رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الثاني للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الأول
2225م.
(لقاء مؤجل! ).
شحب ضوء الشمس عندما حجبته غيوم السماء، فلفحت الرياح المهداج المباني المشيدة بقوةٍ، كأنها تعلن عن زخات المطر العاتية، مزق الرعد صفحات السماء بقسوةٍ صاحبه المطر كالشلالٍ، فغطى معظم باسادينا (كاليفورنيا)، أخترقت رائحة البرغر شوارعها كواجبات خفيفة استقبالاً للطقس البارد، يقال أنه طقس العشاق حيث التقارب لمنح الدفء، خفق المطر تباعاً حتى أصبح كقطرات الدمع، فهدأت ثورة الرياح المتمردة، وكأن عدسة الكاميرا تلتقط مشاهد متفرقة من ولاية كاليفورنيا لتنتطلق لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا «California Institute of Technology»، ركضت تلك الفتاة ذات الجدائل، القصيرة الصفراء، مسرعةٍ لتختبئ من المياه التي كادت بأن تغرق ما تحمله بين يدها من أوراقٍ وكتب هامة، فوقفت تترقب خفوته حتى تتمكن من العودةٍ للمنزل، استدارت برأسها للخلف سريعاً حينما استمعت لصوت صديقتها يدنو منها: للحظة ظننت أن السماء تسقط النيران حينما رأيتك تركضين هكذا!
أجابتها إريكا وقد بدأت تستعيد رباطة جأشها: أخشى أن تبتل ملابس.
منحتها صديقتها نظرة تحمل الشك بطياتها، حينما رأتها تحاول تجفيف فستانها الوردي، فقالت بخبثٍ: على ما يبدو بأن اليوم هو أخر الأيام الدراسية، حسناً ستذهبين برحلة جديدة لخالتك أليس كذلك؟
ابتسامة صغيرة تشكلت على وجهها الأبيض، لتداعب شفتيها الوردية بتناغمٍ، تلك الربكة التي تستحوذ على جسدها حينما تتذكر رحلتها المحببة بنهاية فترتها الدراسية، تطرق السعادة بابها، وتنتظر بفارغ الصبر حتى تراه، تنحنحت بثباتٍ حاولت قدر المستطاع التمسك بها لتشير لها دون اهتمام: أجل، تعلمين بشأن زيارتي لها بنهاية كل عام دراسي، فهي تترقب العطلة لرؤيتي كما أتوق أنا لرؤياها.
تنهدت بدلالٍ، وهي تستطرد بمكرٍ: وماذا عن ابن خالتك، هل سيحزن أيضاً إذا لم تسافري بنهاية كل عطلة!
تجاهلت إريكا ما ترميه عليها رفيقتها من تصريح مبطن بعشقها الواضح بعينيها تجاه ابن خالتها، لترد عليها: لا أعلم؛ لا يعنيني أمره كثيراً.
نظرت لوجهها الذي تكسوه حمرة غريبة كلما تحدثت عنه، فدققت النظر لعينيها الهائمة قبل أن تضيف: ولكنه ليس كذلك، يهتم كل مرة بأن يأتي بنفسه ليكون رفيقاً لكِ برحلة السفر لكندا.
أخفت شبح البسمة الساخرة، فصديقتها كغيرها ممن يظنوا بأنها تسافر ل كندا حقاً، أبعدت عينيها الزرقاوتيين عنها وهي تتفحص السماء التي عادت الشمس لتبدد ظلمة غيومها من جديدٍ، فرفعت أصابع يدها بالهواء، فما أن تأكدت من توقف المطر، حتى لوحت بيدها مودعة رفيقتها وهي تهرول للطريق مرددة بسعادةٍ: لقد توقف المطر، أراكِ لاحقاً.
ثم عبرت للطريق الأخر، لتصعد على متن سيارة الأجرة، اسندت إريكا رأسها على نافذة السيارة التي تشمعها مياه المطر، شردت رغماً عنها به، قلبها يخفق بشراسةٍ حتى كاد بأن يمزق قفصها الصدري، ليغني طرباً برؤياه التي ستتحقق بعد عام كامل من الانتظارٍ والترقب، ارتفع صوتها قليلاً وهي تتحدث مع نفسها: كم اشتاقت لرؤياك!
شعرت بسكون حركة السيارة، فنظرت حولها بتعجبٍ حينما وجدت ذاتها أمام البناية الخاصة بها، مدت يدها بجيب حقيبتها، لتلقط مبلغ من المال ثم قدمتها للسائق، لتهبط على الفورٍ، رفعت رأسها عالياً وهي تراقب شرفة غرفتها بنظراتٍ مشتاقة، فأسرعت بخطواتها تجاه المصعد، فما أن توقف بطابقها الصحيح، حتى هرولت للباب، تطرق تارة وتدق الجَرَسَ مرة خلف الأخرى، وكأن هناك وحشاً مخيف يلاحقها، فُتح الباب لتستمع لصوت أبيها الغاضب: هل هاجم الزومبي العالم!
ولجت للداخل ثم وضعت الكتب على أقرب طاولة، لتجيبه بابتسامةٍ مشرقة: ليس بعد.
ثم هرولت لغرفتها لتتفحص الشرفة بخيبةٍ أمل حينما لم تجده بانتظارها كعادته، ولج خلفها، فأستند بجسده على باب الغرفة، ليرفع حاجبيه بسخريةٍ: أتعبتي نفسك ركضاً ولم يصل بعد!
جلست على المقعد القريب منها بحزنٍ سيطر على معالم وجهها بتمكنٍ، فأكمل تناول ثمرة التفاح الأحمر وهو يسترسل بمشاكسةٍ: لا عليكِ، ربما يأتي غداً.
دخلت لينا حاملة بعض الشطائر، لتضعه أمامها قائلة لزوجها بضيقٍ: ما بك كيفن، لماذا تضايق ابنتك!
رفع كتفيه ببراءةٍ مصطنعة: ماذا فعلت؟، أضع أمامها خيار جديد حتى لا تبتئس.
حدجته بنظرةٍ غيظ، ثم انحنت بجسدها تجاه ابنتها، فمررت أصابعها على خصلات شعرها الصفراء، لتهمس لها ببسمةٍ هادئة: لا عليكِ حبيبتي، سيأتي بموعده كما يفعل كل مرة.
هاجت السماء وماجت، وكأنها تواجه عاصفة فريدة من نوعها، رغم سكون الأجواء بعد الأمطار، ضربها الرعد والبرق معاً لتضيء بشكلٍ مخيف، إهتزت الأشجار والأعمدة بعنفٍ، وكأن هناك زلزال يضرب العالم بأكمله بقوةٍ تفوق الخامسة عشر ريختر، أُظلمت لتضيء من جديدٍ بعد أقل من الخمسة عشر ثانية، انخطف لون البشر خوفاً مما يحدث بالخارج، الا هي ركضت بسعادةٍ لشرفتها وعينيها تبحث عنه بعدما استمعت لاشارة قدومه، عبثت بملامحها مجدداً، قائلة بحزنٍ: أين أنت؟
خلفك.
استدارت بلهفةٍ، فوجدته يحلق من أمامها، فدنت منه إريكا بابتسامةٍ واسعة: لقد تأخرت كثيراً، فظننت بأنك لن تأتي!
لامست قدميه أرضية شرفتها فأهتزت بقوةٍ، أصبح مقابلها وكلتا عينيه البنيتين مسلطة عليها، ليجيبها بصلابةٍ عهدت أن تكون رفيقته: هل حدث وخالفت بوعدي معكِ؟
هزت رأسها بالنفي، فأشار لها ناطقاً: حسناً، لننطلق.
أسرعت لغرفتها، ثم جذبت حقيبتها الصغيرة لتعود إليه، أغلق كيفن باب الغرفة جيداً، ثم اقترب منهما ليشير بلائحة يديه لمن يقف أمامه بترحابٍ: فليحيا القائد ديكسون العظيم.
راق له تحيته، فأجابه بابتسامة صغيرة وهو يتأمله باهتمامٍ: مرحباً كيفن، أرى الشيب يغزو شعرك عاماً تلو الأخر.
ضحك بصوته كله، ثم قال: تلك السمات تنطبق على البشر، وبالطبع أنا منهم، لعلي لست محظوظ كوالدتك.
فتحت لينا الباب، ثم ولجت للداخل لتغلقه وهي تخبرهم بأنفاسها اللاهثة: لم يشعر أحداً بما حدث نظراً للطقس السييء.
سُلطت نظرات عينيه ذات اللون البني الداكن تجاهها، فمازال العهد بعدم أخبار أحداً بمملكته محفوظ بينهما، أخرج ديكسون هدية والدته لرفيقتها، ثم قدمها لها: أرسلتها لكِ مولاتي الملكة.
التقطتها منه لينا بفرحةٍ، ثم قالت: حبيبتي روكسانا لم تنساني أبداً.
فتح ديكسون ذراعيه ل إريكا التي تطالعه بهيامٍ، ليشير لها بالاقتراب: هيا، فالملكة تنتظر بالأعلى.
وزعت إريكا نظراتها بين والدتها وابيها، فأشار لها الأخر بأن لا تضيع الوقت، حتى لينا أخبرتها بابتسامةٍ عذباء: هيا إريكا، استمتعي بوقتك.
أمسكت بيديه، فقربها لصدره، ليلف يديه حول خصرها بقوةٍ، ليختفي من أمامهم بسرعة الرياح، تشبثت به بتمسكٍ وجسده يعلو ليخترق السماء، ليتخفوا سوياً خلف الغيمات، تلك اللحظة بالتحديد تمنحها فرصة عظيمة بتأمله عن قربٍ، وهي بداخل أحضانه، لقائها المتكرر به يزيد من العشق النابض بداخل قلبها البشري، نعم تعلم بأنه كائن مختلف عن كوكبها رغم تشابهه الكبير مع البشر، ف ديكسون ولد بشكلٍ بشري ولكن يمتلك قوة يخشاها الجميع، قوة تفوق أبيه أضعاف مضاعفة، أغلقت إريكا عينيها على كتفيه باستمتاعٍ للهواء الذي يلامس صدغها، شعره الطويل الذي يصل إلى ما بعد رقبته كان يلامس وجهها، لون بشرته بيضاء كبتلات الزهور البيضاء، ردائه الأسود الذي يرتديه فوق زيه الحربي يمنحه مظهر جذاباً، جسده ممتد بعضلاتٍ تنم عن قوة بنيته، يديه أفاقت من عالمها الوردي حينما لامست قدميها سطح كوكب كيبلر، ابتعد عنها ديكسون ليشير لها بعينيه تجاه القصر: مولاتي الملكة بانتظارك إريكا.
ثم تحرك بضعة خطوات بعيداً عنها، فأسرعت خلفه وهي تتساءل باستغرابٍ: مهلاً، ألن تدخل معي!
استدار مقابلها ليرتفع بجسده عالياً، وهو يجيبها: سألحق بكِ لاحقاً، على الذهاب لرؤية أبي.
أومأت برأسها بتفهمٍ فركضت باشتياقٍ للداخل، كانت تعرف الطريق جيداً لجناح روكسانا، فهذة لم تكن أول زيارتها للقصر الملكي والكوكب بأكمله، كادت بالوصول للأعلى فوقفت حينما استمعت لصوتٍ مألوف تشتاق لسماعه: إريكا، هل أراكِ حقاً أم أني أتوهم ذلك!
استدارت للخلف بابتسامةٍ كبيرة، لتهبط الصخور المنحوتة على شكل درج عملاق، ولسانها يردد في سعادةٍ: إيمون!
هرولت اليه، فتراجع للخلف وهو يشير لها بخوفٍ: تمهلي إريكا، ستسقطين أرضاً.
إلتوى كاحلها، فصرخت بألمٍ، كادت بأن تسقط على الصخر الأصفر القاسي، فأغلقت عينيها في فزعٍ، شعرت بجسدها يطفو، ففتحتهما على مهلٍ، لتجد رفيقها المقرب يرفعها عالياً باستخدام قوته، يتحكم بجسدها الهزيل مقارنة بأجسادهم بلائحة يديه البنية، أطبق أصابعه وهو يتحكم بجسدها، فتمكن من جذبها إليه، تمسك بها جيداً ليعاونها على الاسترخاء على المقاعد الحجرية المصفوفة بالأسفل، ثم إنحنى ليتفحص حجم إصابتها وهو يعاتبها بضيقٍ: أخبرتك مراراً أن تكوني حذرة بالتحرك بالمملكة، وكل مرة أجدك تتعرضين للسقوط وكأنها مرتك الأولى هنا!
ابتسمت وهي تشير له بتباهي: وكيف سأسقط وأنا أعلم بأنك لجواري، ستساعدني كلما تعرضت للسوء.
ثم إقتربت برأسها منه، لتسترسل حديثها: واجب الصداقة يحتمك على حمايتي سيد إيمون.
منحها نظرة سريعة بعينيه المائلة للون الزمرد، فرفع يديه ثم مررها على قدميها لتتشكل هالة خضراء على مكان اصابتها، فتفتت الخلايا لتعود لأنسجتها سابقاً، والأخرى تراقبه بهدوءٍ حتى أنتهى فوقفت تحرك قدميها: كم مرة سأشكرك!
نهض ليقف مقابلها، فبدى فرق الطول بينهما كبيراً، تركزت نظراته تجاهها فتعمق بصمته عله يتمكن من سد الشرخ الذي يحدث بداخله لمجرد رؤياها، عليه الثبات لتظل رابطة الصداقة التي جمعته بها وب ديكسون صلبة تحتمل هذا الوجع القابع بداخل صدره، قطعهم دخول التابع الذي انحنى ليقدم التحية لسيده: فليحيا الأمير إيمون العظيم.
انتصب بوقفته المهيبة بصلابة، وهو يشير بأصابعه للتابع بالتحدث عما قطعه لأجله: وكلت لأخبرك بأن الملك لوكاس العظيم، إنتصر بمعركته على ملك الغورة فأصبحت مملكته تابعة لمملكة السراج الأحمر.
أمره بالإنصراف وهو يهمس بفخرٍ: وما المتوقع غير الانتصار بمعركةٍ يخوضها الملك بذاته!
إنصرف التابع، فألتقط إيمون سيفه الموضوع أرضاً، ثم تطلع نحوها ليستطرد بابتسامةٍ هادئة: سأنضم لكِ لاحقاً إريكا، على الذهاب لأنقل لأمي هذا الخبر السار.
رفعت رأسها كأداء تحية اليه وهي تخبره بترحابٍ: حسناً، أراك لاحقاً.
تخفى إيمون سريعاً، فبحث عنها حتى وجدها بمختبرها، المكان المفضل لها، فبعد الهدنة التي أختبرتها المملكة تجاه البشر بفضل روكسانا، كرست ضي حياتها لصنع العقاقير الطبية لمساعدة الجرحي والمصابين خاصة إن كانت المملكة تواجه حرباً كهذة، أنتهت أخيراً من صنع الدواء اللازم لشفاء جروح الخناجر والسيوف، فرفعت الوعاء مقابل عينيها، فقالت ببسمةٍ إعجاب: أعتقد بأنه تلك المرة فعال عن الذي يسبقه.
أحنى إيمون رأسه ليحياها بوقارٍ: الرحاب والمحبة لملكة السراج الأحمر، الأميرة ضي.
التفتت تجاه صوت ابنها، قائلة بفرحةٍ: الرحاب على أمير البتيراء، إيمون المعظم.
ابتسم على تحيتها المبجلة اليه، ثم قال بحماسٍ: جئت لأخبرك أن أبي لوثر، والملك أنتصروا على ملك الغورة وحتما بطريق عودتهم للمملكة.
اتسعت ضحكتها فرحاً: كنت أعلم بأن الفوز سيكون من حلفنا.
أكد لها ذلك: وكيف لن يكون لنا و ديكسون يصاحب الملك بتلك المعركة، أتعلمي أمي لقد أخبرني قائد الحرس الملكي أركون بأن العدو يفكر مرتين قبل أن يخوض حرباً يترأسها ديكسون والملك.
ضمت حاجبيها ونظرت نحوه بعينيها البنية اللامعة، قائلة: الرابط الذي يجمع الملك بابنه ديكسون، يعجز العقل عن فهمه، فحينما كان طفل صغير كان يستمد الطاقة من أبيه وحينما اشتد عوده أصبح القوة الكامنة لابيه، لوكاس يستمد قوته منه.
ذم فمه باستياءٍ: ورغم ما حققه من إنتصارات عريقة الا أن شعب المملكة مازال أغلبهم لا يتقبلوه لأنه يشبه البشر كثيراً، أخشى أن تشن حروب التمرد حينما يستلم عرش المملكة.
سكن الحزن معالم وجه ضي، فردت عليه: سيتقبلوه بنهاية الأمر، فلا يوجد من أحق بالعرش بعد لوكاس سواه.
أومأ برأسه بإقتناعٍ، ثم إنصرف سريعاً.
بالأعلى، وبالأخص بجناح الملكة.
ولجت لجناحها وهي تبحث عنها باشتياقٍ، فما أن رأتها تجلس على الأريكة التي تكسوها زهرات الورد العتيقة لتزينها بحرافيةٍ حتى رفعت طرف فستانها الوردي لتنحني بمرحٍ: هل تسمح لي ملكة السراج الأحمر بالدخول؟
نهضت روكسانا متلهفة للقائها، فألقت ما بيدها، قائلة بسرورٍ: إريكا
ضمتها لصدرها بشوقٍ، لتستكمل بعين غائرة: اشتقت لكِ كثيراً.
ابتعدت عنها وهي تتأملها بابتسامةٍ عذباء، مازالت تحتفظ بجمالها الخلاب رغم تقدمها بالسن، تاجها الأحمر المرصع بأحجار الكهرمان اللامع منحها هيبة وعظمة تليق بملكة العرش، نظرات عينيها الخضراء التي تطالعها بحبٍ وحنان ختم بقولها المتلهف: كيف حال لينا و كيفن؟
بأفضل حال.
عادت لتسألها بعدما دنت لتصبح قريبة منها: حسناً، أخبريني عنك وعن دراستك.
قالت بمشاكسةٍ: أحاول الصمود أمام تلك المسألة المعقدة، فأنا أود العيش هنا بعيداً عن الدراسة والمعهد وكل تلك الأمور.
ابتسمت وهي تمنحها نظرة ماكرة، فقالت إريكا بتحذيرٍ: لا تخبري أمي بما قلته الآن والا ستقتلني.
ضمت شفتيها معاً وهي تجيبها بعد تفكير: حسناً لن أفعل.
سعدت كثيراً بهذا التعاقد الموثوق به، فبدأت روكسانا موجة أسئلتها المتعلقة بالأرض، كوكبها الذي تحن لرؤياه، نعم حملها ديكسون اليه أكثر من مرةٍ؛ ولكن رغماً عنها تحملها الأشواق إليه، أشارت لها بالجلوسٍ، ثم أمرتهم بتحضير الغداء المخصص باستقبالها، حتى جناحها ينظف بشكلٍ يومي حتى يكون جاهز لأستقبالها بأي وقت.
الجثث الهامدة ملاقاة بشكلٍ فوضوي بالأرجاءٍ، ولجوارها فتات لحيوانات تشبه الأسود بجسد عملاق، أذرعها السفلية تحمل حواف بارزة للغاية، والعلوية بها سيوف حادة تكاد تخترق أجسادهم الغامضة، مر ديكسون من وسط الحشد المتوافد من الجثث، يراقبها عن كثبٍ، فكان إذا وجد أحداهما على قيد الحياة بعد تلك المعركة الدموية يقتله بسيفه الضخم الذي يشع شراراً مخيفاً، الغضب كان يجعل عينيه البنية قاتمة كالليل الكحيل، اعتاد على خوض الحروب ولكن تلك الحرب كانت مختلفة، فملك الغورة كان يتحدى مملكة السراج الأحمر بدمٍ بارد متجاهلاً ملكها العظيم ومن يقود جيوشها، لذا حرص ديكسون على قطع رقبة الملك بذاته حتى أنه وضعها على جدران المملكة السميك، ليكن عبرة لغيره من الملوك الذين يضعون مملكة السراج الاحمر بلائحة أمانيهم، وزعت نظراته القاتمة بين جيوشه العريقة التي تنتظر أمراً منه للعودة للمملكة بعد ما حققوه من نصراً مهيب، أطاحت نظراته ذاك الركن البعيد فرأى أبيه يقف شاراً برمز مملكته الذي يرفرف على أعلى المملكة بنظراتٍ صلبة، إعتاد خوض الحروب للحفاظ على شعب مملكته أمن، انتبه لوكاس ل روجان الذي يحوم من فوقه بحركاتٍ دائرية سريعة، وكأنه يحتفل بانتصاره الكبير، ابتسامة صغيرة تسللت لشفتيه وهو يتابع ابنه يقترب ليغدو قريباً منه، ليحني رأسه باحترامٍ وهو يضيف: هنيئاً النصر للمملكة مولاي.
تعمق بالتطلع اليه والفخر يتوج حدقتي عينيه، فقال: النصر لم يتحقق الا بكفائتك ديكسون، وجودك لجواري بساحة المعركة يجعلني متعطش للدماء التي ستخلق جو من التحدي بيننا.
وضع سيفه المضيء بهالة من اللون الأجواني الغريب، ثم وقف جواره يتطلع لشعار المملكة المحلق عالياً وهو يخبره بعزمٍ: أعدك أبي بالا أدعى السوء يمس شعب مملكتي أو يسخر من شرف قادتها، ما حدث لهذا الخائن سيكون درساً قاسياً لغيره.
ابتسم لوكاس وهو يتابع حديث ابنه بفخراً، فتخفى ليظهر من أمامه مباشرة: هكذا هو ابني الشجاع.
أحنى رأسه تحية له، فتساءل لوكاس بغموضٍ: هل إتخذت قراراً بشأن حاكمها!
قال بثقةٍ: بالطبع، قائد الحرس الملكي أركون.
أشار لوكاس بيديه فأنحنى روجان ليعتليه بصرامةٍ: لا أشك بإختيارك.
ثم أمر روجان بالعودة به للمملكة فأنطلق على الفور، أما ديكسون فتخفى سريعاً ليظهر داخل القصر الملكي التابع لمملكة الغورة، ليجد صديقه أركون يصدر أوامره للجيش بالعودة للمملكة وأبقى عدد لا بأس به للحراسة، فما أن انتبه لوجوده حتى انحنى يحيه بوقار، فأشار له ديكسون بالنهوض، ثم تابع سيره حتى وصل للعرش الذي يتوسط القاعة الفاخرة، لحق به القائد ليخبره بما فعله من ترتيبات ثم تساءل: هل عين الملك لوكاس العظيم حاكم لغورة؟
استدار ليكون مقابله، يحدجه بنظراته الجافة ومن ثم قال: أختارتك أنا بنفسي أركون، هل يكفيك أنا أم تحتاج لسماعها من الملك!
ضيق عينيه باستغرابٍ: أنا! أنت تعلم ديكسون أن لا رغبة لي بالحكم، أود البقاء بجوارك بالمملكة، فأنا أحب منصبي كثيراً.
تعل جسده وهو يترقب بهو القصر الفسيح، متغاضى عن حديثه الأخير، ثارت عينيه الرمادية بضيقٍ من تجاهله لما قيل، فهمس بضجرٍ: هيا ديكسون لا تكن عنيداً، أنا حقاً لا أريد حكم غورة.
أشار له بحزمٍ: وأنا قررت ذلك، حكمك لغورة أو لغيرها لا يعني الابتعاد عني أيها الأبله، انظر إلى إيمون يحكم البتيراء وأراه أكثر مما أراك.
ابتسم ذو الوجه المدبدب، الذي يكسوه شعراً مجعد ليمنحه مظهر مختلف، ليضيف ساخراً: أرضخ لرغبة ملك السراج المستقبلي، أمرك مطاع.
لوى شفتيه ببسمة ماكرة، بعدما أصبح أمامه بسرعة الريح: أعجبني هذا.
ظهر ضوء معتم أسود اللون من أمامهم، فبدد ليظهر برهات أحد الحرس التابع ل أركون، احنى رأسه بوقارٍ فأذن له ديكسون بالحديث، فأسرع بالبوح بما أتى لأجله: لقد تمكن أحد رجالنا من العثور على ذاك الوحش اللعين الذي يشعل الفتنة بين سمو الأمير والشعب.
اشتعلت حدقتيه بغضبٍ لا مثيل له، فغلب حدقتيه لون الأرجواني المخيف الذي يدل على بداية تحوله المهيب، أطبق معصم يديه فتحولت من حولها هالة دائرية قاتلة، فبالرغم من تقبل الشعب لوالدته الا أن بالفترة الاخيرة انقلبت الموازين بصورة مستريبة، فظهر بين عامة الشعب طائفة غريبة يقودها شخصاً ملثم، ينجح كل مرة بتحريض الشعب على حاكمه، فمنهم من أبدى رأيه بقبوله لحكم لوكاس العظيم بشرطٍ الا يحكم ديكسون كونه ابن بشرية حتى شكله متطابق اليهم، ومنهم من رأه الأجدر بالحكم من بعد أبيه الملك نظراً لقوته وانتصاراته التي يحققها بحروبٍ شهدها الجميع، كان يود أن يرى ذلك الوحش الذي يكن له الكره والعداء، أراد أن يريه كم هو جبان يتخفى خلف وشاح حالك السواد ليخفي به جنسه ومعالمه، إن كان شجاعاً لفضل حربه لينطاحه الرأس بالرأس، لم يطيق صبر الانتظار فتخفى سريعاً ليظهر بذاك المكان الذي أخبره به الحارس، فلحق به أركون على الفور.
بارجاء المملكة، وبالأخص بمنتزه الأساسيات، حيث بنى هناك مكان ضخم يحوي كل ما تطلبه المعيشة، مكان يمتلأ بالباعة يشبه السوق بعالمنا، كان التجار يعرضون الملابس والعديد من الاشياء كالمقعد المصنوعة من معادن غامضة لا تراها العين على الأرض، وغيرها من صخورٍ متعددة الألوان تصنع منها الكثير من المتطلبات الحياتية، بعيداً عن تلك الزقاق وخاصة بهذا الركن المنفرد، كان هناك تجمع يضم عدد لا بأس به دن عامة الشعب، يستمعون لهذا الملثم الذي أضاف بعدائيةٍ شديدة: لم يعتاد شعب المملكة على الذل حتى يأتي ابن البشرية ليتحكم بكم، أفيقوا من غفلتكم اللعينة. ماذا تنتظرون بعد. لإن يعلنه لوكاس العظيم ملكاً مثلما توجه الملك شون من قبل!
ثم أحتدت لهجته وهو يستطرد باندفاعٍ: هل نسيتم ماذا نقل لكم البشر من مرض خبيث كاد بأن يبدد نسلكم جميعاً!
وتابع بقول: إن تولى ديكسون الحكم سيسمح للبشر بالصعود لكوكبنا، سيسمح لهم بالعيش معانا، وحتى إن حدث ذلك كيف ستقبلون بأن يحكم المملكة ملكاً بشري ضعيف، ليس بقوة أبيه!
تحدث احد من الشعب قائلاً باستنكارٍ: الحاكم ديكسون ليس بالضعيف، فهو من ساعد الملك بالدفاع عن المملكة طوال الفترة الماضية.
ابتسم ذاك الملثم في سخريةٍ: هل رأيت ذلك بعينيك، حسناً سأحاول ان أفكر بصوتٍ عالي، إن كان ديكسون يمتلك قوة مخيفة مثلما يدعون لماذا يلاحقه الملك بكل معركة!
ساد الصمت الوجوه، فأجاب على ذاته قائلاً: لأنه مجرد بشري، والبشر ضعفاء يعجزون عن حماية أنفسهم، فماذا ان تولى الحكم كيف له بحمايتكم إن لم يكن قادراً على حماية نفسه!
نجح كعادته بسحب عقولهم، ليبدد ثورتهم حول ذاك الأمر، ارتاب الجميع وتفرقوا بشكلٍ عجيب مما جعله ينتبه لوجود أخر شخصٍ توقع رؤياه، نُقلت النظرات جميعاً ل ديكسون الذي يطالعهم بنظراتٍ أقرب للموت، تراجع الملثم للخلف بذعرٍ واضح، فتجمع من حوله عدد لا بأس به، والغريب أنهم ايضاً ملثمون جميعاً، كاد برهات بالتداخل لمعاونة ملكه المستقبلي؛ ولكنه توقف حينما منعه أركون من ذلك وهو يشير له بغموضٍ: تراجع للخلف، ولا تفكر بالتدخل أنت وجنودك.
أجابه معترضاً: كيف ذلك أيها القائد فالأمير على وشك الأشتباك معهم!
رد عليه بابتسامةٍ شيطانية: دعهم يرون قوة ابن البشرية وملكهم المستقبلي برمة أعينهم.
تراجع للخلف بجنوده، تاركاً الساحة لديكسون، تخبئ شعب المملكة بأماكن أمنة ولكن لم يمنعهم ذلك من متابعة ما يحدث بباحة المنتزه.
وقف أمامهم بصلابةٍ وأعين لم ترمش لها جفن، الهواء يلفح جسده فيحرر الوشاح خلف ظهره بحريةٍ، عينيه التي أصبح لونها بنفسج قاتم أصبحت لا ترى سوى أعدائه الذين يزرعون الفتنة بين طائفة شعب مملكته، أشار الملثم برأسه لأثنين من رجاله، فأقتربوا ليقفوا مقابله، أخرجوا السيوف المضيئة بوميضٍ أسود قاتم يعرف جيداً بالمملكة بأنه يحوي رحيق زهور الموت القاتلة، فأن خدش به أحداً بإصابةٍ صغيرة يتسمم على الفورٍ، كادوا بالأقتراب منه، فما من البشري الضعيف الا أنه رفع يديه ليصنع أمامه دائرة مغلقة أحكم بها شكلٍ مخيفٍ ليطبق أصابعه بقوةٍ، جعلت من أمامه يتلوى ألماً من دون إن يلامس احداً منهما، ألقوا بالسيوف أرضاً ثم سقطوا يتلون ألماً، اعتصر جسدهم ليعلو صوت إنكسار العظام وكأن إبتلعهم حيواناً مخيف، ليلقى بهما جثث هامدة، زعر طائفة الشعب مما رأوه ورغم ذلك وقف كلاً منهم متخفياً ليرى ماذا سيصنع بعد!
عم الغضب على ملامح الملثم، فأمر العدد المتبقي بالهجوم عليه، أججت أعين ديكسون بشكلٍ قابض، فستل سيفه الموضوع خلف ظهره، ومن ثم كور بيديه هالة ليجعلها تتسلل لسيفه فصنعت طبقة مضيئة من حوله، ثم ارتفع بجسده عالياً ليتفادى ضربة سيف أحداهما ومن ثم دث السيف بأحشائه ليخرجه بقسوةٍ أفتكت بما بجوفه، كاد الأخر بأن يصبه بجرحاً بكتفيه، فلف جسده الممشوق ليصبح من خلفه ومن ثم مرر سيفه ليفصل رأسه عن جسديه، ارتعب العدد المتبقي من حوله مما صار عليه زملائهم، فتراجعوا للخلف برعبٍ جلي، سُلطت نظرات ديكسون على قائدهم المتخفي، ليقترب منه بأسنان تدعس شفتيه بغلٍ، فما أن وقف مقابله حتى رفع سيفه في محاولةٍ للمساس به، تخفى الملثم ليظهر بسيفه الذي تعمد أن يمرره على الأرض الصلبة فأحدث شرارة من النيران المتأججة، ففصلت بينهما وبين جيش ديكسون والحاشية، إحتكاك السيوف ببعضهم البعض أطلق شرارت قاتلة كادت بأن تصيبهم بالعمى، نجحت قوة ديكسون فمال سيفه على السيف المرفوع حتى لامس كتف الملثم فأحدث به جرحاً بالغ، فردد ديكسون وهو يكور قبضته بما يعد هلاك الأخير: سترى الآن ما سيفعله بك ابن البشرية الضعيف.
وقبل أن تمس طاقته به كان قد أختفى من أمام عينيه كالرياح التي تمر بالجوار دون أن تراها العين، استشاط ديكسون غضباً وأخذ يبحث عنه بعدما ارتفع جسده عالياً، فاسرع إليه أركون بعدما نجح رجاله باطفاءٍ النيران المشتعلة، فتساءل في اهتمامٍ: قتلته؟
أشار له بملامح متجهمة: لا أعلم كيف اختفى هكذا. كنت على وشك النيل منه!
تحرك فكيه ناطقاً: ما حدث غريب بالفعل، ساتر النيران كانت حيلة منهم لينقلوا الجثث حتى لا نتمكن من التعرف عليهم، يبدو بأن هناك عداء قوي يربطك بهم.
هز ديكسون رأسه باقتناعٍ لما قال، ثم همس بتفكيرٍ: حتى الطريقة التي واجهوني بها لا تدل على أنهم من عامة الشعب
قال أركون: الأمر محير!
التفت ديكسون اليه، ليشير بحزمٍ وهو يضع سيف خلفه من جديدٍ: أريد معرفة كل شيء يخص هؤلاء الكائنات، تحمل أنت تلك المسؤولية.
أحنى رأسه في وقارٍ، فتركه ديكسون وأستكمل طريقه سيراً حتى وقف بمنتصف باحة المنتزه، فرفع صوته الغاضب: لن أعاقبكم على ما حدث منذ قليل، ليس ضعيف لأعاقب من لا ذنب له بنشر تلك الفوضى، ولكن لن أسمح لاحداً من شعبي أن يشكك بقوتي وبما استطيع فعله.
ثم اخرج سيفه، ليرفعه عالياً: من يريد مقاتلتي كبشري فليخرج الآن وأنا أعده بأنني سأحاربه كبشري عادي ولكن لا يلومنا نفسه أن علقت رأسه على حاجز المملكة.
ترقب لدقائق فأخفض سيفه حينما لم يجد أحداً، طوف بنظراته الغاضبة الوجوه ومن ثم غادر جميعاً قبل أن يرتكب جرماً بشع.
عرش مهيب يكسوه اللون الأحمر الطاغي على سطحه، الاضاءة المنبعثة من النيران تملأ فجوات الأعمدة الضخمة المتفرقة على الدرج المصفوف، القاعة المطولة تملأها حوريات الجحيم الاحمر، من يراهن يقتل حياً من شدة لوعته بجمالهن الأخاذ، ربما أخر ما يتوقعه أنهن قاتلات محترفات، يتوسط مقعد العرش المضيء، أحد ملكات حوريات الجحيم السفلي رودوليت تترقب وصول ابنة شقيقتها بارتباكٍ، بعدما استمعت ما حدث، أسرعت احداهن للداخل لتقدم لها التحية قائلة بحماسٍ لما تحمله من أخباراً سارة: الأميرة عادت للمملكة بخير مولاتي الملكة.
أشارت لها بالانصرافٍ، فغادرت لتدلف الاخيرة من بعدها، بخطاها البطيئة التي تعلو صداها كقرع الطبول النائية، فما أن ولجت للداخل حتى خلعت معطفها الأسود عنها، ومن ثم ألقت بما ترتديه عن وجهها الداكن، وعلى كتفيها كانت تضع رفيقة طفولتها، المخادعة بشكلها الهزيل الشبيه بالبومة بنفس حجمها، لونها الأبيض ممزوج بالرمادي، تألمت ألماندين بخطاها، فشعرت بأنها لن تقوى على استكمال الخطوات الفاصلة بينها وبين والدتها، فرددت بصوتٍ واهن: الآن كاديان!
كلماتها منحتها أمراً للتحول، فتضاعف حجمها عشرة أضعافاً لتصبح كالوحش الكاسر العملاق، ثم انخفضت لتدفس رأسها أرضاً لتتمكن سيدتها من التمدد على جسدها العملاق، فتمسكت ألماندين بأجنحتها البيضاء، لتطفو بها عالياً حتى أوصلتها لوجهتها، هرعت الملكة رودوليت إلى ابنتها، فعاونتها على التمدد ثم كشفت عن كتفيها، فصعقت حينما رأت جرحها الغزير، أمرت الحوريات بأحضار الدواء اللازم لعلاجها، ثم ابعدت خصلات شعرها الرمادي عن وجهها الساحر، لتتفحص حجم اصابة كتفيها بضيقٍ: أود أن أعتصر قلبه بيدي.
أجابتها ألماندين بوجعٍ تحاول السيطرة عليه: سيحدث أمي.
أومأت برأسها بنظراتٍ غامضة، فما أن انتهت من تدوية جرحها حتى ربتت على يدها بحنانٍ: أرتاحي قليلاً، سنتحدث فيما بعد.
جزت على أسنانها بقوةٍ، علها تحتمل الجروح العصيبة التي تسبب بها ديكسون ثم قالت بتصميمٍ: لن أرتاح حتى أفصل رقبته عن جسده، ترقبت تلك اللحظة للأنتقام لاجل أمي.
وتهاوى الدمع على وجهها وهي تسترسل بانكسارٍ: أمي التي تسبب هو بمقتلها، لا خالتي لن ارتاح حتى أجعل البشرية وابنها يدفعون الثمن غالي.
تلألأ ابتسامة رودوليت بانتصارٍ لما زرعته من كره بقلب ألماندين تجاه روكسانا وابنها، عينيها التي تتدعي الحنان تخفي من خلفها أثم وشر عظيم، تركتها وغادرت والاخرى هائمة فوق سحابة الانتقام والثأر، لا تعلم بأن من تكيد له المكائد هو من سيختارها ملكة لقلبه!
بالقصر الملكي.
جلسوا جميعاً على الطاولة التي صنعت من الأحجار الكريمة، ليتشاركوا فرحة انتصار لوكاس و ديكسون، هبطت إريكا للأسفل بصحبةٍ إيمون الذي عاونها على الجلوس على الطاولة، ومن ثم هبطت روكسانا بفستانها ذات اللون الفحمي الذي يلاحقه وشاح طويل يصل للأرض تحفه الزهور المبهجة، ومن أعلى رأسها يلمع التاج برونقه الساحر، هبطت الدرج لتجد من يقف أمامه بانتظارها، ابتسامة مشرقة أنعشت وجهها المنطفئ خوفاً من أن يصيبه السوء في كل حرباً يخوضها، فيعود ليضيء من جديدٍ فور رؤياه، رفعت يدها تلامس يديه الموضوعة أمامها، فشعرت بدفء يجتاز أوصالها، قربها لوكاس إليه وهو يهمس بأنفاسه الحارقة: أشعر بالتعطش لريحق زهرتي النادرة.
ثم اقترب من أذنها ليخبرها بصوتٍ ملئ بالرغبةٍ: الم تشتاق لي ملكتي الجميلة!
ابتسمت وهي تهمس له بنفس نبرته المنخفضة: وكيف للزهرة أن لا تشتاق للمياه وهي سبيلها الوحيد بالنجاة من الموت!
تعمق بالتطلع لعينيها الخضراء فتناسى ما يحدث حوله، وكأن عالمه انشطر بعالم يستكسف به عينيها، انتبه لذاته فانتصب بوقفته، ليلف ذراعيه من حولها ليتحول بها سريعاً لمقعدها المخصص، حتى هو جلس على يمين ابيه، الملك شون العظيم، لنضم لهما لوثر بعدما انتهى من تأمين حدود مملكة الغورة مثلما أمره الملك، فجلس جوار ضي التي كانت تترقب وصوله بلهفةٍ، أما إريكا فكانت تراقب المكان بملامح مزعوجة لعدم وجوده، فتسلل الحزن لاعماق قلب إيمون، فعلى الرغم من الصداقة التي جمعته بها وبديكسون على مر السنوات الا أن هناك مشاعر غامضة تحارب قلبه دون أي رحمة، ليشعر بشيئاً مستريب لم يشعر به تجاه أي فتاة من كوكبه، وبالرغم من تأكده من حبها الواضح تجاه صديقه الا انه لم يتمكن من بتر حبها من قلبه، تناسى ذاك الوجع القابع بداخله فبطبيعة تكونيهم يتحملون الآلآم التي تفوق احتمال البشر، فانحنى برأسه تجاهها متسائلاً: أراكِ حزينة بأول يوم لكِ بالمملكة بعد غياب!
أجابته باستياءٍ: وكيف سأكون سعيدة و ديكسون ليس هنا؟
رسم بسمة مصطنعة وهو يخبرها: لا عليكي سيصل قريباً وحينها سنخرج للتنزه معاً كالمعتاد.
ابتسمت بفرحٍ وهي تسأله بحماسٍ: هل سنذهب لتلال المياه الغريبة تلك!
أومأ برأسه فبدت الفرحة جلية عليها، كسر صوت الملك شون الهمسات الجانبية فيما بينهما حينما قال: انتصاراً كذلك سيخلد بالتاريخ.
تابع لوثر مضيفاً: جوردن ملك الغورة كان يعتقد بأنه سيتمكن من اخضاعنا لسيطرته حينما أرسل إلينا رسالة تهديد بالاستسلام، فقبل أن يتحرك بجيوشه لمملكتنا كنا قد خضنا الحرب بداخل قصره ومملكته.
وضع لوكاس الوعاء المشروب البرتقالي لجواره، وهو يخبر ابيه بفخرٍ عن صاحب الاقتراح: كانت فكرة ديكسون، بأن نهاجمه بمملكته حماية لشعب المملكة، فكان يعد جيوشه لغزو مملكة السراج الاحمر فتفاجئ بجيوشنا أمام عينيه.
ابتسم الملك بإعجابٍ على حفيده الذي يرفع رأسه عالياً بكل حرباً يخوضها، فتفحص المائدة وهو يردد بدهشةٍ: أين ديكسون؟
ظهر على المقعد من يساره وهو يجيبه بمرحٍ: هل يريد أحداً رؤيتي!
ابتسم شون وهو يتطلع له بهدوءٍ، قطعه حينما قال: هنيئاً لمملكة حاكمها مثلك ديكسون وملكها لوكاس العظيم.
أحنى رأسه كتحية إليه، ثم اتنقلت نظراته لتبحث عن والدته، فوجدها تتطلع له بفرحة، أشار بيديه لها بابتسامةٍ عذباء، ليقطعها بقوله: حسناً، ألا يوجد مكافأة من الملكة.
نهضت روكسانا عن مقعدها، ثم اقتربت منه لتحتضنه وهي تردد بفرحةٍ: أطلب ما شئت.
ابتسامة سكنت جانب فمه: لا أريد شيئاً سوى رؤيتك سعيدة مولاتي.
احتضنته روكسانا مجدداً بفرحةٍ، ثم عادت لمقعدها من جديدٍ، استدار لوكاس تجاه إريكا، ثم قال: أنارتي المملكة إريكا، هل وضعتي خطة التجول تلك المرة أم أنك كعادتك ستتركين تلك المهمة على أصدقائك.
وزعت نظراتها بين إيمون وديكسون ثم قالت بمرحٍ: بالمرات الماضية كنت لا اعلم شيئاً عن المملكة لذا كنت مجبورة على الموافقة، أما الآن فبت أعلم بكل الأماكن تقريباً لذا وضعت خطتي بالذهاب لما راق لي.
هزت ضي رأسها وهي تعلق باستحسانٍ: أحسنتي إريكا، ضغي خطط رحلتك بذاتك وإتركي التنفيذ لكلاهما.
ابتسموا جميعاً، فبحثت روكسانا بعينيها وهي تتساءل باستغرابٍ: أين إيرلا؟
بمملكة الشارق.
أسرع التابع للكهف الخاص بتدريب ملك الشارق، بحث عنه بعينيه المرتعبتان حتى وجده يتدرب بشراسةٍ بسيفه الطويل، عضلات جسده الأزرق ينبعث منها العرق ببطءٍ، شعر بوجودٍ أحداً بالكهف، فقال بهدوءٍ قاتل: بالطبع هناك أمراً خطير والا لما كنت تدلف بذاتك للعرين!
لعق التابع ذو القرون الحمراء شفتيه وهو يخبره بعد تردد بالحديث: فليحيا مولاي الملك سامول، أرجو منك المعذرة فهناك أمراً هام عليك رؤيته بنفسك.
وضع السيف من يديه ثم حمل الدرع الحديدي الثقيل ليلفه حول جسده العاري بحرافيةٍ، ومن ثم أعاد سيفه ليسأله دون التطلع اليه: لا تزعجني وأخبرني ماذا هناك؟
ابتلع ريقه بصعوبةٍ وهو يخبره: ألقي نظرة بالخارج وحينها ستعلم يا مولاي.
حدجه بنظرة قاتلة، فخرج عن الكهف يلقي نظرة متفحصة على المكان، فوجد مجموعة من جنوده يحاوطون أحدى الفتيات بأسفل الكهف، تخفى سريعاً ليظهر من أمامهم، فوجدهم يشتبكون معها بالأسلحة، ثار غاضباً من تخطيهم لقانونه بعدم التعدي على أي امرأة، فوقف أمامها ليكون حمى لها، ثم شد سيفه ليسلطه بوجوههم وهو يصيح بصوته المقبض: كيف تجرأ على مخالفة قوانيني!
أجابه أحد الجنود قائلاً بتوضيحٍ: قوانينك كالتاج على الرؤؤس ولكن لا ينطبق القانون على ابنة ملك السراج الأحمر!
التعليقات