التخطي إلى المحتوى

رواية في حي السيدة للكاتبة هاجر خالد الفصل السادس عشر

قصدتك من كل الجهات مناديًا
أجرني من القيد الذي شدّ معصمي
أعدني لنفسي كم تغربتُ حائرًا
أحن لضوء في سماءك منعمي
إذا طال صمتي سبّح القلب ضارعًا
وشعَّ دعاء الحب نورًا على فمي
فيهدئ قلبي بعد خوفي وحيرتي
وقد زاد عطرٌ من جنانك في دمي
حنانيك يا رباه نصفي على الثرى
ونصفي طَليقٌ في فضاءٍ مُحَوِّمِ
قصدتُ رحاب النور أنشد توبتي
وأنت لنا الغفّار من كل مأثم
تشبثت بالضوء الرحيم لعله
يشدُّ غريق النفس من بحرها الظمي.

تعوذت يا ربي من الشر خادعًا.

ومن لي سوى الرحمن في الأرض يحتمي، كان سفيان يجلس أرضًا بعدما انتهى من صلاة القيام ويتغنى بتلك الأنشودة التي دائمًا ما يرددها، ينظر نحو السماء بأعين مغلقة، يُناجي ربه بحرقة ولا يعلم كيف يتخلص من تلك الغصة الكامنة في حلقه، رفيقه حيّ، ويا ويله على ما يضمره له في نفسه، مروان لا ينتوي له خيرًا، تذكّر سفيان ما أخبره به أدهم بعد خروج رائف من السجن، لقد قال له بأن سليم من أخرجه، وهو اعتقد بأن سليم يُساعد رائف، ولكن تلك المُكالمات الدولية التي يجريها سليم في كل فترة لم تريح بال سفيان، فجعل صالح يتولى أمر التجسس عليه ومراقبة هاتفه، ولكن سليم كان ذكي وكان يعرف بأن هناك من سيتجسس عليه فقام باستخدام رقم آخر مزيف، ولأن صالح ذكي في بعض الأحيان استطاع اكتشاف أمر هذا الرقم بمساعدة متخصصين وكّلهم أدهم بهذا الأمر، وبالفعل استطاعوا النجاح في اختراق الرقم ومعرفة المكالمات التي تصل له من الخارج ولم يكن سوى رقم واحد لامرأة تدعى ماريا، استغرب سفيان كثيرًا هو وأدهم. ، إن كان سليم يُريد محادثة ماريا تلك لماذا كلّف نفسه ذلك العناء، ولأن سفيان لا يُحب التدخل في شئون الأخرين قال لأخيه بإنهاء هذا الأمر، وحين أرادوا إنهاء الإختراق سمع سفيان صوتًا لرجل يخاطبه سليم باسم عزيز على قلبه، مروان، كان الحديث يدور حول هروب مروان من سجن رائف وسيساعده سليم في هذا، وقع الشك في قلب سفيان ناحية هذا الموضوع، مروان مات هذا ما أخبروه به حينها، ولكن سفيان لم يرى الجثة وهذه نقطة في صالح شكه بأن مروان لا يزال حي يرزق، لم يتأكد سفيان من موضوع مروان سوى اليوم حين همس لرائف بذلك وعندما رأى معالم الصدمة مرسومة على وجهه هو تأكد نسبيًا بأن هذا مروان رفيق عمره وليس مروان آخر، يا اللّه يا مُعين، قال أمجد بهدوء وهو يجلس بجوار سفيان الذي فتح عينه يُناظره بهدوء لا يشعر به، مش هسألك عامل إيه، بس إيه رأيك نقعد نتكلم سوى أنا وإنتَ وأدهم والواد صالح برّه هو وفرغلي نجيبهم برضوا، قال أمجد بحماس مشتعل فابتسم سفيان له ببطء وقبل أن ينبس بالقبول فُتح الباب فجأة، يا رب يا ساتر، إللي خالع رأسه يغطيها، قال فرغلي وهو يدخل للغرفة بجسده العضلي الضخم، وحين رآه سفيان تعكّر صفو ملامحه فنظر له أمجد بعتاب أمّا فرغلي كان يعلم بأنه يشاكسه، إنتَ زعلك وحش أوي ياض، يخربيت الساعة إللي زعلتك فيها ده فات شهرين، قال فرغلي بسخرية وهو يجاور سفيان، أما أدهم وصالح فقد دخلوا للغرفة وهم يحملون صينية الشاي وأكياس التسالي، أبعد عني يا فرغلي أحسنلك، قال سفيان بتحذير وهو يناظره بغضب فتنهد الآخر بضيق ثم جلس على ركبتيه وفجأة ألقى نفسه على سفيان، قهقه أمجد عليهم أما صالح حين رأى ما فعله فرغلي ألقى الأكياس من بين يديه وصفق بحماس وهو يفرك يده ببعضها قائلًا اللّه مصارعة.

ثم ركض ناحيتهم تاركًا أدهم يمسك مقبض الباب وصينية الشاي وهو يسبه بغضب، ذهب صالح ناحية فرغلي الذي كان يجلس بجسده فوق سفيان الذي كان يصرخ به بغضب واختناق، والآن فرغلي يقوم بالحركة اللولبية وهيرفع جسم سفيان لفوق، قال صالح بدراما وهو يتقمص دور شخصية المعلق فتوقف فرغلي فجأة عن عض يد سفيان ونظر له باستنكار قائلًا: أرفج جسمه لفوق، ده طور، دي الفخدة لوحدها عاملة تلاتين كيلو، ضربه سفيان بغضب في كتفه وقبل أن يدفعه سفيان من عليه عاد فرغلي للشجار معه بمرح وهو يطلق أصوات مستفزة، صرخ به سفيان بغضب بينما أدهم وضع الأشياء بجوار والده ولم يهتم بما يفعله فرغلي بأخيه، جلس أدهم ممسكًا لهاتفه وهو يتصفح فيه حتى ينتهوا من أفعالهم الطفولية، أووف سفيان ضربه في بطنه ضربه قاسية وفرغلي هوب الله الله الله ده عضه في إيده يا جماعه أوب الكلب المسعور يولاه، أكمل صالح حديثه بنفس الطريقة فتوقف سفيان فجأة ونظر له وحين لمح ابتسامته الحماسية ترك جسده لينام أرضًا وبدء بالضحك عليه أما فرغلي توقف لاهثًا ونظر لسفيان ضاحك الثغر برجاء، قوم يا بني من فوقي.

قال سفيان بتنهيدة ساخرة لينظر فرغلي له بيأس وحين هم بالنهوض جذبه سفيان بقوة قالبًا الوضع فأصبح فرغلي على الأرض ثم بدأ سفيان بالضرب فيه بمزاح ليبتسم أمجد بارتياح أما صالح نهض فجأة وأطلق صرخة كرتونية وألقى بنفسه فوقهم وبدأوا يتمازحون فيما بينهم بينما أدهم نظر لهم بتقزز ثم أمسك زجاجة المياة وبدأ يرميهم بها تحت صرخاتهم الغاضبة، يا بني أدم المياه سقعة، قال سفيان بغضب وهو يمسح وجهه فابتسم له أدهم ببرود قائلًا:.

معلش.
نظروا له بسخط قبل أن يتحمحم أمجد بخفة لينتبهوا له أخيرًا وتبدأ سهرة عائلية لطيفة وقريبة لقلوبهم كذلك، النهاردة هنتكلم عن آل ياسر حد عارف عنهم حاجة؟
قال أمجد بهدوء فابتسم سفيان بحماس وقال:.

صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنّة، عمار وأهله إللي من كتر تعذيبهم الرسول بشرهم بالجنّة، نظر فرغلي بهدوء له ثم نبس بتعجب، سبحان اللّه، هم ليه صبروا أنا مش عارف، يعني دين جديد وهم مش عارفين هم على حق ولا لأ بس صبروا، أبتسم أمجد وقال وهو يسمي اللّه.

نحكي الحكاية من أولها، سمية والدة عمّار كانت جارية عند أبو حذيفة المخزومي المهم هو كان متحالف مع ياسر والد عمار فزوجه سمية وبعدين هيا خلفت عمار فأعتقها ابو حذيفة ولكن هم كانوا بيتعاملوا معاملة العبيد، الرسول صلى اللّه عليه وسلم نزل عليه الوحي وبدأ واحدة واحدة يدعو الناس فآمن عمّار وتبعته عائلته، وبدأت رحلة تعذيب وصبر غريبة سبحان اللّه، بدأ الكفار يعذبوا فيهم عذاب شديد وهما صابرين ومحتسبين عند اللّه، كانوا بيتعذبوا لدرجة كبيرة اووي، الرسول عليه افضل الصلاة والسلام كان بيشوفهم ويقولهم صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنّة لحد ما جت الصدمة بالنسبة لعمّار، مامته وباباه ماتوا، وماتوا بطريقة بشعة اووي وسبحان من أنزل الصبر على قلبه، يعني واحد غيره كان ممكن يقول إيه الدين إللي مش جاي وراه حاجة كويسة، امي وأبويا ماتوا والراجل إللي أنا ماشي وراه عليه افضل الصلاة والسلام بيقولي صبرًا بس هو معملش كده رضي الله عنه، سيدنا عمّار عاش كتير أووي بعد الرسول وليه مواقف كتير حلوة اووي وكمان الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال حديث شريف تشتاق الجنّة لثلاثة عمّار و سلمان وعلى رضي اللّه عنهم وجزاهم بما صبروا الجنّة بإذن اللّه، نظر أمجد لهم بعد الإنتهاء فوجد في أعينهم لمعة بكاء متأثر فابتسم لهم بحنان وربت على كتف سفيان بقوة ونظر في عينيه بمثلها، وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور، يا ولاد الدنيا دي محتاجة حاجات كتير أووي علشان ننجوا من شرها، محتاجة الصبر، الإيمان محتاجة الثقة في اللّه وكمان محتاجة إننا نغض بصرنا، قال أمجد بداية جملته بهدوء ثم سرعان ما نظر لفرغلي وهو يوجه له حديثه في النهاية فنكس رأس فرغلي خجلًا ليربت صالح وأدهم على كتفه، مش عيب إننا نغلط، بس العيب إننا نكرر الغلط يا بأف، قال صالح بهدوء فضحكوا جميعًا على سبته الأخيرة بينما تنهد سفيان براحة غريبة ملئت أوصاله فنظر لأمجد بإمتنان فغمزه والده بمشاكسة فضحك سفيان حتى بانت نواجذه و أكملوا سهرتهم بنفسٍ مطمئنة،.

عائشة وهايدي ورهف وشيما كانوا جالسين على سطح المنزل كل تائه في ملكوت خاص به، عائشة سرحة في التهديد الذي هددها به رائف ولا تعلم لما كان هذا التهديد مخيفًا بدرجة كبيرة، رهف وآه من عيونها المنطفئة التي تثير في أختها الرغبة في البكاء، أما هايدي كانت تفكر في الأحداث الأخيرة التي حدثت معهم و منزلهم الذي قلب رأسًا على عقب، وتلك الشيماء سرحة في شيء غريب للغاية، في خطبتها الوهمية التي أسستها في عقلها، كانت هي وصالح جالسين في المقاعد المخصصة للعروسين والورود تتناثر من حولهم بحب وفجأة، آه.

صرخة عالية خرجت من شيما حينما أحست بقطة صغيرة تتمسح بها، إيه في إي، يالهوي، صرخت هايدي بهلع هي الأخرى ثم انتفضت في مكانها وبدأت بالركض على ركبتيها وقد كان هذا الموقف لافتًا لنظر رهف التي بدأت في القهقهة بصوت عالي لتنظر لها عائشة بحنان قبل أن تنهض لتمسك بتلك القطة الصغيرة، أهلًا يا قطة، عاملة إيه؟

قالت عائشة بصوت طفولي فنظرت لها هايدي بتقزز أما شيما فتسللت بخفة وراء رهف ثم زغزغتها من خصرها بقوة فبدأت بالضحك بهستيرية شديدة وشيما تبتسم بحماس، أيوا على الضحكة السُكر دي
قهقهت عائشة وهايدي عليهم وعائشة تمسكت بالقطة في أحضانها وشددت عليها لتشعرها بالآمان، بعد قليل جلس الفتيات بجوار بعضهم وعائشة التي أحست بشعور يغمر قلبها بسعادة، شعور الأصدقاء حين يتجمعوا سويًا، إحم، بنات…

قالت شيما بتوتر فنظرن لها بإستغراب، خطوبتي أنا وصالح بكرة
قالتها فجأة فصرخت هايدي باستنكار، إيه يا روحي، خطوبة مين، بكرة إزاي يعني، نظرت لها شيما ببلاهة، أصل صالح طلبني من أدهم وطلبني من بابا وبابا قال عالشهر الجاي الخطبة أصله مصدق يتعتع البعيد بس أنا قولتله لأ أنا فاضية بكرة فليه لأ؟

قالت شيما لتضحك عائشة ورهف عليها أما هايدي نهضت من مكانها وركضت ناحية شيما تضربها بخفة والأخرى تضحك، وهكذا إنتهت سهرة الفتيات بإخراج هايدي وشيما لرهف وعائشة من حزنهم حتى ولو لوقتٍ قليل…

في صباح اليوم التالي نرى التجهيزات الخاصة بحفل الخطوبة العائلي على أتم الإستعداد، صالح كان يرتدي بدلة سوداء وشعره الكيرلي مسرح بطريقة منمقة وسفيان وأدهم كذلك أما فرغلي فقد إرتدى ملابس شبابية تبرز عضلات جسده وأتبعها برأسه حليق الشعر فأصبح يشبه المصارعين بضخامة جسده وصلابته، غنوا وبلوا الشربات وافرحوا وارقصوا يلا عقبال عندكوا يا ولاد، كان صالح يقف ويتغنى بتلك الأغنية وهو يسرح خصلات شعره أمام المرآة، بوظت الأغنية وبوظت شعرك يا أخي حسبي اللّه بجد، قال أدهم وهو يضربه في كتفه بقوة ليتأوه الأخر بألم مصطنع فتسبب في ضحك أصدقائه، كانت المشاعر متداخلة في هذا الوقت، سفيان وأدهم وفرغلي يجلسون بجوار صالح فرحون لفرحته ولمعة عينيه، عائشة ورهف يبتسمون معهم وأمهم تجاورهم كانوا يشعرون بتلك المشاعر العائلية المبهرة، حالة والدتهم تحسنت قليلًا وهذا سبب في مشاعر الشك التي تغمر قلبها ناحية دواء والدتها ولكنها تركت نفسها لتلك الفرحة التي حشرت بها هي وأختها، فتركت نفسها للقدر يوجهها أينما شاء،.

عند سليم الذي كان جالسًا وسط عائلته يناظر روان باستغراب شديد من معاملتها الباردة معه، فشاكسها بمزاح لتنظر له بأعين دامعة وقبل أن يستوعب ما يحدث معها وجد باب المنزل يُفتح بقوة ورجال الشرطة يقتحمون منزلهم ولا يعلم لما نظر لروان في هذا الوقت وكأنه أحسّ بأنها السبب في ذلك، نظر لها بتساؤل ودهشة قبل أن يكتفه الرجال بغضب وترك هو نفسه باستسلام بسبب شعور الغدر الذي يشعر به، أنا آسفة.

هكذا قالت روان له فابتسم لها بسخرية خالصة وعينيه لامعة بالدموع بتأثر، والدته تصرخ بخوف ووالده يحاول أن يتحدث معهم ولكن دون فائدة، الأستاذ سليم مقبوض عليه بتهمة قتل الأستاذ مروان مختار ابن خالته، قال الشرطي بقوة دون أن يبالي بصرخات والدته المكلومة ولا أخته الصغرى التي فقدت وعيها، كان قاسيًا في تلك اللحظة كما كانت قسوة الدنيا على سليم في هذا الوقت، ظل مستسلمًا طوال الوقت شاعرًا بالخيبة تغمره، أكان هينًا عليها كسره وطعنه في ظهره!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *