التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الحادي عشر

أصوات خافتة جدا تهاوت على مسامعي.
ونسيم بارد لفح وجهي!، فتحت عيناي ببطء شديد لأجد السيارة واقفة!
لا أسمع صوت السيارات، ولا صوت الزحام! فتحت عيناي أكثر ونظرت من حولي بكسل لأجد كريس متكئا بيده على النافذة المفتوحة ينظر إلى بشرود وما أن التقت عيناي بعينه حتى اشاح بوجهه.
هل كان. يحدق بي؟
طرفت محاولة أن أستوعب قليلا ثم وبشكل لا إرادي عاود ذلك التوتر الغريب يجتاحني!

أطرقت رأسي قليلا ثم نظرت إليه باستغراب حتى قلت متداركة: ه. هل وصلنا؟
نعم.
قالها وهو يأخذ المفتاح ويضعه في جيبه متمتما: انزلي.
نزلت لابتسم لا شعوريا بسبب الهواء الجميل الذي يميل للبرودة، حرك شعري فتناثر وتبعثر جراء ذلك وللحظة استوعبت ما أمامي لتتسع عيناي بدهشة واعجاب!
ب. بحر!
يالحماقتي، لقد استوعبت للتو فقط بأننا على الشاطئ! ولكنني لم أنتبه لأن الأمواج كانت ساكنة فلم تلفت إنتباهي أو مسامعي!

لقد كان البحر صافيا بلون أزرق فاتح بسبب انعكاس لون السماء عليه!
همست بدهشة: هذا. رائع!
سرق بصري الطيور التي تصدر اصواتا عالية بنغمة مميزة وتطير كجماعات فوقنا بمسافة قريبة واختلج صوتها مع صوت النسيم اللطيف مما جعلني أقول بإعجاب: إنه مكان مثالي!
لهذه الدرجة؟
قالها بلامبالاة فقلت دون شعور بحماس: أعشق البحر!

ارتفع حاجبيه بشيء من الحيرة يجوبها الإستهزاء فاستوعبت ردة فعلي الساذجة إلا أنني لم اكترث وأشحت بوجهي أنظر للمكان مجددا!
التفت للخلف أنظر إلى ذلك المنزل الكبير خلفي مباشرة منبهرة به! لقد كان منزلا رائعا بالفعل، طغى عليه اللون الأبيض ولاحظت أن معظم نوافذه وأبوابه زجاجية! هذا يعني أن هذا المنزل دائما ما يتشبع بأشعة الشمس! إنه بالفعل يحب ان تكتسح أشعتها المكان الذي يجلس فيه كما قالت أولين.

لقد كانت المساحة الموجودة أمام المنزل أشبه بالشرفة العريضة احتوت على طاولة وحولها أربعة كراسي، وفي الجهة الأخرى أرجوحة خشبية بمسند أبيض اللون عريض ووسائد صغيرة بنية كلون الأرجوحة! ويوجد خمسة درجات تقريبا أسفلها رمال الشاطئ الناعمة.
ارتخت ملامحي محدقة بالمكان وأنا أتأمله بصمت. يبدو أن لكريس ذوقا مميزا!
لقد اشتريت طعاما أثناء نومك.
قالها ببرود واضعا يديه في جيبه، هل تركه في السيارة! لا أرى أي طعام.

ولكننا تناولنا الفطور منذ فترة قريبة!
أعلم.
أردف بهدوء: يمكننا تسخينه للعشاء!
شعرت بالانزعاج وعدم الارتياح بسبب هدوءه المتواصل! ربما لو كان بشخصيته المزعجة لكان هذا أفضل فعلى الأقل سيضفي ذلك حماسا في شجاري معه بدلا من هذا الهدوء الممل!
تساءلت باتنزان قد اخفى حماسي ورغبتي الملحة: هل أستطيع رؤية المنزل؟
أمال برأسه وقال: اتبعيني.
تبعته وصعدت الدرج ببطء، فقدمي مازالت تؤلمني ولكنها تحسنت كثيرا عما سبق.

دخلت خلفه وأول ما رأيته هو مطبخ تحضيري واسع، الطاولة كانت عريضة شبه دائرية الشكل وامامها ثلاثة كراسي عالية بجانب بعضها، وبجانب المطبخ مباشرة غرفة جلوس على اليمين، أما على اليسار فكان هناك مكتبة ضخمة تحوي الكثير من الكتب وبعض الصور. انبهرت بجمال الأثاث! اللون الأبيض يطغى عليه وتصميمه أنيق جدا، المكان مشرقا جدا ومريحا للأعصاب!
لقد كانت الأرضية خشبية، السجاد كان ناعما بلون سكري.

تحركت بشكل لا إرادي نحو المكتبة، وقفت أمام إحدى الصور فوقف بجانبي، نظرت للصورة بتمعن وأمسكت بها لأرى طفلا هادئ الملامح أعرفه جيداً، رمقته بطرف عيني لأقول ساخرة: النسخة الأصلية من جيمي. ملامحك لم تتغير!
ثم ركزت في الصورة أكثر وأمسكتها بتفحص قائلة بنبرتي السابقة: غير أن هذا النمش قد اختفى تماما!
اقترب ليأخذ الصورة واضعا اياها مجددا في المكتبة: لست بحاجة لتقييمك.
تبدو كما أنت! أنت لم تتغير إطلاقا.

من الواضح انني ازدت وسامة وجاذبية.
زفرت بغيض: كفاك غروراً فارغاً!
ثم عاودت أنظر للصور حتى لفت انتباهي صورة لتلك المرأة فائقة الجمال، إنها هي. التي خمنت بأنها قد تكون والدته بسبب التشابه الكبير في ملامحهما.

وكذلك صورة لم أمنع نفسي من الشعور بالفضول تجاهها، كانت لثلاثة أطفال برفقة السيدة أولين التي بدت أصغر عمراً وأكثر شبابا، اقتربت محاولة فحص الصورة لأجد فتاة شقراء الشعر ذات عين زرقاوان جميلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وبجانبها. كريس؟ نعم إنه هو ولكنه بدى مختلفا قليلا. خمنت بأنه كان في الثانية عشر تقريبا. بجانبه يوجد فتى أشقر الشعر يشبه تلك الفتاة إلى حد كبير!

كدت ارفع يدي لأتناول الصورة ولكنني تفاجأت به يقلبها على وجهها بحزم مفاجئ ويقول: لستِ في جولة في معرض سياحي.
ثم قلب جميع الصور بحركة عدائية غير مبررة وقال بجفاء: وضعتُ الطعام في الثلاجة مسبقاً. يمكنك تسخينه لاحقا.
ما الذي تعنيه بلاحقا؟ هل سنطيل البقاء هنا؟
هل من مشكلة؟ ليس وكأنني سأعود بك لو رغبتِ في العودة الآن.
ألا يمكنك أن تكون أكثر لطفا في حوارك! لماذا هذا التجهم!

رمقني بنظرة غير مكترثة وتحرك إلى المطبخ التحضيري فنظرت إليه بإنزعاج.
الا يستطيع مجاملتي على الأقل! عيناه لا تتغيران إنها النظرة الكارهة دائماً.
لماذا بات الأمر يضايقني!
زميت شفتاي بسخط واتجهت إلى المطبخ أنا أيضاً، رأيته يلتقط بعض الفواكه المشكلة من سلة الموجودة على الطاولة، ثم أخرج أكواب وكذلك السكر والثلج وبعض المنكهات للعصائر.
راقبته وهو يعد العصير بصمت.

مر الوقت وأنا أستمر في النظر إليه، لم يتحدث ولم يعلق، فوجدت نفسي اتكئ على مرفقي وعيناي تجوبان عليه بشرود.
أعترف بأنني أكرهه ولكنني أكره أكثر مظهره شديد الجاذبية، لديه وجه وسيم مميز ولكن أخلاقه فاسدة، متسلط، أناني، وغد، مخادع، ومنافق.
الغريب أنني بدأت أعتاد على هذه الصفات والخصال السيئة! بل أنني. نوعا ما بدأت احاوره بدلا من مجادلته. اليس هذا ما أفعله في الآونة الأخيرة؟

وضع الكأس أمامي وأمسك بالآخر ليرتشف منه، نظرت إليه ثم إلى الكأس أمامي فقال بهدوء: صحيح بأنني لا أجيد الطبخ ولكنني لست سيئا في إعداد عصير طازج.
تمتمت بلا مبالاة: ليس وكأنني سأثني عليك.
التوت شفته بسخرية ثم عاود يرشف منه فتذوقته بدوري.
لذيذ.!
ارتشفت مجددا أتلذذ بطعمه وقلت برود: ليس سيئاً، وأخيراً.! فائدة تُرجى منك.
اسند جسده على الطاولة: لستِ صريحة.

رفعت عيناي إليه فابتسم بثقة: أنتِ شفافة جداً. أخبرتك بهذا مسبقاً.
أضاف بملل: تبدين مختلفة هذه الأيام.
أجفلني قوله بشدة ولا أعلم لماذا!
تظاهرت بعدم الفهم: مختلفة! من أية ناحية أيها الفيلسوف المفكر كريستوبال؟
لسانك اللسيط بات أكثر لطفا، طباعك الحادة أصبحت أقل اندفاعا وحدة، بل وعدت إلى سابق عهدك في التصرف بحكمة.
سابق عهدي!

عقدت حاجباي باستغراب ولم أجد الفرصة لأسأله إذ تعالى رنين هاتفه فأخرجه ونظر إلى الشاشة ثم ضغط الزر الأيمن ليصمته ووضعه على الطاولة.
تجاهلت تعليقه السابق وتساءلت: أنت تحب البحر. هل هذا سبب اتخاذك لهذه الأرض مسكنا؟
رشف من العصير وأنهاه ووضع الكأس على الطاولة مصدرا صوتا مزعجا ثم نظر إلى بعين لا تعبير فيهما وهمس: أكرهه.
ادهشتني أجابته كثيرا! يكره البحر؟ إن كان لا يحبه فلماذا اختار مكانا كهذا؟!

نظرت للفراغ مفكرة ثم لم أستطع قمع فضولي لأتساءل فوراً: ما هذا التناقض! لماذا تملك منزلا هنا إذاً؟
لست مضطرا لأخبرك ولكن. فليكن. هو ليس منزلني تحديدا ولا تسألي أكثر.
رمقته بغيض لم استطع اخفاؤه: لا تتحدث بهذه الطريقة انت تستفزني! لست مجبرا على الإجابة ثم ليس وكأنني سأفقد عقلي لأعلم بالأمر. فليذهب منزلك والشاطئ إلى الجحيم.

قلتها وابتعدت عن الطاولة وما أغضبني هو سماع ضحكته الخافتة فالتفت نحوه بحزم ووقفت بثبات: ما المضحك؟
أنتِ.!
وما المضحك بي! أنا غاضبة الآن لا تتجرأ على إزعاجي أكثر، كان الخروج معك فكرة سيئة.
عودي إلى هنا!
لن أجلس مقابلك وأنصت إلى تسلطك. هذا يفوق قدرتي على تحمل النرجسية وكأنك محور الأرض يا كريس.
لا بأس عودي.
قالها مبتسما هذه المرة فترددت كثيراً!

لم تكن ابتسامة هازئة. بل هادئة، وجدت نفسي اتحرك بتردد وعدت لأجلس مقابله بوجه حازم مترقب فتساءل: لماذا تحبين البحر؟
ولماذا قد أحبه! لأجل السبب العالمي المتعارف عليه، لن أتيك بإجابة خيالية! إنه مكان لطيف وأقضي وقتا ممتعا فيه.
هذا كل شيء!
دعني أفكر.

قلتها متنهدة وانا أفكر بروية ثم تمتمت اسند وجنتي على كفي: حسنا كيف أقول هذا! إنه معلم طبيعي واسع الأفق، وبالنسبة لي هو مكان عاطفي جداً، يساعد على الإسترخاء. الكثيرون يحبون البحر كوجهة للترفيه عن الذات أو تخفيف آلامهم النفسية والعاطفية. إنه مكان يضم مشاعر منوعة عديدة في وقت واحد وله أسرار كثيرة.
أسمع هذه الأسباب دائما.

أردف بملل: أكرهه، لا أشعر بالانجذاب نحوه ولو قليلا! تنتابني رغبة في الضحك عندما يُقال أنه مكان للإسترخاء!
هاه!
استغربت كلماته كثيرا بينما أكمل بإستخفاف: الشيء الذي سأحبه، سابعد عنه همومي ومشاكلي. المكان المريح هو المكان الذي ينبغي لي أن أنسى كل ما يزعجني فيه. اليس كذلك؟
ارتفع حاجباي وأنا أستمع إليه! لديه طريقة غريبة جدا في تقييم الأمور! تفكيره. مميز بعض الشيء!
قد يبدو الأمر منطقي قليلا.

ابتسمت بهدوء: لم أسمع شخص يقول هذا من قبل.
أكملت متنهدة: أنا على عكسك تماما،! أجده المكان المناسب لي ولكنني لا الجئ إليه للبوح بمشاكلي وهمومي، بل للاستمتاع بوقتي!
نظر إلى بطرف عينه ثم عاود ينظر للفراغ فتساءلت: كيف تبوح بمشاكلك؟
لماذا قد أبوح بها!؟
قالها بشيء من الحيرة! اتسعت عيناي باستغراب وحينها تذكرت كلمات السيدة أولين في كونه شخص كتوم!
كيف تخفف همومك إذا؟

شردت عيناه قليلا ولكنه سرعان ما قال مبعثرا شعره: برأيي لا يوجد شخص قد يفهمني في هذا العالم ويشعر بمشاكلي أو يستمع لي ويعلم بما اشعره دون ان اتحدث سوى شخص واحد، إنه أنا!
حدقت به بحيرة واهتمام يجوبها دهشة ولمعت عيناي الخضراوان بإستغراب شديد هامسة: ألا يوجد شخص معين تبوح له بما تشعر به؟
لا أحد يستحق أن أبدو مكسورا أمامه.

أكمل: لو كان هناك ما يشغل رأسي مثلا، وقلته لشخص ما فسيبدو شيئا عاديا ولا يستحق كل هذا التفكير! أعتقد بأن حديثي مع نفسي ومشاورة نفسي أفضل من التحدث مع أي أحد.
قالها رافعا كتفيه ببساطة، أنا. متعجبة من طريقة تفكيره! بل. معجبة بطريقته!
لا يمكنني أن أقول بأنه يفكر بشكل خاطئ! فهو يتحدث بشكل مميز فيه منطق خارج عن المألوف الذي اعتدت عليه!
ابتسمت دون شعور هامسة: أنت غريب!

نظر إلى بإستغراب وتمعن، إلا أنني قلت دون أن اخفي ابتسامتي: تفكر بطريقة مميزة!
انت الغريبة هنا!
لماذا؟!
قلتها بعدم فهم فتمتم: تكرهينني، ولكنك لا تمانعين مجاملتي!
الصراحة أمر لابد منه! لماذا قد أكذب.
ارتفع حاجبيه محدقا إلى لثوان وسرعان ما أشاح بوجهه.
وجدت نفسي أقول بتردد: تبدو هادئاً اليوم! ألا يوجد شجار قادم في الطريق؟ جدال؟ استفزاز؟ أشك أنني في مصيدة! أنت محترف في أمور كهذه. لا يجب أن أشعر بالأمان.

لست في مزاج يسمح لي بخوض شجار مع فتاة ذات لسان لا يكف عن الرد على كل حرف وكلمة.
لا أضمن لك هذا. سأحاول.
تحرك واقفا وقال بلا اكتراث: لنجلس في الخارج.
أملت برأسي بصمت، كنا نجلس على الأرجوحة بصمت محدقين إلى البحر. كنت مبتسمة والنسيم يداعب شعري أستمع إلى صوت الطيور، وأنظر إلى الأمواج التي يدأت ترتفع قليلاً خارجة من وضع سكونها قبل قليل.
اجتاحتني رغبة في النظر للكريس ففعلت.

وجدته شارد الذهن وعيناه العسليتان تركزان في المجهول.
لا أدري ما حدث لي ولكنني لم أستطع ابعاد عيناي عنه! حاولت. وفشلت!
استمر الوضع هكذا حتى قال دون أن ينظر إلي: ماذا هناك!
انتفضت وأسرعت أنظر للأمام فأردف بثقة أغضبتني كثيراً: التحديق إلى بهذه الطريقة. اترغبين بقبلة سريعة؟
اتسعت عيناي: أيها الوقح! ولماذا قد أفكر بشيء كهذا أصلاً! فليمت غرورك المقرف هذا بعيداً عني.

ابتسم ثم ضحك فأضفت بغضب: قال قبلة قال. هه.
مسكينة أنتِ يا شارلوت، لا بد وأنك كنت محتفظة بقبلتك الأولى من أجل فارس الأحلام الملثم الذي يمتطي الفرس الأبيض.
تفكير سخيف جداً. وبالمناسبة قبلتي الأولى مضت سنوات عليها لذا كف عن التحدث وكأنك الهواء الذي اتنفسه.
شعرت بالاستغراب يجتاح صوته: مضت سنوات!
استوعبت ما قلته وتنهدت: إنه أمر قديم لا شأن لك به.
تحدثي.
طرفت بعيني ونظرت إليه بحيرة وانزعاج من نبرته الآمرة!

من تكون لتأمرني هكذا! إنه أمر خاص ولن أب.
ممن كانت؟ أعلم جيدا بأنك لم تحظي بصديق حميم طوال حياتك. ليس وكأنه يوجد من يود مواعدتك يا شارلوت.
انتابني سخط وانا اعتدل في جلستي معترضة بشدة: ما الذي تقصده! وما الذي ينقصني! ليكن في علمك أراد الكثيرون مواعدتي ولكن الأمور لم تكن تسير بشكل طبيعي وحسب.
هذا يعني أنها كانت قبلة عابرة.
صرخت بحزم: أنا لست فتاة رخيصة! انتبه جيدا لما تقوله.

أضفت دون شعور: كانت قبلة من شخص لا أعرفه ولا أدري حتى إن كانت قبلة أو مجرد حلم ظننته واقع لذا أصمت وإلا وجهت لكمة إلى فمك لأجعلك تفكر مليا بما تتحدث به.
ابتسم بخبث: هل بتِ تفكرين كثيرا بالأمر لدرجة خوضك في أحلام اليقظة بشأن قبلة؟، حالك يُرثى لها.
هذا كثير جداً! لقد طفح الكيل.

ارتفعت يدي بغية صفعه بنفاذ صبر ولكنه أمسك بمعصمي وقال باستفزاز: قبلة لا تدرين إن كانت واقع أو لا. لا تفسير لها سوى ما قلته للتو!
أنت تتجاوز حدودك. كثيرا! دع يدي.
تركني فابعدت يدي ووقفت بغضب ولكنه عاود يمسك بمرفقي ليجلسني فاعترضت: ماذا تريد!
لنتجاوز الأمر.
عندما انهى جملته أعلن هاتفه إشعارا وكأنه لوصول رسالة ما فنظر إليه ويده الأخرى لا تزال ممسكة بمرفقي.

عقد حاجبيه بتركيز ثم تنهد و وقف: ابقي هنا لدقائق. لن أتأخر.
ارتفع حاجباي بعدم فهم وأنا أراه يدخل المنزل ثم خرج فورا ممسكا بمفتاح السيارة!
إلى أين ستذهب!
تساءلت واقفة بحيرة فنزل الدرج قائلا: مكان قريب من هنا، دقائق معدودة وسأعود، من الأفضل أن تجلسي بالداخل وتسرحي بخيالك بدلا من الجلوس في الخارج.

أضاف بنبرة ساخرة: وتفكري جيداً بما يعنيه تقبيل شخص عابر في حياتك. كدتُ أغير نظرتي إليك ولكن ما سمعته للتو لا يثبت لي سوى شي واحد فقط. سهلة جداً يا شارلوت!
اتسعت عيناي بدهشة وانا أراه يركب السيارة.
رددت بقلب مقبوض: سهلة؟
إنه يقول بأنني فتاة رخيصة!
وقفت في مكاني دون حركة ورفعت يدي نحو صدري.
لماذا قلبي يخفق بهذه الطريقة؟ شعرت بالألم المفاجئ ولا أدري لماذا.
يا لها من إهانة.

هنيئاً لك يا كريس. إنه بالفعل بارع في إلقاء سيل من الكلمات الجارحة المهينة.
موهوب هذا الشاب.
وجدت نفسي أدخل متسائلة عن سبب انزعاجي الشديد هكذا، بل وأنني شعرت بأنني أكاد اختنق!
لم أعلم ما على فعله، وجدت الدرج المؤدي للطابق الثاني ولكنني تجاهلت الأمر ورغبت في الجلوس في الأسفل هنا.
إلا أنني وبلحظة واحدة التفت نحو المكتبة.
مشيت بإتجاهها وعيناي تعلمان جيدا أين وجهتها.
لا زلت أشعر بالفضول لتلك الصور.

كانت خطواتي توضح مدى انزعاجي وانا اسحب قدماي مصدرة صوتا مزعج بالخفين، وقفت أمام المكتبة بضجر يجوبه غيض وقمت باستراق النظر للصور لأقوم بتعديلها لوضعيتها الصحيحة واحدة تلو الأخرى.
حسنا لا شيء مميز في الصور، كانت أغلبها لكريس بهالته الكئيبة، عدا صورة واحدة فقط كان يبتسم بها ولم تبدو قديمة كالأخريات. مهلاً.
هذه الفتاة بجانبه!
فتاة صهباء ذات عينان تركوازيتين واسعتان. تيا! إنها هي بلا شك.

اتسعت عيناي وتمعنت النظر في الصورة، كانا يبتسمان بهدوء، كريس يضع يديه في جيبه بينما تيا وضعت يدها اليمنى على مرفق كريس واليد الأخرى تمسك بها شيء لم يكن واضحا بدى ككتاب او مفكرة صغيرة وما شابه، لم اعر انتباها للتفاصيل وانما دققت في ملامحهما.
إنها الصورة الوحيدة التي رأيته يبتسم فيها حتى الآن.

هل لأن تيا برفقته يا تُرى؟ هل هما مجرد أصدقاء؟ ألا يوجد شيء مميز في علاقتهما؟ على سبيل المثال. مشاعر خاصة، احاسيس مختلفة مميزة.
وجدت نفسي اخفض نظري قليلا وتفاجأت بأن الإحباط قد انتابني! مما جعلني أعيد الصورة لمكانها مستنكرة شعوري المفاجئ هذا!
ولكن. لا زلت أريد أن أعلم ما علاقة تيا بكريس؟ صداقتهما دامت سنوات طويلة جداً ولكن. هي ليست صداقة فقط؟ اليس كذلك!

احترت وانا افكر ثم رفعت رأسي متنهدة أنظر للمكتبة مجدداً، كان هناك كتاب مميز أطول من باقي الكتب ولكن عالِ بعض الشيء، اجبرني الفضول وحب الإستكشاف على رفع جسدي محاولة التقاطه مرات عديدة حتى نجحت بصعوبة. ولكن ولأنني اخذته من زاويته فأوقعت منه بعض الأوراق التي كانت مطوية بداخله دون قصد فانحنيت لأضعها مجدداً.

كنت أجمعها ولم أهتم بفتحها حتى لا أبالغ في انتهاك خصوصية كريس ولكن. إحداها لم تكن ورقة، ملمسها كان يبدو كصورة!
لم أكن أقصد أي شيء عندما قلبتها لأسترق نظرة سريعة وأضعها في الكتاب ولكنني تسمرت في مكاني للحظة.
ما هذا!
أسرعت أخرجها من الكتاب باستيعاب واتسعت عيناي أحدق إلى الصورة بعدم تصديق.
شُلت أفكاري وشُل جسدي بل وفقدت القدرة على تحريك عيناي!
ما هذا بحق السماء!

أجفلت بذعر لا إراديا عندما سمعت صوت سيارة كريس فأسرعت اقلب جميع الصور واعيد الكتاب لمكانه بصعوبة لإرتفاع الرف.
ولكن هذه الصورة لا أدري لماذا أخذتها وابقيتها في يدي!
شعرت به يصعد الدرج وبسبب دهشتي لم أكن قادرة على ان أكون سريعة في ردود افعالي فاخفيت الصورة خلف ظهري بسذاجة وحماقة.
كان قد دخل يبحث عني بعينيه ممسكاً ما يقارب الثلاثة ملفات في يده بدت رسمية سوداء وخمنت أنها للعمل.

وضعها على الطاولة المقابلة للأريكة وتقدم نحوي متسائلا بهدوء: ما هذه النظرات؟ هل ظهر لك شبح أثناء خروجي؟ كانت لحظات فقط!
ارتجفت شفتاي قليلاً ولم أجب.
نظر إلى يدي التي استقرت خلف ظهري فقال باستنكار: ماذا هناك؟
لازلت أقف بفم مطبق!
لماذا شعرت بالخوف في هذه اللحظة؟ لا. لأكن أكثر دقة هو ليس خوف! وإنما شيء يشبه التشتت والضياع!

اقترب بخطوات هادئة فتراجعت للوراء فعقد حاجبيه باستغراب وقال ببرود: هل أكل القط لسانك؟ ما الذي تخفينه خلف ظهرك على أي حال.
وجدت نفسي قد انفجرت لأقول بصوت عالِ حانق: بل ما الذي كنت تخفيه في ذلك الكتاب بحق الإله! لطالما تساءلتُ عن حقيقة علاقتك بعائلتي. ولكن ما لم يخطر على بالي أن أرى صورة كهذه هنا!

تقدم بنفاذ صبر وانتزع الصورة مني بقوة لينظر إليها وسرعان ما لمعت عينيه بالسخط وقال: من سمح لك بالتطفل على خصوصياتي! بأي حق تأخذين حاجياتي أيتها ال.
بدى وكأنه يكبح لسانه وقال بعصبية شديدة: حذرتك ان لا تعتبري الأمر كجولة في معرض سياحي.
وتجرؤ على التسلط بعد كل شيء؟ أخبرني حالاً لماذا أرى صورة تجمعك أنت وإيثان بحق الإله!

احتدت عيناه فأضفت بغضب: ما علاقتكما تحديداً! لماذا لم أسمع عنك من إيثان! لماذا لم يذكر إسمك يوماً! ما الذي يحدث هنا!
رص على أسنانه محدقا إلى ولمحت قبضته التي ضغط بها على الصورة بقوة هامساً: اخرسي. لا حق لك في طرح الأسئلة.
هذا من حقي! عندما أرى صورة تجمعك بأخي فهذا من حقي بلا شك! ما الذي تخفيه عني؟ هل.

ولكنني بترت كلماتي عندما اقترب فجأة ودفعني نحو المكتبة ليرتطم ظهري بأحد رفوفها فكتمت ألمي محدقة إليه بحدة وثبات شديد.

رفع يده ليضعها بجانب رأسي مقربا وجهه وقال بصوت يملؤه الحقد: انصتِ يا عزيزتي. لا يوجد تبرير تستحقين سماعه، لا يوجد سبب من أسبابي قد أخبرك به، لا يوجد هدف خاص بي قد أبوح لك به. لا يمكنني السيطرة على مشاعر الكره التي أكنها لك ولعائلتك! دعيني فقط أخبرك بأنني كنت كالأحمق تماما أنا أيضاً جاهلاً لهوية إيثان اللعين.

عقدت حاجباي دون فهم فأضاف بجفاء: إن كنتِ عاجزة عن كبح فضولك فلتسألي ستيفاني ومارك فلربما تجدين الإجابة.!
ما شأن والداي!

حتى لو كنت سأجيب عن هذا السؤال فلا علم لي من أي نقطة يجدر بي أن أبدأ. يكفي أنني لن أسامحهما على ما حلَ بها. لقد لفظت أنفاسها الأخيرة أمامي يا شارلوت وعليكم دفع ثمن هذا! لقد حُرمت من أمور كثيرة بسببكم. فما الذي تسألينني عنه تحديدا؟ عن فعلتهما التي أدت إلى إجباري على السهر كل يوم منصتا إلى صراخها ليلاً؟ على رؤيتها تأخذ إبراً وأدوية مهدئة؟

أكمل بسخط: لا فكرة لديك كم كنت أندس تحت فراشي منذ زمن لأتظاهر بالنوم وأخدع نفسي بأنني لا أسمع شيئا من صراخها. وصل الأمر للإختباء في الخزانة مرات عديدة بل وأنني ت.
ولكنه توقف عن الحديث مغمضاً عينيه ومطبقا شفتيه بقوة وكأنه يقاوم ألا يتحدث.
بينما كنت أقف بعين متسعة وفتحت فاهيي بعدم استيعاب وبقلق شديد!
عقلي عاجز عن استيعاب دفعة الإعترافات هذه!

ما الذي سمعته للتو! مازلت أواجه صعوبة في تجميع أفكاري! لم أفهم تماما ما يحاول قوله ولكنني التمست معاناة خفية للتو!
ارتجفت شفتاي ولكنني سرعان ما شهقت بريبة عندما ضرب الرف بجانب رأسي وقال يرفع ذقني بيده الأخرى هامسا بغيض: اللعنة عليك. ما كان على أن أتفوه بحرف واحد لك!
أ. أنا.

قاطعني بغضب: أنتِ شقيقة إيثان، وابنة ستيفاني ومارك. هذا ما تعنينه لي. لا يجدر بك أن تكوني في هذا العالم يا شارلوت! الكلام موجه لي أيضاً. لم يكن ينبغي ان نكون هنا على أية حال. على الأقل هذا أمر واحد نشترك به. إنه خطأهم ونحن من ندفع الثمن.
ابعد يده عن ذقني محاولا تمالك أعصابه كما يبدو وابتعد لأراه يتجه لباب المنزل وجلس على الدرج كما لمحته من النافذة الزجاجية.

كنت لا أزال أقف في مكاني ملتصقة بالمكتبة بعدم استيعاب لكل ما حدث.
ثم أطلقت زفرة عميقة جداً.
بصراحة أخافني!
أخافني غضبه وصوته ونظراته! واقلقني كل ما قاله.
ما خطبه بحق الإله!
هذا المجنون. بات يغضب فجأة أكثر من ذي قبل. ما الذي يحدث تحديدا. بل ما الذي حدث لوالداي ولإيثان! ومن تلك المجهولة التي يتحدث عنها!

مررت يدي المرتجفة في شعري بتوتر وتحركت ببطء لأنظر إليه من الباب المفتوح. إنه يجلس على الدرج مخفضا رأسه والهواء البارد يداعب شعره.
مظهره من الخلف جعل شعور غريب ينتابني.
ما هذا الذي أشعر به في هذه اللحظة؟
عندما تساءلت في نفسي عن هذا اكتشفت ان يدي ارتفعت بشكل تلقائي نحو صدري. تحديدا قلبي الذي يخفق بشكل جنوني!
أمر غريب يحدث لي.

تحركت فوراً إلى الأريكة وجلست عليها. لو سألته أكثر فلن أستبعد ان أصبح جثة هامدة.
ولكن. ادهشني كثيرا وجود صورة تجمعه بإيثان!
يمكنني أن أخمن أن إيثان كان في هذه الصورة ذو ثلاثة وعشرون سنة تقريباً! شيء من هذا القبيل.
الفرق بينهما عام واحد. إيثان يكبره بعام فقط.!
م. مهلاً!
اتسعت عيناي على أقصاهما وأنا أدرك أمراً!
كيف غاب هذا الأمر عني؟
إيثان كان يعمل في إحدى الشركات في هذه المدينة قبل خمس سنوات!

صحيح! تذكرت هذا! عمل في إحدى الشركات ما يقارب السنتان ونصف ثم انتقل فجأة للعمل في مدينة أخرى. واستقر بها حتى اليوم!
ما كان إسم تلك الشركة؟! لا أذكر! ولكنها كانت مختصة في أعمال العقارات او شيء من هذا القبيل، كانت ضخمة ولها أفرع كثيرة محليا وعالميا!
عضيت على شفتي محاولة التذكر ولكنني عجزت!

أتذكر جيداً أنه كان يحب العمل فيها، واستقر في هذه المدينة وكان يزورنا في الإجازات الرسمية وفاجأنا كثيرا عندما استقال من عمله دون سابق انذار!
زميت شفتاي محاولة فهم ما حدث ولكنني وجدت الطريق مسدود أمام أفكاري.
حسنا هناك حل واحد.
سأريح عقلي مؤقتا فقط، وأفكر بروية حتى لو اضطررت لسؤال إيثان بشكل غير مباشر.
ها أنا ذا أجلس وحدي لا أسمع سوى صوت عقارب الساعة وصوت نسيم الهواء في الخارج.

هل يجب ان يتصرف بكل هذه العدائية عندما أذكر أخي ووالداي؟
يا له من محتال، تظاهر بأنه لا يعرفه وبأنه ظن إيثان صديقي، ثم افحمني ذلك اليوم وهو يوضح لي أن كذبتي تلك كانت مجرد أمر ساذج أحمق اقترفته. وبعد كل هذا اكتشف بأنه يعرفه جيداً بل وصورة تجمعهما.
لقد كان إيثان يبتسم ابتسامته المرحة المعتادة في الصورة، بينما كريس يبتسم بهدوء بجانبه.
تنهدت بعمق واسندت رأسي على مسند الأريكة.

أغمضت عيناي لأرخي أعصابي المشدودة ولكن ما حدث لم أضعه في الحسبان.
لقد غفوت دون شعور!
وهذا ما أدركته عندما انزلقت رأسي فاستيقظت بذعر.
نظرت للساعة لأرى أنها لم تكن مجرد غفوة! لقد نمت ما يقارب الساعتين أو أكثر بقليل.
نظرت من حولي.
هو ليس هنا!
وقفت اتحرك ببطء نحو الباب، لقد غربت الشمس!

تسمرت في مكاني لأجد كومة من الأغطية على الدرج والتي اتضح أنها تخفي جسد كريس الذي لا يزال على وضعه يجلس على الدرج ولكنه يسند رأسه على سياجه.
خرجت ليلفح الهواء البارد وجهي وكأنه موجها صفعة قوية لي. تقدمت ووقفت خلفه فلم يلتفت. ما كل هذه الأغطية التي يلف بها جسده! إن كان يشعر بالبرد فلما لم يدخل! بل أنني أرى قدميه المطوقتان بجوربين صوفيين سميكين!
استغربت ونزلت الدرج لأجده يغمض عينيه.
نائم! هنا؟!

فتحت فاهيي رغبة إيقاظه ولكنني توقفت فوراً.
لا أعلم لماذا ولكنني فضلت النظر إليه عن قرب وكأنني أستغل لحظة نوم الملك الطاغي لأبث سماً في طعامه خلسة!
لديه وجه مسالم جداً أثناء نومه! يا الهي مظهره مخادع تماما!
لويت شفتي بغيض متذكرة ما حدث قبل أن أنام ولكنني سرعان ما تنهدت واستمريت في التحديق إليه.
لا أدري هل أصابني الجنون أم لا ولكنني وقفت أمامه مباشرة وجثيت لأمد يدي نحوه!

ما الذي سأفعله؟ أنا حتى لا اعلم! ولكن استقرت يدي على وجنته وهذا ما فاجأني.
لا زلت أحاول ان افهم ما الذي أحاول فعله! وكأن جسدي يتحرك من تلقاء نفسه ويتم التحكم به عن بعد!

وجنته باردة جداً مقارنة بيدي الدافئة! ارتخت ملامحي بشدة وانتباني ذلك الشعور مجددا ولكن هذه المرة خفقات قلبي كانت تخفق بشكل جنوني أكثر! ثم وكأن شخصا قام بالضغط على زر التحريك ليتحكم بي وقربتُ وجهي نحوه دون شعور وعندما لم تفصلني عنه مسافة تصلبت في مكاني بارتياب وكأن الزمن قد توقف لثانية عندما استوعبت أمر عينيه المفتوحتان فشهقت بذعر ووقفتُ فوراً بل وأنني فقدت توازني لأسقط من أعلى هذه الدرجات القليلة لأستقر فوق رمال الشاطئ الناعمة.

لم أعر اهتماما لسقوطي بل رفعت رأسي فوراً أنظر إليه متمنية أن ما رايته كان من صنع خيالي ولكنني شعرت بالذعر وأنا أجده يحدق إلى باستخفاف شديد.
س. سحقا! ما الذي. دهاني!
هل كنت سأقبل ذلك الشيطان حقا؟ لماذا! ما الذي يحدث لي بحق الجحيم؟!
كنت أحدق إليه بعين متسعة حذرة وأسرعت أقف أقول بحزم وصوت عالي: إياك وأن تسيء فهمي!
بشأن ماذا؟

كنت أتفقد ما ان كنت نائما أو لا! هذا كل شيء. لا تذهب بأفكارك البعيدة. ل. ليس وكأنني كنت سأقدم على فعل شيء ما! احترت مكوثك هنا طويلا و. وأردت التأكد من كونك نائما او مغشيا عليك حتى لا أقع في ورطة!
كان لا يزال ينظر إلى باستخفاف ثم اعتدل في جلسته قليلا وهو يشد الغطاء نحوه أكثر، فتساءلتُ بحزمي السابق: منذ متى وانت مستيقظ؟
منذ أن كنتِ واقفة تتأمليني.
من فعل هراء كهذا!
الشخص ذاته الذي لمس وجنتي.

قلت لك كنت أتأكد من كونك نائماً.
كان بإمكانك مناداتي أو إيقاظي.
نومك ثقيل ولن يكون هذا ذو منفعة. فليكن أنا جائعة.
قلتها بالرغم من أنني لا أشعر بذرة من الجوع حتى! كل ما اريده هو تغيير الموضوع بسرعة وأنسى ما كنت سأقدم على فعله. متى أصبحت أتصرف دون تفكير هكذا؟
أنا متوترة لأقصى حد ولا أستطيع السيطرة على نفسي، لا يجب ان اتصرف بحماقة أمام هذا الثعلب سيستغل أخطائي ضدي وسأندم!

تحركت لأصعد الدرج بعد ان نفضت الرمل عن ملابسي، عندما وصلتُ إلى الدرجة التي يجلس عليها سحب يدي وأرغمني على الجلوس بجانبه بنظرة متمعنة: أنتِ لست جائعة. لا داع للهرب، الست قوية بما يكفي لتواجهي الموقف؟
ما الذي سأواجهه! لم يحدث شيء يذكر.
ابتسم بسخرية ثم بدأ يضحك بخفوت فأشحت بوجهي بإنزعاج.
ساد الصمت للحظات طويلة، لاحظت أنه أجلسني بالقرب منه بمسافة صغيرة فابتعدت عنه تدريجيا وببطء.

احتضنت نفسي عندما بدأت اشعر بالبرد حتى قال: لن نعود للمنزل الليلة. كوني جاهزة غدا صباحا للعودة.
استغربت متسائلة: لماذا!
تمتم بهدوء: لست في مزاج يسمح لي بإحتمال ما سيقوله جوش أو عمتي ولا تسألي أكثر فأنا.
قاطعته بجفاء: لست أهتم بأسبابك. سألتك لأنني لا أريد البقاء معك في هذا المنزل وحدنا، لست مضطرة للبقاء هنا أعدني للمنزل!
ارتفع حاجبيه ثم قال ببرود: تعلمين جيدا بأنني لن أفعل.

رفعت يدي أمدها نحوه فنظر إليها باستنكار فقلت بحزم: أعطني إياه.
ما هو!
مفتاح السيارة.
ليس وكأنني أريد منك البقاء معي، مهلاً. منذ متى تجيدين القيادة!
قالها بعين ضيقة فأجبت بهدوء شديد: لا أجيدها.
هاه!
أردف بعدم فهم يجوبه نفاذ صبر: ما الذي تريدينه بالمفتاح إذاً؟
سأجرب القيادة وحدي.
وتتظاهرين بأنكِ عاقلة!

أنزلت يدي متنهدة: سأقودها وأحطمها وأحطم جسدي معها هذا سيكون أفضل من البقاء معك يا كريس. لهذه الدرجة لم أعد أطيقك!
ابتسم بملل: أحب صراحتك.
زفرت بلا حيلة ومددت قدمي أرفع رأسي محدقة إلى السماء المرصعة بالنجوم للحظات حتى أخذت شهيقا عميقاً هامسة: ليس في يدي حيلة. أعتقد بأنني سأنتظر قليلا لعلي ألمح شهابا وأتمنى نقلي بأي طريقة للمنزل.
تفاجأت به يضحك فنظرت إليه بحيرة وترقب.!
تلك الضحكة.

لم تكن متصنعة أو هازئة! إنه يضحك بالفعل! تعلقت عيناي عليه وأنا أراه يضحك بعفوية حقيقية! لم تكن تلك الضحكات المبالغ بها في لقاءنا الأول وبذلك المرح المزيف! بل كانت ضحكة بنغمة عميقة مميزة جعلت ملامحي ترتخي كثيراً!
توقف عن الضحك متمتما: ظريفة جدا يا شارلوت.
ارتفع حاجباي ولم أعلق بل التزمت الصمت، لقد ضحك للتو ولم تكن نيته السخرية.

هذا أمر جديد. ومختلف. حسنا هذا يعني ان البشري الذي يسكن بداخل جسد الشيطان على قيد الحياة ويدرك أنه لازال بإمكانه الضحك مثلنا نحن البشر الطبيعيون دون الحاجة للسخرية!
بعد ثوان فقط التفت كلانا لليسار عندما سمعنا صوت خطوات تقترب.
إنه جسد لم يتضح بسبب الظلام حتى بات أقرب أكثر.
جسد أنثوي؟!

اقتربت أكثر حتى اتضحت المعالم أخيرا لأجدها امرأة شقراء بدت في أوائل الثلاثين من عمرها، كانت تبتسم ابتسامة مليئة بالدلال! من هذه؟!
مرحبا كريس، لم أكن أعلم بأنك عدت، لقد رأيت إنارة المنزل للتو فقط.
هذا ما قالته بصوت أنثوي رقيق، ولكنني وجدتها نبرة قد اثارت اشمئزازي!
من تكون هذه بحق الإله؟
ابتسم كريس: مر وقت طويل.
أنت محق.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *