التخطي إلى المحتوى

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الرابع عشر

نظر حوله بهدوء شديد وخصلات شعره السوداء تتطاير بفعل الهواء، كان واقفًا يفصل بينه وبين البحر الثائر من تحته جسر، ولكنه لم يفكر أبدًا في إلقاء نفسه من هذا الارتفاع المميت، مروان رغم ما حدث معه كان يتقوى باللّه في كل لحظة ودقيقة، انسابت دموعه فجأة وتعالت شهقاته المتألمة حزنًا على حاله وحال عائلته، نظرت له ماريا بهدوء ولم تتدخل، هي تعلم شعوره في تلكَ اللحظة، يا اللّه، يا اللّه…

ردد مروان بألم وهو يخبط على صدره ناحية قلبه، والده قُتل، والدته أصبحت مجنونة، وإخوته، عائش والصغيرة رهف، كيف أصبحوا بعد كل هذا؟
كيف واجهوا كل هذا بمفردهم؟

ارتجف فمه بحزن وعينيه الحمراء ترسم في عينيه أبشع المشاعر الألم، المعاناة، والإنتقام، مروان، إهدئ أرجوك، أعلم بأنك حزينٌ على ما حدث وما سمعته، ولكن أنظر للجانب الجيد، أنتَ موجود الآن وستعوضهم، قالت ماريا بهدوء لينظر مروان ناحيتها بسخرية وهو يردد، عن ماذا سوف أعوضهم؟ عن عمرهم الذي ضاع هباءًا بسبب اللعين رائف. هل كان هينًا عليه تدمير عائلتنا هكذا؟

لم تجيبه ماريا بأي شيء فتنهد ببكاء ونظر أرضًا، شكرًا ماريا، شكرًا لكِ، لن أنسى فعلتك هذه أبدًا، قال مروان بامتنان لتبتسم له ماريا بخفة، مروان، هذا عنوان منزلي، إذا ضاقت بكَ الدنيا أو صديقك هذا لم يساعدك فقط تعال عندي، والذي يسأل لا يتوه، ابتسم مروان بهدوء لها وأمسك الورقة الصغيرة ثم وضعها بجيب الجاكت الذي أحضرته معها، ماريا تكفلت بكل شيء له، ملابس، نقود وهاتف جديد، ووعدته ايضًا بالبحث عن عنوان أخوته، تنهدت ماريا ثم نظرت له بتوتر طفيف لاحظه مروان، طائف سيعلم قريبًا أنني هربت وبالتأكيد سيستنتج أنكِ من فعلتِ هذا، قال مروان بقلق لنظراتها التائهة نحوه، فابتسمت بسخرية، ستصدقني إذا قلت لكَ بانني لستُ مهتمة، أنا أرجو أن يفعل هذا، من الممكن أن أجد الخلاص حينها!

نظر لها مروان ولم يتحدث بأي شيء بعدها، فقط استدار ونظر للماء وفي داخله ترتسم بداية جديدة، ويحيط الأمل روحه، أما ماريا فقد وقعت أسيرة لذكرياتها المؤلمة والتي جعلتها تغدو هكذا آداة للقتل تسير وفقًا لقوانين الشيطان، رائف،.

تنهدت عائشة للمرة الألف وهي تبحث عن اسم الدواء الخاص بوالدتها، وللعجيب أنها لا تجد هذا الاسم تحت محرك البحث الخاص بمرض والدتها، الحبوب الموجودة بين يديها هي حبوب ممنوعة قانونيًا وتسبب الهلوسة الشديدة، عائش أنا جهزت، يلا نمشي، قالت رهف وهي تسير ببطء وتستند على الحائط بجانبها، رهف جيتي ليه، مش قولتلك نادي عليّا؟

وبختها عائشة بضيق فابتسمت رهف بحنان وهي تقترب منها بخطوات متوترة ثم ارتمت في حضنها، عائش، أنا بحبك، رددتها رهف بحب لتبادلها عائش الحضن وهي تربت على كتفها بحنان، يلا هنروح، سليم هيجي دلوقتِ يعتبر، نبست عائشة لتومئ رهف بالايجاب، وحين همّت بالنهوض دلفت شيما و هايدي وهم يتمازحون سويًا، رهف بقيتي أحسن؟

قالت هايدي بحنان لتومئ لها رهف بهدوء وهي تتناول منها طبق الفاكهة الذي كانت تحمله، الحمدلله يا حبيبتي، بجد أنا مش عارفة أرد جمايلكوا دي إزاي، بجد شكرًا يا هايدي على كل حاجة، قالت رهف بامتنان لتدعمها عائشة بابتسامة هادئة وهي تنظر ناحية الشيماء بتوتر، متخافيش مش معايا صواريخ خلاص، قالت شيما بمرح لتقهقه هايدي ورهف بهدوء بينما عائشة ابتسمت لها بمرح مماثل، إنتِ وقفتِ قلبي واللّه المرة إللي فاتت، قهقهت شيما ثم نظرت لهايدي التي جلست بجانب رهف تحادثها بمزاح، هايدي، هما هيجوا إمتى؟

سألت شيما لتتنهد هايدي بخفة وهي تتذكر خروجهم بسبب مرض زينبو المفاجئ، مش عارفة بس عمومًا أنا كلمت سفيان وهو طمني على زوبة، قالت هايدي بهدوء لتومئ لها شيما بتفهم بينما هايدي تذكرت ما حدث بعدما أخبرت سفيان بكل شيء، سفيان نظر لها ببرود شديد ولم يحدّثها للآن بعدما أمرها بالهبوط من السيارة، ثم حين همّ بالذهاب استمعوا لصياح والدته فركضوا على سلم المنزل ليجدوا والده يسند جدته ووالدته تركض يمينًا ويسارًا لتحضر حاجياتها، فرقعت شيما أصابعها أمام وجه هايدي لتلتفت لها الأخرى بتساؤل فأشارت شيما نحو عائشة ورهف الذين التفتوا لإكمال ترتيب الحقائب، رفعت هايدي كتفيها للأعلى دلالة على عدم علمها بما يفعلونه وحين همّت بسؤالها دقّ جرس الباب فجأة فنهضت هايدي لفتحه وحين فتحته نظرت للماثل أمامها باستغراب، أفندم حضرتك عايز مين؟

سألت هايدي بهدوء فنظر لها الأخر ببرود ثم نظر للداخل باشمئزاز واضح ثم دفع الباب ببرود ودلف للمنزل دون استئذان، تبعته هايدي وهي تصرخ فيه بغضب لينظر لها بلامبالاة شديدة ثم جلس على الأريكة ومدد قدميه أمامه بغرور، خرجت الفتيات من الغرفة على صوت هايدي الغاضب بينما هي ذهبت وهاتفت أخاها على الفور خاصًة حين لمحت نظراته الخبيثة نحو عائشة التي تصنمت في مكانها ورهف التي اختبئت ورائها، رائف، قالت عائشة بصدمة فابتسم المعني ببرود وخبث جعل منها في حالة نفور كبيرة، روحه، إيه مش ناوية ولا إيه؟

سأل رائف بهدوء وهو يوزع نظراته على المتزل من حوله، وفي هذه الأثناء وضعت هايدي الهاتف في جيب إسدالها الخاص وحمدت ربها في تلك اةلحظة بأنها ارتدته، السلام عليكم، هايدي في حاجه؟

سأل سفيان عبر الهاتف ولكن لم يجيبه أحد وحين همّ بإغلاق المكالمة استمع لصوت عائشة الغاضب فوضع الهاتف على أذنه بفضول، ده بعينك يا رائف، أنا مش هرجع معاك أبدًا على جثتي، قالت عائشة بغضب وهي تتمسك بأختها بينما رهف كانت في حالة لا تُحسد عليها، بدءًا من ارتجاف جسدها إلى شعورها بالقيئ الذي داهمها فجأة، تصنم سفيان في مكانه بصدمة، اللعين كيف وصل لهم، لاحظ والده حالته فتحرك ناحيته بتساؤل ولكنه ركض فجأة تاركًا والده في حالة تعجب منه ولكنه لم يبالي فعقله مشغول بوعكة والدته الصحية، ركض سفيان نحو سيارته ليضع الهاتف على المكبر ثم أدار السيارة بسرعة وهو يدعو اللّه أن يصل قبل فوات الأوان، علي جثتك إنتِ ليه، ممكن نخليها على جثة أختك الحلوة دي، أو مامتك مثلًا إيه رأيك؟

قال رائف وهو يعتدل في جلسته فلمعت عينيها بالدموع وتلك القوة المصطنعة بدأت بالتصدع، هايدي لا تفهم ما يدور حولها والشيماء كذلك ولكنهما بكل تأكيد علما بأنه يهددها ومن ملامحها الشاحبة فهو لا يمزح معهم، إنتَ عايز إيه يا رائف، قالت عائشة بهمس فنهض من مكانه وهو يُهندم ملابسه ثم تقدم نحوها هي ورهف، وحين همت هايدي بالتدخل أخرج رائف سلاحه ووجهه نحوها لتصرخ الأخرى بخوف مسببة فزع سفيان وهو يزيد من سرعة سيارته، رائف الكلب، واللّه لموتك لو لمستهم، تمتم سفيان بغضب وهو يلكم مقود السيارة، اقترب رائف من عائشة ورهف بينما الشيماء احتضنت هايدي بخوف، مد رائف يده لرهف وأمسكها من كتفيها بقوة فرفعت عائشة يديها نحوه بإعتراض، توء توء توء، نزلي إيدك يا عيوش علشان مش نزعل من بعض، بكت رهف بين يديه حين سحبها من وراء أختها بينما عائشة لم تستطع فعل أي شيء سوى البكاء، تقدم رائف ثم أجلس رهف على الأريكة والتي طاوعته دون معارضة، بينما عائشة بكت بألم شديد ليجز سفيان أسنانه بغضب شديد وهو يشعر بالألم يحتل قلبه، عايز إيه يا رائف.

قالت عائشة بيأس ليبتسم رائف بخبث ثم أخرج من جيبه ورقة مطوية، عايز إمضتك الحلوة دي على قسيمة الجواز، قال رائف بخبث لتنكمش ملامحها باستغراب، وإنتَ فاكر إن من عقلي هوقع على الورقة دي، قالت عائشة بغضب فابتسم رائف باستمتاع ثم أخرج ورقة أخرى وفتحها بإستمتاع، لو مش مضيتي يا حلوة، وصل الأمانة ده كفيل إنه يخلي أختك الحلوة دي تتعفن في السجن، قال رائف بخبث وهو يُمرر يديه على وجه رهف التي تنظر أمامها ببرود، بينما هايدي تصنمت في مكانها تقبض على هاتفها بقوة وتدعو اللّه أن يُرسل لهم النجدة، وسفيان الذي أوقف سيارته على بُعد شارعين تقريبًا من منزله ثم أمسك هاتفه بقوة وركض نحو منزله ولم يرى أخوه أدهم وصالح الذين وقفوا باستغراب يناظرونه وهو يركض، ثم حين هموا بتتبعه هبط فرغلي وهو يسب بغضب شديد وحين رأى ملامحهم المستنفرة نظر لهم باستغراب ورمى أنظاره نحو ما ينظرون ناحيته فوجد سفيان يركض بسرعة فلحقه هو الآخر وراءه أدهم وصالح، كانت عائشة تقف بإستسلام شديد حينما لمحت رائف بقوته وغروره يجلس بأريحية على الأريكة في منزل سفيان، لم يهتم بأي شيء سوى عائشة التي تواجهه بلا حول أو قوة، هايدي تنظر إليه بشرر والشيماء كذلك ولكنه تجاهل كل هذا وركّز بأنظاره عليها، هو محدش قالك قبل كده إنك كراجل يعني لامؤاخذة مينفعش تدخل بيوت ناس تانية إلا لما يكون فيها راجل تاني، قالت الشيماء بقرف فكتمت هايدي ضحكتها بينما عائشة لم تكن في أحسنِ حال لتمزح معهم، ها يا عيّوش، هتمضي ولا تودعي أختك الحلوة دي.

قال رائف بخبث وهو ينظر لها بأعينه السوداء المُظلمة التي لم تفشل في إخافتها، تنهدت عائشة بضيق شديد ثم نظرت لرهف التي تجلس أمامها بأعين دامعة ثم ابتسمت في وجهها بإرتجاف جعلها مُوقنة من إختيارها، عائشة ستختارها على حساب نفسها، هي ستتزوج هذا الشيطان فقط لنجاة رهف أختها ورفيقة قلبها…
مش معايا قلم.

قالت عائشة بهمس فناظرتها رهف بألم وهايدي والشيماء نظروا لبعضهم بقلة حيلة، مد رائف يده لها وحين همّت بإمساك القلم والإمضاء، دخل سفيان راكضًا وهو يلهث، ثم سحب الورقة ناظرًا لرائف بقرف، ومدّ عينيه نحو الورقة ناظرًا لمحتواها ثم لمعت عينيه بحماس شديد، هو محدش قالك إن الأستاذة مكتوب كتابها ولا إيه؟ هو في واحدة بتتجوز مرتين؟

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *