التخطي إلى المحتوى

لدى كل مِنّا جُزء خفي لا يعرفه أحد، يخفيه حتى من نفسه ولا يعترف بوجوده، ذٰلِك الجزء الأكثره تعريًا، الأكثر حقيقةً هو ما يخاف الجميع إظهاره للعالم، وحتى إظهاره أمام المرآة كان شَيء  مرعب، لذا إنكار وجوده كان الحل، ولكن الإنكار هو فقط خداع الذات قبل أي أحد، حيَنما تقف أمام المرآة لا أحد أمامك سواك، وهذا الذي يحدق بك عليك أن تقبل بِه، بكل أسراره السوداء، وكُل جوانبه الخفيّة، وإلّا أسقطك الجَميع بسهولة..

+

روسيل كانت تعلم جيدًا ماذا يعني ذٰلِك، ففي كل مرة تنظر للمرآة كانت تبتسم لِذٰلِك الجانب الخفي مِن روحها، امرأة حُرّة لا شيء قادر على تقييدها وإخضاعها تحت سلطته، تفعل ما تُريد ولا تَستَمِع لأي تحذيرات، ليس لأنها متهورة وحسب، بل لأنها مؤمنة أن لها الحق في الإختيار والسير في الطريق التي ترغب بها، وليس الطريق التي رسمها لها من يحيطون بها، بالرغم من كل القوانين الصارمة إلّا أنها حطمتها جميعها في سبيل متعتها وسعادتها، كانت تجيد التعامل مع الجَميع بالطريقة التي يحبونها، تسايرهم لإرضائهم ثُم حينما يستديرون تبدأ بفعل ما تريده هي، وقد كانت بأساليبها هذه تنجو من الكثير..

10

ولٰكِنّها لا تُدرِك عواقب ما تَفعلَهُ، فيليكس كان يشعر بالغضب نحو ما قامت به من تصرُّف طفولي، كان يرغب في توبيخها حينذاك ولكنه إنتظر حتى أصبحت معه في السيارة ليسألها بِنَبرَة صارمة..

+

” ما الذي حدث في الداخل آنِسَة روسيل!؟..”

+

نبرة صوتَهُ جَعلتَها تَنظُر له بحذر من المِرآة، ثُم عَينيها أصبحت بريئة وهي تسأله وكأنها لا تفهم مقصده..

+

” ماذا؟..”

+

كان فيليكس حافظًا كُل أساليبها، يعرِف ما تنوي عَليه من نَبرَتها ونظرة عَينيها، لذا لم يَكُن مقتنعًا بجهلها لمقصده، ومع تحرك السيارة وإبتعادهم عن ملكية فولكوف، جاء جوابَهُ بِنَبرَة منزعجة..

+

” إن كُنتِ تَرغبين بقتله فقط إطلبي مني سلاحي، وصوبيه نحو قلبِه..هذا ما تَفعلَهُ عائلة غوركي..”

11

ولٰكِنّها لا تُحِب أساليب عائلتها لتلتزم بقوانينهم، كانت تستمتع بتحطيم كل ما يتعلق بقواعدهم، رُبما في الأوقات التي تراها هي وحسب مناسبة تتصرف كواحدة منهم، ولكن ليس الآن، وليس مع الماركيز ليونيد الذي يحاول الوصول لشيء تجهله، لقد بدأ الأمر يروق لها، بطريقةً ما هٰذا الشعور الجديد يُثير فضولها لإكتشافه، وهذه التجربة الجريئة تجعلها شغوفة متلهفة لرؤية القادِم، عَضّت عَلى شفتها السفلى تُحاوِل منع ذاتها مِن التبسم قبل أن تجيبه وهي تعبث بِشعرها..

+

” مُمِل جدًا يا عزيزي فيليكس..القتل بالسلاح..هٰكذا بسرعة، دون التمتع بضحيتك..”

17

راقَبها فيليكس من المرآة، في أحيان كثيرة كالآن لا يفهم ما تفكر به، وإلى أين ترغب بالوصول، متمنيًا في داخله أن تكتشف قبل فوات الأوان أن ما تفعله له عواقب قد لا تحتملها، ولٰكِن أنثى كروسيل كانت تستمتع في اللحظَة التي هي تعيشها لا تفكر بما سيحدث في اللحظَة التي تليها، وفي عالمها كان هٰذا أعظم الأخطاء، فهُناك من يتربص لها وينتظر لَحظَة وقوعها، ينتظرون رؤيتها تستدير ليحيكوا المؤامرات، وهي حتى مع إدراكها لِكُل هذا لم تكن تُبالي، وكأنها ترى بِأنّها مصنوعة من الفولاذ لا شيء قادر على المساس بِها..

3

* * *

+

عاد ليونيد بسرعة لغرفته كالمجنون ليغتسل متخلصًا من ثيابه المتسخة، حتى هٰذِه اللحظَة لا يستطيع تصديق ما فَعلتَهُ إبنة غوركي به، لقد جذب كارثة نَحوَهُ ولٰكِنّها كارثة مُغرية، والأهم من هذا خطته جلبت النتيجة التي كان ينتظرها بالفعل، الآن سينتقل لمستوى جديد مِن الإثارة، لشغف ولهفة وإغواء مُدبّر، إبتَسَم وهو يرتدي ثيابه النظيفة، قميص أبيض ربيعي، يمتلك خطوط زرقاء، وبنطال جينزي، بشعره الذي لايزال مُبلل، غادر غُرفَة نومه وقد عاد مزاجه راكِدًا بعد تخلصه من كل تلك الأوساخ، التفكير بأنه كان مُلطخ بالطين يجعل من شعر جسده يقف، إن لم تكن روسيل أُنثى لكانت ميتة الآن بعد ما فعلته به، حينما وصل للأسفل كان الجَميع في هٰذا التوقيت متواجد، فقد كانت إجازة التوأم الصيفية بدأت، وحده فلاديمير الذي لم يَكُن متواجدًا، ويعلم جيدًا ما الذي يفعله وأين يَكون، بِالرُغم من أن فلاديمير يحرص على الحفاظ على خصوصيته إلّا أن الأمر كان مستحيلًا مع وجود ليونيد الذي يضع عيناه في كل مكان ليراقبه، رُبما كان هذا بسبب أنه لا يُحب أن يكون هناك شيء يجهله عن أحد أفراد عائلته وربما حرصًا على معرفة كل ما يفعله من هم حوله، ليونيد رَجُل يجب أن يكون على دراية بِكُل شيء، مسيطرًا على الجَميع وعلى كل ما يحيط به، وبالرغم من ذٰلِك كان يشعر بالإرهاق تجاه فلاديمير..

13

        

          

                

حال وصوله لصالة الجلوس، نظر له لوكا الذي يحمل صحن الشطائر الخاص به ويأكل شطيرته أمام نيكولاي الذي كان منشغلًا بترتيب قطع اللغز في الطاولة، ويجلس في الأرضية يَبدو عليه التركيز، لطالما تعجب ليونيد من الإختلاف بينهما، لوكا كان مزعجًا مشاغبًا بينما نيكولاي كان يحب أن يكون عاقلًا في أغلب الأوقات، لوكا كان أكثر من يثير المشاكل وهو من يحفز نيكولاي على المشاغبة، لوكا يحب الأكل واللعب أكثر من أي شيء آخر، بينما نيكولاي كان يحب الجلوس والنوم والألعاب التي ترهق العقل أكثر من الجسد، بِالرُغم من ذٰلِك إنهما لا يفترقان للحظة واحدة..

12

كعادته ليونيد إقترب من مكان جلوس لوكا لينتزع صحن الشطائر منه، مستمعًا لصرخة الإعتراض الصادرة منه، قبل أن يجلس بجانبه يخاطبه بِنَبرَة منخفضة لا يستطيع نيكولاي سمعاها..

1

” هل تَعلَم بأن تغذية العقل أهم من تغذية المعدة أيُّها الكسول..”

8

كان قد أنهى لوكا شيطرته التي إنشغل في إلتهامها، بِنظرَة حاقدة رمق نيكولاي الذي كان مندمجًا في ما كان يفعله، ثُم وقف على قدماه فوق الأريكة بِجانِب ليونيد، ليهمس له وكأنه يخبره سرٌ خطير..

+

” أنا أنتَظِر أن يذهب نيكولاي للحمام حتى أستطيع إفساد وبعثرة لعبته..”

21

رَفَع ليونيد حاجباه متفاجئًا وهو ينظر له يبتسم ببرائة زائفة، مدركًا أن اليوم ستحدث معركة بين التوأم، وسيكون هو أول المتفرجين، نقل بصره بينه وبين نيكولاي قبل أن يهمس للوكا الذي لايزال واقفًا في مكانه بجانبه..

+

” أنت شرير كبير..لماذا ترغب بهدم مجهوداته؟..”

8

تذمر حينها لوكا بهمسٍ مُنفعل مجيبًا سؤال ليونيد..

+

” أنا أطالبه بأن نلعب في الخارج كرة القدم، ولكنه يخبرني بأن علي أن أنتظره هنا حتى ينتهي من لعبته المُمِلّة هذه لنذهب بعد هذا نلعب خارجًا..لقد أغراني بِهٰذِه الشطائر حتى أنتظره..”

6

أشار للصحن الذي كان في حوزة ليونيد، حينَها نظر له ليونيد قبل أن يأخذ أحَد الشطائر ليلتهمها أمام أعيُن لوكا التي إتَسَعَت بينما ينحني محاولًا أخذ الصحن منه يهتف بإنزعاج..

3

” لا لا..لن تأخذها مني..”

7

أزاح ليونيد الصحن بعيدًا عن متناول لوكا الذي يحاول الوصول له، وقد بدأ الآخر بتناول الشطيرة التي في يدَهُ الأُخرى، لينظر لَهُم حينذاك نيكولاي تاركًا ما في يده، مستمعًا لصوت لوكا الذي كان يهتف بالنجدة لينَهض نيكولاي من مَكانَهُ متجهًا نحوهما مساندًا لوكا الذي كان يهتف مناديًا لوالدته، هجم كلًا من التوأم على ليونيد ليبدأ بِالضِحك مستمتعًا بإزعاجهما، ثم شاهد كيف كان نيكولاي يقفز ليصل للصحن، دون جدوى، حينذاك قام لوكا بشد شعر ليونيد الذي حينَها صرخ به وقد دفعه بعيدًا منه ليقع لوكا على الأريكة، ومع سقوطه أسرع نيكولاي نحو توأمه يسأله بقلق بينما يهز جسده.. 

29

        

          

                

” لوكا هل أنت بخير؟..”

5

عدَّل حينذاك ليونيد شعره بينما يخاطب لوكا الذي كان مستلقيًا على الأريكة يمسك بمعدته على وشك البكاء..

+

” لا تتجرأ مجددًا لفعل هذا بشعري، أيُّها الشيطان الصغير..”

4

حذَّره بطريقة جعلته يبقى على حاله دون حركة، كل ما فعله هو  الهمس متذمرًا..

+

” أريد شطائري..”

+

تركه نيكولاي ليقف أمام ليونيد يخاطبه بِنَبرَة غاضبة..

+

” إن كنت تريد شطائر سأخبر العاملة بأن تصنع لك واحدة، فقط قُم بإعادة هذه له..”

10

رفع ليونيد حاجباه وقد مال رأسه للجانب معجبًا بطريقة شقيقه بمخاطبته، لا يَعلَم لماذا ولكنه يحب إزعاجهما، لذا مبتسمًا أردَف بِنَبرَة ساخرة..

5

” حقًا!..ياله من إقتراح رائع!..ولكنني أريد هذه..”

28

أشار للصحن الذي في يدَهُ، ليرى كيف كان نيكولاي يحاول ألّا يهجم عليه هو الآخر، وقد أخذ أحدى الشطائر ليتناولها أمامه متلذذًا، حينذاك لاحظ كيف أصبحت وجنتاه حمراء مع غضبه، كان يَبدو لطيفًا وحسب، بِالرُغم من معرفته بأن نيكولاي قد يلجأ للعنف حينما يستفزه أحدَهُم، وقد كان يكبح ذاته فقط لأنه يقف أمام شقيقه الأكبر، ولأنه بِالرُغم من كل شيء يخاف منه، لذا كل ما فعله هو الإسراع بأخذ الصحن منه على حين غفلة، حينذاك هتف ليونيد..

2

” أنت!..أيُّها….”

2

” ماهذه الضوضاء هُنا!؟..”

+

قاطعه صوت والدته، لينظر نَحوَها بينما تتجه نحوهم وخلفها والِدَهُ، ملامحهما كانَت تدل على شيء واحد وهو بأنهما خاضا شجارًا ما، ومن نظرات والده نحوه أدرك بأنه هو السبب في هذا الشجار، إستمع لصوت لوكا الذي ركض ليحتضن ساق والدته بينما يثرثر بِنَبرَة باكية..

3

” ماما..ليونيد قام بأخذ شطائري، ورفض إعادتها لي، ثُم دفعني من وجهي لأسقط على ظهري، أنا أتألم..”

21

إحتضنته لوسيانا قبل أن تحمله، تمسح دموعه، ثُم قبل أن تقول شيء جاء صَوت ليونيد معترضًا..

+

” لم أقُم بأذيته..لا تكذب أيّها المحتال الصغير..”

6

تعمَّد لوكا أن يرفع صَوت بكاءه لتأخذه هو وشقيقه معها لحديقة المنزل، حتى يهدأ كلًا منهما، نيكولاي أمسك بذراع والدته ليغادر برفقتها وهو يرمق ليونيد بنظرات لا تنُم على الخير، رُبما سيخطط كلاهما للإنتقام منه، يعلم بأن عقليتهم الطفولية العنيدة لن تجعل من الأمر يمُر مرور الكرام، لذا لن يعود اليوم إلى هنا حتى وقت متأخر ليكون التوأمين نيام، حال خروجهم وقبل أن تغادر والدته تمامًا إستمع لصوت والده الذي جاء موبخًا عاليًا وكأنه يُريد من زوجته أن تسمعه..

17

        

          

                

” ما هذا الذي فَعلتَهُ يا ليونيد!؟..”

+

حينذاك واجهت عَيناه والِدَهُ الذي كان ينظر لجسد زوجته تغادر المكان، وحينما تأكد مِن مغادرتها نظر لليونيد الذي يَجلِس عاقدًا حاجباه يحاول فهم ما يَحدُث، حتى إبتَسَم والِدَهُ قائلًا بحماس بينما يجلس في أحد الأرائك..

+

” كَيف فعلتها؟..”

9

أدرك حينها ما يقصده والده، إنه يتحدث عن ما فعله بِصفقة غوركي، لذا ضَحِك قبل أن يجيب عابثًا بأنامله بِنَبرَة مغرورة..

+

” لدي لمساتي الخاصّة..”

4

راقبه السيد فاليري متفحصًا، إنه يعلم بأن هناك شيء في رأس إبنه، وهو ما يوهبه الدافع لفعل كُل هٰذا، بدايةً برغبته للحصول على الأرض نهايةً بإفساده لصفقة غوركي، الأمر الذي سيوقعهم في مشاكل كبيرة لا نهاية لها، مسبقًا لَم يَكُن يتعمد الوقوف في طريقهم، كانوا فَقط سيحصلون عَلى الأرض دون الضغط على أي طرف، بل بفضل علاقاتهم القوية، كان الأمر محسومًا مُنذ البداية، ولكن الآن ها هو ذا يتلاعب بكل الأطراف بنوايا يجهلها، إستند السيد فاليري عَلى الأريكة، ينظر لإبنه وكيف كان هو الآخر مبتسمًا، ثم خاطبه بِنَبرَة جدية..

+

” والدتك غاضبة منك، لا تريدك أن تعبث مع رجال كغوركي، ولٰكِنني أخبرتها بِأنّك تَعرِف ما تفعله، ولن يحدث لك شيء كما أنهم لن يفعلوا شيء يضرنا..”

2

لا يَعلَم السيّد فاليري بأن إبنه يعبث مع إبنتهم في المقام الأول، وأن كُل هٰذا خلفه أنثى تمتلك أعيُن تقوده للجنون والهلاك معًا، ليونيد لا يَستطيع تخيل موقف والده من الأمر، بِالرُغم من تساهله معهم، إلّا أنه قد لا يكون متساهلًا مع عبثه بِهٰذِه الطريقة، نظر نحو الزجاج العازل لحجرة الجلوس والحديقة حيث كانَت والدته تجلس مع التوأم منصته لثرثرتهما، قبل أن يقول ردًا على والده..

1

” سأراضيها لاحِقًا..الآن هي تستمع لإفتراءات التوأم..”

+

” إنهما أطفال..”

5

علّق والده ضاحكًا ملاحظًا نظرات الغيرة في أعيُن ليونيد، يعلم بأن إبنه يرغب بأن يَكون الإهتِمام له هو وحسب، وقد كان ذٰلِك جُزء من شخصيته التي تستفز إخوته، واجه ليونيد والِدَهُ مُجددًا يقول هازئًا..

9

” شياطين صغيرة..”

3

ضَحِك السيد فاليري مُجددًا، قَبل أن ينهض من مكانه، مقتربًا من ليونيد الذي يراقبه جالسًا، ثُم قبل أن يغادر نحو زوجته، نظر لإبنه وربت على كتفه قائِلًا بإبتسامة لا يفهم ليونيد المغزى منها..

+

” كن حذرًا..غوركي لا تَعرِف الرحمة..”

1

وهو لا يعرِف الرحمة كَذٰلِك، فولكوف لم يسبق لها الخضوع والرضوخ لأحد، وغوركي إن حاولوا العَبث معه سَتكون تِلك آخر لحظاتهم على الأرض، هٰذا ما كان يخبر ذاته بِه، لم يظن بأن العِشق بإمكانه العبث بأوراق لعبته، وأنه بإمكانه إخضاع قَلب أقوى الرجال وأذكاهم، حتى وإن كان أمير هٰذِه المدينة وسيدها، لَم يَكُن يظن يومًا أن بِإمكان سُلطَة تقييده، وتحريره، وأن بإمكان صوت واحد تحدي قوته، كان رجل شجاع ليتحدى قلبِه أمامَها..

+

        

          

                

* * *

+

السابعة ليلًا بتوقيت التهور | سانت بطرسبرغ..

13

إبتسمت وهي تَضع أحمر الشفاه الزهري على شفتيها، ثُم قبلت إنعكاسها قبل أن تبتعد آخذه حقيبتها، خارجة من غُرفَة نومها، بثوبها الأزرق المناسب للخروج لنزهة، بِالرُغم مِن رغبتها لإرتداء أفضل ثيابها وأكثرهن جمالًا وإغراءً، ولكنها لم تكن ترغب بأن تثير الشكوك، لذا إختارت أكثر ملابسها بساطةً، ومع نزولها ووصولها للخارج دون أن يعيقها أحد، شاهدت شقيقها آركادي يترجل من سيارته، راميًا بمفتاحها لأحد الحرَس، لقد كان الوقت باكرًا لعودته، لذا عَقدَت حاجِبيها مقتربه منه لتسرق إهتمامه بينما تقول بِنَبرَة حائرة..

2

” آركادي ما الذي تفعله هُنا؟..”

+

نَظر نَحوَها بملامحه المرهقة متأملًا هيئتها، قبل أن يجيبها بصوتٍ مُتعَب..

+

” أُريد البقاء في المنزل اليوم..”

1

بَقيَت على حالها صامتة مَع سماعها لكلماته تجهل سبب عودته باكرًا، لقد كانت تريد منه أن يخبرها السبب، ولكنه كالعادة وكعادتهم جميعًا لا يقحمونها في أعمالهم، نظر فقط لهيئتها قبل أن يسألها..

+

” هل ستخرجين لمكانًا ما؟..”

+

إتَسَعَت إبتسامتها تنظر لثوبها، ثُم مَررت أناملها عَلى شعرها الذي تعبث به الرياح، لتقول بِنَبرَة مبتهجة..

+

” نَعم سألتقي ببعض الرفاق..”

2

كان يحيره دائمًا كيف بإمكانها البقاء هٰكذا مبتهجة بِالرُغم من العيش معهم، والقوانين التي تقيد حياتهم، لَم يَكُن يفهم كيف تحافظ روسيل على ذٰلِك البريق في عَينيها الواسعة الذي بإمكانه أن يعمي أي رَجُل للضياع فيهن، رُبما كانَت تُحاوِل جاهدة تَجاهُل الحقائق، ولرُبما كانَت بِالفِعل لا تُبالي بشيء سوى راحتها، بينما كان يتأملها لاحَظَت روسيل كيف كان يَبدو متعبًا وقد إلتهم قلبها الذنب، مع إدراكها بأنها هي جُزء من كل ما يَحدُث له الآن، مدت يدها نحو ذراعه بينما تسأله بقلق..

+

” هل أنت بخير؟..”

+

عاد لها مع شعوره بلمستها على ذراعه، كانت نظرته حينذاك ضائعة، ليتنهد قبل أن يبعد نظره عنها لا يرغب أن تراه هكذا بينما يجيبها بنبرة متضايقة..

+

” لا..دينيس يرغب بتحطيم الماركيز ليونيد فولكوف، وقد خضنا شجار في هٰذا الأمر، إنه يتصرف بطريقة هوجاء دون تفكير وهذا قد يقودنا للهلاك..”

6

لم تعد روسيل تفهم كيف كان يُفكِّر دينيس، إنه يرغب بأن يقودهم جميعًا للجحيم، لقد جربت هي كيف سيكون رد فعل الماركيز ليونيد إن أحدَهُم عارض طريقه، وإن لم يخضع له أحد، بطريقةً ما أدركت أن هذا الرَجُل أخطر بكثير من رجال عائلتها، وأن عليها أن تخاف منه أكثر مِن خوفَها مِنهم، لِذا كانَت تخاطر الآن بخروجها برفقته، صوتها الناعم جاء منزعجًا وهي تُزيح يَدها عن ذراع آركادي..

+

        

          

                

” إنه مغرور ومُسيطر، ورؤيته لمن هو أقوى منه تثير غيرته وحسب..”

+

كانت على حق في ذٰلِك وهو يَعلَم أن تلك حقيقة دينيس، ولكنه لا يستطيع الوَقوف في وجهه طالما هو سيكون الرَجُل الآخر بَعد والده من يقود هٰذِه المملكة، كان فقط يأمل ألّا تسقط بسبب حكمه، إنه يثق بأن شقيقه هو الأنسب، لرُبما لأنه لا يملك عاطفة من أي نوع، وعملهم يحتاج لمن لا يحمِل في قلبِه الرحمة، نظر لَها بينما يدرك تِلك الحقيقة ثُم خاطبها بِنَبرَة مُشتتة..

+

” رُبما..ولٰكِن حتى الآن أجهل سبب إشعال هٰذِه الحرب المفاجئة هٰكذا، لقد كُنت مستعدًا لترك الأرض لهم، ولكن….”

+

توقف عن الكلام حينما أدرك بأنه كان يقول الكَثير، وقَد شاهدها تنتظره ليكمل والإهتمام جليًا عَلى مَلامِحها، حينها تنهد قبل أن تخرج كَلِماته بِنَبرَة يائسة..

+

” لا عليكِ فلتذهبي لموعدكِ لا أُريد تأخيركِ..”

2

كاد يتركها ليدخل لِلداخِل ولٰكِنّها وقفت أمامه تمنعه من الذَهاب بينما تخاطبه مبتسمة..

+

” لَن أذهب إن كُنت ترغب بمن يبقى بجانبك، بإمكاننا الخروج للشرب والرقص معًا ما رأيك!؟..”

2

إقترحت بحماس جاعلةً مِنه يبتَسِم، قبل أن يخاطبها محذرًا..

+

” روسيل..لا لِلشُرب، فقط إذهبي لأصدقائكِ وعودي باكرًا..”

1

تَلاشَت إبتسامتها مُبتعدة عَنه، كانَت تنزعج مِن الأوامر وما أزعجها أكثر هو صده لها، لقد كانَت مستعدة للبقاء معه وترك كل شَيء لأجله، ولكنه لم يرى أيًا من ذلك بل كان كعادة رجال العائلة يحبطون كل محاولاتها للإستمتاع بحياتها، مع إبتعادها عنه خاطبته بطريقتها المستفزة مُبتسمَة له..

4

” حسنًا كُنت أحاول أن أكون لطيفة معك، ولكنك في نهاية الأمر رجل من رجال غوركي..”

+

” ما الذي تقصدينه!؟..”

7

سألَها عاقدًا حاجباه لتهرب منه، هي دون أن تسمح له برؤية إرتباكها وهي تهتف بكلماتها الساخرة..

+

” ماذا يقول العرب!..المعنى في قلب الشاعر!..معدته!..بطنه!..لا أعلم فلتبحث عنه، بإمكانك إستخدام سكينك للبحث..”

9

كانَت تخاطبه بينما تَستَمِر بالإبتعاد عَنه، لا تَرغب بسماع المزيد منه، كل ما ستفعله الليلة هو الإستمتاع بوقتها وحسب، دون التَفكير بأحد، ولرُبما لن تعود للمنزل!، يالها مِن فكرة مجنونة!، قهقهت وهي تفكر بالأمر قبل أن تَقِف أمام فيليكس الذي كان ينتظرها أمام سيارتها، دون قول شَيء فتح باب السيارة لتصعد هي الأُخرى دون إصدار أي صَوت، كانت تعلم بأن كل هذا الجنون لا يروق لفيليكس، لذا بَقيَت صامِتَة على غَير عادتها وقَد أعلمته فقط بالوجهة التي إختارها الماركيز ليونيد، لا تفهم إختياره للمكان وكأنّهُ يرغب بِأن يجعلها على قلق دائم، فقد إختار موعدهما في الشاطئ، إنها تكره البحر، يخيفها النظر له، أو حتى العوم فيه، تتمنى أن يَمُر هذا الموعد دون أن تفقد السيطرة عَلى ذاتها كما حدث في موعدها السابق معه، تنهدت وهي تَشعُر بالسيارة تَقِف تعلن وصولهما، نَظرَت روسيل لفيليكس الذي ترجل ليفتح بابها، وبتردُد أخذت بيده المدودة نَحوَها لتخرج في مواجهة له، ولكنه وكعادته حافظ على مَلامِح الجمود التي إعتادت عليها، بينما يقودها حيث كان ليونيد ينتظر قدومها، حال وصولها كان هناك العديد من القوارب واليخوت التي تخص الشخصيات المهمة، لعنته تَحت أنفاسها حينما شاهدته في يخته يَجلِس في إنتظارها وأحد الحرس يقف أمام اليخت وكأنّهُ هو الآخر ينتظر قدومها، مشت بِخُطوات مرتبكة على ذٰلِك السور الخشبي الذي يقودها له، متمسكة بذراع فيليكس وقَد شَعرَت بالضيق في صدرها يشتد، إنها لا تَرغب بالصعود أو حتى أن تطفو فوق الماء هٰكذا!، لقد كانت مرعوبَة بطريقة جَعلتَها تَرغب بالبكاء ولكنها تماسكت وهي تَقِف أمام اليخت، جاعلةً مِن ليونيد يقف على قدماه متقدمًا منها بإبتسامته المُغريَة، مرتديًا ثيابه الرسمية التي باللون الأبيض مسرحًا شعره بطريقة تناسب طوله، وبالرغم من ذلك كان مصير الرياح أن تفسده، وَقف أمامَها ليمد يدَهُ نَحوَها قائِلًا بِنَبرَة صوته المخملي..

5

        

          

                

” مرحبًا بكِ آنِسَة روسيل تبدين متألقة كعادتكِ..”

4

بطريقةً ما كانت تشعر بأن شَيء أغلَق حنجرتها لتبدو غَير قادِرَة عَلى الكلام، ولا تعلم هل كان يسخر منها أم لا، ولٰكِنّها تجاهلت كل شَيء لتنهي هٰذِه الليلة سريعًا، وَضعت يَدها في يدَهُ تَشعُر بدفئ قبضته بينما يمسك بها، حررها فيليكس لتصعد قبل أن يصعد خلفها، حينما وَضعت قدميها على أرضية اليخت شَعرَت بِأنّها ستسقط في أي لَحظَة وقد تعثرت مع شعورها ذٰلِك ليمسك بها يحيط خصرها بذراعه، مستغلًا تعثرها ليشعر بجسدها قريبًا منه، إبتَسَم وهو يَنظُر لإتساع عَينيها كعادته مذهولًا كأنها المرّة الأولى، ثم همس بنبرته الثقيلة..

3

” تمهلي..بإمكانكِ التخلص من كعبكِ إن أردتِ..”

4

بِالرُغم مِن أنها لم تكن ذات قامة قصيرة إلّا أنها كانت تعلم بِأنّها إن تخلصت من كعبها لن تصِل سوى لنصف ذراعه، تنحنحت تَبتَعِد عنه، بينما تحرك رأسَها بالرفض، حاوَلت كثيرًا أن تلملم شتاتها وأن تتجاهل حقيقة أنها تطفو عَلى المياه، تشعر بذراع فيليكس عَلى خصرها قبل أن ينحني ليهمس لها مدركًا لما كانت تشعر به..

+

” إن كنتِ لا تَشعُرين بالإرتياح آنِسَة روسيل بِإمكانَكِ المغادرة، لا أحد يستطيع إجباركِ على شَيء كلانا يعلم هذا..”

21

إلتفتت روسيل لِتواجِههُ كانت عَيناه مثبته عَلى الماركيز وهو يخاطبها، لتنظر هي الأخرى نَحوَهُ، كان يَبدو لها الآن منزعجًا، وقد كان كَذٰلِك، لا يفهم كيف لحارس شخصي أن يكون قريبًا من سيدته هٰكذا، وألّا يفارق ظلها، إنه لَم يَكُن يشكل تهديد لها، ولٰكِنّها على ما يبدو لا تثق بأحد، كُل ما كان يرغب به هو الإنفراد بها، ألّا يَقِف هذا الرَجُل بينَهُما، خَرج صوتَهُ حريصًا وهو يتأمل روسيل التي كانت تَقِف بِأعيُن ضائعة..

+

” أهُناك خطبًا ما؟..”

+

لأنها إبنة غوركي كان عَليها أن تخفي خوفها، وألّا تعترف بِأنّها تخاف البحر، هل كان يخطط هٰذِه المرّة لإغراقها في الأعماق يا تُرى!، حالما طرأت تلك الفكرة في رأسها طردتها سريعًا تومِئ له بالنفي، كانت ترى في عَيناه الزرقاء القاتمة كيف ينقل نظرته بينها وبين فيليكس ثُم مُبتسمًا عاد ليمد يدَهُ نحوها قائلًا بِنَبرَة هادِئَة كأمواج البحر حولها..

+

” إذًا تعالي معي..”

+

أمسكت بيده مُجددًا لرُبما لأنها تحتاج لمن يقودها حينما لم تتمكن من أن تحرك قدميها، مشت برفقته نحو السَلم الذي يقود للأعلى، وبينما تصعد برفقته سألَها ليونيد يشعر بفيليكس خلفهما..

+

” هل سيرافقنا حارسكِ؟..” 

17

حينَها بطريقةً ما وَجدت صوتَها أخيرًا ليخرج مندفعًا، وهي تَنظُر للخلف بفزع لتتأكد من وجود فيليكس..

+

        

          

                

” نَعم بِالتأكيد..فيليكس هنا لحمايتي..”

+

لَم يَكُن ليونيد يرى مُبررًا لخوفها ذٰلِك مِنه، بل كان يغضبه رؤيَة ذٰلِك الخوف في عَينيها، وكأنه سيهجم عَليها على حين غفلة مِنها، ولكن كل ما كانَت تَشعُر بِه روسيل هو الرعب من البحر، وليس منه، حال وصولهما للأعلى قابَل نَظرَتها بينما يَقول بجدية..

+

” ليس هُناك أي حاجة لحمايتكِ مني..”

2

بل أنه هو الخطر الأكبر، كانت تُدرِك ذٰلِك، ولكنه الآن كان الأقل خطورَة بينما هي تطفو فوق المياه، النظر له وهو يتأملها بتلك الطريقة لا يجعلها قادرة على تصديق ما يفعله بشقيقها، إنه شيطان متنكر بهيئة مغرية، بإمكانها الشعور بجانبه الشيطاني، وهو ينقل بصره بينها وبين فيليكس قبل أن يثبت عَيناه عَليها، يواجهها مُبتسمًا، بطريقة تَجعل مِن داخِلَها يرتجف ترقبًا، مستمعة لكلماته التي جاءَت بنبرة صوتَهُ العميق..

+

” حتى وإن وقف أمامكِ قاتِل سفاح عديم القلب، سيَلين لرؤية عيناكِ، وسيعلن السلام مستسلمًا أمامكِ، ما بالكِ بي أنا؟..”

91

كانَت روسيل تَشعُر بِدوار الإنجذاب يرافقه إختلالها القلبيّ وهي تَستَمِع لكلماته متعمقة في النظر لعيناه التي تنظر لها بطريقة لم يسبق لَها ورأتها في أعين رَجُل يَقِف أمامَها، وقد كان ذٰلِك مُربكًا بأسلوب لم تعهده، بِالرُغم من كل الإضطراب الّذي سببته كلماته، كانَت روسيل مَلامِحها جامدة قبل أن تَبتَسِم بطريقتها المعهودة تردف بِنَبرَة خَطِرَة مستمتعة..

+

” كُن حذرًا..فَقد أكون أنا السفاحة..”

8

ضَحِك أمام ردها ذٰلِك، ثم دون أي تَردُد إندفع بإجابته التي جاءت بصوتٍ هامس بينما عَيناه غارقة في تأملها..

+

” أنا أقبل بأن أكون الضحية إذًا..”

21

لقد كان يمتلك طريقة ملتوية تجعلها تصمت أمامه، وقد كانت في الوَقت ذاته بينما تواجه الماركيز تَشعُر بِأن فيليكس سيقوم بقتله في أي لَحظَة، إن إستمر الحوار على هٰذا الحال، لاحَظَت نظرته نحو حارسها الذي يقف في الخلف، ينتظر مِنهُما إكمال صعودهما للأعلى، ليتبعهما، أيًا كانت نواياه، نَظرَة عَيناه نحوه لَم تَكُن مُسالمة، بإمكانها الشعور ورؤية ذٰلِك في ملامحه الحادّة، ثُم قبل أن يحدث أي شَيء قادها ليونيد حيث الأعلى، لتنظر للمكان مأخوذة بِه، كانت هُناك طاولة مستطيلة الشكل منخفضة بشكلٍ يستدعي الجلوس في الأرضية، بينما تحيطها وسائد بيضاء وأضواء ليليّة خلابة بالإضافة لضوء القمر، المكان كان جميل بطريقة غير متكلفة لذا شَعرَت بالإرتياح وهي تترك يده لِتقوم بالتخلص من كعبها العالي، للجلوس بين تلك الوسائد المُريحة، حينذاك أشار ليونيد لحارسه الذي كان يقف أمام اليخت يطالبه بالصعود، تلك كانت إشارته ليقود حارسه اليخت وحينذاك عاد الإرتباك لروسيل وهي تَشعُر بالحركة، للحد الذي جَعلها تشعر بالدوار وهي جالسة في مكانها، كان فيليكس يَشعُر بإرتباكها، وقد كاد يأخذها بعيدًا حتى تَعود لحالتها المعهودة، ولكنه يَعلَم بِأنّها لن تسمح له، إنها متمسكة بخوض هٰذِه التجربة، ولم يَكُن يملك صلاحية ردعها، نظر للماركيز الّذي جلس مقابلًا لَها، يواجه عَينيها بينما تَنظُر لطاولة الطَعام التي حتى الآن لم تكن ممتلئة، ثُم حينذاك إستمعت لصوت خطوات قادمة لتدرك بِأنّهُ الطاهي من ثيابه، بِرِفقَة فتاة تساعده في حمل الأطباق، وبينما تستقر الأطباق أمامَها خاطبها ليونيد بِنَبرَة صوتَهُ المخملي..

+

        

          

                

” لا أملِك أدنى فكرة عَمّا تفضلينه في الأكل، لذا إقترحت عَلى الطاهي أن يُعِد المأكولات البحرية، أتمنى أن عدم قدرتكِ على السباحة لم تَجعل مِنكِ حاقدة أمام الأسماك..”

19

سخريته في نهاية جملته جَعلتَها تَنظُر له بِحِدّة، وهي تسحب منديلها لتضعه في حجرها، قبل أن تجيبه بِنَبرَة هازِئَة..

+

” هل خوفَك من الطيران سيجعل من الطيور تنقرض!، ما الهدف من الحقد على شيء لا يد له في عُقدتي!..”

3

” إذًا لماذا لم تتعلمي السباحة؟..”

+

سؤالَهُ خَرج بِتِلقائيّة جَعلتَها تشيح بعينيها بعيدًا عنه تراقب الفتاة تصب النبيذ الأحمر في كأسَها، بينما هو فقد إختار الأبيض، حينذاك أجابَتَهُ منزعجة..

+

” لم يَكُن هُناك من يقوم بتعليمي، كما أنني أغبى من الإعتماد على ذاتي في أمر كهذا..”

21

كان أكثر ما يجذبه نَحوَها هو صراحتها، بِالرُغم من إختلاف رأيه معها في بعض الأشياء، إلّا أن الصِدق كان أهم بكثير من أي شيء بالنسبة له، بينما تجلس أمامه يَشعُر معها بالبهجة بطريقة لا يفهمها، شَيء يخصها يجعل منه لا يتمنى للوقت أن يَمُر، ولم يسبق له وكان يرغب من أُنثى أمامه أن تكون ثرثارة، روسيل حيَنما تتكلم يَشعُر بالشغف لسماعها، دون أن يمِل، لذا لَم يَكُن يرغب بأن تكون صامتة لثانية واحدة، وهذا جعل منه يلقي بكلماته عليها وهو الآخر يضع منديله في حجره..

+

” هٰذا يعني بِأنّكِ لا ترفضي السباحة..ولٰكِن تخافينها..”

4

كان شديد الملاحظة، هذا ما إستنتجته منه، يسمعها منصتًا مصغيًا، ويفهم تمامًا المعنى خلف كلماتها، هذا كان مُلفِتًا، بطريقة جَعلتَها تَنظُر له لِثوانٍ تراقبه يشرب البعض من كأسه، دون أن يزيح عيناه عنها، ثُم متجاهلة ما قاله قامت بإلتقاط سكينها وشوكتها تَقوم بتقطيع قطعة السمك الطريقة المقلية أمامها بينما تقول ضاحِكة..

1

” الأهم هو ألّا يصيبني دوار البحر الآن وأُفسِد شهيتك..”

3

كانَت تتمنى أن يحدث هذا لتفسد كل شيء لرُبما يخبرها حينذاك بأنه لن يرغب مُجددًا برؤيتها، بدأت تِلك الفِكرَة بإثارتها وهي تأكُل، حينذاك أدرَكت بأنها جائعة ولم يسبق لَها وتناولت شيء بهذا المذاق الذي يشبه النعيم، بينما هو فقد شَعر بالرضاء وهو يرى ملامحها المستمتعة بالطعام، ليباشر هو الآخر بالأكل من طبقه، منتظرًا سماع صوتَها مُجددًا، كان متأكدًا من أنها تريد قول شيء منذ صعودها على متن اليخت، ومِن خلال لقاءهما الأول إستنتج عدم قدرتها على كبح ذاتها من قول أي شيء، هذا قَد يجعلها غَير قابلة كَذٰلِك لحفظ الأسرار، وتلك نقطة ضدها..

1

        

          

                

” لا أفهم لِماذا إخترت أن يكون موعدنا هنا..هل تُحاوِل تعذيبي!..”

+

جاءَت كَلِماتَها تِلك بَعد إرتشافها مِن كأسَها ومع إعادتها للكأس في مَكانَهُ نظرت له تنتظر سَماعَهُ، راقبته يرفع كأسه لشفتاه، ثُم كَيف بينما يرتشف منه ترتفع تفاحة آدم وتهبط، لم تلاحظ وجودها من قبل، وقَد وجدت الأمر مثيرًا بطريقة جَعلت مِن فمها يجِف، لا يمكن لَها وتجاهل حقيقة كونه رجل ساحِر، وجذاب في الآن ذاته، لديهِ لغة جسد مُغرية قبل كل شيء، وعيناه تِلك تخصها بِنظرَة تربك كيانها بِالكامِل، بقيت في مكانها تراقبه بينما تنتظر إجابته وقَد أجابَها مُبتسمًا بعد أن وضع كأسه أمامه..

1

” على العكس تمامًا، هل تَعلمين في عِلم الصيدلة والدواء، حينما يَكون لدى أحدَهُم حساسية مِن فاكهةً ما، أو أي صنف من الطَعام، كيف تتم معالجته؟..”

+

حينذاك أنصتت لَهُ روسيل بِفضول، قبل أن تسأله شغوفَة..

+

” كيف تتم معالجته؟..”

+

إتسعت إبتسامته وهو يرى إستجابتها، ثُم أجابَها يشرح لها بأكثر الطُرُق التي يعرفها سهولةً..

+

” يقومون بإدخال كميات صغيرة لطعامه، ثُم تتم مضاعفتها مَع الوقت، هكذا يعتاد جسمه عليها ويتكيف شيئًا فشيء حتى يتخلص من حساسيته تجاهها..”

26

حينما أنهى كَلِماته لاحَظَ نَظرَتها التي تُحاوِل إستيعاب ما يقوله، ثُم كيف كانت إبتسامتها تتسع شيئًا فشيء، قبل أن تقول بذهول.. 

+

” حَقًا!..هذا أمر مثير للإعجاب..”

+

قهقه مع رؤيته لرد فعلها على الأمر، وقد أومأ لها موافقًا على ما قالَتَهُ، قبل أن يأخذ كأسه لينهي محتواه، وبينما هو يضع كأسه أمامه حاملًا زجاجة النبيذ ليقوم بملئ كأسه مُجددًا، كانت روسيل تقوم بربط الحوار ببعضه لتصِل إلى نقطة لم تتوقع الوصول لها بينما تقول بِنَبرَة مُدرِكة..

+

” هل هذا يعني بأن علي شُرب مياه البحر بجرعات صغيرة حتى أستطيع السباحة!..لا أفهم لماذا تجعلني أشعر بِأنني سمكة منذ الموعد الأول..”

193

حينذاك مع سماع ليونيد لكلماتها كان قد إنتهى من ملئ كأسه، لينظر نَحوَها بظرات غَير مصدقة، لا يستطيع التَصديق بِأنّها وصلت لهذا الإستنتاج، وقد كان يرغب حينها بأن يقذف بنفسه من على متن اليخت بسبب الأنثى التي تجلس أمامه، حاول ألّا يكون ذٰلِك جليًا على ملامحه وهو يتنهد يكبح ذاته من رمي تعليق ساخر، ثُم أردَف ردًا على ما قالَتَهُ بِنَبرَة مشتتة..

8

” لا أفهم لِماذا تأخذين الكَلِمات دون فِهم المعنى خلفها..”

+

كان الإنزعاج باديًا عَليها حينذاك، أخذَت كأسَها وقبل أن ترتشف منه تذمرت منتقدة..

+

        

          

                

” إن كنت تريد قول شيء قُله دون أن تضرب أمثلتَك عليه، لا أملك لياقة عقلية لتحليل المعنى خلف كلماتك..”

12

راقبها تبتلع النبيذ بجرعة واحِدَة بَعد رميها لكلماتها، وقَد ضَحِك على تعليقها ذٰلِك قائلًا بين ضحكاته..

+

” لياقة عقلية!، لم أسمع بشيء كهذا من قبل..”

9

قبل أن يستمع لأي شيء صادر منها، قام بملئ كأسَها مستمتعًا بحقيقة حُبها للطعام والشراب، لقد كان دائمًا لديه حِس جيد في إختيار الطَعام، ولم يَكُن متأكدًا بأن ينجح في إقتراح شيء مناسب لها، وبينما هو يقوم بملئ كأسَها وسط نَظرَة عَينيها المتفحصة، عاد صوتَهُ العميق دون أن تخفت إبتسامته..

+

” المعنى خلف كلماتي هو أن تواجهي ما تخافين منه، شيئًا فشيء سيصبح عاديًا بالنسبة لكِ..”

12

همهمت تُدرِك المعنى، وقد نظر لها هو مترقبًا حيَنما وَضع الزجاجة جانبًا، قبل أن تعلن وهي ترفع شوكتها بإنتصار..

+

” فَهِمت..”

+

زفر أنفاسه براحة حينذاك مع كَلِماته..

+

” الشكر لله..لايزال هناك أمل..”

15

أكملت كَلِماتَها تشرح له وهي تشير بشوكتها إلى البحر، بِأعيُن ضيقة وكأنها تُحاوِل التركيز في ما تقوله..

+

” أنت تريد مني الآن أن أقفز للبحر وأغرق أليس كَذٰلِك!، هذا ما تعنيه مواجهة ما أخاف منه..”

101

حينَها شعر ليونيد بالإحباط، مسح وجهه بإحدى يداه يحاول أن يكبح ذاته من قول شَيء قد يفسد الأمسية، ثُم تمتَم بيأس..

+

” يا إللهي!..لقد فقدت الأمل..”

18

شاهدته روسيل عاجزة عَن فِهم مشكلته الأساسية، وما كان يريد الوصول له، لذا هتفت متذمرة بإنفعال وهي ترمي شوكتها بِجانِب صحنها..

+

” ماذا!!..إنظر لقد تعبت من التفكير، الأمر يتطلب مجهود كبير، قُل ما تعنيه ودعني أنهي طعامي..”

2

لَم تَكُن تريد روسيل من طعامها أن يبرد، كل ما كانت تريده هو الإستمتاع بوجبتها دون إزعاج، وقد بدأ هذا الحِوار يزعجها، لا تريد أن تفهم ما ينوي الوصول له، فقد كانت بالكاد تُحاوِل نسيان وتجاهل حقيقة أنها مُحاطَة بالبحر من كل الإتجاهات، وهو لا يساعدها بهذا الحوار، بينما هو فقد إستسلم مع رؤيته لإنزعاجها، وكيف كانت تتوق للإنتهاء من نقاش كهذا، لذا خرج صوتَهُ متمهلًا هادِئًا يحاول إمتصاص إنفعالها وهو يشرح لها القصد من كَلِماته..

3

” لقد جلبتكِ إلى هنا كي تتخيلي بِأنّكِ أنتِ من تطفو فوق المياه وليس اليخت، قد يجعلكِ هذا تَشعُرين بالأمان قليلًا والإعتياد على الفِكرَة، بِإمكانَكِ الشعور بالبحر حولكِ، وصوت الأمواج المُريح كَذٰلِك..”

3

        

          

                

لا تعرف روسيل لماذا كان يتكلف عناء كل هذا، لماذا يهتم بحقيقة كونها تخاف السباحة أو البحر!، لِماذا لا يتجاهل الأمر ويتركها في حال سبيلها، لقد كانَت بالفعل تَرغب بالتخلص من هذا الخوف، أن تتعلم السباحة حتى لا يستغل أحدَهُم نقطة ضعفها هٰذِه يومًا، والماركيز ليونيد الذي كان عَليهِ إستغلالها، يحاول مساعدتها عكس الذين حولَها، تِلك الخطوة منه لا تفهم هل كانَت خبثًا منه، أم حُسن نية، المشكلة تكمن في أنها لا تؤمن بأن هناك معروف دون مقابل، وقَد قررت الرفض كي لا تقع في أي شيء ستندم عليه لاحقًا، أمسكت بشوكتها وسكينتها وبدأت بتقطيع سمكتها بينما تقول بِنَبرَة جامدة دون النظر له..

2

” للأسف الخيال لا يمحي الواقع..”

1

صَمتت لِثوانٍ ثُم أكملت بِنَبرَة مُظلِمَة..

+

” إن تَخيّلت بِأن الغرفة لا تحتوي على أفاعي لن يمنعها هذا من قتلك..”

8

كانَت تَشعُر بِأنّها على وشك الإختناق بِسَبب ذٰلِك الشعور الذي داعبها، بدأت بتناول طعامها حينذاك في صَمت تاركة ليونيد في صحبة تأملها دون مَلل، كان يَفهم تَمامًا قصدها وقد أدهشه أن بإمكانها أن تجمع بين السخرية والجدية في الآن ذاته، دون أن تفقد ذٰلِك الحِس الفاتن الذي يجذبه نَحوَها، إنها على حق، ولرُبما من تجلس أمامه تخفي ما بإمكانه جعله يبقى عَلى دهشة دون أن يفقد هذا الشغف نحوها، تارةً يَشعُر بِأنّها طفلة، وتارة يَشعُر بِأنّها أُنثى ناضجة، وكِلا الجانبين يجعلانه مأخوذًا مسلوبًا بها، لا يرغب بمغادرتها، متمنيًا أن تبقى هنا الليلة معه، دون أن يَكون حولهما أحد، لا حارسها الشخصي الذي كان يحاول البقاء بعيدًا دون أن يزيح بعيناه المراقبة عنهما، لا حارسه، ولا حتى الطاهي، كان يتمنى لو بإمكانه هو من يقود اليخت معها، ويبقى بِرِفقتَها ليومين، يستلقيان هنا على السطح لمراقبة الشروق والغروب، تِلك الأمنيات جعلته يَشعُر بأن الخَطر يصبح أكبر، وأنها دون أن تبذل أي مجهود يُذكَر توقعه بطريقة لذيذة، ألذ بكثير من نبيذه الذي إختاره بعناية، وقد كان الوقوع في فخها كصناعة النبيذ، يومًا بعد يوم يصبح عتيق أكثر، لذيذ أكثر، وقيمته أغلى..

5

حيَنما إنتَهت وجبتهما إنتقل كلاهما للجلوس في أريكة تحيط بطرف اليخت، وقد كانَت روسيل تحمِل كأس النبيذ في يدها بينما تَنظُر للأسفل، للأمواج تحتها، لَقد بدأت تستمتع بِالفِعل بتلك اللحظَة، الهدوء وصوت الموسيقى القادم من الأسفل، مع النبيذ الذي تتلذذ بشربه، هو ترك شرُب كل شيء، كان يكفيه النظر لها ليثمل، كيف كانت خصلات شعرها تتمايل مع الرياح، بريق عَينيها وهي تَنظُر للبحر، سكون مَلامِحها، بشرتها الصافية، عقدها الفضي الذي في عنقها بطريقة تجعله يتوق للمسه، كان يتوق للمسها هي، للشعور بجسدها ضِد جسده، ولكن ليس كالموعد الأول لتهديده، بل لإغراءه، كان يرغب بذلك وبالرغم من رغبته كان يمتنع عن الإقتراب أكثر، لأنه يدرك جيدًا بأنه لن يتمكن من التوقف، وهي كانَت شَيء آخر، لا يرغب بأذيتها، يَعلَم بِأن التورط في شَيء كهذا قد يشعل الحَرب، وما كان يخيفه لِلمرّة الأولى في حياته هو بأنه مستعد للمخاطرة في حرب لأجلها، إن لها تأثير قوي عَليهِ كتعويذة شريرة، في اللحظَة الأولى وحتى بِالرُغم من أنّهُ لقاءهما الثالث وحسب، يَشعُر بِأنّهُ يعرفها منذ زمن، بساطتها تلك هي كل ما كانت تغريه، تجعل منه تواقًا للجلوس برفقتها والكلام معها دون أن يَشعُر بالرغبة للمغادرة، لقد كان مجنونًا وحسب، هذا ما كان يخبر ذاته بِه، إنه رجل مجنون وجنونه قد يقوده للهلاك..

5

        

          

                

” ليس عدلًا لنساء العالم أن تسرق أنثى واحِدَة جمالهن..”

88

خَرَجَت كَلِماته تِلك مِن أعماق شروده، حتى أنه لم يدرك ما قالَهُ سوى حيَنما تفوه به، لقد سلبته من نفسه، للحد الذي لم يعد يعرف كيف يسترد ذاتَهُ مِنها، والأهم هل كان يرغب بإسترداد ذاته!، روسيل نَظرَت له دون قول شيء، ولٰكِنّها كانَت تَشعُر بقلبها سيخرج من مَكانَهُ مع تصاعد نبضها، وكأنها كانَت تركض لألف ميل، حتى وإن بدأ النبيذ بجعلها تَشعُر بأن تطفو فوق السحاب، كانَت محافظة على ملامحها الغير متأثرة بكلماته، لَم تَكُن ترغب بالسماح له بأن يُقحمها معه في شيء نهايته محتومة، لذا أشاحت بعينيها تَنظُر للبحر مجددًا قبل أن تقول بِنَبرَة هادئة..

1

” سأقترح عليك شَيء..”

+

” أي شيء..”

30

لم يكبح ذاتَهُ لثانية واحدة من الإنجراف نحو أيًا كان ما تريده، كان مستعدًا لقول نعم لأي شيء، ولا يذكر بأنه كان كهذا مع أيًا كان، حتى مع والداه، كان يُحِب التمرد، ولكن معها كان مستعد للموافقة على أي شيء حتى وإن كان المشي على الجمر، إستمع لصوتها الناعم يعود، تُكمِل وهي تطرح إقتراحها عليه..

+

” طالَما أنّك من قام بالتخطيط لِهٰذا، ليكون الأمر كالتالي، حتى يُقام العدل..أنت اليوم قُمت بتحديد مكان اللقاء، الموعد القادم سيكون أنا من أحدده، ثُم أنت ثُم أنا، وهكذا..حتى الموعد الأخير..”

3

لم يَكُن إقتراحًا كما كان شرطًا، ومَع ذكرها للموعد الأخير بدأ يَشعُر ليونيد بالإنزعاج، وهو يُراقِب مَلامِحها ثُم عَينيها التي صوّبتها نَحوَهُ بَعد الإنتهاء مِمّا قالَتَهُ، كان يظن بِأنّها إنتَهت ولٰكِنّها لم تكن كذلك فقد أكملت وهي تأرجح كأسَها أمامَها..

+

” كما أن عَلى المواعيد هذه أن تكون في أيام متباعدة، وفي أماكن لا أحد يعرفنا فيها..”

+

معرفَة أنّها حذرة بِهٰذِه الطريقة جعلته يَشعُر بالإرتياح، فهي بِالرُغم مِمّا تبدو عليه من تهور وإندفاع، كانت في الوَقت ذاته تُفكِّر بمنطقية، إن لمحهم أحد ستنتشر الإشاعات بسرعة، وقَد يقودهما هذا إلى طريق لا يريد المشي فيها أحد، كما أنها لن تخاطر بسمعتها، كان يعرف قوانين عالمها جيدًا، وقد لا تختلف كثيرًا عن عالمه، ولكن في نهاية الأمر هناك ذٰلِك الفرق بينهما هي إبنة عائلة تنتمي للمافيا، بينما هو من عائلة تنتمي لطبقة النبلاء، كَلِماتَها أعادته حيث هو ليقول بِنَبرَة هازِئَة وهو يستند عَلى ذراعه..

18

” قد يكون هذا صعب، فأنا أملك نصف سانت بطرسبرغ..”

+

مع نظرته نَحوَها كان يقاوم النظر لساقيها المكشوفان أمامه، قد يبدو لَها حينَها متحرشًا، ولَن تخرج معه مجددًا وإن هددها بحياتها، لذا كان الصمود أمامَها هكذا يحتاج قوّة تفوق قدرته على التحمُّل، بينما ينظر لها تغمز له قبل أن ترفع كأسها أمامه قائلة بإبتسامة..

+

        

          

                

” سنكون في النصف الآخر إذًا..”

14

إبتَلعَت محتوى كأسَها مع نهاية جملتها، ليبتسم هو الآخر، ثُم في لَحظَة الألفة تلك، تقدم فيليكس نحوهما، جاعلًا من ليونيد ينظر له مترقبًا، وكأن سيهجم عليه، ثُم دون أن يواجهه فيليكس خاطب روسيل بِنَبرَة عملية وعيناه تَنظُر للأرض..

+

” آنِسَة روسيل، حان وقت مغادرتنا..”

+

حينذاك نَظرَت روسيل لساعتها لتكتشف بأن الساعة تُشير للحادية عشرة ليلًا، لم تشعر بالوقت وهو يمضي، وبطريقةً ما لَم تَكُن ترغب بأن ينقضي الوقت بِهٰذِه السرعة، لم تكن تريد أن تخاطر بإستفزاز دينيس، فبعد تهديداته لَها، قد يقودها إستفزازه لحبسها في المنزل عقوبةً وهي لن تحتمل البقاء في المنزل لوقتٍ طويل، لذا تأوهت متذمرة قبل أن تقول هازِئَة..

1

” أوه الساندريلا عليها أن تغادر للأسف أيُّها الماركيز، كنت أتمنى البقاء أكثر لتأمل النجوم ولكن ليست هكذا تسير الأمور..”

6

ضَحِكَت تزامنًا مع وقوفهما معًا وحينما وقفت هي ترنحت ليمسكها ليونيد قبل أن تصل ذراع فيليكس نحوها، تراجع فيليكس حينذاك حينما أمسكها ليونيد يحتضن خصرها بكلتا يداه بلمسة حِسيّة جَعلتَها تَشعُر بإرتباك جسدها تحت لمسته، بينما يخاطبها مُبتسمًا مستمتعًا لِذٰلِك القرب بينَهُما..

1

” بإمكاننا إعادة التجربة إن أعجبتكِ..”

1

كانَت تعلم بأنها حتى وإن أرادت ذلك لن تستطيع، وبالرغم من ذلك لم تمانع بينما تقول مبتعدة عنه تستعيد إتزانها العاطفي..

+

” سأفكر بهذا الإقتراح..”

+

تَركتَهُ لترتدي كعبها، ولٰكِنّها كانت تعلم إن مالت بجسدها لتربط الخيوط ستسقط، حينَها قبل أن تفعل أي شيء، وَجدت الماركيز ليونيد ينحني أرضًا، بينما يقول بِنَبرَة صوتَهُ الأجش مبتسمًا نحوها..

+

” إسمحي لي..”

134

كادت تصرخ وتركله بعيدًا عَنها، بينما تراه أمام قدميها يقوم بربط خيوط كعبها، تصرفه هٰذا كان حميميًا بطريقة جَعلتَها تَشعُر بِأنّها ستسقط أرضًا مُصابَة بدوار الإنجذاب لإغراء الرَجُل الذي يركع أمامَها، حاوَلت أن تصُد تلك العاطفة، تشعر بالشفقة نحو ذاتَها فهذا التصرف عليه ألّا يؤثر عليها إن كانت كبقية النِساء، لَها تجارب غراميّة، لا تجعلها تشعر بالخطر لأن رجل ركع ليقوم بربط خيوط كعبها، أخرَست قلبها وهي تَقِف تحاوِل الإتزان، وقد مدت يدها نحو فيليكس الذي أمسك بها في الحال مع وقوف ليونيد منتهيًا، لينظر لها مفتونًا كما كان يفعل طوال وقت الأمسية، شكرته بصوتٍ خافِت، ثُم مشت بِرِفقَة فيليكس للأسفل تمسك بذراعه تخاف أن تسقط في أي لحظة وهي تَشعُر بحركة اليخت ليعود إلى مكانه بِجانِب بقيّة اليخوت، لم تكن المسافة طويلة فقد تأكد ليونيد أن يكونوا فقط بعيدين عن أنظار الناس وحسب، لذا وصلوا سريعًا، قبل أن تضع قدمها خارجًا تذكرت شَيء، فتوقفت مكانها تَستَدير لتجد بأنه خلفهما تمامًا، يرافقها لِلحظَة الأخيرة وكأنه لايريد مغادرتها وقد كانت تِلك الحقيقة، خَرَجَت كَلِماتَها بِنَبرَة هادِئَة مبتسمة بسخرية..

2

        

          

                

” لَقد نسيت إخبارَك شيء..”

+

وَقف مكانه دون قول شَيء يدس يداه في جيوب بنطاله بينما ينتظر سماع كلماتها القادمة، كان يعلم من إبتسامتها تلك بأنه لن يحب ما ستقوله وقد تأكد مِن ذلك حينما أكملت هازِئَة بمرارة..

+

” لا تبعث الورد لي مُجددًا لأن جميع الورود رُميت دون أن ألمِسها، لِذا لا تهدر نقودَك ثانيةً، إبعثها لنساء أخريات بإمكانهن الإعتِناء بها، نساء أكثَر رقة وحياتهن أسهل بكثير من حياتي..”

63

بطريقة عنيفة شعر بكلماتها تركل قلبه، بينما يراقبها تغادر مع حارسها دون الإنتِظار لسماع شيء مِنه، حيَنما كان يظن بأنه يعتذر منها على خطأه كان يقترف خطأً آخر، كيف لم يفكر بالأمر!، هل كان يظن بأن غوركي يسمح بإستقبال الورد لنسائهم!، لقد كان ذلك فِعل مُحرَّم بلا شَك، وقد نَدِم على إقترافه، فنبرة روسيل ونظرتها نَحوَهُ كانت تخبره بِأنّها تَشعُر بالأسف على كل باقات الورد التي رُميت، مدركًا أن جميع النساء حتى وإن لم يروق لهن الورد لن يكرهنه، وأن العالم بِالكامِل يستلطف النظر له ورؤيته، لَقد أشعلت كَلِماتَها شَيء خَفي في داخله، وقد كان يرغب بتحطيم شَيء حتى يستكين من الغضب الكامن داخله نحو نفسِه ونحو غوركي، حتى وإن كانت تبدو لَهُ روسيل أُنثى شرسة، كان يَعلَم بِأنّها كأي أنثى تخفي الجانب الأكثر أنوثة لتحمي ذاتها وَحسب منه ومن جميع الرجال حولها، وقد كان ذلك جذابًا بِالرُغم من كل شيء، لذا كان مصيرها في عالم كعالمها يراه ظلمًا لها، وقَد تمنى أن ينتشلها منه نَحوَهُ هو وإن كان عالمه ليس بالأجمل لها ولكنه كان جشع بطريقة تعميه عن رؤيَة أي شيء آخر..

12

* * *

+

العاشر من مايو المخاطَرات | سانت بطرسبرغ | العاشرة صباحًا والنصف شوقًا بتوقيت التوق..

21

إنتهى إبريل بكذباته والخداع الذي كانت روسيل تمارسه عَلى عائلتها، لا أحد يعلم ما كانت تخفيه، ليلًا تُحاوِل التسلل للذهاب للرقص والشرب بحراسة فيليكس، الذي كان يحاول أن يضبط جرعات الكحول التي تشربها، حريصًا على ألّا تثمَل بعد حادثة ضربها لأحد الرجال سابقًا، وهي حريصة على عدم إزعاج ذاتَها بالإحتكاك بشقيقها دينيس الذي كان منشغلًا عنها في الآونة الأخيرة يخطط لكيفية الإيقاع بالماركيز ليونيد فولكوف، لا يعلم بأنه وإن حاول، السلاح الوحيد الذي يُمكنه إستخدامه ضد ليونيد هو شقيقته روسيل، ولكنها فكرة خيالية، نَظرَت روسيل لإنعكاسها على مياه حوض السباحة، بينما تأرجح قدميها بين المياه، بثياب السباحة، متذكرة كَلِماته، متمنية أن تنزل بجسدها حينذاك بين المياه، ولٰكِنّها تعلم بأنها إن فعلت فليس هناك من ينتشلها إن كادت تغرق، لِذا تجاهلت التفكير بالأمر لتستمع لصوت وصول رسالة لهاتفها الذي بِجانِبَها، أخذته تتفقده، لتجد رسالة منه هو..

+

        

          

                

” هل ستجعليني أنتظِر طويلًا؟..”

16

قرأت رسالته وهي تشعر بأن حرارة الشمس تزداد، ولرُبما حرارة الشوق وحسب، كانت تحرص على أن يَكون موعدهما الآخر بعد فترة جيدة، كي تستعيد إتزان قلبها من جديد، فالتهديد العاطفي الذي كانت تشعر به وهي معه كان يقلقها، كانت تمتلك قلب ذكي وإن كانت أفعالها غبية، لا تُريد إقحام ذاتها في قصة مستحيلة، تعرف نهايتها جيدًا، تركت هاتفها دون إجابة، قررت أن تجيبه في وقت لاحق وبينما تحمِل عَصيرَها لتشرب منه، جاء فيليكس نَحوَها ووضع أحَد المجلات أمامَها على أحَد الصفحات بينما يقول بِنَبرَة غاضبة..

+

” هل هٰذا الرَجُل ينوي أخذكِ كتسليَة لطيفة بينما يَشعُر بالملل من عشيقته؟..”

6

عَقدَت حاجِبيها ترفع نضرتها لَهُ حائرة قبل أن تهبط عينيها لما وضعه أمامَها، إنتزعت نظارتها الشمسية، وحينذاك رأت الماركيز ليونيد في الصفحة التي تعمد أن يفتحها فيليكس أمام وجهها، بِجانِبه أُنثى جميلة ذات شعر أشقر وجسد مِثالي كعارضات الأزياء، الكاميرات رصدتهما خارجان من أحد المطاعم، صفرت روسيل بإعجاب قبل أن تأخذ المجلة بين يديها قائلة بإفتتان..

11

” من هٰذِه الأُنثى الجميلة!..حقًا هذا الرَجُل لديهِ ذوق رائع..”

76

لَم يَقُل فيليكس شَيء وهو يستمع لتعليقها ذٰلِك، ولكن مَلامِح الحيرَة كانت جليّة على وجهه، ينظر لَها تَقوم بتمرير أناملها على خصلات شعرها بينما تُكمِل بذات النبرة..

+

” أحببت حذائها، وتسريحة شعرها، ما رأيك يا فيليكس هل سيناسبني الأشقر هكذا إن قمت بصباغة شعري!؟..”

2

نَظرَت نَحوَهُ حينذاك كان يراقبها بطريقة تخيفها أحيانًا، متفحصًا وكأنه يحاول قراءة أفكارها، ولٰكِنّها تعلم بأنه سيفشل، لأنها كانَت حريصة على تشتيت الجَميع حولَها، تجعلهم في حيرَة نحو فِهم ما تريده وما ترفضه، وفيليكس كان عاجزًا أمامَها، بينما يجيبها بِجمود..

2

” لَن يناسبكِ آنِسَة روسيل..”

8

هزت كتفيها بلا مبالاة ثُم أنزلت نظارتها الشمسية مجددًا، تاركة تِلك المجلة بِجانِبَها مُهملَة، بينما تأخذ عصيرها لتشربه، تُحرك قدميها في المياه الباردة، حينذاك وَقف فيليكس في مَكانَهُ لِبعض الوَقت قبل أن ينحني ينوي أخذ المجلة ولكن يد روسيل التي أطبقتها على الغلاف أوقفته، لينظر لإبتسامتها بينما تأمره..

+

” إتركها معي، أريد قراءتها بينما أستمتع بتناول الفواكة..”

3

لم يعترض فيليكس بينما يتركها لَها، قبل مغادرته جاعلًا مِن روسيل وحيدة مجددًا، ولكن هٰذِه المرّة مَع إنزعاجها الذي أخفته عَنه، نَظرَت نحو المجلة نَظرَة سريعة، ثُم أخذتها معها قبل أن تترك حوض السباحة ذاهبة بخطواتها للأعلى حيث غُرفَة نومها، وحينما وصلت وأغلقت الباب خلفها، فتحت تِلك الصفحة لتنظر لَهُما بتمعن، تِلك الإبتسامات، تأبطها لذراعه، القُرب بينَهُما، بِالتأكيد كانَت عشيقته، بِعُنف رمت بالمجلة لتصطدم بالجدار قبل أن ينتهي بها الأمر في الأرضية، إنتزعت نظارتها لتضعها على طاولة الزينة، تُحاوِل البقاء هادِئَة وكأن شيئًا لَم يَكُن، لن تزعج ذاتَها بالتفكير به، لرُبما يكون فيليكس على حق، ولٰكِنّها لا تريد أن تلعب هذا الدور، دور الأُنثى التي تفسد حياة امرأة أخرى، لا تفهم كيف بإمكانه أن يكون بلا ضمير هٰكذا!، نَظرَت لهاتفها في يدها، رفعته لتفتح رسالته تقرأها مجددًا ثُم إبتسمت وهي تُقرِر مكان موعدهما التالي، حينَها ضَحِكَت مستمتعة، مدركة بأنه سيكون أكثر المواعيد إثارة..

33

_________________________

نِهايَة الجزء ..

+

مرحبًا يا رِفاق

أتمنى أن تكونوا بخير

وأن تستمعوا معي في فصول الرواية قبل أن تأخذ منحنى آخر..

8

الخامس من هنا

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *