


رمش سريعًا في ابتسامه واسعه وهو يتمتم : اا .. اكيد طبعًا .
امسك بيدها لتتسرب القشعريره وتدُبُّ في اوصاله من جديد .. ما الذي تفعله به بحق الله .. اخذ شهيقًا طويلًا أخرجه ببطء .. وبدأ يسبح علي يدها بهدوء وهي تراقبه بشوق كبير .. شوق يحتل كل خلاياها .. شوق لكل شئ به ومنه .. لا تريد شيئًا أكثر من أن يأخذها بين أحضانه .. تستشعر حنانه ودفء قلبه ..
انتهي ورفع نظره اليها ليجدها تحملق به في صمت وشرود وعينيها تلتمع بالدموع ..
تنهد بتعب وتمتم بخفوت : اا .. هنعمل اي ؟
مريم بابتسامه هادئه : جعان ؟.. تحب نخرج نفطر ؟
جود بهدوء : ااا … بصراحه لا مش جعان .. بس ممكن اكل لو انتي جعانه .
ازدادت ابتسامتها قبل ان تتحدث مجددًا في حماس كي ترفع عنه هذا الجمود : طب خلاص وانا كمان مش جعانه .. اي رأيك نقعد ونحكي لبعض اللي حصل معانا طول الفتره اللي فاتت ؟.
نظر لها لثوان قليله قبل ان يتحدث : انا محصلش معايا حاجه احكيها .. انتي اي بقا ؟
مريم ولا تزال علي حماسها : ماشي انا موافقه احكي .. مستعد تسمع .
اماء تباعًا وقد جلس متربعًا كي يستمع لما ستقوله .. يود معرفة كل شئ .. ربما يستطيع تذكرهم … حتي هذه اللحظه .. مشاعره هي التي تقوده .. اما عقله فـ لا يسعفه لأي شئ ابدًا .
بدأت مريم التحدث في هدوء : حياتي كانت عباره عن وليد اللي بيصحي الصبح بعد ما اكون خلصت الشقه توضيب .. نصلي سوا ونفطر .. وبعدها بيبدأ يروح حضانته .. لحد الضهر بكون جهزت أكل .. وبروح اجيبه ونرجع نتغدا .. وبعدها نذاكر شويه وننام شويه .. بعد العصر كده بقا .. يا إما أروي عندي بـ أريج .. أو شهد عندي بملك ومالك .. لحد الليل ما يهل .. لو شهد عندي مروان بييجي يقعد معانا شويه وبعدين ياخدهم ويرجع بيته .. ولو اروي فـ نفس النظام بس باختلاف ان ممكن اسلام يبات معايا بعياله لو قررنا نسهر .. الجمعه بقا بنتلم كلنا .. انا ووليد .. اسلام واروي واريج .. مروان وشهد ومالك وملك .. معاذ ورقيه .. اوقات بنقضي اليوم في الحديقه اللي كنت وديتني ليها يوم كتب كتابنا .. واوقات بنروح الڨيلا عند رقيه ومعاذ وده زاد بعد ما اتوفي والد رقيه .. واوقات تانيه بنقضيه عند بابا في البيت .. ده كل اللي بعمله بروتينيه بعد .. بعد غيابك .
جود ببحه : هو .. يعني هو .. اا ..
مريم مقاطعه : جود .. خد راحتك واتكلم واسأل .. انا هنا عشانك .. ليك ومنك وبيك .
نظر لها مطولًا قبل ان يتحدث بهدوء : هو اي اللي حصل في اليوم اللي انا .. اللي انا المفروض اني .. يعني اني .. اختفيت فيه يعني وكده .
مريم بتنهيده : كان يوم طبيعي زي اي يوم بنصحي فيه سوا الصبح .. انت هزرت معايا انا وليدو شويه وبعدها لبست وقلت انك هتتأخر شويه عشان هتعاين المصنع القديم لانك عايز تبدأ في مشروع للمستقبل مع اسلام ومروان .. بعد ما خلصت شغلك كلمتني و .. وقلتلي اني وحشتك .. وبعدها قلتلي انك .. بتحبني .. وانا رديت عليك اني بحبك بس وقتها اتفتحت في العياط لان قلبي كان طول اليوم مقبوض واحساس الخوف مالي كياني .. وقتها انت قلقت لما سمعتني بعيط .. وقلتلي مالك .. بس ده كان اخر شئ تقوله .. لان وقتها سمعت زي صعقات كهربا او سلوك شبطت في بعض وعملت قفله وبعدها دربكه جامده والخط قطع .. حاولت كتير اتصل تاني وكان مقفول .. ولما كلمت اسلام وجالي كنت انهرت وفقدت الوعي .. ولما فُقت عرفت ان المصنع اتحرق وكل شئ فيه اصبح رماد .. رماد زي اللي قلبي اصبح فيه من بعدك ..
اخذت شهيقًا طويلًا وزفرته بهدوء مع كلماتها وهي تتابع : عرفت ان الجثمان في المشرحه وان مروان مقدرش يتعرف علي الشكل لان كل شئ كان فحم تمامًا .. فعملوا تحاليل واثبتوا ان الجثمان ومروان بتتطابق تحاليلهم .. فترة التحاليل كنا عايشين علي أمل ان الجثمان ميكونش .. ميكونش ..
اغمضت عينيها بألم .. ثم تابعت : ولما التحاليل طلعت كل الامل اللي كان جواهم انطفي .. بس انا مكنتش حاسه زيهم .. كنت موجوعه ومتألمه وبموت بس مش حاسه انك خلاص مبقتش موجود .. في حاجه جوايا رفضت تصدق .. بس سايرتهم في كل كلامهم وعشت .. عشت استناك وادعي ربنا كل يوم يجمعني بيك .. ويطمن قلبي بيك وعليك .. خفت اقولهم احساسي عشان الدكتور اللي عالجني بعد الحادثه قالهم انها حاله نفسيه .. وخفت ميصدقونيش ويحاولوا يعالجوني .. وانا مكنتش عايزه كده .. فخبيت املي جوا قلبي وبيني وبين ربي .. وربنا ميخيبش ظني فيه .. مخيبش املي ورجائي .. انعم عليا برؤياك من جديد .
كان ينظر لها في ألم .. ضعف .. قلة حيله .
ماذا عليه ان يفعل الآن ؟.. هل يجذبها لأحضانه ويكسر كل هذا الخوف ؟.. ام يبقي كما هو ساكن لا يملك اي ردة فعل ؟..
قاطعت هي حيرته باقترابها منه ليفتح ذراعيه لا اراديًا كأن ذراعيه يعلمان انه مكانها هي .. دلفت الي احضانه ودفنت رأسها في عنقه بقوه ليشدد هو عليها ينعم بهذا الدفء والأمان .. الحب والراحه .. السكينه والهدوء ..
بقيا هكذا لوقت لا يعلمانه حتي اجفلهما طرقات هادئه علي الباب .. ليتحرك جود ويري من بالباب .. فإذا به اسلام ..
اسلام بغمزه : الوقت غير مناسب ولا اي ؟
جود بجانب عينه : واضح انك رخم .
ثم ادار رأسه لمريم وتابع : رخم مش كده ؟
اماءت مريم تباعًا وهي تضحك في خفوت ليتحدث لها اسلام في سخط : الله يرحم ايام ما كانت تحصلك مصيبه تيجي جري وتقولي اسلاااام عايزه حضنك وتعيطي وتتشنهفي ..
ثم ادار رأسه لجود متابعًا : والله يرحم ايام ما كنت تيجي تقولي اسلام اسلام مريم بتحب اكل اي .. اسلام اسلام مريم بتحب تشرب اي بعد الاكل .. اسلام اسلام اسلام .. ودلوقتي بقيت رخم .. ماشي يا بشوات تتردلكوا ان شاء الله .
جود : الحمد لله اني مش فاكر .
مريم بضحكه : طب ادخل بس يا اسلام بدل الوقفه دي .
اسلام : لا يا ختي متشكر .. اللمه بره .. انا جيت اقولكوا بس لو حابين تشاركونا .
جود : جايين ان شاء الله
غادر اسلام ليستدير جود اليها متمتمًا في هدوء : انا ليا غيارات في الكافيه .. هروح اغير واخد شاور سريع .. بس مش عارف اجيلكوا فين .
مريم بابتسامه : هستناك هنا ونروح سوا .
اماء بابتسامه واسعه قبل ان يغادر الغرفه ..
وضعت يدها علي قلبها في راحه واغمضت عينيها وقد قررت ان تصلي ركعتي شكر لله .
انهي حمامه سريعًا ثم خرج ليقابله محمود بابتسامه واسعه ..
جود بهدوء : انا مش لاقي كلمه واحده توفيك حقك والله يا راجل يا طيب .
محمود بابتسامه : كون بخير يابني وسعيد .. وده كل اللي انا عايزه منك .
اقترب جود منه واحتضنه بقوه متمتمًا : ربنا يديم فرحتك برحمتك وميحرمكوش من بعض ابدا .
ربت محمود علي ظهره مؤمنًا علي دعائه ..
اتجه لغرفتها .. وطرق بهدوء عليها لتطل عليه بأجمل ابتسامه قد رآها يومًا .. حورية صغيره .. ملاك برئ .. تظهر بنعومه ورقة بالغه في هذا الفستان الطويل البنفسجي اللون والذي يتزين بنجوم بيضاء تملؤه .. ينزل باتساع من الخصر للأسفل بحيث يصنع هاله دائريه حولها ان استدارت حول نفسها .. ويعلوه خمار أبيض ملفوف بعنايه ويصل طوله حتي الخصر ومن اسفله بونيه بنفسجي اللون .. وتكحلت بعنايه فبرز لون عينيها المائل للإخضرار .. يا الهِ انها تود أن تُفقده صوابه .. هل عليه ان يقع في حبها من جديد ؟.. انه يحبها حقًا يثق في ذلك لما شعر به تجاهها منذ ان رآها ومنذ ان لامست وجنته الليله الماضيه .. لكنه يسقط في بحر عشقها من جديد .. ولا مانع لديه ان غرق به كذلك .
تحمحمت مريم بهدوء حينما طالت نظرته اليها .. فانتبه سريعًا ورمش عدة مرات قبل ان يتمتم بهدوء : طالعه تجنني .
تدرجت وجنتيها بحمره خفيفه جعلت ابتسامته تزداد وهو يقدم يده لها لتنظر له بعيون ترفرف فرحًا ومن ثم مدت يدها له سريعًا ليجذبها بهدوء ويذهبا حيث الباقون ويديهما ممسكة ببعضها ..
وفي داخلها الف شكر وامتنان لتلك السيده التي أرسلت لها تلك الملابس مع احدي العاملات هنا ..
كانوا يجلسون جميعًا في ترقب .. وبالأخص مروان الذي ينتظر قدوم أخيه بفارغ الصبر .. ركضت أريج تجاه مريم ما إن لمحتها .. وأَمسكت بفستانها متمتمه ببراءه : ليدو فين ؟
ابتسم جود لها وهبط لمستواها ومد يده لها متمتمًا : طب انا منفعش عما ليدو ييجي ؟
نظرت له بعدم فهم ليتابع : انا بابا ليدو .
وضعت يديها الصغيره علي فمها بمفاجأه وهي تشهق في براءه وقد توسعت عينيها الملونه وهي تتمتم : بابا ليدو بجد ؟
اماء جود وهو يكتم ضحكته لتركض الصغيره عائده اليهم وذهبت تجاه مالك مباشرة .. وعلي الفور علمت اروي ان اريج ستتحدث بما لا يُحمد عُقباه .. فتحركت بسرعه تجاه اريج التي وصلت لمالك واخذت تتمتم : بابا ليدو جه .. هو راجل .
اخرجت لسانها له ليتحرك مالك ودفعها للخلف في غضب لتدفعه أريج بدورها .. بيديها الصغيره صارخه في وجهه : انت وحش .
تحركت شهد هي الاخري وفضت هي وأروي الشجار بينهما .. بينما يجلس الرجال عاقدي الحاجب لا يفهمون ما يحدث ..
تحدثت اروي بهدوء : ريجو احنا مش اتفقنا اننا هنعتذر من لوكا .. ينفع اللي عملتيه ده ؟
شهد مقاطعه حديثها : هو اللي بدأ وزقها يا اروي تعتذر علي اي .. مالك اعتذر حالًا من أريج .
اروي : شهد بعد اذنك ممكن تسيبهملي .. انا هتصرف معاهم .
عقدت شهد بين حاجبيها لتضغط اروي عينيها معا فتركت شهد مالك وعادت لمجلسها بينهما أخذت أروي مالك وأريج وتحركت بعيدًا بعض الشئ .
وقف معاذ واقترب من جود واحتضنه بود متمتمًا :حمد الله علي سلامتك يا بشا .
ابتسم له جود في هدوء لتتحدث مريم : ده معاذ توأم شهد مرات مروان .
عقد جود حاجبيه لثوان يرتب جملتها في عقله .. ليتحدث بهدوء : مروان اخويا ؟
اماءت مريم بابتسامه .. ليتابع جود : وشهد مرات مروان اخويا ؟
اماءت مريم ليتابع من جديد : وده معاذ أخو شهد التوأم اللي هي مرات مروان اخويا ؟
أماءت من جديد ليضحك جود بخفه متمتمًا وهو يفرك مؤخرة رأسه : الحمد لله العقل لسا شغال وبيستوعب .
ضحك معاذ وهو يضربه علي كتفه متمتمًا : لسا دمك زي العسل والله .
جود بابتسامه : باين كده .
تحركوا تجاه البقيه لتُشير مريم بهدوء : دي رقيه .. مرات معاذ .. ودي شهد مرات مروان .. والقمر اللي قاعده جنبها دي ملك بنت مروان .. واللي مع أروي هناك ده .. مالك توأم ملك .
كانت تعرفه عليهم واحدًا تلو الآخر .. وكلما أشارت لأحدهم يومئ له بابتسامه ويبادلونه مثلها مع التحمد لله علي سلامته ..
نزل جود ارضا واشار لملك .. لتتحرك ملك بهدوء تجاهه .. احتضنها بابتسامه وتمتم وهو يزيل خصلاتها عن عينيها : ملك .. اسمك جميل اوي .
مريم بابتسامه : انت اخترت اسمها هي ومالك .
نظر لها جود لتومئ مؤكده علي حديثها ليبتسم متمتمًا : كويس … اممم .. طيب بما ان اريج دلعها ريجو .. ووليد دلعه ليدو .. ومالك اكيد لوكا .. فإنتي بقا دلعك هيبقي حاجه مختلفه تمامًا .
ملك بحماس وهي تصفق يديها معًا : اي ؟
جود بتفكير لم يدم سوي ثوانٍ فقط قبل أن يتابع : ملاك .
ابتسمت ببراءه وهي تتمتم : بابا بيقولي يا ملاك .
نظر جود تجاه مروان الذي تحدث بهدوء : انت برضو اللي مدلعها ملاك .
كشَّر جود وجهه وهو ينظر لمروان بسخط : انت ملكش اي دور كده خالص .. بابا علي الفاضي .. اسمهم انا اللي مسميهم .. ودلعهم انا اللي مدلعهم .. ووليد ابني مدلعاه بنت اسلام .. اللي لغتني ولغت ابوها .. يا حلاوه يا ولااه .
ضحك الجميع بصخب ليجلس جود ومريم أرضًا علي الشاطئ معهم ..
تحدث اسلام بعبث : بس اي يا مريم .. طالعه تجنني .
تحولت نظرات مريم الي جود مباشرةً .. لقد قال نفس الجمله منذ قليل فقط .. ابتسم لها جود بهدوء .. ليتحمحم اسلام متابعًا : انا مقلتش كده عشان تقعدوا تسبلوا يا جماعه ..
ثم تابع بمزاح وهو ينادي : بت يا أروي تعالي هنا عايز أسبِّل .
ضحك الجميع عليه ليتحدث جود : والله نظرتي فيك ما خابت .. رخم رخم يعني .
علي الجانب الآخر ..
وقفت هي بينهما في جانب بعيد بعض الشئ عنهم وتحدثت بهدوء : عايزاكوا بقا تعرفوا حاجه مهمه يا قطاقيط .. اريج ومالك .. انتوا اخوات .. وانت يامالك لازم تخلي بالك من اريج عشان انت راجل ولازم الراجل يخلي باله من اخته .. وانتي يا اريج لازم تحترمي اخوكي عشان اخوكي يحترمك وكمان هو الكبير واحنا قلنا بنحترم الكبير .. صح ولا غلط .
اماء الأطفال في هدوء لتتابع اروي : احنا كلنا عيله .. انتوا بتشوفونا احنا الكبار بنتخانق ؟
نفي الطفلين لتتابع اروي في هدوء : عشان احنا عيله ولازم نكون ايد واحده ونخلي بالنا من بعضنا .. دلوقتي يالوكا حبيبي .. ليدو باباه موجود زيك بالظبط .. باباك موجود وبابا ريجو موجود .. كلنا زي بعض وكلنا اخوات .. ممنوع حد يزعل التاني .. اتفقنا ؟
اماء الطفلين لتتابع بابتسامه : ودلوقتي يلا يا ريجو اعتذري من لوكا .
اريج : اسفه يا لوكا .
اروي : وانت كمان يا مالك هتعتذر من وليد لما ييجي .. تمام ؟
اماء مالك بصمت .. لتقبلهما بهدوء .. ليأتيها صوت إسلام مناديًا .. لتاخذهما وتتحرك تجاههم .
مضي أكثر من ساعه والجميع يتحدثون ويضحكون معًا والأجواء سعيده للغايه .. وجود يشعر حقًا بالإنتماء لهم .. يشعر بدفء يجتاح خلاياه بقربهم .. تلك الحوريه بجانبه وضحكتها الرقيقه الكافيه بأن تودي بقلبه لبحور عشقها الف مرة في الدقيقه ..
وذاك الأجدب المسمي بأخاه .. لما هو لطيف وحبوب لهذه الدرجه .. اووو يا الهِ هل وقع في حبه هو الآخر .. ماذا ؟.. اجل انه يحبه ففي عروقهما نفس الدماء .. كيف لا يحبه ..
وذاك السخيف اسلام .. انه لا يكف عن مغازلة زوجته كل فنية وأخري بصوت خافت ومن ينظر لهما يعلم انها مغازله بسبب تدرج وجنتيها .. لماذا هو ضحوك هكذا ويحب المزاح ويضفي أجواء مرحه للمكان ..
ذاك الـ معاذ .. لمَ لا يكف هاتفه عن الاتصال .. يا اله زوجته علي وشك ان تقتله ..
ابتسم بخفه لأفكاره .. انهم حقًا نعمه ومشاعره تجاههم قويه .. كأن قلبه يسحبه لا اراديًا تجاه كل فردٍ منهم .
قاطع حديثهم جميعًا صوت الحاج محمود الذي صدح عن بُعد وهو يتحدث : تقبلوا كبار السن ولا القعده شبابي بس ؟
تحدث مروان وهو يتحرك مرحبًا به : ازاي بس دا انتوا الخير والبركه يا حاج .
ترك وليد يد السيده رحمه وركض تجاه جود وهو ينادي بصوت عالي : بابااا .
تحرك جود لا اراديًا ورفعه عن الأرض وأخذ يقذفه للأعلي ووليد يضحك بصخب .. ثم أنزله جود وتحدث في اذنه بهدوء : يلا نشوف مدي سرعتك ؟
وليد بتفكير : ماشي .
وقبل ان يتحدث جود ركض وليد من امامه وهو يتمتم بضحكه صاخبه : الحقني بقا .
جود : يا بكاااااش .
ومن ثم ركض خلفه .. حتي امسك به وايضًا بقي يرفعه للأعلي وضحكات وليد تصدح بالمكان .. مما جعل الجميع ينظر تجاههما بارتياح وسعاده وابتسامه .. الا عينين صغيرتين تقدحان حقدًا علي وليد الذي يأخذ اهتمام الجميع .. والآن أُضيف للجميع واحد .. وهو والده الذي لن يتركه بعد الآن وسيضحك دائمًا بصخب كما يفعل الآن .. كانت تلك الأفكار هي نفسها الدائره داخل عقل مالك الصغير الذي لم يستطع ان يحب ابن عمه .. او ربما لم يحاول من الأساس .. وان شبَّ علي كراهيته فسيشيب أيضًا علي كراهيته .
كاد الليل يُسدل ستائره .. حينما تحدث مروان قائلًا بحماس : اي رأيكم نطلع سفاري ؟
نظر له جود بسخط : سفاري بالعيال دي ؟
مروان : اعتبروني متكلمتش .
الحج محمود : بصوا لا تقولولي هنروح ولا منروحش .. انتوا تقوموا بالصلاه علي الحبيب كده معانا عشان نروح ناكلنا لقمه حلوه من ايد البناويت الحلوين دول ورحمه .. ونقعد قعده رجاله ونسهر للصبح لو عايزين .. والبنات انشغلوا بالعيال لحد ما يناموا واعملوا اللي يحلالكوا .
اسلام بسرعه : والله فكره ملهاش مثيل .. انا موافق .
مروان بجانب عينه : احنا متأجرين بيت .. ولا ناسي .
الحج محمود : والله ما يحصل .. تتأجروا وانا موجود ؟.. ما تتكلم ياجود يابني .
جود بابتسامه : اتكلم اقول اي بس يا حج محمود .
محمود : اياك تفتح موشح كل مره .. عشان ردي واحد .. احنا اسره واعتبرناك مننا ولسا مننا وهتفضل مننا .. ولا اناا ورحمه مش قد المقام .
مروان بسرعه : لا طبعا يا حج العفو .. دا انتوا الخير والبركه .
محمود بابتسامه : ربنا يحفظكم لشبابكم يارب .. ودلوقتي بينا علي شقتكم دي عشان نجيب حاجتكم وتدفعوا ايجار اليوم ده وشكرا علي كده .
نظر مروان تجاه جود ليومئ له جود بعينه ..
ابتسم مروان بحب .. وأخيرًا معه امانه من جديد .
وبالفعل تحرك جود واسلام ومروان ومعاذ الي المنزل ليجلبوا متعلقاتهم من هناك .. بينما ذهبت الفتيات مع رحمه والحاج محمود ..
وبعد فتره من الوقت .. كان الجميع يلتفون حول مفرش كبير موضوع فوقه اطباق الطعام بنظام ويتناولون طعامهم في جو يملؤه البهجه والسعاده .. وكل دقيقة وأخري ينظر جود لمريم ويتابعها بتدقيق .. اماءاتها .. ابتسامتها .. ضحكتها .. حركة شفتيها وهي تتحدث .. يا الهِ انه حقًا يقع في عشقها من جديد .
كان يتأملها بشرود لينتبه حينما لكزه اسلام .
جود : اي يا رخم .
اسلام بضحكه : والله رخم دي طالعه منك زي العسل .. بس يا عسل بطل تبص ع اختي وتتأمل فيها كل دقيقتين ها .
جود بابتسامه جانبيه : مراتي وانا حر .
اسلام وهو يقلد نبرته : مراتي وانا حر .. امال مين اللي نصبلنا زعيق علي طبلية حسب الله امبارح ومش فاكركوا ومش فاكرها .. داهيه لتكون حبيتها تاني !
جود بتنهيده : هو فعلا كده .
ثم ضحك بخفه وهو يتابع : او قلبي اصلا منسهاش .. دا انا شفتها ع الشط وهي بتعيط في حضنك وانا قلبي كان بيتقطع عشانها .. واما شفتها قلبي مكنتش قادر اسيطر عليه .. عيني مش قادر ابعدهم عنها .. تفتكر اناا كده بقع في الحب م الاول .. ولا الحب اصلا موجود بس هي بتنعشه ؟
صمت جود لثوانٍ ينتظر رد اسلام .. وحينما لم يأتِه الرد نظر اليه ليجده واضعًا يده علي وجنته وينظر له بعيون مسبله وشفاه مبتسمه وهو يتمتم : واي كمان ؟
نظر له جود بغيظ ثم دفع وجهه وهو يتحدث بسخط : قاعد بتكلم مع عاهه يا ربي .. الدنيا خلصت مبقاش غيرك اسأله علي مشاعـ ..
لم يتمم جملته لأن اسلام قد كمم فمه وهو يتحدث لجميع الناظرين اليهما : مشاريع يا جماعه مشاريع .. هو كان بيتكلم معايا في مشااااريع .. صح يا جود .. صح ؟
اماء جود وهو يبعد يد اسلام عنه ومن ثم نظر لمريم التي تنظر له بابتسامه .. ليسترخي وجهه تمامًا من جديد .. فانفجر اسلام ضاحكًا علي تحول ملامح جود السريعه .
جود وهو يضع الخبز من يده : لاااه انت مبتجيش بالأدب .
تحرك اسلام راكضًا وركض جود خلفه تحت ضحكات الجميع .. لتتحرك اريج وهي تجذب وليد من يده متمتمه في طفوله : يلا يلا نجري زيهم .
تحرك معها وليد وبدأت تركض هي خلف وليد .. ليعود لهما اسلام وجود وبدأوا يمزحون مع الصغيرين .. بينما يجلس مالك بجانب شهد في صمت وعيونه معلقه علي وليد الذي يرفعه والده تاره ويدغدغه تاره ويركض خلفه تارة اخري وعينيه تقدح غيظًا .. بينما قد استسلمت ملك للنوم منذ وقت طويل .
قُضيت السهره بين ضحك ومزاح وذكريات يتعمد مروان واسلام التحدث عنها ..
شعور جود بالألفه والإنتماء يزدادان .. حبه لمريم يعود كما السابق بل بجنون أكبر .. قربه من وليد وصل لدرجة غير معقوله .. فوليد يرفض النوم مع والدته والبقيه ويذهب للنوم بجانب جود .. وطوال الوقت يرافقه ..
في حين ان مالك يرفض تمامًا أن يلاعبه أحد كالأطفال .. لا يحب ان يُحمل .. لا يحب أن يُعامل كطفل صغير .. يكره تلك اللحظات التي تجمع جود ووليد او وليد واريج .. اريج التي لا تعطيه ذرة اهتمام .. كما انها دائمًا ما تسأل عن وليد ..
مرت الايام تباعًا لتأتي ليلة الأربعاء .. الليلة التي تسبق ليلة عودتهم للقاهره من جديد ..
جلس جود امام الشاطئ وبجانبه وليد الذي لا يبتعد عنه ابدًا .. ينظران للبعيد جدًا .. والهدوء يحوم حولهما ..
تحدث وليد بهدوء : بابا بكره هنرجع البيت ؟
توتر جود لسؤال صغيره .. فهو منذ الصباح وهو يفكر ان عاد ما الذي سيحدث ؟.. ماذا عمن أذوه ؟.. يخشي ان يحاولوا مجددًا ولكن تكون هذه المره في طفله لا هو .. وفي جانب آخر من تفكيره .. كيف سيتعامل مع مريم ؟.. نعم هم يضحكون ويمزحون .. يجلسون ويتحدثون .. تنام علي كتفه احيانًا .. لكن الأمر لا يتعدي ما تم ذكره .. وذلك لكون الفتيات ينمن في غرفه والرجال في اخري .. كيف ستكون طبيعة علاقتهما ؟.. زجر نفسه وهو يتحدث بسخط مع نفسه : علاقة اي يا غبي اللي بتسأل علي طبيعتها وشكلها .. دي مراتك .
ليعود للتفكير مجددًا .. وان يكن .. كيف سيأخذ الخطوه الأولي معها ؟.. لقد حاول في تلك الفتره ان يجمع داخل خلايا عقله كل شئ تحبه هي وتميل اليه .. وجدها تميل للدواوين بكثره .. لا تكف عن سماعهم او قراءتهم .. البسكوت بالشاي والذي كان حديث سهرة كامله .. وقد ذكروا كثيرا من المواقف التي تخص الشاي بالبسكوت .. ويالها من مواقف .. فقد شعر بأَنه عاش شئ كهذا فعلا .. بل إنه كان يأخذ نفس ردود الأفعال التي كان يفعلها سابقًا .. وهم يخبرونه بأنه نفس رد الفعل .
أخرجه صوت وليد من دوامة افكاره من جديد : بابا انت مش عايز تيجي معانا ؟
نظر له جود سريعًا ليتحدث بهدوء : لا طبعًا حبيبي هاجي معاكم .
وليد : امال ليه زعلان ؟
جود بتنهيده : عشان بعدت عنكم كتير اوي يا وليد .
وليد : بس ماما قالتلي انه كان غصب عنك .
جود بابتسامه : فعلا كان غصب عني .. وانتوا لو مكنتوش جيتوا هنا اسكندريه .. مكنش زماننا قاعدين كده دلوقتي .
وليد : بس ماما كانت عارفه اننا هنقابلك هنا .
جود عاقدًا حاجبيه : عارفه ازاي ؟
وليد ببراءه : واحنا جايين في العربيه سألتها هنشوفك امته وقالت بعد شويه … وحقيقي مش كذبت عليا .. اصلا ماما عمرها مش كذبت عليا .. وانا شفتك الاول قبلها كمان .
جود بابتسامه : طب وانت عرفتني ازاي بقا ؟
وليد : انا عارفك .
جود : عارفني منين بقا ؟.. انا لما سبتك كنت لسا نونو .
وليد :صورك كتييييير علي تليفون ماما .. انت وهي وانت وانا واحنا كلنا .. وكل يوم نتفرج عليهم مع بعض .
ابتسم جود وهو يقرب وليد منه محتضنًا اياه واخذ يفكر في مريمته … التي تفاجؤه كل يوم بشئ جديد عنها .
قاطعهما صوتها الذي جعل الابتسامه تتسع أكثر ليطالعها فاغرًا فاهه ناظرًا اليها بعينين متوسعتين .
يتبع ..
الثامن من هنا
التعليقات