رواية وريث آل نصران الجزء الثالث للكاتبة فاطمة عبد المنعم الفصل الخامس والثلاثون
قالوا أتحرق المدينة لأجلها؟
قلت و هل توجد مدينة بدونها؟
ف لأجل عينيها أحرق العالم كله لا المدينة فقط و لا يرضيني سوى أن تبقى هنا.
جوار النفس التي تفنى بدونها.
الجشع
هل كان يتوقع له نهاية أفضل؟
هذا ما سأله عيسى لنفسه بعد يوم نجح في إضافة مزيد من الإرهاق، وممارسة الضغط عليه بشكل كبير، بعد أن قضى أغلبه في مركز الشرطة وعرف حقيقة ما حدث مع كارم، و علا صوت الضوضاء داخله لم يسكن إلا الآن، في السيارة التي قادها بشير وهو يستمع لعيسى يقول: كاميرات المراقبة اللي في الشارع الرئيسي جابته داخل شارع جانبي وبعدها بدقايق دخل وراه اتنين.
الكاميرا جابت شكلهم هما الاتنين، وبعدها البوليس راح الزفت الخرابة اللي كان بيسهر فيها وسأل عليهم ولما العيال هناك محدش قال حاجة، مسك واد فيهم كان ممسوك في قضية سرقة قبل كده أساسا، وعن طريقه جابوهم الاتنين.
طب وقتلوه ليه؟
كان هذا سؤال بشير الذي رد عليه عيسى ضاحكا بسخرية: كان بيلعب معاهم، وليهم عنده فلوس، ودول شوية بلطجية ده حتى المكان اللي بيسهروا فيه زبالة، اخر فترة كان بيتهرب منهم وهما عايزين فلوسهم، وطلعوا هما نفسهم اللي جم الشقة عند ميرت وهددوها، عينهم كانت على البيت وشافوه بعد ما نزل بعد ما طلقها ومشيوا وراه، وعلى حسب كلامهم انهم طالبوه بالفلوس فقالهم حاضر وراح مطلع مطوة من جيبه وكان هيموت واحد فيهم قام التاني هو كمان مطلع واحدة وضربوه بيها وجريوا، وهما فعلا لما لقوا جثته كان مرمي جنبها مطوة العيال دول قالوا إنها بتاعته.
ثم هتف عيسى بضجر: ما هو الرخيص بيفضل طول عمره رخيص، كان معاه الشيك اللي كتبته ليه ويقدر يسكتهم ويديهم فلوسهم، بس ده يبيع أبوه علشان القرش، و كان يستاهل
نهاية أسو…
كان سينخرط في نوبة غضبه، مجرد ذكر اسم كارم كافية لإشعاله ولكنه حاول اكتساب الهدوء وهو يتذكر كلمات نور بل دونها أيضا على هاتفه وترددت في أذنه: كارم مات، أنت حر، جزء من روحك كان وجوده مأيده وأصبح حر دلوقتي.
تنفس بعمق وطلب من الجالس جواره بهدوء: بلاش كلام في سيرته تاني يا بشير.
لم يعترض بشير، قدر حالة صديقه وربت على كتفه مهدئا: المهم أنت تكون كويس.
أعطاه عيسى ابتسامة وهو يقول: أنا كويس.
الحاج نصران رجع على اسكندرية من شوية و خد ميرت معاه وبيقولك خلص وحصله.
أخبره بشير بهذا فتساءل عيسى بانزعاج: طب ومخلتهوش يستنى ليه يا بشير؟
برر محاولا إقناعه بأن ما فعله نصران هو الصواب: استناك طول اليوم يا عيسى، هو اتطمن لما كلموك وقالوا إنهم قبضوا على القاتل، وكمان ميرت حالتها النفسية وحشة، من الأحسن إنه ياخدها هناك وسطكم هتلاقي لمة وتكون أحسن، هو قال لملك كمان ترجع معاه بس هي مرضيتش وقالت هتستناك وترجعوا سوا.
سأل عليها بقلق: يعني هي لوحدها في بيت ميرت؟
لا متقلقش أنا ودتها المعرض.
إجابة استطاع بها صديقه طمأنته فأغمض عيسى عينيه باستكانة ونصب تفكيره على الشيء الإيجابي فقط، تخلص من كل الأفكار السوداء وبقى يفكر في شيء واحد، في أنه أصبح حر.
كان في غرفته، استبدل ملابسه بآخرى وقبل أن يتمدد على الفراش ليتخلص من أعباء ما حدث، ومشاجرته مع جابر لتخليص شقيقه من نتيجة حماقته التي أفسدت مزاجه وأكمل عليه تلك المكالمة، قطع عليه ابنه هذا وهو يفتح الباب ويهتف بحزن: أنا زعلان منك، و طول اليوم اسأل عليك، وتيتا قالتلي إنك مع شهد، أنت خرجت معاها هي مع إنك كنت واعدني تخرجني.
والدته وأفعال والدته، انزعج طاهر بشدة، وحاول الهدوء وهو يبتسم ويسأل ابنه الذي أتى ليجلس جواره: قلبت كده فجأة على شهد، لا ياعم أنا مخرجتش معاها، و بعدين مش احنا لما بنيجي نخرج شهد بنفسها بتيجي تاخدك علشان تبقى معانا؟
هز يزيد رأسه بتأكيد، وأكمل والده: هي بس كان عندها مشكلة في الكلية بتاعتها وكنت بساعدها تحلها، زي كده ما بحل معاك مشاكلك في المدرسة، ثم بعد هذا ضحك وهو يسأل: لسه زعلان؟
لا.
قالها الصغير ببراءة وهو يحتضن طاهر، الذي احتضنه بدوره هو الآخر وهتف: تعالى نلعب يلا، روح هات اللعب بتاعتك.
تحمس بزيد لهذا وبشدة وصاح بفرح: هيييه.
هرول خارج الغرفة في حين شرد طاهر حين كان عند شهد في المحل وأتتها تلك المكالمة، لاحظ التغير الذي أصاب تعابيرها، وإغلاقها للمكالمة فسألها: مين يا شهد؟
ردت بضيق: دي علا.
انكمش حاجبيه باستغراب وتساءل بقلق: وعايزة إيه دي؟، وجابت رقمك منين أصلا؟
جاوبته بما خمنته: أكيد جابته من حد من صحابنا في الكلية، أنت نسيت إنها معايا في نفس الكلية، متصلة تقولي عايزة أكلم
ملك، عالم بجحة.
كان ضيقها واضح فشعر بأن هناك شيء ما فقال: طب مالك طيب متضايقة ليه؟، مش قفلتي في وشها، خلاص.
صارحته بمشاعرها التي تسببت في الضيق داخلها: أصل صوتها كان غريب أوي، معيطة أو كأنها بتستغيث، لدرجة إني كنت هسألها مالك، أنا بتضايق أوي لما بتصعب عليا يا طاهر، أو يصعب عليا أي حد ظلمني.
أعطاها ابتسامة وهو يسألها: تضايقي ليه؟
أشار على فؤادها مكملا: ده معناه إن هنا نضيف، وإن نفسك كويسة، بتحس بالناس وترحمهم مهما عملوا، مش أنا دايما بقولك أنتِ بتطلعي وتنزلي على مفيش؟
ضحكت على جملته الأخيرة وأضاف وهو يبادلها الضحك: ده علشان أنتِ طيبة، متزعليش من إنك طيبة يا
شهد، مش كل الناس بتعرف تكون كويسة الأيام دي.
وأنت طيب ولا شرير؟
سألته ضاحكة بشقاوة فرد بابتسامة زادت حسنه: أنتِ رأيك إيه؟
طالعته وكأنها تقيمه ثم هتفت بكبر مصطنع: مش بطال، بس محتاج تشتغل على نفسك شوية
وأمام نظراته المستنكرة علت ضحكاتها وبقى يتأملها.
فاق من شروده وتفكيره بها حين لمح شقيقته تدخل غرفته فسألها: مالك قالبة وشك كده ليه؟
جلست جواره وهتفت وهي تفرك أصابعها بتوتر: أنا سمعت بابا وماما بيتكلموا أول امبارح.
طب وإيه المشكلة؟
كان هذا سؤاله الذي ردت عليه بضيق: بابا وماما متخانقين يا طاهر، أنا بقالي شوية دايما لما المحهم الاقيهم مش على طبيعتهم، وأول امبارح سمعت بابا بيقولها أنتِ بعدتي ابني عني، صوتهم على فجأة وده اللي سمعته ولما دخلت المكتب ليهم وبقوله مين دي يا بابا، قالوا مفيش حاجة وحاولوا يداروا الموضوع.
بدا الانزعاج على وجه طاهر وهو يستمع لشقيقته التي أكملت: ممكن تكلمهم أنت؟
هز رأسه مؤكدا وأخبرها بابتسامة: أكيد يا حبيبتي، أنتِ عارفة بس ماما وعيسى مبيريحوش مع بعض، أكيد شدت هي وعيسى وبسبب ده اتخانقت هي وبابا، متقلقيش كل حاجة هتتحل، بس سيبك منهم وقوليلي أنتِ مالك الأيام دي؟
شعرت بالتوتر وبان هذا وهي تقول: مالي يعني، ما انا كويسة أهو.
خشى انسياقها خلف ما يضيعها فهز رأسه نافيا: لا مش كويسة.
لمعت الدموع في عينيها وهي تهز رأسها هاتفة: أيوه مش كويسة.
ربت على وجنتها بحنان سائلا: مالك يا حبيبتي، في إيه؟
أخذت تفكر هل تخبره أم لا، هل تخبره عن مشاعرها الخفية تجاه هذا الذي لم يعتبرها إلا أخت، أم تظل محتفظة بها لنفسها فقط.
بت أنتِ بتغشي.
هتفت بها مريم التي جلست أمام شهد في الشرفة وقد ألقت بالأوراق رافضة اللعب معها مما جعل شهد تقول بغيظ: أنتِ اللي ملكيش فيها، أنا معايا الولد يا ماما يعني طبيعي أقش.
وفجأة وجدت نفسها تُجذب من ملابسها من الخلف ووالدتها تقول: قومي افتحي الكتاب اقريلك كلمة أنتِ وهي، فضيتوا للعب خلاص.
يا ماما رفاهية.
قالتها مريم بتذمر وردت عليها والدتها: لما تبقي تخلصي يا حبيبتي ابقي رفهي عن نفسك، وطالما مبتعملوش حاجة بقى، قومي يا شهد روقي المطبخ، و أنتِ يا مريم اعمليلي شاي.
تصنعت شهد البكاء وهي تقول برجاء: بلاش المطبخ أرجوكي بلاش المطبخ.
ثم انتقلت إلى النقطة التي أرادت الحديث عنها: كمان أنا ملك وحشتني أوي بصراحة، و متضايقة من حكاية إن عيسى كل ما يلاقيها جت تقعد معانا شوية يتعفرت ويجي ياخدها، ده مبيخليهاش تبات هنا.
نبهتها والدتها بهدوء وقد جلست على الوسادة الموضوعة على الأرضية: متقوليش الكلام ده قدام اختك يا شهد علشان متتخانقش هي وجوزها، هما أحرار مع بعض.
ردت مريم التي كانت توصل الكهرباء لتغلي الماء من أجل صنع الشاي: بس يا ماما شهد عندها حق، ده قاطعها عننا خالص، ما تتكلمي معاه عيسى كويس وجدع بس الحتة دي وحشة بصراحة.
تنهدت والدتها وهي تعدل من الأكواب على الطاولة لتصب الشاي بهم ثم هتفت: لا مش هتكلم معاه، طالما هي مرتاحة خلاص، وبعدين ما هي بتيجي علطول، هو بس اليومين دول معاه في القاهرة علشان خالته بتقول عندها مشاكل.
طب ما كان سابها معانا لحد ما يرجع.
قالت مريم هذا فردت والدتها بنفاذ صبر: بت أنتِ وهي بقولك إيه هو حر مع مراته، اللي يشوف كده يقول بقالكوا سنة مشوفتوهاش، دي لسه كانت هنا الاسبوع اللي فات.
اعترضت شهد قائلة بتذمر: بتيجي تقعد ساعة وتمشي.
نظرت لها هادية بضجر وهي تسألها: أنتِ بترمي قشر اللب فين؟
باكله بقشره
كذبتها شقيقتها مسرعة: يا كذابة، كانت بترميه على الأرض يا ماما.
توعدت لها هادية قائلة: ماشي أنا هخليكي تمسحي الأرض اللي بترمي عليها دي.
قطع حديثهم اتصال أتى لمريم التي هتفت بفرح: دي ملك.
أسرعت ترد عليها وهي تفتح مكبر الصوت قائلة: أهلا بندلة هانم.
ضحكت أختها وهي تسألها: طب والله وحشاني قعدة البلكونة، وماما وهي بتطرقع لشهد.
رفعت شهد صوتها تقول: خلاص قولي لعيسى لما ترجعي انك تقعدي معانا يومين، تباتي عندنا فيهم.
كان يجلس أمامها في مكتبه في المعرض وسمعها وهي ترد: مش هيقول حاجة على فكرة، احنا هنرجع بكرا ان شاء الله هبقى اجيلكم وأبات.
أشار لها بالنفي مسرعا وقد هب من مكانه ليجلس على الأريكة جوارها وهو يهمس: تباتي لا.
طالعته بضيق وخاصة حين سمعت شقيقتها: كل مره بتقولي كده، و بتيجي ساعة وتمشي.
لا متخافيش هبات
قولها هذا جعله يقول بصوت مرتفع: لا مش هتباتي يا ملك و اتلمي بقى في ليلتك دي
طالعته بانزعاج وبالفعل سمعته مريم و شهد ووالدتهم التي قالت بغضب: هو أنا مش قولت محدش يقولها حاجة.
لترد مريم بغير رضا: هو في إيه يا ماما؟
وحين لاحظ هو حزنها جذب الهاتف منها ليقول مازحا: أنتِ مريم ولا شهد ياللي بتحرضي ملك ضدي أنتِ
لتضحك مريم وهي ترد عليه: ما تسيبها يا عيسى تبات معانا، دي لما بتيجي هما عشر دقايق وبتمشي.
فرد بغيظ: عشر دقايق يا نصابة، بتقعد معاكم أكتر مني أساسا
فهتفت شهد برجاء: لا والله، احنا عايزين اختنا يا عم.
أنتِ بالذات متتكلميش، أنتِ أقل من سنة وهتتجوزي وتيجي تعيشي مع اختك لما هتزهقي منها.
وأنا مش مانعها على فكرة، هي اللي مبترضاش تبات غير في حضني.
ضربته ملك على كتفه وحاولت جذب الهاتف منه فقال بضحك: طب احنا ناخد بكلام الست هادية، واللي هتقوله هعمله.
ابتسمت هادية وهي تطلب منه بهدوء: ابقى ابعتها يومين.
يرضيكي تبات بعيد عني يومين وأنام لوحدي، ههون عليكي وأنا أصلا بخاف من الضلمة.
علت ضحكات مريم وكذلك شهد ووالدتهم التي هتفت من بين ضحكاتها: خلاص هاتها و تعالوا اتغدوا عندنا لما ترجع.
و تبات يومين
صاحت بها مريم بنبرة عالية جعلته يقول: خلاص لما نرجع ان شاء الله نبقى نتفاوض في موضوع اليومين ده
أعطاها الهاتف فانتشلته منه وهي تقول: أيوا يا مري…
لم تكد تكمل جملتها حتى ارتفعت ضحكاتها بسبب زغزغته لها، وحاولت ردعه وهي تقول بصعوبة من بين ضحكاتها: عيسى بس.
لم تسلم منه طوال مكالمتها معهم حتى انتهت منها، وحينها هتفت شهد: شايفة الروقان، مش احنا اللي بيتقالنا واحدة تعمل الشاي والتانية تنضف المطبخ.
طب والله لتنضفيه يا شهد.
قالتها والدتها ثم هتفت: و ادعيلها ربنا يهديه ليها، هو لما بيبقى رايق كده بيبقى مفيش منه، لكن شوفيه وهو متعصب بيبقى واحد تاني، ربنا يهدي سرهم.
قالتها بأمومة صادقة وانسحبت مريم من بينهم وهي تقول: هدخل الحمام وجاية.
لم يكن هذا السبب الحقيقي بل كان تلك الرسائل التي انتبهت لها على تطبيق المحادثات، دلفت إلى المرحاض وأغلقت الباب خلفها، فتحت الرسالة الأولى وسمعت صوته، صوته المبهج، وتلك النبرة العابثة التي اشتاقت لها ولكنها تحولت الآن إلى آخرى حزينة وهو يقول: ازيك يا مريم، أتمنى تكوني بخير علشان أنتِ متستاهليش غير إنك تكوني بخير، مكنتش هعرف أقولك الكلام ده وأنا باصص في عينك علشان عارف إنك مكنتيش هتديني فرصة بس أتمنى تسمعيه.
استطاعت سماع تنهيدته الحارة قبل أن يضيف: أنا فعلا أول ما بدأت احاول أعرفك وأقرب منك كنت بتسلى، ولحد وقت قريب كمان كنت كده
تجمعت الدموع في مقلتيها وهي تسمع: لكن أنا جه عليا وقت وفعلا حبيتك، ولو مش عايزة تصدقي ده أنتِ حره، والموقف اللي شوفتيني فيه أنا فعلا كنت غلطان، ومش هقولك سامحيني عليه علشان عارف إني جرحتك، وعارف إن اللي بيحب حد لازم يبقى معاه هو بس، لكن خدت الدرس متأخر.
كداب.
همسة حارة خرجت منها أثناء تسارع عبراتها ثم أضاف هو: أنا مش بكلمك علشان نرجع، ولا علشان تسامحيني، أنا بس حسيت إني لازم أقول الكلام ده، أنا هبدأ من جديد، وهحاول ما اعملش أي حاجة وحشة ولا أجرح أي حد، بس في حاجة عايزك تتأكدي منها إني الله العظيم حبيتك، وإن أكبر خسارة في حياتي هي أنتِ يا مريم، وإني دايما هندم إني ضيعتك.
انتهت رسائله وأخذت معها من روحها، علت شهقاتها التي حاولت منعها بيدها حتى لا تسمع والدتها وبقت فقط تبكي بقهر وكأن قلبها ينزف الآن وكل إنش بها يبكي حزنا على ما حدث، وينعيها ولكن بدون فائدة.
بمفردها في غرفتها، دائما ما كانت تكره الوحدة ولكن هذه الوحدة أفضل بكثير من رفقة جابر، سمعت ندى دقات على باب غرفتها، دخل بعدها والدها سائلا: صاحية يا حبيبتي؟
اتفضل يا بابا.
قالتها بهدوء سامحة له بالدخول، وبعد أن استقر على الفراش جوارها أردف: وبعدين يا ندى هنفضل حابسين نفسنا في الأوضة لحد امتى؟
ابتسمت بإرهاق وهي تقول برجاء: بابا أرجوك بلاش نتكلم في أي حاجة، سيبني بس اليومين دول ارتاح شوية، وأنا هخرج بعدين وهشتغل كمان، عمو ثروت قالي احضر ال CV بتاعي وهقدم في شركة تبع واحد من معارفه و إن شاء الله اتقبل.
ربت والدها على كتفها قائلا برفق: المهم يا حبيبتي تبقي كويسة.
ثم تذكر شيء فجأة جعله يسأل: قوليلي صحيح هي بيري عاملة إيه مع جوزها.
بتقول كويسه الحمد لله بس ليه؟
أثار السؤال استغرابها وجواب والدها كان مريب أكثر وهو يقول: الواد جوزها ده أنا حاسه مش سهل أبدا يا ندى، لئيم كده وبيلعب في كل النواحي ويتخاف منه، أنا محبتش أتكلم مع ثروت علشان أنتِ عارفه هو مبيحبش حد يتدخل، بس انصحي بيري بينك وبينها كده تاخد بالها وتركز معاه.
تساءلت ندى بريبة: هو أنت بتقلقني ليه يا بابا؟، أنت شوفت عليه حاجة طيب؟
انصحيها وخلاص، كده كده مش يضر في حاجة إنها تحط عينها على جوزها.
ثم ابتسم وهتف وهو يمسد على خصلاتها: هسيبك بقى يا حبيبتي ترتاحي.
بادلته الابتسام وخرج هو من غرفتها فسحبت هي هاتفها مسرعة حتى تهاتف ابنة عمها بينما في نفس التوقيت كانت بيريهان تنثر من عطرها المميز بعد أن ارتدت فستان أسود قصير لمعانه مبهر للأعين، ووضعت مساحيق التجميل التي أبرزت جمالها، خرجت من الغرفة لتسأل الجالس على الأريكة: إيه رأيك؟
رأت الإعجاب في عينيه، وخاصة حين قام ومال مقبلا يدها وهو يقول بلباقة: لا كده بقى، نرقص، تسمحيلي؟
هزت رأسها بتأكيد ضاحكة، وعلى النغمات الهادئة أخذ يراقصها كفراشة بين يديه، حدثت نفسها بأنه مميز في كل شيء، ملامحه الوسيمة التي تحبها كل يوم أكثر، عيناه التي لا تمل من النظر إليها، وطلته هذه التي تبث الإبهار داخلها والأهم امتلاكه لقلبها، كان يراقصها بينما سرح هو في ذكرى داهمته، ذكرى شكه بتلك التي لا تفارق باله لحظة، يتذكر ذلك اليوم حين كانت عائدة للمنزل من جامعتها بعد أن عرف من والده أنها رفضته للمرة الرابعة، أو كمخدر قوي حتى تتخلص من الضغوط طالبت بتأجيل هذا الأمر.
لمحها حينها فهرول ناحيتها جاذبا إياها من ذراعها وهو يسأل: أجلتي تاني ليه؟
بدا رفضها واضحا وهي تصيح: وسع سيب إيدي ماسكني كده ليه؟
علشان تفوقي، أقسم بالله لو فيه حد تاني أموته، أنتِ ليا أنا فاهمة
تملصت منه وهي تصرخ في وجهه: مفيش حاجة اسمها كده، بطل بقى الأسلوب المقرف ده، أنا مش لعبة عمي اشترهالك، ولا حتة أرض هتتخانق عليها وأنا عمري ما هبقى ليك وأنت بالمنظر ده.
قطع طريقها من جديد وهو يسألها بسخرية: بجد والله، عايزة تسمعي إيه بدل الأسلوب المقرف ده؟
حاولت أن تتخطاه وهي تقول بانفعال حاولت كتمه: مش عايزة اسمع حاجة وسع يا شاكر من طريقي لو سمحت.
لانت نظراته وهو يسألها: عايزة تسمعي إني بحبك، طب ما كون إن أنا عايزك ليا ده حب.
صارحته بما لم تقوله من قبل: فيه فرق كبير أوي بين الحب وبين اللي أنت بتعمله ده، الناس مش عبيد عندك يا شاكر، وأنا عمري ما هبقى ليك طول ما الكبر مالي قلبك كده.
لم ترد أن تكمل وتخبره أنه نتاج لتربية خاطئة استكملها هو بأفعاله بل تركته وغادرت تماما، وفاق هو من شروده وقد تجمعت الدموع في مقلتيه، ذلك الرفض الذي قتله وتوعد بأن يجعلها تندم عليه وفي النهاية ستصبح معه، استندت بيريهان على صدره قائلة بابتسامة: ال perfume بتاعك ده أنا بحبه أوي، أنا بحبك كلك على بعضك، هو احنا لو مكناش اتقابلنا كان إيه هيحصل؟
سألته وقد رفعت رأسها تواجه عينيه، نظرات الحب الخالص هذه داخل عينيها الجميلتين ناجحة وبشدة في جعله يشعر بمدى قبح ما يفعله، بأنها لا تستحق هذا، أعطته كل شيء وفي المقابل يسلبها هو كل شيء.
مجبرا ابتسم وهو يقول: مكانش ينفع منتقابلش، هو الحياة من غيري تنفع؟
تعالت ضحكاتها وهي تردف: اه يا مغرور، بس لا عندك حق، هي متنفعش فعلا.
مال يدفن رأسه في عنقها وللمرة الأولى يشعر بأن هذا القرب برضاه، ليس مرغوما على تصنعه، وكأن الشفقة داخله عليها تجذبه لها دون أن يشعر، لحظات وأتاه اتصال، فاضطر مجبرا للذهاب إلى الرد وقال: ثواني وراجعلك.
خرج إلى الشرفة، وفتح المكالمة، استمع لما يقال، وما إن انتهى من يحدثه من الكلام حتى هتف شاكر: حلو أوي، نفذ، وخلي بالك علامة صغيرة بس توجع.
أغلق المكالمة ولاح على وجهه ابتسامة متشفية وهو يتمتم: اشرب بقى.
كان طاهر في طريقه لمقابلة أحد التجار من أجل إنهاء بعض الأعمال الخاصة بوالده، لا يفضل الذهاب ليلا لهذا الرجل بسبب ذلك الطريق الذي يتوجب عليه أن يمر عليه وهو مريب هكذا، عرض على الرجل أن يأتي ولكن اعتذر لمرضه وطلب منه هو الإتيان، رن هاتفه فأجاب عليه ليسمع صوتها وهي تقول بمرح: ألو ممكن أكلم الكابتن اللي مش سفيه
فرد بابتسامة: راضية عني أنتِ النهارده.
جاوبت ضاحكة: اه راضية عنك، بس أنا لسه سامعة صوت حواليك، أنت برا؟، اوعى يا واد تكون بتلعب بديلك.
ما تتلمي بقى هو أنا فاضي أشوفك أصلا، علشان ألعب بديلي، أنا رايح أقابل واحد في شغل تبع أبويا، وعايز أقولك أنا سايق على طريق اهو ما يعلم بيه إلا ربنا، مفيهوش صريخ ابن يومين.
انقبض فؤادها وأسرعت تردعه: طب متروحش، خليك الصبح يا طاهر.
الصبح عندي حاجات كتير مش هينفع أخلص المشوار ده وكمان أنا اديت الراجل ميعاد.
طلبت منه بقلق: طب خليك معايا على الخط أكلمك أسليك لحد ما تعدي.
اتسعت ابتسامته وهو يقول: الله الله الله ده احنا طلعنا بنخاف أهو.
في حد يبقى عنده كابتن قمر كده وميخافش عليه.
ضحك عاليا وهو يدقق النظر في الطريق أمامه بسبب هذا الظلام الحالك، انكمش حاجبيه باستغراب وهو يرى أمامه مجموعة متراصة تقطع طريقه وقد بدا على وجوههم الشر فمط شفتيه قائلا: اهي بانت اهي، اقفلي يا شهد.
أسرعت تقول في إيه يا طاهر ولكنه لم يلحق أن يرد حيث أنه حاول أن يستدير ويعود بالسيارة فوجد مجموعة آخرى في الخلف، فاضطر مجبرا أن يتوقف وتبع توقفه قدوم أحدهم ناحيته وهو يقول بعدوانية: هات اللي معاك.
هم كثيرون وهو بمفرده فحاول أن يكون مسالما إلى أقصى حد حتى لا يحدث ما لا يُحمد عقباه، أخرج كل ما معه من نقود، وأعطاهم له قائلا: ده اللي معايا.
دول بس؟
قالها الرجل بسخرية ثم تبع ذلك بقوله: لا انزلي يا حلو من العربية.
تنهد طاهر بضيق وقد شعر بالخطر يداهمه، نزل من السيارة وخلع سترته وألقاها على الواقف أمامه قائلا بسخرية: خد دور فيها براحتك، مش هتلاقي حاجة اللي معايا ادتهولك.
خلاص يبقى يتعلم عليك بقى، طالما مش معاك حاجة غير دول.
رد عليه طاهر بانزعاج: أنت اهبل يلا ولا إيه، ما قولتلك مش معايا غيرهم، عايز الزفت العربية كمان غور بيها.
رد عليه أحدهم بغلظة: لا احنا خلاص مش عايزين حاجة غير نعلم عليك علشان لسانك الطويل ده.
وأثناء قول الرجل هذا وعلى حين غرة هرول طاهر، كانت سرعته عالية وكأن قدمه استبدلت بعجل ولكن كثرتهم مكنتهم من اللحاق به، ومكنت أحدهم تحديدا من غرز نصل السكين بلا شفقة فعلت صرخة طاهر وواحد آخر منهم يسدد له ضربة أيضا، بينما على الهاتف كانت هناك واحدة تشعر بأن العالم يسرق أنفاسها الآن.
قرر أنهما سيبقا هنا في ذلك المكان الملحق بمعرضه، نام هو سريعا ليستيقظ مبكرا من أجل أن يعودا إلى الاسكندرية، أما هي فبقت تعبث في هاتفها وهي تجاوره على الفراش حتى وقع أمام عينيها إحدى القصص المرعبة، لم تستطع كبح فضولها ونتيجة لذلك أصابها الذعر بعد أن تمت القراءة فأسرعت تحاول إيقاظه، النداء المتلهف لم يجدي معه فوكزته منادية بإلحاح: عيسى.
كان غارقا في نوم عميق، وحتى مع إلحاحها دفن رأسه أسفل الوسادة وهتف بانزعاج: الصبح يا ملك.
هتفت بذعر حقيقي: عيسى ممكن تقوم علشان خاطري.
لم يكن معها بل عاد للنوم فوكزته من جديد مصرحة: يا عيسى قوم أنا خايفة أوي.
استيقظ أخيرا، فتح عينيه بصعوبة وسأل باستغراب وهو يطالع الغرفة من حوله: خايفة من إيه؟
بان القلق والذعر على وجهها وهي تهتف: معرفش، خايفة وخلاص، خليك صاحي معايا.
تحرك ليجذب زجاجة المياه من جواره فانتفضت وأسرعت تمسك ذراعه مما جعله يقول: يا بنتي هشرب مش هقوم، في إيه؟
شرب بالفعل وعاد لها من جديد، طالعها بغيظ سائلا: طب واللي مش خايف وعايز ينام ظروفه إيه؟
يقعد مع اللي خايف.
قالتها وهي تحتضن ذراعه فضحك ورد: طب ما اللي خايفين يتفضلوا يناموا ويسيبوا الناس ترتاح.
طالعته بعتاب دفعه ليقول بخضوع: خلاص هصحى ومش هنطق.
استكانت تماما بعد لحظات عمت من الصمت فسألها: بقيتي أحسن؟
هزت رأسها بتأكيد فضحك وهو يسأل: حلمتي بال دبدوب اللي بيمشي ولا إيه؟
جحظت عيناها وهي تسأله بغير تصديق: هو في دبدوب بيمشي؟
هتف وهو يعبث بهاتفه: والله هي حكاية بتتقال من زمان، إن واحدة اشترت دبدوب وبعد ما اشترته كانت ترجع كل يوم تلاقي البيت متروق والدنيا فل فافتكرت إن اللي بيعمل كده جوزها.
أنصتت ملك بخوف وتأهب لمعرفة البقية واستكمل هو: لحد ما في يوم حبت تشكر جوزها وعملتله أكله حلوه وجت تقوله شكرا، فخدت المقلب الكبير وجوزها قالها إنه معملش حاجة.
كقطة مذعورة تجلس جواره وتحتضنه بعينيها وهي تستمع لبقية الحكاية وأشبع هو فضولها بقوله: المهم قررت إنها هتخرج زي كل يوم بس مش هتروح الشغل، هترجع على البيت علشان تعرف مين بيعمل كده، ورجعت حست بحركة في المطبخ دخلت لقت الدبوب واقف قدام البوتجاز.
شهقة مصدومه صدرت عن ملك ومعها تعالت دقات قلبها وهتف هو: أهي عملت كده بالظبط فقام الدبدوب حادف طاسة الزيت المغلي في وشها.
يالهوي اسكت.
هتفت بها مسرعة وهي تتشبث بذراعه فضحك عاليا وهو يقول بتسلية: لا احضنيني، ما هو أنا ممكن ملحقش اخدك في حضني لو العروسة اللي اشترتهالك قررت تعمل فيكي حاجة
وضعت كفها على فمه تمنعه من الاسترسال وهي تصرخ: أنت بتعاقبني علشان صحيتك.
هز رأسه مؤكدا على جملتها فقذفته بالوسادة قائلة بتذمر: طب نام أنا مش عايزة منك حاجة اصلا.
تمدد على الفراش بالفعل وأغمض عينيه فابتلعت ريقها بخوف ونادته: عيسى
ارتسمت ابتسامة وما زالت عينه مغلقة وسألت هي: أنت هتنام وتسيبني بجد؟، ولا نام أنت أصلا بتقول حاجات تخوفني.
سألها بغيظ وقد طالعها: بقولك ايه ريحيني من الصداع ده بقى، أنام ولا لا؟
مرة اخرى تقذفه بالوسادة فتلقاها هو وهي تقول بانزعاج: نام مش عايزة حاجة منك، أساسا أنت مثير للريبة دلوقتي.
كرر خلفها بضحك رافعا حاجبه الأيسر: مثير للريبة!، خلاص أنتِ أدرى بقى، تصبحي على خير يا ملك.
ظلت جالسة جواره ساندة كفها على وجنتها تطالعه تارة وتطالع هاتفها تارة، تركت الهاتف تماما بعد وقت قليل وقد أحست أن المتمدد جوارها غرق في سبات عميق وتأكدت حين همست: عيسى.
فلم يرد، قربت كفها تمسح بها على شعره بابتسامة، ثم انتقلت يدها إلى وجهه تمسح عليه وكأنها تحفظ كل تفصيلة به ولكن صرخت حين هب جالسا وحاوطها هاتفا بمكر: كل ده ومثير للريبة، مش عيب؟، نقعد نلمس في الناس كده
وعدل خصلاته مكملا: ونبوظ شعرهم وهما نايمين ونبقي ناقص ناكلهم، ولما يصحوا نقولهم وقلد نبرتها: أنتوا مثيرين للريبة.
لم تستطع كتم ابتسامتها فسألها: بتضحكي ها؟
عاندته وهي تحاول التملص من حصاره: لا مبضحكش.
وحين اقترب أكثر هتفت مسرعة: خلاص كنت بضحك خلاص.
ابتعد عنها وهو يطالعها بابتسامة متشفية، ولكن لاحظ عينيها التي تطالع ذراعه تحديدا ناحية المكان الذي أزال منه اسم ندى وبقى أثر الإزالة في ذراعه.
اقتربت منه وعلى حين غرة وجدها تحاول عضه فأردف بصدمة: اه يا بنت المجنونة
مما جعلها تطالعه بغيظ فابتسم وهو يقول بمشاكسة: الغيرة وحشة أنا عارفها.
مال عليها تحديدا عند الناحية التي رسمت عليها اسمه بالحناء، وضع قبلة رقيقة كانت بارعة في جعل قلبها يثور وخاصة حين هتف: أنتِ مش محتاجة تعرفي إني مبحبش حد غيرك.
أنتِ بالناس كلها يا ملك، مسح على خصلاتها سائلا بنبرة أرغمتها على الغرق في عينيه: لو قربي مخوفك ابعد.
ها؟
قالتها وعيونها سارحة فيه فسألها من جديد بنبرته الآسرة: أبعد؟
كان سيبتعد ولكن أسرعت تهز رأسها نافية وهي تمنعه من ذلك ومن جديد كان سيطمأنها ولكن بادرت هي: متبعدش، خليك
و تطالعه بعينين ظهر فيهما أن حبها له غلب صراع خوفها وهي تقول: اللحظة اللي ببقى فيها معاك بنسى يعني إيه خوف، مبشوفش أي حاجة غيرك.
لمعت الدموع في عينيها وهي تقول بابتسامة: ريحتك ونفسك حتى قلبك اللي بيدق ده
ووضعت كفها عليه هاتفة بصدق: بيطمني.
نجحت في جعله أسير لكلماتها، ومن جديد أعطته تصريح بالقرب، ولكن هذه المرة بخوف أقل بكثير من المرات السابقة، وحتى وإن كان متواجد ولكنه لمح في عينيها هذه المرة أن رغبتها في قربه هزمت خوفها هزيمة ساحقة، أعطته إذن الاقتراب وحين همست وقد أغمضت عينيها: بحبك يا عيسى.
أدرك حقا أن تأثيره عليها هذه المرة كسب جولته وهزم خوفها، ولذلك همس بجملته التي تحفظها عن ظهر قلب وهو يشير على عينيها: أتمنى لما تيجي لحظة مو…
بترت عبارته حين وضعت إصبعها أمام فمه في إشارة منها حتى لا ينطق بها، ونطقت عيناها بأنها تريد أن تنسى الهجر والفراق والموت، تريده هو فقط، تريد الآن قربه وأما هو ف كعادته ماهر و لا يُضيع الفرص وخاصة فرصة تمنحه لحظات كهذه مع من امتلكت قلبه، مع هذه التي يستعد لإحراق العالم لأجلها فقط.
التعليقات