التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثاني عشر

بتر تفكيري، ظل ما على الأرض فرفعت رأسي ببطء لأراه واقفا يحدق بالغرفة بدهشة!
لقد كان ينظر إلى الفستان الممزق بعين عسلية متسعة! أما أنا فنظرت للأرض بجمود أخفي الاضطرابات في داخلي!
رفعت عيناي أنظر إليه بترقب وتحدي ولكنني تفاجئت بتلك الدهشة تتبدد ليحل محلها سخرية غريبة وتكتف عاقدا ساعديه على صدره ليقول: أمر مثير!
أردف باستنكار هازئ: هل كان سبب تأخرك هو انشغالك بتمزيق الفستان؟

أزعجتني جملته تلك فقلت باندفاع وقهر شديد: لم أكن لأحضره حتى!
أضفت بإستخفاف: من الوقاحة أن تترك الضيفة اللطيفة في الأسفل يا كريس. تفضل هذا الفستان الجميل واعطه إليها. إنها أمانة ولا بد من إعادتها.
أوه!
ثم ابتسم ابتسامة مستفزة جدا، أو هكذا رأيتها أنا!
وتقدم قليلا جاثيا ممسكا بإحدى القطع الممزقة ليقول مبتسما: ياللفستان المسكين!
رفع ناظره نحوي فلم أستطع إبعاد عيناي عنه، بادلته النظرات بحقد وإنزعاج.

بينما نظراته كانت مستنكرة مستغربة!
لا تجرؤ على التحدث عن امور مقرفة ومقززة كالتي كنتما تتحدثان عنها! هذا مثير للخزي بالفعل حسنا لم أكن أعلم بأنك زير نساء عابث ولكنني لم أستبعد ذلك أيضا! ليس وكأن الأمر فاجأني.

ارتفع حاجبيه بينما أكملت بغضب: ولكن لا تذكرا أمورا كهذه أمامي! على الأقل تقديرا لوجود طرف ثالث بينكما، صحيح بأنه لا معنى لوجودي أمامك بالنسبة لك ولكن ليكن في قلبك قليلا من الاحترام! أنا أكره أن يتم إهانتي بهذه الطريقة المثيرة للغضب و.
هل تغارين؟
قالها محدقا إلى بابتسامة صغيرة فتوقف لساني عن الحركة!
لماذا يقولها بهذه الطريقة؟ هل أبدو شفافة إلى هذه الدرجة؟!

هل ما كنت أفكر به للتو صحيح؟ إذاَ هذا يعني بأن تصرفي كان بدافع الغيرة.
أنت آخر شخص قد أغار عليه يا كريس! لا تحلق بأفكارك بعيدا والتمس الواقع أرجوك. حتى لو انقرض رجال العالم فآخر من أغار عليه سيكون أنت.
لماذا مزقت الفستان إذا؟
ما خطب هذه النظرات الواثقة؟ ما الذي هو واثق بشأنه هكذا؟ هذا مزعج. مزعج للغاية!
أنت تعرف لماذا! لقد أخبرتك للتو بأنني لن أقبل أن تتم إهانتي.
عن أي إهانة تتحدثين؟

لماذا على أن اكرر حديثي مرارا وتكرارا!
أردفت بحنق: ربما على أن أنصحك ألا تتأخر على عشيقتك فهي بانتظارك في الأسفل!
ولكنه ظل يحدق بي.
أنا أسمعه.
أسمعه بوضوح! إنه يخفق بشكل متسارع دون توقف!
وقف مبعثرا شعره دون أن أستطيع رؤية ملامحه ليقول وهو يخرج: حسنا هذا محزن، سأضطر لأخبارها بأنني وجدت الفستان ممزقا لسبب غامض.
قالها مغادرا فعاودت انظر للفراغ بصمت.
هذا غير مقبول! لن أسامح نفسي.

من بين كل الرجال، أغار على أسوأهم؟
أغار؟ رددتها بهمس مستاء لأعترف بعدها بأنني واقعة. في شباكه!
وهي لجريمة ارتكبتها في حق نفسي.
أسوء جريمة. قد ارتكبها طوال حياتي! غيرتي عليه تعني شيء واحد فقط. بأنني بالفعل واقعة في حبه!
كيف ومتى حدث هذا! أي مصيبة هذه؟ أي ظلم لنفسي هذا!
ما الذي أحببته فيه تحديدا؟
إنه خال من المحاسن، خال من أي شيء قد يجذبني إليه سوى مظهره.

ولكنني لا أبالي بالمظاهر، ولا يهمني إن كان وسيما أو لا.
احتقر نفسي بشدة. وأرغب لو اقفز من النافذة لأتخلص من هذا الشعور المربك.
هل هذا يفسر توتري وارتباكي أمامه مؤخرا؟
هكذا إذاَ.
لا يسعني سوى أن أشفق على نفسي. وأفكر في وقت مناسب لأصفي حسابي.
مع هذا الأحمق الذي ينبض بقوة باستمرار!
شعرت بشحوب وجهي وبرودة أطرافي إثر الخوف والقلق من مشاعري.
ووقفت ببطء متجهة لأغلق الباب، لحسن الحظ هناك مفتاح!

أغلقته وركلت احدى قطع الفستان بقدمي بامتعاض وجلست على السرير بإستياء.
مرت دقائق حتى شعرت بأنني أسمع خطواته بوضوح!
كنت محقة فلقد أدار مقبض الباب ولكنه لم يستطع فتحه حتى قال بنبرة عالية متسائلة: ما الذي يعنيه إغلاقك للباب؟
ولكنني لم أجبه أو أعلق بل واصلت النظر للفراغ بضيق.
حتى قال متململا: ما الأمر؟ اتشعرين بالإحراج لما فعلته؟ أم تكونين خائفة من مواجهتي؟!
إنه محق.

أنا خائفة. خائفة كثيرا من مواجهته! لا يمكنني النظر إليه بعد ان اكتشفت أنني وقعت فريسة في شباكه!
لا أستطيع تصديق نفسي! أي حماقة هذه التي فعلتها في حق نفسي! أن أحب شخصا مثل كريس لهو الجنون بعينه!
أتى صوته ساخرا بنبرة لاذعة: كان على أن التقط صورة تذكارية للفوضى التي احدثتها على الأقل! فهو أمر نادر الحدوث كما تعلمين.
الوغد.
كنت أعلم بأنه سيستخدم أي فعل يبذر مني ضدي!
كما قلت، إنه خال من المحاسن!

بعدها قال مبتعدا عن الباب: أحلاما سعيدة إذا. لا تنسي بأننا سنغادر في الصباح الباكر.
أحلاما سعيدة؟
وكأنني سأنام بعدما حدث! وكأنه سيطرف لي جفن وأتجرأ على النوم بكل بساطة هكذا!
أنا الآن أخوض حرب قاسية وعلى أن أهدأ تماماً.
لو التقط أنفه رائحة لمشاعري تجاهه فلا أعلم ما قد يفعله! لو راوده الشك فقط فسيشعر بلذة الإنتصار على وهذا أمر يرفضه كبريائي ومبادئي.!

شخص مثل كريس يواصل إهانتي وإهانة عائلتي، ويلقي على بكلمات جارحة قاسية لا يستحق أن أقع في حبه.
ربما هو شعور مؤقت!
ولكن صوت في داخلي أخبرني وبكل وضوح بأنه شعور كان مكبوت في الآونة الأخيرة وأراد التحرر ووجد فرصته اليوم وقد لا يعود للإختباء مجدداً بين زوبعة مشاعري المشتتة.
هذا كثير جداً. ما حدث اليوم كثير جدا!
وكما توقعت أنا لم أنم ولم أستطع! حل الصباح أخيراً وقد كنت انتظر بفارغ الصبر لأعود للمنزل.

إنها السادسة والنصف صباحا، كنت مستيقظة عاجزة عن النوم طوال هذه الساعات وسمعت صوت باب الغرفة الأخرى وعلمت بأنه قد استيقظ لذا أسرعت أحاول استعادة نشاطي وأغسل وجهي بالماء بقوة محدقة إلى نفسي بالمرآة هامسة مشجعة: لا تقلقي يا شارلوت. الشيطان يلجأ لحيل التعاويذ لإيقاعي في حبه فسأحاربه بكل ما لدي وهذا لن يستمر طويلاً.

يا الهي الهالات السوداء أسفل عيناي تكاد تصل إلى منتصف وجهي! زفرت بغيض ورتبت شعري بإنزعاج شديد راغبة في الحصول على أي شيء أرتديه لأستحم! ولكن هذا لم يتوفر وهذا ما دفعني للخروج من الغرفة وعندما وجدته في وجهي تجاهلته تماما ونزلت الدرج.
علي أن أتمالك نفسي أمامه وأمام مشاعري وألا أكون مثيرة للشفقة، على تفكيري ان ينحصر على الذهاب للمنزل، الإستحمام، ثم أخذ ساعات قليلة لأرتاح واعوض عن سهر الليلة الماضية.

كنت قد وصلت للأسفل عندما قال بنبرة مستمتعة أغضبتني: سنتناول الفطور هناك في المنزل.
لم أعلق على ما قاله بل تظاهرت بالبرود، وبعد لحظات كنت أجلس بجانبه في السيارة مشيحه بوجهي ملتزمة الصمت تماما!
حتى أنني تجاهلت جميع أسئلته ومحاولة استفزازه وإزعاجي، ولم أجرؤ على النظر إليه مباشرة.
لا يمكنني، على الأقل ليس الآن!

في النهاية تجاهلني هو أيضا وقاد السيارة بصمت وهو يدندن وشعرت بأنه يحاول إغضابي بشتى الطرق والدليل على ذلك هو أنه كان ينتقي أغاني بكلمات عاطفية بشأن الحب وهو يسترق النظرات نحوي بطرف عينه وحينها كنت على شفى حفرة من ارتكاب جريمة حقيقية!

بعد فترة ليست بقصيرة دخلنا ذلك الحي الراقي، ثم البوابة الضخمة يليها الطريق المليء بالزراعة ثم الدوار الذي ينتصفه النافورة وسط المكان حتى اوقف السيارة متمتما: إياك والتصرف هكذا أمامهم! لا تنسي اتفاقنا.
نزلت من السيارة لأقول بجفاء: لا تملي على الأوامر.
بدلا من إغلاق الباب بقوة منفسة عن غضبي قمت بالعكس إذ تركته مفتوحا عمداً وتجاهلت نبرته العالية مناديا بإسمي بغضب.

صعدت الدرج ودخلت المنزل وأول من رأيته هي أولين!
نظرت إلى بابتسامة هادئة واقتربت قائلة: صباح الخير!
ابتسمت بلطف: صباح الخير سيدة أولين!
ها قد عدتما أخيرا، أين هو كريس؟
إنه قادم!
نظرت إلى بتمعن لتقول باهتمام: وجهك يبدو شاحباً! هل أنت بخير؟
شارلوت!
قيلت بصوت مألوف، إنها كلوديا!
كانت تنزل الدرج محتارة ثم تقدمت نحوي لتقول باستغراب: ها قد عدتما! لم أتوقع مجيئكما الآن. هل استمتعتما بوقتكما عزيزتي؟

أردفت بحيرة وقلق: هل أنت متعبة؟ وجهك يبدو شاحبا! ألا تزال قدمك تؤلمك؟
علقت أولين: لقد لاحظت هذا أيضا!
ابتسمتُ بإرتباك: أنا بخير ولكن يبدو أنني لم ارتح في نومي فقط. هذا كل شيء!
ارتفع حاجبا كلوديا لتقول مفكرة بشيء من الحماس: لا يعقل يا شارلوت! هل من الممكن أن تكوني حاملا؟
اتسعت عيناي بدهشة وتفاجأت بدخول كريس باللحظة نفسها!
لماذا؟ لماذا يدخل الآن من بين كل الاوقات!

أسرعت أقول باندفاع اخفي خجلي: ل. لا! الأمر ليس كذلك، أخبرتك بأنني لم أنم جيدا. و. هذا كل شيء!
تقدم كريس متجاوزا لي وحينها لم الحظ وجهه جيدا. وحين انحنى قليلا ليتجاوز الخادمة التي خرجت وجدت عيناه يطرف بهما بسرعة واستشعرت شيء كالإرتباك!
دخل لغرفة الجلوس بينما بقيت أحدق بمكانه بعدم استيعاب!
م. ما كان هذا للتو!

كانت كل من كلوديا وأولين تحدقان إليه وهو يدخل ولم ينبس ببنت بشفة، ثم تبادلتا النظرة المستاءة المماثلة حتى انتفضت عندما قالت كلوديا بيأس معترضة: ما هذا! ظننت بأننا سننتظر مولودا لطيفا!
قالت أولين نافية: مخطئة يا كلوديا، تزوجا حديثا ولا زال الأمر مبكرا جداً!
أيدتها كلوديا: محقة!
أردفت متنهدة: هل تناولت فطورك؟
نفيت برأسي بينما ابتسمت السيدة اولين بغموض وغادرت!
هيا إذا فلتتناوليه معي.

و. ولكنني بحاجة للاستحمام أولا!
ماذا! فلتستحمي بعد تناول الطعام!
ولكن وبالرغم من إصرارها والحاحها عجزت عن إقناعي، وبالفعل ذهبت لأستحم بسرعة ثم نزلت لغرفة الطعام وهناك وجدت ستيف جالسا بجانبه جيمي والسيد جوش يجلس في مقدمة الطاولة.
ابتسمتُ دون شعور ولاسيما حين صرخ جيمي: أمي!
واسرع يعانقني، فبعثرت شعره وحملته قائلة بمرح: تبدو نشيطا اليوم! هذا جيد.
أمي لقد اشتقت إليك! أين كنت؟

مع والدك في مكان ما، أخبرني أنت ما الذي فعلته بالأمس؟
لقد تنزهت مع ستيف واشتري لي اقراص مدمجة كثيرة.
هذا رائع! ربما سنشاهدها معا في وقت لاحق، ما رأيك؟
نعم!
بدى سعيدا كثيرا بعودتي! مما جعلني أشعر بالسرور والدفء.
جلس مكانه مجددا وجلست أنا مقابل ستيف بعد ان قلت: مرحبا سيد جوش.
صباح الخير شارلوت.
قالها مبتسما بلطف.
نظرت لستيف الذي قال محدقا بالهاتف: ما كان هذا؟ هل ذهبتما للجلوس معا أم هربتما؟

ابتسمت ساخرة: لقد كنت أشعر بالملل الشديد بالأمس بعد خيانتك وخروجك مع جيمي فما كان مني سوى أن أقبل عرضه لنخرج.
ثم استغربت عدم جلوس كريس مع الجميع! فهو أيضا لم يتناول شيئا.
تنهدت وبدأت أتناول الطعام حتى قالت كلوديا بإستياء وتردد: ربما على أن أنادي كريس.
ولكنني انتفضت لنبرة جوش الحازمة: دعيه يا كلوديا!
أردف بإنزعاج: توقفي عن معاملته بهذه الطريقة، عليه أن يعترف بخطأه على الأقل!

ارتفع حاجباي بعدم فهم بينما قالت كلوديا: ولكن. أنت تعلم بأنه عنيد جدا! ما فائدة ان تعامله بعناد انت أيضا!
لا يهم، المهم ألا يعتقد بأنه يتصرف بطريقة صحيحة دائما، لم يعترف بخطأه ولو لمرة واحد!
علق ستيف بملل وهو يتثاءب: لو انتظرت اعتذاره يا أبي فأراهنك على أنك لن تسمعه حتى وأنت تتكئ على عصاك وتمشي منحي الظهر.
ما الذي فعله كريس؟

كان هذا ما أفكر به قبل ان يشهق ستيف، ابتسمت بسخرية عندما بدى مستاءا غاضبا لوقوع هاتفه في طبق الأرز وهو يقول بذعر وحزن: هاتفي المسكين! يا الهي. لقد اتسخ تماما.
لقد حذرتك مئة مرة من استخدامه على مائدة الطعام!
قالها جوش وهو يبدو سعيدا بما حدث فقال ستيف بإنزعاج: أبي توقف أرجوك! لقد اتسخ الهاتف تماما أخشى ان يتعطل!

واصل تذمره بينما أسرعت إحدى الخادمات بأخذه وتنظيفه فاسند رأسه على الطاولة متمتما بأسى: هاتفي!
في هذه اللحظة كانت أولين قد دخلت وسمعت ستيف وقالت بحزم: هل استخدمت هاتفك على المائدة مجددا؟ ما الذي قلته لك في الأمس؟ ألم أكن واضحة بما يكفي!
أجفل لوجودها وقال فورا: كنت فقط اتفقده.
ثم غير الموضوع بسرعة وقال مبتسما بحب: الطعام لذيذ كالعادة سيدة أولين! أحب المجيء لهنا لتناول هذه الوجبات الشهية!

علق جوش: هذا لا يخرجك من الموضوع. سيدة أولين عليكِ به، لقد تجاوز حدوده كثيراً.
ضحكت بخفوت انصت إلى جدالها مع ستيف ثم اكملت تناول الطعام، مفكرة بفضول شديد حول موضوع كريس!
هذا يعني بأنه تشاجر مع السيد جوش بالأمس، لذلك لا يريد تناول الطعام مع الجميع ولهذا أصر على عدم العودة إلى هنا.
دخلت إحدى الخادمات قائلة بهدوء: سيدة أولين، السيد كريس يريدك!
استغربت قليلا بينما خرجت السيدة أولين.

بعد ان انهينا تناول الطعام، خرج جيمي للحديقة قائلا بان شارلي قادم للعب معه، أما ستيف فلقد كان يتفقد هاتفه محدثا الخادمة ويصفها بأنها بطلته المنقذة ويعدها بمكافئات وما شابه!
بينما السيد جوش تلقى اتصالا ثم خرج، نظرت للسيدة كلوديا قائلة باستغراب: هل كل شيء على ما يرام؟

ابتسمت بحزن: ليس تماما. لقد اتصل جوش بكريس بالأمس وأخبره بأن صحة والده قد ساءت ويريد رؤيته بشدة ولكن يبدو ان كريس متحجر الرأس يرفض التنازل أمام والده.
س. سيدة كلوديا أنا أسفة على تطفلي ولكن. لماذا يفعل كريس هذا؟ أقصد. علاقته بوالده تبدو سيئة جدا ولكنني لا أفهم لماذا!

نظرت إلى لبرهة ثم لكوب الشاي الساخن و قالت دون أن ترفع رأسها: كل هذا بسببها. فارقت الحياة ولكنها لا تزال تحيل بين أخي وكريس. لم أتقبلها يوما ولن أغفر لها كل ما فعلته.
ادهشني سماع هذا من كلوديا بالرغم من أنني لم أفهم تماما ما تعنيه. ولكنني أدرك أنها تقصد باتريشيا. والدته!

أكملت بضيق: أخي يحاول دائما كسب حبه وان يكون له أبا مثاليا ولكن كريس يرفض أن ينظر إليه كأب! نظرته نحوه ليست أكثر من نظرة لوم. إنه يلومه على أشياء كثيرة، ودائما ما يقول بأن والده السبب في موت باتريشيا.
باتريشيا؟
والدة كريس الراحلة.
سألتها فقط لأسرق إجابة تشفي الشك الذي يراودني، أعلم أنها والدته ولكنني أردت أن أقطع الشك باليقين.

قالت ذلك وبعدها رن هاتفها فنظرت للشاشة قائلة بابتسامة صغيرة: إنه هو. لا بد وأنه يشعر بالملل وحيدا بالمشفى لذا على أن أسرع في الذهاب إليه!
أملت برأسي بحيرة ثم سرعان ما ابتسمت قائلة: هذا صحيح! يجدر بك الذهاب، لا تقلقي يا كلوديا ع. أ. أقصد السيدة كلوديا! عذرا لم انتبه.
قلتها بإحراج شديد فضحكت بخفوت: يروقني هذا! لا تقلقي مناداتك لي بإسمي تكسر الرسميات بيننا، هذا أفضل! كما أن هذا يشعرني بأنني أصغر سناً.

ابتسمت براحة ثم أملت برأسي بخجل فأسرعت تخرج قائلة بانها ستغير ملابسها وتذهب.
جلست قليلا ثم خرجت ومررت أمام غرفة الجلوس، وجدت الباب مفتوحا والغرفة تبدو فارغة!
ألم يكن كريس هنا قبل تناولنا للطعام؟
رفعت كتفاي بلامبالاة وصعدت للأعلى حيث غرفتي.
وقفت أمامها بغية فتحها ولكنني تفاجأت بصوت السيدة أولين التي قالت بحزم: توقف عن هذا حالا!
وضعت رأسي على الباب استرق السمع بحذر بعد ان القيت نظرة متفحصة من حولي.

لأسمعها تقول بإنزعاج: أنت تعلم بأنك تبالغ في تصرفاتك ولكنك لا تعترف بذلك! إلى متى ستبذر منك التصرفات الطفولية الغير مسؤوله هذه!
أتى صوت كريس منزعجا: لماذا تواصلين نعتي بهذا أنا لم أعد صغيرا!
أردف بغيض واضح: لقد أخبرتك بانه اتصل بي بالأمس، وعندما رفضت الذهاب لم يكف عن لومي في ماكس بدخوله للمشفى!

أمازلت تواصل مناداته بماكس؟ إنه والدك يا كريس! أي جزء من كلمة والدك لا تفهم. وما الذي أخطأ جوش بشأنه؟ إنه محق فأنت من تسبب في إنهيار ماكس في آخر شجار لكما.! إلى أين تنوي الذهاب بتصرفاتك يا كريس؟ إلى أي مدى؟!
عمتي أولين أنا.

أنت تتصرف بغرابة يا كريس! أنت لا تبدو مثل كريس الذي اعرفه، لست كريس الذي ولد على يداي وقمت بتربيته بنفسي! إما أن تعود لرشدك وتنضج أو تعود كما كنت! شخصيتك القديمة الإنطوائية كانت أفضل بكثير مما تفعله الآن! ألا تدرك بأن صحة والدك في تدهور؟ أي جزء من كل هذا لا تفقهه!
أردفت بحزن واضح: انت تعلم بأنك بمثابة ابني تماما، ومن الصعب أن أراك تتصرف هذه التصرفات انت حتى لم تعد تلقي لمشاعر أحدِ أي اهتمام!

أكملت بضيق: أتظن بأنني لا أعلم بأنك أجبرت شارلوت على الزواج منك؟
ساد صمت لم أسمع به شيء حتى قالت أولين: لماذا تزوجتها؟
هل أخبرتك بذلك؟
انتابني خوف من سؤاله الحازم وخفت أن يعلم بما تحدثت به مع أولين مسبقا!
ولكنني تنفست الصعداء عندما أجابته بحزم مماثل: لا، ولكنني أذكرك بأنني قمت بتربيتك يا كريس وتصرفاتك بالنسبة لي واضحة جدا، لماذا أجبرتها؟
إنه أمر يعنيني وحدي.

أرجو فقط بأنك لم تفقد عقلك بعد! هل لزواجك علاقة بباتريشيا؟ لو كان للأمر علاقة بها فأنت بلا شك قد فقدت عقلك تماماً!
سمعته يزفر بإنزعاج شديد: عمتي أولين لقد أردت التحدث معك بشأن جوش وها أنت تأخذين منعطفات كثيرة!
لأنك لم تعد واضحا في تصرفاتك يا بني! أدرك بكل ما عانيته حتى الآن. أعلم تماما بأنك تواجه صعوبة في البوح بمشاعرك ولكنك تأخذ إتجاها خاطئا يا كريس! أرجوك تعقل.

استرسلت بصوت مرتجف: لا تترك ما حدث لباتريشيا يؤثر عليك! لازلت في السابعة والعشرون فقط يا كريس وأمامك حياة طويلة! ماكس طريح الفراش ومشتاق إليك! ألا يمكنك التنازل ولو قليلا فقط لأجل صحته؟ لماذا بتَ قاسيا إلى هذه الدرجة! لا تجعل الماضي يحبطك ويؤثر على مستقبلك فتندم! شارلوت لا تزال صغيرة أرجوك لا تقحمها في ما لا يعنيها! ما الذي تريده منها! ألن تخبرني؟ أنا لن أجبرك ولكن تذكر بأنني لست أي أحد في حياتك! أنا أمك التي لم تنجبك. أنت كل شيء بالنسبة لي كما تعلم! ما ذنب هذه المسكينة التي تزوجتها فجأة! بل وأنك لم تخبرني بالأمر. لم تناقشني! على الأقل لم تعلمني به!

يكفي، عمتي أولين.
أردف بكلمات سريعة مغتاضة: هذا يكفي. أرجوك! سأتحدث مع جوش لأجل فارق العمر بيننا ولكنني لن اتنازل! وبالنسبة لموضوع شارلوت فهذا أمر مختلف تماما. هذا كل شيء.
لا فائدة.
قالتها السيدة أولين بأسى وإحباط وسمعت خطواتها تتجه نحو الباب فتداركت الأمر بسرعة ودخلت الغرفة المجاورة، انتظرت قليلا لأراقبها من طرف الباب لأراها قد اختفت عن ناظري فنهدت بارتياح!

تلك المرأة باتريشيا. لا فكرة لدي عن أي شيء بشأنها، لماذا موضوع والدته يبدو حساساً بالنسبة له، متى توفيت، كيف ولماذا! وما الذي جعل كريس متأثر بوفاتها إلى هذه الدرجة؟
الأهم هو أن ما أصابني بشأن كريس بات أقوى! بتُ أفكر به كثيراً! غير قادرة على استيعاب أنني واقعة في حبه ولكن مازال الأمل أمامي يخبرني بألا أقلق فهي مشاعر مؤقتة بلا شك.

ان تقع فتاة في حب شخص مثل كريس لهي مجرد حمقاء. لا. بل كريس بشحمه ولحمه. إنه شخص لا يطاق! أفكاره أنانية كثيراً ولم أرى حتى الآن أي مراعاة لمشاعري.
ما الذي أوقعني في حبه بحق الإله هذا السؤال بات يؤرقني كثيراً.
زفرت وخرجت من الغرفة لأرى ستيف قادما من المنعطف المؤدي للدرج والحيرة على وجهه وعندما رآني قال ببلاهة: ما خطب السيدة أولين؟ لقد صرخت في وجهي للتو قائلة أغرب عن وجهي!

ضحكتُ ساخرة: ربما أصبحت لا تطاق!
ابتسم بثقة: لا يعقل! فأنا الشاب المحبوب هنا.
جرعة من التواضع يا ستيف!
حينها رأينا كريس يخرج من الغرفة ممسكا بمفتاح سيارته، القى علينا نظرة لامبالية ونزل بكل بساطة!
استغربت الأمر ولكنني لم أعلق فهمس ستيف بهدوء: يبدو مخيفا!
لماذا! ليس غاضباً!
إنه كذلك. ألم تريي كيف كان يضغط بالمفتاح على يده؟
ل. لم أرى! يدهشني أنك دقيق الملاحظة.
لا تستخفي بي!

دخلت لغرفة النوم التي خرج منها كريس فتبعني ستيف متمتما: لقد ذهبت أمي لزيارة خالي ماكس.
آه. نعم أعلم هذا!
أردفت بتردد: ستيف.
ما الأمر؟
هل استطيع زيارته أيضا؟
ارتفع حاجباه قليلا ثم بعثر شعره مبتسما: بالطبع! فأنت زوجة إبنه في النهاية.
ابتسمت بتوتر فقال: ما خطبك؟
هل كريس الوحيد الذي ينادي السيدة أولين بعمتي؟
نعم.
أملت برأسي بفهم ليتمتم وهو يجلس بملل: مع أنه كان يناديها بأمي في فترة ما. كان قبل عدة سنوات.

آه! هكذا إذا.
نظر إلى لبرهة بنظرات مطولة فاستغربت إلا انني لم أعر الموضوع اهتماما.
وقلت: أخبرني. كيف تبلي في دراستك؟
سيء.
يالها من إجابة مختصرة سريعة!
لا أحب الدراسة. أشعر بأنها تقيدني!
ت. تقيدك!
نعم.
ولكنها ستحدد مستقبلك كما تعلم!
لا طموح محدد لدي، يريدني أبي أن أدرس المحاماة بينما أمي تريدني أن أدير قسما في شركة خالي ماكس. وخالي أخبرني أنه يرى بي مديرا ناجحا في المستقبل.

هذا يبدو جيدا، العمل مع العائلة! على الأقل شيء مضمون.
ولكن قال كريس بأنه لا مكان للفشلة في الشركة، على أي حال رأيه لا يهمني طالما أن خالي ماكس يرى أنني مناسب هناك.
لا مكان للفشلة؟ قد يكون محقاً في هذه النقطة!
قلتها ممازحة فامتعض: أصمتِ.
ابتسمت بهدوء ثم نظرت إليه لبرهة مفكرة وتساءلتُ متظاهرة بعدم الإهتمام: هناك ما أود معرفته بشأن تلك المدعوة تيا.
تيا فجأة! ماذا هناك بشأنها؟

تلك ال. آه لأخبرك بصراحة يا ستيف لقد كانت مزعجة جدا في الأيام الماضية، أشعر بأنها تتعمد استفزازي و. علاقتها بكريس تبدو مريبة! هل هما حقاً مجرد أصدقاء قدامى؟

ضحك بسخرية وبعثر شعره متجها للباب: يا الهي، لا تقحميني في غيرة الأزواج. تيا إحدى الأشخاص الذين اعتدت على وجودهم بيننا وكأنها من العائلة يا شارلوت. لذا لا أدري إن كان على أن أتفق معك فهي تعاملني بطريقة عادية جداً وكثيرا ما اتشاجر معها بغرض المزاح، ربما علاقتك معها تختلف لأنها.

نظر إلى قليلا مفكرا ثم تمتم: ربما متعلقة بكريس وتشعر بالغيرة. لا فكرة لدي! أنتِ زوجته على أي حال تمسكي به وأبعديها عن المرمى.
رمقته بحيرة وصمت ولم أعلق فخرج من الغرفة ليتركني أستنشق الهواء بعمق.
حسنا. جيمي وستيف اتفقا على انهما لا يرا أي مشكلة مع تيا.
هذا يعني أنني الوحيدة التي ترى ذلك! بل وبشكل أدق. الوحيدة التي تتم معاملتها بطريقة مختلفة من قبل تيا. هذا التفسير الوحيد.

يا الهي غير معقول ما يحدث لي. أنا أفكر فيها فجأة دون سابق إنذار وهذه المرة أدرك السبب جيداً.
إنها مشاعري المراهقة السخيفة التي تزعجني كثيراً!
علي أي حال، في هذا اليوم لم يعد كريس للمنزل مما ادهشني!
ولا اليوم الذي يليه حتى!
ثم مرت ثلاثة أيام دون أن أراه، سألت السيدة أولين عن السبب فقالت بأنه يتجاهل اتصالاتهم باستمرار!
لماذا؟ هل يتهرب مثلا! مما؟
لم أعد أفهم أي شيء من تصرفاته الغريبة المتناقضة.

طلبت من كلوديا ان أرافقها للمشفى فرحبت بالفكرة كثيرا وبدت مسرورة.
إنه وقت ما قبل الظهيرة. كنت قد انتهيت من تغيير ملابسي ونزلت بسرعة وركبت السيارة في المقعد الخلفي حيث كانت كلوديا بانتظاري فقلت مبتسمة بلطف: مرحبا سيد مايكل؟! لم أرك منذ أيام.
أهلا يا ابنتي.
ثم حرك السيارة متسائلا باهتمام: هل قدمك بخير الآن؟
نعم لا تقلق، لم تعد تؤلمني، لم تسنح الفرصة لأشكرك على ما فعلته.
لم أفعل شيء، إنه واجبي.

قالها بلطف فابتسمت بهدوء مميلة برأسي ثم نظرت لكلوديا التي تحدق بي بشرود حتى ابتسمت متمتمة بنبرة غريبة بالنسبة لي: أعتقد بأن كريس أحسن الإختيار هذه المرة!
يحسن الاختيار؟! فيما؟!

لأكن صريحة معك يا شارلوت لقد كان الجميع معترضا تقريبا، منذ ان رأيتك للمرة الأولى عارضت الأمر لأنني ظننت بأنك مازلت صغيرة غير قادرة على تحمل مسؤوليتك، بل وأنني خضت أطول جدال سجلته شركات الإتصال على الهاتف! حاولت إقناعه ان يتخلى عن فكرة الزواج بك، فكيف ستتحملين مسؤولية طفل في الخامسة ووالده متحجر الرأس ولكن اتضح أنني مخطئة فأنت طيبة ولطيفة جدا، وجيمي متعلق بك كثيرا!

تورد وجهي فقالت: وجودك بيننا لهو أمر مهم، ربما ستشعرين بالضغط بسبب مشاكل العائلة ولكن.
لا! انا لا أشعر بالضغط إطلاقا، بل أشعر بأنه لدي واجب على ان اسديه انا أيضا ولكنني لا أعلم كيف على فعل هذا!
أردفت بإستياء: أشعر بالعطف تجاه السيد ماكس كثيرا، لذا قررت زيارته لأراه بنفسي. وبصراحة استنكر تصرفات كريس تجاه والده. صحيح بأنني لا أعلم أي شيء عنهما ولكنني لازلت أرفض هذا النوع من التجاهل!

ابتسمت كلوديا بلطف فتساءلت بتردد: لماذا تغيب كريس هذه الأيام؟ هل هو في عمل!
إنه لا يجيب على اتصالاتنا، ولكنني اتصلت بتيا وقد أخبرتني بأنه لا داعي للقلق لأنه مشغول في العمل كثيرا وفي الأيام السابقة كان في مدينة مجاورة في إحدى أفرع الشركة.
أردف بجملة أشعلت النار في صدري بشكل غير متوقع: ولكنني أراهن على أنه في قبل يومان بات في شقتها فهما كثيرا ما يبيتان معاً لأجل العمل أو الخروج لوقت متأخر.

ثم تنهدت وتكتفت مضيفة: أعترف بأن كريس مضغوط بالعمل ولا سيما وأنه يتحمل الأعباء وحده بعد دخول ماكس للمشفى، لقد كان يدير قسما كبيرا فقط بكل أفرعه ولكنه الآن يدير الشركة بسبب مرض ماكس، كريس يشعر بحس المسؤولية تجاه شركة العائلة التي انشأها جده وأعلم بأنه لا يريد ان يضيع جهود والده هباءا كذلك، فلقد تعب ماكس في هذه الشركة ما يزيد عن العشرين سنة لتوسعة العلاقات، إنه الآن يبحث عن مدير قسم مناسب ولكنه لم يجد الشخص الأنسب بعد.

يبدو أنه يجتهد كثيرا! ولكنني لم أره يعمل في الأيام السابقة، أقصد منذ زواجي!
كانت إجازة مؤقتة فقط، ولكنه قبل ذلك كان ينهك نفسه كثيرا، لم نكن نراه إلا قليلاً. إما في المنزل يجلس في مكتب العمل ولا يأكل سوى القليل تحت شعور السيدة أولين بالقلق عليه والتي تحضر له الوجبات في مكتبه، والآن بانتهاء إجازته سوف يعود للضغط والعمل مجدداً!

هل هذا ما يفسر سبب قلقه الشديد وارتباكه في تلك الليلة بعد ان افسدت أوراق العمل بسكب الماء يا ترى! لقد بدى متوترا وغاضبا جدا لا بد وأنه تعب للحصول على توقيعهم كما ذكر.
لربما يمكنني الآن أن أرى شيء ضئيل جدا من محاسنه!
بأنه مثابر ويعمل بجد وإخلاص ويتقن عمله.
ابتسمت دون شعور واعترفت لنفسي بأنني اشتقت إليه كثيرا!
نعم اشتقت لسلوكه وتصرفاته المزعجة واستفزازه وتقلباته المريبة والمخيفة!

ما عساي أفعل فأنا لا أستطيع منع نفسي حتى.
منذ أن اكتشفت انني واقعة في حبه وأنا لم أتحدث معه ولو بنصف كلمة!
ففي ذلك اليوم قد غادر وها هو غائب حتى الآن.
هذا. محزن!
نعم محزن.
أريد رؤيته!، أريد رؤيته مع علمي المسبق بأن لقائه لن يخلو من الشجار والجدال الذي لا ينتهي.
أين سافرت بأفكارك؟
قالتها كلوديا ضاحكة فقلت مبتسمة بتدارك: لم أسافر بعد!
حقا؟ وما هذا إذاَ!

قالتها مشيرة إلى وجنتي فعلمت بأن وجهي تورد دون أن أشعر أثناء تلويث عقلي بالتفكير بكريس.
ضحكت بخفوت مازحة: ربما السيد مايكل قام بإخفاض درجة جهاز التبريد وحسب.
نفيت كلوديا ضاحكة بخفوت: لا داعي لتنكري الأمر.
بعدها وصلنا إلى المشفى، وحينها تسارعت خفقات قلبي بتوتر.

كان وكالمتوقع مشفى خاص ضخم وراقِ، دخلت خلف كلوديا التي كانت تسير دون توقف من الإستقبال وحتى المصعد وبدى كل شيء سلسلاً مرناً. لأنني شعرت بعيون الموظفين والعمال ينظرون إليها بإحترام راسمين على ثغرهم ابتسامة لبقة.!
وقفنا في المصعد فانعكست صورنا على الباب الذي أُغلق.

لأرى انعكاس كلوديا الذي يعبر عن وقوفها بثقة وشموخ. مرتدية نظارتها الشمسية وقد تركت شعرها البني المائل للأشقر منسدلا على كتفيها، بينما لم تعكس صورتي سوى فتاة متوترة وبشدة.
أنا بالفعل متوترة للقائه كثيرا!
خرجنا من المصعد لأرى لافتة كُتب عليها الجناح الخاص
تحركت كلوديا فتبعتها حتى خرج أحد الممرضين من إحدى الغرف وما أن نظر نحونا حتى تقدم مبتسما: مرحبا سيدة كلوديا؟
اجابته مبتسمة بلطف: أهلاً.

لم تكد تكمل حتى قال متنهداً بيأس: سيدة كلوديا، ستيف قد حضر هنا مؤخرا لأجل زيارة خاله السيد ماكس ولكنه لا يزال يتصرف بطريقة صبيانية! لك حرية التخيل أنه أحضر معه أكياس لوجبات سريعة ووزعها على بعض المرضى!

اتسعت عيناي وكذلك كلوديا فأردف بإحباط: قال بأنه على المريض ألا يشعر بمعاناة المرض وأنه من واجبنا ان نحسن نفسيته عن طريق منحه الحياة الطبيعية كأي شخص آخر. لحسن الحظ أن زميلتي أسرعت بجمع الوجبات السريعة وإخراجها.
ضحكت بخفوت محاولة كتم ضحكتي ولكنني لم أستطع!
بينما قالت كلوديا بحزم: ذلك الطائش يقودني للجنون! إنه السبب في جعلي أبدو أكبر سناً! كن صارماً معه رجاءً فهو يمشي في الأرجاء بلا عقل!

ابتسم الممرض: أعترف بأنه مرح ويجلب السرور للمرضى في الغرف المجاورة ولكنني سأعترف أيضا بأنه ترك خاله يشرب القهوة الممنوعة عنه اليوم صباحا في وقت مبكر جداً.
عقدت كلوديا حاجبيها ثم زفرت: هذا كثير جداً ربما سأطلب من إدارة المشفى منعه من الدخول والقاء القبض عليه لو حاول تخطي بوابة المشفى. حسنا شكرا لك سأسرع إلى أخي.

تجاوزته كلوديا وتقدمت فأسرعت خلفها، بعد لحظات قليلة كنا نقف أمام إحدى الغرف عليها الرقم 107، نظرت كلوديا إلى قائلة بجدية: شارلوت هو لا يعلم بعد بزواج كريس.
اتسعت عيناي ودهشت لذلك كثيراً فأسرعت تضيف: لم يخبره كريس ولم أتجرأ على إخباره أنا أيضاً. لذا عرفي عن نفسك يا عزيزتي. انا أثق بلطفك وبكلماتك اللبقة.
ابتسمتُ لها بهدوء: شكرا جزيلاً.

ان يتزوج دون إعلام والده أيضاً! ما الذي يظن نفسه فاعل! كيف لي أن أواجهه حتى! إنني تحت تأثير ضغط كبير الآن.
وضعت يدها على مقبض الباب فانقبض قلبي بإرتباك وزميت شفتاي بقوة، طرقت كلوديا ودخلت فوقفت لثوان اشجع نفسي واسرعت خلفها.

دخلتُ بخطى بطيئة، جابت عيناي في الغرفة الراقية ذات المستوى الرفيع التي تحوي خزانة خشبية وتلفاز كبير واريكة مريحة للجلوس، ثم وقعت عيناي على رجل يستلقي على السرير وينظر للجهة الأخرى تحديدا إلى النافذة المفتوحة والتي حرك الهواء ستائرها البيضاء. كان صوت جهاز القلب يسود الغرفة وكذلك رائحة المعقم القوية.
ابتسمت كلوديا: بما أنت شارد الذهن يا ماكس؟ الم تنتبه للطرقات على الباب؟

كنت أقف خلف كلوديا تقريبا عندما التفت أخيراً ينظر إليها لأجد رجلا شاحب الوجه والتعب قد سلك مجراه في عينيه وباقي ملامحه بوضوح تام! مهلا.
لحظة! هذا الرجل ذو الشعر الداكن والعينان البنيتان! إنه ذلك نفسه.؟ لقد رأيته في الصورة في تلك الغرفة، يا الهي! إنه مختلف قليلا ويبدو بالفعل متعبا جدا على عكس مظهره المفعم بالطاقة والحيوية في تلك الصورة بجانب المرأة فائقة الجمال والتي تكون باتريشيا بلا شك!

ولكن. إنه لا يزال جذاب جدا حتى وهو يستلقي هكذا!
ابتسم بوهن: مرحبا كلودياً.
سألته بدورها وهي تقترب وانا امشي خلفها: كيف حالك اليوم؟
كالعادة. لا شيء مختلف.
حينها وقفت كلوديا وابتسمت: لديك ضيفة مميزة اليوم.
استغرب ما قالته وحرك رأسه قليلا محاولا النظر إلى فابتعدت عن ظهرها لأقف بجانبها بشيء من التوتر لنتبادل النظرات.

ابتسمت له بلطف بينما ادهشتني ردة فعله عندما اتسعت عينيه محدقا بي بدهشة وهو يعتدل قليلا على السرير!
احترت لتحديقه المندهش بي وكذلك كلوديا التي قالت بحيرة وهي تسترق نحوي نظرة سريعة: ما الأمر يا ماكس؟
طرف بعينه محدقا بي ثم سرعان ما نظر للأسفل قليلا وحرك عينه في الفراغ وهمس بصوت أبح: ل. لا شيء!

ثم عاود النظر إلى بينما كنت متوترة لردة فعله هذه التي جعلتني ازدرد ريقي بارتباك حتى تداركت الأمر وتقدمت نحوه مبتسمة بلطف بصعوبة: م. مرحبا سيد ماكس! يسرني أن أراك أخيراً، سمعت الكثير عنك.
قلتها وأنا أمد يدي مضيفة: أنا شارلوت.
شارلوت؟
قالها بهمس وهو يبدو محتارا ويصافحني فقلت واضعة يدي الأخرى على يده: نعم أنا شارلوت زوجة كريس.
اتسعت عينيه مرددا: زوجته؟ م. متى تزوج!

أسرعت أقول بهدوء ولين: كان من الصعب إعلامك بالأمر في البداية ولكنني أتيت خصيصا لأجلك وأخبرك بنفسي سيد ماكس.
كان لا يزال مذهولاً فتدخلت كلوديا: ماكس، لقد تزوج منذ فترة قصيرة فقط ولكن لم تسنح الفرصة بأن نخبرك، في الواقع لقد كان قراراه مفاجئا بالنسبة لنا نحن أيضا!

لمعت عينيه البنيتان ببريق مستاء ثم سرعان ما قال مبتسما وكأنه يجاهد شيء ما: هكذا إذا. سامحيني يا ابنتي، ربما لم أرحب بك بشكل لائق ولكنني لم أكن أعلم ب.
قاطعته بسرعة: لا تقلق سيد ماكس، لقد اتيت لأجلك لأعلمك بنفسي! وبصراحة لطالما انتابني الفضول للقائك، الجميع يتحدث عنك وعن لطفك وأردت رؤيتك بنفسي.
أردفت بلطف: لذا المهم أن تتحسن. ، يبدو كل من في المنزل يفتقدك! أرجو ان تعود بسرعة.

ظل ينظر إلى حتى ابتسم وقد ارتخت ملامحه براحة، لحظات فقط حتى تنهد: سأخرج عاجلا أم آجلا فلقد مللت البقاء في المشفى!
ابتسمت وابعدت يدي بينما تساءلت كلوديا: هل أحضر لك شيء يا ماكس؟ مهلا. بذكر هذا! سمعت ان ستيف أحضر لك قهوة مؤخراً، لا يمكنك ان تكون مهملا إلى هذه الدرجة! هل شربتها؟
لم أستطع منع نفسي. هذا الشاب يعلم جيداً كيف يسعدني.
إنه يحاول قتلك على الأغلب.

ضحكت على تعليقها وكذلك هو، ثم قال نافيا: لا أريد شيئا ولكن أحضري لشارلوت ما تشربه.
اسرعت انفي باندفاع: لا داعي لهذا أنا أيضا لا أريد شيئا!
ابتسمت كلوديا: لا بأس لن أتأخر.
س. سيدة كلوديا! يمكنني الذهاب بنفسي و.
ستكون فرصة جيدة لتتعارفا!
قالتها وخرجت بينما تورد وجهي بإحراج شديد وزفرت مرتبكة.
منذ أن خرجت ونحن نسترق النظرات بصمت تام.
أنا أقف بتوتر بينما هو بدى وكأنه لم يستوعب أي شيء بعد.
علي تلطيف الجو!

ابتسمت متسائلة: هل هناك ما تريد مني فعله؟ إغلاق النافذة أو أمر آخر؟
نفي برأسه وهو يحدق بي مطولا وبدى يتأملني هامسا: ارتاحي يا ابنتي.
قالها مشيرا للسرير الذي يستلقي عليه فجلست على طرفه.

مرت لحظات حتى قال بصوت مبحوح مليء بالإحباط: إنه يعلن رغبته في خلق أجواء عائلية لا تشملني. لماذا أخفى أمرا مهما كهذا عني؟ هل استلقائي هنا يعني استثنائي من قرارته! ليس وكأنه كان يأخذ برأي ولكن. أقصد. آسف لا أريد إقحامك في مشاكلي أنا وابني.

أعتذر نيابة عن كريس سيد ماكس، أرجو ألا تقلق بشأن هذه المشاكل العائلية، لكل مشكلة حل ولا يوجد عائلة محبة تخلو من المشكلات! إنه أمر طبيعي جداً ولابد منه. توقف أرجوك عن التفكير بهذا الشأن حتى لا يؤثر سلباً عليك.
ردد كلمتي بشرود: عائلة محبة؟ لا يوجد أمر كهذا في قاموس كريس. لطالما تمنى لو أختفي من حياته تماماً.
اتسعت عيناي قليلا فأسرع يتدارك الأمر متنهداً: اعذريني لردة فعلي. أدهشني زواجه بعض الشيء.

لك الحق في ذلك لن ألومك أبداً.
شكرا للطفك. كما قالت كلوديا إنها فرصة جيدة للتعارف أليس كذلك؟
اومأت مبتسمة: بلا شك.
منذ متى تزوجتما؟
رفعت رأسي مفكرة: منذ فترة قصيرة لم تتجاوز الشهر على ما أعتقد.!
تمتم هامسا: عدم دقتك في حساب الأيام يخبرني ببساطة أنك لا تقضين وقتا سعيداً.

فغرت فاهي لسرعة بديهته ولكنني أسرعت أقول نافية: إ. إطلاقاً! أنا فقط لم أعر إهتماما لحساب الأيام سيد ماكس. هذا كل شيء. الجميع يحسن معاملتي في المنزل. إنهم لطيفون ودودون!
ابتسم بهدوء: صحيح أن علاقتي به سيئة ولكنني أعرف طباعه جيداً. كريس في الحقيقة ذو عقل بعمر الخمسة سنوات فقط. لا تتفاجئي حين تبذر منه تصرفات قد لا تبذر من جيمي حتى.
زميت شفتاي ولم أعلم ما على قوله.

اتجهت للسرير وجلست على الكرسي المقابل له متسائلة بإهتمام: أخبرني سيد ماكس كيف هي أحوالك مؤخرا؟ ما الذي قاله لك الطبيب؟
أغمض عينيه مجيباً: لا تشغلي بالك، هذا ما يحدث عادة عندما أنزعج أو أستاء كثيراً، إنه تجلط في الدماء بسبب الإنفعال.
جلطة دماغية. اليس كذلك؟

أضفت متنهدة: لا يجب ان تستاء سيد ماكس! حياتك غالية ولا يجدر بك هدرها بسبب انفعالك على مشكلات يمكن حلها! جدالك مع كريس في أي موضوع لا يعني بالضرورة انكما مختلفان او متنافران حسب ما أسمعه ولكن. ربما كلاكما تحاولان الإندماج بطريقة إجبارية بعض الشيء. تجاوز الأمر أرجوك وعد للمنزل.
فتح عينيه وطرف بهما محدقا إلي، ثم عقد حاجبيه هامسا: طريقتك في الحديث.

لم يكمل وإنما ظل يفكر قليلا حتى تساءل بإهتمام: كم عمرك يا شارلوت؟
لقد بلغت الحادية والعشرون.
هكذا إذاً.
بدى وكأنه سرح في خياله وأفكاره فاحترت كثيراً! زميت شفتاي بصمت أترقب حتى ابتسم: أنا معجب في تفكيرك ونضجك.

شكرا جزيلا. صدقا سيد ماكس عليك ان تبذل جهدك وتتعافى لتعد إلى المنزل! بالمناسبة أعتقد بأنني رأيتك في إحدى الصور في مكتبة المنزل، كنت ولا زلت تبدو جذابا وسيماً! بصراحة انت لا تشبه كريس، ولكنه يشبه تلك المرأة الجميلة ذات الشعر العسلي كثيراً. إنها والدته بلا شك. صحيح؟
أنا لم أتخيل. فلقد رأيت بريق استياء وانكسار غريب في عينيه جعلني ارفع يدي نحو فمي بتوتر.

أعتقد بأنني قلت أمرا خاطئا فردة فعله لا توحي بترحيبه بهذا الحديث، على أن أغير الموضوع!
كدت أفتح فاهيي ولكنه سبقني القول بهدوء: هل يمكنني أن أسألك يا ابنتي كيف تزوجت بكريس؟
ها قد أتى السؤال الذي كنت أخشاه.
هل على أن أكذب على هذا الرجل الطيب؟ أنا حقا أكره هذا كثيراً.
ولكن. ما باليد حيلة!

اعتدلت قليلا وجلست انظر للسقف مجيبة بمرح: بصراحة حدث كل شيء بسرعة! لن أخفي عليك سيد ماكس لقد كان لقائي الأول بكريس عاطفيا غريباً. والتقيت به صدفة في مكان آخر وبعدها توالت اللقاءات واعجبت به، إنه.
لا داع لتزوير أي شيء يا عزيزتي. كريس لن يتصرف معك بطريقة عاطفية.
اتسعت عيناي وأجفلت كثيرا انظر إليه بتوتر شديد فابتسم: لقد أجبرك.

ارتجفت شفتاي محاولة البحث بسرعة عن أي حجة ولكنني تسمرت في مكاني عندما همس: لا عجب في أنه وجدك. ليس بحاجة للبحث عنك فأنت تشبهينهما كثيراً.
هاه!
أشبههما؟ من!
عقدت حاجباي باستغراب وسألت بعدم فهم: ما الذي تقصده سي.
ولكن الباب قد فتح بعد طرقات خفيفة لتدخل كلوديا مبتسمة واضعة النظارة الشمسية فوق شعرها وممسكة بكوبين من الشراب الساخن: عذرا على المقاطعة ولكنني لن أحتمل إمساك الأكواب الساخنة أكثر.

أسرعت أقف متجهة إليها لأحمل عنها الأكواب مبتسمة بلطف: شكرا جزيلا سيدة كلوديا.
ظننت بأنني أخبرتك ألا تكوني رسمية معي هكذا! نادني بكلوديا فقط.
إنني أحاول جاهدة.
نظرتْ بدورها لأخيها متنهدة: رجاءً يا ماكس كن حذراً من شرب المنبهات كما نهاك الطبيب لتخرج من المشفى بسرعة، ولا تسمح لطيش ستيف أن يغلبك!
ابتسم لها بشحوب: لم أستطع منع نفسي ورائحة القهوة تداعب أنفي.
علي أن ألقنه درسا هذا الفتى.

أردفت باستيعاب: بالمناسبة سمعتك تتحدث مع جوش على الهاتف بالأمس وقد طرى اسم جوزيف وأبناؤه ولكنه غادر المنزل ولم أتذكر الأمر سوى الآن. ما الأمر تحديدا؟
قالتها وهي تجلس على الكرسي المقابل للسرير بينما عدت لأجلس على طرف السرير بجانبه ممسكة بالكوب الساخن الورقي بين يداي.
لقد اتصل جوزيف بهاتف المشفى بالأمس. كان يطمئن على فقط.
من يكون جوزيف يا ترى!

أكمل مفكرا: ولكنني لا أعتقد بأنني سأراه قريبا فهو مشغول كثيراً بالعمل.
علقت كلوديا بجفاء: أرجو ان يظل مشغولا دائماً. سيكون الحال أفضل من مقابلة أيِ منهم.
احترت كثيراً لما قالته فأسرع ينظر إليها بلوم فاستوعبتْ وجودي لتبتسم: عذرا.
لحظات حتى تساءل بإهتمام: ما الذي حدث بين كريس وزوجك مؤخراً؟ علمت بأنهما قد تشاجرا، كما أنه في رحلة عمل منذ ثلاثة أيام، متى سيعود؟!

يعتقد بأن كريس في رحلة عمل. أتساءل إن كانت رحلة عمل أو مجرد تجاهل مؤقت بسبب ما حدث مؤخراً!
كما يبدو انه لا يعلم بأن كريس وجوش تشاجرا لأجل أفعال ذلك الثعلب الأحمق ورفضه لزيارته في المشفى! إنه يجهل السبب الحقيقي!
نظرت لكلوديا بترقب فقالت بدورها بهدوء: إنه مجرد جدال معتاد يا ماكس لا تشغل بالك. كما اظنه سيعود اليوم في وقت متأخر، هذا ما لمحت إليه تيا.

أمال برأسه ولكن عيناه لمعتا بعدم اقتناع، ثم قال مبتسما: ولماذا لم يأت جيمي اليوم؟
سأحضره معي في الزيارة القادمة. أعدك.
تجاهلت نقاشهما مفكرة بقلب يخفق بشدة بشأن عودته اليوم!
سيعود.
سيعود! ما هذا! أنا لا أستطيع التوقف عن الإبتسام كالبلهاء! كيف انقلب الحال فجأة وابتسم بهذه الطريقة المثيرة للشفقة!
بسبب وغد متبلد المشاعر! لا يمكنني أن أكون جادة إلى هذه الدرجة بشأنه!

الأمر مؤقت. نعم. مؤقت بلا شك ولا داعي للقلق!
تنهدت محاولة تجنب التفكير به حتى رفعت عيناي انظر إلى السيد ماكس أحدق إلى ملامحه الجذابة التي لم يستطع التعب والمرض إخفاؤها. ياللفرق. إنه والد ذلك الشيطان!
شتان بينه وبين الأحمق كريس.
عندما بادلني الإبتسامة توترت وأدركت أنني أطلت التحديق إليه ليقول بإهتمام: هل لي أن أسألك يا شارلوت عن إسمك الكامل؟

نبرته. عميقة جداً! وكأن سؤاله هذا لم يكن بدافع الفضول فقط! هذا ما استشعرته وجعل حاجباي يرتفعان بشكل تلقائي مجيبة: بالطبع. إسمي شارلوت ماركوس ت.
ولكنني لا أدري لماذا أجفلت قليلا عندما سمعت الباب قد طُرق ليدخل الطبيب ومعه ممرضان، تنهد ماكس هامسا: المعاينة الثانية أيها الطبيب. لا ادري متى سأنتهي من كل هذا!
أعتقد أنني أجفلت لأن هناك بعض الشكوك تراودني بشأن سؤاله.

تقدم الطبيب واضعا يديه في جيب المعطف الأبيض الرسمي مبتسما بهدوء: اذا اردت ان تنتهي من كل هذا فما عليك سوى الإلتزام بالتعاليم لتخرج سيد ماكس. الأمر ليس صعبا أبداً!
ابتسمت كلوديا: حسنا يا ماكس سأستئذن أنا وشارلوت لنعد إلى المنزل. اعتن بنفسك جيدا واتصل بي فورا لو احتجت أي شيء.
اومأ يزفر بيأس: سأكون في انتظارك غداً.
ثم نظر إلى بلطف: وأنتِ أيضا يا شارلوت.

اقتربت منه بلطف وانحنيت لأقبل جبينه: بكل تأكيد. سررت بلقائك كثيراً. كما قالت اعتن بنفسك رجاءً لتخرج من المشفى بسرعة ودعك من ألاعيب ستيف.
ابتعدت عنه لأجده يحدق إلى بشرود تام ثم سرعان ما رسم على ثغره ابتسامة دافئة: أشكرك على لطفك. نادني بأبي في المرة القادمة، أريد سماعها.
نظرت إليه بتوتر، أناديه بأبي؟ حسنا الأمر محرج قليلاً!
أومأت مبتعدة: إنه واجبي يا أبي. إلى اللقاء إذاً.

عندما تبعت كلوديا التي اتجهت نحو الباب وخرجت، كان الطبيب قد بدأ بالحديث معه، وصلت للباب وقبل أن أخرج القيت عليه نظرة خاطفة لأجد عيناه تلاحقني بالشرود ذاته!
اسرعت ابتسم بسرعة لأسمعه يقول: سأنتظرك ستيفاني.
خرجت من الغرفة واستندت على الباب متنهدة بعمق.
ولكن سرعان ما اتسعت عيناي باستيعاب.
هل قال للتو.
ستيفاني؟!
قال ذلك. صحيح؟ أنا لم أتخيل!
لماذا قد. يذكر اسم أمي؟! صدفة؟ خطأ؟
لا. لا!

ما هذا تحديداً؟ إ. إن كان كريس يعرف عائلتي جيداً فلا استبعد ان يكون والده أيضا على معرفة بهم.
علي أن أعود للغرفة وأسأله! لا يجب ان يقتلني الفضول لأصبح اسيرة للتساؤلات.
خطت قدماي رغبة بفتح الباب مجددا ولكن صوت كلوديا المحتارة قد استوقفني: شارلوت؟ ما الذي تنتظرينه؟
كانت تبعد عني أمتار قليلة تنظر إلى باستغراب فأسرعت اقول بتدارك: آه. لا شيء!
في النهاية تبعتها أنظر للأرض بعدم فهم واستيعاب.

هل هذا ما كان يعنيه عندما قال تشبهينهما؟
من هما تحديداً إن كانت أمي إحداهما.
مهلاً!
لست أنا فقط من أشبه أمي.
إيثان يشبهها كثيرا كذلك! على عكس سام الذي ورث الشعر الأسود من أبي وكذلك عيناه الداكنتان الناعستان.
أنا وإيثان.؟
هل هذا ما قصده؟ لا يمكنني الوصول لأي استنتاج آخر.
عندما التقت عيناه بعيناي للمرة الأولى بدى مندهشا كثيرا لسبب ما. والآن يذكر أمي خطأً. هذا لا يعني سوى أنه رأى أمي بي.

لا تفسير آخر لدي. ولكن لا زال هناك احتمالات أعجز عن الوصول إليها…
أطلقت تنهيدة يأس فرمقتني كلوديا باستغراب ولكنها لم تعلق بل التزمت الصمت وبدى أنها فضلت ان تتركني وشأني.
غداً سألتقي به مرة أخرى ولن أتردد في سؤاله.
إن كان السيد ماكس يعرف أمي.
فما نوع العلاقة التي جمعتهما يا تُرى؟! لا أذكر بأن أمي أو أبي قد عاشا في هذه المدينة مسبقاً او قاما بزيارتها.

هذه حدود ذاكرتي على الأقل فربما هناك أمور قديمة لا أعيها.
بعد ذلك كان السيد مايكل في انتظارنا عند مدخل المشفى فعدنا للمنزل وهناك وبعد المدخل وبينما نعبر الطريق الزراعي المؤدي للمنزل لمحت شارلي وجيمي يلعبان بالكرة بالقرب من ملعب الغولف.
لا يجب ان يطيل جيمي اللعب تحت اشعة الشمس في هذا الوقت كثيراً.

كان هذا ما قررته فبعد ان أوقف مايكل السيارة ترجلت كلوديا لتدخل وهي تتحدث في الهاتف مع إحدى صديقاتها التي اتصلت الآن فقط، بينما أغلقت باب السيارة ورفعت يدي فوق جبيني أحجب أشعة الشمس باحثة بعيناي عن جيمي.
صحيح ان الجو بارد ولكن الشمس اليوم ساطعة بشكل مزعج جداً!

ذهبت مسرعة لمكانهما في الحديقة قائلة متظاهرة بالحزم: جيمي، شارلي أنتما تلعبان منذ الصباح في الحديقة! لقد تعرضتما لأشعة الشمس كثيرا. هذا مضر جداً، الوقت المناسب للعب في الخارج يبدأ من الصباح وحتى قبل الظهيرة!
أردفت وأنا أنظر لشارلي: هيا اذهبا للعب في الأعلى.
اعترض شارلي: ولكن اللعب في الأعلى ممل!
ابتسمت بهدوء: ليس كذلك! هناك الكثير من الأمور التي تستطيعان فعلها! ماذا عن الرسم مثلا؟

نظر إلى باستخفاف ونظرة تكبره عمراً وقال بثقة: هه. الرسم؟ ألا تعلمين أنني أتهرب من حصص الرسم دائما؟ إنها أمور لا يقوم بها سوى الأطفال!
ارتخت ملامحي ببلاهة: هاه؟ من قال هذا! يوجد الكثير من البالغين الذين يمضون أغلب أوقاتهم في الرسم!
أيدني جيمي: صحيح!
ولكن شارلي ظل مصرا: لا أريد.
تنهدت متكتفة: ماذا عن الغناء واللعب بالألغاز أو حتى الألعاب الرقمية مثلا؟

لازال اقتراحي لا يروقه فقلت مقترحة بحماس: ماذا عن لعبة الإختفاء؟ ليختبئ احدكما في المنزل ويبحث عنه الآخر. فكرة جيدة ومشوقة أليس كذلك! يوجد الكثير من الغرف وأهم شروط اللعبة أن لا تخرجا من المنزل، من يذهب إلى الحديقة سيخسر.
نظرا إلى ثم إلى بعضهما بحماس وقالا في الوقت آنه: فكرة جيدة.
تحركا فوراً يركضان معا متجهان للمنزل. كانا ممسكان بإيدي بعضهما فابتسمت بشرود أحدق إليهما ثم بعثرت شعري بهدوء.

ووجدت نفسي أقف وحدي مفكرة مجدداً بذلك الشيطان المزعج.
متى سيعود؟
لقد قالت كلوديا اليوم. ولكن متى! حسنا في وقت متأخر من الليل ولكنني أريد أن أعلم تحديدا في أي ساعة!
حركت رأسي بملل واقتضاب لأرى ستيف يمشي قادما من ملعف الغولف واضعا سماعات الهاتف في أذنه يدندن لحنا ما بصوت عالي ومزعج جدا جعل شفتي تلتوي رغماً عني!
ابتسمت بخبث ومشيت خلفه دون أن ينتبه، لقد كان يتجه نحو الأكواخ!

أسرعت مقتربة منه بغية إخافته ولكنني تفاجئت بشي أسفل قدمي ولم يكن سوى حجر صغير!
تعثرت قدمي به فدفعت ستيف دون قصد بقوة!
كنت متشبثة بقميصه خشية الوقوع على وجهي ولكن يبدو انه تفاجئ واراد الاستدارة في اللحظة نفسها إلا اننا في النهاية وقعنا!
كنت أغمض عيناي بحذر وخوف ولكن عندما شعرت بأنني لم أقع على الأرض وطال الإنتظار أسرعت أفتح عيناي.
لأرى أنني واقعة على صدر ستيف الذي يحدق بي بدهشة و.
وجه متورد!

تداركت الأمر و وقفت فوراً ضاحكة: يالحماقتي لقد أردت إخافتك ولكنني لم أنتبه لذلك الحجر!
أردفت بإستنكار عندما لم يتحرك: هل أنت بخير؟ لا تكن سخيفا لم أدفعك بقوة إلى هذه الدرجة!
لقد كان ما يزال بوجه متورد وعينان متسعة فأشاح بوجهه وحك وجنته، لماذا بدى متوتراً؟!
هذا ما استشعرته من عيناه وثغره الذي تصلب قليلا.
ابتلعت ريقي حتى وقف مبعثرا شعره وتمتم: أ. أنا بخير.
أردف بغيض: هل أردت إخافتي أم إيذائي؟

ضحكت بخفوت: أقسم لك بأنني أردت إخافتك فقط.
نظر إلى لبرهة فتلاشت ضحكتي باستغراب: ماذا؟
نفي برأسه بسرعة: ل. لا شيء.
بالمناسبة يا ستيف لقد علمت بأنك زرت خالك وحاولت القضاء عليه!
أمال برأسه وهو يرتب مظهره ويبعد العشب الملتصق بملابسه ثم قال: لم أكن أنوي القضاء عليه وإنما غرس مشاعر السرور والسعادة، لا يجب ان يلتزم بكل ما يقوله المشفى له إلى هذه الدرجة حتى لا يكره ما يعيشه هذه الأيام.

لا تكن متهوراً رجاءً. يمكنك اسعاده بطريقة أو بأخرى، ولكنه يبدو مسرورا بالفعل بزيارتك على كل حال.
ابتسم بثقة: بالطبع! اكتشفت أن وجودي يخفف آلام المرضى في المشفى.
أضاف بغرور: لقد رأتني فتاة تمشي بعكاز بسبب كسر في قدمها وعندما ابتسمت لها القت بالعكاز ومشت بكل بساطة بوجه مشرق وعينان حالمة!
رمقته ببلاهة ثم زفرت بملل: أعتقد بأنني سأعود للداخل.
ضحك بخفوت: حسنا حسنا، كنت أمازحك!
بلا شك.
كيف كان لقائك به!

لقد أردت قضاء المزيد من الوقت معه، إنه لطيف وطيب، وعدته بأنني سأزوره مجددا غداً.
هكذا إذاً، كيف كانت ردة فعله عندما علم بهويتك؟ لا بد وأنه دُهِش كثيراً.
أيدته: نعم. كنت تحت تأثير ضغط كبير وانا أخبره بأنني زوجة كريس. لا بأس أعتقد بأنه تخطى الأمر قليلاً.
ابتسم ولم يعلق وهو ينظر للفراغ بشرود ثم تساءل: ما الذي تفعلينه في الحديقة هنا؟

لقد أطال جيمي اللعب في الخارج! أخشى ان يتعرض لأشعة شمس ضارة فطلبت منه اللعب في غرفته.
أمال رأسه بفهم متمتما وهو يمشي: يبدو انك تؤدين دورك بشكل مثالي.
تبعته قائلة: لا أشعر بأنه مجرد دور على تأديته، أنا مرتاحة في ذلك! وأشعر بأنني أريد لجيمي أن يحظى بوقت ممتع وبحياة سعيدة.
غريزة الأمومة!
هاه!
ضحك بسخرية فضربت كتفه بإنزعاج ثم قلت: ألا تعرف أحد في الأرجاء؟ فانا لا أراك تخرج كثيرا إلا برفقة جيمي.

لا أعرف أحدا؟ أتمزحين! أنا أعرف معظم سكان هذه المدينة!
أنت تبالغ كثيرا!
حسنا. بعض الشيء!
ثم قال موضحا: أقصد لدي الكثير من الأصدقاء هنا، في الأساس منزلنا يقع في شمال هذه المدينة لذا من الصعب ان ازور بيت العائلة هذا كثيراً سوى في الإجازات الرسمية والعطل الأسبوعية. في جميع الأحوال لدي أصدقاء وزملاء في هذا الحي هنا.
هكذا إذاً. لقد لاحظت بأنك اجتماعي.

أنا أكره الوحدة! لست منطويا على نفسي، لماذا على أن أكون وحيدا بينما خُلق الناس من حولي!
أكمل بملل: على عكس إبن خالي الأحمق!
أ. أه نعم، لقد لاحظت ذلك كريس ليس اجتماعيا كما تخيلت في البداية.
لك ان تتخيلي انه مستعد ليمضي أربعة أشهر دون الإتصال بأحد من زملائه في العمل أو أحد معارفه.
هذا. غريب.

بل انتحار بطيء! انه يعيش حياة مملة جدا! لا أدري إلى متى عليه ان يقمع نفسه في هذه الكئابة، بصراحة في أوقات كثيرة أرى كريس يضحك ويمرح ولكن في أحيان أخرى ينقلب إلى شخص هادئ ويجبرنا على عدم تخطي حدودنا معه. ولذلك أشعر بالحيرة لما على فعله معه أو بكيف ينبغي لي التصرف!
أومأت برأسي فاعقب بجدية: ما رأيكِ أن أقوم بتأليف كتاب بعنوان كيفية التعامل مع وريث شركة إفليك للعقارات؟ .

انفجرت ضاحكة: فكرة جيدة، أراهنك على أنك ستربح يا ستيف.
اليس كذلك؟ سيكون هناك مبيعات على الكتاب، صدقيني إنه يخلق أعداءً من حوله ويبدو مستمتعاً بالأمر. على كل حال أمضيت الكثير من الوقت معه وأنا معتاد على هذا.
ابتسمت بصمت مميلة بإهتمام وواصلنا الحديث الذي كان مليئا بذم تصرفات كريس!
بعدها مر الوقت و تناولنا العشاء ولازال لم يأت بعد!

نام جيمي عند التاسعة في وقته المعتاد بعد ان حكيت له قصة، وكذلك السيدة كلوديا التي قالت بأنها متعبة وخلدت للنوم عند العاشرة والنصف.
أما ستيف فلقد كان يتحدث بالهاتف مع صديق له كما يبدو في غرفته وفي الوقت آنه يلعب بالعاب الفيديو مصدرا ضجة في غرفته.
كنت في إحدى الغرف السفلية مع السيد جوش وحدنا، هو يشرب الشاي بينما أجلس بجانبه أشاهد التلفاز وأنا أحتضن وسادة صغيرة.
شارلوت.
نعم سيد جوش؟
كيف كان ماكس اليوم؟

إنه بخير. لا فكرة لدي في الواقع إن كان بالفعل أفضل حالا عن ذي قبل لأنني لم أزره مسبقا سوى اليوم!
أمال برأسه بفهم ثم قال مبتسما بلطف: أتعلمين. أنا وماكس أصدقاء منذ زمن بعيد جداً.
حقا!
نعم، كان أول تعارف لنا في الشركة التي تعود في الأصل إلى والده. كنت لا أزال في بداية العشرين من عمري عندما تم تعييني هناك، وعندما حصلت على ترقية أصبحت على مقربة منه أكثر!
هكذا إذا! دعني أخمن.

أردفت مبتسمة بشيء من الحماس: ثم رأيت كلوديا واعجبت بها فتزوجتها.

ضحك ووضع الكوب على الطاولة ثم قال: لا! الأمر ليس كذلك تماما. كلوديا كانت زميلتي في الدراسة منذ الجامعة وهي من أوصتني بالعمل في الشركة، كانت علاقتي بها مجرد زمالة سطحية، وبالمناسبة هذه الشركة مضى عليها ما يزيد عن الثلاثون سنة، لقد ورثها ماكس من والده إفليك، أي جد كريس. وعندما عملت في الشركة كانت هي الأخرى هناك تحت تدريب خاص من السيد إفليك وبعدها تخطت هي مراحل كثيرة وبسرعة، فما كان مني إلا أن أكون تحت تدريبيها هي!

ضحكت بخفوت: هذا محرج بالنسبة لك على ما أظن! وماذا بعد؟
كان الأمر يزعجني فقلت لها بأنني لا أريد من امرأة ان تملي على الاوامر! هذا لا يطاق. بعد هذا كانت الاجواء مشحونة بيننا كثيرا، وبطريقة ما شعرت بالانجذاب نحوها واستسلمت للأمر.
وكيف تزوجتها؟
كانت جملة مميزة تذكرني كلوديا بها دائما.

أردف بشرود: قلت لها. صحيح بأنني لم أحتمل أن اكون تحت تدريب امرأة، ولكنني الآن لن أحتمل أن أكون تحت تدريب المرأة التي أراها كزوجة! كانت طريقة مباشرة في طلب الزواج أذهلتني أنا خصيصا فلم أتوقع ان أتجرأ إلى هذه الدرجة.
تورد وجهي وأنا استمع إليه باندماج فاسترسل: هكذا كانت جملتي سبب التعمق بعلاقتنا التي انتهت بالزواج الذي ترتب عليه وجه ستيف المزعج.
انفجرت ضاحكة فضحك هو أيضا وعاود يرفع كوب الشاي.

ثوان فقط حتى تساءلت بإندماج: هل صحيح بأنك تريد من ستيف أن يدرس المحاماة؟
أومأ برأسه ينظر إلي: أريده أن يدرس هذا التخصص ويكون محاميا ذو سمعة طيبة في البلاد، ولكنني لن أجبره أبداً على هذا، كان مجرد إقتراح قبل سنتين تقريباً. أما كلوديا فهي ترغب منه العمل معنا في الشركة ليكون عونا لكريس ووالده.

أردف مبتسما: في النهاية له حرية الإختيار. صحيح بأنه طائش ومتهور جداً لكنني اعترف بأنني مؤمن جداً بأنه ذات يوم سيكون قادر على الإعتماد على نفسه بشكل كلي.
ارتفع حاجباي: لماذا تقول هذا سيد جوش؟ هل كان الأمر صعبا عليه بشأن الإعتماد على النفس؟
نظر للسقف قليلا ثم أجاب: حسنا كيف أقول هذا.

رشف من الشاي مفكرا قليلا قبل أن يتمتم: كان متعلقا بكريس كثيراً في مرحلة طفولته، أينما يذهب كريس يتبعه ستيف لدرجة مزعجة جداً، ما يرتديه كريس يطلب منا شراء شيء مشابه له، بل مطابق تماما، حتى الطعام والأمور الأخرى! ولكنه بدأ ينضج ويتعقل عندما بلغ الثانية عشر تقريباً. كريس كان يشعر بالإختناق لأفعال ستيف ولكن الأخير لم يبالي بل وكان أحيانا يهرب من مدرسته ويذهب إلى كريس في المدرسة الأخرى. قد لا يبدو هذا واضحا ولكن كريس كذلك يعامل ستيف كشقيق أصغر وكثيرا ما يخرجان معاً ولكن في الآونة الأخيرة بات مشغولا في العمل كثيراً.

ابتسمت بشرود: هذا لطيف وظريف…
أعتقد بأنه كان مزعجا جدا لأنه تمنى دائما لو كان لديه أشقاء يقضي وقته معهم.
فهمت.
لم أشعر بالوقت بحديثي مع السيد جوش!
كنت مندمجة ومرتاحة جداً.
حتى حانت الساعة إلى الحادية عشر والنصف فاعتذر وقال بأنه عليه النوم لأجل العمل والإستيقاظ باكراً فوجدت نفسي أجلس على الأريكة في الغرفة ذاتها أحدق إلى شاشة التلفاز بشرود.
تنهدت بعمق هامسة دون شعور: متى سيعود!

عقدت ساعداي على صدري انتظر طويلا.
مرت ساعة ونصف.
حتى أشارت للساعة الواحدة بعد منتصف الليل وأصبحت انارة المنزل خافتة أكثر.
خرجت من هذه الغرفة و وجدت الردهة مظلمة، وقفت بقلق مفكرة في سبب تأخره هكذا!
متى ينوي العودة؟
وجدت نفسي أتجه لباب المنزل وافتحه واول ما حدث هو مرور نسيم بارد من الهواء فانتفضت محتضنة نفسي!
أغلقت الباب وجلست على الدرج أنظر للحديقة المظلمة، وأستمع إلى صوت نافورة الدوار بصمت وشرود.

لم أكن لأتخيل ان يأتي يوما لأنتظره بشغف إلى هذا الحد!
هذا يزعجني وفي الآن نفسه يؤلمني.
ما الذي قد يجبرني على انتظار شخص مثله حتى وقت متأخر؟ ما الذي يجبرني على أن أقلق بشأن تأخره في العودة؟ ما الذي يجبرني سوى قلبي الغبي.
لحظات حتى أعلن هاتفي عن وصول رسالة ما.
أخرجته من جيبي ونظرت إلى الشاشة لأرى اسم جوردن.
دخلت إلى المحادثة الخاصة معه لأجده يسألني (كيف حالك يا شارلوت؟ ).

ابتسمت بتلقائية أجبت لأكتب (أنا بخير. ماذا عنك؟ وكيف هو العم أورتن؟ )
أتى رده سريعاً (أنا بخير، وأبي كذلك بأفضل حال)
ثم كتب فوراً (كيف هو العمل في المشفى أيتها الممرضة اليافعة؟ هل كل شيء يسير على ما يرام)
أخفضت نظري قليلا واسندت ذقني على ركبتاي اللتان ضممتهما إلى صدري.
حتى جوردن مخدوع بكذبتي تلك.
الأمر لا يحرجني فقط بل يؤلمني.

أن أضطر للكذب على الأشخاص الذي يدعمونني ويثقون بي. إنه خداع لئيم لا أدري متى سينتهي!
في النهاية استسلمت للواقع ووجدت نفسي أكتب (كل شيء يسير على ما يرام، شكرا لإهتمامك جوردن، أخبرني أنت كيف هي الأعمال اليدوية التي تصنعها؟ وماذا عن عملك في تلك المؤسسة؟ )
(عملي في المؤسسة جيد جداً ودائرة العلاقات في توسع دائم، أما الأعمال اليدوية فيبدو أنني سأقلل من إعارتها الإهتمام مؤقتاً. ).

واصلت حديثي معه حتى توقفت اناملي عن الكتابة جراء سؤاله (متى ستعودين للمدينة؟ ألن نلتقي؟ )
زميت شفتاي بصمت.
أنا أعلم بأن جوردن يكن لي مشاعر خاصة منذ ان انتقل إلى حينا قبل خمسة سنوات. ولكن.

لا يمكنني التوقف عن التظاهر بالغباء، فأنا لا اعتقد بأنني قادرة على حمل مشاعر من هذا النوع تجاهه! إنه شاب لطيف جداً، ذو مظهر حسن ومجتهد ومحب لوالده الذي هو عائلته كلها. كثيرا ما يهتم بي ويسأل بشأني ويطمأن علي، حتى أنه في كل مرة يشتري بها طعاما من من إحد المتاجر أو المطاعم لا بد له أن يحظر لي حصة لتكون من نصيبي. بل ويجيد تصميم بعض الأعمال اليدوية كمشابك الشعر والأطواق اللطيفة ويهديني إياها!

ولكن. جوردن هو أخي وصديقي وحسب! ربما ما يصعب الأمر على أكثر هو أنه أصبح صديقا مقربا لسام وكثيرا ما يخرجان معاً مما خلق فرصة أكبر لتوطيد علاقته بي وزيارته لمنزلنا أكثر.
ابتسمت بهدوء وكتبت باختصار (لا أعلم، ربما قريباً وربما في وقت غير معلوم يا جوردن. )
اكتفيت بهذه الجملة واغلقت الشاشة واضعة الهاتف في جيبي.

تنهدت بضيق واحتضنت قدماي نحوي أكثر، بدأ الجو يصبح أبرد فأبرد، ربما على أن أجلب معطف من الأعلى حتى لا.
ولكنني تجاهلت أفكاري وأنا أرى ضوء سيارة قادمة نحوي.
عبرت السيارة الحديقة ومن ثم وقفت امام النافورة، إنه هو!
نعم.
المكان مظلم ولكنني أستطيع رؤيته!
لقد رأيته يستند على مقود السيارة للحظات ليرخي رأسه حتى أغلقها وترجل منها.
بدأ قلبي يخفق بقوة، وبسرعة كبيرة جدا!
انا متوترة وعاجزه عن ضبط إعصابي.

ينتابني شعور ارتباك، خجل، شوق و الكثير من المشاعر التي جعلتني أغمض عيناي بقوة ثم أفتحهما مرتدية قناع الهدوء وعدم الإكتراث.
نزل من السيارة ولاحظت مظهره الغير مرتب!
لم يكن يرتدي بدلة رسمية وما شابه وإنما ملابس عادية وفوقها معطف ووشاح، ولكن في يده الأخرى يمسك بسترة رسمية كان قد طواها قليلاً، وفي يده اليسرى ممسكا بها مفاتيح السيارة وقارورة ماء!

كان ينظر إلى بتمعن وهو يضيق عينيه محاولا التركيز وهو يقترب فأسرعت أتظاهر بالإتزان بالرغم من توتري وارتباكي الشديد.
صعد الدرجات الأولى ثم وقف قليلا واكمل صعوده ليقف أمامي مباشرة!
رفعت رأسي أنظر إليه عن قرب وتفاجأت بشحوب وجهه!
بعثر شعره وجلس بجانبي وهو يلقي بالسترة التي كان يمسكها على وجهي فقلت بغيض: لا تلقي بأشيائك على الآخرين بوقاحة!

أتى صوته الذي لم أسمعه منذ أيام: لو لم أكن في كامل وعيي لأخبرت الجميع بأن شبحا لفتاة جميلة قد ظهرت لي بعد منتصف الليل، ما الذي تفعلينه هنا بارتدائك ملابس كهذه! ان كنت لا تستطيعين احتمال الأجواء الباردة فحري بك ان تندسي تحت فراشك بالأعلى.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *