التخطي إلى المحتوى

رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الثالث عشر

أتى صوته الذي لم أسمعه منذ أيام: لو لم أكن في كامل وعيي لأخبرت الجميع بأن شبحا لفتاة جميلة قد ظهرت لي بعد منتصف الليل، ما الذي تفعلينه هنا بارتدائك ملابس كهذه! ان كنت لا تستطيعين احتمال الأجواء الباردة فحري بك ان تندسي تحت فراشك بالأعلى.

قالها بإسخفاف، ولكنني نظرت للسترة وتساءلت ان كانت حركته تعني أن ادفأ نفسي بسترته مثلا؟ فهو غير واضح حتى في أمور كهذه! ثم سرعان ما سخرت من نفسي لتفكيري الساذج. بالطبع لن يفعل أمرا كهذا.
ليس كريس.
رتبت السترة ووضعتها بين يداي انظر للأمام بصمت بينما قال: أيعقل بأنك كنت في انتظاري؟
أجفلت لتلك الجملة وأسرعت أجيبه باندفاع: بالطبع لا! وما الذي يجبرني على انتظارك؟ أردت استنشاق الهواء وحسب!
في هذا الوقت؟

وفي أي وقت أشاء أيضا يا محور الأرض!
ابتسم بهدوء وتمتم: فليكن!
ساد الصمت وكل منا ينظر للنافورة مستمعا إلى صوتها، هذا الصمت الغريب يربكني كثيراً! أشعر بالإضطراب وبصراحة بالخجل لمجرد جلوسه بجانبي، يا الهي شتان بين ردة فعلي الآن وردة فعلي قبل أن أقع في شباكه! لو عدت بالزمن قليلا ومررت في هذا الموقف فسأشمئز لمجرد ان نجلس بجانب بعضنا هكذا.
أنا مضطربة، ما الذي على فعله الآن؟ هل. أسأله عن حاله مثلا؟

أفيقي يا شارلوت! انظري إلى من يجلس بجانبك أيتها المغفلة الساذجة، إنه كريس! مشاعري المراهقة هذه يجب أن تختفي في مكان لا طريق له وحسب.
ولكنني توترت كثيرا لهذا الصمت وهذا ما دفعني لكسره حتى قلت ببرود: أ. الن تنام؟
نعم. ولكنني أريد الجلوس قليلا، اتمانعين؟
رمقته بحيرة لأسلوبه الغريب ولكنني قلت بصوت منخفض: افعل ما يحلو لك. لا يهم،.

ساد الصمت مجددا حتى شرب من القارورة فخرجت الكلمات مني دون ان اشعر: وجهك شاحب جدا.
نظر إلى بحيرة فوراً فاستوعبت ما قلته فأسرعت أعقب بتلعثم: ك. كما لو كنت جثة!
ياللقسوة.
ثم ابتسم ابتسامة مضمرة بالكاد تُرى ونظر للأمام، اسند مرفقيه على ركبتيه وقال: وجهك لم يعد شاحباً.
أردف بنبرة غريبة: يبدو انك تتناولين طعامك جيدا عندما لا أكون في الجوار!

استنكرت ما قاله ولكنني همست: كل ما في الأمر بأنني عوضت الأيام السابقة.
مر نسيم بارد مجددا محركا خصلات شعره فلم أستطع ابعاد عيناي عنه!
لا أستطيع.
حقا لا أستطيع! لقد كان وجهه ما يزال وسيما جذابا بالرغم من شحوبه ووضوح الإرهاق عليه.
كانت عينيه العسليتين داكنتين في الظلام مما جعل له شكل مميزا مختلفا عن كل مرة.
ماذا؟ هل اشتقت إلى لدرجة تأملي؟

انتفضت واسرعت أشيح بوجهي مزمجرة بامتعاض: لا تكن واثقاً! لم أكن أتأملك!
أمال برأسه بملل، فقلت متنهدة: توقف عن ازعاجي رجاءا.
هذا الكائن يسلب مني أبسط حقوقي لمجرد النظر إليه خلسه! الأمر ليس بيدي فأنا لا أستطيع منع عيناي من التحديق إليه!
سمعت بأنك زرت ماكس اليوم.
لا يزال يقول ماكس؟! ياللوقاحة.
نعم. هذا صحيح!

بعدها لم يعلق وإنما أمسك بالقارورة وظل يعبث بها حتى نزع الورقة الملتصقة عليها وظل يعبث وهو يلفها على مفتاح السيارة وشعرت بحركاته تبدو غير متزنة! ما خطبه؟
ك. كيف.؟
هاه؟
قلتها بعدم فهم فزم شفتيه وأشاح بوجهه بعيداً للحظات ثم زفر متمتما بصوت خافت: كيف كان؟
اتسعت عيناي بحيرة!
إنه يسأل عن ماكس وعما كان عليه!
نعم، لقد سأل بالفعل! ظننته لا يهتم!

بدى مرتبكا منزعجا ليقول بسرعة وهو يرمقني بحزم: لا تجعلي الأمر يبدو وكأنه غريب أو فريد من نوعه.
تداركت الأمر وأسرعت أجيبه: إ. إنه بحال جيدة! كنت أتحدث معه وأمازحه واستجاب وأوضح رغبته في الخروج من المشفى.
أضفت بإستياء: ولكن. من الواضح بأنه يود رؤيتك بشدة!
نظر نحو النافورة ممررا يده على عنقه، فحدقت إليه بتمعن وترقب.
ظل صامتاً حتى رمقني بطرف عينه مطولا فتساءلت بريبة: م. ماذا هناك؟! لماذا تنظر إلى هكذا!

كيف كان لقاؤك به؟
فهمت ما يرمي إليه فانحنيت قليلا استند على ركبتاي وانا اعيد بعض خصلات شعري خلف أذني مجيبة على مضض: بدى مندهشا لسبب ما عندما التقى بي من النظرة الأولى.
لمحت شبح ابتسامة على ثغره، كانت مليئة بالإستخفاف بينما عيناه لمعت بشيء من الغيض لأعقب بصوت منخفض: نادى بي. ولكن بإسم أمي!

اختفى بريق الإستخفاف من عينه ليحل مكانه عدم التصديق وهو ينظر إلى بحاجبين معقودان، شيئا فشيئا أخذ الغضب مجراه ليهمس بشيء من الدهشة: ستيفاني مجدداً.
أخفضت نظري للدرج وتساءلت إن كان سيوضح لي شيئاً!
هو لن يفعل. يريدني ان أجلس وسط ملايين التساؤلات دون أن أفهم أي شيء.
اللعنة.

قالها بصوت عال بعض الشيء وهو يرخي جسده ساندا مرفقيه على الدرجة الأعلى للخلف، ينظر للسماء المرصعة بالنجوم والتي كان من السهل ملاحظتها بسبب خفوت إنارة المنزل.
كانت نبرته للتو تبدو محبطة أو. وكأنه كان يترقب سماع شيء آخر!
كيف هو حال جيمي؟
لماذا تتهرب! الا تريد التفاصيل الأخرى على الأقل؟
لو كنتُ مهتما لسألت.
ولكنك سألتني في البداية!
مجرد فضول فقط
هاه!

تجاهلني بملل دون أن ينظر إلى مستمرا بالتحديق للسماء فزميت شفتي بصمت.
مازال كما هو.
إنه يزعجني!
إن كان لا يهتم فلماذا سأل منذ البداية! أم انه فقط لا يريد ان يوضح اهتمامه؟
أنت جبان جدا يا كريس.
وأنت ثرثارة.
أعقب قوله بصمت مطبق وهو يسند رأسه على كتفي!
شعوري في هذه اللحظة من الصعب وصفه! انا مرتبكة حتى ان معدتي بدأت تؤلمني!

انتفضت بتوتر ولاسيما عندما لامس شعره وجنتي، ابتلعت ريقي وشعرت بإندفاع الدماء نحو وجنتاي.
ظل جسدي يرتجف فحاولت تهدئة نفسي وتمالك أعصابي.
فقط لو كانت الظروف مختلفة، لو لم يكن يكرهني ويريد الحصول على مبتغاه من الانتقام ولو كان لقائنا فقط مختلفا.
لو كان يبادلني الشعور ويعلم بأنني. واقعة في حبه! لو لم يقم بإهانة عائلتي طوال الوقت!
زفرت بضيق للاضطرابات التي اعاني منها في داخلي.

فابعد رأسه ووقف متمتما: لم أكن اعلم أن الوضع مزعجا إلى هذه الدرجة.
مزعج؟!
مهلا. هل يقصد، بأنني زفرت بسبب قربه مني؟
انا. لم أقل هذا!
ولكنه صعد الدرج فأسرعت دون شعور لأقف ممسكة بيده!
حدقت إلى يداي التي تمسك بيده بدهشة، ولكن دهشتي لم تكن أكثر منه. فهو ينظر إلى وبالكاد يطرف بعينه!
انتفضت مبتعدة عنه بتوتر وقلت بإندفاع: دعني أفهم على الأقل.

نظر إلى معصمه حيث كانت يدي تمسك به ثم لوى شفتيه ورمقني بترقب ونفاذ صبر فسألته بحزم وجدية: أريد أن أفهم كيف يعرف والدك أمي أيضا؟ لي كامل الحق في معرفة التفاصيل! لقد بدى مندهشا كثيرا ما ان وقعت عيناه علي، اعلم بأنني أشبه أمي كثيرا ولكن. ما معنى هذا بحق الإله؟
لماذا تعتقدين بأنني سأهدر وقتي في توضيح الأمور لكِ؟
ربما لأنني الآن زوجتك، وربما لأن صبري قد نفد! أو لأنك مُلزم بتوضيح الأمور شئت أم أبيت.

أنا معجب بثقتك هذه إلى حد كبير.
لم أعلق بل واصلت النظر إليه بحزم وأنا أنتظر رداً مناسبا حتى تنهد بعمق ورفع يده ليضعها على رأسي مستخفا بي: انصتِ يا جميلتي، أنتِ لستِ هنا لتملي على الأوامر ولا للتطفل كما تشائين، أنا من يقرر الوقت الذي ستفهمين فيه الأمور، وأنا من يحدد الأشياء التي عليك معرفتها لذا ت.
كفاك سخفاً!

قلتها بغضب مبعدة يده عن رأسي، بل والقيت بسترته على وجهه بقوة لأصرخ: لقد واجهت كل شيء ولم أكن تلك الجبانة التي ستهرب أو تهابك يا كريس! أفق.! أنا لستُ هنا لتتحكم بي أو تحركني كيفما تشاء! أنا هنا بمحض إرادتي. أنت تعلم جيداً بأنني قادرة على الخروج من هنا في أية لحظة.
هدئي من روعك يا عزيزتي فكِلانا يعلم جيداً بأنكِ لن تفعلي لأنك خائفة من العواقب.

أخرستني جملته مؤقتا وانا احدق إليه بحقد شديد ليكمل ببرود وهو يرفع السترة على كتفه الأيسر: أم أنكِ يا تُرى بتِ تخططين خارج الصندوق بعض الشيء. على سبيل المثال البقاء هنا وتحقيق غاية ما!
ما الذي تلمح له؟
أجابني بإزدراء ألمني: لن أنخدع بكِ. لن أكون ساذجا أحمقاً وأصدق أنكِ تلك الفتاة اللطيفة المحبوبة يا شارلوت، لن أصدق بأن هذا هو جوهرك الحقيقي طالما أنك تحملين دماء ستيفاني.

لا تتخطى حدودك إن كنت تنوي التحدث عن أمي بسوء.
مزقي تلك الصورة المثالية عن ستيفاني يا عزيزتي. نظفي رأسك من الأوهام قليلا، انظري إلى نفسك يا شارلوت، لستِ سوى نسخة مصغرة منها! كلاكما تحبان التظاهر بالمحبة واللطف طوال الوقت! كلاكما تعيشان في عالم من الطمع والجشع! لقد نلت كفايتي من كون والدتك الفائزة في هذه اللعبة بأساليب قذرة.

اتسعت عيناي بدهشة وأسرعت أصرخ بسخط: كف عن التفوه بألفاظ كهذه أثناء حديثك عن أمي أيها الوقح!
لن ألومها وحدها فماكس ووالدك مارك قاما بخوض أدوار مميزة بطولية في هذه اللعبة كذلك.

أعقب بعين ضيقة مشمئزة وصوت كفحيح الأفعى: أتعلمين ماذا نكون نحن؟ أنا وأنت يا شارلوت مجرد أدوات يتم استخدامها لتعزيز أدوارهم فقط. ولكنك الأداة الأفضل بلا شك. فأنت تتقنين التمثيل بشكل مذهل! لو كنت سأقوم بترتيب الجوائز فستحصل ستيفاني على الكأس الذهبي، ماكس ومارك سينالان الجوائز الفضية والبرونزية. أنا وأنت يا شارلوت لن نأخذ سوى جوائز الترضية الرخيصة. فأنا لن أنكر أنني مضطر لخوض دور خيالي أيضا. تعلقتِ بجيمي وتعلق بك هاه؟ هل سأصدق هراء كهذا؟ بنيت علاقة وطيدة مع عمتي وزوجها اليس كذلك؟ جميل. تقدم جميل بالفعل! بل وستيف كذلك! والآن يبدو أنك ستصافحين يد ماكس معلنة الإنضمام إلى.

هذا يكفي.
تجاوز حدوده كثيراً!
ارتفعت يدي بشكل تلقائي بغية صفعه بقوة وانفعال ولكنه كان أسرع مني وكأن كل حركة تبذر مني أمر متوقع بالنسبة له!
أمسك بيدي وقربني من وجهه هامسا بغضب: لن تجرؤي أيتها المخادعة الصغيرة.
دع يدي!
حاولت انتزاعها بشتى الطرق وقد بدأت أشعر بالألم جراء ضغطه عليها مع تحديقه المتواصل بي عن قرب مما أجبرني على الشعور بالإرتباك.

قلت بغيض أغمض عيناي بقوة: أتركني يا كريس! لن أنصت إلى المزيد من لغوك وثرثرتك الفارغة التي لا معنى لها، مللت من سماع هذه الأسطوانة التي ترفض تعقيبها بتفسير مقنع وواضح، لست صريحا ولست صادقاً!
من تتحدث هنا عن الصدق والصراحة!

أكمل بنبرة بدت لي ماكرة: أنتِ آخر من يتحدث عن الصراحة. فأنت مراوغة بارعة منذ البداية! أخبريني يا شارلوت. ما الذي ستفعلينه الآن لو قمت بتقبيلك؟ هل ستصرخين متصنعة أو أنك ستستسلمين ببساطة؟ هل هناك درس معين أخذته من تجارب ستيفاني؟
لا تجرؤ على الإقتراب أكثر! وتوقف عن الحديث بهذا المستوى الغير منطقي من الثقة أيها النرجسي المريض!

قلتها بحزم وتحذير ولا أزال أحاول انتزاع يدي فهمس بصوت منخفض: سأريكِ كم أنتِ مراوغة محتالة.

تلى جملته تلك اقترابه المفاجئ مني ودنوه نحو ثغري وهو يقربني إليه، لم تكد شفتاه تلامس شفتاي حتى دفعته بقوة ولمحت قدمه التي كادت تنزلق من على الدرج فبدى لي الزمن قد توقف ولم يكن أكثر من لحظة!
وفي هذه اللحظة امتدت كلتا يداي نحوه بسرعة لأجذبه نحوي وأعانقه محاولة مساعدته على التوازن وكردة فعل طبيعية عانقني هو الآخر ولكن.

فقد كلانا التوازن ووقعنا من أعلى الدرج، بصراحة لم أشعر بالألم أثناء سقوطي، كانت كلتا ذراعيه تحيطان بي فلم أشعر بأطراف الدرج الحادة.
استقر جسده على الأرض وكنت مستلقية فوقه بدهشة، نظرت إلى صدره المواجه لي ورفعت رأسي قليلا أحدق إليه بتوجس! جلست فوراً مبتعدة أنظر إليه بقلق، شعرت بأن لساني قد ألجم وخشيت فقط أن أسأله ما إن كان بخير!
تأوه بألم واخذ الغضب مجراه على ملامحه ليهمس بصعوبة: أيتها الحقيرة.

أ. أنت من قادني لهذا إياك ولومي.
قلتها وانا ارفع كلتا يداي مترددة في لمسه بقلق.
رفع ظهره قليلا عن الأرض بصعوبة وهو مستلق ثم عاود يرخي جسده بغيض شديد واعتدل ببطء محدقا إلي: أنتِ بالفعل تحاولين قتلي بشتى الطرق.
عقدت حاجباي بإنزعاج وامتدت يداي لأساعده على الجلوس ولكنه دفع يدي بحنق، جلست أنظر إليه بصمت وهو يمرر يده على كتفيه وظهره.

كان السقوط قويا ومؤلما بلا شك. إنها تزيد عن السبعة درجات، ليس ارتفاعا صغيرا.
لمحت اصبعه الذي ينزف دما فقلت بدهشة: إصبعك!
نظر إلى يده بإستيعاب ثم نحوي وقال بكره: ستعوضينني لاحقا عن هذه الأضرار.
أنا لم أجبرك على حمايتي يا كريس.
حين قلت هذه الجملة توقف لساني عن الحركة فجأة مفكرة بالأمر.
وكذلك بادلني النظرات وكأنه يحاول التفكير بما قلته وكأن لم يستوعبه بعد.

ح. حمايتي؟ صحيح! عندما سقط كلانا أحاطني بذراعيه بقوة ولم أشعر بالألم جراء سقوطنا.
أعتقد أنه احاطني بذراعه بينما الأخرى حاول ان يوقف جسده بها ولهذا اصيب اصبعه.
كان بإمكانه ان يتفادى الأمر ليضمن سلامة نفسه أولاً.
ارتفع حاجباي وارتخت ملامحي كثيراً.
أما هو فأخفض رأسه فوراً وقال بحزم: لا تفكري بالأمر كما يحلو لك. كانت مجرد صدفة وهذا كل شيء!
ل. لم أقل شيئا أنت من تبالغ في ردة فعلك!

وقف بصعوبة وهو يتأوه فزميت شفتاي بشيء من الأسى.
تحرك ليصعد الدرج فتبعته قائلة: دعني أرى إصبعك! لقد احتك بالأرض بقوة فلربما يتلوث لو لم تقوم بتطهيره و.
لا شأن لكِ.
قالها دون ان يستدير وهو يكمل حتى وصل للباب ودخل فأسرعت أصعد أنا أيضاً.

ما الذي كان يريدني أن أفعله وهو يحاول تقبيلي بحق الإله؟ أن أقف مكتوفة الأيدي؟! انا لم أقصد دفعه بقوة ولم أنتبه انه كان على حافة الدرج. أردت حقا مساعدته ولكن كان الأمر سريعا ولم أستطع مساعدته على التوازن جيداً نظراً لفارق الطول!
رصيت على أسناني بغيض وأغلقت الباب خلفي اتبعه دون كلمة.
إنه يمشي ممررا يده على ظهره واليد الأخرى يرفعها ويحركها بخفة ليخفف ألم إصبعه.

عندما وصلنا للغرفة، كان قد دخل قبلي وأنار الإضاءة واتجه فورا للحمام قائلا بحزم: لا تتبعيني.
قلت بسخط من ثقته التي باتت تؤرقني أكثر: وكأنني سأفعل.!
لويت شفتي بقوة وجلست على طرف السرير متكتفة.
هه. لن أساعده، بإمكاني تطهير الجرح والإعتناء به حتى لا يتلوث وبإمكاني أن أرى ما إن كانت إصابة ظهره تحتاج إلى دواء أو ما شابه ولكنني لن أذهب وأتطوع ما لم يطلب مني ذلك.
فليكن.

هذا جزاؤه حين يحاول الإقتراب مني ويعتقد بأنني سأصمت متجاوزة إهاناته التي لا تنتهي.
مرت فترة طويلة كان قد استحم بها وخرج أخيرا من الحمام واضعا المنشفة فوق رأسه.
رمقني بنظرة خاطفة وهو يجفف شعره بيده اليمنى ولمحت يده الأخرى متورمة قليلا وإصبعه محمر بوضوح.
اشرت إليه: أنظر إليك. وضعك مثير للشفقة شئت أم أبيت.
تجاهلني وأغلق الإنارة فلم يبقى سوى الضوء القادم من النوافذ والشرفة وكذلك السقف الزجاجي الدائري.

وقف أمامي مباشرة فقلت بابتسامة هازئة يجوبها ثقة: ماذا! لا تعتقد بأنني سأقوم بتطهير جرحك الآن فأنت.
قاطعني بجفاء: ابتعدي أريد أن أنام.
اتسعت عيناي وشعرت بالإحراج والغيض رغما عني. هذا النذل الوقح!
اعترضت بحزم: ألا تشعر بذرة من الحياء وانت تطلب مني النوم على الأريكة؟
لا.
أمر متوقع.
أضفت وانا اقف متظاهرة بالبرود: ليكن في علمك أن النوم على الأريكة أفضل من النوم بجانبك.

اخرجت الغطاء من الخزانة واخذت وسادة واستلقيت على الأريكة وأغمضت عيناي فورا متظاهرة بالنوم.
شعرت به وهو يستلقي على السرير وعندما فتحت عيناي خلسة وببطء وجدته لا زال يجلس عليه ويمرر يده الأخرى على إصبعه.
سمعته يهمس محدثا نفسه: عنيفة حمقاء.
ويجرؤ على نعتي بهذا؟
تجاهلته بانزعاج شديد، إنه عنيد.
وأنا كبريائي لن يسمح لي بالتطوع لأجله.
لن أتحرك وأذهب إليه مهما يحدث.
هذا ما قررته قبل أن يتسلل النوم إلي.

أغمضت عيناي بالفعل بنعاس وبعدها لا أدري كم مر من الوقت وأنا أسمع اسمي يُنادى بصوت هادئ!
حلم؟ أم واقع!
تقلبت على الأريكة بإنزعاج واستمر الصوت حتى فتحت عيناي بكسل.
انتفضت فوراً وانا أرى جسدا في الظلام يجلس على الطاولة المقابلة للأريكة فاعتدلت اشهق بريبة.
هل رأيتِ شبحاً؟!
م. ما الذي تفعله! ماذا تريد!
لم يجبني وانما ظل جالسا بصمت فاعتدلت وانزلت قدماي على الأرض أحدق إليه بحيرة وإستغراب.

لا أدري كم من الوقت كنت نائمة، ولكنني كنت نائمة بعمق حتى أيقظني الآن!
انتظرت إجابته طويلا ولكنه لم يجب، إنني أرى ملامحه بصعوبة في هذا الظلام ولكن إنارة السقف كفيلة بجعلي أدرك أنه يشيح بعيناه بعيدا عني حتى قال أخيرا متلعثماً: حسناً، إ. إنه. كما ترين. أنظري.
ظل يرددها حتى نفذ صبري: ماذا!
زفر بإنزعاج: إنه يؤلم.
هاه!
يؤلم؟

لم أفهم ما يعينه حتى مد يده نحوي قائلا بحزم: أسرعي وطهري الجرح لدي عمل في الصباح الباكر.
اتسعت عيناي وما هي إلا ثوان حتى حاولت كتم ضحكة انتابتني بصعوبة!
لقد استسلم للألم في النهاية! ما الذي يجنيه من عناده تحديداً؟
بصراحة لم أشأ الدخول في أي شجار أو جدال معه ولذلك سألته: أين صندوق الأدوية واللصقات؟
ستجدينه في الجناح الآخر في المكتبة.
هل تعتقد بأنني سأخرج إلى هناك لأحضر الصندوق فقط! ولأجلك أنت؟

ألستِ من بادر بالسؤال!
ولكن.
زفرت بغيض وأنا أقف متمتمة بإنزعاج متجهة نحو الباب: ظننته هنا ولكنني لم أكن لأذهب بنفسي إلى هناك. هذا يشعرني بالغضب حقاً.
خرجت من الغرفة واسرعت للجناح الآخر.
أي غرفة هي المكتبة؟ لقد نسيت مكانها. يا الهي يا شارلوت لقد تحركتِ من مكانكِ لأجله فقط! أكاد لا أصدق أنها انا.
غير معقول ما أمر به.
نظرت حولي بحيرة ومشيت ببطء لأنظر إلى أحد الأبواب وأفتحه.

ادخلت يدي أولا باحثة عن مقبس الإنارة لأضيء المكان.
هاه! أخطأت الغرفة. ليست المكتبة. لا بد وأنها المجاورة.
كنت سأغلق الإنارة ولكنني وقفت للحظات أنظر للمكان لتتحرك قدماي وأدخل أكثر.
إنها غرفة نوم.!
يوجد بها سريران بجانب بعضهما، أثاثها طفولي نوعا ما ويطغي اللون الأبيض والأزرق والأسود عليها لتشكل تناسق جميل جدا في الألوان.
لماذا سريران تحديداً!

فكرت في هذا وانا أخطو للداخل أكثر، الغرفة تنقسم إلى قسمان، القسم الآخر يوجد به خزانة ضخمة بحجم الحائط، وكذلك طاولة يحيط بها كرسيان!
وقفت في منتصفها أحدق من حولي وحينها تساءلت رافعة يدي إلى صدري.
لماذا انتابني شعور غريب في هذه اللحظة!
هناك. إحساس غريب ولا يمكنني وصفه ينتابني وأنا أتأمل الغرفة.
لا أدري كم مر من الوقت وأنا أقف.
ولكنني لا زلت على حالي انظر للأسِرةِ بشرود.

إنه الشعور ذاته الذي راودني ما ان دخلت إلى هذا المنزل، بل ومنذ ان كان كريس يسلك طريق الحديقة الخارجي بعد بوابة المنزل. لماذا!
أخفضت يدي عن صدري وتقدمت نحو أحد السريران لأجلس عليه أنظر للمنضدة بجانبه.
إنها صورة قد تم قلبها بحيث لا يمكن رؤية محتواها!
امتدت يدي ببطء لأعدلها فوجدت طفلين يبتسمان في الصورة، أحدهما عرفته فوراً.
كريس وبلا شك!

كانت ملامحه مرحة جداً ويبتسم بشكل عفوي أدهشني! إنه يرتدي ملابس عادية ويداه ملطختان بالطين وكذلك الطفل الواقف والمبتسم بجانبه.
لحظة!
هذا الفتى إنه ذاته. رأيته في إحدى الصور في المكتبة، فتى أشقر الشعر ذو عينان زرقاوان واسعتان، لقد كان في صورة أخرى ولكن أذكر أنه كان برفقة فتاة تشبهه كذلك.
من يكون!

كريس لا أشقاء له، فمن هو إذاً! إنه لا يشبهه. كريس ذو عينان عسليتان في طرفهما ناعستان بعض الشيء على عكس هذا الفتى ذو العينان الواسعتان المرحتان بلونهما الأزرق الفاتح! يوجد إختلاف واضح جداً.
زميت شفتاي مفكرة طويلا حتى وقفت متنهدة بعمق.
الكثير من الأسرار تحوم حوله!
أتساءل إن كنت سأفهم إحداها، اكتشفها او يخبرني بها بنفسي!

حاولت السيطرة على فضولي المستمر وانا اتجه للباب لأخرج، القيت نظرة أخيرة على الغرفة ثم أغلقت الإنارة والباب وذهبت فوراً للمكتبة باحثة عن صندوق الإسعافات الأولية، وجدته في خزانة خشبية ذات طراز أنيق على الحائط وخرجت عائدة للغرفة.
دخلت ووجدت الإنارة مفتوحة مسبقاً ورأيته لا يزال يجلس على الطاولة مقابل الأريكة، انتبه لي واحتدت عيناه: ذكريني بإعطائك خريطة للمنزل في المرة القادمة. لقد بدأ إصبعي بالتورم.

تقدمت نحوه ببرود وتحذير: ما هذه النبرة المتسلطة؟! لا تتحدث معي هكذا وكأنني سأعمل لديك مجانا يا كريس، إنه خطؤك على أي حال لذا كف عن لومي والتسرع هكذا.
خطأي! هل كان خطأي هو دفعي من أعلى الدرج؟
أكملها؟
جلست أمامه مردفة بحزم: أكمل جملتك. لقد حاولت تقبيلي وكان من الطبيعي أن أقوم بصدك!
عقد حاجبيه بسرخية: يا إلهي. أوليست مرات معدودة؟ لماذا جعلتي الأمر يبدو وكأن فتاة حافظت على قبلتها الأولى!

اتسعت عيناي بدهشة: وتجرؤ على قول هذا! أولاً أنت من قبلني في لقائنا الأول وأعدت الكرة لاحقا! دعني أذكرك أنك تلقيت صفعة أثناء ذلك.
أعقبت كلامي وانا أخرج ما أحتاجه من الصندوق: ثم تذكر بأنني زوجة قانونيا بطريقة شكلية وحسب، ولا حق لك في تجاوز حدودك معي.

فتح فاهه ليعلق ولكنني سبقته وانا أشد يده نحوي واقرب وجهي من اصبعه متمتمة: والآن لا تتحدث ودعني أركز. لست متفرغة لسماع ثرثرتك، أريد أن أنام وابتعد عن وجهك قليلا.
لم يعلق بالفعل، مرت لحظات حتى همست بإندماج: انظر إلى حماقتك وأفعالك الصبيانية.

صمتُ قليلا وانا اتناول المطهر وأضعه مضيفة: لقد احتك الجلد تماما والطبقة الأعمق قد تعرضت للهواء والغبار. سيكون من الصعب قليلا أن يلتئم، ربما سيأخذ وقتاً. بل وقد يترك أثراً.
كنت أتحدث طوال الوقت معترضة و متذمرة دون أن يقول شيئا حتى رفعت عيناي نحوه استنكر صمته لأجد عيناه تتابعانني بصمت.

بصراحة توترت كثيراً! ارتجفت يداي قليلا وتظاهرت بالهدوء وعاودت انظر لإصبعه الذي أضع عليه اللاصق، وعندما انتهيت وضعت كل شيء في الصندوق قائلة بهدوء: يجب أن اعاود تطهيره لاحقاً.
ظل يجلس على الأريكة وهو ينظر لإصبعه بنظرة تقييم أزعجتني هامسا: لكِ شرف مزاولة مهنة التمريض معي. كوني شاكرة.

لويت شفتي وتجاهلت تعليقه فلقد اعتدت تقريبا على هذا النوع من الردود المريضة وتنهدت متسائلة محتضنة الصندوق: أريد أن أسألك عن شيء ما.
رفع عينيه نحوي لثانية ثم عاود ينظر لإصبعه فأكملت بجدية: أتذكر جيداً أن احساس غير مفهوم قد اجتاحني ما أن أتيت هنا برفقتك أنت وجيمي! ينتابني شعور غريب جداً! عندما دخلت لأول مرة شعرت لوهلة وكأنني رأيت حديقة المنزل سابقا! لا أدري كيف أصف الأمر ولكنه شيء من هذا القبيل.

طرف بعينه ببطء ونظر إلى فاسترسلت بعدم فهم: دخلت للتو إلى إحدى الغرف بالخطأ، إنها غرفة تحوي سريرين. انتابني الشعور ذاته! هل. زرتُ هذا المنزل مسبقاً؟ هل حدث شيء كهذا!
أشاح بوجهه ببطء وظهر الهدوء على ملامحه، التزم الصمت للحظات حتى همس يومئ برأسه دون ان ينظر نحوي: أعتقد بأنني أخطأتُ في تقدير بعض الأمور. هذا يظهر جانب مغفل جديد. إما أنك تستمرين في التظاهر أو أن الأمر لا يعني لكِ أي شيء البتة.

كانت كلمته الأخيرة مليئة بالحدة والحزم وهو يقف ويلقي على نظرة خاطفة بطرف عينه مبتعداً: أنتِ تخيبين أملي بإستمرار، اللعنة ما الذي كنت أتوقعه منك أصلاً، سأنام. لا تزعجيني.
ارتفع حاجباي باستغراب شديد أنظر إليه وهو يبتعد ليغلق الإضاءة ويستلق على السرير بعصبية.
م. ما خطبه بحق الإله!
جانب مغفل؟
ما الذي يقوله! لماذا غضب دون سابق إنذار.؟

يا الهي لقد مللت تقلب مزاجه هذا! الا يمكنني سؤاله بشكل طبيعي! ثم ما الخطأ فيما قلته! أي جزء من سؤالي قد أزعجه!
هذه المرة كان الحزن والضيق قد خيم علي، بالطبع نتيجة لمشاعري نحوه.
الم أقل بأن المشاعر هذه مجرد نزوة مؤقتة! لماذا إذا أشعر أن معاملته الجافة لي باتت تزعجني أكثر! الن ترحل عني هذه العواطف التي أكنها إليه؟ هل حقا سأستمر بهذا الوضع طويلا؟
كنت آمل أن تكون الإجابة لا.

استلقيت على الأريكة ونظرت للسقف الذي أتاح لي فرصة التحديق إلى السماء المرصعة بالنجوم بشرود تام.
أنا أحبه.
لا مجال للكذب على نفسي أو إنكار ذلك.
ما الذي أحببته فيه؟ متى وقعت في حبه ولماذا! سأكون في خطر حقيقي لو اكتشف الأمر. على أن أتمالك أعصابي وأوجه صفعة قوية إلى نفسي لأفيق وأنظر إلى الشخص الذي وقعت في حبه،!

أزعجني ضوء الشمس الذي كان يطل على وجههي مباشرة من السقف وجعلني اتقلب يمينا وبسارا حتى وقعت من على الأريكة فتأوهت بكسل وابعدت الغطاء الذي وقع جزء منه كذلك وجلست على الأريكة ابعثر شعري بنعاس.
هذا السقف مزعج جداً، كان على إغلاقه في الليل حتى لا يعكر صفو مزاجي صباحا! تثاءبت ووقفت لأغسل وجهي ثم نظرت إلى السرير لأجده فارغاً، غريب لم أتوقع منه ان ينهض مبكرا بعدما اتى في وقت متأخر.

خرجت من الغرفة لأرى آنا ممسكة بمناشف كثيرة وتبدو مشغولة ولكنني استوقفتها بحيرة: صباح الخير
نظرت إلى مبتسمة: صباح الخير آنسة شارلوت.
تساءلت ممررة يدي في شعري: انه وقت الإفطار، الجميع بالأسفل صحيح؟
نعم الجميع بالأسفل باستثناء السيد كريس.
قطبت حاجباي مرددة: باستثناء كريس؟! لماذا!
لقد ذهب للعمل مبكرا!
ذهب للعمل؟ ولكنه عاد بالأمس فقط من السفر! ظننت بأنه سيرتاح قليلا ثم يعاود العمل، هذا. غريب!

أملت برأسي مبتسمة: حسنا، أعتقد بأنني سأنضم إليهم.
وعندما انهينا تناول الطعام سألتني كلوديا ما إن كنت ارغب في زيارة ماكس اليوم أيضا أم لا فوجدت نفسي أجيبها بنعم على الفور.
انهيت ارتداء ملابسي وحذرت جيمي من أن يلعب تحت اشعة الشمس كثيرا كاليوم الماضي.
هذه المرة لم يكن السيد مايكل من يوصلنا بل ركبنا سيارة كلوديا، استقرت هي خلف المقود وجلست بجانبها. كانت سيارة عالية كبيرة بطلاء أسود لامع.

عندما حركت السيارة احترت لهدوئها المبالغ حتى تساءلت بتوتر: ك. كلوديا!
من الصعب ان اقولها دون رسميات! ولكنها رغبتها.
نظرت إلى بحيرة وترقب فقلت بقلق: هل من خطب ما؟
خطب!
تبدين مختلفة قليلا، أرجو ان يكون كل شيء على ما يرام، أنت لم تنهي فطورك حتى.
ابتسمت بلطف: يبدو انك تقلقين كثيراً وتشغلين بالك، يسعدني هذا!
بادلتها الإبتسامة فتنهدت: لا تقلقي يا عزيزتي، كل شيء بخير عدى ان ماكس متعب اليوم قليلا.
متعب!

نعم. هذا يضايقني، فلقد ظننت بأنه قد تحسن أخيرا وعلى وشك الخروج من المشفى.
آه! هكذا إذا. هذا مؤسف بالفعل!
قلتها بأسى فنظرتْ للطريق دون ان تعلق.
لحظات حتى تمتمتُ بهدوء: اشعر بأنني لا أرى كريس كثيرا مؤخرا!
إنه هكذا دائما منذ ان اخذ منصب ماكس، خمسة أشهر مستمرة وهو على هذه الحال، في الفترة التي قضيتِها معنا في البداية كان في إجازة مؤقته وحسب.
يبدو عمله متعب.
نوعا ما.

ما الذي يعنيه هذا! بأنني لن أستطيع رؤيته كما كنت؟ هذا. يزعجني كثيرا!
هل تحبينه يا شارلوت؟
انتفضت لهذا السؤال المفاجئ وحدقت بها بدهشة!
رفعت كلتا يداي أمسك بحزام الأمان بارتباك لم استطع إخفاؤه.
رمقتني بنظرة خاطفة ثم ضحكت بخفوت: ما الأمر؟ يبدو الأمر وكأنني قلت أمرا خارج عن المألوف!
ابتسمت مطرقة رأسي، وشعرت بالدماء تتدفق نحو وجهي لأنزل يدي وأمسك بطرف القميص بقوة.
تساءلت بحيرة: ما الأمر؟
أ. لا شيء!

هل تتجاهلين سؤالي؟
قالتها ضاحكة ممازحة فأسرعت اقول بتدارك: أ. لا! بالطبع لا. ولكن، حسنا كيف أقول هذا!
ظلت ترمقني بنظرات مستغربة، يمكنني أن أقول نعم ببساطة لأن هذه هي المشاعر التي أكنها لكريس في الواقع ولكن.
لماذا أشعر أن نطقها صعب إلى حد ما؟
وكأن. لساني أصبح ثقيلا بعض الشيء!
ليس الأمر هكذا وحسب. فمازلت أرى ان اعترافي بأمر كهذا يعد اهانة في حقي!
نعم. هذا ما أؤمن به.

لأنني واثقة بأن شخص مثل كريس لا يستحق ولو قليلا أن أفكر به أو اٌقع في حبه
لا يستحق أن يكون الشخص الذي أقع في شباكه! وبالرغم من هذا.
وجدت نفسي أميل برأسي دون أن أقول شيئا فضحكت بخفوت مجددا وقالت بسخرية: ما المفترض ان تعنيه هذه الإجابة الصامتة؟
سيدة ك. أقصد كلوديا، ما رأيك أنت؟
قلتها بشيء من الفضول والاستياء فتمتمت: رأيي بماذا؟
ما الذي تظنينه حول كريس؟ أتعتقدين بأنه.
أردفت بتلعثم متوتر: يبادلني؟

ارتفع حاجبيها بحيرة ثم نظرت للأمام بصمت وبنظرة غريبة، فشعرت بالقلق حتى فاجأتني هامسة: شارلوت عزيزتي لأكون صريحة معك، كريس لا يتحدث عنك أمامي! أنا لا أعرف شيئا عن علاقتكما وكيفية لقائكما او حتى ما يحدث بينكما وتفاصيل ما يجمعكما سوى أنه أخبرنا بأنه سنوي الزواج بك فقررت انا وجوش زيارتكما ذلك اليوم في الشقة، عندما رأيتك فتاة يافعة لم تتجاوز الخامسة والعشرون ترددت كثيرا ولن أنكر بأنني اعترضت على الأمر، أخبرنا بأنه بحاجة لمن يعتني بجيمي. أعلم بأنكما اتفقتما على الأمر بينكما والأمور تسير بشكل جيد ولكن.

قالت الكلمة الأخيرة بتردد مردفه وقلبي يخفق بقوة: كريس لا يتحدث عن أي امرأة.
ارتفع حاجباي بإستغراب حتى أكملت بهدوء: سوى تيا.
اتسعت عيناي بدهشة فأسرعت تبتسم بلطف: لابد وأنك تعلمين بانهما أصدقاء منذ مدة طويلة جدا!
أشعر بأن.
قلبي يؤلمني قليلا.
لا.
بل كثيرا!
يمكنني أن استوعب كل كلماتها باستثناء ما قالته عن تمركز حديثه حول تيا فقط! لماذا؟
لماذا تيا فقط!
الا يقوم بالمجاملة ومدحي أمام عمته ولو قليلا؟

هذا. يضايقني لأبعد الحدود!
من الطبيعي ان تكون صديقته ومن الطبيعي ان يذكرها ولكن.
ولكنني أشعر بالانزعاج!
كان عليه أن يتفوه بإسمي ولو قليلا!
ما معنى هذا؟ ألا أعني له أي شيء؟ أي شيء!
شارلوت؟
قالتها كلوديا باستغراب فأجفلت ونظرت إليها لتسأل: ما خطبك؟ لقد كنت أناديك للحظات!
أ. أسفة! أعتذر عن هذا لم أنتبه. ما الذي قلته؟

طرفت بعينها ورمقتني باستنكار ثم قالت بسرعة: يا الهي يا شارلوت، ربما يضايقك الأمر ولكن لا داعي لهذا! إنهما مجرد صديقين مقربين فقط. الأمر لا يتعدى هذا! أردت أن أكون واضحة وصريحة معك لأنني لم اعتد التحدث بشكل مبهم أو أن أقوم بإنكار أي شيء، هذا كل شيء. إنني صريحة ولا أجيد التظاهر جيداً. أرى أنك الأنسب لكريس فأنت لطيفة وطيبة وجيمي تعلق بك بسرعة. أنت أيضاً جميلة ولبقة جداً! أي جزء من كل هذا لن يعجب كريس! يكفي أنه من قام بإختيارك يا عزيزتي.

قالت للتو أن تيا مجرد صديقة! إن كانت مجرد صديقة فلماذا لا تكف عن اللهو حوله؟ لماذا تزعجني دائما بذكر الأمور الحميمة بينهما؟
ليت كلوديا تعلم أن لا شيء بي يعجب كريس، ولا شيء حتى قد يجذبه نحوي.
لا يرى بي سوى فتاة تتظاهر باللطف والبراءة، سليطة اللسان وذات مراس صعب وكبرياء منيع.
والاهم من كل هذا.
لا يراني سوى ابنة ستيفاني ومارك اللذان يكرههما بشدة.

تنهدت بعمق واسندت رأسي على مسند المقعد قائلة بابتسامة مرحة مصطنعة: لست متضايقة كنت مستنكرة للأمر وحسب.
عندما وصلنا للمشفى حاولت جاهدة أن أنسى الأمر وأطرده من رأسي مفكرة بالأمر الأهم والأكثر جدية!
مقررة بأنه على أن أسأل السيد ماكس عن أمي عندما تسنح الفرصة لي اليوم.

دخلنا وعبرنا الإستقبال ثم صعدنا للجناح الخاص. طرقت كلوديا الباب ودخلت فتبعتها، كنت أمشي خلفها بشيء من التوتر كلما فكرت بأنني سأسأله بشأن أمي.
ولكنني سرعان ما وقفت بأسى وقد تفاجأت بملامح السيد ماكس شاحبة أكثر من الأمس! إنه يغمض عينيه مستلقيا ويبدو بالكاد يحاول فتح عينيه!
يمكنني أن أرى بأنه متعب للغاية!
وجهه أشد إرهاقا!
اقتربت كلوديا بإستياء مبتسمة: صباح الخير ماكس.

جلستْ بجانبه على السرير واضعة يدها اليمنى على جبينه ثم كتفه فأجابها بصوت منهك مبحوح: صباح الخير.
ثم نظر نحوي فاستوعبت مقتربة وقلت بقلق: ص. صباح الخير، كيف حالك سيد ماكس؟!
أبي.
أضاف بصوته المتعب: اتفقنا ان تنادني بأبي.
ص. صحيح! اعذر ذاكرتي رجاءً.
أكملت وانا اقف بجانب السيدة كلوديا مقابله: ما الذي قاله لك الطبيب؟ لماذا تبدو متعبا اليوم؟
أجابني بصوته السابق: أعتقد بأنني سأبقى في المشفى لمدة أطول قليلا.

لا تقل هذا! أنا واثقة بأنك ستكون أفضل.
كيف هو كريس؟
أجابت كلوديا بدلا مني: يبدو انه عاد متأخرا بالأمس، ولكنه غادر اليوم في الصباح المبكر عند السابعة للعمل. لم أقابله حتى الآن.
أومأت مؤيدة: صحيح. ولكنه بحال جيدة، إنه بخير لا تشغل بالك.
ابتسم بإستياء ثم نظر للسقف بصمت فجلست على الكرسي، بينما قالت كلوديا مربتة على كتفه: ماكس لقد اتصل بي الطبيب بالأمس.

أردفت بإنزعاج مستاء: أخبرني بأنك تذنب في حق نفسك ولو واصلت التفكير كثيرا فستهلك نفسك لا محالة، هل حقا لا تهتم بصحتك وسلامتك إلى هذه الدرجة، ما الذي تنوي فعله!
ثم زفرت بحزن: توقف عن هذا، عليك أن تنال قسطا كافيا من النوم لترتاح!
يبدو أنه يفكر طوال الليل! أو ربما طوال الوقت.
كل هذا بسبب المتبلد كريس! ما الذي سيخسره لو زار والده لدقائق فقط؟ أو اتصل به على الأقل!

لم أعد أهتم بشيء. لم أعد أشعر برغبة في التعافي حتى. كيف لي أن لا أفكر بكريس وحفيدي الوحيد، لا أريد أن أرحل عن هذا العالم قبل أن أثق بأنهما مرتاحان وينعمان بحياة هادئة بعيدة عن أي مشكلة أو ضغوطات!
اتسعت عيناي بينما أكمل مغمضا عينيه: ربما سأرتاح حينها بالفعل.
فهمت ما يلمح له بكلماته فقلت بحزن: توقف عن هذا يا أبي! لقد كنت متشوقا للخروج في الأمس، ما الذي دهاك اليوم؟

لم أكن متشوقا يا ابنتي. كنت أنظر للأمور من ناحية أخرى فقط، ظننت بأنه مازال لدي أمل.
أردف بنبرة شاردة: ظننت بأنني سأسمع كريس ينادني بأبي ولو مرة واحدة فقط. واعانقه كما يعانق أي أب ابنه! ولكنني. ربما بدأت أحلم بأمور كثيرة من الصعب أن تتحقق! أو ربما بدأت أطلب المستحيل وأنا أعلم أنها أمور من الصعب تحقيقها!
ماكس أرجوك توقف عن هذا!

قالتها كلوديا ثم تمتمت: أنت تعلم بصغر عقل كريس وتعلم كيفية تفكيره، أبرهن لك ان جيمي ذو عقلية أكثر نضجا وعقلانية منه!
أكملت بضيق: و تعلم أيضا بأنك لست مخطئا! و بأن اللوم كله يقع على باتريشيا، لا يمكن لأي أم في العالم أن تنتحر أمام ابنها الوحيد بسبب.
ولكنه قاطعها بحزم متعب: كلوديا! اللوم لا يقع على أحد سواي.
لماذا تصر على هذا! لماذا تصر على ترديد هذه الكلمة بالرغم من أنك تعلم بحقيقة الأمر؟

هل قالت انتحرت أم أن مشكلة ما قد أصابت أذناي!؟
لقد. ذكرت ذلك حقاً!
ارتجف كتفاي بشكل تلقائي وانا انظر إليهما بدهشة!
انتحرت. أمام كريس؟ هل ما فهمته للتو صحيح أما أنني أبالغ في التفكير!
لقد تذكرت قولا مشابها لكريس عندما كنا في المنزل المطل على الشاطئ! هو لم يقل شيئا بهذا الخصوص ولم يذكر أنها انتحرت أمامه ولكن.

رفع يده ليضعها بجانب رأسي مقربا وجهه وقال بصوت يملؤه الحقد: انصتِ يا عزيزتي. لا يوجد تبرير تستحقين سماعه، لا يوجد سبب من أسبابي قد أخبرك به، لا يوجد هدف خاص بي قد أبوح لك به. لا يمكنني السيطرة على مشاعر الكره التي أكنها لك ولعائلتك! دعيني فقط أخبرك بأنني كنت كالأحمق تماما أنا أيضاً جاهلاً لهوية إيثان اللعين.

عقدت حاجباي دون فهم فأضاف بجفاء: إن كنتِ عاجزة عن كبح فضولك فلتسألي ستيفاني ومارك فلربما تجدين الإجابة.!
ما شأن والداي!

حتى لو كنت سأجيب عن هذا السؤال فلا علم لي من أي نقطة يجدر بي أن أبدأ. يكفي أنني لن أسامحهما على ما حلَ بها. لقد لفظت أنفاسها الأخيرة أمامي يا شارلوت وعليكم دفع ثمن هذا! لقد حُرمت من أمور كثيرة بسببكم. فما الذي تسألينني عنه تحديدا؟ عن فعلتهما التي أدت إلى إجباري على السهر كل يوم منصتا إلى صراخها ليلاً؟ على رؤيتها تأخذ إبراً وأدوية مهدئة؟

أكمل بسخط: لا فكرة لديك كم كنت أندس تحت فراشي منذ زمن لأتظاهر بالنوم وأخدع نفسي بأنني لا أسمع شيئا من صراخها. وصل الأمر للإختباء في الخزانة مرات عديدة بل وأنني ت.
ولكنه توقف عن الحديث مغمضاً عينيه ومطبقا شفتيه بقوة وكأنه يقاوم ألا يتحدث.
بينما كنت أقف بعين متسعة وفتحت فاهيي بعدم استيعاب وبقلق شديد!
عقلي عاجز عن استيعاب دفعة الإعترافات هذه!

ما الذي سمعته للتو! مازلت أواجه صعوبة في تجميع أفكاري! لم أفهم تماما ما يحاول قوله ولكنني التمست معاناة خفية للتو!
ارتجفت شفتاي ولكنني سرعان ما شهقت بريبة عندما ضرب الرف بجانب رأسي وقال يرفع ذقني بيده الأخرى هامسا بغيض: اللعنة عليك. ما كان على أن أتفوه بحرف واحد لك!
أ. أنا.

قاطعني بغضب: أنتِ شقيقة إيثان، وابنة ستيفاني ومارك. هذا ما تعنينه لي. لا يجدر بك أن تكوني في هذا العالم يا شارلوت! الكلام موجه لي أيضاً. لم يكن ينبغي ان نكون هنا على أية حال. على الأقل هذا أمر واحد نشترك به. إنه خطأهم ونحن من ندفع الثمن.
سرت قشعريرة في جسدي وأنا أعود للواقع على صوت السيد ماكس: هذا يكفي يا كلوديا. آخر ما أريده هو إزعاج شارلوت بأمور عائلية قديمة.
أسرعت أقول: ل. لست منزعجة!

أكملت متظاهرة بالحزم: ولكن تجنب الحديث عن أي أمور قد ترهقك يا أبي! دعك من هذه الأشياء القديمة وحاول التركيز على صحتك.
ابتسم بهدوء بينما أخذت كلوديا شهيقا وزفرته بقوة.
لقد قلت هذا بالرغم من دهشتي ورغبتي في استمرار هذا النقاش!
تساءلت كلوديا بهدوء: الست جائعا؟
ربما قليلا فقط.
أمالت برأسها وضغطت الزر الموجود لتأتي إحدى الممرضات فأخبرتها بأن تحضر له وجبة خفيفة.
بعدها كل ما تحدثنا عنه كان عن جيمي، ستيف وجوش!

لقد تجنبوا تماما أن يذكروا اسم كريس ولو صدفة، وهذا ما بدى واضحا لي فجاريتهم.
استأذنت كلوديا عندما تلقت مكالمة فخرجت وهي تتحدث باندماج بينما بقيت وحدي مع السيد ماكس فابتسمت بهدوء.
نظر إلى بتمعن قليلا فخطر في رأسي أن أسئله عن أمي ولكنني مازلت اخشى السؤال قليلا لأنه يبدو متعبا!
ماذا لو كان بالفعل يعرفها؟
وماذا لو كنت السبب في ارهاقه فجأة!
بما أنت شاردة؟

عدت للواقع عندما قال جملته باهتمام فتوترت متلعثمة: لا شيء!
يبدو أن هناك ما يشغل تفكيرك منذ البداية. أعتقد أن ما سمعتهِ للتو قد أدهشك. تجاهلي الأمر.
ثم أضاف مبتسما بتعب: إن كان هناك ما تريدين السؤال عنه بشأن موضوع مختلف يا ابنتي لا تترددي!
لا تقلق سي. أبي، إنها أمور بسيطة فقط!
من الواضح أنه لم يقتنع ولكنني لا أستطيع المخاطرة والتحدث بشأن أمي!

صحيح بأنني أريد معرفة الامور وبشدة ولكنني لست متبلدة المشاعر إلى هذه الدرجة!
وقفت متنهدة واتجهت نحو النافذة أنظر لحديقة المشفى بشرود.
أحدق بالمرضى اللذين إما يجلسون وحدهم على المقاعد، وإما يجلسون مع من أتى لزيارتهم من أصدقاء وأقارب ومعارف.
مفكرة في أنهم على الأقل أفضل حالا ممن لا يستطيعون الخروج من هذه الغرفة ولو قليلا!

مثل السيد ماكس الذي يستلقي وبدأ يفقد الأمل شيئا فشيئا بسبب تصرفات كريس المثيرة للغضب والإزعاج!
لا يهمني ما حدث بين كريس ووالده بقدر ما يهمني بأنه عليه ان يراعي وضع والده الصحي.
هل يصعب عليه الأمر لهذه الدرجة؟
هل الأمر حقا غاية في الصعوبة بالنسبة إليه! ما الذي يدور بينهما بحق الإله! لقد سألني بالأمس عن حال والده وبدى محرجا ومتوترا من السؤال، أراهن على أنه لن يسأل السؤال ذاته لعمته أو زوجها.

اشعر بأن لساني سيبادر من نفسه بسؤال السيد ماكس عن موضوع أمي ولكنني. مشتتة، أشعر بأن الإجابة جاهزة أمامي ولكنني سبق وقررت بأنني لا أستطيع المخاطرة بسؤاله كي لا أكون أنانية!
انه ينظر إلى بتمعن بين الحين والآخر، هل يقوم بالتشبيه على ملامحي؟
لابد وأنه يتذكر أمي.
أنا متأكدة مما أفكر.
لا يمكن أن يكون قد أخطأ في إسمي ولا يمكن أن يكون الأمر صدفة أو تشابه أسماء، بل مستحيل.

ولكنني لم أسمع بإسمه يوماً من أمي أو أبي!
ابقي بجانبه يا شارلوت.
انتفضت إثر تلك الجملة واستدرت أنظر إليه بعدم فهم متمتمة: هل تتحدث عن كريس؟
تغيرت نظراته حتى مالت للضيق وأمال برأسه: نعم.
أ. أبقى بجانبه؟
هذا المجنون. الأحمق العنيد لا يبدو كما ترينه!
ارتفع حاجباي باستنكار واهتمام إلا أنني قلت مبتسمة: أعتقد بأنني. بدأت أرى هذا بوضوح!
حقا؟
نعم!

أضفت وأنا أزفر: لأن جميع تصرفاته متناقضة جدا، وأسلوبه كذلك غير متزن، تارة يكون هادئا وتارة يكون ثرثارا، وتارة يكون حاد الطباع ويغضب بسرعة! ما زلت لا أدري ما هي شخصيته تحديداً وما هو سر تقلب مزاجة المفاجئ.

وجدت نفسي أكمل بشرود: لا يمكنني فهمه، هذه الحقيقة، وما زلت لا أعلم من هو كريس الحقيقي الذي قابلته! أي أسلوب هو جزء منه وأي طبع من كل هذه الطباع هو الحقيقي، حتى نظراته تتغير كما لو كانت من شخص مختلف تماما، هذا الأمر يثير حيرتني ويجعلني مشتتة كثيرا.

كان ينظر إلى ويستمع باهتمام واندماج ليقول: كريس ارتدى أقنعة كثيرة يا شارلوت محاولا إخفاء بعض النقاط التي يكره الحديث عنها. كما ترين. لقد وُلد بلا أشقة. ليس لديه أصدقاء مقربون وإنما تيا فقط، صداقتهم قديمة جداً. إنها متعلقة بكريس بشكل لا تتصورينه!
أضاف بجملة غامضة: لقد تخلت عن شخص مهم جدا بالنسبة إليها لأجل إبني الأحمق المتهور.
هاه! تخلت عن شخص بسبب كريس؟

ارتفع حاجباي بحيرة ولم أكد أفكر حتى بادر يسألني: هل تحبينه؟
تورد وجهي بسرعة فأسرعت أضع كفاي على وجنتاي متمتمة: لقد قمت بتعزية نفسي مئة مرة بشأن هذا الموضوع. لأكن صريحة معك أنا لا أدري ما الذي أوقعني في حبه! الست مجنونة سيد ماكس؟ أقصد يا أبي؟
ابتسم بشحوب، بدت ابتسامته هذه دافئة وكأنها تنم عن الإسترخاء والراحة مما جعلني اخفض يداي واقترب منه بإستغراب.
جلست على طرف السرير فقال: وقعتِ في حبه إذاً.

أردف بشيء من السخرية: لقد كنت أتراهن أنا وأولين محاولين تخيل الفتاة التي ستقع في حبه يوما ما، لم يخطر في بالي أنها ستكون فتاة قد بادر بنفسه للزواج منها. ما الذي يفعله كريس بحق الإله!
ضحك ضحكة خافتة فابتسمت انظر للسقف بشيء من الإحباط: كفاك يا أبي أنا أيضا لا أدري ما الذي حدث لي. أكره نفسي كثيرا كلما تذكرت أنني أحببته. هذا ظلم اقترفته في حق نفسي.

أعتقد بأنني لم أكن أبالغ في التفكير عندما ظننت بأنه أجبرك على الزواج، كل شيء بات واضحا لي الآن. أخشى أن أخبرك أنه ينتظر اكتشاف وقوعك في حبه.
حينها كنت سأسأله وسيزل لساني بشأن عائلتي ولكنني تمالكت أعصابي محاولة ألا اتهور.
اعلم بأنه على إخفاء مشاعري هذه عن كريس. ولكن. أنا حقا لا أدري كيف ينبغي لي ان اتصرف بعد ان ادركت حقيقة هذه المشاعر!

تمتمت انظر إليه بتشتت: أخبرني أرجوك لماذا وقعت في حبه! ما زلت عاجزة عن فهم هذه النقطة!
سؤالك يخبرني بوضوح أنك لم تري منه أي شيء إيجابي.
توترت قليلا واخفضت رأسي فأكمل: هل يشترط ان يكون هناك سببا للوقوع في الحب مع شخص ما؟
نظرت له بحيرة: سبب؟!

أومأ برأسه: نعم. لا يجب ان نعطي أسبابا ونعددها عندما نُسأل سؤالا كهذا يا عزيزتي. لا يجب أن نملك حججا أو دوافع لنحب أحداً! القلب يختار ونحن نتبعه دون شعور. أحيانا تميل قلوبنا إلى أشخاص نجد فيهم جانب ينقصنا، وأحيانا إلى أشخاص نُسحر بهم إما لكلمة أو ابتسامة أو حتى نظرة واحدة! ولكن. في بعض الأحيان نقع في الشباك لأنه مجرد قدر.
رددت بشرود وإندماج: قدر.!

ربما يكون قدرك. وسيهديك هذا القدر لاحقا أسبابا تستطيعين الإستعانة بها.
سيهديني أسباب. لأفهم سبب وقوعي في حبه!
هل سيأتي يوماً كهذا يا ترى؟!
علي الأقل سيجعلني واضحة أكثر مع نفسي لئلا أعذب ذاتي أكثر.
ابتسمت بهدوء واندمجت في أفكاري حتى همس: أعلم بأن لكريس سلبيات لا تعد ولا تحصى. ولكنني أخبرك يا شارلوت أنه مختلف تماما عما يظهره لنا من عداء وأنانية وخشونة قي تصرفاته. على سبيل المثال جيمي.
ما خطبه!

صدقيني يا شارلوت، لو كان شخص آخر في مكانه لما قبل بجيمي بسهولة، ولما رضي بالأمر الواقع! كريس في البداية عارض الأمر كثيرا، كان هذا قبل انجاب جيمي لم يكن سوى بمثابة قفل ليغلق على كريس باب من أبواب الحرية والراحة!

أردف معتدلا قليلا في استلقائه: كان ما يزال صغيرا حينها، في الحادية والعشرون فقط!، زواجه من كلارا كان كالجحيم بالنسبة له. لقد أجبر على الزواج منها بعد ان انتشرت الشائعات حوله في كل مكان، حملت كلارا بجيمي ونظرا لمكانة العائلة والإسم الذي يذكر في مجال الأعمال منذ زمن بعيد بات الأمر صعبا، لأكن أكثر وضوحا إنها إحدى صديقاته في الجامعة مسبقا، خاض معها علاقة عابثة.

تدخلت بإحراج وعدم استيعاب: ك. كان هذا قبل الزواج! أتقصد. بأن جيمي.
تلعثمت فاتنهد بيأس: صحيح. لم يكن إبنا شرعيا في البداية وهذا ما شكل ضغط كبير.

اتسعت عيناي بعدم تصديق فأعقب قوله بنبرة منزعجة: ذلك العنيد كان يعلم بأنها امرأة عابثة ومجرد أفعى ماكرة ولكنه تجاهل الأمر ليكسر ما أقوله ويعاند بأوامري ونصائحي فقط، أعتقد بأنه مستعد لفعل أي شيء في سبيل إغضابي وإيضاح أنه ليس الابن الذي سيتلقى مني أي نصيحة ولو كانت في محلها، حدث ما حدث وتزوج بكلارا. ولك أن تتخيلي ان امرأة بشخصية كلارا أصبحت أماً! عانى جيمي وهو رضيع من الإهمال وتدهورت صحته كثيراً، وفي الوقت آنه كان كريس مشتتا بين الدراسة في الجامعة والإعتناء بإبنه وبالقدوم للشركة أياما معدودة في الأسبوع لينال التدريب ويزيد من خبرته. ما حدث لاحقا أنني اكتشفت ألاعيب كثيرة قامت بها كلارا. قامت باستغلال أحد موظفي الشركة وربحت من وراءه الكثير من المبالغ الطائلة، لأكن أكثر وضوحا لقد حدثت خيانة داخلية في قسم المحاسبة في الشركة، يمكنك أن تقولي أنها قضية اختلاس كبيرة جداً. بات ضحيتها شاب قد توظف في الشركة وأخذ منصبا عاليا في قسم الحسابات حتى تمت ترقيته وجلس على كرسي الإدارة في المستوى الأفضل.

عقدت حاجباي مندمجة بشدة فاضاف محدقا إلى بتركيز: لقد استخدمت كلارا حيلة ما وأوقعت بذلك الشخص ليكون في الواجهة، ستسألينني ما علاقتها؟ لقد كانت على تواصل دائم ما أحد الموظفين في القسم ذاته.
و وقع مدير الحسابات في ورطة، صحيح؟!

تماما، لقد تورط بالفعل ووصل الأمر إلى قضية ومساءلة قانونية من الشرطة، ولكن. لبعض الظروف وعدم توفر الأدلة الكافية كان من الصعب إخراج مدير الحسابات من هذه الورطة، فقمت بدفع مبلغ كبير من المال لإخراجه منها، خرج بالفعل وبالنسبة لكلارا فاتخذت قرارا هاماً بعد تفكير بعدم توريطها بالأمر حتى لو كان لها يد فيه، أما ذلك الموظف الخائن فتم الزج به بالسجن ولكنه رفض رفضا تاما الإعتراف بأي شيء وفضل الصمت التام.

سيد ماكس. هل قلت للتو بأنك تحتفظ بتورط كلارا بالأمر سراً. ل. لماذا!؟ الا يعني هذا انك تخفي الأمر عن كريس؟
يوجد أسباب كثيرة تدفعني لهذا. إنه أشبه بسر لا داعي ليعلم كريس بشأنه لذا لنجعله موضوعا خاصا بيني وبينك يا عزيزتي، بصراحة لم يكن على التعمق في الحديث كثيراً ولكنني أجد نفسي أتحدث أمامك دون قدرة على السيطرة على مجريات الحديث. ولكن يمكنني إخبارك فقط بأنه كان من الضروري التستر عليها.

أردف يغمض عينيه: لن أسمح أن تسوء سمعة كريس بين باقي رجال الأعمال، يكفي أن جيمي لم يكن ابناً شرعيا منذ البداية والجميع يعلم بالأمر.

نظرت إليه مطأطأ الرأس بإستياء لا أجد تعليقا مناسباً، لحظات حتى ابتسم بهدوء: تلك المرأة لم تكن سهلة أبداً منذ البداية، لقد أخذت جيمي وهو لا يزال رضيعاً بعيداً عن كريس. ربما ستعجزين عن تخيل الأمر ولكن فعلتها تلك كانت بمثابة إعلان الحرب بينهما فلقد فقد أعصابه نهائيا وأقسم ان يخرجها ولو كانت تحت الأرض. استرد جيمي بل والكارثة أنها لم تمانع، كان بعمر السبعة أشهر فقط عندما قالت بأنها ليست مستعدة لتكون أما!

شهقت بريبة: يالها من امرأة لعينة!
انتبهت للفظي وتداركت معتذرة: آ. آسفة!

إنها كذلك. إنها كذلك بالفعل، جيمي كان لا يزال صغيرا جدا عندما تخلت عنه، واضطر كريس للاعتناء به وحده، لجأ لإيقاف دراسته الجامعية مؤقتا لشهرين تقريبا، كما استعان بمساعدة أولين التي لم تقم بالتقصير معه، لقد ربت جيمي كما ربت كريس من قبل، لهذا تحمل كريس المسؤولية وحده وهو مازال حتى الآن لا يستطيع التعامل مع جيمي بالشكل المطلوب! إما أن يدلله بإفراط أو يغضب بلا مبرر! لا بد وأنك لاحظت ندرة جلوسهما معاً.

أملت برأسي بإستياء وفهم: هذا. ظلم! كيف لها ان تكون بهذه القسوة، هل هذا يعني ان المال الذي أخذته من الإختلاس كان كافيا بالنسبة لها لتنسى كونها أماً؟ وماذا عن الموظف الذي تورط؟
لقد تكفلت بإخراجه من القضية وتداركت الأمر بسرعة قبل أن تسوء المشكلة ومن الجيد بأن المشكلة كانت بيني وبين الموظف وكريس ولم تنتشر الأقاويل والإشاعات وغيرها! كنت متحفظا على الموضوع جيدا وعملت جاهدا ألا يُرفع الستار لأحد.

أملت برأسي بأسى حتى قال بجدية حازمة: والآن يا شارلوت. ألن تسأليني من يكون هذا الموظف؟
قطبت حاجباي بحيرة متمتمة بعدم فهم: ل. لست مجبرا على أن تخبرني بالتفاصيل ولكنني سأسر إن أخبرتني بهويته.
نظر إلي، فتبادلنا النظرات حتى بدأت أشعر بالتوتر! ولكن هذا التوتر قد تبدد تماما عندما دخلت كلوديا التي قالت بعصبية وهي تقترب مغلقة الباب خلفها: سوف أفقد عقلي حتما!
علق ماكس بإستغراب ونبرة مبحوحة: ما الأمر؟

ستيف سيفقدني عقلي قريباً! لقد حذرته مئة مرة الا يخرج من المنزل دون رخصة القيادة!
أردفت تزفر بغضب: إنه في مركز الشرطة بانتظاري.
ارتفع حاجباي مرددة بدهشة: الشرطة!
نعم! سوف أريه ما أن أرى وجهه ذلك المتهور الطائش.
ابتسم ماكس وقال: عليك أن تسرعي إذا! تعلمين بأنه ذو لسان سليط وقد يقوم بالرد على الشرطة دون أن يأبه بالعواقب.

إنه إبني وأعلم أي نوع من الأحذية في رأسه، اسمح لي يا ماكس أرجوك ولكنني بالفعل لا أستطيع أن أطيل في البقاء أكثر على أن أذهب وألقنه درساً ولا أمانع المطالبة بحجزه ليتأدب قليلاً.
ضحكت بخفوت وكذلك فعل ماكس، نظرت إليه مبتسمة بلطف: حسنا أبي، صدقني لا أريد العودة وإنما البقاء والحديث معك ومعرفة أمور أكثر!
وأنا أيضا يا ابنتي، لا بأس.
أضاف محدقا بي بتمعن: في المرة القادمة سنكمل حديثنا!

أملت برأسي وقبلت جبينه: إلى اللقاء، اعتني بنفسك.
أمسك بيدي بكلتا يديه وتمتم: اعتني بنفسك، و بكريس وجيمي!
سأفعل.
خرجت من الغرفة وأنا عقلي في مكان آخر تماما، حتى أنني لم أسمع كل ما قالته كلوديا ولم أسمع تذمرها من سلوك ستيف الخاطئ.
كل تفكيري كان مرتكزا على ما قاله السيد ماكس للتو.
وكأن كلماته وتسارع الأحداث في جمله لم تمهلني فرصة لأعبر عن مشاعري أو لأتأثر حتى!
ولكن بالتفكير بالأمر.
الموضوع. بالفعل مؤسف!

كريس تزوجها دون إرادة منه، وكان أكثر اهتماما بطفله منها! ولم يأبه سوى بجيمي وحسب!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *