رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل الخامس عشر
تصنمت عَائشة في مكانها بدهشة حين استمعت لجملة سفيان التي سببّت ثوران رائف، إيه يا رائف، مش مصدقني ولا إيه، قال سفيان بهدوء وهو يَقطع الورقة الموجودة بين يديه، فنهض رائف بغل متجهًا نحو سفيان ثم حين همّ بإمساك سلاحه الذي وضعه في جيبه الخلفي امسكه سفيان بقوة سببتها مشاعره الثائرة من نظرات عائشة الخائفة منه، توجهت عائشة مسرعة نحو رهف التي كانت على وشك فقدان وعيها فأمسكت كتفها بدعم وجاورتها هايدي التي اطمئن قلبها بوجود أخيها، أبيه سفيان، مش قولتلي هتعمل الفرح فين، قال الشيماء ببلاهة وهي تتطلع نحوه ليسبها سفيان بغضب ثم ابتسم لها بغل وهو يقول، الحتّة إللي عيوش عايزاها هنعملوا فيها، ولا تعلم عائشة كيف تسلل لقلبها الآمان في وجوده، الوحش موجود إذن كل شيء سيكون بخير، ابتسمت عائشة بإصطناع وهي تواجه رائف ببرود أشعل نيران غضبه ناحيتها وجز على أسنانه قائلًا، عائشة، متقليش حسابك معايا أكتر من كده، رفرفت عائشة ببراءة وهي تنظر نحو سفيان بهدوء، أنا مش عايزة فرح، بس ممكن نعمل سيشن إيه رأيك؟
ابتسم سفيان لها ببرود ثم نظر لرائف الذي كاد يشتعل واقفًا، إيه رأيك يا بن عمها، سيشن ولا فرح؟ ولا الإتنين دي عائشة يرخص ليها الغالي، قال سفيان بجدية فقهقه رائف بسخرية ثم أردف بنفس النبرة، أكيد مش عايزني أصدق المسرحية دي، الوحيد إللي بيعمل مسرحيات هنا هو أنت يا باشا، قال أدهم الذي دخل مسرعًا يتبعه صالح الذي حين رأى الشيماء أمامه ابتسم ببلاهة ونظر بعيدًا عنها، يا رب يا ساتر، قال فرغلي وهو يخبط بكفه على باب المنزل، أشار له صالح بالدخول فشمّر عن ساعديه ودخل مبتسمًا، إزيك يا سفيان، قال فرغلي بمرح وهو يخبط على كتفه متجاهلًا نظرات رائف الغاضبة منهم، نظر له سفيان ولم يعقب فتنهد فرغلي بضيق ونظر لأدهم يعاتبه، إيه ده، ده العروسة هنا، إزيك يا أبلة عاملة إيه؟
قال فرغلي بسخرية وأعينه تنظر نحو عائشة التي انكمشت على نفسها بخوف، إيه ده يا ربي، هو أنا هلاقيها من مين ولا من مين، همست عائشة بخوف وهي تشدد على يد رهف، وقف سفيان بجانب رائف وفرغلي نظر له وعرف أن هناك شيء يحدث من حوله، سفيان!
همس فرغلي بهدوء فتنهد الآخر بضيق ثم نظر له باستنكار، أمشي…
قال فرغلي ببرود وهو يقبض على يده بغضب وحين نظر سفيان لملامحه المستنفرة نفى برأسه فتأكد فرغلي من شكوكه وأن هذا الشخص الغريب لا ينتوي لصديقه خير، من عيوني، والنبي يا أبلة هايدي متعملي لضيفنا العسل كوباية شاي زيه كده، قال فرغلي وهو يجلس على الأريكة بجانب قدم رائف فنظرت له هايدي بتعجب بينما سفيان وصالح ابتسموا بسخرية، هتبقى ماسخة، قال صالح باستهزاء فابتسم فرغلي بمرح ولم يردف ثم نظر لسفيان بهدوء وكأنه يطمئنه بأنهم معه، وهيا العروسة هتوافق عليك يا شق، هتوافق على الشخص إللي قتل أخوها؟
قال رائف بهمس و خبث وهو يقترب من سفيان، نظر سفيان له ببرود شديد وحين نظر لعائشة التي تنظر له بقلق أعاد نظراته لرائف وقال بقرف، هو أنا مقولتلكش، مش مروان طلع عايش!
قال سفيان بصدمة مصطنعة وهو يدنو من أذن رائف وقبل أن يستوعب رائف جملته قبض سفيان على رقبته بقوة وقام بضغط جسده للأسفل ولكن رائف لم يقاومه بسبب حالة الصدمة التي تلبسته، كيف عرف سفيان هذا؟
أكيد بتسأل عرفت إزاي، يا راجل يعني مش عارف مين سفيان، ده أنا كنت زيك كده في يوم من الأيام، أو منك كمان، قال سفيان وهو يجلس بجانب فرغلي الذي اعتدل في جلسته منتظرًا إشارة سفيان لكي تبدأ الحرب، حسنًا فرغلي يحب الشجار، وهذا واضحًا من الحماس الذي يملئ عينيه، أما أدهم الذي كان يقف ساكنًا ينظر بضيق لحالة رهف التي تدهورت من خوفها من هذا الرائف، كانت جالسة تنظر أمامها بتيه شديد، لا تعلم كيف تسيطر على ارتجاف جسدها بين يدي أختها، دموعها تتساقط على خديها، وعينيها تنظر في كل مكان حولها، كأنها تبحث عن طريقة للهروب من هذا المكان، نظر لها أدهم بمزيج من المشاعر مبهمة التفسير، الشفقة، الحزن، الغضب والألم، لا يعلم لما راوده هذا الشعور، وكأنه يُريد أن يحميها من كل شيء تواجهه، رفعت رهف أنظارها ناحيته حين أحست بمراقبته لها، وحين التقت أعينهم سويًا أشاحت بوجهها بعيدًا عنه بخوف وشدّت على ملابسها بقوة وكأنها تتقوى بها، مقولتش لأبلة هايدي سكرك إيه يا باشا؟
قال فرغلي بمرح مصطنع وهو يربت على ساق رائف الذي أجلسه سفيان بجواره غصبًا، إيدك لتوحشك.
قال رائف بغضب وهو يدفع يده بقرف فرفع فرغلي حاجبه بسخرية وقال، هو الباشا أهطل، ده أنا كنت عايز أعمل معاك الواجب، ابتسم صالح بمرح مصطنع وقال، الواجب ده بيتعمل مع الناس السالكة، أما ده فواجبه هياخده برّه البيت، القانون كان بيقول إيه يا أدهم، نظر له أدهم حين فرقع أصابعه أمام وجهه، سيب العبيط يزيط لحد ما تقابله برّه البيت، قال فرغلي بحماس وهو يضرب قبضته بكفه الآخر فابتسم أدهم عليه وصالح كذلك، أما سفيان استرخى في جلسته وسند ظهره للوراء ثم نظر لرائف ببرود، هو البيه مطول، ولا تكونش ناوي تحضر الفرح، أصل لامؤاخذة هيبقى على الضيق، قال سفيان بخبث وهو يضع قدم فوق الاخرى فثار رائف بغضب ونهض من مكانه متجهًا نحو سفيان وأمسكه من ياقته متحدثًا بغضب، متستفزنيش، عائشة هتتجوزك إزاي فين وكيلها أصلًا، نظر له سفيان باستفزاز وأحاط بمعصمه مشددًا عليه، أبويا كان وكيلها، أصل لامؤاخذة مين هيبقى وكيلها غيره، عمها؟، إللي هو أبوك يعني؟، ده واكل ورثها، ضحكت عائشة فجأة بصوتٍ عالي مما جعل سفيان ينظر لها ببلاهة فخجلت هي من نظراتهم نحوها وإحمرّ وجهها، لأ ما الأستاذة سرقته، قال رائف بغضب وهو ينظر لها وكيف ضحكت معهم براحة، رائف، عيب في حد يسرق حاجته، فعلًا يعيش البجح على قفا المكسوف، قال صالح باستهزاء ليقهقه أدهم بسخرية وهو يحيط برقبه، سمعتها فين دي، أجابه صالح بمرح وهو يربت على صدره بفخر، شوفتها على ضهر توكتوك، وبعدين هما مش بيقولوا خدوا الحكمة من على ضهر التكاتك برضوا، لم يهتم فرغلي بالحديث الدائر حوله فقط يركز بأنظاره على سفيان الذي ينظر في الأرض ببلاهة ارتسمت على وجهه حين سمع ضحكتها المرحة، شوف عينيه بتطلع قلوب إزاي، آه يخربيت الحب واللّه، قال فرغلي بهمس وهو يناظرهم، رفع رائف عينيه نحو عائشة ببرود آلم قلبها وجعلها تنكمش على نفسها، ثم حين خطى نحوها خطوة واحدة نهض سفيان وفرغلي بحدّة وأدهم أخرج سلاحه بينما صالح إتجه للوقوف بجانب الباب حتى يغلقه إذا ما قرر الوحوش الثائرة ضرب رائف حتى لا يستمع الجيران لصراخه، حسابك تقل معايا أووي يا عائشة، وآه ألف مبروك على الفرح، هديتك هتوصل قريب، قال رائف ببرود وهو ينظر لهم واحدًا تلو الآخر حتى سقطت انظاره على سفيان الواقف أمامه مستعدًا للهجوم عليه، وإنت، سلملي على الحاج والدك، قوله ابن عم العروسة بيسلم عليك، وإتقل يا سفيان علشان إللي عملته مش هعديه بالساهل، قال رائف بداية جملته بسخرية وهو يضع سلاحه في مكانه المخصص، ثم اقترب من سفيان هامسًا في أذنه بخبث ونظر لعائشة مرة أخرى بتوعد وحين لمح نظراتها الخائفة قهقه بخبث، لازلت القطة تخاف منه أذن، وهو يعلم نقطة ضعفها جيدًا وسيستغلها بأبشع صورة من الممكن أن تتخيلها، بدءًا من والدتها، نهايةً بأخيها مروان،.
دلفت ماريا للمنزل بهدوء والصمت يُحيط بها، فهي تسكن بمفردها حيث أنها وحيدة في هذا العالم، نظرت للسكون من حولها ولا تعلم لما إحساسها يقول بأنها ليست بمفردها، وقد صدق إحساسها حين فُتحت أضواء المنزل فجأة وقبل أن تستوعب ماريا أي شيء وجدت شيء يُغرز برقبتها فحاولت المقاومة. لكن دون جدوى، بعد مرور ساعة تقريبًا، استيقظت ماريا فجأة بفعل الماء البارد الذي سكب عليها، فرفعت أنظارها للشخص الواقع أمامها ثم ابتسمت بسخرية شديدة، لقد أتى من سيأخذ وهذا ما تمنته طوال حياتها، مرحبًا ماكس، كيف حالك؟
قالت ماريا باستفزاز وهي تتحرك على الكرسي المقيدة عليه بعدم راحة، أحسن منكِ أيتها الخائنة، قال ماكس ببرود وهو يلكمها في وجهها بقوة، بربكَ ماكس، من الخائنة، أنا، لم أتوقع منك هذه الكلمات القاسية أبدًا، لقد كُسر قلبي وتفتت لمئات القطع، قالت ماريا ببراءة جعلت من الآخر يناظرها بسخط، أين مروان؟
قال ماكس فنظرت له ماريا بخبث وهي تغمز بعينيها فلكمها الآخر بغضب وهو يسبها، أيتها الحقيرة، لازال الزعيم لم يعلم، وإذا علم بتهريبك له سيحول حياتنا لجحيم، لقد فتحتي علينا أبواب جهنم، قال ماكس وهو يجذبها من خصلات شعرها الحمراء بغضب فصرخت ماريا بألم وسبّته قائلة، أذهب للجحيم أنت وزعيمك، للجحيم أنت واللعين الآخر، نظر لها ماكس بغيظ وأخرج مسدسه لتغمض ماريا عينيها بألم والدموع تتساقط بخفة، أخيرًا ستتخلص من حياتها، فجأة انطلقت ثلاث رصاصات سمعتها ماريا بوضوع ولكن للعجب لم يصيب جسدها شيء ففتحت عينيها ببطء لتجد جسد ماكس يتهاوى أرضًا والدماء تخرج من أماكن متفرقة في جسده، مرحبًا أيتها الصهباء، أظن بأنني أصبحتُ مجرمًا مثلكِ!
قال مروان وهو ينفخ في مسدسه بدراما ثم وضعه في جيب الجاكت الخاص به، نظرت له ماريا ببكاء وفمها يرتجف بألم وكأنها تشكوه آلامها، فابتسم لها ببطء وقال لها، أيتها الصهباء، ما رأيكِ برحلة مدفوعة الأجر إلى مصر؟
قال مروان فنظرت له ماريا من وسط دموعها الصامتة وسألته بألم، ماذا سنفعل في مصر؟
ابتسم لها مروان بحماس وهو يفك قيدها، سنربي الزعيم اللعين، وأستعيد عائلتي، صحيح ألم يهاتفكِ سليم إلى الآن؟
في قسم الشرطة، كانت روان تجلس بتوتر أمام الشرطي وهي تقبض على الفلاشة الصغيرة بين يديها، إنتِ عايزة إيه يا روان، قال الشرطي صديق سليم الذي كان يعرفها أعز المعرفة وهي أيضًا كانت تعلم بأنه رجل حق ويحب تحقيق العدالة ولو على رقبته، عايزة أرفع قضية، على أخويا سليم معتز المسلماني، بتهمة قتل مروان مختار الشافعي ابن خالتي وأخويا في الرضاعة،.
التعليقات