من المغرب جاءت خالتها برفقة نوح ومريم للإطمئنان على والد أفنان، استقبلتهم أفنان بلطف بينما لم تُعير نوح أي اهتمام؛ فهي مازالت غاضبة مما حدث بالأمس.
“أفنان ما تيجي نقف في البلكونة شوية.”
“ماشي ياختي قومي.” توجهوا إلى داخل الشرفة وقامت مريم بغلق الباب نسبياً.
“لو اتكلمتي معايا في موضوع نوح هعمل معاكي الجلاشة.”
“جلاشة؟ ما علينا.. هو احنا عمتاً بنتكلم عن حاجة غير عن نوح؟”
“للأسف لا.. وده سبب من الأسباب اللي مخلياني عايزة اقطع علاقتي بيكي.”
“طب كتر خيرك يا ستي شكراً.. طب بصي بس.. نوح حكالي عاللي حصل وهو والله أسف ومكنش يقصد..”
“ايوا أنا والله أسف ومكنتش أقصد.” قال نوح مُقلداً مريم فور إقتحامه للشرفة وهو يحمل في يده نوع من الحلوى الذي تُحبه أفنان.
“أنا قولتلك تدخل دلوقتي؟” سألت مريم وهي توبخه.
“أوعى كده مش عايزة من وشك حاجة.” اردفت بضيق وهو تُبعد الحلوى عنها وتُطيح بيد نوح بعيداً.
“طب ليه كده بس؟ ده أنا نوح حبيبك.” قال بمُزاح دون أن يقصد كلمة ‘حبيبك’ بالمعنى الحرفي، لتتبدل تعابير أفنان وتبتسم مريم بحماس وتعبس ميرال التي كانت تراقب ما يحدث من بعيد.
“حبك برص يا أخي.. وبعدين هو أنت كل شوية تعمل حاجة مستفزة أكتر من اللي قبلها وترجع تصالحني؟”
“يا أفنان متبقيش رخمة بقى.. أعوذ بالله يا شيخة في أيه؟”
“نوح أنت مش مدرك أن اللي حصل المرة دي غير كل مرة صح؟ أنا كنت محتاجه أنك تبقى معايا وقتها بس أنت نفضتلي.. لما أنت بتعمل معايا كده أومال الغريب هيعمل ايه؟” سألت وتذكر نوح على الفور أمر رحيم.. وأنه كان برفقتها، للأسف لقد فعل الغريب ما لم يفعله القريب في هذا الموقف.
“يعم مش وقته سرحان.. صالح البنت يلا!!” اخرجته مريم من شروده ليكرر اعتذاره وأسفه مجدداً.
“ماشي يا نوح خلاص.. حصل خير.”
“أنا فعلاً كنسلت عليكي.. بس أنا كنت مشغول في حاجة ليها علاقة بالشغل.. اه كان المفروض استأذن وارد بس أنا قولت أسخف عليكي.. مكنتش متوقع يعني أن في حاجة بجد..”
“أنت بتفتح الموضوع تاني بتعصبني يعني ولا أيه؟”
“لا لا.. خلاص سماح! ويا ستي عشان اثبتلك أني عايز اصالحك بجد هشرحلك الحاجات اللي فوتيها إمبارح أيه رأيك؟”
“لا شكراً أنا مستغنية عن خدماتك.” قالت ليقهقه على طريقتها ولأول مرة تتمنى ميرال لو كانت تُجيد الكيمياء وعلم الدواء ليُحدثها نوح بتلك الطريقة..
“خلاص بلاش.. هحاول أكلمهم عشان يرفعوا غياب اليوم ده..”
ابتسمت أفنان للوهله الأولى لأنه سيساعدها في ذلك الأمر الذي يؤرق بالها، لكن سرعان ما أدركت ما يعنيه ذلك.. نوح سيتحدث الى رحيم..
ولو فعل.. لن يكتفي رحيم بعدم منحها الشهادة فقط.. بل سيقوم بطردها من المكان بأكمله!!!
____________________________
تذكره : (اللهم كما زينت بحار أرضك باللؤلؤ والمرجان زين قلوبنا بالتقوي والغفران والعتق من النيران)
وحشتوني جداً يا كتاكيت معلش اتأخرت عشان كنت مشغولة إمبارح عشان كنت باخد لقاح كورونا، بس عوضتكوا أهو بفصل طويل
طبعاً كلكوا عايزين تضربوا نوح
ايه رأيكوا في الأحداث؟
رأيكوا في تصرف رحيم؟
رأيكوا في تصرف نوح؟
علاقة أفنان ب باباها؟
بجد شكراً جداً عالدعم بتاعكوا
بحبكوا كلكوا اد الدنيا كلها وإن شاء الله مش هتأخر تاني
#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_
الفصل التاسع: حَفْلُ إِجْبَارِيُّ
“خلاص بلاش.. هحاول أكلمهم عشان يرفعوا غياب اليوم ده..”
“لا يا نوح شكراً ليطردوني يا عم!”
“يا سلام عالثقة يا سلام!” سخر نوح ليقهقه جميعهم وتقول أفنان من بين ضحكاتها بنبرة شبه جادة:
“بجد يا نوح ابوس ايدك متدخلش في الحوار ده.”
“خلاص يا ستي أنتي حرة!”
في صباح اليوم التالي ذهبت أفنان إلى مقر الشركة باكراً كي تستطيع التحدث إلى رحيم قبل مجئ الجميع، وبالفعل فور وصولها لمحته يسير في ردهة الطابق.
“دكتور رحيم ممكن اسأل حضرتك سؤال..”
“اه طبعاً…” قال بنبرة لم تروق لأفنان وهو ‘بيسبل’ فتنظر نحوه بنظره حاده ليُعدل من نبرته ويقول:
“اتفضلي يا دكتورة اسألي.”
“هو بالنسبة للغياب بتاع أول إمبارح.. أنا كده مش هاخد الشهادة صح؟”
“لا طبعاً مش هتاخديها.” أفصح بنبرة جادة ليعبس وجهها ويُصيبها الإحباط في خلال بضع ثوانٍ..
“بس حضرتك عارف يعني الظروف اللي حصلت وإني كان لازم امشي..”
“يا دكتورة النظام نظام.. ويلا اتفضلي بقى.”
“تمام شكراً لحضرتك..” قالت بإحباط، وكانت على وشك المغادرة نحو القاعة لكن أوقفها صوته وهو يقول:
“استني بس.. أنا بهزر معاكي! طبعاً هتاخدي الشهادة.”
“ياض يا ابن ال…” كادت أن تسبه لكنها تراجعت عن ذلك احتراماً للمكان الذي تقف فيه.
“معلش معلش I am sorry بجد، بس كان لازم تشوفي Reaction ‘تعابير’ وشك وأنا بقولك.” قال من وسط ضحكاته لتنظر نحوه بغيظ قبل أن تضربه في صدره بحقيبتها غير مُهتمه بمن حولها.
“خضتني!”
“يعني تفتكري أني هعمل كده بجد؟ أي حد مكانك وحصله الظروف دي عمري ما كنت هحرمه من الشهادة خاصة لو حد شاطر ومجتهد زيك.” قال رحيم بلطف وهو ينظر إلى عيناها مباشرةً.
“ما هو أنت مش مضمون.. وبعدين لولا إننا في مكان محترم وليك برستيچ هنا أنا كنت عرفتك مقامك عالحركة دي.”
“خلاص قولت كنت بهزر! يلا يا دكتورة روحي عالقاعة بتاعتك.”
“ماشي يسطا.”
“يا نهار أبيض!! ايه أوسطى دي احنا في ميكرو باص؟” سأل رحيم بنبرة مُتعجبة وهو يحاول إستيعاب ما تقوله، ناهيك عن طريقته المُضحكة في نطق الكلمات الشعبية الدارجة.
“ميكرو باص؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، حصلني عالقاعة بقى.” قالت بنبرة ساخرة وهي تقهقه ليبتسم على طريقتها اللطيفة.
تدلف أفنان إلى القاعة وتجد ثلاثة طلاب تقريباً بالداخل ولحسن الحظ لم ينتبه أحد منهم لمحادثتها مع رحيم في الردهة، تجلس في الصف الأول في انتظار قدوم نوح.
في الميعاد المحدد يدخل نوح إلى القاعة بثيابه المهندمة، يبدأ في تشغيل الحاسوب المتنقل خاصته ليبدأ الشرح، كان كل شيء على ما يرام حتى أقتحم رحيم القاعة بخطوات واثقة وابتسامة صغيرة وكأنه تعمد رسمها على شفتيه فقط ليُثير غيظ نوح، يرمي نظرة جانبيه نحو أفنان ثم يقف ويقول:
“بعتذر يا دكتور عن قطع شرح حضرتك، بس عايز أقول حاجة مهمة للدكاترة.”
“لا يا دكتور عادي ولا يهمك.”
“أنا وباقي الأعضاء القائمين على التدريب قررنا قرار..” ابتسمت أفنان ابتسامة واسعة وهي تستمع إلى ما يقوله رحيم مُستخدماً كلمات فصيحة على غير عادته، فهو لا يستطيع قول جملة سليمة بالعربية.
“القرار هو أن في نهاية التدريب هنعمل اختبار للمتدربين واللي هيحصل على أعلى درجة هياخد مكافأة ألف جنيه بالإضافة لإننا هنرجعله نص تكلفة الكورس يعني Total 1500 جنية.”
لمعت عين أفنان بحماس حينما سمعت ما يقوله، إن استطاعت تجاوز ذلك الإختبار ستتمكن من إصلاح سيارة والدها بل وشراء ثياب جديدة للعام الدراسي الجديد، نظر نحوها وابتسم ابتسامة صغيرة.
“وطبعاً من ضمن الشروط أن الشخص ده ميكنش بيغيب.”
“يعني يا دكتور رحيم الناس اللي غابت مش هتمتحن معانا؟” سألت الفتاة التي تجلس بجانب أفنان وهي تطالعها بنظره خبيثة.
“الناس اللي كان ليها عذر أو اعتذرت مفيش مشكلة، يعني مثلاً الدكتورة كان عندها ظرف قهري فإضطرت إنها تمشي.. فطبعاً اليوم ده هيتحسبلها حضور عادي جداً.” أجاب رحيم بنبرة واثقة شبه حاده ليجد البعض يضحكون على استخدامه جملة ‘ظرف قهري’ وقد فسروه بمعنى آخر، ينظر نحوهم رحيم بغضب شديد ثم ينظر إليهم بنظره نارية وهو يقول:
“أنا مش عايز حيوان بيضحك هنا!! دكتور نوح لو سمحت كل اللي ضحكوا دول يتاخدوا غياب النهاردة!”
“حاضر يا دكتور.. قولوا اساميكوا.” اردف نوح بذات النبرة الغاضبة فكلامها يعلم أنهم كانوا يسخرون من أفنان وكلاهما غضب لنفس السبب أما أفنان فكانت تجلس بمزيج من الثقة واللا مبالاة فهي تعلم أن رحيم ونوح سيتكفلا بالأمر.
دون نوح أسامي من سخروا من أفنان وتأكد رحيم بنفسه بأنه فعل ثم غادر المكان بهدوء قبل أن يصفع الباب بقوة فيجفل الجميع.
انتهى الشرح لهذا اليوم وكانت أفنان تكتب جميع الملاحظات في محاولة منها لتحصيل جميع المعلومات كي تستطيع اجتياز ذلك الإختبار الذي أخبرها رحيم بشأنه.
“أفنان.. بقولك أيه.” أوقفها صوت رحيم وهي على وشك المُغادرة وقبل أن تُجيبه جاء نوح من خلفها وهو يقول:
“أفنان يلا عشان أوصلك في طريقي.”
“هو انت مش واخد بالك يا دكتور أني بتكلم مع الدكتورة ولا أيه؟”
“معلش يا دكتور رحيم مش واخد بالي منك.”
“شكل ال Glasses ‘النظارة الطبية’ بتاعتك محتاجة تتغير يا.. دكتور نوح.”
“بس شباب من غير خناق ايه هتقطعوا بعض عليا؟” سألت أفنان بإستنكار وبنبرة يتخللها المزاح لينظر نحوها كلاهما بإشمئزاز.
“تمام شكراً أوي.. أنا ماشية.” قالت لتنسحب بهدوء من الموقف تاركة لهم الخيار إما في إنهاء الشجار أو في إشعار النيران في بعضهم البعض.
رمقه رحيم بنظره حاده قبل أن يتركه يقف وحيداً ويذهب نحو مكتبه أما نوح فيلحق بأفنان حتى يقوم بإيصالها إلى المنزل.
“نفسي في مرة ألاقيك في مكتبك.” قال رحيم فور رؤيته لأنس الذي يجلس على الكرسي المُقابل للمكتب.
“الحق عليا عايز اقعد معاك عشان تتسلى؟”
“ايه هتقوم ترقصلي يعني؟” سأل رحيم بسخرية ليقذفه أنس بُعلبة المناديل الورقية فيقهقه رحيم.
“يا نهار أبيض.. Shit!!!”
“في أيه؟ الشركة هتعلن إفلاسها؟ البت بتاعت الساحل حامل؟” سأل أنس دفعة واحدة ليصمت رحيم لثوانٍ وهو يحاول إستيعاب ما قاله الآخر..
“لا.. ثواني.. أيه ده؟ مين.. مين بتاعت الساحل دي؟”
“معرفش.. المهم في أيه بقى قلقتني؟!”
“مامي اتصلت ومردتش عليها.” فسر رحيم بنبرة جادة وهو يُعيد خصلات شعره الناعمة إلى الخلف.
“وحياة أمك!!!” اردف نوح بغيظ مع تعبيرات وجه ممتعضة.
“أنس Watch your language ‘انتبه لكلامك’ !!!”
“يعم بقى بلا Language بلا بتاع.”
“ششش مسمعش صوتك عشان بكلمها..” قال رحيم ثم انتفض من مقعدة فور سماعه لصوت والدته، ودون أن يُدرك رحيم كانت نوبة التوبيخ قد بدأت بالفعل وصوت والدته الحاد كان مسموعاً لدرجة أن أنس الجالس بالقرب منه استطاع سماع المحادثة وإن لم يكن يدرك كل ما يُقال.
“هو في ايه؟” سأل أنس بصوتاً منخفض ليشير له رحيم بأن يصبر.
“حاضر يا مامي.. أنا أسف.. اه طبعاً أكيد هكون موجود في الميعاد، okay See you.”
“ايه يا ابني ده؟ ده انت ملحقتش تقول كلمتين على بعض.”
“سيبني في حالي يا أنس please..”
“يابا اشكيلي همك.” اردف أنس لينظر نحوه رحيم بإشمئزاز وأعين متسعة.
“يا ابني هو انت بتنقع لسانك في الزبالة قبل ما تتكلم؟”
“لا دي مصطلحات وجمل جديدة اتعلمتها من بنت اتعرفت عليها.” قال أنس بثقة وهو يُعدل معطف بذلته الرسمية لينظر نحوه رحيم بإشمئزاز ثم يطرح عليه سؤالاً..
“ودي اتعرفت عليها من أني صندوق زبالة؟”
“مش فاكر بصراحة.”
“طب بطل تكلمها عشان لو سمعتك بتتكلم بالأسلوب ده تاني هطردك من الشركة.”
“هتقرفنا بقى عشان أبوك صاحب الشركة؟”
“اولاً أنا اعمل اللي أنا عايزه، ثانياً بقى بابي مش صاحب الشركة دي بس فلو أنا طردتك مش هتلاقي حد يشغلك.” تحدث رحيم بثقة شديدة وهو ينظر نحو أنس بغرور والذي تحولت نظرته فجاءة إلى نظرة جرو صغيرة وهو يقول ‘بصعبانيه’
“يرضيك كده يا رحيم صاحب عمرك تضيع مستقبله؟ يهون عليك ال Peanut butter ‘زبدة الفول السوداني’ وال Toastt؟”
“لا ميهونش عليا، احترم نفسك بقى، صحيح أنا لازم امشي عشان في حفلة هحضرها مع مامي بليل ولازم نبقى جاهزين من بدري.”
“هتجبلك عروسة ولا ايه؟” سأل أنس بسخرية وهو يضحك لكن تعابير وجه رحيم كانت جامدة وجادة.
“تصدق ممكن..”
“هتتدبس في جوازة يا معلم.”
“لا ومش أي جوازة.. جوازة تبع مامي.” قال رحيم بقلة حيله وهو يصفع كلتا يديه بوجهه.
“يلا أنا ماشي.. Bye.” أبلغ رحيم قبل أن يودع أنس ويرحل وبداخله يشعر بالضيق نحو سهرة اليوم، يصل رحيم إلى منزله سريعاً بعد أن قاد سيارته بأقصى سرعة حتى لا يتأخر فيُثير غضب والدته.
“مساء الخير يا مامي.. بابي فين؟” سأل رحيم فور دخوله من باب القصر وهو يُقبل يد والدته.
“بابي في المصنع وقدامه thirty minutes ‘ثلاثون دقيقة’ ويوصل.”
“تمام.. أنا هطلع أخد Shower وهجهز ال Suit ‘البذلة’ اللي هلبسها عالعشا.”
“هتلاقي Suit جديدة جبتهالك من London، مكوية ومحطوطه على سريرك؛ ألبسها.”
“شكراً يا مامي..”
اردف رحيم مع ابتسامة صغيرة مزيفة قبل أن يصعد إلى غرفته وبمجرد أن يصل إليها يوصد الباب ليجلس على سريره وهو يتنهد بعمق.. يُلقي نظره نحو البذلة الرسمية الموضوعة بدقة على السرير؛ إنها أنيقة تبدو باهظة الثمن كذلك لكنها لم تروق له.. فهو لم يختارها بل فُرضت عليه من قِبل والدته لذا لقد كرهها مثلما كره معظم تفاصيل حياته التي لا يستطيع السيطرة عليها..
تحمم رحيم ثم توجه إلى الطابق السفلي لتناول الغداء وكالعادة ساد الصمت أثناء تناول الطعام، ما عدا جملة أو اثنتين قالتهما والدته بلكنتها الإنجليزية المميزة.
“رحيم عايزاك تبدأ تجهز بعد خمسة وأربعين دقيقة من دلوقتي.”
“حاضر..”
“خلي الولد يلبس في الوقت اللي يعجبه يا حبيبتي.”
“لا، هو لازم يلبس في الميعاد ده عشان هيبقى قدامه خمسة وأربعين دقيقة زيهم ويكون جاهز.. وأنا عارفة ابني؛ بطيء فلازم وقته يكون محسوب بالدقيقة والثانية.” لم يُعلق رحيم على حديث والدته لكنه شعر بغصه في حلقه.. هو ليس طفلاً لتتحدث بشأنه بهذا الشكل وأن تتحكم في حياته بهذا الشكل ايضاً.. ترك الشوكة والسكين واستقام من موضعه.
“عن إذنكوا.. أنا شبعت.” غادر الطاولة بإمتعاض وصعد إلى غرفته لينظر والده بحده نحو والدته قائلاً:
“عجبك كده؟”
“هو مش صغير.. مش هجبره على الأكل أكيد.”
“كويس أنك عارفة أنه مش صغير يا هانم ومع ذلك بتتحكمي في كل تصرفاته.”
“من فضلك يا حامد.. أنا بربي ابني بالأسلوب اللي يعجبني.”
بعد مرور الوقت المحدد ارتدى رحيم بذلته الجديدة والتي كانت تامة السواد، بالإضافة إلى قميص أسود كذلك، لكن أطراف معطف البذلة من جهه الزر كانت من الستان الذي يُعطي لمعة خفيفة جذابة وقد زُينت البذلة ‘بدبوس’ ذهبي لامع، نظر رحيم إلى مظهره النهائي في المرآة قبل أن يُعيد خصلات شعره نحوه الخلف بعصبيه.
توجه إلى الطابق السفلي ليجد والده يجلس على الأريكة بينما يقرأ كتاباً ما وفي يده لفافة تبغ بنية سميكة.
“هي مامي لسه مجهزتش؟”
“لسه يا سيدي، فالحة بس تذنبنا وهي تتأخر براحتها.”
“سمعاك يا حامد، يلا بينا عالعربية.”
“أنا اللي هسوق، ده بعد إذنك يعني.”
“لا طبعاً الشوفير هو اللي هيسوق.” زفر رحيم بضيق قبل أن يسبقهم ويتجه نحو الخارج.
توقفت السيارة أمام ڤيلا فاخرة في أحدى المدن الجديدة، ترجل رحيم من السيارة وقام بضبط بذلته الرسمية في انتظار والديه.
“الڤيلا دي بتاعت بثينة هانم حرم وليد بيه صديق والدك وعندهم بنت واحدة.”
“جميل أوي.. ايه المطلوب؟”
“المطلوب أنك تلزم حدود الذوق والأدب طول السهرة ومفيش مانع إنك تقول جملة أو اتنين لطاف للبنت.”
“حاضر يا مامي حاضر.”
“أوعي يا رحيم.. أوعي تعمل أي حاجة تحرجني أو تحرج حامد بيها.” حذرته والدته وهي ترفع إبهامها أمام وجهه ليمتعض وجه رحيم ويشعر بوغزة صغيرة في صدره جراء سماعه تلك الجملة التي اعتاد على سماعها طوال الوقت في طفولته، لم يُجيبها رحيم بل وقف يُحدق فيها بتعابير وجه جامدة قبل أن يقطع المشهد صوت أنثوي دخيل..
“بنسوار يا هانم.” كان صوت صاحبة المنزل بثينة هانم والتي ارتدت ثوب ذهبي فاخر ومن خلفها جاء زوجها ليرحب بهم، قبل رحيم يدها بهدوء وهو يُردف:
“بنسوار.” انتهت فقرة الترحيب وتوجه جميعهم نحو الداخل، وضع رحيم يده داخل جيب بنطاله وهو يتجول بعيناه داخل المكان، لقد كان من نوعية المنازل التي اعتاد رحيم على دخولها واجواء الحفلة كذلك، كل شيء هنا باهظ وذو ذوق رفيع.. الجميع هنا رجال أعمال وأثرياء بطريقة أو بآخرى.. الثياب هنا ‘سينيه’ مصنوعة خصيصاً لصاحبها لكن في النهاية كل ذلك لم يكن يُشكل أي أهمية بالنسبة لرحيم، فكل هذا منزوع الروح.. جميعها مظاهر فقط.
لمح رحيم بطرف عيناه فتاة ترتدي وشاح باللون الأبيض وكانت في نفس طول أفنان تقريباً.. شعر رحيم بنبضات قلبه تتسارع.. سار بضع خطوات نحو الفتاة ثم استدار ليواجهها لكن بالطبع لم تكن هي.. اعتذر رحيم بآدب شديد لتبتسم له الفتاة قائلة..
“لا ولا يهمك يا…؟”
“رحيم.. رحيم البكري.”
“يا رحيم nice to meet you ‘سعيدة بلقائك’.” كاد رحيم أن يرد المُجاملة لكن صوت والده قاطعه وهي تأمره بالقدوم ليعتذر رحيم من الفتاة مجدداً ويرحل.
“في أيه؟ بتشديني كده ليه؟” سأل رحيم وهو يضغط على أسنانه.
“اسكت خالص! دلوقتي هنروح نسلم على بنت بثينة هانم.”
“ماشي.” اردف بحنق لتنظر نحوه والدته بحده لكن سرعان ما تتحول تعابير وجهها إلى ابتسامة مُشرقة وهي ترى الفتاة تقترب منها.
“مساء الخير.” قالت الفتاة فور اقترابها لينظر نحوها رحيم لثوانٍ وهو يتأمل ملامحها، خصلات شعر بنية متدرجة بسبب الصبغة على الأغلب وزوج عيون خضراء لكن درجتها تختلف عن خاصة رحيم وجسد نحيف أقرب لجسد عارضة الأزياء، ينحني رحيم بإحترام ويُقبل يدها وهو يقول:
“مساء النور، مكنتش أعرف أن بثينة هانم عندها بنت pretty & stylish كده.” كانت عباراته تحمل في ثناياها بعض المُجاملة، الفتاة جميلة بحق لكن مجدداً هي ليست نوعه المُفضل.
“ده من ذوقك بس يا دكتور رحيم.” ابتسم لها بلطف لكنه لم يجد ما يقوله لتدعس والدته بحذائها على قدمه فيحمحم ثم يقول:
“ومُدمزيل بالجمال ده كله بتدرس ايه يا ترى؟”
“أنا بدرس Fashion، يعني في طريقي أني أكون Fashion designerr.”
“واو! باين طبعاً، ال Outfit بتاعتك النهاردة تجنن.”
“ميرسي أوي، أجبلك كاس تشرب؟”
“لا.. Thank you أنا مش بشرب.” نظرت نحوه بمزيج من الدهشة والإعجاب لقوله لذلك ولو علم أن الأمر سيروق لها لشرب كل الكؤوس الموجودة في المكان وإن كان ذلك ضد مبادئه.
“هقولهم يجبولك Soft drink حالاً.” بالفعل أشارت للنادل والذي منحه مشروباً غازياً وقد تم صبه داخل كأس.
“شكراً جداً.” بدأت الفتاة في التحدث حول مواضيع عشوائية ولا يعلم رحيم لما تقفز أفنان إلى عقله كلما سمع كلمة من تلك الفتاة..
فهو لا ينفك يتخيل ماذا كانت ستقول أفنان في مثل هذا الموقف؟ بما سترد كلمات الغزل خاصته؟ أي لون وشاح قد ترتديه هنا؟ ماذا ستظن حول الحفل ومن فيه؟ ولربما صدر منها تعليق تلقائي بشأن الحضور هنا فتجعله يضحك ضحكة من قلبه..
يا ليتها كانت هنا إلى جانبه.. هذا ما توقف عنده تفكيره!
“رحيم أنت سامعني؟”
“ها؟ I am so sorry.. كنتي بتقولي أيه؟” اعتذر رحيم بهدوء وقد انتظر من الفتاة أن تخجل أو أن تصمت لكنها قامت بإعادة ما قالته قبل دقيقتين.
“أيه رأيك في ال decoration بتاعت المكان؟”
“حلوة جداً، ذوق رفيع فعلاً.”
“ميرسي أوي.. ده ذوقي أنا ومامي.”
“لا جميل فعلاً..” اردف بنصف انتباه، لكنه عاد إلى تركيزه حينما جاءت والدته وهي تقول:
“رحيم بيعزف كويس جداً عالبيانو، ما تسمعهم حاجة كده على ذوقك يا رحيم.” قالت والدته مع ابتسامة لطيفة لينظر نحوها رحيم بدهشة وهو يصفع نفسه داخلياً لقد قامت والدته حرفياً ب ‘تدبيسه’ أمام الجميع.
“ده بجد يا رحيم؟” سألت الفتاة بنبرة يلمؤها الدلع ليؤمي رحيم وهو يبتسم ابتسامة سيمجة.
“هعزف حاجة على ذوقي.”
ذهب رحيم ليجلس بهدوء على الكرسي الصغير المُلحق بالبيانو ليقوم بعزف مقطوعة شهيرة حزينة وكأنه يُحاول أن يُعبر عن مشاعر التعاسة والضيق التي تملكت روحه، نظرت نحوه والدته بعدم رضا وقد وصلتها مشاعره لكن ذلك لم يجعلها تتأثر بل بعكس جعلها تغضب حتى وإن بدت ملامحها باردة.
انتهت الليلة اخيراً، يجلس رحيم في الخلف إلى جانب والده ووالدته داخل سيارتهم الفخمة، يتأمل رحيم الطريق في هدوء محاولاً تجنب الحديث مع والدته ولكن داخله كان يعلم جيداً أنه سيستمع إلى محاضرة في الأدب بلا شك، صدر صوت إشعار من هاتفه ليتفحصه بتملل لكنه ينتفض في موضعه حينما يرى اسم المُرسل.. أفنان!!
لم يستطع قراءة محتوى الرسالة كاملة دون أن يفتحها لكن كل ما رأها كان كلمة ‘سينجل’ تُرى هل تسأله أفنان إن كان في علاقة عاطفية مع أحدهم أم لا؟ أم تُخبره هي أنها ليست في أي علاقة؟ لكن إن كان ذلك صحيحاً.. فمن يكون نوح؟!
فتح رحيم الرسالة سريعاً قبل أن يقرأها ويُصاب بالإحباط ويتبعها ضحكة صغيرة على غباءه.
“دكتور رحيم.. هو هنا الرابطة دبل ولا سينجل؟” لقد كانت تسأله سؤال بخصوص المعادلة الكيميائة التي قام بشرحها هل تحوي رابطة أحادية أم ثنائية..
‘وأنا اللي فاكرك بتسأليني أنا مرتبط ولا لا.. على العموم هي دُبل بوند.’
‘أيه الهبل ده لا طبعاً، شكراً يباشا نجاملك في الأفراح.’ بعثت له هذا الرد ليضحك بصوت مرتفع نسبياً وهو يحاول أن يستوعب ما أرسلته للتو، نظر إلى جانبه ليجد أمه تحدق فيه بشك.
“في حاجة يا مامي؟”
“لا مفيش.. بشوف ايه سبب الضحك الغير مبرر ده.”
“حتى الضحكة هتحاسبيه عليها؟”
“كل حاجة لازم تتعمل بحساب يا حامد حتى النفس.” زفر رحيم بضيق بعد أن أغلق الهاتف كي تكف والدته عن التذمر.
فور وصولهم إلى المنزل خلع رحيم معطف البذلة بضيق وهو يزفر بحنق قبل أن يتجه نحو السُلم.
“استنى هنا أنت رايح فين؟”
“طالع أنام.”
“هتطلع تنام من نفسك كده من غير ما تقول عن إذنكوا؟”
“مامي أنا طالع أنام في أوضتي في بيتنا مش داخل مطار.”
“هو أيه الإسلوب اللي أنت بتتكلم بيه ده؟”
“مامي أنا حقيقي.. حقيقي مُرهق please سبيني ارتاح ولو ليوم.” تحدثت رحيم بضيق قبل أن يصعد إلى غرفته دون انتظار رداً من والدته.
“شايف اخرة دلعك ليه؟”
“دلع؟ هو فين الدلع ده؟ بذمتك الولد ده عمره شاف دلع ولا حنية؟”
“مش المفروض أنه يشوف دلع وحنيه المفروض أنه يتعلم أنه يكون شخصية قوية، مبيغلطش، مبيخفش وبيعتمد على نفسه.”
“أنتي كده عايزه إنسان آلي يا إيڤلين مش بني آدم.”
“عمرنا ما هنوصل لنقطة في النقاش ده، من الأفضل أننا ننهيه أحسن.”
“صح.” عند تلك النقطة توقف الحديث كجميع المرات السابقة.
في منزل أفنان، تطرق والدتها باب الغرفة بخفة ثم تفتح الباب نسبياً وتُدخل رأسها وهي تسأل:
“أفنان انتي صاحية؟”
“اه يا ماما اتفضلي.. أو استني انا جايالك عشان مران متصحاش حرام.” اردفت أفنان بصوتاً منخفض قبل أن تُغلق ‘الأباچورة’ الصغيرة التي كانت تُذاكر على ضوءها الخافت نسبياً.
“في حاجة يا ماما ولا ايه؟”
“عمتك جاية بكرة..”
“وجاية تعمل ايه بقى إن شاء الله؟” سألت أفنان بضيق وهي تعيد ربط رابطة شعرها.
“جاية تطمن على أبوكي.”
“وهي لسه فاكرة؟ وبعدين جايه ليه؟ مش هي السبب اصلاً هي وتيتة!”
“ولو هي برضوا عمتك وهي طلبت تيجي تشوف باباكي أكيد مش هنقفل بابنا في وشها يعني.”
“لا نقفله يا ماما عادي! نقفله طالما بتبوظ حياتنا وبتدمر صحة بابا ونفسيتك.”
“مش هينفع يا أفنان.. مهما عملت هتفضل عمتك وهيفضل في بينكوا صلة رحم.”
“ماشي يا ماما بس خليكي عارفة أني مش هقبل أنها تهني أو تهين حد فيكوا في بيتنا!”
“ماشي يا أفنان.. تصبحي على خير.”
“وأنتي من أهله يا حبيبتي.”
في صباح اليوم التالي استيقظ أفنان باكراً لتساعد والدتها في تنظيف المنزل وترتيبه بينما ذهبت ميرال إلى عملها.
“أفنان روحي أفتحي الباب.”
“حاضر يا ماما.”
“اهلاً يا عمتو ازيك.. اتفضلي.” قالت أفنان مع ابتسامة مزيفة وهي تسمح لعمتها وابنتها بالدخول.
“اهلا يا حبيبتي، إلا أمك فين مفتحتش ليه؟”
“هتفرق في ايه مين اللي يفتح يعني؟” سألت أفنان بسخرية وهي تُغلق الباب.
“لا متفرقش.. المهم أخويا فين؟”
“بابا خارج حالاً أهو.”
“يعني قادر يمشي أهو ويتحرك ما شاء الله.” اردفت لتنظر نحوها أفنان بإندهاش ثم تقرأ المعوذتين من داخلها.
“ما هو يا عمتو لازم يمشي رجله عشان الدكتور قاله النوم طول اليوم غلط.”
“شكل الدكتور بتاع أبوكي ده مبيفهمش حاجة خالص، على العموم كلها كام سنة وريري عين ماما تتخرج وتعالجه هي.” تحدثت عمتها بغرور لتنظر نحوها أفنان بإبتسامة صفراء ثم تقول:
“إن شاء الله بابا هيخف ويبقى زي الفل وميبقاش محتاج لا لريماس ولا لغيرها.”
“أعوذ بالله من لسانك.” تمتمت عمتها بصوت منخفض لتقلب أفنان عيناها.
“عن إذنك ثانية يا عمتو.”
“اتفضلي يا حبيبتي.” استقامت أفنان وذهبت لتُحضر كوبان من العصير وتقدمهم إلى عمتها وابنتها التي كانت صامته.
“ازيك يا أحمد.. ألف بعد الشر عليك يا حبيبي، ده عين مين دي؟” قالت عمتها بقلق وإهتمام مزيف.
“الله يسلمك يا حبيبتي شكراً.”
“ده أنا كنت هموت من القلق عليك.”
“بعد الشر يا عمتو.” اردفت أفنان وهي تحاول كتم ضحكاتها الساخرة.
“بس يا ترى ايه يا أحمد اللي زعلك للدرجة دي؟ مع أنك يعني عشتك كويسة ومبسوط.”
“بعيد عنك بقى يا طنط الناس عينها وحشة أوي.”
“قصدك مين يعني؟”
“أنا جبت سيرة حد معين؟ أنا بقول عمتاً.”
“طب ياختي.”
“أومال فين البت بنتك التانية؟”
“في شغلها بس زمانها قربت تخلص.” أجابت والدتها بلطف وهي وتضع أمامهم صينية ممتلئة بالفواكة.
“شغلها؟ وبتشتغل ايه بقى خريجة تجارة دي؟ كاشير.” اردفت عمتها بسخرية وهي تضحك لكن لم يشاركها أحد الضحك بل أمتعض وجه الجميع.
“وأنتي خريجة أيه بقى يا عمتو على كده؟”
“شايف بنتك وقلت آدبها؟ متعمدة تحرجني!”
“ده مجرد سؤال يا عمتو وبعدين مش بالكليات ما ياما ناس في كليات قمة وفاشلين عادي.” قالت أفنان وهي تنظر بطرف عيناها نحو ريماس.
“تقصدي أيه يا أفنان؟ وهو أنتي اصلاً تعرفي تعدي من قدام باب جامعتي.”
“ايه ده بسم الله ما شاء الله أنتي عندك جامعة؟”
“شايف يا أحمد بنتك بتتريق على بنتي ازاي؟”
“أفنان اهدي شوية عشان أبوكي تعبان..” اردفت والدتها بقلة حيله، لم تكن تريد قول ذلك أمامهم لكن في الوقت ذاته لا تريد أن تنتكس حالة زوجها من الحزن أو الغضب.
“حاضر يا ماما أن أسفة..”
“ايوا كده اتلمي.”
“لو سمحتي اتكلمي مع بنتي بإسلوب أحسن من كده.” قال والد أفنان بنبرة هادئة لتنظر نحوها بحدة وتقول:
“بتقومي أبوكي عليا يا أفنان؟”
“أنا معملتش حاجة على فكرة.. بابا بعد إذنك أنا هنزل شوية.”
“انزلي وسبينا ما أنتي قليلة الذوق.”
“عن إذنكوا..” اردفت أفنان واتجهت إلى غرفتها متجاهلة ما قالته عمتها، بعد عشرة دقائق تقريباً توجهت نحو الخارج مجدداً بعد أن بدلت ثيابها.
“خدي بالك من نفسك.”
“حاضر يا حبيبي، سلام.” قالت ثم غادرت المنزل وآخر ما تسلل إلى آذنها كان صوت عمتها وهي تقول:
“أنت مدلعها أوي يا أحمد..”
زفرت بضيق وهي تضغط على حقيبتها بعصبية قبل أن تُغادر المكان دون أن تعرف إلى أين وجهتها….
___________________________
تذكره: اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل.
شابتر طويييييييل تعويضاً عن التأخير اللي حصل، بجد اسفة بس نفسيتي كانت وحشة جداً الكام يوم اللي فاتوا فمكنتش قادرة اكتب.. ادعولي فضلاً
ايه رأيكوا في الأحداث؟
تصرفات والدة رحيم؟
تصرفات أفنان؟
عمة أفنان ؟
الأحداث عمتاً؟
#متنسوش_تفاعل_كومنتات_ولايكات_كتيييير_
بحبكواااااا + بااي
الفصل العاشر: السَّيَّارَة
أخذت تسير أفنان بلا وجهه محددة، حتى وصلت إلى سيارات الأجرة التي تمر بالقرب من حي الزمالك، إنه المكان الأنسب لحالتها الآن.. مياه النيل ونسمات الهواء الصافية نظراً لأن فصل الخريف قد بدأ، بالإضافة إلى الهدوء.
بعد خمسة عشر دقيقة تقريباً كانت قد وصلت بالفعل لذا بدأت السير على ‘الكورنيش’ وهي تنظر إلى مياه النيل اللامعة من انعكاس ضوء القمر.
“أفنان؟!” سمعت صوتها يصدر من فم أحدهم لتلتفت نحو الخلف وتجده هو.. رحيم؛ داخل سيارته السوداء الفاخرة.
“أنتي بتعملي ايه هنا لوحدك؟”
“مفيش.. كنت مخنوقة وقولت أتمشى شوية.”
“وأنا كمان..”
“بتتمشى جوا العربية؟” سألت بسخرية وهي تقهقه لينظر نحوها بإزدراء قبل أن يقول:
“مش قصدي يا ظريفة.. عالعموم ما تيجي نتمشى سوا؟”
“مفيش مشكلة..”
“تعالي اركبي.”
“يا ابني هو أنت عندك زهايمر؟ مبركبش أنا عربيات مع حد غريب وبعدين بتقول عايز تتمشى.. نتمشى على رجلنا يعني.”
“طب استني أشوف ركنة الأول.”
“ماشي يا دكترة.”
“دكترة؟ What does that mean؟ ‘ماذا تعني هذه’ “
“يعم انجز وهبقى أقولك.”
“ماشي.” بعد مرور خمسة دقائق عاد رحيم إلى حيث تقف أفنان لكن بدون السيارة.
“حمدلله عالسلامة.”
“الله يسلمك.”
“نتمشى؟”
“قشطة نتمشى عالنيل.” قالت ليبدأو في السير سوياً بالقرب من النيل.
“يلا كلمني عن نفسك.. المايك معاك.”
“أتكلم أقول أيه؟”
“رحيم الدكتور يقول أيه لرحيم الإنسان؟” سألت بسخرية ليُجيبها ساخراً هو الآخر قائلاً:
“سوما العاشق.”
“ما أنت حلو وبتتفرج على أفلام عربي أهو.” اردفت وهي تضحك لكنه أكتفى بالإبتسام وهو يسألها:
“أنا حلو؟”
“أنت ليه بتمسك في كلمة وتسيب الباقي؟” سألت بحنق وهي ترفع أحدى حاجبيها.
“بسمع الكلمة اللي بتعجبني بس.”
“أنت هتقولي؟ ما أنا خدت بالي..”
“طب يا ستي عايزة تسمعي أيه عني؟”
“ممكن تحكيلي على دراستك والشغل كده يعني..”
“بالنسبة للدراسة أنا كنت في British school وبعدها دخلت جامعة خاصة هنا.” تحدث بفتور شديد بينما استمعت إليه في حماس.
“ما شاء الله، ما بين عليك اصلاً.. المهم وبعدين؟ حضرت الماجستير فين؟”
“برا مصر..”
“ومالك زعلان ليه وأنت بتقولها يعني؟”
“يمكن عشان مكنتش مبسوط؟” اردف بنبرة تميل إلى التساؤل لتنظر نحوه بصمت ثم تسأل:
“وأيه اللي خلاك مش مبسوط؟ مش أنت كنت بتدرس حاجة بتحبها وقاعد في دولة كويسة.”
“دي حقيقة.. بس أنا مكنتش عايز ابقى لوحدي..”
“بتخاف من الوحدة؟”
“وهو في حد مبيخفش من الوحدة؟” سأل بنبرة تحمل في طياتها الحزن.
“كلنا بنخاف من الوحدة واللي يقول غير كده كداب.. يمكن كلنا مش بنخاف منها بنفس القدر بس ده ميلغيش الخوف منها عمتاً.” أجابت بنبرة هادئة وهي تشعر أن الحزن الذي كان في نبرته قد تسرب إلى قلبها، ذلك الفتى مُستاء بحق..
“المهم لما خلصت وجيت بقى اشتغلت مع بابي.”
“ايوا بقى يا عم ابن صاحب الشركة المتدلع، مسكت منصب رئيس مجلس إدارة طبعاً.” اردفت أفنان بسخرية وهي تضحك ليُبادلها الضحك ثم يقول:
“عارفة يا أفنان أنا كنت فاكر زيك كده، وجيت بقى أول يوم شغل قومت لبست أشيك بدلة عندي وبريفيوم بقى ريحته تهبل وأغلى ساعة عندي وجيت بقى وراسم في دماغي صورة للموقف بابي هيقوم من مكتبه ويقعدني مكانه أو على الأقل هيقعدني على مكتب خاص بيا مش أقل من مكتبه.” تحدث مع إبتسامة جانبية ساخرة بينما تخللت نبرته بعض الحماس لأنها أظهرت اهتماماً لما يقوله.
“أومال أيه اللي حصل؟”
“لا ولا حاجة ابداً.. دخلت عليه بكل ثقة وتناكة كده قالي روح اعملي قهوة، قولتله نعم؟ قالي انت لسه هتنح يلا؟ اجري اعملي قهوة وخليك جنب ال Office boy ‘ساعي المكتب’ لحد اما اندهلك.”
“بتهزر؟!” سألت بإندهاش وهي تقهقه بقوة فينظر نحوها بصمت وعلى وجهه إبتسامة صغيرة.
“ضحكتك أوي يعني؟”
“بصراحة متوقعتش خالص.” أجابت وهي مازالت تضحك لينظر نحوها بعيناه الخضراء التي لمعت فجاءة وهو يقول:
“مكنتش باخد بالي أن عندك Dimples، شكلها حلو أوي.”
“أنا عندي دمل!!!!!”
“دمل؟ ايه يا بنتي القرف ده! بقولك Dimples.. Dimples يعني غمازات!” تحدث بصوتاً مُرتفع وهو يكاد بفقد عقله من حماقتها لتقهقه ثم تقول:
“ما أنا عارفة بس بحب ارخم عليك.” فسرت لكنها في الواقع كانت تحاول الهرب من الرد على غزله بشأن ضحكتها.
“طب بتستفادي ايه؟”
“بتبسط.”
“خلاص طالما بتتبسطي يبقى مفيش مشكلة.”
“أنت لطيف أوي.” قالت دون استيعاب ثم أدركت ما قالته لتصفع فمها بيدها وتُشيح بنظرها بعيداً عنه.
“وأنتي كمان على فكرة.. لا وأنتي مكسوفة كده شكلك ألطف..” تحدث بصدق لتنظر نحوه بصدمة ثم تشعر بقلبها يكاد يقفز من موضعه.
“احم.. طيب قولي بقى أنت عندك أخوات؟”
“لا.. للأسف، وأنتي؟” اردف بنبرة هادئة استشعرت فيها أفنان الحزن.
“عندي أخت واحدة.. لا و تصدق عندي أخ كمان؟”
“والله؟ اسمه ايه؟”
“رحيم.” اردفت ليتجهم وجهه فتقهقه بشده ثم تعتذر منه قائلة:
“بهزر يسطا متقفش.”
“دمك خفيف أوي، ربنا يحفظك.” علق رحيم بسخرية لتضحك ثم تقول:
“ربنا يحفظك؟ حاسه إني قاعدة مع خالتي والله، المهم.. بقولك أيه في قهوة قريب من هنا تعالى أعزمك على شاي.”
“أيه المشكلة؟ دي دعوة حلوة اصلاً، وبعدين أنا مش عايز قهوة أنا عايز عصير مانجا.”
“واخده ابن أختي معايا ياربي!” علقت بسخرية وهي تقلب عينيها.
“هما الأطفال بس اللي بيشربوا Juice يعني؟”
“لا مش الأطفال بس، على العموم هجبلك اللي أنت عايزه بس خلصنا.” قالت بمزاح وكانوا في طريقهم لمغادرة المكان لكن أوقفهم رنين هاتف أفنان.
“ألو ايوا يا ميرال.. أيه ده ليه؟ طيب ماشي أنا جايه.” تحدثت سريعاً ثم أغلقت الخط لينظر نحوها بقلق.
“في حاجة ولا ايه؟”
“لا مفيش.. في حوار في البيت كده ولازم اروح.”
“بس أحنا ملحقناش نقعد سوا.” اردف بعبوس لتبتسم هي بلطف وتتحدث بجدية قائلة:
“احنا مكناش مختطين نقعد سوا.. ديه صدفة.”
“قدر؟”
“نمشيها قدر.” اردفت بلطف قبل أن تودعه قائلة:
“يلا مع السلامة وخد بالك من نفسك لا تتثبت.”
“خدي بالك أنتي من نفسك.. وعلى فكرة أنا هنفخك في التدريب عشان تعرفي تسخفي عليا أوي.”
“دي حاجة ودي حاجة يا نادر.” أجابت بسخرية من مقطع من أحد الأفلام الكوميدية ليقهقه ثم يلوح لها وتلوح له في المقابل ثم تسير في الإتجاه المعاكس وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة واسعة.
بعد نصف ساعة تقريباً وصلت أفنان إلى منزلها، لتجد الجميع يجلس في الصالون.
“مساء الخير.”
“مساء الخير يا هانم كنتي فين؟” سألت ميرال بنبرة درامية لتنظر نحوها أفنان بحنق وهي تُزيح غطاء رأسها قائلة:
“كنت بشرب حشيش.. هكون بعمل أيه يعني؟ بتمشى.”
“على فكرة بابا زعلان منك.”
“يلاهوي.. أنا أقدر على زعله؟ ده نور عيوني.” قالت أفنان وهي تقترب من والدها وتُقبل رأسه ثم تُضيف:
“قبل ما تتعب نفسك في العتاب.. أنا عارفة أني ممكن أكون رديت بسخافة.. بس يا بابا أنت تعبان ومش حمل كلام سخيف وبصراحة بقى عمتو..يعني مش بتركز هي بتقول أيه.” حاولت أفنان أن توصل وجهه نظرها بألطف طريقة ممكنه دون أن تذم في عمتها بطريقة صريحة.
“وأنا مش قابل التبريرات دي كلها وزعلان منك يا أفنان.. أنتي مبقتيش بنتي بتاعت زمان..” اتسعت عين أفنان وشعرت بغصه في حلقها وكادت أن تتحدث لكن قاطعها انفجار ثلاثتهم في الضحك بقوة.
“كان لازم تشوفي شكلك لما بابا قالك كده.” قالت ميرال وسط ضحكها لتُمسك أفنان بإحدى وسائد الأريكة وتقذفها بها بقوة.
“والله حرام عليكوا!! يعني رجعتوني بدري وجايه جري عشان تعملوا فيا مقلب؟!”
“أنا قولتلهم بلاش أفنان هتزعل بجد بس في الآخر أقنعوني.” قال والدها وهو يضحك لتنظر نحوه أفنان بحزن مصطنع وتقول:
“لا يا بابا أنت بقيت شرير زيهم.. بس كله يهون يا سيدي عشان الضحكة الحلوة دي.”
“ايوا يا سيتي كُلي بعقله حلاوة.” قالت والدتها بمزاح لتنظر نحوها أفنان بغيظ وتقول:
“خلاص خلصتوا ضحك ورخامة عليا كلكوا؟ أنا هدخل احضرلي عشا، حد هيعتشى؟”
“اه كلنا.”
“حيث كده بقى تعالي يا ماما ساعديني.”
“هو مفيش حد بيعرف يعمل حاجة في البيت ده من غيري؟” علقت والدتها بقلة حيله وهي تنهض لمساعدة أفنان، وبعد الإنتهاء من تناول العشاء ذهبت أفنان إلى الحجرة لتلحق بها ميرال.
“نزلتي اتمشيتي فين بقى؟”
“هو أحنا لينا حتة غيرها؟ الزمالك طبعاً.”
“وكنتي لوحدك بقى؟” سألت ميرال لتتوتر معالم أفنان وتتذكر أنه بسبب عمل ميرال وإنشغال أفنان بأمر التدريب لم يكن هناك متسع من الوقت لتُخبرها المزيد بشأن رحيم وبشأن التطورات الأخيرة.
“أكيد كنتي مع نوح..” قالت ميرال بصوت منخفض وبنبرة تميل إلى الحزن لتزفر أفنان براحة ثم تقول:
“لا يا ستي نوح مين؟ أنا كنت مع رحيم..”
“أيه؟ رحيم.. رحيم مين؟!!!!” سألت شقيقتها بحماس شديد وبصوتاً مرتفع.
“ششش وطي صوتك أيه الفضايح دي!”
“طب انطقي مين ده؟ اه.. رحيم بتاع الشركة.”
“ايوا هو رحيم بتاع الشركة.. عالي صوتك كمان، في واحد في المحافظة اللي جنبنا لسه مسمعش.” قالت أفنان بسخرية وهي تتأكد من أن باب الحجرة مغلق تماماً.
“أنا مكنتش مخطته أننا نتقابل.. أنا قابلته صدفة.”
“رب صدفة خير من ألف ميعاد يا سيتي.” اردف ميرال وهي تدفع كتفها بخفة.
“ده حقيقي.. أحنا اتقابلنا يعني واتكلمنا شوية، عن دراسته وشغله وكده.”
“طب حلو أوي، معرفتيش حاجة عن عائلته؟” سألت ميرال بحماس فهي توقعت أن يكون رحيم من عائلة كبيرة حسب وصف أفنان له.
“لا مجبش سيرتهم خالص.. كل اللي قاله بس أنه ملهوش أخوات.”
“عم يا عم، ابن وحيد بقى وهتلاقيه متدلع وهو الكل في الكل.” علقت ميرال وهي تغمز بإحدى عينيها.
“يا ستي ده أبوه كان عايز يشغله أوفس بوي.”
“يا ساتر! ايه الأب ده؟”
“بصي هو الحوار غريب.. بس في نفس الوقت كويس يعني أنه مش بيخليه يتدلع ويتنك على الناس لمجرد أن هو ابن صاحب الشركة.”
“يعني هو مش قاسي وبارد كالجليد زي الروايات ومدير شركة وهو في بداية العشرينات لا وكمان مفتول العضلات وبيضرب اللي بيقرب من البطلة؟ بل وبيضرب البطلة شخصياً.” سألت ميرال بإندهاش لتنظر نحوها أفنان بإزدراء ونقول:
“يا شيخه منها لله الروايات اللي بوظت سمعة الناس اللي شغاله في شركات، رحيم ذوق جداً ولطيف مع الناس واصلاً هو مش مدير الشركة، وبعدين ثواني.. مين البطلة؟!”
“هيكون مين يعني؟ أنتي أكيد.” أجابت ميرال لتنظر نحوها أفنان بأعين متسعة ثم تصفع وجهها بيدها وتقول:
“طب بس هبل ونتكلم جد.”
“طب خلاص.. قوليلي منصبه ايه بقى على كده؟”
“مش عارفة هو المسمى الوظيفي بتاعه أيه بس هو حالياً مسئول عن موضوع التدريبات ده.”
“طب حلو ده والله.”
“حصل، أظن المفروض ننام بقى عشان التدريب الشغل وكده؟”
“ماشي ياختي، تصبحي على خير.”
في الثانية صباحاً داخل منزل حامد البكري، يفتح رحيم الباي بهدوء لأنه من المفترض أن يكونوا الجميع قد خلدوا إلى النوم منذ وقتاً طويل، لكن بمجرد أن توجه إلى الداخل وقبل صعوده الدرج سمع صوت أنثوي حاد بعرفه جيداً يأتي من أحدى الأركان..
“كنت فين يا رحيم؟” سألت والدته بنبرة صارمة ليحمحم رحيم ثم يقول بنبرة تشوبها التوتر:
“كنت سهران عند صاحبي.”
“عند صاحبك ولا كنت سهران في بار؟”
“لا مكنتش في بار، كنا في البيت.” قال رحيم بضيق لتقترب منه والدته فتستنشق فيه رائحة الكحول.
“أنت بتكدب يا ولد؟ أيه ريحة الخمرة دي؟!”
“أنا مشربتش، بس في ناس من صحابنا شربوا وفي كام نقطة جم عالقميص.” فسر رحيم بلا مبالاة لترد عليه والدته بحده قائلة:
“رحيم Don’t lie! قول الحقيقة!”
“والله العظيم ما شربت.. مشربتش! كفاية تحقيقات بقى أنا جبت آخري!” صاح رحيم بصوتاً مرتفع وهو يعيد خصلات شعره إلى الخلف بعصبيه.
“أنت بتعلي صوتك عليا يا رحيم؟!” سألت والدته بإستنكار بنبرة حادة.
“أقولك حاجة.. أنا هسيبلك البيت وأمشي خالص.” اردف رحيم قبل أن يُمسك بمعطف بذلته ويتجه نحو الخارج.
“أنت حر يا رحيم، مش همنعك.” توقف رحيم لثانية حينما سمع ما قالته والدته ليزدرد ما في فمه بصعوبه ثم يُغادر متجاهلاً الآثر البشع الذي تركته تلك الجملة.
كان رحيم يعرف وجهته فهو لن يجد أي مكان يلجأ إليه في مثل هذا الوقت سوى منزل أنس والذي كان برفقته قبل قليل، بعث له رحيم برسالة يُخبره بقدومه لكن الآخر لم يُجيب لذا توجه رحيم إلى منزله على أي حال.
فور وصول رحيم طرق الباب بهدوء كي لا يُزعج الجيران لكن أنس لم يسمع لذا قام الآخر بالضغط على جرس الباب لكن لا شيء لذا اضطر في النهاية أن يصفع الباب بقوة.
“أيه يا عم أنت ودنك باظت ولا أيه؟” سأل رحيم بسخرية فور رؤيته لأنس الذي كان يرتدي منامة بالإضافة إلى خصلات شعر مبعثرة تنم عن أنه كان نائماً.
“اه هجبلها قطع غيار، اتفضل يا ظريف.”
“معلش بنزعج حضرتك يعني.”
“ايه يا عم الهبل ده ادخل وأقفل الباب وراك.” نفذ رحيم ما قاله ثم توجه نحو الأريكة ليتمدد عليها.
“طلعلي بيچاما بقى لو سمحت.”
“أنت هتبات؟” سأل أنس بإندهاش شديد لينظر نحوه رحيم بإمتعاض ويقول:
“لو معترض امشي عادي.” قال رحيم بضيق وكاد أن يغادر مقعده.
“مالك يعم أيه الأقفش ده؟ أنت منور طبعاً ده بيت أخوك يا أهبل.. بس أنا مستغرب يعني أصلك مش بتبات برا عادةً.”
“قصدك عشان مامي هنا يعني؟ أصلي اتخنقت معاها.”
“احلف؟” سأل أنس بمزيج من الدهشة والسعادة.
“أنت ليه بتفرح في أوقات غلط؟”
“مش فرحان عشان اتخنقت معاها أكيد.. بس مبسوط أنك خدت رد فعل.” تحدث أنس بصدق ليتنهد رحيم بضيق ثم يقول:
“الموضوع مش بالساهل يا أنس ما أنت عارف يعني.”
“هي بصراحة مامتك طبعها صعب أوي.”
“وأنا تعبت.. أنا مش صغير، أنا بحاول أمسك نفسي وأتعامل مع آدب عشان هي مامتي وأنا لازم احترمها بس برضوا كل إنسان وله طاقة!”
“متزعلش نفسك هقوم اجبلك حاجة تقولها ولا تشربها.”
“بمناسبة الشرب.. الله يخربيتكوا على موضوع ال Drinks ده مامي شامت ريحة ال Alcohol وعملتلي حوار!”
“يا عم أنا مالي أنا! أنا مشربتش النهاردة اصلاً.”
“أسكت أسكت.”
“بقولك أيه هاتلي Pijama ألبسها بقى قولتلك من شوية ونفضتلي.”
“حاضر بس روق.” اختفى أنس لدقيقتين ثم عاد وهو يحمل ثياب منزليه.
“في أوضة جنب أوضتي فوق متوضبة ممكن تنام فيها.”
“ماشي Thanks.”
في صباح اليوم التالي ذهبت أفنان إلى التدريب ونوعاً ما كانت تتطلع إلى إنهاء الجزء النظري وبدء الجزء العملي كي تقابل رحيم، لكنها حين توجهت المعمل لم تجده.. انتظر الجميع عشرة دقائق تقريباً لكنه لم يظهر، فُتح الباب ليظهر منه شخصاً آخر..
شاباً كان يبدو مألوفاً بالنسبة لها وحينما عرف نفسه تأكدت من أنها تعرفه.
“مساء الخير يا دكاترة، أنا دكتور أنس فريد.” اردف وهو ينظر نحو أفنان ويبتسم ابتسامة جانبية بينما رد الجميع التحية، حمحم ثم أكمل:
“دكتور رحيم مقدرش يجي النهاردة فأنا اللي هشتغل معاكوا العملي النهاردة.” لا تدري لما شعرت بغصه في حلقها فور قوله ذلك.. فهي تعلم أنه كان يشعر بالضيق حينما قابلته صدفة فهل ترى ازدادت حالته سوءاً؟
كانت أفنان تستمع بنصف انتباه فغياب رحيم كان يشغل بالها.
“حضرتك خلصت يا دكتور؟” سأل نوح بعد إقتحامه للمعمل.
“اه يا دكتور نوح.” أجاب أنس، وجه نوح نظره لأفنان وهو يشير بعيناه نحو الخارج أي يطلب منها اللحاق به.
“مالك؟”
“مالي؟ ما أنا كويسة أهو.” اردفت أفنان مع ابتسامو صغيرة.
“شكلك زعلانة.. تعبانة.. سرحانة، كده يعني.”
“أنت مختار كلمات كلها على نفس الوزن ليه كده؟” سألت بسخرية وهي تضحك.
“مش عارفة.. صدفة.”
“أنا بس دماغي مشغولة شوية..”
“ماشي ياختي.”
في مساء ذلك اليوم قررت أفنان أن تبعث برسالة لرحيم لتطمئن عليه، لكن شيء ما داخلها كان يحاول منعها من ذلك، فلما ستفعل ذلك؟ لما يهما أمره إلى تلك الدرجة؟ هو ليس سوى شخص قابلته عن طريق الصدفة في أحدى الشوارع ثم اكتشفت عن طريق المصادفة أنه ابن صاحب الشركة حيث يتم تدريبها..
في النهاية تغلبت على ترددها وبعثت رسالة قائلة:
‘ايه يا هندسة مجتش ليه النهاردة؟’ ضغطت زر إرسال لتظهر علامة أن الهاتف متصل بالإنترنت لكنه لم يجيب.
‘أنت كويس طيب؟’ سألت مجدداً لتظهر علامى أنه متاح الآن ‘أونلاين’ لكنه لم يجيب، أمتعض وجه أفنان على الفور وهي تردف بصوت منخفض:
“تصدق أني غلطانة أني بعبرك!”
مر يومان وحان موعد التدريب مجدداً وثانية لم يظهر رحيم، حاولت أفنان أن تتجاهل قلقها بشأنه لشعورها بالغيظ لعدم إجابته على رسالتها.
“أفنان يلا عشان نروح.” اردف نوح فور خروج الجميع من المعمل وخروج أفنان من بعدهم.
“ماشي يلا، صحيح أحنا هنتغدى أيه النهاردة؟”
“عزمينكوا على آكلة سمك يا ستي.”
“جامد ده، هنجيبه أحنا ولت هنطلبه؟”
“لا هنعدي نجيبه.”
“تمام، بقولك أيه اسبقني عل تحت وهات العربية من الجراچ وأنا هصحلك.” قالت أفنان ليومئ نوح ويرحل، تذهب هي لدورة المياه لتقوم بضبط مظهرهت وإعادة ارتداء الوشاح الذي فسد وبدأ يُزهر بعض خصلات من شعرها الأسود.
انتهت أفنان مما تفعله وتوجهت نحو الخارج لتجد نوح يقف بسيارته أمام مدخل الشركة مباشرة.
“يلا يا أفنان عشان منتأخرش عالغدا.” صاح نوح من شباك سيارته لتُجيبه أفنان وهي تقترب من باب السيارة لتفتحه:
“حاضر، هنجيب السمك منين؟”
“ما أنتي بتركبي عربيات مع ولاد عادي أهو؟” أقتحم رحيم الحديث حيث ظهر فجاءة من اللامكان، تحدث بغيظ وهو ينظر نحو أفنان بحده.
“أنت ازاي تكلمني كده أنت اتجننت؟” سألت أفنان بعصبيه، بينما حاول نوح أن يتحكم في غضبه وسأل رحيم بهدوء قائلاً:
“خير يا دكتور رحيم عايز أيه؟”
“أشمعنى هو يعني؟” سأل رحيم بحنق بينما علقت أفنان بإنفعال وقد بدأ من حولهم في الإنتباه للشجار الذي يدور بينهم:
“أنت مالك اصلاً؟! لو سمحت متدخلش في حاجة متخصكش!”
“رحيم أظن أني بكلمك! أنت عايز أيه؟ ما تركب معايا براحتها، أنت مالك اصلاً؟!”
“وأنا موجهتش كلام ليك يا نوح!” قال رحيم بصوتاً عالً.
“متردش عليه يا نوح، يلا بينا.”
“ماشي يا أفنان.”
“بيعرج يا رحيم.”
“أطلع يا نوح يلا..” اردفت أفنان وهي تجلس داخل السيارة بينما تنظر لرحيم بحده بينما يبادلها هو النظرات نفسها، تحرك نوح بالسيارة مبتعداً عن رحيم.
“أنا عايز افهم بقى ايه قصة رحيم دي؟”
“مفيش قصة ولا حاجة.”
“ازاي يعني؟ وازاي ادتيله مساحة يكلمك بالإسلوب ده؟!” سأل نوح بعصبيه وهو يصفع يده بقوة على مقود السيارة.
“مساحة ايه اللي اديتهاله؟ ده أنا ادتله على دماغه!”
“هاتي من الآخر يا أفنان وقولي أيه علاقتك بيه.”
“لا ما هو مش تحقيق على فكرة وأنا مش ملطشة عشان كل واحد فيكوا يعلي صوته عليا شوية!”
“لو سمحتي يا أفنان قولي أيه علاقتك بيه.”
“نوح لو اتكلمت كلمة كمان عن الموضوع ده دلوقتي والله انزل واسيبك.” قالت بنفاذ صبر وهي تذفر بضيق شديد.
“خلاص سكت.”
ساد الصمت طوال الطريق بينما صدح صوت أفكار أفنان المضطربة، الغاضبة والمشوشة كذلك.. لا تدري كيف حدث كل هذا في خلال بضع دقائق؟ ولما تحدث رحيم بتلك الطريقة؟ ولما شعر بالضيق من البداية لرؤيتها برفقة نوح؟ ولما يتشاجر الأثنين بهذه الطريقة من أجلها؟
أسئلة لم تجد إجابة لها لكن ما تعرفه جيداً أنها مستاءة من رحيم، مستاءة وبشدة..
______________________________
تذكره: ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.”
تكملة الرواية من هنااااااااا
لمتابعة باقى الرواية زورو قناتنا علي التليجرام من هناااااااااا
بدل ماتدور وتبحث علي الروايات عمل
متابعه لصفحتنا على فيس بوك هنااااااااااا
الرواية كامله اضغط من هناااااااااا
مجمع الروايات الكامله 1اضغط هناااااااا
مجمع الروايات الكاملة 2 اضغط هناااااا
التعليقات