رُحماءٌ بينهم
“كمثلِ الأُترُجَّةِ”
الفصل الحادي والعشرون
•~•~•~•~•~•~•~•~•
أُنيرت الأضواء المُعلقة في كُل زاوية بالحديقة بمختلف الألوان الزاهية والمُبهجة؛ كما قام “عِمران” بمساعدة فريق عمله بوضع طاولة تتوسط الحديقة مُغطاة بمفرش من اللون الأبيض وكذلك وضع إليها عدة كراسي مُزينة بمفارش حمراء اللون وزين الطاولة بوجود باقة من الورود الحمراء؛ ولم يغفل أيضًا عن تخصيص بقعة خاصة لجلسة التصوير فزين جُزءًا من الحديقة يبتعد قليلًا عن زحام الحفل حيث صنع أرجوحة وزينها بالورد وكذلك أحضر تصميم رائع على شكل جناحي حمامة بيضاء.
تجمع ضاربي الدُف في مكان واحد بجوار الطاولة وبدأت أجواء الحفل تتصاعد من حضور لعدد قليلٍ من الأصدقاء والشخصيات الهامة إلى ارتفاع الزغاريد من قبل مشرفات الحفل اللاتي جئن لتقديم المشروبات والحلوى ومساعدة الضيوف؛ كانت الأجواء هذا المساء جميلة ومليئة بالسكينة وهذا يرجع إلى حُسن اختيار العروسين لضيوفهما ممن يتمنون لهم سعادة حقيقية وحياة هادئة كريمة.
وصل صوت الزغاريد إلى مسامعها أثناء جلوسها بين يدي الفتاة المُختصة لتجهيزها، لم يكُن يخالجها شعورًا مُحددًا بل تضاربت المشاعر داخلها بين هلعة وتاركة لله أمرها، تنهدت بهدوءٍ حينما اِبتسمت لها الفتاة وأسرعت بإدارة الكرسي كي يواجه المرآة حتى تتمكن العروس من رؤية مظهرها بعد الانتهاء من وضع مساحيق التجميل التي أوصتها “وَميض” أن تكون هادئة لا تحيد عن ملامحها الطبيعية وكذلك أوصتها أن تكون لفة حجابها هادئة وطبيعية.
تواجهت “وَميض” مع المرآة في هذه اللحظة وتبادلت مع نفسها بعض النظرات المُقرة بالكثير من الخبايا والاعترافات، أرسلت بعض نظرات العتاب إلى الناظرة إليها في الجهة الأُخرى وبدأت تقول بملامة:
-إنتِ اللي وصلتي نفسك للنهاية دي يا وَميض، اللحظة دي ما هي إلا نتاج أفعالك، مكنش ينفع مهما بلغ حزنك من أهلك إنك تقبلي يتقفل عليكِ باب إنتِ وشخص غريب حتى لو كُنتِ بتثقي فيه وكان شخص كويس، كان لازم تفهمي إن زيادة ثقة الإنسان في نفسه هي أكبر ثغرة بتوقعه على جدور رقبته من غير ما يحس ووقت ما يبدأ يحس بيكون ارتكب الخطأ الـ زمان قال عمري ما هعمل دا.. هو أنا مجنون؟؟
زمت شفتيها باستنكار وحنق ثم قالت للفتاة التي تُعاتبها لأنها تحبها:
-بس أنا كُنت بتمنى حياة غير دي، مش زوجة وبيت وأولاد، كان لسه لي إنجازات وطموحات كتير محتاجة تتحقق!.. ليه أدفع عُمري كُله نتيجة غلطة واحدة؟!
زوت الأخيرة ما بين حاجبيها ثم أضافت بهدوءٍ:
-مين خيل لك إن دي النهاية لإنجازاتك وطموحك زيّ ما بتقولي؟! ما يمكن دي البداية؟!
نكست رأسها بحُزن دفين ثم ردت:
-بداية مع واحد مش بحبه!!.. واحد عُمري ما أعرفه غير من التليفزيون.. ليه كلكم بتحاولوا تقنعوني إني محظوظة بجوازي منه؟! علشان بيطلع قدامكم يتكلم في الدين وعامل نفسه شيخ؟!!.. ما ياما ورى الدقون بلاوي إلا من رحم ربي.
اِبتسمت الأخيرة وقالت:
-ما يمكن يكون مُستثنى وبعدين الدقون ملهاش ذنب من أفعال الناس، كل إنسان وفيه الخير والشر.
ردت بعصبية خفيفة:
-دا لا يمكن يكون مُستثنى، دا شيخ تايواني ولا مخاوي عفاريت، دا عارف عني حاجات عُمري ما قولتها لبابا وماما!!
حكت رأسها بأناملها ثم قالت قبل أن تجيبها المرآة:
-معقول يكون عامل لي عمل علشان أتجوزه وأنا بكُل الأريحية والهدوء دا، أنا حاسة إني مسحورة!!!
المرآة باستنكار:
-أيه الجموح دا؟! إنتِ خيالك سرح للماورائيات كمان؟! ويا ترى العمل دا على رجل معزة؟!
وَميض وهي تصيح محتدةً بالغضب:
-إنتِ بتستهزأي بيا؟!
المرآة بضحكة مُستخفة:
-بضحك على كلامك مقارنةً بحالك في المُستقبل.
رفعت “وَميض” أحد حاجبيها ثم ردت بتبرمٍ:
-وياترى أيه هو حالي في المُستقبل!!!!
المرآة بابتسامة غامضة:
-ندمانة.
حدقت “وَميض” فيها بملامح مصدومة ثم هتفت:
-مش قولت لك!
المرآة بتأكيد:
-ندمانة على كُل سوء ظن وجهتيه للشيخ التايواني..
ضربت صورتها المعكوسة في المرآة على رأسها وهي تصحح عبارتها التي قالتها نتيجة تكرير “وَميض” لتلك الكلمة على مسمعها فقالت:
-قصدي الشيخ تليد.
-آنسة وَميض؟! إنتِ تمام؟! الميك آب معجبكيش!!
استفاقت من حوارها النفسي ذاك على صوت الفتاة التي بدا عليها الدهشة والقلق، لم تكُن وميض في مزاجٍ جيدٍ للاهتمام بإطلالتها على أية حال فظنت الأخيرة أن ما فعلته لم يلقَ استحسان العروس إلا أن “وَميض” بدأت تُمعن النظر إلى مظهرها في المرآة فبدت كسندريلا تلك الشخصية الكرتونية المحبوبة حيث ارتدت العروس نفس الفستان الذي ارتدته تلك الشخصية الكرتونية ولكنه من اللون الوردي يتسم بانتفاخ الكتفين وضيق منطقة الخصر ثم تدليه بشكل واسعٍ حتى نهاية الساق كما أن غطاء رأسها كان يتسم بالرقة وحرصت على أن يكون بلون الفستان وأن يكون ساترًا كما أراد فابتعدت عن ارتداء طاقية الرأس التي تُفضل ارتدائها في أيامها العادية.
-بالعكس، تسلم إيدك، حقيقي اللوك يجنن.
تنهدت الفتاة براحة بعد أن أوشكت على البكاء جراء صمت الأخيرة حول مجهودها؛ كذلك ارتسمت ابتسامة عريضة على ثغرها ثم رددت بسكينة:
-الحمد لله، ألف مبروك يا عروسة.
وَميض بضحكة بسيطة أجابتها:
-شكرًا لذوقك.
في هذه الأثناء دُق الباب وما هي إلا لحظات حتى ظهرت “شروق” من خلفه وهي تتجه بفرحة عارمة للداخل وسرعان ما قالت وهي تُحدق بإعجاب:
-تبارك الله أحسن الخالقين، زيّ القمر يا حياتي، مش معقول الجمال دا!
وقفت “وَميض” في مكانها فيما أسرعت الأخيرة بضمها بسعادة غامرة وأضافت بتأثر:
-متعرفيش أنا أد أيه تخيلتك وإنتِ عروسة بس حقيقي جمالك فاق كُل توقعاتي، أنا فرحانة لأنك بتتجوزي ومش بس كدا، فرحانة لأن ربنا مَن عليكِ بزوج صالح تقي، مش هقول يا بخته بيكِ لأ دا يا بختك بيه، حافظي على الميثاق اللي هيتم بينكم بعد لحظات يا صاحبتي، شخص زيه بيظهر في حياتنا مرة واحدة بس.
زوت “وَميض” ما بين عينيها في حيرة من أمرها وحتى الآن لا تجد تفسيرًا منطقيًا لاصطفاف من يعرفه ومن لا يعرفه لحزبه ودفاعهم عنه دفاعًا مُستميتًا، هل تراه راشيًا؟! ولكن والدها يدافع عنه بكل ما ملك من قوة أو ربما ساحرًا؟! ولكن سُمعته الطيبة وعمله للخير وسجل حياته لا يصمونه بمثقال ذرة من سوء!!!
-خايفة.
همست بتوتر ونبرة مُثيرة للقلق بجوار أذن صديقتها التي مسدت بحنان على ظهرها ثم تابعت بثبات:
-هل رب الأقدار يكتبها لشقائك؟! بل لانتشالك من الشقاء الذي ظننته يومًا سعادة.
وقعت كلماتها على قلبٍ الأخيرة وقع السِحر؛ فابتسمت راضية مُطمئنة وهززت رأسها تؤكد على صدق قولها، تنهدت “شروق” بحماس ثم ابتعدت فورًا وهي تقول باستعداد كبيرٍ:
-بصي بقى، ديزاين المكان هيبهرك، وبإذن الله هيكون يوم مُميز.
وَميض بضحكة عريضة:
-تصدقي أنا من زمان كان نفسي حد يبهرني.. صديقتي الشطورة.
تنحنحت قليلًا قبل أن تتابع بتوتر وخجل:
-صحيح، هو جه!!
رفعت “شروق” أحد حاجبيها ثم ردت بمكرٍ:
-هو مين؟!!
ابتلعت ريقها على الفور وهي تشعر بخجل شديد ثم تابعت بقلق:
-بصراحة أنا مكسوفة وخايفة.
شروق بابتسامة عريضة:
-ليه بس تليد مش بيعض خالص.
انزعجت “وَميض” من برودها المُستفز فاستنشقت الهواء داخلها بقوة قبل أن تصيح بنفاد صبرٍ:
-تبًا لكِ.. إنتِ وعيلتك كلها وابن عمك المخاوي دا كمان ماعدا الشيخ سليمان.
شروق بضحكة غامضة:
-المخاوي دا كمان دقايق وهيبقى جوزك وكمان أيام وهتنامي معاه هو وعفاريته في أوضة واحدة نيهاهاهاهاهاي.
كان تعبيرها الأخير بمثابة قهقهة مُستفزة تحمل قدر كافٍ من السخرية على صديقتها التي لم تُدرك بعد أن الذي تذمه الآن ستحمل اسمه بعد قليل، عبس وجهها وراحت تضرب الأرض بقدمها ثم قالت بغيظ:
-ماشي يا بنت عثمان الأقرع.
شروق وهي تعبس بتذمر مُضحك:
-اخرسي.
قطع تحاورهما مجيء “سُهير” التي دخلت إلى الغرفة بنفس تعبير وجهها المُعتاد؛ فعُقدة حاجبيها لا تنفك عن صفحة وجهها مُطلقًا كما أنها تبدو في نظر الجميع ككُتلة طاقة سلبية مُتحركة، قررت “شروق” أن تتركهما سوية وتترجل خارج الغرفة، سارت نحو ابنتها وما أن وقفت أمامها حتى تابعت بصوت مُتهدجٍ وعينين دامعتين:
-وَميض إنتِ مُتأكدة من قرارك؟! أنا بقول فكري تاني علشان أنا مش مستريحة يا قلب أمك!
تأثرت بتجول الدموع في عيني والدتها فقامت باحتضان وجه “سُهير” بكلا كفيها ثم تابعت بنبرة هادئة:
-أنا مش متضايقة يا أمي صدقيني، متخافيش عليا ومتحسيش بالذنب لأنك مقدرتيش تعملي لي حاجة، أنا خلاص راضية بنصيبي.
سُهير بنبرة مُتبرمة:
-بس أنا مش مستريحة له يا بنتي وخايفة عليكِ منه!!
كانت نيران الحقد والغيظ الناشبة داخل قلبها منه تبرق في لمعة عينيها اللاتين تفيضان بحجم كُرهها له بعد انتصاره عليها في معركتهما معًا؛ فسُهير قضت عُمرها كله في حفر خنادق مُلهبة تحول دون قربه من ابنتها وما زادته هذه الخنادق إلا قُربًا، اقنع غريمه باستسلامه وراح يسعى في الخفاء حتى حاز في النهاية على مُبتغاه؛ فتليد لا ينسى لها نظراتها الشريرة له في طفولته وإقامة أسوار شاهقة دون رؤيتها حتى ولم تعبأ بمشاعرٍ طفلٍ صغيرٍ لا يستطيع مُجابهة النسيان.
-بس أنا مُقتنعة إن اختيار بابا ليا أكيد فيه مصلحتي وأنا الحقيقة مش عايزة أخسر ثقته فيا أكتر من كدا.
جاهدت أن تغير قرار ابنتها خشيةً أن يتخذ “تليد” معها نفس الأسلوب ويحرمها رؤية ابنتها كما فعلت هي. لقد استكثرت عليه أن يحيا وهو يسترق النظر إليها بينما تكبر أمام عينيه، أرادها فقط أن ترأف بقلبه ولكنها دعست قلب صغير أصابه هلع الفراق، والآن تخشى أن يبوح لابنتها بالحقيقة ويحرمها رؤيتها إلى الأبد.
-بس أبقي افتكري كلامي لمَّا يبعدك عننا، اللي زيّ دا مُتزمت وعنده فكر مُتطرف يا بنتي، انفدي بجلدك وقولي لعلام إنك مش مستريحة!
تنهدت “وَميض” بالتباس وراحت تقول بفتور مُحيرٍ:
-إزاي بس يا أمي؟! يعني أكذب!!.. اللي إنتِ حاسة بيه بدافع حبك ليا وإنك فاكرة إني هبعد بعد الجواز بس دي مش الحقيقة، هو أنا عندي أغلى منكم!!!
سُهير بانفعال حاد وهي تقبض على ذراعي ابنتها وتصرخ:
-وقتها مش هيكون بمزاجك بمزاجه هو.. هيمارس فكره المُتطرف عليكِ وهيسرق أحلامك وهيبعدك عن الدنيا كلها وساعتها مش هتقدري تخرجي عن طوعه.
برقت الدموع داخل مُقلتيها ثم أردفت بهمس وهي تبتلع غِصَّة مريرة تسري في حلقها:
-أرجوكِ يا أمي كفاية الكلام دا!!.. علشان خاطري أنا مرعوبة لوحدي من حياتي المجهولة معاه!!
زفرت “سهير” بحنق ثم صاحت بلهجة حادة:
-براحتك يا وَميض بس من اللحظة لساني ميخاطبش لسانك.
أسرعت متجهة خارج الغرفة وتركت الأخيرة بين براثن أوهامها وسوء ظنونها نحو حياتها معه التي لطالما خشيت من تطرفه معها في يومٍ من الأيام خاصةً أنها تسمع ما لا يسر عن كثير من الشيوخ والدُعاة مُدعي المثالية وأصحاب الفكر المُتطرف اللذين يُعينون أنفسهم قُضاة على الناس؛ كذلك تبنيها فكرة الخوف من كُل شخص يظهر عليه بعض التدين نتيجة دخولها في أحاديث شتى واستقصاء الحقائق حول بعض القضايا التي تتحدث عن الإرهاب الذي يُسيطر على فكر الشباب ويحوم حولهم من كافة النواحي.
عضت شفتها السُفلى وهي تقول بنبرة مُرتجفة:
-الله يسامحك يا أمي.. أنا كُنت ناقصة أضيف على ملف تعريفه في دماغي إنه إرهابي كمان؟؟؟ مش كفاية إنه في نظري شيخ تايواني ومخاوي عفاريت وسكت كمان يطلع إرهابي!!!
أخذت نفسًا عميقًا ثم زفرته بقوة وراحت تُكرر هذه العملية عدة مرات علها تهدأ وتنفض عن رأسها هذه الظنون التي لا صحة لها على كل حال بل هي مجرد مُسميات لاستفزازه وعليها أن تتوسم فيه الخير من حُسن معاملة ورفق.
طُرق الباب مرة أخرى فنظرت إليه بفتورٍ ظنًا منها أن والدتها عادت مرة ثانية ولكنها وجدت والدها يقف أمامها بزيّ أنيق والسعادة تتراقص بريقها في عينيه، ظل واقفًا في مكانه وراح يفتح ذراعيه لها قائلًا بحب كبيرٍ:
-كبرتي يا وَميض بالسرعة دي؟!!
هرعت ترتمي بين جنباته وتقتبس منه بعض الدفء والطمأنينة مُمتثلةً للأمر الواقع الذي يكمن الخير بين طياته، شدَّ ذراعيه على جسدها بسعادة غامرة ثم تابع بانهيار مفاجئ:
-قلبي فرحان لك يا نور عيني وأتمنى تكوني واثقة في اختياري ليكِ ولمَّا أموت أوعي تنسيني من دعاكِ وقولي أبويا كان طيب واختار لي الطيب ولا يوم كان نظرته في أي إنسان غلط.
تهدجت نبرة صوتها من فرط التأثر ورددت بنبرة محبوسة في حلقها:
-ليه بتقول كدا يا بابا؟! ربنا يحفظك لينا.
علَّام وهو يقبل رأسها مُضيفًا:
-وأوعي تزعلي مني في يوم من الأيام مهما حصل والتمسي لي ألف عُذر لأن أي حاجة حصلت مني حلوة أو وحشة كانت لحمايتك وخوفي عليكِ.
سكت هنيهة ثم أضاف:
-اوعديني!
لم تتحمل “وَميض” أكثر من ذلك وانهارت باكيةً إلا أنه رفع ذقنها حتى نظر بقوة داخل عينيها وأردف بحب:
-اوعديني يا بنتي!
وَميض ترد بهدوءٍ:
-اوعدك يا قلبي إني لا هزعل منك في يوم من الأيام ولا هسمح لنفسي أزعلك، أنا الحمد لله راضية بنصيبي ومفيش جوايا أي خوف خالص لأن إنتَ موجود وفي ضهري ومستحيل حد ييجي عليا في وجودك.
علَّام بضحكة ودودة:
-إنتِ بقيتي جوه حصون تليد السروجي وهو خير راعي ومسؤول.
••••••••••••••••
وقفت السيارة أمام المزرعة ينتظر سائقها قدوم الجميع فيما يقف “تليد” على بعُد خطوات منه يتحدث عبر الهاتف بملامح عابسة وقد طالت مدة المكالمة قرابة العشر دقائق وما أن جاء الشيخ “سليمان” حتى أنهى مكالمته وأسرع نحو والده قابضًا على ذراعه ويعاونه برفق على السير وركوب السيارة، تكلم “تليد” قائلًا بمرح:
-الدفتر معاك يا شيخنا ولا نسيته؟!
اِفتر ثغر الشيخ عن اِبتسامة هادئة ثم قال بلهجة حازمة:
-نسيته يا خفيف.
ضحك “تليد” ملء شدقيه ثم أضاف:
-لاااااا.. تنساه أيه دا أنا ما صدقت يا حضرة المأذون!!
سليمان ببسمة ساخرة رد:
-ما تجمد يا ولد كدا.. إنتَ هتتجوز على نفسك!!.. إنه عقد قران فحسب.
تليد وهو يبرق نحو أبيه بعد أن أجلسه داخل السيارة وقال بدهشة:
-يعني أيه عقد قران فحسب يا عم المأذون؟! أنا اتضحك عليا ولا أيه؟ مش المفروض إن الخطوة دي بيكون فيها تصبيرة كدا ولا كدا!!
عقد “سليمان” ما بين حاجبيه مُبدي لمحة بسيطة من الغضب وقال:
-اخرس يا مُتحرش صايع.. التصبيرة في عُش الزوجية.
فغر “تليد” فمه على وِسعه ثم صاح باستنكار:
-نعممممم!.. أمال ليڤيل الوَحش دا إمتى؟! في الجنة إن شاء الله!
خرجت ضحكة بسيطة من فم “سليمان” الذي تابع بثبات:
-ذكرني أن أضع لك القليل من زيت الخروع في كوباية الشاي يا ولد.
تليد وهو يتابع بتذمر:
-هي حصلت خروع!!.. خلاص يا حاج أنا آسف.. مش هعمل كدا تاني.
هز “سليمان” رأسه وأردف بكلمات رزينة:
-خلص مش عايزين نتأخر على أهل عروستك.
أسرع “تليد” مُستديرًا إلى الباب المجاور لمقعد القيادة وقبل أن يصعد إلى السيارة تابع بتساؤل:
-خالة رابعة ومُهرة مش جايين معانا ولا أيه؟!!
سليمان بهدوءٍ:
-زمانهم جايين.
لحظات ووصلت “رابعة” إلى السيارة ثم ركبت بجوار “تليد” الذي سألها باستغراب:
-أمال فين مُهرة؟!!
رابعة وهي تتنهد باستسلام:
-دماغها ناشفة.. قال جالها شغل طارئ وهتحصلنا.
تليد باستكمال:
-هتعرف تيجي لوحدها؟؟؟
رابعة بنفي قاطعٍ:
-لا ما أنا شرطت عليها إن إبراهيم ابن خالتها يوصلها.
أومأ “تليد” بتفهم ثم قاد سيارته مُنطلقًا إلى عروسه الجميلة التي تاقت نفسه إلى رؤيتها وسماع والده يُنسبها إليه في لحظة ابتهاجٍ بعد أن يُعلنها رسميًا حرم «تليد السروجي» أمام جمع من الناس.
••••••••••••
-ممكن تهدي شوية يا آنسة سكون؟!!
أردف “كاسب” بترقب وهو ينظر إلى انفعالات وجهها القلق من مرآة السيارة، شرعت تهز ساقيها بتوترٍ بالغٍ وصفحة وجهها تنم عن مدى خوفها الظاهر بوضوح في تأففها وحديثها الخافت مع نفسها وما أن تلقت عبارته حتى تابعت بصوت مخنوقٍ:
-اهدا إزاي بس يا كاسب، ماما بتقول إنه أخد مُسدسه وخرج برا القصر وخمنت إنه رايح فرح تليد ابن عمي، أنا خايفة يوقع نفسه في مصيبه وكمان عمي ما يستاهلش منه تصرف زيّ دا.
تأففت مرة أخرى حينما وجدت نفس النتيجة من طرف والدها الذي لا يجيب على اتصالاتها:
-رُد بقى يا بابا علشان خاطري!
كاسب وهو يقول بلهجة ثابتة:
-إن شاء الله خير ومش هيحصل حاجة.
ابتلعت ريقها بالكاد وراحت تنظر من النافذة وتُتمتم ببعض الأدعية التي قد تُغيثها من هذا المأزق وما يُقبل عليه والدها ثم التفتت مرة ثانية نحو “كاسب” وقالت بنبرة متهدجة حزينة:
-أسرع يا كاسب من فضلك!
أومأ مُتفهمًا هلعها وحاول أن يزيد من سرعة السيارة للحد الذي يمكنه أن يتحكم فيه قاصدًا بيت شقيقتها الذي يُقام به حفل القران.
••••••••••
ظل يُراقب السيارة التي تصطف أمام بيتها في شيءٍ من الضيق والاختناق وذلك عبر مرآة السيارة التي تعكس صورة الأشياء من خلفه، وقف “إبراهيم بجوار سيارته ينتظر خروجها إليها كي يوصلها إلى الحفل وسط نظرات “نوح” الساخطة عليه أثناء مراقبته للأمر من بعيد، ضغط أنيابه بحنق من ظهور هذا المخلوق في حياته ليُعكر صفو العلاقة بينهما؛ أنها مُجرد علاقة مُشوشة تظهر في صورة صداقة لم تكتمل خطوطها العريضة بعد؛ ولكنه كان ينوي التصريح بحبه ما أن يستقر وضعه الاجتماعي ولكن بظهور هذا المخلوق أصبح عليه أن يُغير مخططاته قبل أن تُخطف من بين يديه وتُصبح في كنف رجل آخر.
لحظات ووجدها تخرج من البيت وتتجه إلى سيارة إبراهيم، انتابه خيبة أمل كبيرة وهي تُفضل التواجد مع الأخير دونه، تنهد بحرارة وهو ينظر إلى باقة الزهور التي جلبها من أجلها ظنًا منه أنها ستختاره وتُقدر رغبته في قضاء لحظات سعيدة برفقته، التقط الباقة القابعة على المقعد المجاور له ثم ألقاها بغيظ شديد للمقعد الخلفي وما أن مرَّت السيارة بسرعة كبيرة حتى قدح الشرر من عينيه مُقررًا أن ينسحب من حياتها تمامًا لطالما تعلم بما يكنه لها من مشاعر ولا تبالي بما قد ينتج عن هذا الموقف من غيرة.
تنهد تنهيدة عميقة ثم وضع كفيه على مقود السيارة وقدمه على الدواسة مُتأهبًا ولكنه تفاجأ بطرق خفيف على زجاج النافذة جعله ينظر إلى الواقفة أمامه بدهشة تمتزج بعتاب ومشاعر تتقد من فرط الغيرة، ارتسمت على مُحياهُ ضحكة لامعة وأسرع بفتح الباب المُغلق لها فيما ركبت بجواره على الفور وقالت بصوت خافتٍ:
-كدا كُنت هتمشي وتسيبني!
لانت ملامحه من بعد تجهمٍ ثم قال بلهجة حادة يملأها الغيظ:
-مش إنتِ اللي اختارتي ابن خالتك!!
نكست رأسها بخجل شديد بعد أن تخضبت وجنتاها وقالت بهمس خافت وكأنها لا تود أن تُسمعه اعترافها:
-أنا عُمغي ما فكغت أحطك في مقاغنة مع حد أو اختاغ غيغك.
اقترب قليلًا منها ثم تابع بنبرة متحمسة:
-قولتي أيه؟
أخذت تفرك كفيها بتوترٍ وبسرعة تابعت:
-هو إحنا مش هنمشي؟! عايزين نلحق الحفلة من أولها.
أومأ مُقدرًا شعورها بالخجل ومدى ما تتحلى به من حياء يُربك ما يستقر داخل قلبه من مشاعر مُقننة بل يحدث فوضى لا تنتهي على الإطلاق، استدار حتى التقط الباقة مرة أخرى ثم ناولها إياها قائلًا بودٍ:
-أنا عارف إن الورد مقارنةً بجمالك مالوش لازمة بس قولت تكون البداية بينا شبه روحك.
التقطتها منه ثم تابعت ببسمة هادئة:
-شُكغًا.
نوح باستمتاع ومرح:
-أحلى شُكغًا سمعتها في حياتي.
اِفتر ثغرها عن ابتسامة عريضة ولكنه أحس أن ثمة أحاديث وَجب التكلم فيها قبل الانطلاق وقبل أن ينتقل إلى الخطوة الجديدة، تنفس بهدوءٍ قبل أن يقول اسمها بلهجة ثابتة:
-مُهرة!
رفعت بصرها إليه وقالت بإصغاء:
-نعم!
أردف بإيجاز مفيدٍ:
-تتجوزيني!
ضوى بريق من الفرحة داخل عينيها وكان ملحوظًا بالنسبة للأخير الذي ابتسم بهدوء وهو يستمع إلى الإجابة من لمعة عينيها قبل أن تهز رأسها بالإيجاب وهي تطرق ناظرة للأرض بينما تحتضن الباقة بقوة، تهللت أسارير وجهه ولكنه تابع قائلًا بترقب:
-تتجوزي واحد الظروف معانداه؟ وحيد لا عنده أُم ولا أب؟! موافقة تعيشي أول حياتك في شقة إيجار لحد ما ربنا يقدرني وأعوضك؟! هتستحملي ظروفي ومُرتبي البسيط؟!! أنا مش هزعل من أي قرار هتاخديه!
أخذت نفسًا عميقًا وقالت بحسم مُنقطع النظير ولا تزال تتجنب التقاء أعينهما:
-موافقة أواجه كُل الظروف معاك، أنا مُمتنة لكل لحظة كُنت بتجازف فيها بحياتك علشان تحميني.
نوح وهو يرد بحُب دفينٍ يتفاقم داخله:
-أنا اللي مُمتن لربنا إنه حطك في طريقي.
أشاحت بوجهها للنافذة من فرط الخجل فيما ابتسم بهدوء وقال:
-بكرا هفاتح الشيخ سليمان ووالدتك في الموضوع!
أومأت دون أن تنبس ببنت شفةٍ فيما انطلق بالسيارة على الفور قاصدين بيت ابنة عم تليد الذي يُقام فيه الحفل.
••••••••••
تقدمت إلى حديقة المنزل بخطوات راسخة وزيّ مُهندم ناعم يليق بأجواء الاحتفال وكالمعتاد استطاعت لفت انتباه كُل من بالحفل حتى أنهم بدأوا يتساءلون عن ماهيتها وكم هي جميلة وتتمتع بأُنوثة طاغية، استطاعت “نجلا” أن تقرأ الإعجاب في عيونهم وكانت تتلذذ كثيرًا حينما تُوجه لها هذه النظرات التي تزيدها شموخًا وثقةً بالنفس.
سار “تليد” نحوها ثم سلم عليها بعينيه وقال مُبتسمًا في هدوءٍ:
-نورتيني يا مدام نجلا.
سلمت عليه بعينيها مُمتنةً على اهتمامه بها رغم انشغاله وأردفت تقول بلهجة ثابتة:
-ألف مبروك أستاذ تليد، أتمنى لك حياة جديدة سعيدة.
شكرها بودٍ ثم تفاجأ بصياح الضيوف عاليًا وهم ينظرون إلى شيءٍ ما، استدار على الفور فرأى “علَّام” يرافقها مُتأبطي الذراعين باتجاه الحديقة، هبطا الدرج معًا ثم توقفا قبل نهايته؛ فأسرع “تليد” بدوره نحوهما وهو يمعن النظر إلى طلتها المُبهرة التي سرقت قلبه من بين ضلعيه، تأملها للحظات ثم قال ببسمة عريضة يمازحها:
-آنسة سندريلا معايا؟!!
قالها بابتسامة ومضاء؛ فيما أجابتهُ ببسمة خفية ووجه عابس:
-أنا مرات أبوها ومتخفية في شكلها، شاري؟!!
ضحك بمكر وقال:
-لو كُنتِ أختها نفيسة معنديش مشكلة.. اتحركِ قدامي على المأذون.
في هذه اللحظة طلب “علَّام” منه أن يأخذ عروسه إلى طاولة العقد وكان مُقبلًا على الأمر بسعادة بالغة، قام بالتقاط كفها ضامًا إياه بقوة غريبة جعلتها تشعر لوهلة أنه يخشى أن تهرب منه إلا أنها لا تعلم بلحظة النصر التي يعيشها مع نفسه في هذه اللحظة والتي خطط لها قبل عشرين عامًا.
سار بها إلى الطاولة ثم أبعد المقعد قليلًا حتى جلست، جلس الشيخ “سليمان في المنتصف بصفته المأذون الذي سيعقد القران بينما جلس على يمينه ويساره كُلًا من “علَّام” و “تليد”، بدأت مراسم العقد التي أبهجت صدر الجميع حينما بدأ والد العروس يكرر خلف الشيخ بصوت سعيد ضامًا كف الأخير وثمة منديل يغطي كفيهما:
-إني استخرتُ الله العظيم الذي لا خاب من استخاره وزوجت موكلتي البكر الرشيد «وَميض علَّام الجندي» إليك الرجل المُكلف «تليد سليمان السروجي» على كتاب الله تعالى وعلى سُنة رسوله وعلى الصداق المُسمى بيننا عاجله وآجله وعلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان والله على ما نقول شهيد.
التفت الشيخ “سليمان” إلى ابنه ثم أردف بنبرة ثابتة رغم ما يخالجها من سعادة لا تخمد:
-طبعًا إنتَ مش محتاج تكرر ورايا.
اِفتر ثغره عن اِبتسامة عريضة ثم أومأ وهو يرد:
-إني استخرت الله العظيم الذي لا خاب من استخاره وقبلت زواجي من موكلتك البكر الرشيد «وَميض علَّام الجندي» على كتاب الله تعالى وعلى سُنة رسوله وعلى الصداق المُسمى بيننا عاجله وآجله وعلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان والله على ما أقول شهيد.
لم تستطع “شروق” منع نفسها في هذه اللحظة فانطلقت منها زغرودة تلي الأخرى وسط ضحكات الجميع، التفت “سليمان” إلى “علَّام” وتابع:
-زوجتك موكلتي.
أردف “علَّام” بفرحة وهو ينظر داخل عيني “تليد” مُرسلًا له بعض الرسائل الخاصة التي تمكن بفطنته من قراءتها:
-زوجتك موكلتي.
أردف “تليد” وهو يبتسم له بودٍ يطمئنه بوصول رسائله بسلام:
-قبلت زواجي من موكلتك.
ارتفعت الزغاريد وصدح صداها في الأرجاء وهنا أردف “سليمان” يُعلن إتمام الزيجة بصوت عالٍ:
-بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.
نهض “سليمان” في مكانه ثم أسرع بضم ابنه بفرحة غامرة وهمس بالقرب من أذنه:
-إياك وإحزانها فإني لك بالمرصاد.
أسرع “تليد” بتقبيل كفه ثم تحرك نحو “علَّام” وقام باحتضانه ولم يغفل هو الآخر عن الهمس في أذنه قائلًا بلهجة ثابتة:
-بنتي أمانة في رقبتك ليوم الدين، أوعى تخون الأمانة يا تليد!.
باغته “تليد” باحتضان رأسه ثم قبلها بودٍ قائلًا:
-أنا على الوعد ليوم الدين.
تركهُ على الفور متوجهًا نحوها بلهفة، التف حولها مجموعة من زميلاتها بالعمل وما أن لمحنه يتقدم إليها حتى تفرقن على الفور، سار إليها بقلب مسرورٍ وما هي إلا ثوان حتى كان جالسًا بجوارها تمامًا، رمقتهُ بنظرة يخالطها التوتر ثم أطرقت برأسها تتجنب تحديقه فيها، فيما تكلم بنبرة هادئة:
-مُبارك يا عروسة!
وَميض بصوت خافتٍ:
-الله يبارك فيك.
ساد الصمت بينهما للحظات فاستغربت توقفه عن الكلام وحينما رفعت وجهها إليه من جديد وجدته يتأملها بنظرات هائمة لمست فيها بعض المشاعر الراقية، ابتلعت ريقها على مهلٍ وهي ترى أعصاب جسدها تذوب أمام نظرات عينيه الثاقبة لها وأثناء تحليلها لنظراته وجدته يحيط رأسها بكفه من الخلف ثم يُقربها إليها ودون تفكير وضع شفتيه على جبينه يُقبله بلهفة وشوق كبيرين، برقت “وَميض” لوهلة وظنت أن هذا المشهد سوف ينتهي الآن ولكنها وجدته يطيل تقبيل جبينها حتى أنها شعرت بعدة أحاسيس مبعثرة، ثمة شعورٌ ما يحاول إرساله لها عن طريق هذا التصرف لقد ذابت روحها وهي تستمتع بدفء هذه القُبلة التي تحمل الكثير من الحُب؛ فهي ليست بالبلهاء التي لا تفهم تمامًا الرسائل المُفعمة بالعشق من تلك التي تؤَدَى لأهداف أُخرى.
خفق قلبها خفقًا سريعًا وشعرت أن حالة من الفوضى ألمت بنفسها المُستقرة فزعزعت مشاعرها الراكدة وجعلتها تتبعثر في كُل مكان، هي لا تُحبه ولكنها تشعر أنها تعرفه من قبل وكل تصرف يصدر منه يزيد من إصرارها على تصديق هذا الشعور، فكيف لها أن تشعر بكل هذا الحُب من شخصٍ لا يحبها، حاولت أن تبتعد عنه فأسرعت بوضع كفها على صدره حتى تدفعه عنها برفق إلا أنها اندهشت من خفقان قلبه بهذه الصورة الهوجاء وكأنما أصابه زلزال جعل عالية قلبه سافلتها!!!!
عضت شفتها السُفلى في احراج ثم تكلمت بصوت خافتٍ:
-تليد!!
ابتعد بالكاد عنها فراحت هي تنظُر من حولها بنظرات خجلة من تصرفه ولكنه اِبتسم قائلًا بدفء طغى على ملامحه الغامضة فألانها:
-أنا فوزت بيكِ بعد حرب دامت لسنين.
زوت ما بين عينيها بعدم إدراك ولكنه لم يترك لها فُرصة التفكير في فحوى رسالته حينما قبض على كفها بعد أن نهض وقال بحماس:
-تعالي بقى نوثق اليوم دا بالصور.
وَميض تتدبر اِبتسامة هادئة ثم تنهض فورًا وهي تقول:
-تمام.
مشى بها إلى موقع التصوير الذي زُين من أجلهما، بدئا بالوقوف بطريقة مُعينة وإبداء بعض التعابير المُبهجة إلا أنها لم تكُن تبتسم سوى نص اِبتسامة لم تصل إلى عينيها حتى، رفع المُصور حاجبه وقال بلهجة ثابتة:
-ممكن ضحكة جميلة كدا يا عروسة؟!!
قلبت عينيها بضيق من هذه التفاصيل المُملة، كذلك طلب أن ينظران إلى بعضهما البعض فيقبض على كفها أثناء تقبيله ويضع كفه الآخر على منطقة خصرها، حاولت أن تتدبر اِبتسامة واسعة أكثر ولكنها لم تلقَ أيضًا إعجاب المُصور الذي هز رأسه بنفي:
-بالشكل دا الصور عُمرها ما هتكون Natural
صكت أسنانها بنفاد صبرٍ بينما أردف “تليد” مُستغلًا تقلص المسافة بينهما وقال بهمس مُستمتع:
-أيه رأيك أقول لك نكتة!!
رفعت حاجبها بشك ثم ردت:
-أكيد شخصية جادة زيك مستحيل تقول نُكت ولو حصل تبقى نُكت أومليت.
تليد بشك يكرر كلمتها بصوت هادئ يخالجه الصدمة:
-أومليت!
هزت رأسها تؤكد إجابتها وقبل أن يتفوه بكلمة أخرى تابعت هي بابتسامة خفية:
-أيه رأيك نلعب لعبة أحلى من النُكت بتاعتك!!
تليد يومىء موافقًا؛ فيما تقول هي بضحكة عبثية:
-أنا هقول الكلمة وإنتَ تقول عكسها!
تليد بثبات:
-تمام.
تكلمت بضحكة متوارية:
-ينسون؟!
ضحك قائلًا بفخر:
-عارفها دي.. يتذكرون!
تابعت بحماس:
-جنة!
رد بهدوء:
-نار
أكملت بمكر اختلط باحمرار وجهها الذي كاد أن ينفجر من الضحك:
-تليد!
طالعها بحاجبين معقودين ثم ردد بهدوء:
-هو اسمي له عكس!!
أومأت دون أن تنبس ببنت شفةٍ، رفع حاجبه يفكر لبعض الوقت حتى تابع باستسلام:
-لا مش عارف دي.
تكلمت بضحكة ماكرة تقول:
-تبيض.
برق لها بعينيه مصدومًا فيما انطلقت ضحكة عالية من فمها جعلت المُصور يستغل هذه اللحظة بينهما ويُسرع في التقاط هذه الصورة المُميزة بالنسبة له.
وقبل أن يُتابع حديثه معها، سمعا صوت إطلاق ناري يأتي من الخارج، صُعق الجميع وتوترت الأجواء وهم لا يُدركون بعد من أين يأتي هذا الصوت الذي هو بمثابة حرب شُنت بُغتة، تحرك “تليد” نحو بوابة المنزل إلا أن والده أوقفه قائلًا بحزم:
-متخرجش دلوقتي يا بني لمَّا صوت الطلق يقف.
أومأ مُتفهمًا خوف والده عليه ولكنه قرر أن يختلس النظرات من خلف الباب الموارب لعله يفهم سبب هذه الطلقات ومن أين تأتي!!.
»على الجانب الآخر»
جمع “عثمان” رجاله الذين وقفوا بالقرب من بوابة المنزل مستخدمين أسلحتهم من أجل الهجوم على الحفل والتخلص من العروسين ولكنهم تفاجأوا وصُعقت عقولهم حينما وجدوا هجومًا ناريًا يأتيهم بُغتة ومجموعة من الرجال يلتفون حول المنزل لحمايته مشهرين أسلحتهم صوب رجال “عثمان” الذي اشتعل داخله غضبًا وكاد أن يجن من معرفة أحدهم بمخططه ولم يخبر به أحدًا سوى رجاله وذلك قبل التنفيذ بدقائق!
بدأ تبادل الطلقات النارية بين المجموعتين ليخشى عثمان فقد جماعته فيرتد مرة أخرى للخلف قليلًا، أمرهم أن يختبئوا من وابل هذه الطلقات التي تتقاذف عليهم تباعًا وعيناه تشتعلان بنيران الانتقام والغيظ، فكر مليًا مَنْ هؤلاء؟ وكيف علموا بخطته للانتقام؟! وأثناء تفكيره في الأمر وَجد بوابة المنزل تُفتح ويخرج منها “تليد” الذي نظر للرجال الواقفين أمام البوابة باستغراب وحيرة وكأنما وَجد “عثمان” الإجابة فور رؤية ابن أخيه، قدح الشرر من عينيه وقرر أن يقتله حتى لو خسر حياته بالمُقابل، أسرع بملء مسدسه بطلقات جديدة ثم نهض من وراء السيارة وراح يُسرع في سيره وهو يصرخ بصوت عالٍ مُزمجرٍ:
-تلييييييييييييد!
التفت “تليد” إلى مصدر الصوت فتفاجأ بوجود عمه وقبل أن يتكلم وجد الأخير يتأهب لإطلاق النار عليه إلا أنه لم يستطع حينما أصاب ذراعه طلقة نارية من قِبل حراس المنزل وفي هذه اللحظة صاح “تليد” ينادي عمه بصدمة:
-عمــــــي!!!
كان يقف مشدوهًا لا يستوعب بعد ما يجري أمام عينيه، وصلت “سكون” في هذه اللحظة وما أن رأت والدها يتلقى طلقة نارية أسقطته على ركبتيه بالأرض حتى صرخت هلعًا وترجلت جريًا من السيارة إلى والدها، ظلت تصرخ بآهات ونحيب ليصيح “تليد” بغضب عارمٍ وهو يهرول نحو الحارس الذي يستعد لإطلاق النار عليها، تمكن من القبض على سلاح الأخير وتقييده بكلا ذراعيه وهو يرمقه بعينين حمراوين تفيضان بثورة عارمة، هرول كاسب إليها ليحمي ظهرها أثناء احتضانها لوالدها ويعاونها على سحبه والاختباء خلف إحدى السيارات، أخذ صدره يعلو ويهبط في ارتياب ومجرد أن وصل إليها ووقف خلف ظهرها حتى وجد طلقة نارية تخترق ظهره حينما أشار الحارس الذي يقيده “تليد” لزميله أن يُنهي الأمر؛ ففعل الأخير.
-سكــــون!!!
صرخ “تليد” بصدمة ولكنه تفاجأ حينما التصق شخص ما بها لتُصيب الطلقة ظهره.
يتبع
التعليقات