التخطي إلى المحتوى

رواية أنا لها شمس الجزء الأول للكاتبة روز أمين الفصل الحادي عشر

خرج عمرو من منزل غانم وقلبه متلهفًا يكاد الشوق والحنين إلى الماضي ان يفتكا بروحه، حيث تذكر زيارته الاولى له وإيثار إلى عائلة غانم بعد زواجهما ب أربعة أسابيع
«إنتبااااااااه»
«عودة إلى الماضي».

ولجت لمنزل أبيها بصحبة زوجها الذي حمل الكثير والكثير من الهدايا الخاصة لأهل المنزل والحلوى والفاكهة ليغمر بهم أهل زوجته تعبيرًا منه عن امتنانه، رحب الجميع بالزوجين السعيدين لتحتضن منيرة إبنتها قائلة بحبورٍ: -نورتي بيت أبوكِ يا إيثار.

تعجبت لتغيُر والدتها الجذري بمعاملتها وابتسامتها الصادقة وحُض. نها التي تتذوقهُ للمرة الأولى بحياتها، تخطت سعادة منيرة بزيجة إبنتها عنان السماء وذلك لما جنته من مالٍ وهدايا ثمينة ومصوغات ذهبية غمرها بها عمرو كتعبيرًا منه عن إمتنانه لمن كانت سببًا لوجود حبيبته التي ذاق على يدها العشق وغرق بشهد الغرام داخل أح. ضانها الحنون، كانت تلك هي المرة الاولى التي ترى إيثار بها معاملة عزيز ووالدتها لها ك إنسانة مستقلة ولها كيان، فقد رحب بها عزيز حتى أنهُ احتضنها وبرغم عدم شعورها بصدق غمرته إلا أنها كانت سعيدة للغاية.

كانت تجاور زوجها الجلوس فوق الأريكة لتتفاجيء ب منيرة تسحبها من كفها وهي تقول: -تعالي يا إيثار معايا جوة، عوزاكِ
ليجذبها ذاك العاشق قبل أن تترك جواره وهو يقول متلهفًا: -وخداها على فين يا خالتي.

اطلقت منيرة ضحكة سعيدة لتقول: -هو أنا هاكلها يا عمرو، هتكلم معاها جوة شوية على ما نسوان إخواتها يجهزوا الغدا.

-ماتتأخريش عليا، نطقها بعينين هائمتين لتهز رأسها بخجلٍ ممزوج بسعادتها التي تخطت عنان السماء بعشق ذاك الحنون الذي غمرها وقدم لها كل ما حُرمت منه وكأن الحياة أدخرت لها سعادتها لتوهبها إياها دفعةً واحدة على يد هذا الحنون، اصطحبتها إلى غرفتها الاولى واجلستها فوق الفراش وجاورتها لتقول باطراء بلمعة بعينيها: -طلعتي شاطرة يا إيثار وعرفتي تخلي جوزك يحبك وميقدرش يبعد عنك.

نكست رأسها بخجل لتستطرد الاولى حديثها: -أنا عوزاكِ كده على طول، تدي له كل اللي يسعده وإوعي في يوم يطلب منك حاجة وترفضيها وخصوصاً الموضوع إياه
تحمحمت ليخرج صوتها مبحوح من جراء خجلها: -حاضر يا ماما
هتفت الأخرى باستفهام: -قولي لي ستهم عاملة إيه معاكِ، بتعاملك حلو؟
مطت شفتيها للامام لترد بلامبالاة: -هي ست شديدة وكلامها صعب، لكن عمرو معايا دايمًا ومبيخليش اي حد يقولي كلمة تضايقني.

لتستطرد متلهفة بعينين ظهر بهما الإنبهار: -تصوري يا ماما، خلاها تغير قوانين البيت علشاني
ضيقت ببن حاجبيها لتتسائل بعدم استيعاب: -قوانين؟!

لتهتف الاخرى بإبانة: -بصي، هي كانت بتاكل هي وعمي نصر و أولادها على السفرة برة، وياسمين ومروة كانوا بياكلوا لوحدهم في المطبخ، بس عمرو قال لها إنه ميقدرش ياكل وأنا بعيدة عنه، وطلب منها تخلينا ناكل كلنا مع بعض، بس هي طبعاً رفضت، ف عمرو قال لها إنه هياكل معايا فوق، وهي طبعاً اتضايقت وقعدت تزعق، بس في الاخر وافقت وبقينا كلنا بناكل مع بعض.

واستطردت بعينين تقطر عشقًا: -عمرو حنين وبيحبني قوي يا ماما.

ردت باستحسان: -شاطرة يا إيثار، شاطرة
واستطردت وهي تنظر ليدها محدقة بالثلاث أساور الذهبية اللواتي أهداهم لها عمرو بثاني أيام زواجه كتعبيرًا منه عن فرحته بعروسه الجميلة: -والله وبقيتي سبب سعدي يا إيثار، لبست الدهب والحرير على إيدين جوزك
ابتسمت بسعادة وهي تربت على يديها بحنو: -تتهني بيهم يا ماما.

خرجت لتجد تلك المتطفلة قد حضرت لتقبل عليها وتحتضنها برياءٍ وهي تقول بنبرة لائمة: -كده يا إيثار، بقى تيجي من غير ما تعرفيني علشان أجي أقعد معاكِ وأشبع منك.

تطلعت عليها باستغراب، فقد كانت ترتدي ثوبًا مجسمًا على ج. سدها وحذاءًا بكعبٍ مرتفع ناهيك عن وجهها الملطخ بجميع أنواع والوان الزينة من يراها يتيقن بأنها ذاهبة لحضور حفل زفاف، أما منيرة فرمقتها بنظرة حادة ترجع لعدم راحتها لشخصها مؤخرًا، وبالاخص فترة خطبة عمرو وابنتها، فقد كانت تتعمد زيارتهم كل خميس أثناء زيارة عمرو لمنزلهم وتحاول جاهدة جذب انظاره بالتطفل بالحديث معه والضحكات الخليعة والملابس الضيقة والمث. يرة لأي رجل، لكن ما كان يجعل منيرة هادئة هو عشق عمرو الظاهر لإبنتها وهذا جعله لا يرى في الوجود سواها، فكانت عينيه لا تفارقها طيلة الزيارة حتى الرحيل، وهذا ما طمأن قلبها وقد حذرت صغيرتها منها وبالفعل إيثار بدأت بأخذ الحيطة والبعد عنها قدر الإستطاع.

لوت منيرة فاهها لتسألها بطريقة توحي بعدم تقبلها وبأنها شخص غير مرغوب بوجوده: -وإنتِ عرفتي منين إنها جاية النهاردة؟

أشارت إلى ياسمين التي كانت تجاورها الوقوف حيث خرجت لاستقبالها بعدما استمعت لصوتها المُنادي: -كلمت نسرين إمبارح وسألتها وهي قالت لي
ابتلعت نسرين ريقها بصعوبة بعد نظرات منيرة النارية التي رمقتها بها لتهتف الاخرى مسترسلة ب سماجة: -هدخل أسلم على عمرو واجي أجهز معاكم الغدا.

بالكاد نطقت كلماتها لتهرول للداخل تحت اتساع أعين إيثار ومنيرة التي لكزت نجلتها بذراعها قائلة: -إدخلي لجوزك ومتسبيهوش لوحده مع العقربة دي.

أما بالداخل، ولجت سريعًا تهرول إليه قائلة وهي تتلمس كف يده بنعومة لإيث. ارته: -إزيك يا عمرو
رمقها بغرابة ليسحب كفه من خاصتها سريعًا وكأن حية تلفحت بيده، أجابها ببرود وهو ينظر إلى غانم وعزيز ووجدي: -الله يسلمك.

وتابع استكمال حديثه لتجلس بجواره دون حياء، اقتربت إيثار ليقوم سريعًا لاستقبالها وهو يتطلع عليها كمن اهتدى لضالته مما أسعد قلب إيثار وأشعل قلب الاخرى، جلست إيثار بالمنتصف لتضع حدًا لتلك الثقيلة لتنسحب بعد قليل للخارج بعدما تجاهلها الجميع حيث اقترب عمرو من إيثار وبات يهمس لها بحديثٍ جانبي يعبر لها من خلاله عن كم اشتياقه لها.

تناولا الزوجان غدائهما بصحبة عائلة غانم ليعود بزوجته من جديد إلى مسكن الزوجية الذي يشهد على أسعد أيام كلاهما معًا، صعد معًا بعدما رمقتها إجلال بسخطٍ تغاضت عنه لاجل عمرو الذي ما أن ولج لمسكنهما حتى حملها واتجه بها سريعًا لفراشهما كي يُشبع قلبهُ ويمنيه بقرب الحبيب، وبعد قليل كانت تقطن بأحضانه الحانية يحتويها بذراعيه وهو يقول بنبرة حنون: -لو أقول لك وحشتيني قد إيه الشوية اللي قعدناهم في بيت عمي غانم مش هتصدقيني.

تبسمت ليزداد جمالها وهي تقول: -هو إحنا لحقنا نبعد يا عمرو، وبعدين هو أنتَ سبتني، ده أنتَ كنت لازق فيا طول الوقت.

-لا وإنتِ الصادقة، صحبتك السخيفة هي اللي كانت لازقة فينا طول الوقت، قالها باعتراض ليسترسل مشمئزًا: -يا ساتر يا إيثار، أنا مش عارف إنتِ إزاي مصاحبة واحدة زي اللي إسمها سُمية دي، فرق كبير قوي بينكم.

أخذت نفسًا عميقًا لتجيبهُ بهدوء: -مكنتش كده الأول، دي اتحولت وتصرفاتها بقت غريبة.

-سيبك من سيرتها اللي تسد النفس وخلينا نكمل، هو أحنا كنا بنقول إيه؟
نطقها بدعابة لتبتسم وتقول بجرأة جديدة عليها: -كنا بنقول إنك حبيبي، وإن ربنا بيحبني علشان كده رزقني بيك
حدقت عينيه ليهتف متلهفًا: -إنتِ قولتي إيه؟، حبيبك، أنا حبيبك يا إيثار؟!

تبسمت لتنطق وهي تداعب وجنته بأناملها الرقيقة: -إنتَ حبيبي وجوزي وصاحبي وكل ما ليا يا عمرو
كان يستمع لحديثها وشعورًا هائلاً من السعادة يجتاحه ليميل عليها لاثمًا ش. فتيها بإثارة وهو يقول: -ربنا يقدرني واخليكي أسعد واحدة في الدنيا كلها.

-إنتَ فعلاً خلتني أسعد واحدة في الدنيا يا عمرو، نطقتها بنبرة حنون ليجذبها إليه ويغوصا معًا من جديد داخل عالمهما.

بعد عدة أسابيع أخرى، تناولا طعام الغداء مع العائلة واصطحبها ليصعدا بعُش الزوجية ليهنيء بالقرب مِن مَن امتلكت القلب والوجدان، هيأت له الاجواء وجلست فوق الاريكة وأشعلت شاشة التلفاز بعدما أحضرت بعضًا من الفاكهة والمسليات وبدأ بمشاهدة أحد الافلام الرومانسية الاجنبية، وضعت رأسه فوق ساقيها وباتت تداعب خصلاته بأناملها الرقيقة مما جعله ينتقل لعالم ساحر من المشاعر المختلطة، أمسك بكف يدها وقبله لتسحبه من جديد ممسكة به قطعة من ثمار الكمثرى لتضعها بفمه ويقتضمها هو بسعادة، انتفض على أثر خبطات مرتفعة فوق الباب لتخرجهما من حالة الوله ليهب منتفضًا من مكانة يتحرك صوب الباب متوعدًا للطارق، فتح الباب وهم بفتح فمه ليبتلع حديثه حينما وجد والدته ليسألها باستغراب: -خير يا ماما، فيه حاجة؟

-فيه حاجات مش حاجة واحدة يا نن عين ماما، قالت كلماتها وهي تجنب ج. سده بذراعها لتلج مهرولة للداخل دون استئذان، ابتسامة ساخرة ارتسمت على جانب فمها وهي ترى تلك الجميلة الجالسة بثوب نومها الرقيق حيث كانت ترتدي قميصًا ناعمًا من الساتان باللون الازرق ليضفي على بياض ج. سدها ويزيدها سحرًا، خجلت لتنكمش على حالها تخبيء فتحة صدرها بيديها تارة وتارة ساقيها العاريتين ليشعر عمرو بارتباكها ويُسرع مُلقيًا عليها عبائته الموضوعه جانبًا لتتنفس هي بعد شعورها ببعض الراحة، أما إجلال فهتفت ساخرة: -وأنا أقول الباشا سايب أبوه وإخواته يراعوا المصالح لوحدهم ولازق فوق ليه، أتاري بنت منيرة لابسة له المحزق والملزق والمفتوح علشان تربطة جنبها، اللي موصيكي واعي يا حبيبتي.

خجلت من تلميحاتها ليهتف عمرو بحدة بعدما شعر بإهانة زوجته: -لازمته إيه الكلام ده يا ستهم.

-لازمته إن أبوك متصل بيا وخارب الدنيا علشان واقف لوحده مع التاجر اللي جاي يشتري محصول جنينة المانجة، وبيتصل بيك بقا له ساعة، بس البيه مش فاضي، وراه حاجات أهم، نطقتها وهي ترمقها باشمئزاز ليهتف عمرو مبررًا: -وأنا هروح اعمله إيه وهو بيتفق مع الراجل، وبعدين أنا مراتي كلها كام يوم وترجع لكليتها وهضطر أقوم كل يوم بدري اوديها وأجيبها يعني هتسحل أنا وهي، ومن حقي أخد الكام يوم دول راحة أتدلع فيهم أنا ومراتي.

رمقتها بنظرة حقودة قبل أن تقول بما يشفي غليل قلبها: -من الناحية دي إطمن يا حبيبي، إنتَ لا هتروح ولا هتيجي.

ضيق بين عينيه لتسترسل وهي تنظر لإيثار بشماتة: -أنا شايفة إن كفاية علام لحد كده على الست إيثار.

ارتجفت أوصالها ليخرج صوتها أخيرًا: -يعني إيه الجملة دي مش فاهمة؟

-إيه اللي مش مفهوم في كلامي يا عنيا، بقولك أنا قررت إنك خلاص مش هتكملي علام، نطقتها بنبرة ساخطة لتهتف الاخرى بارتياب: -مستحيل طبعاً، أنا متفقة مع عمرو قبل الجواز إني هكمل السنة اللي فاضلة لي.

-إتفاقك مع عمرو ده يا حبيبتي تبليه وتشربي ميته، قالتها بسخرية لترفع قامتها لأعلى بتفاخر وصوتِ حاد هز أركان المكان: -أنا هنا الكل فالكل، الكلمة كلمتي والشورة شورتي.

نطقتها بجبروت لتسترسل قبل أن تنسحب للخارج: -قومي غيري المسخرة اللي إنتِ لابساها دي وحصليني على المطبخ علشان تجهزي العشا للرجالة
لتستطرد متهكمة: -أصل الخدامة اللي أبوكِ باعتها وراكي واخدة أجازة النهاردة.

ابتلعت إهانتها بغصة مريرة ولم تستطيع الرد لتحذيرات والدتها الشديدة بعدم الرد وبالاخص على تلك المتجبرة، نظرت ل زوجها الواقف مكتف الأيدي لتهرول عليه قائلة بنبرة مترجية: -عمرو أنتَ ساكت ليه، إنتَ هتسيب مامتك تتحكم في مستقبلي وتنفذ كلامها؟

أخذها بأح. ضانه ليهديء من روعها وهو يقول: -إهدي يا حبيبتي ومتقلقيش، انا هكلمها بس مش الوقت علشان ماتعندش، لما تهدى.

-وعد يا عمرو، نطقتها بعينين متوسلتين ليهز لها رأسهُ بتأكيد، وبالفعل توسط لها عند والدته لتوافق بعد جدالٍ عنيف بينها وبين نجلها المدلل وكالعادة فاز هو بالجولة لكنها اشترطت ان تذهب إيثار إلى كليتها مرتين فقط بالإسبوع، مرت الايام وحملت إيثار بجنينها الاول والذي سعد به الجميع وكانت الفرحة لا تسع قلبي إجلال ونصر عندما علما بأنه ذكرًا، مرت الشهور سريعًا وأنجبت إيثار يوسف ومر عامًا اخر سريعًا ما بين شد وجذب وتهكم إجلال وحقدها الظاهر على من ملكت لُب مدلل قلبها.

وبغروب يومٍ ما، كانت تقبع بمسكنها الخاص، حملت صغيرها الذي أكمل عامًا ونزلت به الدرج لتجد مروة جالسة بمفردها ببهو المنزل، اقترحت عليها مروة بأن يخرجا ليشتما بعض الهواء أمام البوابة الحديدية وبالفعل خرجت بجوارها وأثناء وقوفهم أقبل عليهم أحمد إبن عم زوجها، ألقى عليهم السلام وحمل الصغير وبدأ بمداعبته وطلب من مروة كأسًا من الماء لشدة عطشه، أتي عمرو بتلك اللحظة ليجد أحمد حاملاً صغيره يداعبه ويتحدث إلى إيثار المبتسمة، اشتعلت النار وسرت بأوردته وذلك لشدة ما شعر به من غيرة وشك اقتحم قلبه، تحدث إلى زوجته بنبرة جادة متجاهلاً إبن عمه: -إيه اللي موقفك برة؟

-خرجت أشم هوا أنا ومروة، هكذا أجابته بملامح وجه متعجبة حدته ليهتف أحمد بمداعبة: -يا اخي طب قول السلام عليكم الاول.

بسط يده يتناول صغيره الذي ما أن رأه حتى ابتسم وارتمى عليه، تحدث لابن عمه وهو يشير لها بالدخول: -معلش تعبان شوية.

إعتذر أحمد وذهب بعدما شعر بعدم رغبة عمرو بوجوده ودخلت هي بجواره ليتقابلا بمروة التي تحدثت إليها وهي تشير بكوب الماء: -هو أحمد مشي من غير ما يشرب؟

وقفت ليرتجف ج. سدها حينما صرخ بها قائلاً: -تعالي ورايا.

تعجبت مروة تجهم ملامح عمرو وحدة لهجته مع إيثار وهذا ما لم يحدث من قبل، صعد الدرج وهي خلفه لتسألهُ متعجبة: -مالك يا عمرو، إنتَ إتخانقت مع عمي نصر؟

لم يعير لكلماتها أدنى إهتمام واكمل صعوده وهو يحمل الصغير، وقف أمام باب الشقة ليفتحه وما أن دلفت وقبل أن يُغلق الباب كان صافعًا إياها بقوة جعلت الذهول سيد موقفها، بنفس توقيت سقوط اللطمة على وجنة إيثار كانت إجلال تخرج من الشقة المقابلة حيث تحتفظ داخلها بأشياء ثمينة وكانت تتفقدها، سعد قلبها لهذا المشهد الذي أثلج ص. درها ليغلق عمرو الباب دون أن يرى والدته ليكمل بصوتٍ يحترق من شدة غيرته عليها: -أول واخر مرة أشوفك واقفة مع اللي إسمه أحمد أو أي حد غيره.

ليسترسل بنبرة صارخة: -وإياك أساسًا أشوفك واقفة قدام الباب تاني.

كان يتحدث ويصرخ وهي ساكنة لم تنبس ببنت شفة تنظر للأمام وكأنها أصبحت خارج نطاق الزمن، شعر بالندم الوقتي لكنه أبى الإعتذار، تعالت صرخات الصغير ليلقيه بأحض. انها ويخرج تاركًا المنزل بأكمله تحت صدمة وذهول إيثار التي وعت على صرخات صغيرها، لتبدأ بهدهدته وهنا إنهمرت دموعها بغزارة وكأنها استفاقت ووعت لتستوعب ما حدث للتو من حبيبها، بعد حوالي ثلاثة ساعات، لم تتوقف بهم دموعها ولا صرخات الصغير وكأنهُ يشعر بألم غاليته النفسي، انتبهت لطرقات فوق الباب فجففت دموعها سريعًا واتجهت للباب تفتحه تحت صرخات الصغير التي زادت، وجدت إجلال بوجهها وبدون حديث جذبت الصغير من بين أحض. انها لتهدأته، ثم نظرت لها لتقول بذات مغزى: -أنا هاخد الولد يبات معايا النهاردة، وإنتِ حاولي تراضي جوزك لما يرجع.

-عمرو لو بات زعلان النهاردة أنا اللي هزعلك، نطقتها بتهديد مباشر واستدارت لتهبط الدرج بالصغير، تاركة خلفها تلك التي شعرت بأنها ذليلة ومازاد من شعورها بالمرارة هو إنقلاب زوجها عليها وإهانته القاسية ليتحول لجلادها بعدما كان لها الامان، انسحبت لغرفة صغيرها واوصدت بابها بعدما عقدت النية على الابتعاد عنه كي يشعر بفظاظة ما اقترفه بحقها، دقت الساعة الواحدة ليعود هو بج. سدٍ مترنح نتيجة ما تناوله من مشروب كح. ولي ونوعًا من الحبوب المخ. درة مع أصحاب السوء الذي كان يرافقهم قبل زواجه من إيثار والذي تغير كليًا على يدها لكنه عاد اليوم ليرتمي بين أحض. انهم بعد أول خلاف مع زوجته، ولج للغرفة يبحث عنها ليجن جنونه بعدما تأكد من عدم وجودها، هرول كالمجنون يبحث عنها داخل الحمام والمطبخ وبالاخير وصل لغرفة صغيره ولف مقبضها ليتنفس الصعداء عندما وجده موصود ليتيقن أنها بداخله.

-إفتحي الباب يا إيثار، قالها بثمالة لتغمض عينيها ودموعها تنهمر فوق خديها بغزارة ليصيح بصوتٍ عالي بعدما وجد منها الصمت: -قولت لك إفتحي الباب بدل ما اكسره.

نطقت بدموعها الحزينة: -إمشي يا عمرو، روح نام في أوضتك وسيبني في حالي
لم يتمالك حاله عندما استمع لصوت شهقاتها المتألمة ليهمس بصوتٍ نادم: -إفتحي يا حبيبتي وأنا هنسيكي كل اللي حصل، علشان خاطري إفتحي، والله يا إيثار ماهمد إيدي عليكِ تاني.

-إمشي بقى، قولت لك إمشي، نطقتها بصياحٍ ودموع ليصرخ بقوة بعدما جُن لابتعادها عن أح. ضانه: -إفتحي الباب بقولك
بات يركل الباب بقدمه ويصرخ ليستيقظ جميع من بالمنزل على صرخاته الجنونية وهو يقول بحدة: -إفتحي يا إيثار، مش هعرف أنام وأنا بعيد عن حُض. نك، إسمعي الكلام وافتحي.

نطق الأخيرة بصراخ ليتصنم مكانهُ حينما استمع لصوت نصر الذي جلجل بالمكان ليهتز على أثره أركان المنزل بأكمله وهو يقول: -وطي صوتك يا بقف وداري على خيبتك التقيلة، وبدل ما أنتَ واقف تصرخ زي النسوان إكسر عليها الباب وربيها من جديد
واستطرد نادبًا: -يا خيبتك في ابنك يا نصر، على أخر الزمن إبن نصر البنهاوي واقف يعيط ومذلول على إيد بنت غانم.

وصل حديث نصر المهين لمسامعها ليجعلها تدخل بنوبة من الإنهيار أكثر بعدما شعرت بالإهانة لشخصها والتقليل من شخص أبيها، انتفضت من جلوسها لترتدي عبائة منزليه وتلف حجابها سريعًا لتفتح الباب وتهرول صوب باب الشقة الخارجي متجنبة ذاك المترنح، وقفت بأعلى الدرج لتهتف بدموعها بصوتٍ لائم: -بدل ما حضرتك تتكلم عني وتهيني أنا وابويا بالطريقة دي، كنت تسألني الاول أنا قافلة ليه الباب على نفسي.

رمقها بغضبٍ عارم لتتجاهلهُ مسترسلة بدموعها الحارة بعدما لمست وجنتها بتأثر: -إبنك ضربني بالقلم من غير ما أعمل له أي حاجة.

ابتسم ساخرًا ليصيح بجبروت: -ويضربك بالجزمة كمان
اتسعت عينيها بذهول لتكمل إجلال على حديثه بكبرياءٍ وإهانة: -فوقي لنفسك يا حبيبتي وأعرفي قدرك في البيت ده، أنا مجوزاكِ ليه علشان م. زاجه، م. زاجه وبس، يعني يضربك بالجزمة تناوليها له تاني وتوطي على إيده تبوسيها.

واستطردت وهي تشملها بنظرات إحتقارية: -وتحمدي ربنا إن إبن الحاج نصر وستهم، إتنازل واتجوز بنت عمي غانم الجوهري.

نزلت عليها كلماتهم لتنهي على ما تبقى من كرامتها لتشعر كم هي ذليلة بلا سند أو عون.

صعد طلعت من الطابق الثاني للثالث التي تقطنه وتحدث بهدوء بعدما رأى إنهيارها من حديث والديه المهين لها والذي حدث على مرأى ومسمع أهل المنزل بأكمله: -إدخلي شقتك واستهدي بالله.

بعينين زائغتين نظرت له ليشير لها بكفه للداخل، تحركت بجانبه لتتفاجأ بزوجها مستلقيًا على الأرض بعدما خارت قواه واستسلم للنوم من تأثير المشروب والحبوب التي تناولها بصحبة رفقاء السوء، هرول طلعت على شقيقه ليساعده على النهوض لينضم إليه حسين وحملاه ليضعاه بفراشه ليهتف حسين بسخطٍ وهو ينظر على شقيقه: -بدل ما يشوفوا خيبة إبنهم قاعدين يهينوا في بنات الناس ويذلوا فيهم، ويعايروهم بالأملة اللي بقوا فيها لما نالوا شرف جوازهم من ولاد الحاج نصر.

زفر طلعت ليقول لشقيقه: -ابوك صح، كل واحدة في البيت ده لازم تعرف تمامها علشان ماتسوقش العوج علينا بعد كده.

خرجا من الحجرة ليرا تلك ال إيثار مازالت على حالها وكأنها تعرضت لصدمة قويّة جعلتها تدخل بحالة من اللاوعي، كانت تتطلع أمامها في نقطة اللا شيء ليحزن حُسين لأجلها وهو يقول مشفقًا على حالها: -إدخلي إغسلي وشك ونامي والصباح رباح.

هزت رأسها دون حديث لينسحبا للطابق الاسفل تاركين تلك المتألمة بدوامة أحزانها.

«عودة للحاضر»
بداخل مطبخها الانيق، تقف هي وعزة تعملان على قدمٍ وساق تتسابقا مع الزمن لتجهيز كل ما لذ وطاب قبل حضور والدها الحبيب ونجلها الغالي، هتفت ل عزة قائلة بتسرع: -شوفي صنية المكرونة ل وشها يتحرق يا عزة
أسرعت لتفتح فرن الموقد وتخرجها قائلة بسعادة: -الله أكبر، الصنية زي الفل وشكلها يفتح النفس.

-طب كويس الحمدلله، كملي بقى تقطيع السلطة وحطيها في الثلاجة، قطع حديثها رنين الهاتف الذي صدح بالمكان لتسرع لالتقاطه من فوق رخامة المطبخ وتنظر بشاشته لتقطب جبينها وهي ترى عدم ظهور الرقم، زفرت بضيق عندما تيقنت بشخص المتصل، إنه ذاك المغرور غريب الاطوار لا غير، تحدثت لنفسها بصوتٍ هامس: -مش وقتك خالص إنتَ كمان
أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تجيب بصوتٍ صارم ردًا على معاملته السخيفة لها اليوم: -ألو.

كان يقف بشرفة غرفته يحتسي كوبًا من القهوة الساخنة وما أن أتاهُ صوتها الحاد حتى تبسم ليجيبها بصوتٍ مرن: -إزيك يا أستاذة
أشتعل داخلها من بروده لترد سريعًا بعدما عقدت النية على رد الإهانة له بطريقتها حتى تشفي غليلها منه: -مين معايا؟

رفع حاجبهُ باستنكار ثم أخرج لسانهُ ليمرره فوق شفته العلوى بتسلي بعدما فهم بفطانته أن تلك الشرسة تريد اللعب معه، فمرحا بك أيتها المشاكسة داخل عالمي المليء بالمغامرات، فدعينا نلهو ونمرح ونتسلى سويًا، استعاد توازنهُ لينطق بنبرة حنون أربكتها: -معقولة لحقتي تنسي صوتي؟
ليسترد بتسلي: -ده انا حتى نبرة صوتي مميزة.

-ده على أساس إننا كل يوم بنتكلم بالساعات، مكنوش مرتين اللي إتكلمنا فيهم، نطقتها بعفوية لتلعن حالها وغبائها الناتج عن تشتتها وعدم تركيزها لتعلو قهقهاته التي أربكتها وجعلت من قلبها يدق بوتيرة عالية، فقد كانت ضحكاتهُ مثيرة للغاية، لحضوره هيبه وهالة تجعل كل من يراه يُأثر برجولته الطاغية، تكاد تجزم بأن لولا تجربتها المريرة التي جعلتها تعكف عن صنف الرجال بأكمله وتقرر العزوف عنهم والنأي بحالها من براثنهم لكانت وقعت صريعة غرامه بالوهلة الاولى التي رأتهُ بها، لكن ولسوء حظها فقد دخل حياتها بالتوقيت الخطأ، وعت على حالها عند إستماعها لصوته الرجولي وهو يقول بطريقة جعلتها تشعر بالحرج: -طب ما أنتِ عارفاني اهو، لازمتها إيه بقى دخلة الوش الخشب دي.

واستطرد بدعابة جعلتها تضغط بأسنانها فوق شفتها السُفلى: -ولا الاستاذة بترد لي اللي حصل مني النهاردة؟

واسترسل سريعًا قبل أن تسوء فهم حديثه: -واللي كان غصب عني على فكرة
أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بأسف ولأول مرة بحياته ليكسر معها أولى ثوابته: -لو قولت لك أنا أسف هتقبلي؟
إنتفاضة وقشعريرة سرت بجميع ج. سدها لا تعلم مصدرها، بالتأكيد حدثت نتيجة صوته الناعم الذي اسرها، نظرت من حولها لترى عزة منشغلة بالعمل فخرجت منسحبة للخارج لتصل لغرفتها وهي تتلفت من حولها بارتياب: -محصلش حاجة علشان تتأسف.

واستطردت بعدما انتوت مشاكسته: -وبعدين أنا متعودة منك على كدة
كرر ضحكاته من جديد لتغمض على اثرها عينيها وتستمع لصوته المنتعش وهو يقول: -تقصدي إن قلة ذوقي مش جديدة عليكِ؟!
حمحمت لتجيبه بصوتٍ ناعم أثار داخله لينتفض قلبه بهزاتٍ عنيفة تعجب لها: -العفو يا سيادة المستشار، حضرتك شخص ذوق ومحترم.

-حضرتك وسيادة المستشار في جملة واحدة، نطقها بملاطفة لتبتسم بهيام لتنتفض سريعًا بعدما استمعت لصوت عزة التي ولجت إليها قائلة بتعجب: -بتكلمي مين كل ده
حمحمت ليخرج صوتها مرتبكًا وهي تقول بارتياب: -مكالمة خاصة بالشغل.

طب يلا إنجزي علشان تلحقي تاخدي شاور وتغيري هدومك قبل ما أبوكِ ييجي، اتسعت عينيها بذهول وباتت تشير بكفها بأن تصمت لتخرج الاخرى وهي تبرطم بكلماتٍ معترضة: -إنتِ حرة، كله هييجي على دماغك في الاخر
أصيب بنوبة من الضحك الهيستيري مما استمعه من تلك المصيبة المتحركة على الارض ليصل لمسامعه صوت تلك التي شعرت بالخجل يعتريها وهي تقول: -أنا أسفة.

هي دي مامتك؟، نطقها بعفوية لتتنهد بألم حين تذكرت حالتها المريرة لتجيبهُ باقتضاب وضيق شعر هو به: -لا، دي عزة اللي بتساعدني في تربية يوسف.

تعجب لتغيير نبرة صوتها لكنه لم يرد أن يُقخم حاله بحياتها الخاصة أكثر فتحدث بعملية بعدما استمع لحديث المرأة وتيقن تعجلها: -طيب علشان مضيعش وقتك لأن واضح إنك مشغولة، أنا بكلمك علشان أبلغك إني حابب إنك تكوني حاضرة معانا بكرة المقابلة بين أيمن الاباصيري وصلاح عبدالعزيز
قطبت بين عينيها لتسألهُ باستغراب: -وأنا هحضر بصفتي إيه؟

بصفتك إني عاوز ده يحصل، نطقها ببعضًا من الغرور لتجيبهُ متهكمة: -لاااا والله، تصدق أقنعتني
اطلق ضحكة عالية لتتنهد من جديد بعد أن وضعت كف يدها فوق ص. درها وكأنها تهدأ قلبها وتطالبهُ بالتعقل وعدم الإنصياع لتلك الدقات الغبية، لينطق هو بغرورٍ مصطنع: -ده العادي بتاعي على فكرة، شرسبيل بقى.
لمست به حس الفكاهة وتعجبت التغيير الشامل بمعاملتها ليقول هو بجدية بعدما شعر بتلبكها: -نتكلم جد شوية.

-ياريت، نطقتها بهدوء ليكمل هو: -انا بجد محتاجك معايا
نطقها بنبرة ناعمة لتنزل الكلمة على قلبها زلزلته، ليكمل هو بجدية: -انا محتاج لحد عاقل زيك علشان يساعدني في مهمتي، وأهو بالمرة تاخدي ثواب
ابتسمت لتجيبه بصوتٍ متأثر: -تمام، أنا معاك
نطق بصوتٍ هاديء: -إتفقنا، مش هأخرك أكثر من كده
ليسترسل بوقاحة جديدة عليه: -علشان تلحقي تاخدي الشاور بتاعك، نعيمًا مقدمًا
واستطرد بملاطفة: -مش بردوا بيقولوا كده بعد الشاور؟

شعرت وكأن أحدهم قد سكب فوق رأسها دلوٍ من الماء البارد لتهتف بنبرة جادة لتعديه حدود اللباقة والخصوصية: -بعد إذن حضرتك، مضطرة أقفل.
-تمام، مع السلامة، نطقها بهدوء لتغلق وهي تهتف بغضبٍ بصوتٍ مسموع: -واحد قليل الأدب
لتهتف بصوتٍ غاضب وهي تتجه نحو عزة للفتك بها: -إنتِ يا عزة هانم، يومك مش فايت النهاردة.

أما عند فؤاد، الذي ألقى بهاتفه جانبًا ليمسك بكفيه سور الشرفة وبدأ يتنفس بارتياح وهو ينظر للزهور المتواجدة بحديقة القصر قبل أن يقول لحاله بصوتٍ مسموع: -إنتِ هتتشاقى على كَبر وتخيب ولا إيه يا فؤاد
واسترسل بغرور يليقُ به: -رفقًا بقلوب العذارى يا ابن الزين، البت غلبانة ومش قد سحرك.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *