رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الحادي والثلاثون
هي لحظات، لحظات تجبرنا على دخول سباق.
وليس كأي سباق آخر، بل إنه سباق مع الزمن.
ميرت في خطر، جملة تعني أن ابن شقيقتها في خطر أكبر.
لمثل هذه الكوارث، كون العلاقات من جيرانها، بعد مكالمة ميرت لعيسى هرول ناحية للخارج ناحية سيارته، ولحقت به ملك التي سحبت حجابها طالبة: استنى هاجي معاك.
لم يكن في حالة تسمح له بالجدال، بل هاتف أحدهم وسمعته يهتف بانفعال: ألو يا أستاذ شريف.
أتاه رده سريعا وهو يطمأنه: أنا كنت لسه هكلم حضرتك، أنا والمدام سمعنا صوت والدتك بتصوت وخرجنا نشوف في إيه لقينا ناس غريبة بتجري على السلم، أنا حاولت الحقهم، بس كان معاهم موتوسيكل وطلعوا يجروا بيه.
رد عليه عيسى مسرعا بلهفة: هي كويسة؟
اه المدام معاها جوا بتهديها و هي بخير الحمد لله.
تساءل عيسى بغضب: وفين الزفت البواب…
بتر باقي العبارة واستبدلها قائلا: خليكوا معاها يا أستاذ شريف، متمشوش وأنا في الطريق.
أغلق معه وسارع في الاتصال بصديقه وسط نظرات ملك التي سألته بقلق: في إيه يا عيسى؟، طب هي كويسه؟
أتى رد بشير فسأله عيسى وقد هاتفه ليطلب منه أن يسبقه إليها: بشير، روح لميرت دلوقتي.
رد عليه صديقه بما لم يتوقعه ولكن أتت نبرته خائفة حقا ينهشها القلق على السيدة: مالها يا عيسى ميرت، أنا لسه مرجعتش القاهرة، أنا في اسكندرية هروحلها حالا.
صاح عيسى باستنكار ردا على أقوال صديقه: هو أنت مش قايلي من أول امبارح إنك راجع القاهرة، لسه قاعد هنا بتعمل إيه؟
أنا ركبت ورايحلها اهو.
رد عليه عيسى بانفعال: لا خليك عندك أنا رايح، خليك مع أخت ال ×××××
اللي قاعد علشانها.
انكمش حاجبي ملك باستغراب و لم تسمع إلا قليل من رد بشير المنفعل والذي هتف: اقفل يا عيسى دلوقتي ولما نتقابل نشوف الموضوع ده.
أغلق عيسى الهاتف، ثم دخل في سباق عنيف مع الطريق، وكأنه يفرغ شحنة غضبه كاملة في سرعة السيارة، فيُزيد من سرعة قيادته مما جعل ملك تطلب منه بذعر: عيسى بالراحه شوية.
لا يستمع إلا لنفسه ولم ينتبه لها وهي تراقب الطريق خائفة وكأنه وحش سيلتهمها بعد دقائق، لا تعلم كيف انتهت رحلة سفرهما من الإسكندرية إلى القاهرة على خير، هما الآن في مدخل المسكن التابع لميرت، لم يكن أحد في الأسفل وبحث هو عن حارس العقار فلم يجده فهرول ناحية الأعلى ولحقت به ملك، ما إن وصلا حتى استقبلهما شريف جار خالته وقال: أهلا يا أستاذ عيسى، هي بقت كويسة دلوقتي الحمد لله بس نامت.
أتت زوجة شريف من خلف، ولحقت بها الممرضة التي من المفترض أنها تُلازم ميرت. والتي ما إن لمحها عيسى حتى سأل: كنتي فين؟
أسرعت تبرر و خوفها مما حدث مازال يسيطر عليها: أنا كنت معاها، كنا قاعدين سوا، وأنا كنت هنزل اجيب حاجة من تحت لقينا اتنين بيتهجموا على الشقة و كانوا عايزينها.
انهمرت دموعها وهي تستكمل: وقالوا على فلوس، و إنها حقهم عند كارم، بس هي مكانش معاها فلوس، معرفش اتصلت بيك ازاي، وبعدها استاذ شريف جالنا، وهما كانوا بيجروا بس قالولها انها تخلي استاذ كارم يروحلهم علشان هما مش هيسيبوه، ولو مجابش الفلوس هتبقى هي اللي قدامهم…
علت شهقاتها و كان كل إنش في جسدها يرتعد من الخوف، احتضنتها زوجة شريف وتخطتهم ملك لتدخل عند ميرت النائمة، علم عيسى من جار خالته أنهم تطاولوا على حارس العقار أيضا، وقاموا بضربه فهز رأسه قائلا بامتنان: شكرا يا أستاذ شريف، معلش لو تعبتك.
نفى الرجل وجود أي تعب وودعه بأدب و حثت زوجته عيسى قائلة: لو احتاجتم أي حاجة خبطوا علينا بس.
شكرهما، وبعد أن رحلا تماما وأتى ليغلق الباب، وجد صديقه أمام وجهه فجن جنونه وصاح بغضب: هو أنا مش قولتلك متجيش؟
ميرت مالها يا عيسى.
قالها بشير وقد نفذ صبره من معاملة صديقه فرد عيسى بضجر: روح يا بشير.
دفعه بشير صائحا بنزق: لا مش مروح يا عيسى، وكفاية بقى عمايلك دي…
أنا مستحمل وبقول معلش هيهدى، لكن كده مش هينفع.
رد له عيسى ضربته وهو يتخطاه متوجها ناحية غرفة خالته ويقول: على أساس إن اللي أنت بتعمله هو اللي ينفع.
تأفف بشير بانزعاج وهو يمسح على عنقه بتعب، ودخل عيسى إلى غرفة ميرت، وجدها مستيقظة وملك جوارها تحاول تهدئتها، ما إن وقعت عيناها على عيسى حتى هتفت باسمه باشتياق، لم يرد، حتى لم يحتضنها كما توقعت بل سألها بهدوء سبق العاصفة: مبسوطة كده؟
صاح وهو يضرب على الطاولة: عايشة متهنية مع ابن ال ××××، كنتي هتموتي النهاردة علشان وساخته، أكيد اللي جم دول من اللي بيلعب معاهم على الترابيزة وياخد الفلوس من المغفلة اللي متجوزها ويخسرها في اللعب والشرب ويتداين كمان ووقت الدفع يخلع.
كفاية يا عيسى.
كان هذا قول ملك التي احتضنت ميرت وقد انهارت كليا فصرخ هو: لا مش كفاية.
لفت أنظاره شيء ما، فمال على خالته يسألها بنظرات امتلأت بالحقد على زوجها: فين سلسلتك؟، السلسلة اللي كانت في رقبتك فين؟
تلك القلادة التي ابتاعها لها خصيصا من أول راتب شهري يحصل عليه، لم تعلم بما ترد، وأمام حالة هياجه هذه دخل بشير وحاول إخراجه فأبعده عيسى طالبا: لا بشير استنى، استنى
وحين لم يستجب صديقه صرخ عيسى: بقولك استنى.
عاد إليها يسألها: فين السلسلة؟
كارم خدها.
جملة من كلمتين فقط كانت كافية لمضاعفة طاقة غضبه، قالتها بانهيار، و لم تتجرأ على النظر له، ودافعت الممرضة سريعا عنها قائلة: هو ضربها وخدها، هي مكانتش عايزة تديهاله.
ضحك عيسى عاليا، ضحكاته هذه مزقت قلب ملك، كانت تعلم أنها ناتجة عن وجعه من الوضع برمته، وقال صديقه برفق: تعالى يا عيسى نخرج.
ولكنه لم يخرج بل قال لخالته بابتسامة ساخرة: ليه؟، كنتي قلعتيها أنتِ وادتيهاله، كنتي يعني مسكتي فيا لما هتمسكي في حتة بتاعه جبتهالك.
كنتي قلعتيها ورمتيها يا شيخة، هي يعني هتبقى أغلى عندك مني؟..
احتدت نظراته وهو يكمل: أنا واللي من ريحتي عندك رُخاص.
أوجعها حديثه فطالعته تهز رأسها نافية و هي تقول: لا يا عيسى.
و قاطع قولها هذا هاتفا بألم: بجد لا؟..
هز رأسه قائلا بابتسامة جعلت الذعر يدب في قلب.
ملك: وأنا مش مصدقك، علشان أنتِ كدابة وتستاهليه.
أنهى حديثه وهرول ناحية الخارج حاول بشير و ملك اللحاق به ولكنه كان أسرع منهما، ركب سيارته وغادر ولم يعلم حقا إلى أين ستكون هويته.
كان نصران يسير في حديقة منزله بقلق وتوتر فمنذ أن أخبرته تيسير أن ابنه هرول ومعه زوجته وغادر بسيارته وقد تلفت أعصابه، حاول التواصل مع عيسى ولم يفلح، وهاتف ملك وجده في المطبخ، حدث بشير الذي طمأنه قائلا: متقلقش يا عمو، هي بس مدام ميرت شكلها تعبانة وعيسى رايحلها وأنا في الطريق اهو.
كان من المفترض أن يطمئن ولكن هذا لم يحدث، قرر أن يذهب إليهم ولكن طاهر الذي حضر منعه قائلا: هتروح فين يا بابا دلوقتي، خليك أنا هروحله.
كان سيعترض ولكن ألح ابنه هاتفا: علشان خاطري خليك أنا رايح وهطمنك.
ورحل طاهر، هاتفه نصران وعلم أنه لم يصل بعد، ينتظر على أحر من الجمر مكالمة من أي منهم و أثناء ذلك أتى ابنه حسن، كان مظهره مُبعثر، ملابسه تُخبر بأنه خرج من شجار عنيف للتو، وكذلك وجهه وحقيبته التي وضعها على كتفه بإهمال، منذ أن ذهب إلى كليته في الصباح لم يعد إلا الآن وقد تخطى الوقت منتصف الليل، استوقفه نصران قائلا: كنت فين؟
لم يجد إجابة فأكمل وهو يقف أمام ابنه يتفحصه عن قرب: وإيه منظرك ده؟
أغمض حسن عينيه بشدة، طالع الأرضية ونزلت دموعه، احتضن والده هاتفا بتعب حقيقي: أنا تعبان أوي.
اختفى ذلك القناع الجامد الذي رسمه والده وحل محله آخر، حيث ربت نصران برفق على ظهر ابنه سائلا: مالك يا حسن، فيك إيه؟
قرر أن يخبر والده بكل شيء، لن يُخفي شيء، وخاصة ما حدث قبل أن يأتي إلى هنا، ذهب إلى كليته في الصباح، وحين لمحها في الساحة الخارجية تجنبها تماما، لم يتعرض لمريم بعد آخر ما جمع بينهما، ولكن انتبه إلى زميله يلحق بها بل ويخرج خلفها أيضا، احتدت نظراته وخاصة أنه نفسه الذي تشاجر معه مسبقا بسبب مضايقته لمريم أثناء سؤالها عن مكان الطابق، حين خرج وجدها تصيح بانزعاج: هو أنت ماشي ورايا؟
هو أنا جيت جنبك يا بت أنتِ، هترمي بلاكي عليا ولا إيه؟
دفعه حسن سائلا بضجر: هو أنت مش هتتربى؟
لم تقف دقيقة واحدة، تركتهما ورحلت وكأنها لا تعرفه أبدا بينما بقى هو مع زميله الذي رد عليه بتهكم: اهي سابتك ومشيت وكأنك هوا.
حدثه حسن بانفعال: دي آخر مره هقولك ملكش دعوة بيها، ولو شوفتك بتضايقها تاني، مش هنبهك قبلها.
نجح الواقف أمامه في إثارة غيظه وهو يهتف بوقاحة: أنا مبضايقهاش يا حسن، أنا كان غرضي ألم جرح قلبها اللي أنت كسرته بعد ما جت و شافتك يا حبيبي مع ال Girlfriend الجديدة.
فجأة تجمعت الخيوط في رأس حسن، مريم لم تأت إلا برسالة أُرسلت لها كما علم أثناء شجاره مع عيسى، ومؤخرا توطدت العلاقات كثيرا بين محدثه هذا ومروة، هل كان فخهم للإيقاع به، ولم يستمر الغموض حيث نطق زميله: أيوه أنا ومروة بعتنالها مسدج، علشان تعرف إنك مش سهل برضو، بس صعبت عليا البنت والله، يا خسارتها في ال…
لم يكمل جملته حيث اشتبك معه حسن، ولم يبخل كل منهما بتفريغ كل طاقة غضبه وعدوانه في الآخر…
سرد حسن على والده الذي جلس معه داخل المرسم كل شيء، وما إن انتهى حتى هتف والده: هما معملوش ملعوب عليك ولا حاجة، هو أنت مش كنت مع البت التانية بمزاجك؟
نظر حسن للأرضية بحزن وأكمل والده بسخط: هما بس عرفوا يستغلوا إنك مبتتعلمش الدرس أبدا…
أنت محبتش مريم ولا حبيت أي واحدة من اللي أنت عرفتهم.
عبر عن مشاعره بصدق ردا على قول والده: بس أنا فعلا كنت معجب بمريم ومشدود ليها.
بس مبتحبهاش، لو كنت حبيتها مكنتش كملت في سكة كل يومين تعرفلك واحدة واحنا نشيل مصايبك، أنت اللي خلاك مشدود لمريم إنها صدتك، ولو مكانتش صدتك كانت هتبقى واحده من اللي بياخدوا يومين ويمشوا.
أضاف بنبرة معاتبة وهو يؤنبه على أفعاله: أنا مش هقولك إن عمايلك دي حرام، علشان أنت كبير وتقدر تعرف إيه الحرام من الحلال، وعلشان أنا وأمك ربينا وعرفنا اللي يصح واللي ميصحش، بس هسألك سؤال اللي أنت بترضاه على بنات الناس ده، ترضاه لاختك؟
هز رأسه نافيا وهو يبكي بصمت فتابع والده: يبقى خد قرارك بقى، زعلان علشان طلعت قصاد مريم كداب، طب ما أنت فعلا مكنتش صادق معاها، مكنتش صادق حتى مع نفسك، دخلت عليها بكلمتين أنت بنفسك قولت دلوقتي إنك كنت بتدخل بيهم على أي واحدة، بس هي صدتك، حتى لو بعد كده حسيت انك عايز تكمل فعلا وإنها غير أي واحدة روحت برضو غلطت وعرفت واحدة واتنين وتلاتة.
وسيبك من الملعوب اللي حصل بس أنت اللي من الأول غلطت…
تنهد بثقل قبل أن يهتف: ولو زعلان على الكلمتين اللي قولتلي إن مريم قالتهملك، فأنت اللي وجعتها وطلعت منها الكلام ده، العشم وحش يا حسن، وأنت عشمت وغدرت.
طالع والده بعينين تلألأت الدموع فيهما وهو يصرح: بس أنا بحبها، و زعلان إن كل ده حصل، يمكن فعلا كنت في الأول مش واخد الحكاية جد، بس مريم مكانتش تستاهل كده، وأنا دلوقتي عايز فرصة واحدة بس ومتأكد إنها مش هتديهالي.
ابتسم نصران وربت على كتف ابنه قائلا برفق: لما تدي أنت لنفسك فرصة الأول، صلح كل حاجة، واعتذر للي غلطت في حقهم، وبص لمستقبلك وخلص كليتك وشوف طريقك، لو اديت لنفسك فرصة إنك متبقاش مستهتر وتبقى بني آدم كويس ساعتها ممكن أي حد تاني يديك فرصة.
ألقى بنفسه داخل حضن والده و علت شهقاته فمسد نصران على خصلاته برفق، وقعت عيناه على إحدى الأوراق في مرسم ابنه وقد رسم له صورة بها فابتسم بحنان وربت على ظهره متمنيا أن يكون ما يحدث خطوة حقيقية في صلاح أحواله.
أماكن هجرها ولكن من جديد يأتي إليها، يأتي بمفرده، لم يأت ذلك الصغير الذي مات حلمه بل أتى آخر، آخر أراد أن ينتقم من كل شيء حتى من نفسه، دخل عيسى بوجه مقتضب وما إن جلس على المقعد أمام إحدى الطاولات التي تراصت عليها المشروبات حتى انتبه لوجود هذا الذي هتف بضحكة ساخرة: عيسى، مش معقول؟
كان باسم، لم يكن في حالته الطبيعية بل كان ثملا، و هتف بنبرة بان فيها ذلك: هو أنت مش كنت بطلت تيجي هنا؟، جاي البار ليه بقى، واخد على عينك؟
تأفف عيسى بانزعاج وقبل أن يقوم مسك باسم بذراعه قائلا بضحك: اقعد، اقعد، كنت فاكرك مفيش حاجة تهمك، بس وشك بيقول غير كده، هي المدام مزعلاك ولا إيه؟
أصل أنا كمان زعلان.
هتف بها باسم وأخذ يضحك حتى دمعت عيناه، لم يرد عيسى بل تناول ما تم تقديمه له، طالع الكأس بحزن وداخله سؤال واحد، هل من أتى هنا هو الحقيقي أم المزيف؟، من حقيقته ذلك الصغير الذي حاول أن يعود إليه ليصبح نقي كما قيل له فذاق مرارة الضعف، أم هذا الذي يجلس هنا الآن ويريد أن يحرق الأرض بما عليها، يريد أن يكون أشرس ما عليها، تجرع ما بالكأس مرة واحدة، لمعت الدموع في عينيه فردعها بعنف وهو يتناول كأس آخر حتى اهتز هاتفه الموضوع على الطاولة، هو على يقين من أنها ملك تهاتفه من عند خالته، أغلق الهاتف تماما، وبقى يفعل ما توقف عنه منذ فترة، حتى ثمل هو الآخر فقال باسم: ليك وحشة يا راجل والله، ده أنا كنت بفكر أتجوز علشان أبطل أجي هنا، قولت أجرب يمكن ينفع، بس اهو مكملتش السنة ورجعت تيجي هنا تاني.
ضحك باسم وأكمل: لحقت نفسي، بدل ما كنت وقعت في الفخ.
تأفف عيسى بضجر و هتف بثمالة: خليك في حالك بقى أنا مش طايق نفسي، بطل مرازية في اللي خلفوني، ده أنا لو جايب من واحدة عيال ومبدفعلهاش نفقة مش هترازيني زيك كده.
رد عليه باسم بصعوبة: أنت اللي جاي عليا. أنا مجتلكش يا حبيبي.
تبع هذه الجملة دخول طاهر إلى هذا المكان، بحث بعينيه عن عيسى حتى لمحه، وذهب ناحيته هاتفا بانزعاج: قوم معايا.
طالعه عيسى بعينين ضيقتين و هتف بسخرية: لا هو أنا شربت بس مش لدرجة إني أهلوس. أنت مش طاهر صح؟
لا أنا طاهر وقوم.
قالها طاهر بحدة وهو يجذبه من ذراعه بينما تملص عيسى مردفا: يا عم وسع، مش قايم أنا.
لوح له باسم و هتف بضحكة واسعة: سيبه سيبه، أصله بقاله كتير مبيجيش هنا فوحشناه.
علق طاهر بسخرية وهو يرمق المكان بأكمله باشمئزاز: لا متشوفش وحش.
ثم جذب ذراع عيسى عنوة وبدأ في سحبه معه نحو الخارج وهو يقول: بقولك امشي.
وخرجا معا من المكان بأكمله، وما إن خرجا حتى أدخله طاهر السيارة على الرغم من اعتراض عيسى ثم ركب جواره وقاد بعيدا عن هذا المكان بأكمله.
في نفس التوقيت كانت ملك تحاول مهاتفته من جديد بواسطة هاتف ميرت ولكن لا رد.
مبيردش برضو يا ملك؟
هزت ملك رأسها نافية وهي ترد على ميرت: لا يا طنط مبيردش.
جلست ملك على مقعد مجاور لفراش ميرت بأعصاب تالفة، دفنت رأسها بين كفيها ولكن سمعت ميرت تقول بقلق: أنا خايفة يعملوا حاجة في بعض.
اعتدلت ملك و طالعتها قبل أن تهتف بحدة: لا هو المفروض إن حضرتك تبقي خايفة على عيسى بس مش على أي حد تاني، أنا أسفه يا ميرت إني بتكلم معاكي بالطريقة دي بس معلش أنا عايزة أسأل على حاجة.
ثم وجهت أسئلتها باستنكار لهذا الوضع بأكمله: هو الواحدة عندنا في البلد لما كانت بتتجوز، وتيجي تغضب شوية كانوا بيقولولها معلش، ما هو أكيد عملك حاجات كويسة برضو مش كله وحش كده ولمي يا بنتي الليلة وعيشي، وكانت بتعيش، سؤالي بقى لحضرتك كارم ده عملك إيه حلو علشان نبقى في الوضع اللي احنا فيه ده؟
تحدثت ملك بغير تصديق: ده مبيصرفش عليكي، هتقوليلي معلش أصل هو دلوقتي مبيشتغلش، هقولك إنه حتى زمان لما كان بيشتغل كان بيديكي المليم بالعافية، أنا عيسى حكيلي على فكرة.
طالعتها ميرت بحزن وأضافت ملك: واحد بيمد إيده عليكي، ومطلع عينك في العيشة معاه، ومش مكفي بيته وفوق كل ده مش راجل وبياخد فلوس الست اللي هو عايش معاه، ده عنده استعداد ياخد فلوس علاجك يطفح بيها زفت ويلعب وأنتِ في داهية، ليه يا طنط كده، ده أنا لما عيسى بنشد مع بعض في الكلام شوية بشيل منه جامد وبيعمل اللي ميتعملش علشان يصالحني، وأنتِ بتسامحي من غير أي مقابل، ده أنتِ دخلتيه بيتك تاني بعد ما رفع السلاح على ابن اختك اللي هو بيعتبرك أمه…
نزلت دموع ملك وهي تصارحها بألم: أنتِ كاسرة عيسى أوي يا طنط، وأنا مش قادرة أعمله حاجة، اللي أنتِ بتعمليه ده اسمه سلبية، حتى لو كنتي في يوم من الأيام بتحبي كارم فبعد كل اللي عمله قبل كده واللي بيعمله دلوقتي ميستاهلش إنك تفضلي معاه، قدملك إيه علشان تقدمي كل التنازلات دي علشانه؟
ابتسمت ملك ساخرة وهي ترد بدلا عن هذه التي امتنعت عن الرد: قدملك ولا حاجة، ولسه شايلاه وبتشيلي وتلمي وراه، حرام عليكي والله، حرام عليكي نفسك، وحرام عليكي جوزي.
قالت جملتها الأخيرة بنبرة شديدة الحزن، كانت كلماتها كالصفعات على وجه ميرت، صفعات تلقت منها الكثير مسبقا ولكنها هذه المرة كان وجعها مضاعف.
خدي بقى يا ستي، و ده بس علشان أنتِ عاملالي فيها ست الزعلانة.
قالت شهد هذا وهي تضع على الفراش أمام شقيقتها صحن واسع حوى حبات الذرة المملحة التي تفضلها مريم، جلست شهد جوار والداتها على الفراش مستندة على الحائط وأمامهما مريم التي قالت: يا جماعة قوموا ناموا خلاص، الساعة قربت تبقى ستة الصبح، علشان تقدروا تصحوا.
هتفت والدتها بتبرم: ننام ازاي وأنتِ حاوياه طول الليل، وهاتك يا عياط.
رفعت شهد كفيها طالبة منهما الصمت وهي تهتف: خلاص بقى احنا مش هنفتح في جراح وأحزان الله يبارك لكم، تعالوا أوريكم الصور اللي رفيدة بعتتهالي من كتب الكتاب.
قالت جملتها الأخيرة بحماس، وبالفعل انضمت مريم لها بابتسامة ونظرت هادية فأتت الصورة الأولى و شهد تحتضن طاهر فضربتها والدتها على كتفها ناطقة باعتراض: اه صحيح، إيه ده، إيه العمايل دي، يقولوا إيه عليكي، في حاجة اسمها كسوف يا حبيبتي، ده أنتِ مستنيش حتى لما يبتسملك وقومتي حضنتي علطول.
أشارت شهد على والدتها محدثة شقيقتها: بصي أمك بقى، أمك اللي هتندمني إني وريتها حاجة.
اسكتي بقى، اسكتي أحسن أنا متغاظة منك لما شبعانه، يا شهد متوافقيش نستنى على كتب الكتاب شوية
قلدت نبرة ابنتها مكملة: حاضر يا ماما اتطمني، ومكملناش اليومين ولقيتك أول ما طاهر جاب أبوه وجه بتوافقي علطول.
انكمش حاجبي شهد بغيظ وهي تهتف بضجر: الله بحبه، وبعدين كمان صنف الطيارين ده شاحح اليومين دول من البلد.
كررت مريم خلفها باستنكار: شاحح يا معفنة!
طالعت شهد والدتها وهي تهز رأسها بتأكيد ثم أكملت: أنا هشوفلكم اتنين زمايله، واحد نجوزه مريم، والتاني نجوزهولك.
علت ضحكات مريم بعد قول شقيقتها هذا، وهرولت شهد من أمام والدتها التي كانت على وشك جذبها من خصلاتها ولكن المحاولة كانت نتيجتها الفشل…
في نفس التوقيت، وقفا طاهر و عيسى أمام منزل ميرت، تحدث طاهر معاتبا: ليه يا عيسى كده؟، ومن امتى وأنت بتشرب أساسا؟..
لم يأتي رد منه كان يقف صامتا و كل إنش في وجهه يوحي بحاجته للنوم، تحدث طاهر من جديد بإرهاق: اطلع يا عيسى علشان شكلك عايز تنام، ولما تقوم أنا مستنيك علشان نتكلم.
سار عيسى بترنح نحو الداخل فأتى طاهر ليساعده ولكنه اعترض قائلا: أنا طالع.
لمح بشير يقف أمام الباب في انتظاره وهتف: أنا جبت واحد وغيرت الكالون، وعملت…
أنت شارب مش كده؟
تأفف بشير بضيق و هتف: أنا قولت هتروح تقعد شوية وهتمشي، بس هي…
قبل أن يكمل أبعده عيسى هاتفا: متصدعنيش، لما أصحى نبقى نشوف مواضيعكم دي بكرا.
لا يعلم كيف ساعده ساقاه، ولكنه في النهاية في الغرفة، دقائق وأتت له ملك سائلة بلهفة: عيسى أنت كويس؟
تمدد على الفراش بتعب فذهبت لتجلس جواره، أدركت أنه ليس على ما يرام فتساءلت: فيك إيه طيب.
أشار لها بالصمت حتى يستطيع النوم ومن نظراته أدركت عدم اتزانه فهتفت بغير تصديق: هو أنت كنت فين؟
تنهد بثقل وأتت لتكمل: أنت…
فبتر عبارتها حين احتضنت عيناه وجهها و هتف بنبرة آسرة: أنتِ حلوه أوي.
انكمش حاجبيها باستغراب، تدرك تماما أنه بحاجة لأن يفوق فهتفت: أنا رايحة أعملك قهوة.
ضحك وأكمل بنفس نبرته المنخفضة: أول ما اتكلمتي بقيتي وحشة أوي
أغمض عينيه وتمسك بكفها، طالعته بحزن على حالته هذه، ففتح عينيه بتعب ليكون آخر ما يقوله لها قبل أن يغفو تماما: كداب اللي يقول إنك مش حلوه، عينيكي حلوه أوي يا ملك و ده اللي تاعبني.
تنهدت بتعب وهي تمسح على خصلاته بحنان امتزج بألمها على حالته هذه.
غادر اسكندرية قبل أن يقابلها كما اتفقا، هرول إلى القاهرة من أجل خالة صديقه والتي يعتبرها أم له أيضا، ولكن صدمه رسالة منها في صباح اليوم التالي تخبره فيها: بشير أنا نزلت القاهرة.
أخبرها بأنه في القاهرة هو الآخر منذ أمس، وطلب مقابلتها، المقابلة التي سيحسم فيها كل شيء، اختار مكان يتسم بالهدوء يطل على النيل، وكان بداية حديثهم هو قولها: ليه طلبت تقابلني.
بعد الغروب بقليل، هذا التوقيت الذي يحبه كثيرا، كان لديه أمل كبير واختار هذا التوقيت مستبشرا به خير، بدأ الحديث بصراحة تامة: بصي يا علا أنا معجب بيكي، مش هقول بحبك علشان بحبك كلمة كبيرة أوي على الفترة اللي عرفنا فيها بعض، بس في حاجة من ناحيتك يعني
أربكها حديثه تماما، لم تتوقع أبدا ما قاله وكذلك أربكتها نظراته وهو يقول: وأنتِ كمان على فكرة
فتساءلت كمن ارتجم جرم: أنا كمان إيه؟
في حاجة من ناحيتك.
بعد قوله هذا أكدت هي وهزت رأسها بالإيجاب هاتفة: أيوه بصراحة.
ابتسم بشير وهو يقول: جميل، بس في مشكلة.
هي تعلمها من قبل أن يقولها و هتف هو بها: هتقبلي تتخلي عن كل حاجة علشان نعرف ناخد خطوة مع بعض؟
سألت بتصنع الاستغراب: كل حاجة ازاي يعني؟
كان قوله صريحا وهو يهاجمها بنظراته: يعني شاكر.
بالتأكيد لا، هذا ما حدثت به نفسها قبل أن تقول للجالس جوارها: شاكر ده أخويا يا بشير.
أتى رده شرسا وهو يهتف: وأخوكي ده قاتل أخويا، فريد مكانش أخو عيسى لوحده كان أخويا أنا كمان.
بررت لشقيقها وهي تدافع باستماتة: شاكر جواه حاجة كويسة يا بشير، لو كان خد فرصة واحدة بس من ملك مكانش كل ده حصل.
ضحك بشير باستهزاء وهو يسألها: هو أنتِ بتضحكي على نفسك ولا عليا؟، هو داس على رجل حد بالغلط؟، ده قتل واحد علشان واحدة مش عايزاه أصلا.
بشير أنت مش هتقدر تفهمني، العلاقة اللي بتربطك بعيسى في أقوى منها ربطاني بشاكر، احنا مكانش لينا غير بعض واحنا صغيرين، كان هو اللي بيوديني ويجبني ويعملي كل حاجة، مش بعد ده كله اتخلى عنه، أنا مليش دعوه بعمايله بس هو أخويا.
هز بشير رأسه قائلا: هصدقك حاضر إنه جواه حاجة حلوه فعلا، أخوكي اللي جواه حاجة حلوه ده بقى جاله ألف فرصة علشان يبقى بني آدم نضيف ومستغلهاش، الاختيار كان بإيده يا علا وهو اللي اختار إنه يفضل يكمل وسخ وميرجعش عن طريقه، هو اللي في كل خطوة بيفجر أكتر و أكتر.
لو هتتكلم معايا في الموضوع ده أنا همشي.
هكذا صرحت علا فرد عليها بشير الجالس على السور المطل على المياه جوارها وبان في رده انفعاله: لا هو مش موضوع، هو جريمة أخوكي عملها وسكتي عليها، عارفة إنك كده تبقي مشاركة فيها؟
تحدثت تدافع عن نفسها بغضب: قولتلك أنا مليش دعوة باللي عمله أو بيعمله شاكر.
علق بشير بتهكم: اه صح أنتِ بتخبي عليه بس، علشان يتمادى ويعمل أكتر و أكتر
مساء الخير على الحلوين.
لم يكن صوتها ولا حتى صوت بشير إنما صوت آخر بث الرعب فيها، صوت شقيقها الذي سريعا ما رأته حين التفتت وقد وقف ضامما ذراعيه وعلى وجهه ابتسامة وهو يشملهما بنظراته فأدركت أنها وقعت في الفخ!
حاولت الحديث ولكن شعرت وكأن صوتها فر وتركها وحدها، استطاعت أخيرا النطق بصعوبة لتقول: شاكر ده…
قبل أن تكمل جاوب هو بدلا عنها: عارفه، ده بشير صاحب عيسى.
ابتسم بشير ونزل من على السور ثم مسح على سترة شاكر قائلا: وواحد من اللي علموا عليك ليلة فرحك.
شهقت علا بغير تصديق، ضحك شاكر وأخبره بهدوء: مش فاكر إني لمحتك يومها…
شكلك مكنتش بتضرب كويس، بس معلش متعوضة وأنا هخليك تشوفني كويس.
مسك شاكر يد شقيقته قائلا: امشي.
كانت ترتعد خوفا، خوف لأول مرة يراه بشير في عينيها، حثها على الرفض بنظراته، إن رفضت سيفعل المستحيل لتبقى ولا تذهب، ولكنها سارت مجبرة مع شقيقها و تحدثت بذعر: شاكر والله أنت فاهم غلط، احنا بس كنا ب…
بتر عبارتها بابتسامة شيطانية وتحدث: كنتوا بتسمعوا الست؟
ثم بدأ في الدندنة: الليل وسماه، و نجومه وقمره
كل هذا جعل خوفها يتضاعف، وكل إنش بها يهتز، جعلها تشك أنه ربما يفعل ما لا يُحمد عُقباه أبدا.
تنويه: المشهد ربما يكون مؤذي نفسيا للبعض
شقة قديمة كانت تابعة لوالدها، هي محل إقامتها هي ووالدتها أثناء نزولهما إلى القاهرة، كانت صغيرة، متهالكة ولكن اقترحت علا على والدتها أن يبقا بها بدلا من البقاء بمنزل والد بيريهان حتى يكونا بحريتهما، ولكن أي حرية الآن، و شاكر يصحبها إلى هنا، هدوءه مُقلق، ما إن دخلا من الباب ولمحت والدتها الجالسة في الردهة حتى هتف شاكر بابتسامة: علا كبرت يا اما.
مسك كفها واقترب بها ليصبحا أمام والدتهما تماما وهو يكمل: كبرت وبقت تخرج وتقابل من ورانا، لا ومش هتصدقي بقى ماشية مع مين، مع صاحب ابن نصران
حاولت الدفاع عن نفسها أمام والدتها التي سريعا ما سبتها وقالت وهي تتأهب للهجوم عليها: اه يا قليلة الرباية، يا…
أبعدها شاكر عنها هاتفا بغير رضا: لا، متمديش إيدك عليها، محدش يمد إيده على علا…
ثم طالعها سائلا بحزن برع في تمثيله: لو كان قالك.
قبل أن يكمل هتفت مسرعة وقد تمكن الذعر منها: والله العظيم قولتله أنا عمري ما هخسر أخويا.
مسح شاكر على خصلاتها قائلا: أصيلة يا علا، وأنا هعتبرها غلطة وعدت خلاص.
صاحت كوثر بهياج: غلطة ايه اللي عدت، سيبني عليها البت دي.
أشار شاكر لشقيقته على غرفة ما قائلا: ادخلي جوا، على ما اتكلم مع أمك.
هزت رأسها مسرعة، كانت على يقين من أنه بالتأكيد الآن سيخبر والدتها بضرورة تزويجها حتى ولو مرغمة، لا يهم أي شيء الآن المهم أنه لم يطور الأمر، أو كما ظنت هي، بينما كان هو في الخارج يقول لوالدته بهدوء مخيف: في ماكنة حلاقة جوا، هاتيها.
فجأة هدأ اشتعال كوثر وتحول إلى خوف على ابنتها وأسرعت تقول بتوتر: أنا هربيها البت دي.
كرر بنبرة لا تقبل النقاش: هاتيها.
سألته بعينين خائفتين: ليه يا شاكر؟
أمام عدم الاستجابة هتف بابتسامة: مضطر اجيبها أنا، لازم كده كل حاجة أعملها بنفسي.
هرولت والدته خلفه، ولكنه أتى بها ودخل بسلاسة إلى حيث الغرفة التي تقبع بها شقيقتها، هوى قلب علا أرضا وهي ترى ما بيده وسألت: في إيه يا شاكر.
كانت ستهرول لتخرج لوالدتها ولكنه كان الأسرع في غلق الباب، أغلقه تماما بالمفتاح، وقال بهدوء مريب: كده بقى نعرف نتكلم، أنا قولتلك إننا هنعتبرها.
ثم أكمل بابتسامة شيطانية: بس طبعا أنتِ عارفة إن كل غلطة وليها حساب.
من ينجيها من براثنه الآن، هتفت بنبرة مستعطفة وعينين دامعتين: بالله عليك يا شاكر ما تعملي حاجة.
اقترب منها وأحاط برأسها من الخلف قائلا برفق لم يلائم الموقف تماما: مينفعش يا علا، لازم يا حبيبتي يبقى في حساب وإلا هتبقى سايبة.
وعقب جملته هذه كانت الصفعة الأولى تهوى على وجهها على حين غرة، صاحت بخوف، ودارت بعينيها في الغرفة تبحث عن مهرب ولكن لا يوجد، يوجد فقط عدوانه، تلقت صفعة آخرى أسقطتها على الأريكة وشقيقها يسألها بشراسة: مش أنا قولتلك أنتِ شايفالك شوفة؟
خلاص يا شاكر، خلاص علشان خاطر الغاليين.
هتفت بها و دموعها في سباق، ولم يرحم هو حين جذب خصلاتها وتحدث بنبرة مريضة جمدتها: لا مش خلاص، كده هبقى بعمل ملك جديدة.
ضربة عنيفة من يده وهو يكمل: محسن كان قصدك ناقص يبوس رجلك، وأنتِ متمنعة وبقول معلش لسه صغيرة، ورغم إني مش طايقه دلوقتي بس هو في نفس موقفي، سيبتيه وروحتي تبصي برا، تبصي ناحية اللي من ريحة عيال نصران.
سقطت على الأرضية وحاولت القيام وهي تصرخ ولكن تلقت ركلة عنيفة في معدتها وسمعت والدتها تصيح من الخارج: افتح يا شاكر، افتح علشان خاطر أمك.
لم يستمع لكلمة واحدة بل جذب شقيقته لتقف مرغمة، امتزج حديثها بشهقاتها فصار يخرج بصعوبة وهي تطالبه برجاء: أبوس رجلك خلاص، وهعمل اللي أنت عايزه كله، و هتجوز اللي تقو…
ابتسم وهو يهز رأسه نافيا ويدفعها على أحد المقاعد قائلا بنبرة بان فيها مرضه: اللي بعمله دلوقتي ده، هو اللي كان لازم أبويا يعمله في ملك، يوم ما بصت برا، يوم ما فكرت إنها قادرة تستغفلني، أنا كده بحبك على فكرة.
كان يجذب الماكينة ويقوم بتوصيلها بالكهرباء وهو يقول: هي أنا موته ليها، لكن أنتِ بقرص ودنك بس، نفس القرصة اللي هقرصها لودنها لما تبقى معايا.
تكاد تقسم على أن قلبها سيتوقف الآن من فرط ذعرها، حاوط المقعد الذي أصبحت عليه، واحتمت هي به و تحاول جاهدة تكذيب ظنونها.
مسح على خصلاتها سائلا: بتحبيه أوي صح؟
سألت وهي ترتعد: هو إيه ده؟
أجاب بابتسامة: شعرك، من زمان والبلد كلها عارفة إن شعرك مفيش أحسن منه، مفيش حد مبيتحاكاش بيه…
ضحك وهو يقول: شعرك ده بتصرفي عليه كتير أوي، بس جه بفايدة أهو.
عدد لها مزاياه مردفا: طويل وناعم، حتى في لمعة كده تحسي إنها بتاعتك لوحدك يا بت يا علا.
خصلاتها غالية لديها وبشدة، غالية لدى كل أنثى وخاصة هي، أدركت ما سيحدث فحاولت الهرب ولكنه أمسك بها ورفع الماكينة قائلا بضحكة شيطانية: أنا هعمل فيكي معروف، علشان لا تسرحي، ولا تصرفي
لا يا شاكر، لا.
لم تكد تكمل جملتها حتى بدأ هو حلاقة خصلات رأسها دون رحمة فشقت صرخاتها العنان، وهو لا يفلتها، صرخات عالية جعلت والدتها الواقفة في الخارج تهوى أرضا جوار الباب وهي تدق بوهن، بينما ابنتها في الداخل تمزق صرخاتها نياط القلب، وتتسارع دموعها بقهر و هي ترى خصلاتها التي تسقط أمامها أرضا وهي تحتضنهم بعينيها، ولا تتوقف عن الصراخ فالشعور الآن بالنسبة لها مر مرارة العلقم، كأن أحدهم يسلبك روحك، و كم هو شعور صعب.
لا يُنسى أبدا.
التعليقات