رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل الخامس عشر
ردة فعلها كفيلة بجعلي أتمالك نفسي مفكرة بعقلانية بأنني الآن في عينيها زوجة كريس التي من الطبيعي ان يكون لها نصيب في تحمل مسؤولية أعماله ولو قليلاً!
ولكنني لا أعرف كيف من المفترض مقابلة ذلك الرجل حتى.
تظاهرت بالهدوء: حسنا إذاً. هل هو هنا؟
أشرت إلى غرفة الضيافة فأومأت: نعم، سأحضر كوبان من القهوة.
غادرت فوقفت بتردد أنظر لباب الغرفة.
أشعر بأنه لا ينبغي ان اقحم نفسي في أمور كهذه!
ولكنني في النهاية تحركت مرتدية لباس من الثقة والرزانة لأطرق الباب ثم دخلت مبتسمة بهدوء: مرحبا.
كان رجلاً بدى في عقده الخامس مرتديا بدلة سوداء رسمية وبدى الثراء محيطا به كهالة خاصة، وقف وهو ينظر إلى بإستنكار ونظرة تقييم لم تشعرني بالراحة.
وقفت امامه مباشرة امد يدي مبتسمة ليصافحني قائلا بصوت عميق: مرحبا.
أسرعت أقول: أنا زوجة كريس.
طرف بعينيه السوداوين وأومأ: أنتِ الآنسة شارلوت إذاً. أنا فابيان أحد زملاء السيد ماكس في العمل سررت بمعرفتك.
السيد ماكس! هكذا إذاً. هذا يعني أنه يعمل في الشركة مع ماكس ولكنه مضطر للتعامل مع كريس بطريقة مباشرة نظرا لأخذه منصب والده مؤقتا.
حييت به وجلست على الأريكة المقابلة وما هي إلا لحظات حتى دخلت الخادمة لتضع فنجان القهوة وتخرج.
قلت بلباقة: تفضل سيد فابيان.
رشف من القهوة وقال بنبرة تكاد تكون جافة: سأختصر الأمر آنسة شارلوت، أنا هنا لإحضار هذه الملفات وحسب، أرجو أن تسلميها لكريس مباشرة.
حسناً إذاً، سأفعل.
وضع الملفات التي كانت ثلاثة بألوان داكنة وبداخلها أوراق كثيرة، تناولتها ووضعتها في حجري فتمتم ببرود: يمكنني الإطمئنان الآن. لم أكن لأعطي أوراق بغاية الأهمية إلى تلك الخادمة المُلحة.
هاه!
طرفت بعيني ببطء فأضاف هامساً محدثا نفسه: إنني هنا منذ عشرة دقائق أحتمل إلحاحها.
حاولت جاهدة ان ابتسم: لا بأس سيد فابيان، كانت قلقة فقط فلا أحد في المنزل ليستلم هذه الأوراق.
لا يجب أن تثقي بالخدم إلى هذه الدرجة. أوراق كهذه قد تكلف الملايين آنسة شارلوت، ضياع ورقة واحدة كفيل بقطع أكثر من علاقة مع الشركات المعاونة.
ما هذا الرجل المتعالي! بدأت أشعر بأنه من الأفضل ان أغرب عن وجهه حالاً حتى لا تستفزني كلماته أكثر.
سيد فابيان، لماذا لم تسلم هذه الأوراق لكريس بشكل مباشرة؟
تكتف واضعا قدما على الأخرى متنهدا بملل: كان من المفترض ان يحدث هذا ولكن زوجك لم يحضر اليوم إلى الشركة فما كان مني سوى المجيء إلى هنا بنفسي.
كريس لم يذهب للعمل! أين هو إذاً؟! الا يفترض بأنه قد ذهب للشركة منذ الصباح؟
أين هو؟
سألته دون شعور فأجاب بنبرته السابقة: من يعلم. الآنسة تيا لم تكن في العمل أيضاً وكان من المفترض أنها مكلفة باستلام أي رسائل أو أوراق مهمة. أقترح أن توصي زوجك آنسة شارلوت بتخصيص المزيد من الوقت للشركة.
اتسعت عيناي محدقة إليه بصمت. كريس وتيا؟
ما هذا! أشعر بإنقباض في صدري.! و. ولكن، هذا ليس من شأني! كما أنهما مقربان و.
وماذا!
أنا حقا عاجزة عن تقبل كلماته هذه!
لمعت عينيه بالسخرية وتمتم: لا أدري ما الذي كان يجول في خاطر ماكس عندما أحضر ابنه إلى منصب الإدارة! الجميع يعلم بأنه لم يكن يريد ذلك المنصب منذ البداية، لن أنكر بأنه مجتهد في عمله ولكن منصب إداري؟ لا. ليس مناسب وإنما كثير جداً!
ارتفع حاجباي فتغير صوته لشيء من الإستخفاف والإنزعاج: لقد كنت مقربا من ماكس وتقاسمنا الكثير من المهام سوياً، لماذا لم يفكر جلياً قبل اتخاذ قرار كهذا.
تفاجأت بعيناه تلمعان بالغضب: كنت سأكون الأجدر برئاسة الشركة في غيابه عوضاً عن جلوس ذلك الدخيل على كرسي الإدارة.
تلى جملته ضربة قوية وجهتها بكلتا يداي للطاولة لأقف بحزم.
نظر إلى بدهشة فحدقت إليه بحدة وغضب.
هل قال الدخيل؟!
هل نعت كريس بذلك حقاً! أراهن على أنه أحد الأشخاص اللذين شهدوا حادثة زفاف باتريشيا كما قالت السيدة أولين. وإلا لما قال كلمة كهذه!
وجدت نفسي أقول بإنفعال: هذا كثيرا جداً سيد فابيان. كريس ليس دخيلاً!
ما الذي تعرفينه أنتِ آنسة شارلوت؟
قالها وقد اعتدل في جلسته وأضاف ببرود: الجميع يعلم أن كريس مكانه ليس هنا.
ما أعلمه بأنك تجاوزت حدودك كثيراً! من سمح لك بالتفكير بهذه الطريقة بحق الإله؟ من أنت لتضع نفسك في مكان الشخص القادر على تحكيم وتقييم الأمور؟ وُلد كريس ليشغل منصب والده ويحافظ على شركة العائلة وأعمالها الناجحة لا لتقول هراءك هذا.
اتسعت عيناه فأضفت بغضب: دعني أخمن. هل قلت دخيلا بناءً على ما حدث في زفاف والدته!
احتدت عيناه: لن تنطلي حيلة استبدال الزوج على أحد سوى السُذَج آنسة شارلوت.
وما شأن هذا بجهود كريس بحق الإله؟
شأنه بأنه لم يرغب منذ البداية في تولي أمور العمل ولكن انظري إليه الآن يشغل منصبا أكبر مما يستطيع حمله.
هل تغار منه؟
اتسعت عيناه لثوان قبل ان يصرخ بغضب وهو يقف: ما هذا السخف؟ أغار منه؟ لماذا على أن أغار من كريس!
أنت أدرى بالسبب. لماذا لا توضح أسبابك ودوافعك الشخصية للسيد ماكس الذي قلت بانك انجزت معه المهام سوياً؟ هاه؟
لقد تجاوزتِ حدودك في الحديث يا فتاة.
أردف بسخرية ملأها الحقد: اذهبي بنفسك لو تكرمتي بزيارة سريعة إلى الشركات المجاورة وانصتِ إلى القصة التي يتم تناقلها بشأن ابنه الغير شرعي منذ البداية وتورطه في قضية انتحار والدته قبل سنوات.
الجميع يعلم بأن والدته انتحرت. ما الجديد؟!
يوجد الجديد عزيزتي، فزوجك لم يكن موجودا في عزاء والدته طوال الوقت بل ولشهور أخرى مما يجعله ضمن دائرة الإتهام. أنا لن أقبل أبداً بشخص مثله ليكون رئيسا لأعمال قد امتدت لأكثر من عشرون سنة.
كريس لم يكن موجودا في العزاء؟!
لماذا؟!
تساءلت بنفسي بينما همس بإزدراء: من الطبيعي ان تدافعي عن زوجك. ولكن انظري إليه جيداً، لا شيء جيد بشأنه، الجميع يرى سوء علاقته بوالده وهذا أمر حتى الموظفين في أدنى طابق في الشركة يعلمون بشأنه، اختفائه التام عن عزاء والدته لا يزال أمرا غير مقبولاً، أن يحصل شخص بمكانه ومنصبه ويحمل اسم مثل اسم عائلته على طفل غير شرعي قبل الزواج متجاهلا الصحف التي توجه أعينها نحو رجال الأعمال لهو أمر مثير للغضب بلا شك.
رصيت على شفتاي بقوة محاولة قمع غضبي بشتى الطرق ولكنني عجزت وقلت بغيض: كريس ليس بحاجة للمنافقين أمثالك في حياته. كن شجاعا وأخبره بكل هذا في وجهه أيها الجبان.
اتسعت عيناه بعدم تصديق فأردفت بصوت عال ساخر: تلمياحاتك واضحة جداً. ما تقوله أن كريس في الحقيقة محل شبهة في وفاة والدته لأنه لم يتواجد في عزائها مشيرا إلى أنها لم تنتحر هاه؟، حسنا سيد فابيان، المجرم القاتل الذي تزوجتهُ أراهن على أنه يدوس بكلتا قدميه على أقوالك انت واشباهك المنافقين ويمضي دون اكتراث بكم. تتظاهر بأن السيد ماكس زميلك ولكنني لا أرى أمامي سوى شخص يطمع في رئاسة الشركة وينظر إلى كريس باستصغار واحتقار بسبب حادثة زفاف سخيفة مضى عليها سنوات عديدة. ألا تعتقد بأنك ترهق نفسك بالتفكير كثيراً؟
اكملت وانا احمل الملفات بنبرة مستفزة: انصحك بأن تريح عقلك سيد فابيان فالتقدم في السن له ضرائب كثيرة كما تعلم. كالتعرض للخرف أو الهلوسة وإعمال الدماغ بطاقة لا محدودة.
القيت بجملتي عليه وبنظرة احتقار أخيرة وأنا أخرج من الغرفة وأصعد لمكتب العمل وأضع الملفات على الطاولة.
يا الهي. لا أصدق هذا الرجل!
يالتفكيره السخيف! ما شأن كريس بما حدث في زفاف والدته بحق الإله؟ وما علاقة كل هذا بجهوده في العمل أصلاً! لا يمكنني أن أرى منافقا أسوأ من هذا اللعين المدعو فابيان.
بدأ باستفزازي باستصغار الخدم وبعدها في لوم كريس وانهى هراؤه بحديث فارغ.
هذا كثير جداً!
سأخبر السيد ماكس حتما بضرورة إقصاء هذا اللعين من العمل، ليس محلا للثقة. رغبت وبشدة في لكمه وكسر الفنجان فوق رأسه الفارغ.
هدأت من غضبي وانا أشاهد التلفاز في الغرفة محاولة بكل جهد تجاهل ما حدث، مر الوقت ببطء حتى حل المساء وأشارت الساعة للسادسة.
كنت أنزل الدرج امرر يدي على معدتي بجوع وانا اتجه لغرفة الطعام في اللحظة التي صادف دخول ستيف فيها للمنزل مبتسما وهو يحدق إلى هاتفه.
ابتسمت و وقفت أغير وجهتي نحوه منادية بإسمه فرفع رأسه نحوي ولكنه سرعان ما تغيرت ملامحه وقال بسرعة وهو يكاد يركض: آه مرحبا. على أن أصعد إلى غرفتي.
هاه!
وقفت في مكاني بعدم استيعاب وانا أراه يصعد بخطى سريعة دون ان يلتفت! ما خطبه بحق الإله؟!
بينما كنت متسمرة في مكاني افقت على باب غرفة الطعام الذي فُتح وخرج منه جيمي بحيرة لينظر إلي: أمي؟ الن تتناولي العشاء معنا!
أسرعت أجيبه مبتسمة: أنا قادمة. هيا.
دخلت معه وجلست بجانبه، كانت كلوديا وجوش كذلك معنا على الطاولة.
في منتصف العشاء سألت جيمي بإهتمام: لم تخبرني يا جيمي ما الذي فعلته في منزل شارلي؟
ترك الملعقة بحماس أفزعنا جميعنا: لقد كانت ألعاب شارلي الجديدة مسلية جداً! تلك الأرجوحة الكبيرة كانت سريعة! وذلك المسبح كان مليئا بالكرات الملونة والفقاعات الصابونية.
ضحكت على حماسه وكذلك كلوديا وجوش الذي تساءل مبتسما: ألم تكن جينيفر هناك يا جيمي؟
نفي جيمي: لا.
من هي جينيفر!
فكرت في هذا وسرعان ما أفزعني مجددا وهو يصف الألعاب التي قضى وقته باللعب فيها، لحظات من حديثه حتى دخل ستيف لغرفة الطعام فعلقت كلوديا بحزم: لا تتأخر مجددا عن العشاء يا ستيف.
أومأ برأسه بضجر: أردت تغيير ملابسي فلم يمر على وصولي المنزل سوى دقائق فقط.
تدخل جوش بإستيعاب: ظننت بأنني منعتك من الخروج قبل نهاية الأسبوع نظرا لما فعلته وذهابك إلى مركز الشرطة، هل تجاهلتني؟
بدى وكأن ستيف استوعب الأمر كذلك وأسرع يقول بتوتر وهو يجلس: أحد أصدقائي أراد مني الخروج برفقته فأخبرته أن يصحبني معه، لم أقد السيارة يا أبي أقسم لك!
لم يكن هذا ما اتفقنا بشأنه! لقد.
هيا يا أبي العزيز أنظر إلى الطعام اللذيذ أمامك أليس تجاهله هدراً!
سأتجاوز الموضوع هذه المرة فقط. ولكنني لن أتخطى فعلة مشابهة كما تعتقد.
أومأ برأسه مبتسما لوالده متخطيا الأمر فابتسمتُ دون أن أعلق وانا انظر إليه فرفع عيناه نحوي لثانية وما ان التقت أعيننا حتى أسرع ينظر لطبقه!
هذه لم تكن المرة الأولى. أنا لست حمقاء من الواضح انه يتجنبني بطريقة وبأخرى!
غريب. لماذا فجأة؟ هل فعلتُ شيئا أغضبه؟ ولكنني واثقة بأنني لم أفعل. ماذا هناك إذاً؟
ربما على سؤاله بشكل مباشر عندما تسنح الفرصة لي.
أكملت تناول طعامي أتحدث معهم وأضحك حتى انتهينا وذهبنا لغرفة الجلوس العلوية لمشاهدة التلفاز معاً.
لاحظت ستيف الذي يتجنب الحديث معي وكلما حاولت فتح موضوع معه أراه ينسحب بسرعة! أنا حقاً مستنكرة لتصرفاته معي ولازلت أفكر بالسبب الذي يقوده لتجنبي هكذا! غير معقول لابد وأنني فعلت شيئا دون أن أدرك وقد ضايقته.
في النهاية بدأ الجميع بالإنسحاب واحدا تلو الآخر وكذلك جيمي الذي حان موعد نومه وأتت آنا لتأخذه إلى غرفته، وجدت نفسي مع ستيف وحدنا أمام التلفاز فنظرت إليه بطرف عيني.
كان بيننا أريكة عريضة وكذلك الطاولة التي انتصفها المجلات وبعض الكتب.
فتحت فاهي لأتحدث ولكنه أسرع يقف متثائبا وأيقنت أنه تظاهر بالنعاس!
وقفت بسرعة واتجهت نحوه فانتفض وحدق إلى بشيء من التوتر والريبة.
أنت تتجاهلني. هذا واضح جداً.
ارتفع حاجبيه ونظر للفراغ قائلا: لست كذلك. أرغب في النوم لقد قضيت وقتا طويلا في الخارج.
كانت ساعات معدودة فقط.
أردفت بحيرة: لماذا تختلق الأعذار.
اقتربت منه بحزم فتراجع للوراء، كنت مستمرة في الإقتراب وهو يتراجع للخلف حتى تعثرت قدمه بالسجادة وكاد ان يقع لولا أنه استعاد توازنه وقال بإنزعاج: شارلوت ما الذي تريدينه؟
لماذا تتهرب مني؟
لم يجب بل ظل واقفا ومرر يده خلف عنقه دون أن ينظر إلى فتساءلت بعدم فهم: هل ارتكبت خطأً دون أن أعي؟ أو ربما قلت أمرا لم يكن على قوله! أخبرني فربما لم أنتبه لشيء قد ارتكبته دون قصد!
لم يجب على سؤالي وإنما انزل يده وهمس بهدوء: سأذهب إلى غرفتي.
تحرك فوقفت أمامه امنعه من الحركة فزم شفتيه بحزم ونظر إلى بصمت لأقول: ما خطبك يا ستيف! تبدو غريبا اليوم! أخبرني إن كنت منزعجا مني حتى أ.
لم تفعلي شيء.
قالها بنفاذ صبر وتجاوزني متجها للباب: لم تفعلي أي شيء لذا دعيني وشأني وحسب. لا داع لنتحدث أو نجلس في المكان ذاته.
استرسل بصوت منخفض: أريد فقط أن تبقي بعيدة عني.
اتسعت عيناي بدهشة وانا اراه يخرج! اتركه وشأنه؟! لا يمكنه أن يكون جاداً!
تحركت بعدم استيعاب لأجلس على طرف مسند الأريكة أحدق للأرض.
لا داع لنجلس في المكان ذاته، أو نتحدث، اتركه وشأنه؟ ما كل هذا! التفسير الوحيد أنني مصدر إزعاج بالنسبة له!
هل. تجاوزت حدودي بطريقة أو بأخرى في الأونة الأخيرة معه؟ أو ربما كنت أثرثر حتى ضاق ذرعا! ولكنني عاجزة عن استيعاب خروج كلمات كهذه من فم شخص مثل ستيف.
تنهدت بعمق شديد ووقفت متجهة للنافذة وانا أشعر برغبة في استنشاق الهواء بسبب ضيق قد اعترى صدري.
فتحت النافذة واتكأت عليها ليداعب نسيم الهواء البارد شعري، لم أسمع سوى صوت التلفاز المنخفض مع صوت حفيف أشجار الحديقة الكثيفة والنافورة التي يمتد ماؤها ويرتفع مصدرا صوتا تناغم مع الطبيعة الخلابة أمامي.
اعتقد ان شعوري بالراحة مع ستيف سببا في انزعاجي الآن لطلبه بأن أبتعد عنه واتركه وشأنه.
بل وكذلك تضايقي مما حدث مع المنافق فابيان وما سمعته من السيدة أولين هذا الصباح وكذلك إغلاقي للهاتف في وجه جوردن الذي وبلا شك يعلم بأنني تهربت بتلك الطريقة الساذجة.
ما الذي على فعله مع كل ما يشغل تفكيري!
هذا ما غرقت فيه وانا أشاهد سيارة تعبر الحديقة بسرعة حتى وصلت إلى النافورة ليُفتح بابها فوراً.
كريس!
نزل بخطى سريعة وأغلق الباب بقوة وصعد الدرج للمدخل!
لماذا يبدو على عجلة من أمره هكذا!
بغض النظر عن كل هذا. لا أنكر أنني سعيدة بعودته!
ابتسمت دون شعور بسرور، وخرجت من هذه الغرفة وفي هذه اللحظة اتت إحدى الخادمات وابتسمت لي بلطف ودخلت فخمنت بأنها سترتب المكان بعد جلوسنا جميعنا فيه.
عبرت الممر بغية نزول الدرج ولكنني ما أن وصلت حتى شهقت بذعر رغما عني عندما وجدت كريس في وجهي وقد صعد للتو فقط!
لم أُمنح فرصة التقط فيها أنفاسي فلقد رمقني بنظرة غاضبة وأمسك بيدي بقوة ليجرني خلفه فتحركت خلفه بدهشة وقلت: م. ماذا! لماذا تسحبني هكذا!
ولكنه لم يجب وإنما ظل ممسكا بيدي يجرني خلفه وانا أتبعه بعدم استيعاب وحيرة من أمري أنظر إلى يده التي تحكم إمساك يدي.
حسنا إنه غاضب وهذا واضح! ما المعركة الآن وما نوعها وما أسبابها؟!
اتجه إلى الغرفة التي خرجت منها للتو وفتح الباب بقوة لنجد الخادمة التي انتفضت لدخولنا المفاجئ، القى عليها نظرة حادة فتركت ما بيدها ومن وسائد الأريكة التي ترتبها وأسرعت للباب قائلة: أرجو المعذرة.
خرجت واغلقت الباب خلفها فزفرتُ بملل: ماذا الآن؟ ما هي جريمتي!
ترك يدي ووقف أمامي مباشرة فرفعت رأسي نحوه بترقب، وضع يديه بجانبه وقال بحزم: ما الذي قلتهِ للسيد فابيان تحديداً؟
لويت شفتي هامسة: ذلك المنافق.
احتدت عيناه العسليتان وظل مترقبا فتكتفتُ متسائلة بهدوء: ما الذي أخبرك به تحديداً؟
لم يقل شيئاً وإنما اتصل بماكس في المشفى وأخبره بأن يتعامل مع ما قالته زوجة ابنه وأن يأخذ بحقه لما تعرض له من إهانة في منزلنا. ما الذي قلتهِ بحق الإله!
اتسعت عيناي بقلق: هل السيد ماكس بخير؟!
زمجر بغضب: لا تراوغي بسؤال آخر!
لست أراوغك! ذلك الرجل مجرد منافق ولقي ما يستحقه. هو من بدأ على كل حال وكان على أن أقوم بالرد، لم أكن لأجلس مكتوفة الأيدي وهو يتجاوز حدوده.
ما الذي قلته؟ سألتك للمرة الثالثة يا شارلوت!
رصيت على شفتاي بقوة وأشحت بوجهي: وبكل وقاحة يطالب بحقه! ليكن في علمك فقط أنه يخدعكم ويحاول الحفاظ على صورته المثالية أمامكم، لقد ظل يتحدث بإستعلاء عن الخدم ثم أوضح بأنه الأحق في إدارة الشركة. لم أكن لأنصت إليه وأصفق لما يقوله!
تفاجأت به يدير وجهي نحوه ممسكا بذقني وفي صوته شيء من الدهشة: قمتِ بالتطاول عليه لأجل سبب كهذا! أخبريني بسرعة بالحقيقة!
هذه هي الحقيقة! لماذا قد يعمل شخص مثله معكم!
تركني ومرر يده في شعره محاولا تهدئة نفسه وهمس: سأنفجر في أي لحظة. حتما سأنفجر في وجهكِ ولن أتمالك نفسي! لماذا تتدخلين وتسمحين للسانك السليط بالثرثرة دون التفكير بالعواقب! أفسدتِ الأمر معه بحجة سخيفة كهذه! ما الذي تظنين نفسك فاعلة! هل هذه هي طريقتك في استرداد كرامتك.؟
عن أي كرامة يتحدث! لقد فعلت هذا لأنني لم أحتمل ما يقوله ذلك اللعين عنه! غضبت لأنه نعته بالدخيل!
همست بعدم تصديق: ألا بأس بهذا! أقول لك بأنه شخص منافق مخادع! إنه يعتقد بأنك غير مناسب لإدارة شركة والدك! بل وقال بأن.
قاطعني بغضب: وما الذي تفعلينه الآن؟ من وكلك محامية عني! ذلك الرجل له دور كبير في رفع قيمة أسهم الشركة وخسارته ستفتح أبوابا من خسائر الأرباح والعلاقات. ما الذي تفعلينه بحق الإله!
علقت بدهشة: هاه!
ضرب جبينه بخفة وهمس بغيض شديد: بل ويطالب بالإعتذار. أنتِ حقاً تشبهينه في إفساد كل شيء.
إنه يشير إلى إيثان!
نظرت للأرض لثوان ثم رفعت رأسي بحزم: هل هذا يعني بأنك تعلم مسبقاً بحقيقته؟
وما الجديد في ذلك!
هل تعلم ما يقوله خلف ظهرك!
وكل حرف يخرج من فمه.
لا يمكنك أن تكون جاداً!
تراجعت للخلف خطوات صغيرة احدق إليه بعدم استيعاب: هل تعلم بأنك. تجاري نفاقه أيضاً! مجاملتك تعني سقوطك في بئر النفاق لأجل مصالح العمل فقط!
ما الذي تفهمينه أنتِ؟! ما الذي تفهمينه في كون المرء يغلق أذنيه عما يقوله الآخرون لينجح! ما الذي تعرفينه عن كون المرء يجامل لأجل الصعود! أدرتُ قسما كاملا لأثبت كفاءتي بنفسي وها أنا ذا أدير الشركة لأعزز لنفسي وحسب! دعيه يتفوه بما يريد إن كان ذلك سيسمح لي بإثبات كفاءتي اللعينة في الإدارة! لم يقم ذلك الوغد بخداعي، أنا من أخدع نفسي وحسب لذا أخرجي نفسك من الموضوع ولا تحشري أنفك.
لا أستطيع تصديقك! أتعلم بأنه بالغ وتجاوز حدوده ليتحدث عن طفولتك بكل وقاحة!
انتفضت بشدة عندما ركل الطاولة القريبة من الباب بقدمه ليسقط ما عليها من مزهرية وما فيها من ماء وزهور!
نظرت إليها بدهشة ثم نحوه لأجده يخفض رأسه بفم مطبق.
ثوان فقط حتى قال بصوت مرتجف حانق: طفولتي مجرد عرض سينمائي معروض للجميع ولا يوجد بها أي نوع من الخصوصية كما تعتقدين، لا تضحكيني فتلك الطفولة اللعينة من الخطأ ان يطلق عليها اسم كهذا. الحرب التي بيننا لا يجب ان تشمل التعمق في أمور تخصني أنا. أنتِ وعائلتك السبب في كل الكوابيس التي تلاحقني لذا لا تتحدثي وكأنك اللطيفة المنقذة التي لم تحتمل الإساءة.
اقترب مني وأمسك بذراعي بقوة وقال بحقد: إنني مجبر إلى الإعتذار إلى ذلك اللعين والفضل يعود لكِ. أكره أن أتنازل وأقدم اعتذارا ولكنني مرغمٌ طالما أن الأمر يمسُ أعمال العائلة.
هل هذا ما أجنيه لوقوفي في وجهه! كان عليك أن تكون ممتنناً بدلا من لومي! هذا لا يمنع من كونك منافقا مثله تماما!
قلتها بإنزعاج ونبرة عالية فتركني واستدار بحدة: صحيح. أنا كذلك ولا أمانع في هذا، جميعنا منافقون في هذا العالم. لو لم نكن منافقون مع الآخرون فنحن على الأقل ننافق أنفسنا. أفيقي أيتها الطفلة القادمة من أرض السعادة وأنظري للعالم من حولك. نحن مضطرون للمجاملات والمنافقة لتستمر هذه الحياة البائسة. هذا العالم الوردي الذي تعيشين فيه سيتحطم ويتلوث تماماً عندما ينزع الجميع أقنعتهم. حتى أنتِ ستكونين واحدة منا عندما تتوقفين عن المجاملة. عالم بلا نفاق أو مجاملة لن يستمر ولن يدوم.
تسمرت في مكاني بعدم تصديق أنظر إليه عاجزة عن تحريك شفتاي لأجيب.
ما هذه الطريقة في التفكير بحق الإله!
كيف على أن أجيب في وضع مثل هذا!
تحدثي. ألا يوجد ما تقولينه! أعطني مبررك حالاً.
أنت مخطئ. لا يوجد ما أقوله الآن. ولكنك مخطئ!
ابتسم بسخرية مميلا برأسه: أرأيت؟ لا يوجد ما تردين به على الحقيقة التي ترفضينها.
هذه ليست حقيقة! هذا ليس العالم الذي أعيش فيه أنا وإنما العالم الذي خلقته في عقلك بنفسك! لماذا لا تكون هذه هي نظرتك للحياة لأنك في الأساس تعتمد على هذه المجاملات كجزء أساسي تتنفس به!
رص على أسنانه بغيض: الجدال معك عقيم.
بادلته النظرات بحدة وترقب فاستدار متجها للباب متمتما: فعلتك لن أتخطاها دون عواقب.
وجدت نفسي أقول ساخرة دون شعور: لا بد وأن فعلتي قد أفسدت أجواءك اللطيفة مع الآنسة الصهباء الجميلة تيا. ربما هذا هو الدافع لكل هذا الغضب وسبب إحداثك للجلبة.
وقف في مكانه دون ان يستدير وظل ظهره مواجها لي حتى بدأ التوتر والقلق يعتريني!
ما خطبه قد وقف فجأة هكذا!
استدار نصف استدارة فقط لينظر إلى فرمقته بتردد!
ما هذه النظرة الآن! ليس غاضبا وليس منزعجا ولا يسخر مني. ماذا تكون هذه النظرة بحق الإله!
بعد برهة ابتسم ابتسامة جانبية وتقدم نحوي فطرفت بعيني ببرود محاولة التظاهر بالثبات حتى قرب وجهه إلى وهمس بإستخفاف: كوني حذرة. بدأتِ ترخي دفاعك، أشتم رائحة جميلة أشبه بالغيرة!
م. من التي تغار على شخص مثلك! أنت واهم.!
لم يعلق وانما ابتعد مبتسماً بثقة وخرج من الغرفة فقلت بصوت عال بتوتر: قف عندك! من التي تشعر بالغيرة بحق الإله! هذا لن يحدث ولو قام أفضل العلماء بالتلاعب في أنسجة دماغي!
سمعتُ رده من الخارج: كلما راوغتِ كلما أصبحت مثيرة للشفقة أكثر…
الحقير! من يعتقد نفسه! ما الذي قلته للتو! كيف سمحت لنفسي بالتفوه بذلك الهراء! أي انسان سطحي حتى سيفهم بأن دافعي كان الغيرة!
بات أمر مشاعري خطيراً جداً! ماذا لو واصلت فضح نفسي هكذا! ما الذي على فعله!؟
ما يغضبني أكثر هو إنزعاجه بشأن ذلك الفابيان! لماذا قد يدافع عن شخص يدرك بأنه يكرهه! إلى أي مدى قد وصل كريس؟ التعايش مع المنافقين اللذين لا يطيقونه بات أمرا طبيعيا بالنسبة له!
مطيت شفتي بغيض وخرجت من الغرفة ألوم نفسي لمحاولتي الوقوف في صفه.
بعد ذلك قررت النوم بجانب جيمي الذي يغط في النوم العميق مسبقاً ولكنني لم اتخلص من رغبة عقلي الملحة بالتفكير الذي أرهقني فواجهت أرق امتد لساعات حتى غلبني التعب أخيراً.
تحركت بإنزعاج وأنا أشعر بشيء قد استقر على عنقي بعد ان ضربني بقوة، فتحت عيناي بكسل ونعاس لأجد ذراع جيمي تحيط بعنقي وهو في وضعية غير مرتبة بل وان الغطاء لم يعد مستقرا على جسده حتى!
ابتسمت وأغمضت عيناي لثوان وأنا أحاول استعادة نشاطي حتى اعتدلت واسرعت لحمام الغرفة لأغسل وجهي وارتب شعري الطويل المنسدل على ظهري.
عدت إلى جيمي لأجده لا يزال نائما بعمق، القيت نظرة على الساعة الموجودة على المنضدة لأجدها تشير إلى السابعة.
سيحين وقت طعام الإفطار قريباً.
جلست على السرير محاولة ايقاظ جيمي ذو النوم الثقيل ولم يستجب لي فاضطررت للجوء إلى أساليب كالإزعاج ثم الدغدغة حتى استيقط وهو يضحك بكسل.
بعثرت شعره وقلت بحماس: هيا أسرع إلى الحمام لنتناول الطعام جميعنا.
سبقته لأخرج من الغرفة وعندما فعلت ذلك سمعت صوتا مزعجا يصدر من آخر الجناح.
إنها غرفة كريس!
عقدت حاجباي مقتربة ليتضح أنه صوت منبه! ولكنه عال جداً!
وقفت امام الغرفة للحظات واستمر الصوت حتى فتحت الباب باستغراب ليتضح انه لم يكن منبها واحدا فقط وإنما اثنان في الوقت آنه!
رسمت وجها ابلهاً وانا انظر إلى طريقة نومه العميقة لثوان، بدى وكأنه بعيد عن هذا العالم ويغوص في الأحلام! تنهدت ودخلت لأخذ احدهما واضعه بجانب رأسه دون أن أغلقه وأخرج بسرعة.
لا يمكنني أن أصدق أنه يوجد كائن بشري في هذا العالم يحتاج إلى منبهان في الوقت آنه! إذا اندلعت الحرب العالمية الثالثة فكريس سيكون الناجي الوحيد على كوكب الأرض لأنه لن يشارك فيها أو يشعر بها أصلاً.
بعد ربع ساعة أو أكثر اجتمعنا في غرفة الطعام واكتمل العدد.
ما كان عليه الحال كالآتي. جيمي وستيف يتحدثان معاً بحماس بأمور من اهتمامات جيمي، كلوديا تبدو في مزاج جيد جداً وهي تختلس النظرات في كل حين إلى شاشة هاتفها، أما جوش فكان طبيعيا وهو يتناول الطعام بصمت ويقرأ إحدى المجلات.
بينما كريس يجلس بجانبي بهدوء ممررا أصابعه ببطء على جبينه وشعرت وكأنه يعاني من آلام صداع أو أمر مشابه.
شاركت جيمي في الحديث ولاحظت توقف ستيف عن مشاركتنا فوراً ما ان تدخلت.
نظرت إليه وانا ابتسم فأشاح بوجهه بعيداً.
آلمتني ردة فعله هذه ولكنني تظاهرت وكأن شيئا لم يكن، بعدها انسحبت من الحديث فعاد ليتحدث مع جيمي مما جعلني أشعر بالغيض الشديد!
استرقت نظرة لكريس فوجدته بالكاد يتناول الطعام، لقد انتظرت قليلا مفكرة لعله سيسأل جيمي عما فعله في الأمس مع شارلي أو ان يفتح معه أي موضوع ولكنه لم يفعل.
أحزنني هذا وتساءلت إن كان على محاولة جعله يتحدث معه بطريقة أو بأخرى.
عندما كنت أفكر في هذا دخلت السيدة أولين لتطمئن من تواجد جميع الأصناف أمامنا ثم ابتسمت بهدوء وهي تقف خلف كرسي جيمي مداعبة شعره لتتساءل: تبدين مسرورة يا كلوديا. ما الأمر؟
نظرت إليها كلوديا بشيء من الحماس: هل هذا واضح! نعم إنني كذلك بالفعل.
أضافت وقد تركت الملعقة لتضعها في الطبق: لقد أخبرني الطبيب بأن ماكس سيكون قادراً على الخروج من المشفى في غضون أسبوع ونصف.
اتسعت أعين الجميع ليقول ستيف بعدم تصديق: حقاً! هذا رائع. وأخيراً سيعود خالي إلى المنزل!
ابتسم جيمي بسعادة: هل سيعود جدي أخيراً! سيعود للجلوس معي ولنتنزه في الخارج كالعادة!
أومأت كلوديا بلطف: نعم يا جيمي.
انتابني السرور لهذا الخبر الجميل وعلقتُ براحة: من الجميل سماع أمر كهذا، كان يشعر بالوحدة والملل، لا بد وأنه أسعد من الجميع ويرغب في الخروج حالاً.
أيدني جوش: بلا شك، لقد قال الطبيب بأن حالته قد استقرت، ومعاينته اليوم كانت تسير بشكل جيد جدا ويبدو أنه لا بأس في خروجه بعد أيام قليلة بشرط ان يتم توفير العناية في المنزل وقد يضطر للحصول على مرافقة إحدى الممرضات معه ولكنه لم يؤكد هذا بعد.
تنهدت أولين وهي تمرر يدها على رأس جيمي بلطف: وأخيراً سيضم المنزل جميع أفراد أسرته. الجميع مشتاق إليه.
بعدها قال جيمي بحماس: لقد شبعت، أبي سأخرج إلى الحديقة.
ظل كريس ينظر للطبق بعين شاردة وبدى بأنه لم ينتبه لما قاله جيمي الذي بات ينظر إليه بحيرة وترقب فأسرع جوش يتدخل: حسنا يا بني لا بأس طالما أنك أنهيت أكثر من نصف الطبق.
أومأ جيمي والقى على كريس نظرة تردد أخيرة قبل أن يتحرك مبتعدا عن الكرسي ليخرج من غرفة الطعام.
حل الصمت في المكان والجميع يتبادل النظرات حتى اشارت لي أولين بعينها لكريس فرفعت كتفاي بعدم معرفة.
حينها كسرت كلوديا الصمت قائلة: كريس. هل من خطب ما؟
رفع رأسه مبعدا عينيه عن الطبق وتمتم بهدوء: لماذا تسألين سؤال كهذا!
ل. لأنك لم تشاركنا الحديث للتو! كنت هادئاً جداً. ماكس سيخرج بعد أيام قليلة وسيعود للمنزل.
قالتها مترقبة ردة فعله وكذلك نحن.
جابت عينيه العسليتان على الطبق مجدداً والذي لم يأكل منه سوى بضعة ملاعق معدودة وقال ببرود وهو يلقي بالملعقة على الطاولة ليصدر صوتا مزعجا: آه، أنا أيضا مسرور لدرجة أنني فقدت شهيتي.
اتسعت عيناي لما قاله بينما همس جوش بحزم: لا فائدة.
نظر ستيف إلى والده وقال مهدئا: لا بأس يا أبي دعه وشأنه، ربما يكون مزاجه سيئاً الآن.
تدخلت كلوديا بإمتعاض شديد وهي ترفع كوب الماء لترتشف: لسنا بحاجة إلى أي تبريرات أو أعذار فارغة.
أضافت تحدق إلى كريس: من الواضح أن عودة والدك بالنسبة لك لا تعني أي شيء.
حذرتها أولين ملطفة الجو: يكفي يا كلوديا.
حل الصمت مجددا وعادت كلوديا تمضغ الطعام بعصبية فنظر ستيف إلى السيدة أولين بإحباط.
زميت شفتاي بتوتر ونظرت لكريس الذي ظل يحرك الملعقة في الطبق بملل واليد الأخرى يريحها في حجره.
أنا حقا لا أفهم ما الذي يفكر فيه الآن، أو بما يشعر فيه بعد سماع خبر مفرح كهذا.
ولكن. هناك أمر أهم الآن.
لماذا أشعر بأن عيناه في هذه اللحظة غريبتان؟
لا أدري كيف أصف الأمر ولكن. يبدو وكأنه يكبت في نفسه شيء غامض!
نظرت إلى يده التي يريحها في حجره. استمريت في التحديق حتى أدهشتني ردة فعلي وانا امد يدي ببطء نحو يده.
ولكنني سرعان ما توقفت عندما قالت كلوديا بحزم: أنظر إليكَ يا كريس، لوهلة ظننت بأنك ستفتح صفحة جديدة ما ان يخرج والدك من المشفى، ولكن من الواضح أنك لا تنوي المبادرة في إنهاء هذه المعركة بينكما.
م. ما الذي كنتُ سأفعله للتو بحق الإله! لو لم تفاجئني نبرة كلوديا الغاضبة لامتدت يدي دون شعور لأمسك بيده! ما الذي أفكر فيه. أن أريه مشاعري نحوه؟ م. مستحيل! أنا شاكرة لغضب كلوديا. ممتنة لكسرها الصمت فجأة!
انتفضتُ في مكاني على الكرسي عندما زمجر كريس بحدة: سأخرج لأستنشق الهواء.
قالها وهو يقف مبعدا الكرسي الذي وقع للخلف بقوة فاتسعت عيناي وكذلك ستيف بينما قال جوش بحزم وعدم رضى: مهلاً! توقف يا كريس.
وعندما لم يتوقف وابتعد عن الطاولة وقفت كلوديا لتقول بإنفعال قد أفزعني: لقد طفح الكيل، لقد تعبت لم أعد أحتمل طريقتك هذه! إن كنت ستتصرف على هذا النحو حتى عند عودة والدك فأنا أنصحك إما بتغيير طريقتك حالا أو.
ولكنه قاطعها بجفاء وهو يستدير نحونا: إن كان الأمر مزعجا إلى هذه الدرجة فلا تقلقي ما أن يعود للمنزل سأذهب إلى منزلي وحينها لن يكون هناك أي عبء، أيرضيك هذا عمتي؟
لماذا تفكر بهذه الطريقة! ليس هذا ما قصدته لقد كنت أقول بأن ماكس مازال متعبا ومعاملتك الجافة نحوه لن تساعده في التحسن! توقف عن المراوغة وقلب الحديث لصالحك!، لو عاد ماكس ولم يجدك هنا ستسوء حالته لا محالة! هل حقا لا بأس بعودته للمشفى مجدداً بعد ذلك؟
رص على شفتيه بشدة وبدى من الواضح محاولته لتمالك أعصابه ولكنه فشل عندما قال بسخرية بنبرة عالية حادة: عمتي أنا لست ذلك الإبن الذي سينقذ هذه العائلة من التوترات والخلافات، أنظري إلى جيداً وتذكري أنني أحد أهم أسباب هذه الخلافات. كما لستُ إبرةٌ مهدئة سيأخذها ماكس ليتعافى، ولست الإبن الذي سترين فيه أملاً في منح هذه العائلة أجواءً دافئة. الجميع يتفق على أن وجودي ليس سوى عبءٌ ثقيل لا بد من إزاحته قليلا. والدليل على ذلك انني نقطة مشتركة في أي خلاف في العائلة، الأمر لا يقتصر على خالتي فيكتوريا فقط بل الجميع، لذا لا ترهقي نفسك بالتفكير فهذا العبء عليه ان يغادر إلى منزله الخاص عندما يخرج جلالة الملك ماكس ليعود إلى المنزل بين أحبابه ورعيته.
جحظت عيناي الخضراوان محدقة إليه بشفة مرتجفة بينما أخفض ستيف رأسه بإستياء يجوبه إنزعاج.
همست كلوديا بعدم تصديق: ما الذي تهذي به! ألا زلت تفكر بهذه الطريقة! أفق يا كريس لا أحد يفكر بك كعبء سواك أنت. لا أحد ينظر إليك هكذا! من أين لك ان تؤمن بهذا بحق السماء! خالتك فيكتوريا مشكلتها ليست معك أنت فقط بل أنا أيضا! لماذا هذه الخصخصة الغريبة في تفكيرك و.
نفي برأسه بإزدراء: لست أفهم. أنا حقا عاجز عن فهم رغبة الجميع الملحة في الدفاع عنه، لماذا تعاملونه كما لو كان شخص مظلوم! لا يمكنني أن أرى الجميع من حولي يتصرفون معه وكأن شيء لم يكن، هذا مثير للاشمئزاز، لقد ظننت بأنكم ستلقون القليل من الاهتمام لما حدثَ مسبقا و.
باتريشيا انتحرت دون مبرر يا كريس! توقف عن لوم ماكس في ذنب اقترفته باتريشيا بنفسها لتصيب الجميع بلعنة الشك وتوليد الخلافات التي لا تنتهي، السبب لم يكن ماكس بل.
ان كنت ستواصلين التستر على جريمة أخاك فهو أمر لا يعنيني ولكنني لم أعد استبعد امراً كهذا.
ادهشتني جملته تلك!، بينما اتسعت عينا كلوديا وبدى وكأن الصدمة قد أخرستها وألجمت لسانها! وحتى ستيف وجوش الذي ترك المجلة تنزلق من يده محدقا إلى كريس بعدم استيعاب!
اجفلنا لصوت أولين الحاد: لقد تماديت كثيراً! ما الذي تقوله؟ كيف تجرؤ على قول هذا لعمتك وكيف تجرؤ على وصف أبيك بصفات كهذه.
تغيرت نظرات كريس من الانزعاج للغضب الشديد ورفع يده نحو منتصف جبينه بأسى ساخر: جميعكم تذنبون وتقعون في الخطأ نفسه، حتى أنت يا سيدة أولين مازلت تنكرين ما حدث وتتسترين على كل شيء، إن كانت حياة أمي لم تكن ذات قيمة فما الباقي لأقوم بتقديره أو النظر إليه بعد ان سُلبت حياتها! هذا بالفعل لا يغتفر! وأنت يا جوش كذلك صداقتك العميقة مع ماكس لن تسمح لك بالتخلي عن هذه العِشرة التي دامت سنوات طويلة لتلتفت نصف التفاتة إلى المرأة التي سارت على حبل شائك منذ البداية، وانتِ يا عمتي ستتبعين ما تنظر إليه عينا ماكس شقيقك الوحيد والمقرب مديرة وجهك عن ما حدث بكل بساطة! ما الذي تفعلونه تحديداً؟! هل حقا انتهى كل شيء بوفاتها؟ لماذا أرى الراحة على وجوه الجميع منذ ذلك اليوم. هل حقا كان وجودها بينكم مزعجا إلى هذه الدرجة! على أي خشبة مسرح نقوم بالتمثيل جميعنا بحق الجحيم!
وجدت نفسي أقف بتردد وبطءٍ اقمع رغبتي في تهدأته!
أضاف بحقد وقد اختفت السخرية عن ملامحه تماما: هذا المنزل أصبح لا يطاق. أنا أيضا لم أعد أريد أن أتحمل مسؤولية أي شيء هنا. لم أكن أنوي منذ البداية أن أصبح أباً ولم أكن أنوي العمل لأجل الشركة ولم أكن الشخص الذي سيختار والديه ولا ت.
ولكن صوت الصفعة التي دوت في المكان جعلني أشهق بعدم تصديق لأرفع يدي على فمي بينما تسمر الجميع محدقين بدهشة وكأن الزمن توقف لهنينة مجمدا كل الأصوات والحركة.
تناثر شعره على وجنته ورأسه تميل لليسار جراء الصفعة، كان يقف بثبات دون أن أرى ملامحه بينما قالت أولين بنبرة مرتجفة: هذا يكفي. يكفي، لا يمكنني أن أصدق أنك تقول هذا!، لا يمكن ان تكون قد تغيرت إلى هذه الدرجة، هل قلت لا يطاق؟ ما تقوله بحق عائلتك بشع. بشع جدا! هل نسيت ان افراد المنزل جميعهم قد اعتنوا بك منذ صغرك، وكرسوا وقتهم لك ليحاولوا التقرب إليك بالرغم من صدك الدائم لهم، هل نسيت ما قدموه لأجلك وهل نسيت أنهم صبروا عليك كثيراً، ما الذي حدث معك؟ لم تعد تتصرف بطريقة طبيعية إطلاقاً! إن كنت مقتنع بما تراه فقط فما الذي علينا فعله لتلتفت إلى الحقيقة وتصدق، لا. بل ما الذي علينا فعله لننال القليل من ثقتك على الأقل، دائما توجه سبابتك إلينا بلوم وعتاب، دائما باتريشيا المرأة المظلومة والمسكينة، ومن قال عكس هذا؟! أخبرني!
أضافت بحزن مقتربة إليه وهي تمسك بقميصه: باتريشيا قد تعرضت لصدمة قوية يا كريس وجميعنا نعلم هذا، ولكن المظلوم قد يصبح أسوء من الظالم عندما يغرق في الحقد والرغبة في الإنتقام، قد يصبح شخص آخر مختلف تماما وقد يدون اسمه في قائمة الخطر، باتريشيا كانت كذلك يا كريس، أنت تفهم ما أعنيه! لماذا شخص مثلك يتفوه بهذا بعد ان لقيت منها أمور لن يحتملها أي طفل في العالم! ما نوع الأفكار التي تجتاحك إلى هذه الدرجة لتبني هذه الحواجز القوية بيننا وبينك! لماذا تتغير باستمرار!
كنت أنظر إليهما بضيق وترقب، انتظرت من كريس أن يقول شيئا، أن يعتذر على الأقل أو يهمس ولو بحرف واحد ولكنني تفاجأت به يبعد شعره ممررا أنامله فيه للأعلى بملامح بلا تعبير واضح وأصبحت عينيه العسليتين هادئتان تماما وهو ينظر إلى أولين التي كانت عينيها تدمعان بوضوح.
سمعته يقول بصوت منخفض مبعدا يديها برفق: أنا لم أتغير سيدة أولين. هذا هو أنا منذ البداية.
انهى جملته واستدار ليخرج من الغرفة صافقا الباب خلفه!
تحركت قدماي دون شعور خلفه إلا أن صوت جوش استوقفني: دعيه يا شارلوت.
و. ولكن!
نظرت إليه بتردد فزفرت أولين بإنزعاج: لا بأس اتبعيه من يدري ما قد يقوم به الآن.
ارتفع حاجباي بقلق ولكن كلوديا علقت محاولة جاهدة السيطرة على ضيقها: فيما بعد! ربما يكون غاضبا ويفجر ذلك الغضب فيك، اتركيه حتى يهدأ و.
ولكنني قاطعتها لأطمئنها بهدوء: لا تقلقي لن أضايقه يمكنني أن أجلس معه فقط حتى يهدأ.
قلتها وأنا أسرع بالخروج باحثة عنه، وعندما سمعت وقع خطوات على الدرج أيقنت بأنه قد صعد للأعلى ففعلت ذلك.
كنت أصعد ببطء ولا أعلم لماذا، هل أنا متوترة، أم خائفة؟
حاولت تهدئة نفسي ومشيت نحو الغرفة ولكنني قبل أن اتجه إلى هناك لفت انتباهي اصوات ضجة من غرفة مكتب عمله!
تقدمت إلى هناك بحيرة وبخطى بطيئة، كان الباب مفتوحا قليلا وعندما اقتربت أكثر لأطل من الباب ظننت للحظة بأن اعصارا قد غزى الغرفة مسببا تطاير الاوراق في الهواء، ولكنني تفاجأت بكريس يقوم برمي الأوراق والملفات من المكتب بغضب!
انتفضت في مكاني وتحركت لأدخل قائلة: ما الذي تفعله! توقف.
أغلقت الباب خلفي وأسرعت نحوه بتوتر بينما كان يتجاهلني ليرمي المزيد من الأوراق التي تناثرت على الأرض وافسدت المكان كله! وكم أدهشتني تلك النظرة في عينيه بالرغم من تصرفاته المنفعلة! أكاد لا أصدق تلك النظرة المنكسرة البائسة!
قلت مهدئة: مهلا! هذا يكفي، إنها أوراق العمل! توقف عن هذا أيها الأحمق.
ولكنه تجاهلني مرارا وتكرارا إلى أن تشجعت في الاقتراب محاولة إيقافه وأنا أمسك يديه حتى دفعني بسخط: ابتعدي!
نظرت إليه بارتياب فما كان منه إلا أن ركل الطاولة بغضب وجلس على الكرسي وبدى وكأنه يحاول تهدئة أعصابه وعينيه العسليتان تحدق في الأرض بغضب ثم اغمضهما وادار كرسي المكتب ببطء.
زميت شفتي وتنهدت، ووجدت نفسي أقوم بجمع الأوراق كلها، كنت أجمعها بصمت دون أن أنبس ببنت شفة، مر الوقت وأنا مازلت أرتبها حتى انتهيت ووضعتها على الطاولة متمتمة بهدوء: على رسلك قليلا، اترك الغضب جانبا!
قلتها مهدئة فرفع عينيه ينظر إلى بجمود ليهمس: إن كنت هنا لإكمال المحاضرة فأنصحك بأن تخرجي حالا.
محاضرة!
تنهدت بعمق وقلت وأنا أجلس على الأريكة: لست هنا لألومك وما شابه، أردت فقط أن اخبرك بضرورة تمالك نفسك وحسب!
لا شأن لك. لماذا تبعتني على أي حال! النظر إليك ليس مهدئا للأعصاب كما تعتقدين.
قالها بجفاء وهو يبعثر شعره، فبللت شفتي بتوتر: لماذا؟ لأنك تكرهني!
رفع عينيه إلى وانتفضت للكره والحقد اللذان كانا موجهان نحوي!
وقف من على الكرسي متجها إلى بخطوات ثابتة وعندما وقف أمامي رفعت رأسي أنظر إليه بإرتباك وقلق إلا أنني تظاهرت بالثبات حتى انحنى واضعا يده اليمنى بجانبي على الأريكة: لأنني أكرهك؟ هل سألتني للتو لما أنا غاضب؟ ألم أخبرك مسبقا بأنني أكره عائلتك؟
نعم، قلت ذلك
وألم أخبرك بأنهم السبب في كل شيء؟
لم توضح لي ذلك حتى الآن!
وها أنا الآن أوضحه، والدتك العزيزة قادت أمي إلى اللجوء للإنتحار بعد ان طفح الكيل بها. ومنذ وفاتها انقلب الحال تماما في هذه العائلة اللعينة. ادفعي الثمن ودعيني انفس عن غضبي قليلا، إنها ضريبة كونك ابنتها.
أضاف بصوت منخفض أكثر: المشكلة أنني لم أعد أعلم كيف على فعل هذا، لا أدري لماذا كلما أردت تلقينك درسا أو تعذيبك اجد نفسي أعود للوراء مئة خطوة، هذا يجعلني أكرهك أكثر وأكثر يا شارلوت!
عقدت حاجباي بغضب مستمرة في الحملقة به، كم مرة عليه أن يكرر ذلك؟ هل عليه ان يذكرني في كل مرة بأنه يكرهني؟ أشعر بأنني لم اعد احتمل هذا.
لا شأن لي بماضي أي شخص يا كريس! انتحار والدتك مؤسف بلا شك ولكنني لن أقبل بما تقوله طالما ترفض توضيح التفاصيل لي، إن كانت عائلتي مكروهة إلى هذه الدرجة بالنسبة لك فلماذا ظهرت الآن فقط لتنتقم؟ لا تخبرني أن تورط إيثان في تلك المشكلة كان مُدعما بالأسباب ذاتها! لا يعقل بأنك تركته يغرق في ورطته لمجرد أنه ابن ستيفاني التي تمقتها! الا تعتقد بأنك.
ولكنني قطعت ما أقوله عندما تداركت الحماقة التي تفوهت بها! اللعنة ما كان على أن أخبره بأنني على علم بما حدث قبل سنوات مع إيثان! كيف على أن أخفي الموضوع الآن، ولكن ادركت بأن الأوان فات عندما احتدت عيناه بحذر وهمس: إيثان!
أضاف بنبرته: هل علمت بما حدث!
عاودت أبلل شفتاي بقلق وتوتر ولكن سرعان ما تورد وجهي بالكامل عندما اقترب أكثر وانحنى نحوي، كانت عينيه تعكسان نفاذ صبر وسخط ولكنني لم أستطع منع نفسي من الشعور بالإحراج!
وجدت نفسي أتمالك أعصابي قائلة بهدوء متلعثم: لم أقل هذا تماما، أ. أقصد لقد خمنت الامر فقط.
خمنته؟ وهل يفترض أن أصدق هذا!
اتسمح بان تبتعد قليلا؟
قلتها متظاهرة بالغضب فتجاهلني ليقول بحنق: تحدثي! هل تظنينني أحمق؟ ما الذي تخفينه، كيف علمت بما حدث كما تزعمين.
ق. قلت لك خمنت الأمر وحسب!
عندما رص على شفتيه علمت بأنه على وشك أن ينفجر في وجهي فأسرعت أقول وأنا أقف وأتجاوزه لأخرج: على أن أتفقد جيمي.
ولكنني انتفضت وأنا أرى يده التي وضعها على الباب امامي: وكيف لي أن أصدق حجة سخيفة كهذه؟ هل خمنت الأمر؟ وما الذي قمت بتخمينه! ما الذي توصلت إليه؟
زفرت بإنزعاج: خمنت كل شيء وحسب وتصديق ذلك أو لا هو أمر راجع لك يا كريس!
مازلت أسئلك، ما الذي توصلت إليه أيتها المحققة؟
ابتلعت ريقي واستدرت أنظر إليه بحذر فأبعد يده عن الباب ونظر إلى بترقب.
هل على ان أكون واضحة؟
ولكنني. لن أخبره بأن والده من قال كل شيء، وفي الحقيقة السيد ماكس لم يذكر أخي ولكنني فهمت كل شيء وحدي وربطت الأمور بنفسي نظرا لتلك الصورة التي رأيتها في منزله!
كل ما توصلت إليه بأن إيثان كان زميلك في العمل في هذه المدينة، في أول عمل يحصل عليه في شركة عائلتك، وحدثت قضية اختلاس أموال للشركة وتورط فيها.
طرفت بعيني ببطء اتحاشى النظر إليه فاتسعت عينيه العسليتين بدهشة ولكنهما سرعان ما احتدتا فأخذت نفسا أهدأ به نفسي.
ما خطب ردة الفعل هذه؟ وماذا يكون الآن! غاضب؟ مستنكر؟ أم ماذا.
وجدت نفسي أردف بإنزعاج واستفزاز: وهذا هو سبب كرهك له، وهو ما جعلك تقول في ذلك اليوم بأنني أذكرك به، اليس كذلك؟ وها أنت الآن ستردد بأنك تكرهه وما السبب؟ قضية لا تعلم انت حتى إن كانت قضية عادلة أم.
ولكنه ابتسم وهو يصفق بيده بسخرية لأقطع كلامي محدقة به بغيض واستنكار.
أحسنتِ، تحليل ممتاز، وهل يجدر بي أن أصدق أنك توصلت لكل هذا بنفسك؟
أضاف بنبرة تحذير: من الذي أخبرك بالأمر؟!
ع. علمت وحدي!
زفر بملل ونفاذ صبر حتى تمتم: هيا يا شارلوت، لا تقومي باستفزازي أكثر وأخبريني وحسب من الذي أخبرك؟
أضاف مبتسما باستهزاء: أيكون إيثان! هل كان يفضفض لشقيقته الصغيرة مثلا وقال كل هذه الأمور لك؟
شعرت بالانزعاج كثيرا إلا أنه استرسل بحيرة مستفزة: غريب، وهل فقد الأمل لدرجة القيام بأمر كهذا؟ هل كان مستاءا إلى هذه الدرجة أم أنه شعر بتأنيب الضمير والندم فأنفجر باكيا في أحضانك يا ترى؟
أصمت!
أردفت بغضب: إيثان لم يخبرني بأي شيء.
إذاً من الذي فعل؟
أكمل بحدة: فلا أحد يعلم بالأمر سواي أنا وأخاك وماكس!
اتسعت عيناه فبدى وكأنه قد أدرك أمرا للتو فتفاجأت به يقترب مني فلم يكن مني سوى أن أتراجع للخلف متمتمة بحدة: م. ماذا! إياك وأن تتهور وإلا صرخت بأعلى صوتي.
ولكنه لم يتوقف وإنما فعلت أنا ذلك عندما أجبرني الجدار خلفي على هذا!
ظل واقف أمامي وهمس عاقدا حاجبيه بتركيز: لقد التقيتِ بماكس مؤخراً.
ثم اقترب أكثر حتى شعرت بالتوتر الشديد وأبعدت عيناي عنه متمالكة نفسي بينما أكمل: هل كان من أخبرك؟
لا.
أوه، حقا؟
قلت لك لم يقل شيء، أنت قريب جدا ما خطبك بحق الإله!
يمكنني أن أرى أنك كاذبة يا شارلوت.
قالها هامسا بطريقة غريبة جعلتني أنظر إليه رغما عني وقد رفع يده ليعيد خصلات متمردة خلف أذني!
لا أريد التصرف بحماقة لأنني لا أريد له أن يعلم ما أحاول جاهدة إخفاءه عنه، لا أريده أن يستغل مشاعري!
كانت عيناه تحدقان بعيناي وهم يتمتم هامسا: لا أستبعد أن يكون من تفوه بكل شيء لك فأنت بلا شك تذكرينه بوالدتك و بأخيك الوغد.
لا تنعت إيثان بكلمات كهذه!
قلتها محذرة فتجاهلني متمتما بابتسامة ماكرة: فأنتما على أي حال متشابهان كثيرا، بالشكل، بالتصرفات، الفرق الوحيد هو أنني لم أكن أستطع فهم ما يشعر به ذلك المخادع بينما عينيك تبدوان لي شفافتان جدا.
أضاف مبتسما بخبث ولطف في آن واحد وببطء شديد بابتسامته الشيطانية: لماذا ترتجفين؟ هل تشعرين بالتوتر، الارتباك، الخجل؟
لا عجب في أنه سيرى ذلك بسبب ارتجاف جسدي الذي لا أستطيع السيطرة عليه ولكن الأمر ليس بيدي! هل عيناي حقا شفافتين إلى هذه الدرجة!؟ ما الذي على فعله إذاً! التحدث خلف نظارة شمسية داكنة!؟
وجدت نفسي أقول بإندفاع: كفاك سخفا أيها المغرور، ردة فعلي هذه أمر طبيعي بالنسبة لأي شخص عندما يكون الطرف الآخر ق. قريب جدا هكذا!
حقا؟
ثم وضع مرفقه ليسنده على كتفي وبعد ذلك أسند وجنته على كفه، وهل يراني الآن طاولة بحق الإله؟
تمتم بتلك الإبتسامة: وما تفسير إحمرار وجهك هكذا!
ا. الجو حار جدا في هذه الغرفة، أنت لم تفتح جهاز التكييف بعد إنها ليست مشكلتي! لا تحلل الأمور وتفسرها كما يحلو لك هذا يثير اشمئزازي، انتظر سنوات قليلة وستموت مصابا بجنون العظمة بلا أدنى شك.
قرب وجهه هامسا بنبرة خبيثة مريبة: ماذا؟ هل ستستمرين في البحث عن المزيد من الحجج لتسويغ موقفك يا ترى؟ أخرجي ما بجعبتك لا زلت أنصت.
م. ما الذي.
أتساءل ما سبب ارتجافك الآن! أخبريني. هل الحر يسبب أمور كهذه؟
ثم تفاجأت به يبتسم بإستنكار: أنتِ لست واقعة في حبي بعد. صحيح؟
اتسعت عيناي ورمقته بدهشة وتوتر، وصرخت في عقلي ب لا.!
لا يجب ان يعلم بهذا مهما كان الثمن! كل شيء باستثناء مشاعري.
كل ما يمكنني التفكير به هو أنه يريد إذلالي واستغلال هذه المشاعر وحسب.
أجبته بسخرية لاذعة: مثير للشفقة يا كريس! أقع في حب من؟ أنت! لا تضحكني أرجوك فأنا لن أفعل هذا ولو كنت آخر رجل على هذه الأرض. انظر إليك تهرب من تساؤلاتي عن طريق قلب الطاولة علي. هل هذا كل ما تجيده؟
بدى وكأنني نجحت في استفزازه فابتعد قليلا وتمتم بجفاء: يا لها من مراوَغة مبتذلة لتبعدي الأعين عنكِ. دعيني أخبرك إذا ما تتوقين لمعرفته. شقيقك اللعين إيثان أراد التقرب إلى لأجل هدف واحد فقط.
اردف بجمود: المراقبة.
رددت بعدم فهم: مراقبة؟!
ابتسم ابتسامة ساخرة سريعة وابتعد متجها لطاولة المكتب ليستند عليها ممرراً أنامله على الحاسوب المحمول المغلق وتمتم ببرود: أتعلمين الطريقة التي ينظر إلى فيها هذا الحثالة؟ لقد شكل مع ماكس فريقا جميلا لمراقبة الوحش الذي سيستيقظ في أي لحظة. بالمناسبة هذا الوحش هو أنا، رأى أنني أشكل تهديداً على عائلته وقد أبدو خطيراً بل قبل أن أعرفه حتى. النظرة الأولى نحوي لم تكن سوى نظرة حذر جعلت شيئا في داخلي يخبرني أنه لن يختلف عن الأشخاص اللذين تعرفت عليهم طوال حياتي. مجرد عينان تحدقان إلى وتراقبان أفعالي خوفا أن أدرك أن ستيفاني والدته العزيزة من قادت والدتي للإنتحار. كان يخشى ان تزداد الضغينة التي أكنها نحوكم فبات يبني حاجزاً ضخما يحيط بكم خوفا عليكم من الوحش اللعين النائم. ربما ظن بأنني ما أن اكتشف هويته سأخرج مخالبي الخفية وانقض عليكم لا سيما وأنه على علاقة قوية بماكس الذي ربما كان من حذره منذ البداية.
لنكن منطقيين بعض الشيء! أي شخص في العالم سيتصرف بهذه الطريقة يا كريس لو كان في محل إيثان!
((أعتقد بأنه بات ينظر إلى كصديق الآن، ولكنني أعتقد بأنه لا زال على إبقاء هويتي سراً! من يعلم ما قد يقوم به لو أدرك أنها والدتي)). قالها وهو يتحدث مع ماكس ليرد عليه الآخر بلا تقلق يا إيثان لن أسمح له بالإساءة إليكم.
ابتعد عن المكتب واقترب مني وانا لا أزال واقفة أسند ظهري على الجدار خلفي، ليضع يده بجانب وجهي على الحائط هامسا: أتعلمين متى قال هذا؟ عندما كنت أجهل طريقة تفكيره نحوي وانا ابدو مغفلا لا أفهم شيئاً، لن أنكر بأننا بتنا مقربان بعض الشيء عندما بدأ العمل في الشركة قبل أن أعرف هويته، أو ربما انا الوحيد الذي ظننت بأننا أصبحنا مقربان. في الواقع كنت غبيا جداً آنذاك عندما اعتبرته صديق مقرب، ستسألينني كيف لم أكتشف هويته منذ البداية؟ دعيني اخبرك بأن ماكس وضع لإيثان ملف تعريف لهويته بإسم عائلة مختلف حتى لا أتعرف عليه. عندما انضم للشركة بدأ العمل في قسم المحاسبة كأي موظف عادي بينما كنت أدير قسما آخر، ولكنه كان مجتهدا كما ظننت وأصبح مديراً لقسم المحاسبة فأصبحت كثير اللقاء معه بناءً على منصبه، بل وأن ماكس جعله يوتطد علاقته بي عن طريقة بناء بعض المشاريع المشتركة بين القسمين.
ابتسم ابتسامة غريبة وهو يضيف بعين باردة: هو من بادر بالتقرب إلى بالرغم من صدي الدائم، شهور عديدة حتى وجدت نفسي اكسر حواجزاً كثيرة بيننا. مر عامين وبعدها كنا زملاء مقربين. لنقل صديقان. خلال هاذين العامين لم يتحدث يوما عن عائلته، كان مراوغاً. كذب في نقاط عديدة عندما كان يضطر لإخفاء هويته عني، ولكنني من اكتشف صدفة عمن يكون في الحقيقة، حدث هذا عندما سمعت ماكس في مكتب الإدارة يتحدث مع شخص ما قائلا وبكل جدية. (من الجيد انك أصبحت أقرب إليه ولكن لا تنسى بأن نظرته قد تتغير لو علم بهويتك، حاول ان تكون حذرا فكريس لا يعلم بعد بأنك ابن ستيفاني. لو أدرك هذا فستضيع جهودك هباءً). قاطعت حديثهما بدخولي المكتب لتبدأ التبريرات والحجج اللامتناهية.
اخفضت رأسي بعين متسعة فعاود يرفع رأسي ينظر إلى بملل ليكمل: وبعدها بيوم فقط حدث اختلاس لأموال الشركة فتركته بكل برود و بساطة ليواجه مشكلته بنفسه، أخرجه ماكس من الورطة بالطبع ولكن إيثان اختفى بعدها تماما ولم أره منذ ذلك اليوم. أتعلمين كم مرة قال بأنه علينا ان نصبح أصدقاء؟ أتعلمين كم مرة أخبرني بأن القدر جمعني به لأبدأ أخيرا بالتعمق في علاقاتي مع الناس؟ هل لديك فكرة عن تصديقي الأعمى له جاهلا النظرة الحقيقية والحذرة التي ينظر إلى فيها؟ ما الذي كان يطمح إليه؟ أن يخفي هويته دائماً خوفا عليكم مني؟ لماذا أبدو دائماً بالنسبة للعالم مجرد شخص ينبغي الحذر منه! هل أنا حقا ذلك الشخص الذي.
ولكنه قطع حديثه مغمضا عينيه بحزم وابتعد ليستدير ممررا يده في شعره هامسا: إنه كغيره. أنا لا شيء سوى وحش هائج اجمع الناس على أنه من الضروري أخذ الحيطة والحذر منه. التقرب مني لم يكن سوى خوفا عليكم أو ربما دراستي عن قرب ليفهم كيف له ان يتصرف معي لو أدركت الحقيقة. دعيني أخبرك بأنه خائن منذ البداية. لم تكن سوى صداقة مزيفة فقط ندمت على القبول بها، اللعنة عليه إنه يدرك بأنني لم أبني صداقة في يوم ولكنه جعلني تواضعا منه أدرك أن الصداقة ليست سوى امر مؤقت يبدأ بدوافع وينتهي بخيانة. لا أريد بناء مسمى تافه كالصداقة ولن أفعل. وللإنصاف سأعترف بأن الخطأ يقع على ثقتي به.
انهى جملته مستديرا نحوي بملل شابكا يديه خلف رأسه: لن تتواجد الخيانة لو لم يكن هناك ثقة. هل تفهمين هذا؟
طرفت بعيني ببطء وهمست بصوت ضعيف: هل تقول بأن إيثان خان ثقتك به وأبقى هويته سراً خوفا منك! أخبرني بأنك تمزح.
تجاهل ما قلته متمتما بلا اكتراث: ماذا نستفيد من هذا الدرس أيها الجمهور العظيم؟ الفائدة العظيمة من هذه التجربة الفاشلة هو عدم الخوف أو اليأس من الوحدة فهي المكان الوحيد الذي سنضمن فيه ألا نتعرض للخيانة. يمكنك أخذ النصائح مني فلست خاليا من الحكم إلى هذه الدرجة.
أضاف مبتسما ابتسامة مضمرة: هل تريدين الخلاصة يا عزيزتي شارلوت؟
أخفضت رأسي غير قادرة على النظر إليه وأنا أشعر بخفقات قلبي تتسارع مفكرة بما قاله.
لماذا قد يتصرف إيثان بهذه الطريقة؟ لماذا كل هذا الحذر من كريس! أريد أن أسمع ما سيقوله إيثان بنفسه. ولكنني أشعر بشيء من الضيق الذي سبب صعوبة في دخول الهواء إلى صدري وانا افكر في ثقة كريس بتلك الصداقة التي بناها إيثان ليحاول حمايتنا فقط. أرجو ان يكون كل هذا مجرد كذبة او مزحة سخيفة من كريس!
انتزعني من افكاري ترتيبه للملفات التي وضعتها على الطاولة وقد جمعت بها الأوراق التي افسدها، ليقول منهمكا في ذلك: لننهي الأمر بسؤال بسيط. يوجد جريمة واحدة في هذا العالم يدفع ثمنها من لم يقم بارتكابها. اتعلمين ما هي؟
نظرت إليه بترقب وتوتر فابتسم يرمقني بنظرة سريعة: الخيانة.
انهى جملته وقد زفر بنفاذ صبر تاركا الملفات التي لم يكمل ترتيبها وفتح درج المكتب ليخرج مفتاحاً اتضح انه للسيارة وهمس متجها للباب: هذا يكفي. أنا لا أندم على صمتي وإنما على الثرثرة ولاسيما حين تكون أمام شخص مثلك يا شارلوت.
تحرك حتى وصل للباب ووضع يده على المقبض ولكنه توقف للحظة ونظر إلى بهدوء: لعلمك ان المنصت الصامت يخون أيضاً.
القى بتلك الجملة على وخرج لأجد نفسي أنظر لقدماي بشرود.
المنصت الصامت يخون إذاً. الهذه الدرجة ينظر إلى بجفاء واستحقار!
لا أدري ما حدث لي ولكن جسدي قد انزلق ببطء لأجلس على الأرض اطبق فمي بصمت انصت إلى هدوء الغرفة التي كانت للتو تنفجر بإعتراف تلو الآخر.
إيثان. ما الذي كان يفكر فيه!
ان أقوم ببناء صداقة مع كريس لغرض حماية شخص آخر لهو أمر سيكسره ويحطمه بكل تأكيد.
يبدو الأمر وكأنه يخرج سجين من زنزانته ليضعه تحت المراقبة! لازلت أرجو انها مجرد مزحة ثقيلة.
ولكنه كان يتحدث في بعض جمله بيأس واضح بالرغم من محاولته التظاهر بعدم الإهتمام أو الإكتراث. لأضع نفسي في مكانه قليلاً.
لقد انهى مراحله الدراسية كلها دون تكوين صداقات، عدا التفكير بتيا طبعا التي تكون صديقته الوحيدة، ثم يأتي إيثان ويكسب ثقته حتى لا يعلم بأن المرأة التي يكرهها كريس هي والدته. وبعدها تتكون لديه عقدة أكبر في بناء علاقات مشابهة تفاديا للتعرض للخيانة. لماذا يحدث كل هذا؟!
لماذا كل هذه التشابكات الغريبة المعقدة! ما الذي فعلتهِ يا أمي تحديداً.؟
فكرت في هذا وانا لا أزال أجلس أمضي وقتي في التفكير البطيء الذي جعل الزمن يبدو معلقا بالنسبة لي.
علي أن أفكر بالأمر بإنصاف لكلا الطرفين، لأخي إيثان والمتسلط الذي وقعت في حبه.
لو فكرت بالموضوع من ناحية إيثان فلا يمكنني لومه حين يشعر بالقلق علينا ولكن من الظلم أن يفكر بكريس بتلك الطريقة اللئيمة أيضاً!
لا يجب ان أكون متحيزة لذا سأقف في المنتصف مؤقتا حتى أرى الأمور بشكل أوضح.
تنهدت بعمق ووقفت أجر قدماي بصعوبة لأخرج من هذه الغرفة متجهة إلى غرفة النوم لأستلقي على السرير أغمض عيناي محاولة الإسترخاء لدقائق فقط، أشعر بأنه لا طاقة لدي بعد ما سمعته للتو.
مع انني أردت الإسترخاء ولكن صوت رنين هاتفي جعلني اخرجه من جيبي بسرعة لأنظر إلى اسم المتصل.
جوردن!
زفرت بيأس وتجاهلت الهاتف. مزاجي لن يسمح لي بالتحدث مع أحد الآن. ربما سأعاود الإتصال به لاحقاً.
في النهاية توقف الهاتف عن الرنين فأخذته لأنزل باحثة عن جيمي لأقضي معه باقي الوقت.
كنت أجلس على الأرجوحة المجاورة للأرجوحة التي يلعب بها وآنا تدفعه برفق ليتأرجح.
ضحكت ساخرة لآنا: هكذا إذاً، يبدو شارلي راغبا في النضوج المبكر فيلجأ للتحدث بأسلوب أكبر من سنه. بالمناسبة من هي جينيفر لقد سمعت اسمها بالأمس عندما ذُكر شارلي؟!
أجابتني آنا مبتسمة: إنها شقيقته الكبرى ولكنها ليست هنا وإنما في رحلة عمل قد تطول لأسابيع وهذا ما يكون عليه الحال دائماً.
هل منزلهم قريب من هنا.
ارتفع حاجبيها وهي تشير بيدها: حسنا إنه يبعد دقائق قليلة جداً. منزل السيد ماكس كما ترين أخر منزل في الحي، يوجد بجاوره حديقة مملوكة لأحد رجال الأعمال، وخلف هذه الحديقة مباشرة يقع منزل آخر ويليه منزل شارلي، إنهم جيران منذ زمن بعيد وسمعت ان والديه صديقان للسيد ماكس والسيدة كلوديا، السيد كريس كذلك سمعت بأنه اعتاد الذهاب إلى هناك عندما كان لا يزال صغيراً.
أومأت برأسي وانا ادفع يقدمي الأرض لأتأرجح: هكذا إذاً.
علق جيمي مبتسما: أمي ما رأيك أن ترافقينني إلى منزل شارلي، لا بد وأننا سنقضي وقتا ممتعاً!
اجبته مفكرة: لا تبدو فكرة سيئة. ما رأيك ان نتحرك قليلاً نحن نتأرجح منذ أكثر من نصف ساعة!
أومأ مؤيداً فاقترحت ان نلعب لعبة الإختباء بشرط ان تبقى آنا معه وهكذا قضيت معهما باقي الوقت حتى حل المساء وعدنا للداخل.
لم يكن لكلوديا أو جوش أثراً، فعلمت للتو فقط من السيدة أولين التي تبدو متضايقة بأنهما قد ذهبا لزيارة ماكس في المشفى وكم استأت لهذا فلقد كنت أرغب في زيارته ولكن لا بأس ربما في وقت آخر.
كانت السيدة أولين تتجه إلى المطبخ لتشرف على إعداد العشاء فلحقت بها متسائلة: سيدة أولين لا تبدين بخير. ألا زلت منزعجة مما حدث هذا الصباح؟
تنهدت والتزمت الصمت وهي تدخل المطبخ، رأيت طباخاً بدى في منتصف الثلاثين من عمره ويساعده خادمتان إحداهما كانت ممتلئة الجسد وبشوشة الوجه وقد أضفت جواً من المرح عليهم.
نظرت لأولين التي كانت تنظر إليهم بتقييم ثم اتجهت إلى ركن في المطبخ بدى من الواضح انه للمخبوزات والمعجنات نظرا لوجود الفرن الكبير في منتصف الحائط وطاولة الخشب العريضة ذات التصميم الجميل وعليها ادوات الخَبز.
وقفت بجانبها فابتسمت: لم أكن أتجاهل سؤالك وإنما أحاول استعادة المزاج الجيد وحسب.
نفيت برأسي: لم أفكر بهذا.
أنتِ محقة أنا منزعجة جداً. أعتقد بأنني نادمة قليلا على ما فعلته مع كريس.
هكذا إذاً. اطمئني لقد استحق تلك الصفعة ليفيق. تمادى كثيراً وكان بحاجة إلى شخص يوقفه عند حده.
قلتها بإمتعاض وانا استعيد ما حدث اليوم وكيف انفجر في وجههم.
هل فرغ غضبه بك؟
آه. لا لم يفعل لا تقلقي.
تذكرت حينها ما دار من حديث حول إيثان وحدقت إلى العجين المتخمر الذي تفرده أولين على الطاولة وهي تسترق نحوي نظرة فابتسمت بصمت.
ساد بيننا صمت كسرته بنفسي عندما همست: سيدة أولين.
أصدرت همهمة تساؤل فقلت بتردد: لن أقول هذا بتفاخر ولكنني غالبا صريحة مع من حولي وأرغب في سؤالك عن أمر ما بشأن كريس.
توقفت يداها عن الحركة لمهية تنظر إلى بإهتمام: كلي أذان صاغية.
أملت برأسي إيجابا فعاودت تحرك يداها فقلتُ بصوت منخفض وبجدية: أعلم بأنك تحبين كريس كثيراً وتعتبرينه ابنك ولكنني تساءلت فقط. ما رأيك سيدة أولين إن وقعت فتاة بحبه هل تعتقدين بأنها ستعاني؟ ك. كما أخبرتك للتو سأكون صريحة معك. أنا. أعتقد بأنني أحبه ولكنني خائفة كثيراً ولا أتوقف عن التفكير.
ظهر على ثغرها ابتسامة لطيفة تلاها ضحكة خافتة فارتفع حاجباي بإستغراب.
ثوان فقط حتى قالت: هل الوقوع في حبه أمر مرعب إلى هذه الدرجة.
ح. حسنا لا يمكنك لومي.
لن ألومك، دعيني إذا أبادلك الصراحة يا عزيزتي. لم أكن لأظن يوما أنه سيقبل على الزواج ولا سيما وانه كان رافضا للفكرة تماما، زواجه من كلارا مختلف تماما وكان للضرورة ولكن الفكرة بشكل عام لم تنال إعجابه. ولكنني لست عاجزة عن رؤيته كزوج لفتاة مناسبة أيضاً! قد يكون صعب المراس ولكنه في الحقيقة من السهل استدراجه على عكس ما تعتقدين تماماً.
لم أفهم!
أقصد بأن مشاعرك هذه نحو كريس لا يجب ان تخافي منها او تندمي عليها، أنتِ لن تقعي في حب شخص ما لمجرد الصدفة! هو ليس بهذا السوء في الحقيقة وإنما لأسباب ما بات يعشق الظهور بمظهر الشاب السيء. إنه في الواقع أبسط بكثير مما يبدو عليه، لديه نقاط ضعف كثيرة ونقاط قوة عمل جاهدا لإبرازها. التقرب منه ليس سهلا ولكنه ليس صعبا أيضا.
لا أفهم ما الذي جذبني إليه! ما الجيد بشأنه بحق الإله!؟ لو فكرت من جميع النواحي فسأعجز تماما عن إيجاد خصال جيدة في شخصيته او تصرفاته.
انتِ لست بحاجة إلى سبب للوقوع في حب شخص ما!
طرفت بعيني مرددة ما قالته فوضحت وهي تقطع العجين إلى دوائر صغيرة: الوقوع في الحب هو أكثر الأمور الغير منطقية في هذا العالم. على سبيل المثال الوقوع في حب شخص ينبغي ان تكرهيه، او الوقوع في شخص ينظر إلى الطرف الآخر بإستعلاء ولا تعكس عيناه سوى الإحتقار، وحتى الوقوع في حب شخص خال من المحاسن كما ترين أنتِ بشأن كريس.
هذا جنون.
قلتها بإمتعاض وانا اردف بتحذير: أرجوك سيدة أولين لا تخبري أياً يكن. لا يجب ان يعلم كريس بهذا أبداً.
ابتسمت ساخرة: ستفضحين نفسك عاجلا أم آجلا.
ساكون حذرة واتفادى حدوث هذا ولكن أرجوكِ عديني بأن يبقى الأمر سراً بيننا.
أومأت: أعدك. ولكنك على الأغلب ستنقضين عهدك هذا مع نفسك أولاً.
لويت شفتي: أفضل الموت قبل حدوث هذا.
ثم نظرت من حولي للمطبخ و أردفت متذكرة: هل لي بسؤال آخر؟
تفضلي.
هل هناك ما حدث لستيف؟
ستيف! شيء مثل ماذا؟
لا أعلم لا فكرة لدي ولكنه يتصف بغرابة مؤخرا ويعاملني بطريقة جافة جدا ويتجاهلني دائما.
احتارت ملامحها فأكملت: ولكنه أخبرني بأنه ليس متضايقا مني فما عساه يكون! هل هو متقلب او مزاجي.
لا!
قالتها بإستغراب متنهدة: مازال في العشرون من عمره قد يكون هناك ما يشغله كما تعلمين.
لم يكن السبب مقنعا ولكنها أردفت: ستيف كذلك نشأ على يدي، ولطالما كان مرحا وواضحا جدا، إنه يضيف أجواء مرحة وممتعة أينما تواجد.
نعم لاحظت هذا!
لا تقلقي سيعود لطبيعته قريبا.
هل تصرف بهذه الطريقة مسبقا؟
لا، لذلك أشعر بالحيرة قليلا.
أملت برأسي بإستغراب وقطعت ما تبقى من وبعدها جلست في المطبخ أنظر إلى الطباخ الذي تورد وجهه بسبب بخار الطعام فوجدت نفسي اقترب منه قائلة بابتسامة هادئة: يبدو أنك منهك قليلا.
نظر إلى بحيرة وسرعان ما احتار: آنسة شارلوت! آه لا أنا بخير.
دعني أساعدك!
لا. لا داعي لهذا إطلاقا
لا بأس سوف أقوم بتقليب الحساء فقط فربما لم تعد تستطع تحمل البخار!
ظل ينفي بشدة ولكنني كنت مصرة حتى أخذت الملعقة من يده.
هذا لطف منك يا آنسة شارلوت!
لا تقل هذا إنه مجرد أمر بسيط، أشعر بالملل على كل حال!
بعدها كنت أتحدث معه بحماس عن أمور الطبخ وهو قد انخرط معي بالحديث كذلك، وعندما استدرت وجدت اولين تحدق بي بابتسامة شاردة وعندما بادلتها الإبتسامة قالت: هل تحاولين تسلية نفسك؟
نوعا ما، أشعر بالملل بالفعل، ليس هذا وحسب فلقد بدأت أشعر بالنعاس ولا يزال الوقت مبكراً، ربما لأنني استهلكت كل طاقتي باللعب في الحديقة.
عندما انتهى الطباخ من طهي الطعام وقد ساعدته قليلا وكذلك الخادمتان أمرت السيدة أولين بتجهيزه في غرفة الطعام.
خرجت من المطبخ وعبرت الممر ثم الردهة لأسمع صوت ستيف وجيمي في غرفة قريبة، لن أذهب فستيف سيعبس فور رؤيتي.
تحركت منزعجة من رائحة ملابسي التي علقت بها رائحة الطعام فابعدت القميص قليلا عن جسدي بامتعاض وحينها رأيت إحدى الخادمات التي تتحدث ممسكة سماعة الهاتف وسمعتها تقول: أمركِ سيدة كلوديا.
أغلقت الهاتف وما ان لمحتني حتى اسرعت تنادي: آنسة شارلوت.
نظرت إليها بترقب وابتسمت لها بهدوء فقالت: لقد طلبت السيدة كلوديا مني إخبارك بالإتصال بالسيد كريستوبال لتسأليه عن وقت عودته للمنزل ثم معاودة الإتصال بها.
ه. هاه! أنا؟!
فهمت. لا بد وانها لا تريد الإتصال بعد ما حدث صباحاً، إنها غاضبة حتى الآن بلا شك.
ولكن لما لا يتصل ستيف أو شخص آخر، لا أريد التحدث معه لا أشعر برغبة في ذلك!
ولكنني ابتسمت لها مميلة برأسي: حسناً إذاً.
انحنت بلباقة واتجهت للممر المؤدي إلى المطبخ فاخرجت هاتفي مفكرة بصوت منخفض: رقم هاتفه ليس بحوزتي. ربما سأكون مضطرة لأخذه من ستيف! ولكنه سيستنكر كثيرا سبب عدم وجود رقمه معي! أي شخص طبيعي لن يستوعب هذا. ولكن. سأقول بأنني مسحته عن طريق الخطأ!
لا. إنها فكرة سخيفة، سأخذ هاتفه إذاً واتصل منه. هذا الحل الأفضل.
تحركت بالفعل نحو الغرفة التي سمعت صوته برفقة جيمي فيها، طرقت الباب ودخلت لأجدهما يصرخان بحماس وهما يلعبان بألعاب الفيديو.
استدار ستيف ليرى من دخل وعندما رآني عاود ينظر للشاشة بسرعة وضحك بمرح لجيمي: ها قد هزمتك مجدداً.
وقفت بتردد وتوتر بسبب تجاهله للتو وحينها قال جيمي بغيض: سترى الآن كيف سأهزمك.
ولكنك هددتني أكثر من مئة مرة ولم تفز ولو لمرة واحدة، ربما سأتعاطف معك.
تقدمت مشجعة نفسي وقلت: عذرا على المقاطعة ولكنني بحاجة للتحدث إلى كريس يا ستيف. هل يمكنني استعارة هاتفك للحظة؟
ضغط زر الإيقاف المؤقت في اللعبة وأخرج هاتفه ونظر للشاشة لثوان ثم مد يده نحوي بهدوء، فتناولت الهاتف متمتمة: لن أتأخر.
نظرت للشاشة لأرى اسمه كالآتي (أخي المتغطرس)
ابتسمت دون شعور: أخي؟ هذا لطيف!
ولكنه لم يعطني ردة فعل فزميت شفتي وخرجت من الغرفة متنهدة بعمق.
اسندت ظهري على باب الغرفة وضغطت على زر الإتصال وسرعان ما الغيته باستيعاب.
ك. كيف على التحدث معه الآن؟! أشعر بقليل من التوتر! و. ولكنها فرصة جيدة للإطمئنان عليه!
ضغطت زر الإتصال ولكنني الغيته مجددا بتردد!
حسنا على أن أتريث، كل ما سأفعله هو الإتصال به وأخبره بكل برود، متى ستعود؟
وإن سألني لماذا فسأخبره بأن عمته تتساءل وحسب.
وإن قال لما لم تتصل بي بنفسها فسأجيب فوراً بلا أعلم، لا شأن لي، ولا أهتم.
وجدت نفسي أضغط زر الإتصال بجدية هذه المرة ووضعت الهاتف على أذني بترقب، لم أكن أسمع صوت نغمة الإنتظار بسبب خفقات قلبي العالية!
لماذا بحق الإله قد انتابني الإرتباك هكذا!
زفرت وسرعان ما كتمت أنفاسي عندما أجاب.
ح. حسنا هو لم يجب ولكن.
أستطيع سماع أصوات خافته!
ركزت بحيرة واستغراب حتى اتسعت عيناي قليلا وأنا أسمع صوته خافتا وليس واضحا: لا أستطيع.
لا يستطيع ماذا؟
وسرعان ما اتى جواب تساؤلي عندما سمعت صوت امرأة تتحدث بدلال: لماذا؟ لم أرك منذ أيام، هل نسيت الوقت الذي استمتعنا به معا؟
أنا في مزاج سيء لذا دعيني وشأني.
ياللقسوة. لست لطيفاً يا كريس.
اتسعت عيناي مفكرة بهوية المتحدثة بينما قال بهدوء: هذا يكفي لا أريد شرب المزيد.
أتى صوتها وهي تضحك بدلال: أعلم بأنك ضعيف جداً أمام النبيذ ولكن لا تقلق، أضمن لك بأن مزاجك سيتحسن لاحقاً وتنسى كل ما يضايقك.
عودي إلى منزلك واتركيني أحظى بوقتي الخاص.
قالها بنبرة انزعاج فتنهدتْ: هذا مؤسف، لقد كنت متشوقة كثيرا لنحظى بالقليل من المرح اليوم.
أردفت وبدى وكأنها فرحة: بالمناسبة زوجتك تبدو صغيرة بعض الشيء، ويبدو أنها حادة الطباع قليلا فهي لم ترحب بي ذلك اليوم، أيعقل بانكما تشاجرتما ولهذا أتيت وحدك هنا!
لم. أرحب بها؟!
هل أعرف هذه المرأة!
حسنا ربما صوتها مألوف قليلا ولكن، من تكون!
أنا لا أعرف سوى تيا.
هذه المرأة صوتها بالفعل ليس غريب أشعر بأنني سمعته مسبقا و.
ولكنني سرعان ما تذكرت صوتها!
نعم، إنها تلك المرأة التي التقيتها في منزله على الشاطئ، ما الذي تفعله معه بحق الإله؟!
توقفي عن الثرثرة أخبرتك بأن مزاجي متعكر.
صدقا! كيف لها أن تكون عنيفة هكذا!
استغربت جملتها ولكني سرعان ما اتى التوضيح وهي تردف بأسف: تجنب شرب الأشياء الساخنة حتى لا تشعر بالألم.
إنها تشير الى ذلك الجرح على طرف شفته!
لم يقل شيئا فتنهدت بدورها بيأس: حسنا. لا بأس في وقت لاحق إذاَ! آه صحيح، يبدو أنك فتحت هاتفك بالخطأ يا كريس، شاشته تبدو مضاءة!
ثم سمعت صوت خطوات تبتعد وكريس يزفر متمتما بانزعاج: ستيف؟! ماذا تريد؟
فلم يكن مني إلا ان أغلق الهاتف وأمسك به بقوة.
هذا الزير اللعين إنه في منزله وتلك الكريهة كانت تجلس معه! ما الذي يفعلانه وحدهما هناك!
ح. حسنا هذا حقاً أصعب من كل شيء، أسوأ من كل ما حدث مسبقا!
صحيح بأنه تزوجني لأسبابه ولكن.
هذا لا يمنعني من أن أنال حقي في نيل احترامه واخلاصه على الأقل.
أشعر بأن قلبي يؤلمني.!
لا يمكنني احتمال هذا، ما هذا؟
هل هذا احساس الغيرة وحسب!
خائن، نعم. إنه خائن!
أعلم بأنه يكرهني ولكنه ليس مبرر.
ليس مبرر!
لماذا على أن أتألم باستمرار، هل عليه ان يحطمني هكذا في كل مرة حتى عندما لا يتعمد؟
يا الهي ساعدني. أريد التوقف عن حبه حالا!
أنا. لا أعني له شيء، أنا نكرة في نظره، أنا الحمقاء الساذجة التي تزوجها رغما عنها ليشبع رغبته في الانتقام.
أريد أن اكرهه. أتمنى فقط لو أكرهه.
يمكنني ان أشعر بالحقد تجاهه ولكنني لا أستطيع التوقف عن حبه.
أي جنون هذا!
بحق الإله، فليرحني أحدهم لم أعد احتمل!
أسرعت استقيم في وقفتي محاولة تمالك نفسي ولكنني كنت أعلم بان وجهي كان شاحبا حينها، عدت إلى الغرفة لأعطي ستيف الهاتف دون ان اهمس بكلمة مما جعله ينظر إلى بطرف عينه باستنكار، اتجهت للباب لأخرج وعندما رأيت الخادمة قلت: إنه لا يجيب.
عندما حان موعد العشاء لم يكن على الطاولة سواي وجيمي وستيف بينما كلوديا وجوش لم يعودا بعد.
حتى الطعام أصبح مذاقه سيء فجأة. لا يمكنني تناول المزيد!
أمي، لقد شبعت.
ما الذي على قوله فيما بعد؟ هل على أن أتصرف كما لو أنني لم أسمع شيئا! ليس من السهل ان اتظاهر بأنني لا أعرف شيء، فهذا مؤلم. مؤلم جدا في النهاية ولا أعرف كيف قد تكون ردة فعلي عندما أراه!
أمي؟
لو لم يكن هاتف ستيف لقلت بأنه تعمد ان يفتح الهاتف لأسمع حواره مع تلك المرأة
ولكنه لا يعلم بأنني من اتصلت به، هل حدث أنه قام بفتح هاتفه دون قصد كما اتضح من حديث تلك المرأة.
إن كان الأمر كذلك. فهذا أسوء أمر قد أود سماعه يوم ما!
أ. أمي!
قيلت بنبرة عالية محتارة فانتفضت ونظرت إلى جيمي بإستغراب ليتمتم بتوتر: لقد كنت اناديك كثيرا!
ح. حقا! آسفة لم أنتبه، اعذرني لهذا يا كريس.
أمي أنا جيمي.
أعلم هذا!
وبعدها استوعبت حماقتي، حسنا يبدو أن الوضع يشغل رأسي أكثر من المتوقع.
تنهدت محاولة تمالك نفسي وقلت بمرح مصطنع: حسنا ها قد انهيت عشاءك والآن ما رأيك أن نذهب لغرفتك ونتحدث او نرسم قليلا؟
كنت اشعر بالتوتر لنظرات ستيف المتمعنة ولكنني تجاهلت الأمر، وقف جيمي وقال بأنه سيسبقني فأملت برأسي، وبعد أن خرج رشفت رشفة واحدة من العصير وأسرعت لأقف وأنا أرمق ستيف بصمت فوجدته يحدق إلى وقد ظهرت تقطيبة صغيرة بين حاجبيه دلالة على الاستغراب.
في النهاية خرجت أنا أيضا وذهبت لجيمي وجلست معه نرسم ونتحدث و عندما حلت الثامنة جلست كالعادة وقرأت له قصة ولم يتوقف عن تقليدي في سردها كالعادة وللحظة نسيت ما كان يضايقني واستمتعت بمحاكاته لطريقتي، حتى نام بعمق.
قبلت وجنته واغلقت الإنارة وخرجت من غرفته لأذهب إلى الغرفة الأخرى لأستحم.
كان الماء الساخن كفيل بجعلي امضي وقتا طويلا في الحمام دون أن أشعر، ولكنه جعلني استرخي بشدة واشعر بالنعاس فخرجت لارتدي ثيابي واجفف شعري الطويل الذي تجاهلته لاحقا وتركته منسدلاً.
وقفت أمام المرآة أنظر إلى نفسي.
يوجد بريق أخضر حقيقي في عيناي يبحث عن عذر لما سمعته على الهاتف، ذلك الخائن اللعين تجرأ على فعلة كهذه. فكرة تواجدها معه وحدهما فقط كفيلة بجعلي اشتعل غضباً.
فليكن. هذا الأحمق لن يحظى طويلا بحبي له، سوف أتوقف عن حبه واتدارك الأمر قبل أن يسوء.
عليه ان يخرج من عقلي لأرتاح قليلاً.
بصراحة أمر كهذا جعلني أحقد عليه كثيرا، وليتني فقط أكرهه. ليتني!
وجدت نفسي ابتعد عن السرير بتوتر وأقف امام باب الغرفة ببرود لأحرك المفتاح وأغلق الباب.
سأغلقه لسبب فقط.
لا أريد رؤيته، أريد استفزازه، وأريد الشجار معه لأخذ بحقي. حسنا إنها في الواقع ثلاثة أسباب.
عدت للسرير متنهدة بحزن واندسيت تحت الفراش لأجبر نفسي على النوم.
كنت نائمة بعمق.
حتى سمعت صوت خافت جداَ!
فتحت عيناي بتثاقل لأرى الغرفة مظلمة تماما سوى من انارة السقف الدائري الزجاجي، اعتدلت قليلا لأحاول النظر من النافذة من بعيد لأرى إنارة المنزل في الحديقة بأكملها كذلك قد أُطفئت.
وجهت عيناي نحو الساعة فوجدتها الثانية والنصف!
الوقت متأخر جدا.
ابعدت الغطاء وحاولت أن أستمع إلى الصوت جيدا.
ما هذا؟
يبدو وكأنها. أغنيه بصوت مزعج!
وقفت بحذر ووضعت أذني على الباب لأفاجئ أن الصوت أصبح أقرب حتى أصبح أقرب أكثر وأكثر، ك. كريس!
إنه صوته هو. م. ما الذي يدندن به؟
قطبت حاجبي بتركيز حتى أصبح الصوت خلف الباب تماما وعندما تحرك المقبض علمت بأنه يريد الدخول فوجدت نفسي أقول بهدوء مرتبك: ما الذي تريده؟
هاه؟
أتت نبرته ساخرة فقلت مجددا: ما الذي تريده؟!
ما هذا السؤال الغبي بحق الإله؟
أضاف بإنزعاج وبطريقة غريبة: هيه أنتِ. افتحي الباب!
لماذا يتحدث هكذا؟
انتفضت مجفلة بريبة عندما طرق الباب بقوة فقلت: ت. توقف عن هذا ستوقظ الجميع أيها الأحمق!
افتحي الباب يا شارلوت.
قالها بحدة وبتلك الطريقة الغريبة مجددا فقطبت جبيني بينما قال: لماذا تغلقين الباب اللعين!
ل. لا سبب محدد! دعني وشأني اليوم فقط، المنزل مليء بالغرف فلتنم في إحداها اليوم!
هل جننت؟
ليس بعد!
سحقا، افتحي الباب ولا تمتحني صبري.
ابتلعت ريقي وانزعجت من نبرته الغاضبة.
وجدت نفسي أقول بغضب: آخر ما أريد رؤيته هو وجهك المزعج. خائن مثلك لا يجب ان يأتي بكل ثقة هكذا!
ما الذي تثرثرين بشأنه افتحي بسرعة!
قالها هذه المرة بصوت عالي فخشيت أن يستيقظ الجميع وبدى وكأنه قد نفذ صبره فأنصعت وفتحت الباب ببطء فدفع الباب بلامبالاة وأغلقه خلفه.
نظرت إليه بحذر بينما كان يمسك السترة في يده اليسرى التي يثبتها على كتفه الأيسر ونظر إلى ثم بعثر شعره متمتما بطريقته تلك: هذا مزعج! أشعر بالصداع.
قالها ثم رمى السترة على فالتقطتها بإنزعاج شديد وراقبت تحركاته لأراه يمشي مترنحا والتقط انفي رائحة ما بدت قوية ولكنني انتفضت عندما استدار لي وقال مبتسما بسخرية: ماذا؟ هل أنت خائفة؟ لماذا تبدين قلقة؟!
ابتلعت ريقي وعندما تقدم نحوي بخطوات غير متزنة قلت بدهشة واستيعاب: هل انت ثمل؟
التعليقات