التخطي إلى المحتوى

رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الثاني للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثاني

(لقاءٍ غامض! ).

كان الأمر صادم ببدء الأمر؛ فلم يستوعب سامول ما قاله التابع، فاستدار برأسه للخلف ليجدها تتحفز بوقفتها للاستعداد بالمواجهةٍ، إرتدائها لأحد الخوذات الملكية تحجب معالمها بنجاحٍ، يكفي بأن الطائر المفترس المتأهب لمعاونتها يعلن بوضوح إنتمائه لأي مملكة، سيفها المميز برمز العائلة المالكة توحي لهما عن كناياتها، استغل الجندي انشغال الملك سامول بتأمل من يواجهه، ومن ثم أسرع بسيفه الدائري في محاولاتٍ للنيل منها، عله يحظى بتكريمٍ من الملك لشجاعته، رفعت سيفها حتى تباغته بضربةٍ قاتلة، فتملكها الذهول حينما رأت دمائه السوداء تنهال بغزارةٍ قبل أن يمسسه سيفها، نُقلت نظراتها لمن يقف خلفه، نظراته الغاضبة تتأمل جسمانه بشعلةٍ من اللون الذهبي تمردت لتحوي جسده الأبيض الممتد بالعضلاتٍ، رفع سامول سيفه وهو يشير لجنوده المترقبين لما يحدث هنا، ليصيح بلهجةٍ شرسة: من يجرأ على مخالفة قانون وضعه سامول بنفسه سيكون مصيره مثل هذا الحقير.

ثم استدار بجسده الضخم ليكون مقابلها، نظراته القاتمة زرعت الخوف بقلبها، وخاصة حينما ردد بعدائية شديدة: عدائنا ليس مع النساء، معركتنا ضد لوكاس وابنه.

خلعت إيرلا خوذتها المصنوعة من اللون الفضي، فتمرد شعرها البني الطويل، حتى لامس ساقيها، عينيها كانت ساحرة لدرجة جعلت الجنود يتأملونها كالأصنامٍ، حتى عينيها لونهما الأحمر كان يشع كالبلور الساطع، تعلقت نظرات سامول بها بغموضٍ، فلطالما كانت حوريات الجحيم تمتلك سيط الجمال والحسن وها قد أتت ابن ملك السراج الأحمر لتبدد تلك القاعدة المعهودة بين الشعوب، اقتربت إيرلا منه ثم رفعت سيفها تجاهه، ليخرج صوتها الساخر: تستخف كثيراً بقوة النساء وما يتمكن من فعله!

فور رؤية سيفها يجابه سيف الملك، استعد الجنود باسئلحتهم لمهاجمتها على الفور، إشارة يد ملكهم العظيم سامول جعلت رؤؤسهم تنحني أرضاً بوقارٍ، أمرهم باشارته بالانصراف فما كان منهم الا السماع والطاعة، أما هو فبقى صامداً أمامها يوزع نظراته بينها وبين سيفها الموجه إليه بصمتٍ قاتل، فظنتها فرصة لاستكمال كلماتها المتعجرفة حينما تابعت بقول: النساء ليست بالضعيفة لتنال شفقتك اللعينة، بأمكانهن حكم كوكب بأكمله دون الحاجة للمساعدة.

ثم أشارت اليه بيدها: ماذا تنتظر. هيا أحمل سيفك وواجهني.
نقلت عينيه لما تحمله، فحطمه بيديه، سكن الغضب حدقتيها الحمراء، فاندفعت لتهاجمه بشراسةٍ، قيد سامول يدها وهو يصد هجماتها بحرافيةٍ، دون أن يسدد لها أي ضربة، فلوى ذراعيها خلف خصرها وهو يهمس جوار أذنيها المدبدبة للأعلى كحال سكان كوكب كيبلر: لا أرى النساء عاجزات. بل القانون الذي وضعته بمملكتي إحتراماً لهن.

ثم دفعها تجاه حيوانها الرمادي الثائر: هيا اذهبي ولا تعودي هنا مجدداً.
وكاد بالرحيل فتوقف فور سماعه لها: أتعلم أنت غامض للغاية، شخص غيرك لكان استغل جيداً وجود ابنة عدوه بمملكته ليثئر من أبيها الملك أو عله يعقد صفقة مربحة ليحصل على ما يريد!

ابتسامة مخيفة قبضت على فكيه، فتخفى ليظهر أمامها سريعاً، لعقت شفتيها بارتباكٍ وهي تتأمل عينيه البندقية الجذابة، فقال وهو يتأمل ارتباكها فور اقترابه الخطير: المقاتل الحقيقي لا يستغل ظهر عدوه المكشوف، بل يحاربه بالمعركة، ويناطحه الرأس بالرأس.
ثم ابتعد عنها وهو يستطرد: لست بالضعيف كي أستغل امرأة لأحصل على الأنتقام مما فعله أبيكِ، سأجعله يدفع ثمن ما فعله بأبي.

سحبت نظراتها عنه بصعوبةٍ، فأشارت لحيوانها المطيع: هيا تارا.
انخضت برأسها المطولة الزرقاء فأعتلتها إيرلا، لترفرف بجناحيها الطويلة التي تصاحب جسد التنين ومخالب شبيهة بمخالب النسر، وقبل ان تختفي بها، قالت بصياحٍ: ألقاك مجدداً أيها الملك العظيم.

كانت اشادة صريحة من إيرلا بمدى إعجابها بسماتٍ ملك الشارق، اختفت بها للمملكة تاركة سامول بحالة من الدهشةٍ، لشجاعة تلك الفتاة باختراق حاجز مملكته، والغامض بالأمرٍ تصريحها بالإعجاب بخصاله وهو بالنهايةٍ عدو أبيها!

إختارت الخروج للشلال العتيق بمملكة السراج الأحمر، فهذا المكان محبب إليها، وقفت إريكا تتطلع لشلال المياه الذي يزحف عالياً بشموخٍ، ليتطرفه الأمواج الخافتة بلونٍ مختلط بالأخضر، أمواج زرقاء تهاجم موجة أخرى باللون الأخضر الفاتح لتسرى كلاً منهما بالشلال المرتفع، أشارت إريكا بيدها لديكسون بحماسٍ: هيا، أود تجربتها مجدداً.

رضخ لرغباتها بالانزلاقٍ فوق الامواج، فحملها ليتخفى بها سريعاً، ومن ثم لا تشعر بشيئاً سوى بالمياه تداعب يدها حينما تمر من فوقها بسرعةٍ الريح، تعالت ضحكاتها المرحة كلما حملها ديكسون للشلال مجدداً، بينما خفق قلب هذا العاشق الذي يراقب ابتسامتها ببسمةٍ تزداد إشراقاً كلما رآها تبتسم، فحافظ على إتزان قوته بالتحليق بالقرب من الشلال لمراقبتها جيداً.

غلف الظلام إشراقة الكوكب، ليعلن بميثاقٍ مؤكد عن حلول الليل، فحملها ديكسون بعدما أشار لإيمون بتتابعه للأرض الصلدة التي تحاوط الشلال، ليقول بضجرٍ: علينا العودة للمملكة إريكا. فالنهار على وشك الزوال.
لوت فمها باستياءٍ، ثم تنهدت بدلالٍ: حسناً لنغادر الشلال ولنذهب لمكانٍ أخر، لا أريد العودة للمملكة الآن.
أجابها بصوتٍ حاول أن يجعله لين متفهماً: ليس الآن إريكا لدي عملاً هام أود إنجازه قبل الصباح.

ثم إقترح عليها وهو ينظر لرفيقه: لماذا لا تذهبي برفقة إيمون؟
أجابته دون تردد: بالطبع إن لم يكن مشغول هو الأخر!
رد عليها إيمون بابتسامةٍ هادئة: ليس هناك شيئاً يشغلني عن صديقتي البشرية.
ثم انحنى بجسده ليلامس الأرضية، ليشير لها بنظراتٍ تطوفها: لنذهب.
تمسكت به بسعادةٍ، فودع ديكسون بإشارة يديه، ثم تخفى بها سريعاً ليخبرها وهو ينتقل من مكان لأخر: سنذهب لمكانٍ جديد سترينه لأول مرة.

ضيقت عينيها باستغرابٍ، لتسأله بحيرةٍ: أي مكان هذا الذي لم أراه بمملكة السراج؟
أجابها بعدما أحكم التمسك بها لتزداد سرعته: البتيراء. مملكتي.
بمملكة الشارق.
وقف أمام الباب الداخلي الذي يفصله بينه وبين القصر الملكي، ليجيب على الأسئلة المطروحة حول مقابلة الملك، فقال بإيجازٍ: أحمل أخباراً هامة للملك، إسمح لي بالدخول.

وضع الحارس الحجر الصلب الذي يبدو كونه حجراً عادياً للبعض، ولكنه المتحكم الوحيد بالحاجز الملكي، ففور أن دسه الحارس بجسد الصخور النحاسية حتى تفتت كالورق الهاش، لينفتح الحاجز تدريجياً من أمامه، تابع المضي قدماً لينقل للملك تفاصيل ما حدث مع ملك الغورة، وصل لقاعة العرش فمضى حتى صار مقابله، أحنى رأسه وهو يستأذن للحديث عما أتى لأجله وعينيه تتوزع بخوفٍ بين الاسموسور Elasmosaur (عاش هذا الحيوان البحري الرهيب خلال العصر الطباشيري أي منذ 135 إلى 65 مليون سنة، كان يقدر طوله ب 10. 3 متر، وهذا العملاق يتميز بطول عنقه الرهيب، طولها يصل تقريباً إلى 7 أمتار، وأسنانه حادة جداً مع رأس صغير مقارنة بحجمه الكلي، لم يورث صفاته الوراثية لحيوانات اليوم وليس له سلالة يمكن ربطها به بشكل وثيق)، حيث كان يقف أحداهما على يمين العرش والأخر على اليسار، ترقب التابع سماع كلمات الملك سامول، فقال: أخبرني ما الخبر الهام الذي أتى بك بوقتٍ هكذا!

تقدم عدة خطوات، فأجلى أحباله الصوتية الشبه منقطعة: أتيت لأخبرك باستيلاء لوكاس و ديكسون على عرش مملكة الغورة.
تلهبت النيران بأعين الاسموسور على عكس الملك فكان الهدوء يسكن خلاياه، انتقلت نظراته على الاسموسور، لينتهد في مللٍ: لكم ذلك.

منحهم الأذن بالحديث فسرعان ما تحول كلاً منهما لرجال بجسد يشبه لنسل مملكته، فقال الأيسر بغضبٍ: لقد تمادى لوكاس كثيراً فأصبح يواجه الممالك علناً دون خوفاً. أخشى أن يضمر لنا ما نخشاه!
قال الأيمن بحقدٍ بدى بانفعالاته: إذا كنت تريد القضاء عليه فعليك بتبديد قواه، وتلك القوة لا يكتسبها الا من ابنه الوحيد ديكسون، فهو الاخطر بين جيوشه، لوكاس يستمد قوته منه.

تدخل التابع بالحوار المتبادل بينهما، قائلاً بترددٍ: رأيت بنفسي كيف إستطاع ديكسون أن يقلب موازين الحرب من الهزيمة للإنتصار، حتى أنه من اقترح على الملك بأن يحارب ملك الغورة بمملكته حتى يكن عبرة لمن يجرأ على تحدٍ مملكته.

صمته لم يعني تقبله لما يطرح من أمامه، سكونه كالمعتاد ما هو الا بداية لعواصف لم تشهدها الأرصاد، نهض سامول عن عرشه فأنحنت رؤؤسهم وإنقطع الحديث المتبادل فيما بينهما بحضرته، خرجت الكلمات على لسانه ثقيلة، وكأنه يتعمد التباطؤ لينهي الحديث بهذا الأمر: ما فعله لوكاس وابنه بملك الغورة هو أنسب رداً له، لا أراه مخطئاً بما فعله، فمن يعلن تمرده على نظام حكمي لا يستحق الرحمة ولا النجاة.

وُزعت نظرات الحيرة فيما بينهما، فالجميع يعلم بالكره الذي يكنه سامول بقلبه تجاه لوكاس ومملكته، فعلى الرغم من أنه بنفس عمر ابنه ديكسون الا أنه استطاع أن يحكم مملكة الشارق ببراعةٍ، بل كان جديراً بها من الوقت الذي أعلن فيه وفاة أبيه، استدار سامول تجاههم ليردف بحدةٍ: لا أريد العرش ولا السيطرة على مملكته، بل أريد الانتقام مما فعله بأبي.

فصعد على الحجارة الزرقاء حتى دنا من عرشه النحاسي، فجلس ليجذب سيفه الذي يحمل شعار مماثل لمملكة السراج الأحمر، فمرره أمام عينيه البندقية، ليتأمل حدة أطرافه وهو يهمس بفحيحٍ مخيف: إنتظرت تلك الفرصة منذ أن كان عمري ثلاثة عشر عاماً، إنتظرت اللحظة التي سأكون جديراً بها للعرش من بعد أبي. الانتقام مما حدث بالماضي هو غايتي الوحيدة.

الموت أمنية ثمينة لهؤلاء القابعون تحت أنقاض المملكة، لم تزور الشمس يوماً بيوتهم التي صارة من الحجارة الثقيلة، لتصبح سجن قاسي لهما، فعقوبة من يعصي أوامر الملك أو يفعل أي جرم هو الدفن حياً بتلك الفجوات التي تشبه الكهوف أسفل مملكة السراج الأحمر، وعلى عكس تلك الكهوف المذرية كان يوجد كهف يشع منه الضوء وبداخله فراش ضخم، حتى الأطعمة الموجودة لا تشبه طعام السجناء، فبداخل ذاك الكهف عيشة نبيلة على عكس باقي الكهوف، كشف هذا الكهل عن وجهه الذي أصبح ممتلأ بالتجاعيدٍ المخيفة بعدما فقد جزءاً كبير من طاقته التي كان يعتمد عليها، الحزن ربما هو الشعور الموحد لشخصٍ حبس أكثر من خمسة وعشرون عاماّ، ولكنه لم يشعر سوى بالحقد والضغينة تجاه أخيه الملك شون وابنه لوكاس، لم يفكر أدلر لمرةٍ واحدة بأنه المخطئ بحق ذاته وبحق ما فعله حينما وضع السم القاتل بطعام روكسانا ليتخلص من جنينها، كان يظن بأنه سينفد من عملته اللعينة بسهولةٍ؛ ولكنه صعق حينما كشفه لوكاس فحينها أصدر الملك شون مرسوماً باعتقاله مدى الحياة، فما قام به لم تكن أولى محاولاته الدانيئة للتخلص منه أو من سلالته المالكة، انتفض من جحيم الماضي الذي يزداده كرهاً فوق كره، فصاحب همس صوته حزناً اصطحبه حينما تذكر ابنه الذي تركه طفلاً صغير لا يتعدى الثالثة عشر عاماً: اشتقت لك كثيراً سامول!

الغضب كان ظاهراً جلياً على قسماته، ينتظر وصول ابنه بترقبٍ، يود أن يستمع لتبرير صريح لما فعله من أمراً مخالف حذره مراراً من إرتكابه، حاولت روكسانا تهدئته؛ ولكن من المستحيل أن تمتص غضبه وخاصة حينما أخبره التابع بما حدث، ظهر ديكسون من أمامهم لينحني برأسه مردداً بوقارٍ: فليحيا الملك لوكاس العظيم.
فور رؤياه تخفى عن عرشه ليصبح أمامه، ليسأله بحدةٍ: ماذا حدث بالمنتزه ديكسون؟

انتقلت نظراته تجاه أركون الذي يضع عينيه أرضاً بصمتٍ، تأكد حدثه بأن هناك من أخبر الملك بما حدث لذا استدعى أركون وبالطبع علم منه ما حدث، زفر بسئم وهو يردد: مولاي الملك أنت تعلم بأن هناك من يريد أن يشوه صورتي أمام الشعب بأكمله.
نهره لوكاس بانفعالٍ: وما ارتكبته سيجمل الصورة! بل كان بمثابةٍ تأكيد صحة حديث هذا اللعين، ألم تتمكن من السيطرة على غضبك؟

تدخلت روكسانا بالحديث، حينما قالت: أهدأ لوكاس، ديكسون لم يخطئ، كان عليه أن يثبت بأنه جدير بالعرش وفعلها!
اتجهت أنظاره لها، ثم قال: الملوك تواجه تلك الشائعات والأقاويل المتنقلة بين فئات شعب المملكه، هل سيقتل كل ملك من يثير اللغط بين طائفة الشعب؟
كاد ديكسون بمقاطعته، فتوقف حينما أشار إليه بأصبعه ليستمع لما سيقول: عليك التحلي بالصبر والحكمة بحل تلك الامور المعقدة، التسرع والاشتباك ليس حل مثالي.

مرر يديه على خصلات شعره الطويل بغضبٍ بدد لون عينيه البنية ليصبح باللون البنفسج القاتم، وضعت روكسانا يدها الهزيلة مقارنة بقوة جسده على كتفيه وهي تحثه برفقٍ: أهدأ ديكسون، فالملك يخشى أن يحقق هذا اللعين مبتغاه، يستنزفك ليستغل تسرعك أمامهم.
وضع يديه فوق يدها وهو يجيبها بتفهمٍ: أعلم بأن الملك لا يهمه أحداً سوى أمري، ولكن أنا بحاجة لمعرفة هذا العدو الغامض. أريد أن أعلم ما الذي ارتكبته بحقه ليكرهني هكذا!

ابتسم لوكاس وهو يجيبه ساخراً: ليت كل ملك استلم عرش مملكته علم ما الذي فعله ليجني كل تلك العداوة!
ثم استطرد: اسمعني جيداً ديكسون، لا أريدك أن تشغل عقلك بما يحدث بالمملكة. أنت من سيجلس على هذا العرش من بعدي، لذا وفر طاقتك لتثبت بأنك جديراً بذلك بالدفاع عن المملكة وليس بمحاربة شعبك.
أومأ رأسه بتفهمٍ: أعدك بأني سأفعل ذلك.

ابتسم بفرحةٍ لرضوخه للصواب أينما كانت نتيجة تحمله، فرفع يديه لحبيبته، يشير لها بالاقتراب للجلوس على مقعدها المجاور لها، بادلته الابتسامة ثم صعدت لجواره، فسأل أحدى التابعين باهتمامٍ: هل عادت الأميرة إيرلا؟
أتاها الصوات الذي أعد بمثابةٍ رداً صريح لسؤالها: أنا هنا أبي، هل اشتقتم لرويتي!
اتسعت ابتسامة روكسانا فقالت بدهشةٍ: إلى أين ذهبتي إيرلا؟ أبحث عنكِ منذ الصباح.

تجاهلت سؤالها عن عمدٍ، ثم قالت وعينيها مازالت مسلطة على الملك: ذهبت بجولة برفقة تارا.
تجاهلها ومعاملتها الجافة تحزن قلبها، ومع ذلك تحاول روكسانا الصمود، فتظهر ثابتة تخفي بداخلها حزنٍ ووجعٍ لا بأس به، اقتربت إيرلا من ديكسون لتخبره بابتسامةٍ مرحة: ديكسون لا أصدق أني أراك، هل انتهت حروب العالم بأكمله أم أني أرى طيفك المتنقل؟

الحديث عن حيلته المخادعة بشأن الطيف الذي يقوى على صنعه جعل نظراته تجاهها تشتد حدة، فكبتت ضحكاتها وهي تشير له بالصمتٍ، فابتسم لها هو الأخر، تساءلت روكسانا بذهولٍ: أين إختفت إريكا، ألم تذهب بصحبتك ديكسون!
رد عليها بهدوءٍ: بلى أمي، فكان على العودة للقصر فور استدعاء الملك لي. فذهبت للتنزه برفقة إيمون.

أومأت برأسها في تفهمٍ، فانحنت تجاه لوكاس تهمس له بدلالٍ: هل يمانع زوجي العزيز باصطحاب ملكته لجناحها، علها تشعر بالتعب.
خصلات شعرها التي لامست وجهه كانت بمثابة مخدر قوي، يستهدف بدنه بالتدريجٍ، فتح عينيه البنية وهو يطالعه بنظرة تضرم نيران العشق: ملكتي ليس لها سوى الأمر وعلى بالطاعة.

وقبل أن تشاركه بباحة الكلام المعسول حملها مسرعاً، ليتخفى بها بجناحهما الخاص، أما إيرلا فاستأذنت أخيها قائلة بجديةٍ، خاصة حينما لاحظت وجود أركون: سأغادر الآن.
أشار لها بهدوءٍ، فتخفت من أمامهم سريعاً، لتحظى ببعض العزلة مع ذكريات هذا الملك الغامض سامول، أما ديكسون فجلس على المقعد الصخري المخصص له بالجانب الأيسر من مقعد الملك، ليتساءل باهتمامٍ: أخبرني أركون هل وجدت أي خيط قد يوصلنا لهذا الرجل؟

أحنى رأسه وهو يجيبه بعمليةٍ تبعد عن الصداقة ألف ميل: مازلنا نبحث سمو الأمير، ولكني أعدك بأني سأحمل لك أخباراً سارة بالقريب العاجل.
أومأ برأسه بإرهاقٍ، فسمح له بالمغادرةٍ هو الأخر، ليبقى منفرداً بعزلته التي تحثه على التفكير الف مرة بمن حوله، عل هذا الرجل الملثم شخص قريباً منه، عليه أن يفترض الف خيار حتى يتمكن من الوصول إليه سريعاً.
بمملكة البتيراء.

وقف ينتظرها خلف هذا السجوف الذي يعزلها عنه لتغير ملابسها المبتلة، فخرجت بعد دقائق بسيطة لتقف من أمامه حاملة بكلتا يديها أطراف الفستان البنفسج بيدها، فما أن رأته حتى تركته لتدور حول نفسها بسعادةٍ لتردد من وسط سيل ضحكاتها: لم أرى بحياتي ثياب بهذة الجمال.

وقف مشدوه بها، وكأنه مغيب عن عالمه برؤياها، لم يكن يتخيل بأنه سيكون عليها بهذا القدر من الجمال، نعم أمر بصنعه خصيصاً لها، ليقدمه إليها فور عودتها، رمش إيمون بعينيه عدة مرات ليعود لرشده حتى يتمكن من سماع ما تقول، فعادت إريكا لتسأله بحزنٍ: سييء لتلك الدرجة؟
قال وهو يدنو منها: بل أراه جميلاً للدرجة التي جعلتني عاجز عن النطق.

ابتسمت وهي تنظر لعينيه التي امتلأت بالإعجاب تجاهها، فاستعاد جزء من ثباته المهدور ليشير لها باتباعه، ليصعد بها على حافةٍ القصر الحجري لتتمكن من رؤية مملكته بوضوحٍ، وزعت إريكا نظراتها بين تلك الزهرات الودرية والأشجار التي تحد أرجاء المملكة، فوقفت تتأمل شكلها ولونها الغريب، فكانت جذروها تكسوها الإنحناءات الغريبة، حتى أوراقها كانت ضخمة للغاية، ولونها يمزج بين الأسود القاتم واللون الزهري، وأخرى تمزج بين اللون البرتقالي والأصفر، تحرك فكيها ناطقاً باعجابٍ شديد: لا يوجد أجمل من ذلك، مملكتك رائعة حقاً إيمون.

يراها مندمجة بتأمل ما هو جميل وخلاب من وجهة نظرها، ويقف هو مشدوه بجمالها هي، ترى مملكته فائقة الجمال ويراها هي الفاتنة الغامضة التي بددت عالمه، فريدة من نوعها بتمكنها من الاستيلاء على قلب حاكم البتيراء الأمير إيمون، يعلم بأنها تحب ديكسون، ولكنه لم يختار زرع حبها بصمام قلبه بل فرض عليه ذلك، خرج عن شروده حينما قال: الوقت تأخر كثيراً إريكا، هيا لنعد للمملكة.

رفعت كتفيها برقةٍ وهي تخبره بضيقٍ: لا أود العودة، بل أريد البقاء هنا.
ثم استدارت بجسدها تجاهه لتكمل: فلنبقى هنا الليلة ونعود غداً للمملكة.
كاد بالاعتراضٍ فتمسكت بمرفقيه وهي تترجاه بدلالٍ: أرجوك إيمون.
تأمل يدها المقبضة على يديه، فبلل شفتيه الجافة بلعابه وهو يجاهد شعور الرغبة ببوح ما يكنه لها، فابتعد للخلف قائلاً ببسمةٍ يرسمها بالكد: حسناً، لتبقى الليلة فقط.

تهللت أساريرها فرفعت يدها إليه بحماسٍ: هيا فلنرى مكان أخر، أود استكشاف المملكة بأكملها قبل الصباح.
ابتسم وهو يرى فرحتها البادية على وجهها، فمدت يدها الصغيرة مقارنة بيديه ليحملها ويتخفى بها سريعاً لأكثر من مكان مميز بمملكته، ليلبي رغباتها باستكشافها.
بجناح لوكاس.

الحزن القابع بداخل عينيها جعل العالم يظلم من حوله، والمؤلم بالنسبة له بأنه يعلم ما الذي يحزنها، قربها لوكاس لصدره ليمرر يديه على طول ذراعيها وهو يهمس بصوته الحنون: لا بأس، كل شيء سيصبح على ما يرام ثقي بي.
رفعت عينيها الباكية تجاهه، فخرج صوتها متقطعاً: لا أرى ذلك لوكاس، لا أعلم ما الذي إرتكبته لتكرهني إيرلا هكذا!

ثم التقطت أنفاسها لتسترسل بحزنٍ: كل ما أردته هو أن أبعدها عن دائرة القتال، لا أريدها أن تخوض حياة الملوك المليئة بالحروب. لن أحتمل أن يصيبها مكروه.
وأزاحت تلك الدمعات المتدفقة على وجنتها لتكمل بتأثرٍ: كنت أتمنى أن تفهم لماذا أبعدتها عن خوض تلك الحياة ولكنها ظنت بأني أحب أخيها أكثر منها، لهذا حرمتها من التدخل بشئون المملكة.
مرر يديه على خصلات شعرها الطويل، ليخبرها بثقةٍ: ستتفهم الأمر مع الوقت.

ثم طوف وجهها بيديه ليزيح الدموع العالقة بجفنيها قائلاً: لا أريد رؤية دموعك مجدداً روكسانا.
تعمقت بالتطلع لعينيه، فمرر أصابعه على شفتيها: هيا أرني ضحكتك.
ابتسمت وهي تتطلع له بعشقٍ، فضمها بقوةٍ لصدره ليخبرها بأنفاسٍ مشتعلة: أود رؤيتك هكذا لأخر العمر!
تشبثت به بجنونٍ، فقربها إليه ليتخفى بها سريعاً لممرهم السري، ليشهد على ينبوع العشق الذي لا ينتهى أبداً، لتكمل تلك البشرية حياة ملك السراج الأحمر.

ولج للجناح بشوقٍ لرؤياها بعدما انتهت تلك الحرب، تهدلت معالمه بضجرٍ حينما رأى الظلام يحوم بالجناح، إشتاق لرؤية الضوء ينبع بالأرجاءٍ؛ ولكنها بالنهاية تظل أمنية مثل اشتياقه لرؤية ابتسامتها التي سلبت منذ عشرة أعواماً، بحث عنها بيرت حتى وجدها تجلس بزواية معتمة كحالها، فرك يديه معاً فولدت طاقته شعلة خضراء اللون اكتسحت العود الثاقب فاشعلت ضوء مناسب بالجناحٍ، أغلقت عينيها باستياءٍ، فقالت بعصبيةٍ: أغلقه بيرت، عيني تؤلمني.

أطفئه ثم جلس مقابلها وهو يردد بسخريةٍ تحوي الألم بطياتها: بالطبع ستؤلمك لإعتيادها على رؤية الظلام.
تأففت راوند بضيقٍ من حديث زوجها اللاذع، فلم يمل يوماً من محاولاته المستميتة ليحثها على الخروج من انكسارها، فقالت بوجومٍ: ألم تمل بعد؟
ابتسم وهو يجيبها بوجعٍ: هل يمل المرء من الحياة حتى ينتابني اليأس من محاولة استرجعك؟

التهب جسدها حينما تدففت دمعاتها، لتردد بانكسارٍ: كيف سأعود وأنا لم أرى بحياتي شعاع ضوء واحد، ذهب الضياء عن حياتي مع موت ابنتي أماندا!
زادت من ضغط السهام الملصق بقلبه مع ذكر ابنته الراحلة، تمسك بصلابته ليقول بثباتٍ مخادع: وماذا كنا سنفعل لنحررها من موتها المحتوم؟
وأكمل بحزنٍ: حاولت ضي معالجتها طوال تلك السنوات!
بكت بكاء مرير وهي تردد بخفوتٍ: ليتها رحلت منذ ولادتها فربما لم قلبي ينفطر هكذا.

احتضنها بتملكٍ وهو يربت على خصرها، ليصرخ بها بانفعالٍ: ألم يكفيك البكاء لسنواتٍ على فراقها، كفى راوند لم يعد لدي مقدرة للتحمل.
بكت بين أحضانه وهو يشدد على كتفيها، فقال وقد بدأ يستعيد رباطة جأشه: كوني قوية راوند، فالحوريات يستمدن قوتهم من الملكة.

استندت بيدها على صدره ثم تطلعت اليه لتخبره بابتسامةٍ تهكم: انقسام الحوريات هو أمر مهين بيرت، فأغلبهن يؤيدن رودوليت ويرونها محقة بعدائها ويشجعونها بالقصاص لما حدث مع شقيقتها درين و يوليا، تراهم على حق حينما ساندوا دكستر، تناست جرائمهم بقتل أمي وبمحاولة قتلهم لروكسانا!
مرر يديه على خصلات شعرها الحريري ببطءٍ وعينيه تحاوط عينيها، ثم قال بحدةٍ: أراد لوكاس أن يلقيها درساً قاسياً وأنتِ من أعترض طريقه.

خشيت أن يزداد الامر سوء، حينما أشعل فتيل الحروب بيننا.
وبالتأكيد حالتك تلك تجعلها سعيدة راوند.
أومأت برأسها باقتناعٍ: أحاول، أعدك بأنني سأتغلب على ذكرياتها التي تنبش بقلبي.
قبل جبينها بشغفٍ، ليردد ببسمةٍ مشرقة: هكذا هي حوريتي الفاتنة.
انطوت بأحضانه بعشقٍ، ليطوفها من فيض حنانه، فتحطمت حوائط أحزانها تاركة ذاتها لمعشوقها الذي إحتواها قلبٍ وقالباً.

الليل الكحيل الذي يغطي تلك الكهوف يجعلها مخيفة للدرجة التي تجعل أحداً يفكر مرتين قبل الصعود لأحداهما، ربما الصباح هو الخيار الأمثل للجميع، الا هو تعمد زيارة تلك الكهوف ليلاً، ليكون منفرداً بعيداً عن الصخب والضوضاء ينعم بالراحةٍ التي تجعله يشعر بالاسترخاءٍ، خلع ديكسون سترته الذهبية المبطنة بأنواعٍ خالدة من الحديد الذي يتشكل ليصنع درعاً نادراً، ومن ثم جذب صولجانه الفضي، الذي ينتهي من الأعلى برسمٍ بارز لحيوانٍ بقرونٍ مستديرة الشكل وأنيابٍ حادة، تشكلت بالفضة لتضيع للصولجان رونق وسحراً خاص، لوح بها يساراً ويميناً بحرافيةٍ ومن ثم على بجسده عالياً ليعيد الكره، انتهى من تمارينه الشاقة ثم تخفى ليصعد لأعلى نقطة تكتسح الكهف، جلس عارياً الصدر يتأمل كوكبه بنظراتٍ قاتمة، قوته الخارقة عاونته على اختراق أكثر من كوكب ومنهم كوكب الارض، وبالرغم من ذلك لم يجد الراحة والسكنان سوى هنا، بموطنه كيبلر وبمملكته بالتحديد، غامت عينيه البنية بشرارةٍ من اللون الأرجواني حينما لفحت ذاكرته ما حدث صباحاً بالمنتزه، أطبق على شفتيه الغليظة ليردد بتوعدٍ: قريباً سأقتلع رأسك بنفسي أيها اللعين.

بمملكة حوريات الجحيم.

كانت ألماندين تتمدد على بساط حريري صنعته بذاتها لتكون بعيد عن الأعين، تود الاختلاء بذاتها لتتطالع ماضيها التعيس المرتبط بهذا السلسال الذي يعد الذكرى الوحيدة التي تذكرها بوالدتها، عصفت بعينيها الدمعات حينما تذكرت كلمات خالتها عن موتها المروع على يد روكسانا وابنها البشري، أطبقت بقوة على رمز التاج المتوج التي تحمله بين يدها لتردد بغضبٍ مكلوم: سأنتقم لكِ أمي مهما كلف الأمر، أعدك بذلك.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *