رواية عذرا لكبريائي للكاتبة أنستازيا الفصل العشرون
ابتسم بسخرية وحين رفع عيناه قليلا تسمر في مكانه وبدى مندهشاً من شيء ما!
تتبعت عيناه ونظرت حيث تعلقتا، إنها تيا!
ارتفع حاجباي باستغراب أنظر إليهما وهما يتبادلان النظرات.
ابتعدت عن إيثان قليلاً وهمست بحيرة: ما الأمر؟
ولكنه ظل يحدق إليها حتى اسرعت تيا تقول متجهة نحونا: أعتقد بأنني سأغادر.
اعترضت أقف أمامها: لماذا! لم ننهي حديثنا بعد.
استرقتْ نظرة نحو إيثان ولا أدري ما نوع تلك النظرات حتى، إلا أنها بدت غريبة جداً بالنسبة لي حتى تجاوزتني: على الذهاب.
افسح إيثان المجال وهو يرمقها بطرف عينه، كان قد استند على الحائط ليسمح لها بالمرور فخرجت ونظرت إليها وهي تتجه إلى سيارتها الحمراء وتركبها دون ان تسترق نظرة أخيرة نحوي!
همستُ بعدم فهم: ما خطبها فجأة!
ثم نظرت لإيثان الذي لازال يحدق إليها حتى بعد ان تحركت سيارتها مبتعدة مصدرتاً صوتا قويا دلالة على ضغطها السريع والقوي على البنزين!
بدأ الشك يعتريني ففكرت للحظة.
ربما يعرفان بعضهما، نظرات كهذه ليست موجهة من غريب إلى آخر.
لا بد وأنه يعرفها بناءً على علاقته القديمة بكريس!
اللعنة. سيعلم الآن بما على إخفاؤه عنه! إيثان تحديداً لا يجب أن يعرف شيئا عن زواجي بكريس فمن يعلم كيف ستكون ردة فعله! لا سيما وانه حاول جاهدا ابقاء كريس بعيداً عنا.
سيغضب بلا شك لو اكتشف الحقيقة! يا الهي انقذني ما هذه الورطة؟!
سيسألني عن علاقتي بها!
اسرعت اتدارك الأمر وسبقته القول متسائلة: الست جائعاً؟
نفي برأسي ودخل ليغلق الباب خلفه وقد ضاقت عينيه وهو يجر الحقيبة ليضعها بجانب الباب.
المشاعر في هذه اللحظة مشحونة ومتضاربة، هو يخشى ان يسألني سؤالا واكتشف فيه علاقته بكريس والسيد ماكس. وأنا أخشى ان يستفسر حول وجودها هنا فيدرك أنني تزوجت بكريس!
لا يمكنني توضيح الأمور له واخبره ببساطة انني على علم بكل شيء. أعرف إيثان جيداً حين يغضب ولا أريد خلق مشكلة لا يمكننا تفاديها. إن كان قد تصرف بهذه الطريقة الغريبة وهو يكبت نفسه لكونها تيا فقط فكيف سيكون حاله عندما يكتشف موضوع كريس!
ولكنني أريد تجاهل كل هذا الآن فأنا مشتاقة إليه كثيراً!
بالفعل تجاوزت الأمر وسألته بمرح: انظر إليك! الم تحصل على صديقة بعد؟ تبدو أصغر سناً!
بدى وكأنه يجاملني بابتسامة هادئة: انفصلت للتو عن كاترين سيكون الأمر مضحكا لو واعدت أخرى الآن.
فلتذهب تلك العابثة إلى الجحيم، ليس وكأنك كنت جاداً معها.
لم أكن جاداً ولم أملك نحوها مشاعراً خاصة. ولكنها كانت مسلية بحماقتها وشخصيتها الكريهة.
انفجرت ضاحكة: ياللحقارة! انت الأسوأ بالفعل.
ما الذي تفعلينه هنا؟ هل هذه اجازة مؤقتة؟
حينها تهاوى على مسامعي صوتا خافتا قريبا عرفت على الفور أنه صوت محرك سيارة!
تجنبت سؤاله وانا اتمتم بحيرة: أسمع صوت امام المنزل.
تحركتُ للباب لأفتحه وحينها تنهدت براحة حقيقية وانا أرى سيارة أبي التي يقودها سام.
قلت له بمرح: لقد عادوا.
اقترب مني ينظر إليهم باستغراب: أين كانوا. ليس من عادتهما الخروج مع سام!
تظاهرت بأنني لم أسمع سؤاله وانا انزله الدرجات القليلة متجهة إليهم بسرعة واعانق ذراع أبي الذي كان يصرخ على سام بإنزعاج: فتى أحمق.
نزلت أمي تمرر يدها على جبينها لتقول بتعب: اصمتا انتما الإثنان لم أعد احتمل سماعكما اكثر!
تساءلت باستغراب مبتعدة عن أبي موجهة حديثي إلى أمي: ما الأمر! ما الذي يتجادلان حوله؟
اجابتني بإستياء مُزج بنفاذ صبرها: اخيك الأحمق كاد ان يصدم قطة اثناء قيادته اتعلمين كيف كانت ردة فعله؟
كتمت ضحكتي نافية: ماذا فعل؟
انعطف بطريقة حادة عن الطريق وكدنا نكون ضحية لأحد اعمدة الإنارة في الشارع! يريد قتلنا يا شارلوت لم أعد احتمل تهوره!
نظرت إلى سام الذي ترجل من السيارة بملامح ممتعضة وحينها لم أعد احتمل كتم ضحكتي فانفجرت بوجهه ليقول بحدة: مضحك جداً. اغربي عن وجهي وإلا لكمتك.
يا الهي. سام أنت حقا فريد من نوعك.
شارلوت ستندمين حين أفجر غضبي في وجهك.
نظرت إلى أمي التي شهقت بمرح: إيثان!
اسرعتْ نحوه بخطى واسعة لتعانقه فبادلها العناق وهما يقفان أعلى الدرج، وحينها سرت قشعريرة ورجفة في جسدي إثر النظرة التي القاها علي.
نظرة وكأنه يخبرني بأنه لا مهرب منه او من تساؤلاته!
أنا لا أبالغ فجسدي يرتجف!
وهذا ما دفعني لمواصلة السخرية مع سام لأهرب ولو مؤقتا من عينيه.
وحين استوعب سام أمر إيثان همس متكتفا بغيض: لقد أتى بالفعل. ظننته يمزح بالأمس!
تذكرت الأمر معترضة: لماذا لم تخبرني!
لم أكن في موقف يسمح لي بالإتصال بك أو مراسلتك. عائلة زوجك كريمة جداً ولم يتركوني حتى امتلأت معدتي.
ضحكت بخفوت: هل أمضيت وقتا جيداً؟
أردفت هامسة: كيف كانت الأجواء هناك؟
رفع إبهامه بإيجابية ليبتسم: ذلك الطفل جيمي. وقعت في حبه فوراً! انه لطيف وظريف، اخبرته بأنني شقيق والدته وأكون خاله. لقد واصل نعتي بخالي سام، يا له من شعور غريب!
لماذا فعلت هذا! وكأنك تعطيه وعوداً كاذبة يا سام!
قلتها بأسى فنفي برأسه: لم يكن هناك مهرباً كما أنني لا أريد مفاجئتك ولكن. سيخبرك أبي وأمي ما انتهى به النقاش مع السيد ماكس.
انتابني الفضول الشديد ثم نظرت لأبي الذي كان يقف مع أمي وإيثان ويتحدثان معه بحماس.
همس لي سام بهدوء: لا تخبري إيثان بالأمر. علينا الإنتظار قليلاً.
همست له بقلق: أخشى أن أخبرك بأنني قد تورطت للتو، لقد زارتني تيا قبل لحظات والتقى إيثان بها.
اتسعت عينيه الداكنتين بتفاجؤ: أيتها الخطلة الحمقاء!
لم يكن الأمر بيدي! كانت زيارتها مفاجئة وأمضينا وقتنا بالحديث وعندما رأت إيثان غادرت فوراً، ومنذ تلك اللحظة وهو يتصرف بطريقة غريبة، سام إياك وتركي مع إيثان وحدنا فأنا واثقة بأنه سيسألني عن سبب وجودها وأخشى ان يغضب!
تنهد بعمق: يا الهي. هذا ما كان ينقصنا.
زميت شفتاي بلا حيلة فتمتم بصوت منخفض: لا بأس أمي وأبي سيعملان جاهدان أيضا لإخفاء الأمر مؤقتا فقط.
أومأت برأسي واقتربنا منهم، وبينما نحن كذلك ضُرب رأس سام بالكرة التي يلعب فيها أطفال الحي فاشتعل غضبا ليصرخ: سأمزق الكرة أيها الصعاليك!
اسرعت التقط الكرة وارميها نحوهم مهدئة: لم يتعمدوا فعلها.
زفر متأوها وهو يفرك رأسه بألم وما ان وصل للدرج حتى قال ببرود: هيه أنت. لماذا عدت؟
قالها موجها حديثه إلى إيثان الذي شهد ما حدث وضحك بخفوت ثم ابتسم بطريقة مستفزة معتادة بينهما: لقد اشتقت لك كثيرا ولم امنع نفسي من العودة لأراك أنتَ خصيصاً، فأنت أخي الصغير اللطيف الذي لا يحصل على حقوقه في هذا المنزل.
انزعج سام: عذراً؟
ثم أردف بسخرية: هل تحدثت عن الحقوق؟ أصمت أرجوك، بالمناسبة هذا يزعجني جدا، عودتك فجأة لتسعد الجميع كما لو كنت في أحد الأفلام الدرامية هذا بالفعل مزعج! بل وتخبرني ليلاً سام سأكون متواجدا في المنزل غداً أخبر والداي بذلك. بالطبع لن أفعل! اخبرهما بنفسك لست خادماً مطيعاً لك.
ضحكتُ مستمتعة بغضب سام بينما ابتسم إيثان وابعد أمي برفق والتي كانت لا تزال تستند على كتفه، ثم اقترب منه وعانقه بقوة فقال سام بصوت عالي منزعج: ابتعد عني أيها المقرف!
انفجرت أمي ضاحكة لتقول: اصمت وعانق أخاك.
اعترض سام نافيا: لا أريد! ابتعد عني!
عانده إيثان: لا أستطيع!
قلت لك ابتعد هذا بالفعل مقزز! سحقاً سألكمك يا إيثان.
أتى صوت أبي من الداخل: أغلقوا الباب المكان لم يعد دافئاً! أشعر بالبرد الشديد.
نجح سام في إبعاد إيثان عنه ودخل فوراً بملامح متقززة فاسرعت اتبعه لاتفادى كوني مع إيثان وحدنا.
دخلت أمي بعدنا بجانب إيثان الذي أغلق الباب قائلا وهو يمدد جسده: اشتقت للأجواء العائلية!
جلس سام على طرف الأريكة وهو لا يزال يفرك مكان ضربة الكرة وقد تبعثر شعره الأسود ليتنهد متسائلاً بلا اكتراث: لماذا عدت الآن؟ ألم تقل بأنك لن تكون حرا من العمل حتى بعد شهر أو أكثر؟
اتجه إيثان إلى القارورة المغلقة الموجودة على الطاولة مسبقا ليرتشف منها مجيبا: طالبتُ بإجازة بعد الإكتفاء. لقد عملت جاهدا طوال هذه الفترة لذا شعرت بأنني بحاجة إلى فترة نقاهة.
اقتربت أجلس على الدرج المؤدي للغرف متسائلة بحيرة: كم الفترة التي ستقضيها هنا؟
نظر إلى ليجيبني مفكراً: قرابة الشهر فقط.
هكذا إذاً. هل اقتطعتها من اجازتك السنوية؟
أومأ بسخرية: نعم ولكنني بدأت اشعر بالندم لمجرد التفكير أنني سأقضيها مقابل وجه شقيقك.
رمقه سام متظاهرا بالهدوء مما أضحكني، أقبلت أمي من المطبخ وخلفها أبي لتتساءل مقتربة من إيثان بتدليل مبالغ يغضب سام كالعادة: عزيزي إيثان لابد وأن الطريق كان متعبا، هل أعد لك شيئا؟
نزع معطفه والقاه على الأريكة مميلاً برأسه: أنا جائع بالفعل.
علقت أمي بلطفها ذاك: حسنا سأعد لك الشطائر التي تحبها، عليك ان تتناول جميع وجباتك لئلا تفقد نظارة بشرتك و وسامتك.
اتجهت أمي للمطبخ مرة أخرى فظل أبي واقفا في منتصف المكان ينظر إليها ثم إلى إيثان ليهمس بإمتعاض: اعتقد بأن ستيفاني تبالغ كثيرا حين يتعلق الأمر بك!
ابتسم مقتربا من أبي: ليس أنتَ أيضا يا أبي.
همس سام بإشمئزاز: كفو عن تدليله هكذا! لم يعد صغيرا،
تساءل إيثان: أتشعر بالغيرة؟
ولماذا سأغار منك؟
قالها متظاهرا بالغثيان الشديد ورغبته في التقيؤ، فارتفع حاجبا إيثان باستغراب: لا أدري، ربما لأن أمي تدللني كثيرا، أو لأنها تقارنك بي دائما، أو.
أصمت، لقد عدت للتو من طريق وعرة جدا جعلت معدتي يختل توازنها ولست متفرغا لسماع هراءك
حسنا لا بأس، ستسمعه فيما بعد إذاً.
تنهد أبي: انتم مزعجون، على ان أذهب لأستحم وسأعود بسرعة، هناك حديث طويل، عليك أن تخبرني بآخر أخبارك في العمل وما شابه.
أمال إيثان برأسه بينما صعد أبي، حينها قررت الذهاب للمطبخ لمساعدة أمي فوقفت مبتعدة عن الدرج ولكنني تفاجأت به يمسك بيدي فارتفع حاجباي بينما قال بهدوء: هناك ما علينا التحدث بشأنه.
شعرت حينها بالخوف! بالتوتر والتردد.
أعلم ما يريد التحدث بشأنه. ولكن! ما الذي على قوله له؟
أنا خائفة من ردة فعله كثيراً! لا سيما وأن علاقته بكريس سيئة.
ماذا سيحدث لو علم بأنني. كنت زوجته في الفترة الماضية بل وما زلت كذلك!
لمحت سام الذي وقف متظاهرا بالدهشة: هل يوجد بينكما أسراراً تحتفظان بها عني؟
ثم وقف ليتجه نحونا بشك: ما الذي ستتحدثان بشأنه؟
اقتضب إيثان: وما شأنك أنت! لا تحشر أنفك.
في هذه اللحظة أتى صوت أمي من المطبخ منادية بإسمي وحينها شعرت بالسعادة لإنقاذي من كلا الطرفين وقلت بسرعة انتزع يدي منه: على أن أساعد أمي في المطبخ.
غادرت ولم انتظر رده، انا ممتنة لها ولسام!
فلست مستعدة إطلاقا لأخبره بكل شيء الآن.
دخلت المطبخ ونظرت لأمي التي تخرج بعض المقادير من الخزانة العلوية، اتجهت نحوها اعانقها من الخلف متنفسة الصعداء لأهمس: لقد أنقذتني يا أمي!
ابعدتني عنها برفق تنظر إلى بحيرة: هل هناك خطب ما؟
أملت برأسي هامسة بحذر: لقد رأى تيا منذ قليل، إنها صديقة كريس التي اخبرتكم عنها، ويبدو أنه يعرفها جيدا، ولكنه منزعج ولا اعلم ما على قوله له يا أمي، أنا خائفة من ردة فعله عندما يعلم بالأمور الأخرى.
زمت شفتيها بحزم وهي تحذرني: لا تقلقي، ولكن إياك وإخباره الآن، سنوضح له الأمر في اللحظة المناسبة.
أضافت متنهدة: دعك من كل هذا. لا زلت مستاءة كثيرة بشأن ذلك الطفل المسكين.
اتقصدين جيمي؟
نعم، لقد كان بالأمس مستاءا ولم يكف عن سؤالنا عنك، وانتهى بنا الأمر بوعده بأنه سيراك. وعلى الأغلب بأن ماكس أيضا سيرافقه!
ابتسمت بسعادة: حقا!
أكملت: لقد اشتقت إليه كثيراً! متى سيأتي؟
في المساء، ربما بعد الظهيرة في الغد.
أومأت برأسي بحماس: هكذا إذا، أنا بالفعل سعيدة يا أمي ولاسيما ان السيد ماكس قادم أيضا، هذا يعني أنه تحسن و.
شارلوت.
ما الأمر؟
قلتها وقد بدأت أساعدها في تقطيع الخضار فتمتمتْ: الن تسأليني عن كريس؟
أسألها عنه؟ ولماذا سأفعل، لقد رأيته بنفسي بالأمس. وأعلم بأنه ليس في منزل العائلة!
اجبتها بهدوء: ماذا هناك يا أمي؟
لقد تحدثنا مع ماكس لفترة طويلة بالأمس.
هذا متوقع، فأنتما لم تقابلاه منذ مدة. كيف كان لقاؤكما معه؟
ابتسمتْ بشرود وهي تخرج أحد الأطباق العميقة واجابت: لا استطيع وصف شعوري. شعرت بأنها لحظة غريبة للم شملنا بعد تلك السنوات. لازال لطيفا واستقبلنا بحرارة، قد لا تصدقين ولكن ماكس وشقيقته وزوجها وكذلك ابنهما ستيف قد امضوا معنا سهرة دامت حتى الثالثة صباحا ولهذا أتينا متأخرين هنا. بالمنسبة لقد كان يسأل عنك.
السيد ماكس؟ كيف هو هل تحسنت صحته حقاً!
نعم إنه بخير على ما يبدو، كما أن الجميع لم يكفوا عن السؤال بشأنك بإهتمام صادق، يبدو انهم تعلقوا بك بسرعة.
تورد وجهي بخجل: يسعدني أن اعرف هذا، ظننت بأن عودتي لهنا لن تشكل فارق لديهم.
كريس لم يكن هناك.
لم أعلق فأكملت متنهدة بيأس: مع أنني أردت رؤيته والتحدث معه بشدة. أخبرتني عمته كلوديا بأن النقاش معه سيكون عقيماً ولا داع للقلق بشانه.
همست على مضض: إنها محقة. إنه مجنون مرفوع عنه القلم لا تكلفي نفسك عناء مناقشته في شيء فهو المنتصر دائماً.
أردفت بإستيعاب: مهلا. تتحدثين معه لماذا؟ أقصد بشأن ماذا!
ما هذا السؤل الغبي؟!
رمقتها بإمتعاض فأكملت بملل: بشأنك بالطبع، أشعر بأنه بحاجة ماسة للحديث معنا بأمور عدة.
هاه؟ وما الذي تريدين قوله له بشأني!
تغيرت نظراتها للجدية وهي تقوم بإكمال ما تعده من الطعام متمتمة: شارلوت، دعيني أقول لك بأنك لا تعرفين مصلحتك تماما!
أضافت بجدية: عندما تحدثت مع ماكس بالأمس أنا ووالدك نظرنا في أمركما معاً واتفقنا نحن الثلاثة على أن عودتكما إلى بعضكما أمر في غاية الأهمية.
اتسعت عيناي مرددة بذهول: ماذا؟
لا أقول بأنني أجبرك، ولكنني أقول لك أنه من الضروري التفكير في الأمر.
بدأ الغضب والغيض يجتاحني ولكنني همست بصوت منخفض حاد: مرحباً يا أمي؟! بعد كل ما قلته لك! ما الذي تقولينه فجأة! لقد كنتِ في الأمس ترين بأنه من الضروري إنهاء هذا الزواج ما الذي حدث لك! تقولين بأننا سنعود ثم أفكر بالأمر! ما هذا؟ أنا من عليها ان تقرر ما يجب فع.
لا يجب أن تقرري شيئا.
ادهشتني النبرة المتألمة في صوتها فاقتربت منها بقلق وحيرة، ولكنني أظهرت انزعاجي باعتراض: أرجوكِ، إنها حياتي أنا!
شارلوت، لا فكرة لديك عما أعانيه منذ وفاة باتريشيا.
أردفت بعين دامعة: دائما ما أسمع صوت ما يقول، إن لم تكوني قادرة على إسعادي في حياتي، فأسعدي ابني بعد مماتي! لم أرى كريس بعد، ولكنني أفهم ما يمر به تماما، لم أسمع منه شيئا ولكن لدي فكرة عما يريد قوله! علمت من ماكس بأنه كتوم وعلاقته سيئة معه ومن النادر أن يتحدثا معا، سوى في أمور عملية ورسمية جداَ، هذا مؤلم يا شارلوت، ماكس أحب باتريشيا كثيرا، ولقد ظلمه كريس بشأنها! ما الذي فعله ماكس ليستحق هذه المعاملة من كريس؟ وما الذي فعله كريس ليعيش هكذا! أنا مشتتة جدا ولا فكرة لديك عما يجول في خاطري مشاعري متخبطة بشكل لا يُصدق.
أضافت بنبرة باكية: أريد أن اعتني بكريس، أريده أن يشعر بأنه في مقام سام وإيثان! عليه ان يشعر بأن شخص ما قادر على تعويضه. هذا أقل ما يمكنني فعله بعد ما حدث لباتريشيا بسبب فعلتنا نحن الثلاثة.
تأثرت كثيرا بكلمات أمي تلك! ولا سيما وان صوتها المرتجف بات مبحوحا وكأنها تسيطر على نفسها بصعوبة. أعلم بأنها تشعر بالندم وكذلك أبي والسيد ماكس. ولكن زواجي من كريس ليس حلاً أبداً! على أن أتخلص منه ولو كلفني هذا أصعب الطرق وأكثرها جنوناً.
ليس بعد ما حدث معه وبعد ما قاله لي! ومشاعري نحوه ستختفي مع الأيام انا واثقة من هذا!
استدرت اشعر بغصة شديدة محاولة أن أخفي ملامح اليأس والضعف ولكنني سرعان ما تسمرت في مكاني.
محدقة بإيثان الذي ينظر إلينا و عينيه الخضراوان متسعتان بدهشة!
بطريقة تلقائية تراجعت للخلف ببطء ونظرت إلى أمي بتوتر واستنجاد هامسة: أ. أمي.
نظرت إلى باستفهام واستوعبت وجود إيثان الذي لا بد وأنه سمع حديثنا للتو! ياللمصيبة!،
فما كان منها إلا أن تتنهد بعمق: شارلوت أكملي تحضير الطعام.
تقدم إيثان وهمس بنبرة مريبة: هل ما سمعته للتو. صحيح؟
أضاف بغضب مفاجئ أفزعني: ماذا تعنين بعودتها إلى كريس يا أمي؟ ما معنى هذا! كيف تعرفت عليه وعلى عائلته أصلاً! ما الذي يحدث بحق السماء!
عندما لم تجبه أمي تقدم نحوي وأمسك بذراعي بقوة فتأوهت مندهشة!
صرخ بغضب وقد ضاقت عينيه بسخط: لا تلتزمي الصمت يا شارلوت، هل ما سمعته للتو كان صحيحا؟ عن أي زواج كنتما تتحدثان! ولماذا تعرفون عنه هذا القدر من المعلومات؟!
حاولت إبعاده بقلق وانا استشعر كمية الغضب التي تصدر منه حتى أضاف بنبرته السابقة وعينيه الخضراوان تقدحان بالشرر والوعيد بحدة: تحدثي.
قلت وأنا أبعد يده بألم: توقف عن هذا رجاءاً!
ولكنه عاود يمسك بذراعي بقوة جعلت عيناي تلمعان بالدموع التي اوشكت على الانهمار، كنت أعلم بأنه سيغضب وها هو يحاول جاهدا تمالك نفسه ورباطة جأشه.
ماذا لو علم بالأمور الأخرى وبباقي التفاصيل إذاً؟
وضحي الأمر حالاً!
تدخلت أمي بحزم: إيثان دعها وشأنها!
ولكنه زمجر بإنفعال: هيا يا شارلوت تحدثي بسرعة! هل أكل القط لسانك؟ ما الذي تخفينه عني بحق الإله؟ أخبريني بأنني كنت واهما للتو وأنا اسمع عن انهاء زواجك من ذلك الداعر.
اذهلني ذلك اللفظ الأخير بقدر ما ادهش أمي التي همست بإسمه بغيض شديد وعدم تصديق!
ولكنني تأوهت وصرخت محاولة إيعاد يده: أصابعك ستخترق ذراعي ارحمني قليلا!
أجفلت وأنا أشعر بيد أخرى تبعد يده بقوة، لم يكن سوى سام الذي وقف يحيل بيننا وقال بهدوء وجدية: على رسلك لا داعي للمبالغة هكذا.
عقد إيثان حاجبيه وعيناه الخضراوان تبدون غير مستوعبتان ليهمس بدهشة: أنتَ أيضاً! لا تخبرني بأنك على علم بما يحدث! ما الذي يجري هنا، ما الذي تخفونه!؟
هدأه سام رافعا كلتا يديه: ستعرف كل شيء ولكن توقف عن التصرف بهذه الطريقة انتَ تضخم المسألة كثيراً وتجعلها أصعب بالنسبة للجميع!
حدق إليه بعدم تصديق وكأنه شخص استيقظ من كابوس مفزع واكتشف أنه واقع! سلك السخط مجراه على وجهه مجددا وبلل شفتيه بشيء من الإرتباك ونظر إلى بعين متوعدة فانتفضت بتوتر وقلق.
شعرت بأنني مشتتة كثيراَ. لم أكن أتمنى رؤيته غاضبا هكذا. ولكنه كان سيعلم عاجلا أم آجلاً!
همس متمالكا نفسه: ليشرح أحدكم حالاً!
أكمل متسائلا بتشتت: وأنا الذي تساءلت عن سبب وجودها هنا! هل لمجيئها علاقة به وبزواجك منه؟
أملت برأسي بتردد شديد ففغر فاهه وكأنه كان يرجوا ألا أجيب بنعم! بعثر شعره بغضب فلم أجد سوى أن أقف خلف سام مباشرة بترقب.
تفاجأنا به يركل الكرسي بقدمه هامسا: اللعنة عليه.
أضاف وهو يخرج من المطبخ هامسا بصوت أجش: لماذا أختي بحق الإله.
سمعنا صوت الباب الذي فتح ثم أُغلق بقوة، وعلمنا بأنه خرج من المنزل.
وبذلك تفاجأت بنفسي أبكي بصمت وبيأس شديد.
أنا مندهشة كثيرا من ردة فعله.!
لماذا هو خائف بشأن كريس إلى هذه الدرجة وهل يستحق الأمر كل هذا الإنفعال حقاً؟
شعرت بيد أمي التي احاطتني فعانقتها بصمت وبعين دامعة.
ينتابني شعور سيء.
وضع سام يديه على خصره متنهداً بلا حيلة: كان سيعلم بالأمر حتى لو تعاونا على إخفاؤه.
همست امي مداعبة شعري: لا بأس، سيتفهم الأمر لاحقا يا شارلوت.
اتجه سام للثلاجة وفتحها متمتما بهدوء: اعتقد بأنه عليك استغلال هذا الزواج لإعادة المياه إلى مجاريها بدلاً من انهاؤه وتهويل المسألة أكثر مما تستحق.
نظرت إليه منصتة لما يقول ليخرج علبة عصير مردفاً بسخرية: اصبح وضعكم مزريا بحق، كريس ارادك زوجة له ليحاول حرق أعصاب امي وأبي عليكِ ولكنه لم ينجح إلا ان الزواج لا يزال مستمراً فما الذي يفكر به تحديداً؟ إيثان حاول جاهدا ابعاد كريس عن عائلتنا ظننا منه بأنه بهذه الطريقة سيقينا أفعال كريس. بصراحة انتم تبالغون كثيراً! ولا سيما إيثان.
اردف متجها لباب المطبخ ليخرج: ليس وكأن كريس وحشاً وسيلتهمنا. ربما إيثان من بالغ في التفكير منذ البداية. أو لنقل بأن تخليه عنه في حادثة الإختلاس وتوجيه اصابع الإتهام نحوه ظلما جعلته يكن الضغينة لزوجك الأحمق.
اتسعت عيناي احدق إلى الفراغ بتشتت وشرود.
سمعت أمي تأخذ شهيقا عميقاً وتقوم بتعديل وضعية الكرسي الذي ركله إيثان. ثم جلست عليه متمتمة بتفكير: سام محق. إنه الوحيد الذي لا يتحيز لطرف معين. كريس يحمل في قلبه حقداً تجاهنا منذ طفولته ولكن إيثان خلط بين الأمور كثيراً وبالغ في رسم صورة سيئة تخيلية عن كريس. وما زاد الطين بلة هو تخليه عن ورطة إيثان عندما كان بحاجة ماسة لوقوف شخص إلى جانبه. ما الذي علينا فعله يا الهي.
أضافت بتردد: شارلوت فكري جيداً بشأن زواجك منه. هل عليك انهاء هذه العلاقة حقاً؟
مررت اصبعي السبابة والإبهام بين حاجباي بسبب الصداع الشديد الذي أشعر به اثر وقوعي تحت ضغط ما حدث وصراخنا قبل قليل.
وحينها قلت بضعف: سأصعد إلى غرفتي.
أومأت دون اعتراض ثم قالت مفكرة: سأتصل به لأرى إلى أين ذهب تحديداً. لقد عاد للتو فقط. من كان يعلم بأنه سيفقد أعصابه هكذا!
سحبت قدماي بصعوبة لأصعد الدرج، لمحت سام الذي كان يعبث بهاتفه في غرفة الجلوس ويبدو مسترخياً مريحا رأسه كالعادة حين تقع أي مشكلة. هو الوحيد الذي يجيد انتزاع نفسه من أي مشكلة حتى لو كانت تخصه! بل أنه يتعامل مع الأمور التي تعرقل حياته كشيء عابر لن يترك أثراً. أحسده على برودة أعصابه وحكمته في مواقف كهذه!
صعدت لغرفتي واستلقيت على سريري بوهن.
حتى وهو بعيد يتسبب لي بالمشكلات! ومع من؟ مع إيثان شقيقي الأكبر!
كم كنتُ مندهشة لما تسرده تيا بشأن صداقتهما والطريقة التي تطورت فيها علاقتها. بل واكتشافي لبعض الجوانب في شخصيتها لم أكن لأتخيلها.
ولكنني لا زلت أراه ذو شخصية معقدة صعب الفهم. الشعور الأدهى الذي يسيطر على من الصباح هو الخيبة التي جعلت نفسي المحطمة تمتلئ بالإحباط الشديد جراء مكالمته تلك.
تذكرت الأمر لأمد يدي أسفل الوسادة أنظر للهاتف وهنا كانت الدهشة!
يوجد رسالتين قد أرسلهما وثلاث مكالمات فائتة. إلى أي مدى هو عنيد بحق السماء؟
استلقيت على بطني لأقرأ الرسالة الأولى أتعتقدين بأنكِ تهربين مني بتجاهلك اتصالاتي؟
زميت شفتاي بتوتر واسرعت أفتح الرسالة الثانية أنتِ زوجتي أيتها الثعلبة، لا تنسي هذا
ثعلبة!
لماذا لا يزال يشير إلى بالمكر! يا الهي ارحمني لم أعد أحتمل تسلطه المزعج هذا. تجرأ على إظهار وجهه لي بكل براءة متناسيا أفعاله بل ويقول لي بكل بساطة لما لم تأتِ إلى بالأمس!
هو بالفعل مختل يعتقد بأنه قادر على تحطيم كبريائي وارغامي على التنازل أمامه.
لن أتنازل ولو وقف العالم ضدي. فأنا لازلت أفكر في طريقة أكسره فيها وأجعله يدفع الثمن.
لن أنسى ذلك الإتفاق بيننا والذي كان مفاده انني سأُعتبر خاسرة لو بكيت أمامه. لم أبكي أمامه بالفعل ولن أتجرأ وهذا يعني بأنني قريبة لتحقيق هدفي، فأنا لن يغيب عن ذاكرتي ما قاله بشأن النتيجة التي تعني اعتذاره لي ولعائلتي جاثيا على ركبتيه لو هزمته في ذلك الإتفاق الغبي.
غريب أن ينتابني نحوه الحقد والكره ولكن سرعان ما يُطفئ عندما اتذكر ملامح وجهه المزعجة! فهمت جيداً بأنه لا ينبغي أن تكون هناك أسبابا منطقية للحب. ولكن الحب مع كريس يعني أنني فقدت عقلي أنا الأخرى وعلى أن أسترده!
تيا:
لا يمكنني تصديق عيناي!
لازالت يداي ترتجفان منذ ان تقابلت أعيننا! لست قادرة على السيطرة على نفسي بل أنني قمتُ بوضع صوت الأغاني في أعلى مستوى ظنناً بأنها ستخفف من توتري. ولكن قيادتي السريعة والمتهورة بتجاوز كل السيارات دليل كافي على أن الإرتباك والحنين قد تمكن مني تماماً وأسرني.
بل أنني واثقة بأن عقلي وروحي لازالت في منزل شارلوت حتى الآن بعد رؤيته عن قرب بعد كل هذه السنوات!
ولكنه قابلني بذلك البرود المخيف وبدى منزعجا جداً لوجودي.
بالطبع سيكون كذلك فما الذي توقعته غير هذا؟! فأنا الوحيدة التي خفق قلبها بجنون في كل لحظة كانت عينه الخضراء تطرفان فيها! مع أنني كنت مكروهة فيهما ولكنني لن أنسى أبداً أنني كنتُ ذات يوم مميزة وخاصة فيهما بل وغُمرت بأكبر سيل من الكلمات اللطيفة والتي لا أعتقد بأنها ستتكرر مرة أخرى!
مازال كما هو. لم يتغير ولو قليلاً! وكأن أخر مرة قد رأيته فيها كانت قبل ساعات فقط.
بصراحة لم استبعد ذلك الاستقبال الجامد والحاقد منه. ربما لو تصرف بطريقة أخرى، الطف مثلاً.
لشعرت بخيبة أمل.
فأنا أستحق هذه المعاملة. بل أسوأ بكثير!
تنهدت وفتحت النافذة كاملة ليداعب الهواء شعري الأصهب القصير. كنت قد خرجت من حدود المدينة بعد فترة. وبدلا من التوجه نحو الطريق العام المؤدي إلى منزلي.
اتجهت لمسار آخر تماما! وخلال قيادتي لم أستطع طرد صورته من عقلي.
لم ولن أستطع على ما يبدوا!
إيثان.
رددت إسمه في عقلي لترتخي ملامحي وتستاء كثيراً.
خلال أشهر قليلة فقط قبل عدة سنوات كان لإيثان يد في التأثير على شخصيتي بشكل واضح. ثم تعلقت به طيلة السنوات التي أمضيتها معه، بل وكنت أكثر فتاة محظوظة حينها! إيثان شخص لن يتكرر في حياتي أبداً.
شعرت بالغصة الشديدة فمررت يدي على عنقي باتجاه حنجرتي مخففة هذا الألم.
بعد فترة، وصلتُ إلى الشاطئ، واتجهت بسيارتي نحو ذلك المنزل المطل عليه.
أوقفت سيارتي وترجلت منها متحركة بخطوات سريعة متوترة، داعب النسيم البارد خصلات شعري فأبعدتها عن وجهي.
اتجهت نحو الباب وطرقتُ عليه، وعندما لم أسمع ردا قمت بالضغط على جرس المنزل عدة مرات. وانتظرت قليلا ولكنني لم اتلقى رداً كذلك!
حركت المقبض فتفاجأت به مفتوح!
هذا المهمل!، كيف له أن يترك الباب مفتوحا هكذا.
دخلت وأغلقته خلفي لأراه أمامي على اليسار قليلا وهو يشرب من الكأس بملل جالسا على أحد الكراسي عند طاولة التحضير.
تساءلتُ بحدة: لماذا لم تفتح الباب إن كنت قريبا هكذا!
ولكنه تجاهلني بعد ان رمقني بنظرة خاطفة وعاود يسكب لنفسه في الكأس مجدداً، أي شخص أحمق سيشرب النبيذ في وقت كهذا بحق الإله؟
ولكنني علمت بأنني الحمقاء الأخرى، إذا اقتربت لأجلس على الكرسي المجاور له وسكبت لنفسي بكأس أخرى وارتشفت بسرعة وبدت حركاتي مرتبكة.
لن يخرج من عقلي! لن أستطيع. ليس بعد ان رأيته مباشرة!
علي أن أتجاوز الأمر وأن أسيطر على نفسي.
قلتُ أنتشل نفسي من التفكير به: أعلم بأن المكان هنا آمن ولكن لا يجدر بك ترك الباب مفتوحاً هكذا طوال الوقت.
تناول قارورة النبيذ الزجاجية بعيداً عني ليسكب لنفسه وعيناه العسليتان تحدقان إلى الفراغ بتركيز، رمقته متنهدة: اسكب لي القليل.
أتذكر بأنكِ ضد فكرة احتساء النبيذ في وقت كهذا.
عضيت على شفتي بغيض: أنا ضدها. ولكنني بحاجة إليه.
قلتها وأنا ارفع جسدي لأخذ القارورة فنظر إلى بتمعن وتساءل أخيرا: ما خطبك؟
أجبته اعيد خصلات شعري خلف أذني: كنت سأسلك السؤال نفسه. تبدو هادئا وغريباً.
نفي برأسه وظهر على وجهه الغيض ولكنه لم يعلق فاستسلمت لأهمس بضعف: لقد كنت في منزل شارلوت.
اسرع ينظر باتجاهي باستغراب شديد لثوان فقط قبل ان يبتسم بسخرية: ياللعجب.
أعلم أن الأمر يبدو غريباً. الن تسألني عما فعلته هناك؟
أسند كف يده على وجنته محدقا بالباب الزجاجي نحو البحر وتمتم: ولماذا ينبغي أن أفعل؟!
الست مهتما ب.
لقد كنت ُهناك بالأمس.
اتسعت عيناي قليلا مرددة: كنت هناك؟ ظننت بأنك اكتفيت بمكالمتها بالهاتف فقط!
يبدو أنها ثرثرت معك.
لقد كانت تبدو غاضبة، ما الذي قلته لها بالضبط!
احتدت عيناه ورفع الكأس نحو فمه هامسا بحقد: تلك الماكرة. أقطع تلك المسافة لأذهب إلى منزلها وبكل وقاحة تأخذ بيد جارها اللعين لتدخله إلى منزلها. بل وانتظرت وقتا طويلاً ولم يخرج من هناك. تعتقد بأنها ستفلت مني بعد فعلتها هذه.
إنه جارها لا داعي للمبالغة هكذا!
سلك الغضب مجراه على وجهه ووضع الكأس على الطاولة مصدرا صوتا قويا: هو لم يخرج من منزلها!
ثم بلل شفتيه وقال بتوعد: وتجرؤ على إدخال شخص غريب ليتضح أنه قضي الليل بأكمله هناك، لقد كنت أمام منزلها حتى وقت متأخر وفي كل مرة كنت أظن بأنه سيخرج. أنا أعلم جيداً بأنني لو رأيته فسأقلب حياته رأساً على عقب.
تمتمت على مضض: لا يمكنك لوم أي شخص آخر. أنت من طلب منها الرحيل.
وقف مبتعدا عن الكرسي ليتحرك ذهابا وإيابا ويقول متمالكا نفسه: حتى لو طلبت منها الرحيل لماذا كان عليها أن ترحل ببساطة وكأنها لم تكد تصدق ذلك! لم أملك أدنى فكرة أنها كانت تنتظر فرصة تسنح لها بالرحيل فوراً.
أردف بصوت أجش: كان من المفترض أنها افتقدتني!
ثم مرر يده على جبينه مغمضا عينيه: ستفقدني عقلي.
استندت على الطاولة انظر إليه بملل.
متسائلة فقط إلى متى سيعتقد بأنه من الرائع ارتداء قناع مزيف كهذا ويكبت كل شيء في نفسه؟
عندما لم يقل شيئا واستند على طرف الطاولة همستُ بأسى: لقد رأيت إيثان قبل مجيئي إلى هنا.
نظر نحوي وعينيه العسليتان تلمعان بشيء من الإستنكار ثم سرعان ما بدى التضايق على ملامحه ولم يعلق. وإنما ارتشف من الكأس بصمت.
فقلت أخفي انزعاجي بهدوء: لقد كان ينظر إلى بحقد دفين يا كريس.
بالطبع سيفعل.
ينتابني شعور بأننا مجرد. مجرمان!
ابتسم ابتسامة جانبية ساخرة: تحدثي عن نفسك يا تيا.
إلى أي مدى أنت عنيد! كريس لقد اعترفت بخطئي وحاورت عقلي في هذا الأمر، نحن بالفعل مخطئان في حقه وأنت تعلم هذا.
غريب، أنت تبدين إهتماما نحوه مجددا.
أضاف بإستخفاف لاذع: ألا زلت تحبينه؟!
تورد وجهي وأطرقت برأسي قليلاً ولكنني رمقته بحدة وإنزعاج فتمتم بتبرم وتثاقل شديد: ما الذي كنت تنتظرينه؟ أن يسعد بوجودك؟ أن تنتظريه ليمنحك الفرصة لترتمي في أحضانه مثلاً؟ أنت بالفعل ساذجة مغفلة!
كلامه. مؤلم كثيرا!
مازال يقول أمور كهذه وهو يعلم جيداً بأنني كنت ولازلت أحب إيثان!
همست ببرود وجفاء: لم أكن أخطط لكل هذا، ولكنني كنت أنتظر أن أسمع بأن إيثان تلقى اعتذارا من شخص ما.
وهذا الشخص هو أنا بالطبع؟
ضحك بخفوت فامتعضت بشدة: توقف عن السخرية! أنا أتحدث بجدية الآن، لقد عاد إيثان وربما لن نحصل على هذه الفرصة مجددا! ثم الست مهتما بعودة شارلوت إليك؟ لماذا لا تكسب الاثنان معاً إذاً؟ ع.
قاطعني بملل: إن أردت الاعتذار منه فاذهبي وافعلي ذلك ولكن تحدثي عن نفسك وحسب، اعتذري له قائلة، آسفة يا إيثان كان على أن أقف في صفك وأدافع عنك، آسفة لأنني غدرت بك، وخيبت أملك ووقفت إلى جانب ذلك الوغد كريس، لنعد و.
قاطعته بعصبية: لا فائدة من الحديث معك! لماذا تقول هذا!
أضفت بضيق: توقعت أن تدعمني في أمر كهذا ولكنك.
إلا أنني بترت كلماتي وبعثرت شعري أخفي وجهي بعيدا عنه.
لقد أردت منه أن يشجعني على خطوة كهذه. انه يعلم بأنني لا أتحرك بدونه!
وكأنه يستغل الأمر. ولكن ما الذي سيجنيه من كل هذا؟
أنا أعلم جيدا بأن شارلوت بالنسبة له فتاة خاصة جداً، وأعلم بأنه نادم على ما فعله بإيثان، وأدرك بأنه يريد أن يساعدني في الاعتذار.
ولكن كلماته الآن تثبت العكس تماما! بل وأنني أشعر برغبة في الضحك كلما تذكرت أنني تخيلته سيدعمني!
نظرتُ إليه وهو يخرج هاتفه من جيبه وينظر إلى الشاشة بإندماج وكأنه لم يرمي بسهام مسمومة قبل قليل، همست بهدوء: أتظن ان وضع كلارا في السجن سيصحح الأمر؟
أكملت بغيض: أتعتقد بأنها المسئولة عن كل هذا؟
لا.
قالها ببساطة ولا يزال يعبث بالهاتف.
أنا أفهم تصرفاته.
أعلم بأنه منزعج ومتضايق عندما يتظاهر باللامبالاة هكذا! لماذا يرفض الحديث إلى بحق الإله؟ إلى متى سيرفض مشاركتني ما يجول بخاطره! ألا يدرك بأن هذا يؤلمني كثيراً؟ أنا حقا أتمزق بداخلي!
كريس.
رمقني بطرف عينه فسألته بقلق عاقدة حاجباي ومبتعدة عن الطاولة قليلاً: لماذا تضح حاجزا بيننا؟
لم يجب بل قطب جبينه ثم عاود ينظر لشاشة هاتفه فقلت بتهكم: كف عن تجاهلي واستمع إلى وافهم ما أحاول قوله.
لستُ أبني حاجزا وما شابه.
أردف بعصبية: ولكنني لا أريد التحدث عن هذا الأمر مجددا، على الأقل ليس الآن! يكفي أن سليطة اللسان تلك تجاوزت حدودها ونجحت في استفزازي بل وأغلقت في وجهي!
أضاف هامسا بحدة: ثم ما الذي تنتظرينه مني؟ أن أكون وسيطا للعلاقة التي كانت تجمعك بذلك الخائن؟ لا تضعيني في موضع الإستشاري تعلمين بأنني لن أفعل أمراً كهذا. وإن كنت تعتقدين بأنني سأعتذر له فأنت واهمة وعليك التماس الواقع قليلاً. هذا الوغد ظل يخدعني منذ البداية حتى اكتشفت الأمر صدفة كما تعلمين. أنا لا شيء في نظره سوى مجنون مولع بفكرة الإنتقام و يجب الحذر منه.
ولكنني. ولكنني خذلته!
هذا لا يعنيني.
تقول لا يعنيك! من أنا بالنسبة لك بحق السماء! ألا تهتم لما أشعر به تجاه إيثان حتى الآن؟
رمقني بطرف عينه بهدوء ثم مرر يده في شعره بلا اكتراث، وضع هاتفه على الطاولة ثم اتجه للثلاجة فقلتُ بغيض شديد: من المفترض أنك الشخص الذي سيتفهمني!
كان يبحث بين الأكياس والعلب في الثلاجة متمتماً: لم أجبركِ على الوقوف في صفي حين وقعت حادثة الإختلاس تلك. كنتِ مخيرة ولكنك اخترت أن تخذليه لذا لا تلقي بأخطائك علي.
ألجمتني كلماته القاسية عن الكلام وتسمرت في مكاني بعدم تصديق!
ظل كتفاي يرتجفان دلالة على رغبة عارمة في الصراخ والبكاء ولكنني تمالكت رباطة جأشي وعاودت أجلس على الكرسي بانهيار محاولة تجاوز كلماته.
في ذلك الوقت كنت في أصعب موقف ممكن!
كنت مخيرة بين كريس وبين إيثان الشخص الذي أحببته وأحبني! ولكنني اخترته هو وتخليت عن إيثان وأنا على علم ويقين بأنه لن يقوم بحيلة قذرة كالإختلاس.
وهذا ما يجازيني كريس به الآن!
احتضنت نفسي أهمس بعين ضيقة: لقد خذلته بالفعل لأنني قررت الوقوف إلى جانبك أنت. خسرته لأنني اردت الحفاظ على علاقتي بك. شكراً جزيلا يا كريس على تقديرك لما فعلته لك حين كان هو في أمس الحاجة إلي.
سمعت صوت إغلاق الثلاجة بقوة ووقوع الأشياء بداخلها وصوته المتهكم يقترب: ماذا عنه هو؟ على الأقل كنتُ التزم الصمت ولم أخيرك بشيء في حين خيرك هو بيني وبينه! ماذا تسمين فعلته إذاً؟ ومن الذي قرر ترك الآخر؟ اليسَ أنتِ؟ أكره لومك ولكنني في تلك الحادثة قررت ألا أتدخل في علاقتكما بالرغم من شعوري العارم في إذلاله. كنتُ أعلم جيداً بأنه سيخرج من الموضوع بفضل تدخل ماكس في الأمر لذا أردتُ الإستمتاع قليلا وخوض حرب مؤقتة معه واتهمته في تلك القضية. ومع ذلك وقفت بعيدا تماما عن علاقتكما لأنني لم أكن أريد إيذاءك بأي شكل من الأشكال على عكسه هو! من يظن نفسه عندما يخيرك بين صديق طفولتك وبينه؟ ثم أنظري إليكِ أنتِ.
وقف أمامي مباشرة بحدة واسترسل: كنت تدركين كل شيء. تعلمين بأنه لم يختلس أموالاً وتعلمين بأنني كنت حينها أكرهه بشدة ولازلت، بصراحة أعترف بأنني استبعدت ان يقوم إيثان بأمر كهذا ولكنني في الوقت آنه شعرت برغبة في توريطه في القضية مهما كلفني الأمر، ولكنك اخترت الوقوف في صفي، بماذا تبررين فعلتك! بأنني من أجبرك على ذلك؟ لا أتذكر حرفا واحدا خرج من فمي يرغمك على تركه!
دمعت عيناي أحدق إليه بدهشة وألم! أعلم بأنني خذلت إيثان. ولست ألومه على توجيه نظرات الحقد نوحي!
ولكن خوفي من خسارة كريس جعلني اتهور واقف إلى جانبه وأدوس على مشاعري!
لا أحد مخطئ سواي ولكن. هل كان من الضروري ان يقول هذه الكلمات القاسية الآن؟
ارتجفت شفتاي وانا أهمس ببكاء وقد عقدت حاجباي بإستياء: أنتَ تعلم بأنك تعني لي كل شيء! لا أحد أجبرني على التخلي عن إيثان ولكنني. ولكنني خفت أن أخسرك! هل انا حقيرة إلى هذه الدرجة عندما خشيت أن تبتعد عني؟
بدأت أبكي بخفوت فأسرعت أضع يدي على فمي وأغمضت عيناي بقوة ولكنني أكملت بصوت مبحوح واهن: لطالما كنت أخي وصديقي وعائلتي. انتَ كل شيء بالنسبة لي إلى درجة أنني تناسيت مشاعري نحوه. ولكنك أكثر من يعلم كم أنا نادمة منذ تلك اللحظة! بل أنني أعيش على ذكراه فقط ولا حق لي في السؤال عنه او لفظ إسمه بعد فعلتي تلك. ولكن. لو كنت في نظره خائنة مخيبة للأمال فعلى الأقل أنظر إلى كمخلصة وفية بالرغم من الظروف!
تعالى صوت بكائي وأنا لا أزال أجلس على الكرسي لافشل في السيطرة على نفسي: لقد عملت جاهدة لتوطيد علاقتي بك وعندما نجحت أخيراً لازلت تشعرني بأنني منافقة لا حق لها في البوح لك بما يضايقها! نعم أحببته ولازلت كذلك وأعلم بأنه بات يكرهني كثيراً ومع ذلك لا أستطيع التوقف عن حبه!
انهيت كلماتي لاشعر به يقف امامي مباشرة وامتدت يده إلى ليجذب رأسي ويريحها اسفل صدره، مرر أنامله في شعري هامسا: حسنا يكفي. اعلم بأنني بالغت. لا يمكنك لومي فشقيقته أفقدتني اعصابي تماماً. انظري إليكِ! لازلت تحبين ذلك الأهوج، الا تعتقدين بأن عائلتهم عصابة خطيرة بحق؟
ضحكت رغما عني من بين دموعي، رفعتُ يداي لأمسك بقميصه وادفن وجهي في صدره فأردف متنهداً وقد بدأت يده تربت على كتفي: هل ستكونين راضية بعد الإعتذار له؟ هل ستجنين شيئاً مفيداً بعدها؟
الإعتذار لن يكون كافيا ولكنه أقل ما أستطيع فعله له.
إياكِ والبكاء بعدها وإزعاجي بعد رفض إعتذارك لأضطر إلى أخذك للمنزل وانظف نفسي متخلصا من قيئك النتن على ملابسي.
اصدرت ضحكة عفوية ساخرة وابتعدت عنه امسح دموعي: لن أفعل. أعدك بأنني لن أثمل لو تم رفض إعتذاري، سأحاول فقط وسأفعل ما يمكنني القيام به.
مرر يده خلف عنقه بهدوء: سنرى إلى أي مدى ستدوم هذه الثقة.
توقف عن محاولة تحطيمي منذ البداية. بالمناسبة، شارلوت بدت منزعجة جداً وأعتقد بأنه آن الوقت لتغير مجرى الأمور بعقلانية بدلا من تهديداتك الفارغة.
ثم أخذت منديلا أمسح به ظل العيون الذي ساح بسبب دموعي وأضفت: كلانا يعلم جيداً بأنك لن تمسها بضر أو سوء.
صدقي أو لا ولكنني بدأت بالفعل أفكر في طريقة مناسبة لتعذيبها بجدية بل وأنني غارق بالتفكير فيما سأفعله لأجعلها تدفع الثمن وترجوني لأسامحها.
أنتَ مختل. ومع ذلك لن تضرها.
قلتها امدد جسدي بكسل ثم أضفت: أكثر ما يميزك هو اتقانك للكذب على نفسك لدرجة انك تعيش وهما وتصدق أنه واقع. لقد وضعتني تحت ضغط كبير وانا أضطر للتظاهر بأنني واقعة في حبك، لا تدري كم كان الأمر صعبا ومقرفا بالنسبة لي. صديق وشقيق وعائلة. ولكن حبيب؟ صدقا لا يمكنني تخيل الأمر.
قلت جملتي الأخيرة ضاحكة فابتسم بملل وقفز بخفة ليجلس فوق الطاولة واتسعت ابتسامته بخبث: لقد كانت تغار. تعتقد بأنني أحمق ومن الصعب قراءتها.
كريس أنت تتمادى معها أحياناً، لستُ الومها في مغادرتها دون عودة.
أردفت متنهدة بعمق شديد: كنت وقحة جداً معها وأحاول استفزازها في كل حين لأجل مخططاتك السخيفة. وما الذي تجنيه أنتَ من كل هذا؟ في الحقيقة لا شيء.
أصمتِ، أنتِ لا تفهمين شيئاً. إنها تحاول جاهدة كبت اشتياقها لي. ولكن سنرى إلى متى سيدوم كل هذا.
لا يمكنك أن تكون مغرورا بذاتك إلى هذه الدرجة؟ ثم لماذا أنت متناقض هكذا؟ قبل قليل كنت غاضبا وتقول بأنه كان يجدر بها ان تفتقدك والآن تتحدث بكل ثقة وتشير إلى شوقها إليك. كيف يعمل عقلك بحق الإله؟
تجاهل سؤالي ليقول مفكراً بإستنكار: أمرها غريب. أعترف بأن ردة فعلها لم تكن متوقعة بالنسبة لي. ربما هي أقوى بكثير مما ظننت. أغلقت الباب في وجهي، وكذلك الهاتف بل وجعلت أعصابي تنقطع واحدة تلو الأخرى إثر أقوالها المستفزة. ليتكِ سمعت نبرتها الساخرة حينها، إنها تعتقد بأنها ستبدو أقوى كلما كانت أبعد. ولكن سأترقب كيف ستتصرف عندما أريها وجهي مباشرة.
ارجوك يا كريس اتركها وشأنها! تلك المسكينة لا ذنب لها في أي شيء. اليس الأمر واضحاً؟ لقد حاولت اقتحام حياتها قبل سنوات ولكنك فشلت فلماذا لازلت عنيداً هكذا؟
رمقني بإمتعاض وكأنه لا يريد تذكر ما أشير إليه بكلماتي فأكملت بمكر: أتساءل كيف ستكون ردة فعلها حين تكتشف أنك من قبلها في ذلك الحفل قبل أربعة سنوات.
زفر بتهكم: أنتِ تبالغين.
لستُ كذلك. هل تراهنني بأنها ستتحطم تماماً عندما تكتشف أنك الشخص نفسه؟
لقد فعلت ذلك لأنني.
قاطعته بشيء من الحزم: لأنكَ أردت فرصة للتقرب منها وليس لإستغلالها. لا تعتقد بأنني لا أفهمك.
ضحك بخفوت هازئ: لا زلت تتفوهين بهذا الهراء؟ أتقرب ممن في ذلك الوقت؟ من فتاة قاصر لم تبلغ الثامنة عشر؟
تلك القاصر التي تدعي أنك خشيت التورط معها آنذاك قانونيا هي الفتاة نفسها التي ارغمتها على الزواج منك قبل أسابيع.
جمدت ملامحه واتضح ان جملتي تلك لم تعجبه البتة، أشاح بوجهه بجفاء شديد: اغلقي الموضوع خيراً لكِ.
إنها عادتك في الهرب من الحوار كلما شعرت بأنك ستُحشر في زاوية مغلقة. بالمناسبة محاولتك البائسة لربط هذا بغرضك بالإنتقام من والديها لن تجدي نفعاً معي.
أضفت أكتم ضحكتي: لأنك ذهبت إلى الحفل قبل أن تكتشف بأنها ابنة السيد مارك والسيدة ستيفاني، هذا يعني قبل اكتشافك لهوية إيثان بعامين. ثم كذبت على وأخبرتني بأنك تعلم بهويتها منذ مدة طويلة.
رفع حاجبه الأيسر وقال محذرا بصوت حاد: تيا لا تعكري مزاجي لأنك ستسمعين أموراً تبكيك كالحمقاء التي لم تبلغ الخامسة من عمرها.
رفعت يدي بلا اكتراث واشحت بوجهي بعيداً عنه. لقد أحكم قبضة يده بقوة دلالة على الغضب ففضلت ان التزم الصمت.
إنه مراوغ بارع بحق. في البداية صدقته عندما أخبرني بأنه على علم بهويتها ولكنني استوعبت لاحقاً في وقت متأخر جداً أنه اكتشف هوية شقيقها بعد عامين من تلك الحفلة! بل وكان سيواصل استغفالي لو لم أخبره بأنني اكتشفت الحقيقة بنفسي ولا داعي لخداعي أكثر.
هذا الأحمق لا أدري ما نوع الخلايا التي تسكن رأسه المتحجر، بالرغم من قدم معرفتي به إلا أنني لازلت أسأل نفسي حتى هذا اليوم.
كيف عرف شارلوت؟ ولماذا كانت في نظره تبدو فتاة مميزة خاصة؟
كل ما اعرفه أنه يكره والديها بسبب حادثة زفاف باتريشيا التي عاش معها كريس جحيماً قد انقضى قبل بضعة أعوام فقط.
مر على وفاتها قرابة الخمسة أعوام ونصف، أتذكر انها توفيت بعد ولادة جيمي بستة أشهر تقريباً.
لقد توفيت قبل العام الذي ترك فيه إيثان الشركة بعد تلك القضية المشؤومة التي تسببت بها كلارا المحتالة.
لن أنسى إلى أي مدى كان كريس متعبا طوال العامين منذ وفاتها وحتى وقوع مشكلة إيثان، ظل يقسم على الإنتقام وامور فارغة كثيرة ولم يكن يبدو بوعيه.
والأدهى أنه لم يحضر عزاء والدته بل اختفى وتوارى عن الأنظار مما جعل وسائل الإعلام تتحدث في الأمر كثيراً، والأهم هو خالته فيكتوريا التي شنت عليه حرباً لازالت بعض شراراتها مشتعلة إلى اليوم.
من الجيد أنها قطعت علاقتها به فأحيانا قطع العلاقات يكون حلاً لمعضلة.
تخليت عن أفكاري ونظرت إليه لأجده يحدق بشيء ما ويحاول التركيز، كان ينظر إلى الباب الزجاجي وحينها لمحتُ سيارة سوداء مألوفة.
ترجل شخص من المقعد الأمامي واتجه بسرعة للمقعد الخلفي ليفتح الباب لينزل شخصا آخراً.
لم أقم بتغيير أو ترطيب عدساتي منذ الصباح وهذا ما جعلني أعاني قليلاً لأحاول التركيز حتى همس كريس بحدة يجوبها استنكار: إنه هو! ما الذي يفعله هنا لست راغبا في أي جدال الآن.
ارتفع حاجباي وأدركت فوراً أن القادم ليس سوى السيد ماكس.
لمحت كريس يستدير بغية التوجه للدرج: أخبريه بأنني نائم. أو حتى قد فارقت الحياة أو أي عذر يخطر على بالك.
أسرعت نحوه بغيض وامسكت بذراعه بقوة: ما الذي تظن نفسك فاعل! أنت لم تقابله منذ خروجه من المشفى كفاك التصرف ببذاءة.
انتزع يده مني: لا رغبة لدي في الحديث الآن دعيني وشأني.
عاودت أمسكه بقوة أكبر معترضة: ولماذا عليه ان ينتظر حتى يعود صفو مزاجك، لا تكن سخيفا ووقحا، إنه متعب وبالرغم من مرضه سلك هذا الطريق.
حاول ابعادي عنه بغضب وبينما نحن نخوض هذه الحرب سمعنا صوت ثلاث طرقات على الباب.
إنه ينظر إلينا من خلف الباب الزجاجي مبتسما بهدوء شديد.
همست لكريس بحدة وانا ابتعد عنه: لقد فات الأوان على هربك إنه ينظر إليك.
زفر وقال بصوت خافت حاقد: تباً لكِ.
ابتسمت بانتصار واسرعت أفتح الباب للسيد ماكس الذي اشار لمايكل بأن ينتظره بالسيارة، ثم نظر إلى وقال مبتسما: صباح الخير. أو ربما مساء الخير، قارب وقت الظهيرة على أي حال.
فتحت فاهي لأحييه ولكن صوت كريس اقترب وهو يقول بتهكم: من الواضح أنني هنا لانه لا رغبة لدي في لقاء أحد، ما الذي تفعله هنا؟
انهى جملته واقفا خلفي فاستدرت انظر إليه بحنق وتهديد! تجاهلني وقد عقد ساعديه على صدره بحزم فنظر إليه السيد ماكس بنظرات متأملة مطولة.
آخر مرة رأى فيها وجه هذا الوقح كانت قبل اكثر من ثلاث اشهر. لست ألومه على وقوفه وشروده هنا أمامه!
عندما طال الصمت بينهما أسرعت اقول متداركة دناءة كريس: ت. تفضل واسترح سيد ماكس!
نظر إلى بامتنان ومر بجانبنا قاصدا وجهته للأريكة ليجلس فأسرعت أتساءل: هل أحضر لك كوب ماء؟ او عصير أو شيء ساخن؟
بعض الماء من فضلك يا ابنتي.
أملت برأسي و اتجهت للمطبخ التحضيري وعندما مررت بجانب كريس همست له بتحذير: والدك لا يزال متعبا إياك وتجاوز حدودك معه.
ولكن تحذيري أزعجه ليرفع يده يضرب رأسي بخفه فوجهت له ضربة بدوري أسفل ذقنه بغيض! وصلت عند الثلاجة لأخرج الماء واسكب للسيد ماكس في الكأس وأعود إليه.
كريس كان قد توجه للحائط بجانب التلفاز المقابل للأريكة التي يجلس عليها والده متكتفاً بوجه لامبالي.
أما ماكس فكل ما يفعله هو تأمله بشرود تام!
زميت شفتاي ألقي بعيناي بينهما وانا اضع الكأس أمامه على الطاولة حتى قلت بهدوء: حسنا سيد ماكس سأغادر لتتحدثا.
قلتها وانا اعتدل مستقيمة ليسرع نافيا رأسه: لا يا تيا. لا داعي لتغادري اجلسي بجانبي الموضوع يمسك انتِ أيضاً.
ارتفع حاجباي باستغراب: أنا أيضا؟
جلست بجانبه بحيرة فزفر كريس بنفاذ صبر: اختصر الأمر فأنا أرغب في الإسترخاء قليلاً.
نظر إليه والده بهدوء شديد: لقد كنتَ مسترخيا لأسبوعين كاملين. ما معنى تركك لابنك دون أن تراه؟
أشاح كريس بوجهه فأضاف ماكس معاتباً: الا تدري كم كان يسأل عنك؟ لماذا تفعل هذا معه؟ إن كنت لا تريد رؤيتي سأختفي عن وجهك ولكن قم بزيارته على الأقل والخروج معه! ما ذنب الطفل المسكين في مشاكلك الخاصة؟!
امتعض كريس بشدة وابتعد عن الحائط قليلاً: حسنا أيها الجد اللطيف أنا واثق بأنك قادر على تعويضه عن تقصيري في حقه. ولكنها الحقيقة التي ترفضها، لا أرغب في العودة إلى المنزل ولن أستطيع العناية به وحدي هنا.
يا بني لا تفعل هذا مع ابنك حتى لا تندم مستقبلاً! سيكبر جيمي وسيعتاد على فراقك ولن يكون لوجودك أهمية! ألا يشكل هذا فارقا لديك؟!
اعقب جملته بصوت متعب: أي كذبة ستختلقها عندما تراه؟ ما نوع الأعذار التي ستقوم بتسويغها له؟
رسم كريس ابتسامة ساخرة على ثغره وتحرك ليجلس على طرف الأريكة المقابلة على مسندها وقال بتهكم: لستَ في موضع يسمح لك بتقييم علاقتي بابني. أنا مهمل في حقه ولكنه على الأقل لا يعيش وهماً معي كالوهم الذي جعلتني أعيشه مع أمي. هو يعلمُ أيضاً بأنه لا أم له ويعلم جيداً بأنني أحبه بالرغم من اهمالي. هذا ما لم التمسه معك كما تذكر. لم أقم بصنع امرأة ذات نفسية مدمرة وأقودها للجنون لتحطم ابني كما فعلت يا ماكس. لم أقم بجر امرأة إلى الظلام وأقودها للجنون لتفرغ غضبها في ابني.
اردف بحقد: نعم أنا لستُ جيداً في التعبير عن مشاعري معه ولكنني أرفض أن تتدخل في علاقتي به.
زميت شفتاي بقوة انظر إليه بتحذير: كريس يكفي، انتقِ كلمات افضل!
ولكن ماكس تنهد: لا بأس. لا بأس.
ثم اعتدل قليلاً في جلسته وفي عينيه نظرة ألم عميقة، نظر للأرض للحظات حتى تساءل بيد مرتجفة: إلى أي مدى أنت لا ترى أن لي فرصة أخرى لتعويضك عما سبق؟
تظاهر كريس بأنه يفكر فاستفزني ذلك كثيراً! إلى أن أجاب يكبت سخريته: شكرا جزيلا لا أريد تعويضاً.
ثم رفع يده مشيرا إلى رأسه بحركة دائرية: اعتبرني مجنون وقح لا يجيد التعامل مع ابيه وهكذا ستخفف الأمر عن نفسك.
صرخت بإسمه بغيض فرفع ماكس يده يهدُئني! سيتجاوز حدوده أكثر من هذا لو واصل الثرثرة!
قال ماكس مبتسما بمرارة: إنه موضوع عقيم كالعادة. حسنا لا بأس دعني أخبرك بما أتيت لأجله تحديداً لأريحك من النظر إلى وجهي.
لم يعلق كريس فبللت شفتاي بشيء من التوتر وانا التمس الحزن في صوت والده!
لا يجب أن يكون قاسيا هكذا معه. لازال والده على قيد الحياة وعليه ان يعطي لكلاهما فرصة البدء من جديد! الحقد لن يأتي بنتيجة بل سيعمي بصيرته فقط!
تحدث ماكس وقد بدأ يكون جاداً: بالأمس قابلت والدا شارلوت، ستيفاني ومارك.
قطب كريس حاجبيه وبدى مندهشا اما أنا فارتفع حاجباي متذكرة بأنني لم أخبره بالأمر!، لا بد وأنه يعلم ان منزل شارلوت كان خاليا بالأمس ولكنه لم يتوقع ذهابهم إلى منزل العائلة.
أكمل حديثه: تحدثا معي حول موضوعك انت و شارلوت، زواجكما الذي حدث فجأة كما تعلم!
ثم صمت قليلا ينتظر ردة فعله ليردف بإهتمام: ألن تسألني عما تحدثنا حوله بالضبط؟
لستُ مهتما إلى هذه الدرجة كما تظن! لقاء الأصدقاء القدامى والمقربون لن يخلوا من جلسة إحياء الماضي والذكريات الجميلة. بالمناسبة هل كان في ذكرياتكم وجوداً لأمي؟
كريس أرجوك. إنني أرجوك فقط لتجعلني أتحدث إليك بصورة طبيعية ولو لمرة واحدة في حياتنا! أنت في السابعة والعشرون ولم أحظى يوماً بنقاش هادئ معك! ألا يمكنني ذلك حقاً ولو لخمس دقائق؟
قالها ماكس برجاء ونبرة متألمة مُرهقة بشدة وهو يعقد حاجبيه فاخفضت رأسي بأسى، رمقه كريس للحظات ثم أشاح بنظره بعيداً.
اخذ والده كأس الماء ليرتشف ثم قال: ما توصلنا إليه أن زواجكما ليس بالضرورة أن ينتهي.
ابتسم كريس بملل وثقة ولكن تلك الإبتسامة سرعان ما تلاشت ببطء عندما أضاف: ولكنني لا أعتقد بأنني أؤيد هذه الفكرة، بالرغم من أنني أظهرت لهما موافقتي بالأمس! فكرت كثيراً بالأمر ولا أجد بأن هذا الزواج يجب أن يستمر.
ظهرت تقطيبه خفيفة بين حاجبا كريس وعلق بجفاء: لست موافقا؟ ولماذا تعتقد بأنني سأعمل جاهداً لتحقيق نظريتك؟ ليس وكأنني أهتم بذلك النقاش حتى ف.
قاطعه بحزم أجفلني: لم أنهي كلامي بعد!
أضاف بجدية: وصلني كل ما حدثَ مع شارلوت، وصلني كل ما فعلته لها منذ البداية. تلك الفتاة لطيفة وطيبة القلب بحق، واعتقد أن فتاة مثلها لا يمكن أن تستمر في زواج أُرغمت عليه منذ البداية تحت ضغط تهديداتك لها! حتى وإن وافقا فأنا لن أسمح لك بالعودة إليها.
اتسعت عيناي بعدم استيعاب: لا تريد لها ان تستمر في الزواج سيد ماكس؟! و. ولكن. ماذا لو كان لها رأياً آخر؟
نفي برأسه: لو كان لها رأيا أخر لاتضح هذا. ولكنها من طلبت بنفسها انهاء هذا الزواج، لا يوجد زواج بالإكراه ولا يجب ان تتعرض له تلك الفتاة.
ثم نظر لكريس الذي كان يحدق إليه بعين غير مصدقة يجوبها غيض واضح، وأردف بهدوء: انت ابني واعلم جيداً مقدار الأنانية التي تسيطر عليك. كُف عن إقحامها في مشاكلنا لا ذنب لها في كل هذا، شارلوت تستحق اختيار الشخص الذي ستكون زوجته وتعيش معه باقي حياتها لذا لا تعبث بها بهذه الطريقة.
اتسعت عينا كريس العسليتين أكثر وكذلك أنا!
لماذا يعارض عودتهما؟ لستُ أفهم! اليس من الواضح ان كريس أرغمها لأنه أرادها؟!
تفاجأت بكريس يضحك بخفوت فارتخت ملامح والده للهدوء التام.
ظل يضحك نافيا برأسه حتى قال من بين ضحكاته: ما خطبك فجأة! اعترف بأنك فاجأتني. هل تلعب دور القاضي الحكيم يا ماكس؟
بللت شفتاي ونظرت إليه بقلق ليكمل بلا اكتراث وببرود: وكيف علمت بكل ما حدث يا ترى؟ هل عينت جواسيسا في المنزل لتراقبني؟ أم أنك ما زلت تعتقد بأنك من تفهم كل شيء، هل تريد اخباري ان حديثك مع أصدقاءك الأعزاء جعلك تدرك كل هذه التفاصيل؟
ناديت بإسمه بتحذير فتجاهلني ووقف مبتعدا عن الأريكة بتبرم وتهكم رافعا يديه بجانبه: أو تُراك تخاف على مشاعر ومستقبل ابنة أصدقاؤك المخلصين من الوحش الهارب من وكره، اليس كذلك؟
علق والده برزانة وثبات: أنا مستعد للبحث عن شخص مناسب لها يستحقها، يحميها، ويصونها دائماً.
فغرت فاهيي لمجرد تخيل الفكرة، أما كريس فلمعت عيناه والشرر يتطاير منهما: شخص مناسب؟ أوه! بدأ الأمر يصبح مثيراً جداً. تلك التي تريد ان تبحث لها عن شخص مناسب هي زوجتي يا ماكس. زوجتي أنا، هل هذه الكلمة واضحة كفاية؟!
هل ستنكر أنها زوجتك بالإكراه؟
تسمر كريس للحظات في مكانه يحدق إليه وقد ضاقت عينيه بغضب، بينما أكمل والده متنهداً بعمق شديد: لا أفهم لماذا انت غاضب من انهاء هذا الزواج، إن كنت مازلت غير قادرا على تقبل عائلتها فأخبرني إذا ما الذي يزعجك في عدم عودتها إليكَ وتركها تذهب وشأنها؟
اسمعني من فضلك يا ماكس.
قالها بثقة وقد ابتسم مغمضا عينيه للحظة قبل ان يعاود النظر له مجدداً رافعا حاجبيه بسخرية: حتى لو بحثت عن شخص آخر، فللأسف سيكون الوضع متأزما بالنسبة لك. اتعلم لماذا؟ لأنها تحبني. هل ستخبرني الآن بأنني أوقعتها في حبي إكراهاً أيضاً؟
وضع ماكس قدما على الأخرى وبدى يفكر قليلا حتى تمتم: أنت محق لا يوجد حب بالإكراه. ولكن يوجد حب يحدث في ظروف خاطئة، ويوجد حب مع أشخاص غير مناسبين أو حب لمجرد نزوة عابرة.
ثم رفع رأسه للسقف بتعب واضاف: من الصعب خوض حوار ناجح معك والأصعب هو الفوز به، ولكنني لا أهتم للكلمات وانما الأفعال وحسب. إن كانت تحبك فالأمر ليس بمعضلة. سأساعدها لتتبخر من عقلها تماماً صدقني الأمر لن يكون صعبا أبداً. كريس، سوء علاقتنا لم يسمح لك باكتشافي جيداً لتفهم ان والدك الجالس أمامك بالرغم من هدوئه حين ينبغي الأمر لن يفصل بيني وبين الجنون والتهور سوى شعرة.
أخفضت رأسي أستمع إلى جدالهما الذي اعتدت عليه دائماً، بل ان كريس بدأ يرد عليه بتحابق وغضب شديد كمن لو كان طفلا في السادسة مصراً على إقناع والديه بفكرة يرفضانها! وتساءلت حينها متى سيبدأ باستخدام البعض من الحكمة ولو لمرة!
حتى سمعت جملته الحازمة: فليكن. لا شأن لك بحياتي الخاصة، توقف عن رفع آمالك كثيراً أنت تعلم بأنني لن ألتفت إلى رأيك فيما يعنيني.
وقح ومتطاول إلى أقصى حد، ولكنني لو تدخلت فسأزيد الطين بلة!
كريس بالفعل لا يهتم برأي أياً كان، ولكن. هو يجادله في الأمر لأنه يعلم جيداً بأنه لو كان الأبرع في استخدام أمواله واسمه لأجل تسيير الأمور أمامه كما أذَلَ شارلوت في رفضها للعمل بالمشفى والعبث متدخلا بطموح أخيها سام، فوالده قادر على إنهاء كل هذا بمنصبه وسلطته.
لويت شفتي بضجر حين هدأ كريس أخيراً، ولكنه سرعان ما انتشلني من ضجري لأنظر إليه بعين متوجسة وهو يقول بنبرة ثقة: أخبركَ منذ الآن. لا تحاول لأنك ستفشل، الا تعتقد أصلاً أن جملتك ظريفة جداً؟ تجد لها شخصا مناسبا يستحقها؟ دعني أسدي لك معروفاً إذاً وأخبرك بأنها بالرغم من إجبارها فلم تكن فريسة سهلة.
اردف وقد انفرجت زاوية فمه بخبث وبسخرية: ليس وكأن الأمر يغضبني حقاً. فهذا يعجبني كثيراً.
نفي ماكس برأسه وسمعته يهمس بلا حيلة: هذا المجنون.
ثم رفع رأسه ينظر نحوه وينصت لثرثرته الواثقة حتى قاطعه بسؤال بصوت عميق: أخبرني. هل تعلقتَ بها منذ لقاؤكما الأول؟
توقف لسان كريس عن الحركة تماماً! أما أنا ففكرت بحيرة وقد تساءلت بعدم فهم: لقاء؟ أي لقاء!
ولكنه ظل ينظر إليه ليضيف وقد ضاقت عينيه بتفكير: هل يعقل بأنك منذ زيارتها لنا قد وضعتها في رأسك حقاً؟!
تفاجأت بكريس يضحك فجأة بتهكم: بربك أرحني من هذه الإستنتاجات. الا تعتقد أن نقاشنا قد طال كثيراً؟ هل انتهت الخمس دقائق؟
لا تراوغني! اخبرني يا بني هل كان لزيارتها آنذاك تأثيراً عليك؟ هل تعلقت بها حينها؟ وضح الأمر حتى ا.
لقد بدأ رأسي يؤلمني، أنت لن تتوقف عن التشعب في حديثك، سأخرج لم أعد قادراً على مجاراة الأمر.
رأيته يتحرك بخطى عصبية ويأخذ معطفا خفيفا معلق عند الباب وقبل ان يخرج قال بنبرة عالية حازمة: توقف عن تلك المحاولات لن تأتِ بنتيجة، حتى وإن توقفت عن حبي. فإما أن تكون لي، أو لا لأحد غيري.
قالها وخرج صافقاً الباب بقوة إثر دهشتنا، ثوان حتى سمعت صوت محرك السيارة وهي تبتعد.
زميت شفتاي مرددة كلماته في عقلي وبدأت أدرك جيداً أن الأمر أعمق بكثير مما أعرف وأظن!
ما الذي كان يشير له والده قبل قليل؟
طرفت بعيني وقد انتزعني من عمق أفكاري صوته وهو يرفع الهاتف على اذنه ويقول: اتبعه يا مايكل واخبرني فقط إلى أين وجهته لأطمئن. لو شعرت به يقود بسرعة مبالغة فتصرف. ولا تسمح له بخوض شجار مع أحد لا ذنب له.
أغلق الهاتف وتنهد بعمق شديد ليضعه في جيبه واعاد رأسه للوراء ليرخيها: يا الهي. أشعر بالصداع الشديد! كيف يكون عنيداً إلى هذه الدرجة. أنا شاكر لكِ لصبركِ عليه طوال هذه السنوات.
ابتسمتُ بلطف: ليس في اليد حيلة. هل أنتَ بخير؟
أنا كذلك.
سيد ماكس هل حقا. ستجد شخصا مناسبا لشارلوت وتنهي زواجهما ب.
قاطعني عاقدا حاجبيه باستنكار: بربك هل صدقتِ هذا!
اسرخت ملامحي فأضاف يمدد جسده: ليس وكأنني سأفعل ذلك حقاً. لقد كذبت قليلا للتو، لست أعارض زواجهما بل أجده فرصة جيدة جداً لفتح الكثير من الأبواب، ولكنني فقط أكره طريقته في ظنه أن كل ما يريده سيحصل عليه بفرقعة اصبع. دعكِ من هذا الأمر لقد خرج بمعطف خفيف فقط، لم يأخذ وشاحه أو أي قفازات معه الا بأس بهذا!
تساءل بقلق فلويت شفتي مفكرة بغيض: لا أدري. الجو بارد وقد لا يحتمل صدره هذه البرودة، ذلك الأحمق يقود نفسه إلى التهلكة. هو حتى لم يأخذ قبعة على الأقل.
أضفت مهدئة وقد استوعبت حماقتي: أقصد. لا تقلق عليه سيد ماكس أنا واثقة بأنه سيعود بسرعة ولن يتأخر، سيستوعب انه لم يخرج بوشاحه ولن يطيل البقاء في الخارج.
أومأ وكأنه يأمل ذلك، من حقه ان يقلق فهو يعاني من حساسية تجاه البرد، إنها حساسية مزمنة يعاني منها كل شتاء. حسناً ليس الشتاء كاملاً وإنما لنصفه تقريبا ولا سيما حين تنخفض الحرارة بشكل ملحوظ وهذا ما يدفعه لإرتداء المعاطف الثقيلة منذ ان عرفته! وهذا ما يجعل فصل الصيف هو المفضل لدى شخص واحد فقط على هذا الكوكب. نعم إنه كريس.
تيا.
نظرت إليه بحيرة فقال بإهتمام: هل تعتقدين بأنني قسوت عليه كثيرا للتو؟
أسرعت أنفي: لا!
أعلم بأن نشوءه كان سيء للغاية وعانى منذ صغره بسبب باتريشيا التي تغيرت كثيراً بعد ما حدث في الزفاف، ولكن هذا لا يمنعني أيضا من القول بأنه يتمادى في كل شيء ويتصرف كطفل مدلل يحصل على كل ما يريده! بحق الإله كيف له ان يعتني بجيمي حتى!
أفهم سبب قلقك سيد ماكس.
أطلق زفرة إستياء واضحة ثم نظر إلى مبتسماً بهدوء، بادلته الإبتسامة ومررت يدي على يده بلطف وسألته بعدم فهم: ولكن. إن كان متملكاً عنيداً فلماذا تسلك طريقا معاكساً له وتتظاهر بمعارضتك لعودتهما؟
عندما يقف الجميع ضده يا تيا فعليه أن يحارب لينال ما يريده دون فرض رأيه على من حوله! عليه أن يثبت أن يستحقها! عليه أن يدرك خطأه منذ البداية! وأريده أن يتعلم كيفية التمسك بالأشياء التي يريدها! انظري إليه لا يزال يتحدث بثقة ومع ذلك فهو يكره والديها كثيراً، لا يوجد من ستقبل اهانات موجهة إلى عائلتها ببساطة هكذا!
أضاف بيأس: لم أتمكن من إسداء النصيحة له في يوم. بسبب مشاعر الحقد التي يكنها لي. لم أتمكن من مناقشته في أي موضوع حول مشاكله الخاصة، لم أستطع معانقته سوى عندما كان ما يزال في الثامنة!
أطرقت برأسي بحزن أنظر إلى يده التي أمسكتها بكلتا يداي فأكمل: أريد على الأقل أن اساعده بطريقة غير مباشرة! أنظري إليه بعد كل هذه السنوات مازال يعاملني بطريقته الباردة والجافة، أنا أيضا أشعر بالألم! بالرغم من أنني أحببت باتريشيا كثيرا، فأنا أيضا أكن لها بعض الضغينة عندما زادت المسافة بيني وبين إبني الوحيد وأقحمته في مشاكلنا القديمة.
لمعت عينيه ببريق متضايق جداً فهمست مواسية: سيد ماكس هوِن عليك.
أومأ وأغمض عينيه البندقيتين للحظة قبل ان يتمتم: هو أيضا يعذبني كلما رأيت ملامح وجهه المتطابقة مع باتريشيا. كيف سأنسى اللحظات الجيدة أو السيئة معها وانا اراها فيه!
ثم فتح عينيه واضاف مستوعبا: هل هناك أمر آخر أغضبه؟ كان يبدو بمزاج متعكر منذ البداية.
إنه. إيثان!
ارتفع حاجبيه: إيثان!؟
لقد عاد اليوم. تشاجرت مع كريس قليلاً عندما تحدثنا حول موضوع إيثان.
هكذا إذاً! كنت أعرف بأنه سيعود هذا الأسبوع ولكنني لم أتوقع بأنه سيعود اليوم
هل مازلت تتواصل معه.؟
بلا شك!
أملت برأسي بفهم وبعين متضايقة فابتسم بلطف: أرى بريق شوق في عينيك يا ابنتي!
تورد وجهي ولكنني قلت متنهدة باستسلام: وكيف لي ألا أشتاق له! مع أنه لا حق لي بالتفكير به.
السيد ماكس كان من الأشخاص اللذين دعموني في علاقتي مع إيثان، لطالما كان لي أباً يعوضني عن وفاة والدي. هو كل شيء بالنسبة لي بعد كريس مباشرةً.
لا يمكنني إلا أن أتصرف أمامه بعفوية مطلقة! أشعر بالتحرر حينها وبأنني أستطيع استنشاق الهواء دون قلق. إنه يسمح لي دائما بالفضفضة ويبدي اهتماما كبيراً نحوي.
مجرد الحديث معه يجعلني أشعر بأن والدي مازال على قيد الحياة!
تنهد بعمق: هل قابلته مباشرة؟
نعم.
أضفت بوهن وصوت ضعيف: وبدى متضايق ومندهشا من وجودي فغادرت بسرعة، لم أستطع تمالك نفسي وشعرت بأنني لو بقيت أكثر لبكيت أمامه.
بعثر شعري الأصهب وهمس بلطف: تعلمين بأن إيثان يحبك كثيرا.
قاطعته بنبرة باكية: كان! لقد كان يحبني ولكنه لم يعد كذلك، مجرد النظر إلى عينيه يشعرني أنني شيء صغير جداً ولم يعد لي مكان كالسابق!
اشار إلى أن اقترب منه أكثر ففعلت، داعب شعري بحنان أبوي وقال بهدوء: لا بأس، أنا أفهم إيثان وأدرك أنه مازال يشعر بالألم والطعن لما حدث، لكنني واثق كذلك بأنه سيتجاوز الأمر وينساه تماماً. ل.
مكانه لما فعلت سيد ماكس!
ربت على رأسي مواسيا: منذ وفاة والدك وأنت تتصرفين ببرودة غريبة، تذكرين بلا شك كم رحبت بك عندما علمت بأنك صديقة كريس. مع أنكِ كنت فتاة بسيطة جدا في تصرفاتك وواضحة ولكن كان الشعور بالنقص واضحا جداً، الثغرات في حياتك تم ملئها يا تيا حتى لو كان إيثان بعيدا عنك! فأنت تعلمين في قرارة نفسك بانكما ولدتما لتكونا معا بلا شك وهذا أمر مطمئن، حتى لو مرت خمس سنوات أخرى فيبدو أن إيثان نفسه لن ينسى الأمر، اللحظات التي جمعتكما لا يمكن أن تذهب سُدى.
ولكنها ذهبت. أنت لم ترى كيف كان يرمقني اليوم.
لأنه يحبك يا ابنتي، لو لم يكن كذلك لما غضب مما حدث، الا تذكرين كيف كان جريئا وهو يخبر الجميع بأنه واقع في حبك؟ هذا كان واضح للجميع حتى لزملائكم في الشركة! لطالما تحدث إيثان معي عنك، لطالما كان يخبرني عن مخططاته لمستقبلكما! حتى أنني قلت له بأنني مللت من الأحلام الوردية التي يعيشها! الا تعتقدين أن ما حدث سيكون مؤلم جدا له؟ لم يكن لديك خيار سوى الوقوف بجانب إبني الأناني الأحمق فشعر بالظلم والخيانة، لا سيما وأنه في اليوم الذي يسبقه اخبرني أنه سوف ي.
قطع حديثه ولم يكمل فابتعدت محدقة به بترقب وحيرة: سوف ماذا؟
ابتسم بهدوء: ربما على أن ادع الأمور كما كانت، وربما عليك ان تعرفي الأمر بنفسك!
قطبت حاجباي بعدم فهم وفضول: ما الأمر سيد ماكس! أخبرني؟
وقف فنظرت إليه وهو يقول بهدوء: مايكل يتبع ذلك المتهور، ربما على انتظاره حتى يعود، ومن يعلم ربما يخوضان سباق السيارات الآن.
وقفت قائلة وأنا أضحك: دعني أوصلك إذاً. ربما نلمحهما ونتبارز معهما في السباق.
شارلوت:.
كنت أجلس أنا وسام على درج المنزل نراقب كل شخص تطأ قدميه في الحي بملل وترقب.
زفر بكلل وملل شديد بعد أن تثاءب: ربما قرر أن ينتحر.
ضربته بمرفقي بغيض: لا تتفوه بالهراء!
ثم حاولت إخراج نفسي من الشعور بالقلق الشديد ومازحته: لم يترك رسالة انتحار لا تقلق.
انفجر ضاحكا وهو يدفعني بقوة فارتطم جسدي بسياج الدرج وصرخت بإسمه بغضب وانا افرك كتفي بألم.
تجاهلني وهو يحرك رأسه وقد توقف عن الضحك: سخيفة جداً. ولكنك أضحكتني، أمي قلقة جداً من خروجه غاضباً. يا تُرى أين سيذهب؟
أشعر بالذنب الشديد.
قلتها احتضن قدماي نحوي وارخي ذقني على مرفقاي واضفت هامسة بيأس: كيف سأقابله بعد ما حدث.
لا تهولي الموضوع انتِ أيضاً!
بعد جملته تلك فُتح باب المنزل خلفنا ليطل أبي ويتساءل بإهتمام وهو يأمل أن يجد اجابة تسره: هل اجاب عليكما؟
نفي سام: لا يا أبي. لا تقلق فلو بدوت خائفا أمي ستفقد أعصابها حتماً. أنا واثق بأنه خرج ليستنشق الهواء فقط ولا داعي للخوف. إيثان ليس صغيرا إنه في الثامنة والعشرون!
زم أبي شفتيه فرفعت رأسي أنظر إليه بأسى: أبي أنا أسفة. كل هذا بسببي.
انحنى مبعثرا شعري وهمس: ليس خطأك.
أردف ممازحاً: صدقيني لو خرجت من الحمام في وقت أبكر لركضت خلفه بالمنشفة ولكمته أمام اطفال الحي لأحرجه.
ضحكتُ بخفوت فاعتدل واقفاً: سأرى والدتك، تعلمين كيف تكون ضحية للصداع حين تقع أي مشكلة.
أومأت بفهم: لا تقلق بشأن إيثان سأحاول الإتصال به مجدداً.
أعتمد عليكما. ولكن لو واصل تجاهلنا أكثر فسأخبر الشرطة بأنه سرق اشياء باهظة من المنزل وهرب، سيكون إيجاد موقعه أسهل.
ضحك سام بسخرية: أرجوك لا تخرجه من السجن بعد ذلك. دعني أستمتع قليلاً أزوره من خلف قضبان السجن، أو ربما في تلك الغرفة ذات الحاجز الزجاجي التي نراها على التلفاز ليمرر لي خلسة ورقة صغيرة قد كتب فيها اخرجني !
ضربته بخفة على كتفه مبتسمة على دعابته السخيفة، عندما دخل أبي مجدداً زفرتُ بإمتعاض: لا أستطيع التظاهر أمام أبي وأمي أكثر! فأنا أيضا أشعر بالقلق والخوف.
فتح فاهه ليعلق ولكن هاتفه قد أعلن عن وصول رسالة فأسرع يخرجه وكذلك راقبته بإهتمام وترقب وقد التصقت به بإنفعال: من يكون؟
ابعد وجهي عنه وهو ينظر للشاشة وعقد حاجبيه ثم سرعان ما قال بشيء من الإنزعاج: هاه! ما الذي يقوله هذا الأحمق؟
ما الأمر!
تساءلت بخوف فزفر بغيض: يخبرني بأنه لن يعود للمنزل الليلة وألا ننتظره على العشاء.
عقدت حاجباي بحزن وقد نجح شعور اليأس والذنب في السيطرة على تماماً!
كل هذا بسببي. على أن أتصرف، لقد عاد اليوم فقط ولم يكد والداي يسعدا بذلك حتى تسببت بخروجه من المنزل ولا ندري أين سيمكث الليلة!
أشعر بأنني منذ أن عدت للمنزل وأنا أسبب المشاكل وأفجر مفاجأة تلو الأخرى! في البداية فاجأت سام، ثم أمي وأبي والآن إيثان الذي فقد أعصابه بل وتلفظ بتلك الكلمة التي لا أذكر بأنني سمعتها في منزلنا يوماً!
لو لم أوافق منذ البداية! لو كنت فقط وقفت في وجه كريس.
زميت شفتي بإنزعاج هامسة: لندخل.
قلتها وانا أقف ولكنه لم يفعل، نظرت إليه باستغراب وسرعان ما تجهم وجهي وانا أراه يغمز لإحدى فتيات الحي ويداعبها بنظراته وهي تبتسم له وتلفت إليه في كل حين بدلال.
أنت مقرف. هل تعلم هذا؟ احترم وجودي على الأقل يا حثالة المجتمع!
وقف واضعا هاتفه بجيبه وقال بثقة: لما أنتِ غاضبة؟ هل تغار شقيقتي علي؟
تظاهرت بالإشمئزاز: اللعنة على هكذا تفكير. تزوج يا سام وكف عن مغازلة الفتيات! إنها إحدى فتيات الحي هل تعلم من يكون أبيها أيها المتهور؟
رفع حاجبيه باستغراب: من يكون؟
نظرت إليه بسخرية وانا افتح باب المنزل: إنه ذلك الكابوس، ضابط الشرطة ذو الندبة الكبيرة على عينه. أتخيل ردة فعله حين يراك تغازل ابنته؟ ستكون مجرد حشرة صغيرة يدوس عليها بقدمه الضخمة أيها الساذج.
شهق بذعر: ذلك الضخم الذي حصل على ترقية مؤخراً! الذي أوسع جارنا في نهاية الحي ضربا لأنه مازح ابنته! قولي بأنك تمزحين!
ثم سرعان ما سرت قشعريرة في جسده وهو ينفي برأسه: أرجو ان تمحي وجهي من ذاكرتها.
ولكنه أسرع يرتدي قناع الثقة مبتسما بجاذبية ممررا يده في شعره الأسود: هه. فليكن، سأغدر بإيثان واقول بأنه من قام بمغازلتها.
كتمت ضحكتي وانا ادخل ليقابل وجهي دفء المنزل مقارنة ببرودة الجو، نزعت المعطف وعلقته وكذلك سام.
اتجهنا إلى غرفة الجلوس لنرى أمي تجلس منحنية للأمام قليلا وسمعتها تقول بقلق: هل أتصل بأصدقائه وأسألهم عنه؟ مارك أنا خائفة بأنه كذب علينا ولن يمكث الليلة هنا أو لم يجد مكاناً حتى! أين سيذهب في هذه الاجواء الباردة بحق الإله؟
التعليقات