رواية الهجينة الجزء الثاني للكاتبة ماهي أحمد الفصل الرابع والأربعون
ربما هناك لحظات تَهزم مخاوفك ولحظات أخرى مخاوفك تُهزمك وبين كل هزيمه وأخرى تفقد قطعه من روحك بينهما
صباح يرتدي لون النقاء. فالصباح لديهِ رونقه المتميز مع هدوئه والجميع نيام، و نسماته الدافئه التي تُبعث الطمأنينه داخل قلوبنا الحائره، و أصوات غرير الطيور تحوم حولك بكل مكان، تستطيع سماع صوت تطاير أوراق الشجر من حولك ورؤيه أشعه الشمس الذهبيه أمامك.
تكورت شمس داخل غية الحمام وهي تقبض بكف يديها طبق بهِ من طعام طيور الحمام ما يكفي لهم وهي تحادث طير مُضرب عن الطعام منهم
أنت النهارده هتاكل غصب عنك ياليون ده تالت يوم ما تاكلش فيه، أنا عارفه أن ليو مارجعتش بقالها كام يوم بس صدقني هترجع.
أمسكت شمس بالطائر ليون وأخرجت رأسها من العشه تحتضنه بذراعيها تصب كامل نظرها عليه و تسترسل حديثها: فاكر لما اتخانقت أنتَ وهي قبل كده وسيبتلها الغيه. فاكر. هي برضوا كانت زيك كده وكانت عامله نفس الأضراب بتاعك ده ماتقلقش هي بتحبك وأكيد هترجعلك
ابتسم ذلك الواقف خلفها ساخراً مما تقول: هنعمل عقلنا بعقل طيور.
أنتفضت شمس عند سماع صوته فتركت الحمامه من بين يديها بفزع فلم تنتبه لوجوده فوق السطوح استدارت ببطىء تنظر خلفها وجدته يقف على السور بثبات يعطيها ظهره واضعاً يديه الأثنان بداخل جيوبه الخلفيه مغمض العينين، نسمات الهواء تداعب خصلات شعره ويستقبلها هو بصدر رحب، ابتلعت ريقها وهي تقترب منه بحذر فأسندت ذراعيها على السور طالعته وهي تقول: أنتَ هنا من أمتى؟ وواقف كده ليه؟ مش خايف حد من اهل القريه يشوفك ويعرف حقيقتك؟
قبض حاجبيه بعدما تصنع البسمه وهو مازال مغمض العينين ينظر أمامه فأجاب اسألتها بسؤال أخر: حقيقتي! وايه هي حقيقتي
تنهدت بعمق بعدما استدارت تطالعه بغير تصديق وتنهدت بغضب لم تستغرق شمس ثواني لترد قائله: أنك مستذئب ومافيش حد يقدر يقف الواقفه دي إلا لو كان واثق أنه مش هيجراله حاجه
أخرج ياسين يديه من جيوبه الخلفيه بعدما أفتح عينيه ابتسم ابتسامه صفراء يطالعها بمكر مد ذراعه لها مما جعلها تتسائل: ده أيه؟
هاتي أيدك
كان هذا طلبه فقابلت طلبه بالرفض
لاء
فكرر طلبه مجدداً
هاتي أيدك ياشمس أنتِ عارفه أني ممكن امسك ايدك من غير ما اطلب بس انا بطلب بأدب مع أني قليل الأدب
طالعته شمس بارتباك فالجديه تتضح على ملامح وجهُ فهزت لهُ رأسها بالأيجاب وهي تمد ذراعها فقبض بكف يدهُ على كفها فرفعها معهُ فأصبحت تقف أمامه تسند ظهرها على صدره يحيط بذراعه على خصرها اقتربت شفتاه من أذنها فتحدث بهمس:.
معنديش مانع أن حد يعرف حقيقتي لو ده مش هيضركم ياشمس
كاد قلبها يخفق من سرعته فقربها منه يزيد ارتباكها تستطيع سماع أنفاسه بأذنها ناهيك عن الأرتفاع فالمنظر من هناك رغم شدة جماله إلا أن ارتفاعه يدب الرعب بقلبها فاسترسل هو حديثه قائلاً بابتسامه بسيطه زادت من وسامته:
وعلى فكره اللى كنتِ مسكاه ده مش دكر ده نتايه، غية الحمام دي أنا اللي بانيها واعرف افرق بين الدكر والنتايه بمجرد ما المحه.
مطت شمس شفتيها دلاله على عدم المعرفه وتابعت:
بس أنا مكنتش أعرف أنا كنت فاكره
قاطعها بقوله:
وأنتِ من أمتى بتعرفي حاجه في الدنيا ياشمس
أثار هو غيظها بكلمته فاستجمعت شجاعتها وحاولت أن تستدير لتنظر لهُ حركت قدمها على السور فضم هو حاجبه باستغراب فقبضت بيدها على كف يدُه تحاول الأستداره ببطىء تتشبث بهِ بكل قوتها تنظر لخطواتها فأمسك بها من كفيها يساعدها على الأستداره لهُ فطالعته بعينيه بجديه قائله:.
أنا بقيت اعرف كل حاجه ياياسين، بعرف كل شىء مابقيتش البنت الجاهله بتاعت زمان مابقيتش البنت اللي كانت تستنى نزولك ليها عشان تشوف النور، مابقيتش البنت اللي بتحطها في القبو وتستنى نزولك عليها بفارغ الصبر عشان تحن عليها وتجيبلها الحاجه الحلوه كل اسبوع ومابقيتش البنت اللي كانت بتشوف الدنيا من خلال عينيك
طالعته بتحدي قائله وهي تنظر لعيناه البنيتين ترى أنعكاس صورتها فيهم:.
اصحى فتح عينك ياياسين بصلي كويس شايف قدامك شمس الصغيره الضعيفه اللي سبتها من عشر سنين
مش معنى أنِ معرفتش الفرق ما بين حمامتين ابقى البنت اللي معرفش شىء في الدنيا انا بقيت اقوى بكتير من وقت ما سيبتنا من عشر سنين ومبقاش في حد هنا محتاجلك زي زمان.
لم تكن كلماتها سوى صفعات، صفعات متتاليه على وجهُ فأدرك هو مُنذ هذه اللحظه أنها ليست الفتاه التي تركها مُنذ عشر سنوات كانت نظرات التحدي التي تطالعهُ بها تنهكه تحول دون أن يشعر لشخص أخر لم يكن على سجيته ففعل ما لم يكن بالحسبان، قبض بكف يده على ذراعها فانزلقت هي من على السور متشبثه بذراعه واصبحت تحت رحمته حنى ظهره قليلاً وهو ينظر لها وهي تحاول التشبث به ِ حتى لايتركها فقالت بأنهيار ومقلتيها لاتتوقف عن ذرف الدموع:.
أنتَ بتعمل ايه ياياسين، ماتسبنيش، أنتَ لو سيبتني هقع وأم وت
أردف ياسين بنظرات ثابته في هذه اللحظه الى نظرات مثل نظرات عمار نعم هي ملامح ياسين ولكن ابتسامته. ونظرته. وحركته. حتى نبرة صوته كلها علامات تدل على أنهُ عمار
طب ما انا مُ ت مش معنى أنتِ وهو ماتمو توش.
هنا كانت الصدمه لها، هنا لم تستطع التقاط أنفاسها، هنا دب الرعب بكل أنش بجسدها، فمن رآها يكاد يجزم أنها رأت شىء تشتاق لهُ مُنذ زمن بعيد ولكنه ليس بعمار حبيبها، قال هو جُملته وهو يسحب كف يدهُ من يدها ببطىء فتشبثت بذراعه أكثر تقول بشفاه مرتعشه:.
ياسين، ارجع لوعيك، ياسين انا شمس، شمس اللي ربيتها على أيدك، ياسين بص في عنيا، عيوني اللي دايما كنت بتقول أنك بتحبهم مش أنتَ دايماً كنت بتقولي عيونك حبايبي ياشمس فاكر ياياسين، فاكر ولا نسيت.
قالتها بانهيار ومقلتيها لا تتوقف عن ذرف الدموع تحاول أثاره اي حب متبقي لها داخل فؤاده انتبه ياسين الى ما يفعله فعاد الى وعيه ليجد كف يدها متشبث بذراعه لم يعرف ماذا يفعل وماذا حدث تنفس الصعداء وهو ينطق حروف أسمها ببطىء
شمس
ابتسمت شمس بشفاه مرتعشه فقد عادت نبرة صوته من جديد قائله:
أرفعني، ارفعني ياياسين
رفعها في الحال وهو يضمها إليهِ فنزل من على السور وأمسك بها من ذراعها سائلاً اياها بلهفه:
أنتِ كويسه.
لم تعد قدميها تتحملها بعد الأن فكانت مُنذ لحظات مضت بين الحياه والموت تكورت جالسه على الأرضيه تضم جسدها بذراعيها فاقترب منها هو يطمئن على حالها برعب شديد:
ردي عليا ياشمس، طمنيني عليكي، أنا
بترت كلمته قائله بارتباك:
أمشي، سيبني وامشي
قابل طلبها بالرفض بقوله التالي:
أمشي اروح فين وانا الغريق هنا.
قال كلماته برجاء فرفعت رأسها بهدوء تطالعه بتأمل فقد كانت كلماته بمثابه مناجاه لها نظرت لهُ تتأمل ملامحه ُ الراجيه هتفت قائله:
ياسين أنتَ مش بخير
سرعان ما تحولت نظرات عينيه الى الجمود فابتسم باستنكار
بالعكس أنا عمري ما كنت بخير زي دلوقتي ياشمس
كلماته كانت مختصره فوقف واستقام تنظر له وهو يبعد عنها رفع البيزونت على رأسه فوقف وهو يعطيها ظهره قائلاً:.
أنا مش عارف عملت كده ازاي، أنا عمري ما فكرت في يوم أأذيكي
رحل وتركها خلفه، تركها تسترجع كل ما حدث منذ لحظه وصوله فعادت الى ذاكرتها عند رؤيته للمره الأولى عند لحظه وصوله والكلمه الأولى التي نطق بها هي
رباطك ياشمس.
انخرطت بذكرياتها الى ذكرى أخرى عندما دلفت الى غرفته لتجده ينطق بأسم عمار والدماء تحاوطه وهو يج رح نفسه بالسك ين، حاولت تجميع الخيوط ببعضها ولكن في النهايه لم تصل لشىء فكان ما يحدث أكبر من ادراكها.
استيقظت مشيره على صوت رساله نصيه على رسائل الواتساب فقرأتها بعينيها
جرى أيه يامشيره أزاي تسيبي شغلك وحياتك والمرضى بتوعك كده مره واحده وتنزلي على القاهره من غير ما تقولي لحد. ده مش تصرفات ناس عاقلين أبداً
قبضت مشيره عينيها بقوه تحاول أن تستيقظ لترد على تلك الرساله فكتبت رساله ترد فيها قائله
كان لازم اسافر عشان ياسين لو قعد هنا أكتر من كده احتمال مايرجعش تاني
فرد عليها برساله أخرى:.
ما كده كده ياسين راجع هو مش قالك أن عمار مش راضي يسافر معاه وانه مسافر لوحده
نظرت بجانبها لتلتقط كوب الماء بجوارها لتروي عطشها ثم أكملت كتابه قائله.
أيوه قالي كده قبل ما يسافر ممكن يكون كان بيكذب عليا عشان ما اسافرش معاه ماقدرتش ماسافرش ده ياسين ياكمال ووجوده جنب شمس بيأذيه أكتر، خايفه عليه من شخصيه عمار الوهميه اللي بتظهرله. واحده واحده شخصيه عمار بتتملك منه أكتر وبتخليه يأذي نفسه اكتر واكتر، وجوده جنب شمس هتخللي شخصيه عمار تأذيه بزياده ومش هتأذيه هو وبس وهتأذي شمس معاه.
البنوته باين عليها كيوت وطيوبه ماتستحقش اللي ياسين هيعمله فيها وطبعاً هيبقى مش حاسس ولا واعي بنفسه عشان كده جيت سيبت عيادتي وشغلي وجيت لما اتأخر اكتر من كده
قرأ المدعو كمال رسالتها فكان الدور عليه في الرد فقرأت كلمه يكتب الأن فقامت من على الفراش ترتدي ملابسها لحين ينتهي من الكتابه فنظرت الى خزانه الملابس تستذكر ما حدث بالأمس
رفعت مشيره يدها تبتسم خلفها لعمار قائله:
هاي عمار.
تأفف عمار بضجر فاستدار يصب كامل غ ضبه على ياسين، قائلاً بصياح:
ايه اللي جابها دي مش قادره تبعد عنك يومين
طالعت مشيره ملامح ياسين الغاض به وهو ينظر للفراغ خلفها فعلمت بأنزعاج عمار من وجودها فهي تقرأ ملامح ياسين فتستنتج ما يخبرهُ بهِ عمار كانت ستقول مشيره ردها ولكن منعها ياسين الذي جذبها من يدها فسألها بجديه:
مشيره بجد ايه اللي جابك
ابتسمت قبل أن تخبره:
مش جايز وحشتني.
طالعها باستغراب فصححت حديثها على الفور:
اقصد أنتَ وعمار وحشتوني وبعدين ما أنتَ عارف أنا اتعودت على وجودكم معايا
زفر عمار يتنهد بغ ضب:
الاسطوانه المشروخه
مسح ياسين على وجهُ بضيق يطالعهُ قائلاً:
استنى أنتَ ياعمار
هز عمار رأسه بالأيجاب فنطق ياسين مما جعلها تصمت:
وعشان وحشتك تيجي تقولي إنك مراتي
جاوبته بابتسامه عريضه:.
أنا قولت كده عشان خاطر عمار، أنا عارفه أنهُ هيضايق لو شمس قربت منك لكن لو عرفت انك متجوز أو في حد على الاقل في حياتك هتبعد عنك ومش هتفكر فيك
رفع ياسين حاجبه بغيظ وهو يسألها:
ومين قالك انها بتفكر فيا
طالع عمار، عينيه ولم يقل سوى بضع كلمات:
حتى لو مابتفكرش ادينا بنعمل حسابنا
انتبهت مشيره الى ملامح ياسين الذي حدثها برفق:
أنا شايف يامشيره أن مكانش لازم تيجي
فبتر عمار جملته:.
بس انا شايف انها كان لازم تيجي ووجودها كان ضروري وانها قالت انك متجوز ده يشفعلها اي شىء عملته قبل كده ولا أنتَ كان في دماغك حاجه تانيه
أستغرب ياسين قوله فتابع:
حاجه زي ايه، انت مش هتبطل بقى وطالما مبسوط ان مشيره جت عشان قالت انها مراتي انا كمان مابقاش عندي مانع في وجودها مع اني من غيرها أو بيها انا كنت راجع
فرد عمار بتهكم:.
ابتسمت مشيره فكلماته انتزعت جزء من مخاوفها وعلمت أن ما دبرت له قد نجح ووافق عمار على وجودها بينهما:
افاقت صوت الرساله مشيره من ذكرياتها مما حدث امس فأمسكت بالهاتف تقرأ لها ما بعثه إليها كمال شقيقها:.
اسمعيني كويس يامشيره أنا عارف انك بتحبي ياسين وانه جدع وكويس ووقف معاكي كتير طول السنين اللي فاتت دي ولولا وقفته جنبنا مكنتيش عرفتي تاخدي حقك ولا كنتي شغلتي شركات جوزك الله يرحمه بس ياسين مريض نفسي وقربك منه بيأذيكي أنتِ نفسك دكتوره نفسيه ولحد الأن مش عارفه تعالجيه وبالعكس حالته بتسوء اكتر أنا لولا عجزى واني عاجز مابتحركش من على الكرسي كنت وقفت معاكي قدام اهل جوزك بس ما باليد حيله انا خايف عليكي يامشيره.
اعترضت مسرعه ترد على رسالته:
أنا عمري ما هسيب ياسين ياكمال الا لما يرجع معايا وهعرف ازاي ارجعه، انا ماقدرش اعيش من غيره وانت عارف كده كويس، انا بحبه، والحب من سماته التضحيه، انا لو واثقه ولو واحد في الميه ان لو قرب من شمس هيبقى كويس وعمار مش هيأذيه كنت اول واحده هشجعه ان يقرب منها ويبقى معاها في يوم
طرقت زهره الباب قائله:
مشيره أصحي يلا الفطار جاهز
تركت مشيره الهاتف من يدها وهي تقول:.
حاضر انا جايه يازهره
تركت زهره الباب تستكمل ما كانت تفعله وهو تحضير سفرة الافطار للجميع فوجدت الطبيب أمامها يحادثها بلطف كعادته:
ايه النشاط ده كله يازهرتي، ايه اللي مصحيكي بدري أوي كده لاء وكمان محضره الفطار
قال جملته بعدما أخذ قطعه من الخيار الموجوده على السفره وضعها بداخل فمه فنطقت هي بابتسامه عريضه:
أنت ناسي ان النهارده الجمعه وعادي يعني حاسه اني مبسوطه النهارده قولت اقوم واحضرلكم أحلى فطار.
فتابعت حديثها وهي تسأل عن ياسين برضا:
اومال ياسين فين روح نادي ياسين ياعلي عشان يفطر معانا أنا صحيت مشيره وداخله أصحي الباقي
ضم الطبيب حاجبه باستغراب فأمسكها من مرفقها بلطف يضمها الى صدره بحنان
اي الرضا ده كله أنتِ راضيه عن ياسين كده ليه مش ده اللي كان من يومين مكنتيش عايزاه يقعد دلوقتي صاحيه وبتحضريله الفطار
فجاوبته بابتسامه:.
ياه ياعلي أنتَ لسه فاكر وبعدين ياسين طلع خاطب وهيتجوز وحبيت خطيبته أوي ربنا يهنيهم ببعض
غمز الطبيب بطرف عينيه اليها قائلاً:
زي ما أنا متهني بيكي كده
لم تعلم ماذا تقول فابتسمت بحرج وسألته قائله:
بجد ياعلي مبسوط معايا
انا معنديش غيرك اتبسط معاه يازهره، أنا دلوقتي بس فهمت كنتي عايزه ياسين يمشي ليه؟ بس احب اقولك اطمني ياسين راجع وشمس مش في دماغه خالص
فقالت بلهفه والابتسامه تغزو ملامحها:.
بجد ياعلي يعني ياسين مابقاش يفكر في شمس خالص
فجاوب بتأكيد وهو يهز رأسه بالأيجاب:
أيوه يازهره
فأمسكت بكف يدهُ تجذبه خلفها:
طيب يلا بقى عشان أنا عملالك فطير مشلتت هتاكل صوابعك وراه.
تستطيع أن ترى المكان الذي أعتادت عائله الصاوي الأفطار فيه الخاله حكيمه تتوسط السفره وعلى جانبها الأيمن كلاً من مارال وساره وشمس وزهره وميرا وغدير وعلى الجانب الأخر هم الرجال رعد والطبيب وبربروس ويزن خرجت مشيره لتجلس على المقعد الفارغ أمامها فنهتها الخاله عن فعل ذلك بحزم:
لاء ماتقعديش هنا ده مكان ياسين سيبته فاضي السنين دي كلها محدش يقدر يقعد عليه غيره.
شعرت مشيره بالأحراج واحمرت وجنتيها خجلاً فتأسفت قائله:
أنا اسفه مكنتش أعرف
جاء ياسين من خلفها بعدما نزع طاقيه چاكيته الجلدي من على رأسه يحثها على الجلوس:
اقعدي يامشيره أنا مش هاكل
التقت نظرات ياسين والخاله لم تكن نظرات عاديه فأردفت الخاله
بس أنا قولت مافيش حد هيقعد على الكرسي ده غيرك ياولدي حتى لو مش هتاكل على الأقل تقعد وسطينا
ابتلعت مشيره ريقها فنظرت بجوارها لتجد مقعد فارغ.
خلاص ياياسين مش مشكله انا هقعد هنا
جلست مشيره بجانب الرجال على المقعد الفارغ
فكررت الخاله طلبها بنبره ظهر فيها جيداً أن الصبر لديها انتهى:
اقعد ياولدي خلينا كلنا نتلم على سفره واحده في بيت الصاوي الكبير من جديد
جلس ياسين وهو يتنهد سائلاً عن حسان:
اومال فين حسان هو الوحيد اللي مش موجود
فأجابه الطبيب:
حسان في الأرض من الصبح بدري شوفته وهو بياخد الكتب بتاعته وبيذاكر في وسط الأرض مابيرتاحش غير وهو جواها.
قال ياسين بضحكه منتصره:
المهم أنه يذاكر
بدأت الخاله بمد كف يدها تقطع الفطير وهي تقول:
كلوا ياولاد سمو الله الأول قبل ما تاكلوا
كانت نظرات شمس لياسين نظرات تحتوى من الأرتباك ما يكفي تراقب تحركاته بحذر وهو الأخر كان ينظر لها بنفس الحذر كان بداخلها اسئله كثيره ولكنها لاحظت نظرات والدتها لها فنظرت أمامها على الفور فأخذ رعد قطعه من الفطير بعدما وضع عليه العسل الأسود يطالع الخاله باهتمام:.
أنا قررت أني هسافر ياخاله وهرجع لداغر المانيا
ضمت الخاله حاجبها باستغراب:
ليه ياولدي حصل ايه عشان تسيبنا وتسافر
فابتسمت ميرا بامتنان على خوف الخاله بأن يبتعدوا عنها فردت بابتسامه بسيطه:
ماتقلقيش ياخاله احنا مش هانروح نقعد على طول هي بس فتره الشتا اللي داخل علينا ده مش اكتر رعد ناوي يبيع كل ممتلكاته هناك في المانيا عشان نرجع ونكبر المشروع هنا مع يزن
استكمل رعد حديث ميرا:.
انا بقالي فتره مابروحش غير في الاجازه ازور داغر وهدير اقعد اسبوع بالكتير وارجع والقصر قاعد محدش بيدخله أنا أولى بفلوسه وكمان قررنا على شىء انا وميرا هنعمله
ابتسمت ميرا عند قوله هذا فقالت بابتسامه واسعه:
انا قررت أنا ورعد نتبنى طفل من هناك وهنربيه هنا
فسألت مشيره بجديه وبعدم فهم:
ليه هو أنتوا مابتخلفوش؟
تبادل الجميع النظرات فحك ياسين جبينه قائلاً:
اه العيب مني أنا عشان كده هما مابيخلفوش.
فابتسم رعد وأجاب على سؤالها بلطف يبرر:
اه فعلاً أنا مابخلفش عشان كده قررنا نتبنى طفل
تبادلت ميرا ومشيره النظرات في صمت فقطعت مشيره الصمت قائله:
أنا اسفه لو كنت سألت سؤال ضايقك ياميرا
ابتلعت ميرا ريقها وكأنها غصه مريره في حلقها قائله:
لا أبداً محصلش حاجه
وناويين تسافروا امتى ان شاء الله
كان هذا سؤال الخاله الذي وجهته لرعد فأجاب على الفور دون تردد
النهارده بالليل ان شاء الله
فنطقت ساره مسرعه:.
علي طول كده انتوا كده مش هتحضروا فرحي انا ويزن
مش هو اتأجل شهر واحد بس ياخاله
أيوه يابتي
فابتسمت ميرا قائله:
ماتقلقيش في خلال الشهر ده أكون خلصت شويه حاجات واول ما تتفقوا على معاد الفرح هاجي على طول ونبقى نرجع تاني نخلص حاجتنا
فأردف بربروس:
تذهب وتأتي بألف سلامه يارعد
حبيبي يابربروس
وايه أخبار داغر عمل العمليه ولا لاء
كان هذا سؤال ياسين فأردف يزن يقول:.
للأسف حاول يعملها بس مانجحتش ومحاولش يعمل عمليه تاني ودلوقتي عايش هو وهدير في سلام نفسي بعد كل اللي حصلنا
فسألت مشيره مستفسره:
ليه هو أيه اللي حصلكم؟
من الواضح بأنها لا تعلم شىء عن حياة ياسين وتحاول معرفة المزيد عنه فرد ياسين بتهكم:
مش وقته يامشيره هبقى أحكيلك بعدين
فأكملت الخاله حديثها لغدير:
وطبعاً عروستنا الصغيره هتفضل معانا
فأجابت تدعم كلامها:
أكيد طبعاً، أنا قدمت الكليه بتاعتي هنا ياخاله.
فاعترض رعد بقوله:
أيوه بس
فقطاعته الخاله:
بس أيه يارعد، ماتقلقش على غدير، غدير هشيلها في عنيا وبعدين طول العشر سنين اللي فاتوا ما كانت بتيجي كل أجازه وتقضي معانا هنا في القريه اجازتها كلها وأنت بتبقى في مصر أنت وميرا يعني مش أول مره أنا ربيتها هي وحسان سوا سيبها وأتكل أنتَ على الله أنا عارفه أن غدير متعلقه بينا وبالقريه.
انصاع رعد الى أوامر الخاله فنظر بربروس الى ساعته باستعجال ليجد أن الوقت مر سريعاً فخطبه الجمعه ما تبقى عليها سوا القليل فنهض مسرعاً يردد بقوله:
اللعنه لقد مر الوقت سريعاً هيا فالله ينادينا لنلبي نداءه جميعاً.
كان في حيره من أمره يتذكر ما حدث لهُ بالأمس يرى أمامه عيون ياسين، التي تحولت الى اللون الأحمر القاتم فأخذ يسرد ما رأه الى الظابط أحمد فقال بتهكم:
أنتَ ليه مش قادر تصدقني والله العظيم أن ده حصل.
يابني أدم بقولك عيونه اتحولت للون الأحمر عينه كانت عامله زي عيون الشيط ان أنا كنت حاسس من الأول أن العيله دي فيها حاجه مش طبيعيه من أول ما رجعوا القريه وشوفت جثث بني أدمين اتحولت لذئاب بقالي سنين بدور وراهم مش عارف أمسك دليل واحد ضدهم
فابتسم الضابط أحمد على قوله:
عايز تقول أنهم أعوذوا بالله عف اريت
أشار برأسه بالنفي يشاور بأصبعه:
لاء هما مش عفا ريت بس عنيه، عنيه بس هي اللي زي الشي اطين.
قال أحمد بنفاذ صبر:
هنرجع للتخاريف دي تاني
ضرب بيده على المكتب بعنف:
أنت ليه مش عايز تصدقني
انتزع الكاب من على رأسه وهو يقول
عشان ده مش كلام ناس عاقلين أبداً، وصدقني نكشك وراهم مالهوش اي فايده هتتعب روحك على الفاضي.
خرج الجميع من المسجد بعد خطبه الجمعه يرتدون الملابس البيضاء الأطفال تركض أمامهم بين الغطيان الخضراء يضحكون بسعاده ومرح اصوات ضحكاتهم تملىء المكان فقريه الصاوي يسودها الحب بكل مكان وبقلوب سكانها اقترب يزن من ياسين فسار بجواره:
انا هرجع مصر قريب طالما الفرح اتأجل وكنت عايزك معايا الأيام اللي جايه في المعرض بتاعي ايه رأيك ياياسين
فأجابه ياسين بسؤال وهو يطالعه بعينيه.
بذمتك مش أمي هي اللي طلبت منك تقولي كده
حاول يزن الهروب بعينيه من نظرات ياسين فاكمل ياسين حديثه:
عينيك قالت أجابه سؤالي، انا عارف ليه أمي بتعمل كده عايزه تربطني هنا عايزه تخليني جنبها
وايه المشكله ياياسين مش كفايه غربه لحد كده، الخاله صحتها في النازل وعلى لوحده مش هيقدر يمشي القريه زي ما ماشيه دلوقتي هي محتاجاك تكون هنا جنبها من حقها ياياسين انك تبقى جنبها
فرد عليه وكانت أجابته قاطعه:.
للأسف كلها يومين بالكتير وهاخد مشيره وارجع مطرح ما كنت يايزن انا ماكنتش ناوي اقول لحد الا وقت السفر ورقمي أديك عارفه أول ما تنوي ابعتلي هتلاقيني جيت على طول
يعني مافيش فايده ياياسين
ابتسم ثم أردف:
سيبني على راحتي.
تمر الساعات سريعاً فيجهز كلاً من رعد وميرا حقيبتهما أستعداداً للمغادره فأعطت الخاله مفاتيح السياره الى ياسين
خد ياياسين وصلهم للقطر ياولدي
أشار ياسين برأسه بالموافقه فصعد الى السياره ذهبت ساره خلف ميرا
هتوحشيني ياميرا
ضمتها ميرا وأخذتها بين أحضانها:
انتِ أكتر ياساره.
وعلى دون غره شعرت ساره بدوار مفاجىء وضعت يدها على جبينها فاهتزت الأرض من حولها أمسك بها يزن لكي يسندها حتى لا تفقد توازنها وجلست على المقعد خلفها سألها والخوف يملؤ عينيه
ساره مالك فيكي أيه، حاسه بأيه
حاولت أن تستجمع نفسها قليلاً وهي تبلع ريقها:
ماتقلقش عليا يايزن شويه صداع ودوخه بييجوا مره واحده وبيروحوا لحالهم
فقالت الخاله بأصرار:
قومي، قومي روحي مع ياسين يوصل ميرا ورعد وتفوتي على المستشفى.
مش وقته ياخاله
فاعترض يزن على ماقالته ساره
ومش وقته ليه ياساره قومي تعالي معايا
أمرت الخاله شمس قائله:
روحي معاها ياشمس ماتسيبهاش لوحدها يابتي
طالعه شمس ياسين الواقف أمامها فهرب بنظره قائلاً:
أنا هستناكم بره.
كان حسان يجلس بمكانه المفضل المقرب بقلبه وهو بقلب الغيطان فأتى إليه فريد يقترب منه ببطىء يتصنع البسمه قائلاً:
شد حيلك يابطل سمعت أنك هتدخل الملاحق مع أن والله ما ليها لازمه هتطلع ايه يعني في الأخر كلها محصله بعضها
قام واستقام ينظر له باستغراب:
قول كده لدكتور على وعم ياسين
رفع حاجبه واقترب من حسان واضعاً ذراعه على كتفه قائلاً:
عم ياسين، ليه هو عنده كام سنه
ارتبك حسان يبلع ريقه ببطىء قائلاً:.
يعني نص التلاتينات كده
أشار فريد بيده:
غريبه مع أن شكله اصغر من كده الا قولي هو ياسين اكبر ولا دكتور علي
فأجاب قائلاً:
لاء، دكتور علي
جلس فريد يربع قدميه على الأرضيه فأشار بيده لحسان بأن يجلس بجواره:
الا قولي ياحسان أنتوا أيه حكايه الذئاب معاكم
ردد حسان كلمته بارتباك:
الذئاب
طالعه فريد والشر يتطاير من عيناه:.
اسمع ياحسان أنتَ هتحكيلي حالاً كل حاجه عن عيلتكم وأصلها وفصلها وياسين ده جنسه أيه فاهمني ياحسان كل شىء
أشار حسان بالموافقه والرعب يدب بقلبه من نظراته له.
هما الأن بالمستشفى بعدما أوصلوا ميرا ورعد الى القطار المتوجه الى أسيوط يقف كلاً من ياسين وشمس أمام بعضهم البعض يسند كل منهما ظهره على الحائط بانتظار خروج ساره من غرفه الطبيب هي ويزن تبادلوا النظرات القلقه لثواني معدوده فقطع هو تلك النظرات بنطقه حروف أسمها
شمس.
اقترب منها يقف بجوارها يحاول أن يبرر لها ما حدث هذا الصباح فطالعته باهتمام وقبل ان يبدأ حديثه خرج كلاً من ساره ويزن من غرفه الطبيب اسرعت شمس الى ساره سائله
أيه قالكم أيه؟
فأجاب يزن وهو يقبض الروشته بكف يده:
ماقالش بس طلب نعمل أشعه على المخ في الدور اللي فوق
هنا لمعت عين شمس أخذت الروشته تدقق بها:
دي أشعه بالصبغه على المخ مقالكش ليه
شعرت ساره بالدوار مره أخرى فأسندها يزن بذراعيه.
لاء مقالش انا لازم اطلع بيها بسرعه الظاهر ان احنا هنطول لو حابين تروحوا روحوا انتوا بدل ما تفضلوا مستنيين
فأجاب كلاً منهم بالرفض في نفس واحد:
اكيد لاء
فسكت كلاً منهم فبدأ ياسين بالحديث
صعدوا جميعاً للأعلى فطلب منهم الممرض أن يبقى مع المريض شخص واحد فقط فلا داعي للباقي ذهب يزن معها على الفور وانتظروا هم بالخارج شعرت شمس ببعض البروده من المكيف فأشار لها ياسين بعينيه:
تحبي نستنى في العربيه.
أشارت برأسها بالموافقه:
ياريت المكيف هنا عالي أوي.
مضى الوقت سريعاً لم ينتظر يزن حتى يذهب الى الطبيب مره أخرى بالأشعه فسأل الطبيب المسؤول عن الأشعه بما يوجد بها فأجابه الطبيب بكل أسف
للأسف عندها كانسر في المخ وفي مرحلته التانيه
ردد كلمته بانهيار تام بعينيه والصدمه تعتلي وجهُ.
التعليقات