التخطي إلى المحتوى

رواية بشرية أسرت قلبي الجزء الثاني للكاتبة آية محمد رفعت الفصل الثالث

(كشف القناع! ).

بين غيمات الظلام الكحيل، تنقلت بحرصٍ شديد بمملكة السراج الأحمر، وشاحها الأخضر يخفي ملامحها بإحكامٍ، تخفت بحرصٍ حتى وصلت لباحة القصر المظلم، فالليل يبتلع الجميع بسحر النوم المؤقت حتى الصباح، تخفت مجدداً لتصبح غير مرئية حتى وصلت للجناح المنشود، فتحت السجوف ومن ثم ولجت للداخل لتلتقط أنفاسها المكبوتة بحريةٍ، تفحصت الجناح باهتمامٍ حتى وجدت غايتها، فأقتربت من الفراشٍ المغطي بأنسجة الزهور العتيقة، هزتها برفقٍ وهي تهمس بحذرٍ: إيرلا، استيقظي!

شعرت بحركةٍ غريبة لجوارها، وخاصة حينما اقتحم هذا الصوت مخيلاتها، سحبت الخنجر الأسود الموضوع جوارها، ثم سلطته على عنق هذا الجسد القريب منها، ابتلعت الاخرى ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة، لتشير لها: أهدأي، هذه أنا زمرد.
جحظت عينيها في صدمةٍ، فأعتدلت بجلستها وهي تتساءل بصدمةٍ: ماذا تفعلين هنا؟ ألا تخشين أن يراكي أحداً!
لوت شفتيها وهي تجيبها بتهكمٍ: أتيت لأجلك، كدت أن أموت حينما أمسك بكِ أخي سامول.

ابتسمت وهي ترد عليها بتعجرفٍ: لا أخشى أحداً حتى وإن كان أخيكِ، سأتي خلسة مجدداً لرؤيتك وليفعل ما يشاء.
هزت رأسها بدون جدوى لتلك الفتاة المجنونة، فقالت: لا فائدة من الحديث معكِ إيرلا.
تعالت ضحكاتها، فنهضت لتلحق بها قائلة باستغرابٍ: انتظري، إلى أين ستذهبين بذلك الوقت؟
أجابتها بلهجةٍ ساخرة مغتاظة: سأظل هنا للصباح حتى يمسك بي أبيكِ ويصبح السجن مثواي الأخير.

أسرعت إيرلا خلفها وهي تخبرها بجديةٍ: حسناً، إذهبي الآن وسألقاكِ غداً.
هزت رأسها بهدوءٍ، ثم غطت رأسها بالوشاحٍ الاخضر لتتخفى من أمامها سريعاً للعودة للقصر قبل أن يشعر بها أحداً، خرجت من القصر ثم مضت بطريقها للخروج من المملكة، تصلب وجهها بفزعٍ حينما حاوط رقبتها سيف حاد كاد بأن يقطع عرقها النابض، ابتلعت زمرد حلقها الجاف بصعوبةٍ، فأتاها صوت من خلفها خشن يأمرها: استديري للخلف بهدوءٍ قبل أن أفصل عنقك.

تحركت ببطءٍ للخلف انصياع للأوامره، حتى صارت مقابله، رفع أركون سيفه ليزيح الوشاح الاخضر عنها، عله يكتشف أمرها، ضيق عينيه في ذهولٍ، حينما رآها فقال باستهزاءٍ: أرى أن الملك سامول العظيم قد ترك ساحة المعركة واختار أن يرسل شقيقته لتكمل مهامته.
أعادت خصلات شعرها الأسود للخلف، ثم تطلعت له وهي تردد بخوفٍ: أخي ليس يعلم بقدومي إلى هنا.

رفع حافة سيفه ليلامس ذقنها، فأجبرها على التطلع له وسماعه بوضوحٍ: حيلك تلك لن تمر على قائد الحرس الملكي، أخبريني عن سبب وجودك هنا والا سأخذك بنفسي لمملكة الشارق وسأحرص على إقتلاع عنقك أمام سامول وجنوده.
إرتجف جسدها رعباً لتهديده الصريح، فأنحنت أرضاً لتتوسل له ببكاءٍ: لا أرجوك لا تخبر أخي عن قدومي إلى هنا، أتيت لأرى صديقتي إيرلا.
ضيق أركون عينيه بذهولٍ: الأميرة إيرلا!

أشارت له بهدوءٍ وهي تستطرد بحزنٍ: أعلم أن الأمر شبه جنوني، فالصداقة التي تجمعنا منذ أعوام حرصنا بها على تجاهل العداء القابع بين العائلتين، فبالنهاية الملك شون هو عمي الوحيد وإن كان لا يرى هو ذلك.
رق قلب أركون لها، وخاصة حينما إلتمس صدق كلماتها، فوضع السيف بملابسه الحربية من جديد، ثم أشار لها بأن تلاحقه قائلاً: إتبعيني، سأخرجك من هنا قبل أن يشعر أحداً بوجودك.

وقفت تتأمله بصدمةٍ وحيرة، فأشار لها بحزمٍ: هيا، تحركي.
اتبعته زمرد حتى أخرجها لخارج المملكة بأمان، فوقفت قبالته تتطلع له بذهولٍ، لتختم نظراتها قائلة: أشكرك كثيراً سيدي، وأعدك بأنني لن أفعلها مجدداً.
بسمة صغيرة تشكلت على وجهه الأسود، ليخبرها بثباتٍ: ليس عليكي prenses آ.
زمرد، أدعى زمرد.

هز رأسه بوقارٍ تعجبت له كثيراً، فرفعت وشاحها لتخفي ملامحها، ثم تراجعت للخلف لتنحني قليلاً قائلة باحترامٍ: سعدت بلقائك، وأشكرك للمرة الثانية على مساعدتك.
ثم أختفت من أمام عينيه بوميضها الذهبي لتترك من خلفها الوشاح الذي تدلت أطرافه لتتشابك بأطراف تلك الغصون العملاقة، أمسك به أركون ثم قربه إليه ليشم عبيرها الذي أنعش وجدانه، فكان مشتت الذهن ليظن نفسه قد جن ليقع بسحر تلك الفتاة من النظرة الأولى.

بددت الشمس ظلمة الليل، لينسكب الضوء على الكوكب بأكمله لينره بعد الظلام، فتحت إريكا جفنها الثقيل بكسلٍ، فتجعدت قسمات وجهها في دهشةٍ حينما وجدت السماء في مرمى بصرها، الشمس كانت تلمع بوميضٍ ساحر من اللون البرتقالي الداكن، والعجيب بالأمر أن النجوم مازالت تستقر بمكانها، استقامت بجلستها فأحنت ساقيها من أسفلها وهي تتأمل ذلك المنظر البديع، فسحبت نظراتها بالكد لتتطلع جوارها، انتباها الذهول حينما وجدت إيمون نائم جوارها، على أوراق الشجر العملاقة التي غلفت أجسادهم كغطاءٍ من البرد القارص، لم تصدق أبداً بأن النوم غلبهم بهذا المكان البديع، فأقتربت منه لتحركه بيدها برفقٍ: إيمون!

عادت لتحركه من جديدٍ حينما وجدت أن النعاس مازال يغلبه لا تعلم بأنه يتصنع النوم بعد أن ظل ليله يتأملها: إيمون، هيا إستيقظ.
فتح عينيه لتتوهج بوميضها الساحر، فقال باستياءٍ مصطنع: ألم يكن بوسعك الأنتظار حتى استيقظ بمفردي!
ضحكت بصوتٍ مسموع وهي تشير له بمرحٍ: أخبرني أيها الأمير الغاضب ألم يحذرك أحداً بأن تظل مستيقظاً حتى لا تواجه هجمات عدو ينتظر الفرصة المناسبة للقصاص منك!

وقف وهو يعدل من ملابسه، قائلاً بثقةٍ: من المعتوه الذي سيهاجمني بمنتصف مملكتي؟
أعجبت بثقته الكبيرة وإن كانت حاولت إخفاء ذلك، فوقفت هي الأخرى تمشط خصلات شعرها الاصفر بأصابعها، ثم وقفت مقابله، لتخبره بهيامٍ: فلنعد للمملكة سريعاً، أود رؤية ديكسون قبل أن يرحل كعادته.

فجلست على حافة الغصن المتدلي من أمامها، لترتدي حذائها الأبيض الصغير، لتستطرد بابتسامةٍ حالمة: لا أعلم إلى متى سأظل أخفي مشاعري تجاهه، كل ما أثق به بأن الوقت الذي سأبوح له عن مكنونات قلبي قريباً.

استقبل وجهه عبوس كريه غير محبب إليه، فالشعور بالنفور والحقد تجاه رفيقه يجعله يكره ذاته، فكلما حاول محاربة ما يعتريه كلما تحدثت عنه أمامه يفشل بذلك، بالكد تمكن من ضبط إنفعالاته، فلفظ كتلة حارقة من الهواء من رئتيه، ثم سحب شهيقاً عميقاً يثبط به ما يجتاحه من مشاعرٍ مهتاجة، ففتح ذراعيه لها ليقول بصوتٍ جاف: حسناً، سأنقلك للمملكة سريعاً.

أسرعت إليه ليحملها ومن ثم تأجج الضوء البني المغلف لأجسادهما لينقلها سريعاً للمملكة، خرجت ضي حينما علمت بعودة ابنها، فهبطت للاسفل قائلة بابتسامةٍ ترحاب حينما رأتها: مرحباً إريكا، كنت أبحث عنكِ لأسالك عن إيمون، وها قد عاد بصحبتك.
كاد بأن يجيبها، فقاطعهما صوت لوثر القادم من الخلف: أخبرتها بأنك ستكون بصحبة إريكا ولكنها لم تصدق.
ابتسمت إريكا قائلة: تجولنا قليلاً بمملكة إيمون، إنها حقاً رائعة الجمال.

قالت ضي: غداً سأصطحبك بنفسي لمكانٍ سيعجبك بالتأكيد.
رفعت يدها بحماسٍ: سأعد الساعات حتى يأتي الغد إذاً.
شيعتها بابتسامةٍ مشرقة لتغادر مع زوجها لجناحهما الخاص، أما إريكا فتعلقت نظراتها بمن يقترب منهما حتى صار مقابلهما، ليشير لرفيقه بضيقٍ: إيمون أين أنت يا صاح، أبحث عنك منذ الصباح.
أجابه إيمون باهتمامٍ: ماذا هناك؟
أشار له ديكسون وهو يتفحص القصر من حوله: أريدك بأمراً هام.

ثم كاد بدفعه للخارج، فأستوقفته إريكا قائلة بارتباكٍ ملحوظ: ديكسون أريد أن أتحدث معك قليلاً.
ربت على كتفيها بحنوٍ: على الذهاب إريكا، سنتحدث لاحقاً. أعدك.
ثم أشار لإيمون بتتابعه على الفور، فوقفت تترقب إبتعاده ببسمةٍ حالمة، ثم أخذت تتخيل ردة فعله حينما تصرح له بمشاعرها، رسمت صورة متكاملة الأركان وتناست هل هو يحبها ليفرح باعترافٍ كهذا، أم ستكون بداية لحطامٍ محتوم.

وقف مقابله وهو يجاهد لأخفاء ملامحه العابثة، فقال بثباتٍ تحلى به: ما الشيء الهام الذي يود الملك المستقبلي رؤيتي لأجله؟
قال بابتسامةٍ ماكرة: ألم تشتاق لسباق الموتى!
أدرك إيمون ما يقصده، فالتفت يساراً ويميناً قبل أن يتحدث: كان بيننا عهداً بالابتعاد عن هذا السباق القاتل ماذا حدث الآن؟
مرر يديه بين خصلات شعره الطويلة وهو يجيبه بمللٍ: أشعر بالضجرٍ قليلاً.

زفر بضيقٍ وهو يقول له: حسناً، فلنذهب للكهف عل التدريب يحسن حالتك.
أمسك ديكسون بكتفيه وهو يحثه على إتباعه قائلاً: هيا يا رجل، مرة واحدة لن تفسد بالعهد الذي بيننا.
وافق على مضضٍ: حسناً، ولكن هذه المرة فقط ديكسون.
حرك صولجانه ببسمةٍ نصر: لك ذلك.

تخفوا سوياً ليظهروا معاً بتلك المنطقة المحظورة، النيران كانت تلتهم أسطحها وكأنها بوابة لممر الجحيم، لذا أنسب إسم كان لها سباق الموتى حيث الصراع للنجاة، المئات من الأشخاص تطوف حول قفص حديدي ضخم، يحوي حيوانٍ عملاق أسود اللون، جسده يشبه (الموسهوس-Mu??u??u- هو حيوان متقشرة مع رجليه الخلفيتين تشبه مخالب من النسر، الأسد)، ورأسه تشبه الأفعى، ينهش الأرض بمخالبه الحادة بغضبٍ، نظراته تحد من حوله وكأنه يترقب لحظة تحرر الأغلال الغليظة عن قدميه للهجوم على فريسته، أخفى ديكسون و إيمون وجوههم بارتدائهم للخوذات النحاسية، فلم يكن من المستحب معرفة المتسابقين لكنايته وخاصة بأنها تعد جريمة بحق ملك السراج المستقبلي أن ينافس بتلك اللعبة الخطيرة بدلاً من إيقافها، وبالرغم من ذلك كان يحارب بنزاهةٍ وتفاني، فكان لا يستخدم قواه بالداخل بل يحارب مثلهما دون اللجوء لقواه، فُتحت البوابة الحديدية، لتنتطلق الهتافات بإعلانٍ بدء المسابقة الدامية، فأنضم ديكسون للصفوف الأولية ليدنو من القفص الحديدي ومن ثم كان إختياره العشوائي من ضمن أول مجموعة ستحارب ذاك الحيوان الثائر، أما إيمون فكان من المجموعة الثانية، أغلقت الأبواب وأعلنت بدء السباق بين عشرة رجال مسلحون بسيوف إلكترونية تشع عدة ألوان مختلفة، يطوفون بالحيوان الثائر بترقبٍ للحظة الهجوم فور تحرره، فما أن تحررت قدميه حتى واصل الهجوم عليهما جميعاً، فالرابح من بينهما هو من سيحافظ على حياته حتى إنتهاء المدة المحددة للسباق، وبالطبع هناك خيار أخر لتكن الرابح بجدارةٍ إن تمكن أحداهما من قتل هذا الوحش المفترس الذي ما أن تحررت قيوده حتى إنطلق بسرعةٍ مهولة لا تتناسب مع حجمه الضخم، فكان يهجم عليهم فيمزق أشلائهم دون رحمة، ويقتلع بأسنانه الحادة أعناقهم، حتى تمكن من القضاء على أول خمسة منهما، فحاول البقية التخبئ للنجاة بحياتهم، فهذا السباق ما أن بدأ لا يتمكن أحداً من إيقافه حتى ولو ظل يصرخ ليومٍ كامل، كاد الوحش بالهجوم على البقية؛ ولكن بقاء هذا الشخص بمنتصف القفص دون خوفاً شتت انتباهه، فأستدار ليكون مقابله يتربص خطاه، شجاعته التي تفوح منه كرائحة المسك جعلت الوحش يزئر بغضبٍ، فنبش بقدميه الأرض ليستعد للهجوم على ديكسون، ابتسم بمكرٍ وهو يفرد قدميه لينحني قليلاً، ومن ثم فرد ذراعيه ليستعد بالانقضاض عليه، أسرع تجاهه الوحش بتحفزٍ، فرفع ديكسون جسده عالياً حتى تخطاه فصار من خلفه، استدار الحيوان غاضباً من عدم تمكنه من الإمساك به، مما جعل الأخر في قمة سعادته، فجذب أحد السيوف الملقاة أرضاً ومن ثم سيفاً أخر يحمله ذراع المتسابق الذي أصبح جثة هامدة بعدما نال ضربة قاسية من الوحش أفتكت به، حرك ديكسون السيوف معاً فأصدرت صوتٍ حاد، راقب إيمون ضربته القاضية بابتسامةٍ خبيثة، وخاصة حينما انحنى مجدداً ومن ثم ارتفع جسده عالياً وبلحظةٍ سريعة مرر سيوفه معاً حول عنقه ليمنحه السلام الأخير، فسقط جسده أرضاً بقوةٍ زلزلت القفص الحديدي ففتحت أبوابه باندفاعٍ، ليظهر من خلفه ديكسون الذي هبط عنه أرضاً ليخرج بتفاخرٍ، علت الهتافات والتصفقات الحارة لهذا البطل الذي تمكن من قتل الوحش المخيف، ومع ذلك حرص ديكسون على إخفاء معالمه لينضم لإيمون، فقال بثقةٍ: كنت أعلم بأنك ستنال منه.

بادله ديكسون الضحك، فلف يديه حول كتفيه وهو يشاكسه بمرحٍ: لنرى ماذا ستفعل بالداخل أيها الأمير المدلل!
أخرج إيمون سيفه البني ليلوح به بغرورٍ: سترى بنفسك.

ثم تركه وولج لداخل القفص بصحبةٍ المجموعة الثانية، ففتح الباب الكبير الموصود بالداخل، ليخرج الوحش الأخر والقانون مازال موحد فعليهما قتله أو الصمود أمامه لعشرون دقيقة، حلق بجناحيه ليغدو فوق رؤؤسهم، فرفع كلاً منهما سيفه للأعلى بخوفٍ، على عكس إيمون الذي راقبه بحذرٍ وإهتمام، فكان يحمل المتسابق منهما بين مخالبه الطويلة ومن ثم يسقط به أرضاً ليغرز مخالبه بمكانٍ القلب، رأى أن القضاء عليه سيكون بالقرب منه، فرسم حيلته بالخوفٍ حتى حمل بين مخالبه، ومن ثم أخرج خنجره، ليصيبه بجرحٍ عميق جعله يتمدد أرضاً جريحاً لا يقوى على التحليق مجدداً، دنا منه مجدداً ليمرر خنجره حول رقبته التي غارت بالدماءٍ السوداء المقززة.

أما بالخارج.

إنشغل ديكسون بمتابعةٍ إيمون بالداخل ولم يلاحظ وجود تلك النظرات التي تلتهمه بعداءٍ شديد، فأختارت أحد المتسابقين لتنفذ خطتها بالثأر منه، انحنت على أذنيه تهمس له بكلماتٍ غامضة كان لها أثراً غير محموداً على ملامح الرجل الذي حدق بديكسون بغضبٍ جامح، فتركها وأسرع ليجذبه باندفاعٍ جعله يرتد للخلف، إنتبه من بالكهف جميعاً لتلك المشاحنة الغريبة، فالطبيعي لتلك الصراعات أن تكون داخل هذا القفص المقبض، ضيق عينيه بغضبٍ وهو يحاول السيطرة على نفسه، فأقترب منهما مسؤول هذا السباق اللعين ليتساءل باسترابةٍ: ماذا يحدث هنا؟

أجابه الرجل بتعصبٍ: يريد أن يستعرض قوته على شعب مملكته بذلك الفخ.
ثم إقترب من ديكسون ليقف مقابله وهو يردد باستحقارٍ: هل تظن بأننا حمقى لنخضع لك بتلك السهولة يا ابن البشرية!
تدخل مسؤول السباق قائلاً بدهشةٍ: عن أي مملكة تتحدث يا هذا؟

بجراءةٍ كبيرة جذب الرجل الخوذة الذي يخفي وجهه، ليتبين للجميع من يقف أمامهما، إنحنى البعض بوقارٍ يليق بابن الملك المعظم، وبقى البعض في حالةٍ من الذهولٍ لتواجده بذلك المكان الغير مصرح به، وإزداد الأخرون حنقاً واستياء لوجوده الذي أرعن بكونه يفتخر بقواه ليفرض ذاته عليهما بأن يريهم كم هو قوي ويستطيع محاربة أعتى الوحوش في منافسة يتخلى البعض بها عن قوته ليحارب بنزاهةٍ، اشتعلت نظرات ديكسون وهو يتابع ما يحدث بصمتٍ قاتل، عاد الرجل ليستكمل وصلة هجومه المندفع، فقال بعدائيةٍ شديدة: أراك تبذل ما بوسعك لتجبرنا على الخضوع لك يا ابن اللعينة!

ما أن انتهى من تفوه تلك الكلمات حتى إختفى جسده بعدما أخترق صولجان ديكسون جسده، فأنصهرت أحشائه حتى عظامه إختفت كالرماد، ارتد البعض للخلف بخوفٍ شديد من مصيره الذي يشبه مصير هذا المتمرد، فربما إخفاء هذا الشعور المنفر تجاهه كان داخل الأعماق خشية من الموتٍ، أخشونت نبرة صوت ديكسون وهو يردد بغضبٍ: من يجرأ على التحدث بالسوء عن الملكة سيكون مصيره مشابه لهذا الوَغْدُ.

خرج إيمون مفزوعاً للخارج حينما رأى هذا التجمهر الغير مبشر بالمرةٍ، فاقترب ليتأكد حدثه تدريجياً حينما بدأ باستيعابٍ ما يحدث، وخاصة حينما رفع الأخير صوته بتعصبٍ شديد: لست بحاجة للتباهي. إن شئتم أم أبيتم أنا الملك المستقبلي رغم أنوفكم.

وتخفى سريعاً حتى لا يرتكب جرماً أخر، فأتبعه إيمون على الفور، ليحتل النصر أعين تلك الفتاة التي تراقب ما يحدث عن كثب، لتعود سريعاً لمملكة الحوريات حتى تؤكد للملكة نجاحها بتلك المهمة المختارة.
بمملكة الشارق.

لم يكن الخوف من سماتها لتختار التسلل خوفاً من أن ينكشف أمرها، بل ارتدت وشاح طويل يبرز ملامح وجهها بوضوحٍ وتحركت من بين الشعب حتى إجتازت الممر لتصل لقصر الملك سامول، تفحصت المكان جيداً وحينما لم تجد أحداً توجهت إيرلا للأعلى لتصل لجناح زمرد الخاص وقبل أن تدخل توقفت والإبتسامة الغامضة تتشكل على جانب شفتيها، فقالت دون التطلع للخلف: أراك تشتاق لرؤيتي أيها الملك العظيم!

واستدارت لتكون مقابل من يتبعها باستغرابٍ ودهشة ختمهما حينما قال: بل أراكِ شجاعة لإختيارك القدوم إلى هنا بعد تحذيراتي الواضحة لكِ.
خلعت إيرلا وشحها الأحمر لتصبح قريبة منه، فإرتبك سامول قليلاً وهو يتأمل جمالها الذي يأسره، فتابعها بنظراتٍ صلبة لا تنم عما يجابهه بداخله، فقالت بهدوءٍ وبطءٍ عله يستعب كلماتها جيداً: العداء الذي يجمعك بأبي يخصكما، لا يفترض على أن أخسر صداقتي بزمرد لأجل هذا الأمر السخيف.

أعجب سامول بشجاعتها، فتساءل: أنتِ بمملكتي الآن. الا تخشين أن أمر بقتلك!
لم تتأثر ابتسامتها بما قيل، بل أجابته بذكاءٍ: إن كنت تريد ذلك لما كنت سمحت لي بالمغادرة من قبل.
ثم أضافت: أراك ملك عظيم، يقدس النساء والأطفال والكُهَّل. أليس هناك مكان اضافي بداخلك لتقدس رابط الصداقة!
انصت لما تقوله بصمتٍ مزقت صفحاته حينما قال: الصداقة التي خان عهدها أبيكِ من قبل؟

أبعدت تلك الخصلة المتمردة على عينيها، لتجيبه بثباتٍ: أنا هنا للحديث عن نفسي وليس عما فعله أبي بالماضٍ!
إعجابه بها وبشخصها الشجاع إزداد كلما طال حديثهما معاً، فخشى سامول أن ينقلب الإعجاب لحبٍ لا ينبغي أن يتواجد بداخله وبالأخص لتلك الفتاة التي سيظل أبيها وأخيها من ألد أعدائه، لذا قطع الحديث بينهما حينما قال وعينيه تغوص بالنظر بعيداً عنها: حسناً سأسمح لكِ بالدخول لمملكتي وبلقاء زمرد.

وتخفى سريعاً قبل أن يستمع لشكرها وإمتنانها لما فعله، وقفت إيرلا محلها شاردة الذهن بهذا الملك الغامض، وإن تكن ميوله أضافت له إحتراماً وكيانٍ خاص بداخلها ولغيرها، فسامول ملك عادل تكسوه سمات حكيمة لا ينبغي أن يتحلى بها الملوك، أفاقت إيرلا من خيال شرودها الواسع على هزة قوية تحرك جسدها، فانتبهت لوجود زمرد جوارها تسألها بصدمةٍ: ماذا تفعلين هنا؟

ابتسمت بمكرٍ وهي تشير لها بالتحدث بالداخل، فتخفوا معاً للجناح الخاص بها.
بمملكة السراج الأحمر.
ضحكت روكسانا بصوتها كله وهي تستمع لمغامرات إريكا فبدى وجهها أكثر إشراقاً، أضافت الأخرى بابتسامةٍ مرحة: وكالعادة إنحاز أبي لصفي فأخذت أمي تردد المعتاد إليها في مثل تلك المواقف الحرجة. بأنه لا يحب الا ابنته المدللة لذا ينصرها عليها في كل مرة!

اتسعت بسمة روكسانا وهي تخبرها: لم تتغير لينا بعد، كما لو تركتها منذ يومين!
أيدتها إريكا قائلة: نعم فاحياناً أشعر بأنها الطفلة المدللة وليس أنا كما تزعم هي!
تعالت ضحكات روكسانا حتى أحمر وجهها، ليتابعها ذاك العاشق الذي إقترب منهما بخفيانٍ، ليظهر من أمامهما فجأة، ففزعت روكسانا ثم رددت بانزعاجٍ: أخبرتك كثيراً الا تتخفى هكذا لوكاس.

تجاهل استيائها الواضح ليتطلع لإريكا وهو يخبرها بنوعٍ من الإمتنانٍ: لا أرى ابتسامة زوجتي المشرقة الا بوجودك إريكا، أنتِ سر سعادتها إذاً!
ابتسمت وهي تجيبه: إريكا تذكرني بما مضى، هي الرابط الوحيد بيني وبين الذكريات التي كانت تجمعني بعالمي. فحينما أشعر بالحنين لأرضي أضمها لصدري.
إحتضنتها إريكا بحبٍ: سأكون لجوارك كلما إحتاجتي لوجودي.

ودعهم لوكاس بنظرة تنبع بالحنان قبل أن يستأذن بالإنصراف، أما روكسانا فاستدعت التابع لتسأله باهتمامٍ: إيرلا بغرفتها؟
أجابها وعينيه موضوعة أرضاً: الأميرة غادرت منذ الصباح مولاتي الملكة.
تجعدت معالمها باندهاشٍ: إلى أين بهذا الوقت المبكر!
ثم استطردت: حسناً، يمكنك الإنصراف.
غادر التابع على الفور، فتدخلت إريكا قائلة: لعل هناك أمراً هام أرغمها على الخروج.
ردت عليها بنبرة صوت حزينة ألتمستها: ربما.

ثم أشارت لها قائلة بتذكرٍ: أين كنتِ بالأمس؟
أجابتها بحماسٍ: قضيت الليل بأكمله بصحبة إيمون بمملكته.
ابتسمت روكسانا وهي تتابع حديثها بنظراتٍ غامضة يشوبها الأمل بتحقيق ما تريد، قطع حديثهما ديكسون الذي قال برسميةٍ بحتة: فلتحيا ملكة السراج الأحمر.
قالت له بضيقٍ: ألن تستطيع تحيتي بدون رسمية.
ابتسم ديكسون بمكرٍ، فقال بلهجةٍ البشر التي تعشقها روكسانا: صباح الخير أمي كيف حالك؟

اتسعت بسمتها، فقالت وهي تحتضنه: بخير حال، أخبرني هل رأيت إيرلا؟
رد عليها بهدوءٍ: لم أراها منذ الصبح، كنت خارج المملكة برفقة إيمون
هزت رأسها بتفهمٍ: حسناً، سأبحث عنها بالخارج.
ثم تركتهم وغادرت للأسفل، فاستغل ديكسون بقائه معها بمفردهما، فتساءل باهتمامٍ: ما الأمر الهام الذي كنتِ تودين الحديث به إريكا؟

ارتبكت ملامحها، ففركت أصابعها بتوترٍ لاحظه ديكسون فقال بسخريةٍ: حسناً دعيني أخمن، هل ارتكبتي جائِحَة جديدة؟
لوت فمها وهي تجيبه بازدراءٍ: لا إطمئن لم أرتكب أي كارثة.
رفع حاجبيه بشكٍ: أتمنى ذلك.
ثم قال حينما طال صمتها: هيا أخبريني يا فتاة ماذا بكِ؟

أفرغت الهواء العالق برئتيها، وكأنه حمل ثقيل ثم قالت: أتعلم ديكسون حينما أشعر بالضيق أرغم بشدةٍ برؤيتك فحينها تشعر بي وأجدك جواري، حتى إذا أوشكت على التعرض للأذى أراك تساندني قبل أن يلحق بي، كنت دائماً لجواري وإن كنت تمنعني من الصعود للمملكة بأيام دراستي على وعد بأنك ستصطحبني في الأجازات كنت أيضاً تخاف على دراستي.

أزاح خصلات شعره للخلف بانزعاجٍ من حديثها الشامل لتفاصيل مملة بالنسبة له، فقال: كان على ذلك، الصداقة مثل العهد إريكا تحتمك على الإلتزام بواجباتها وكل ذلك من القواعد الأساسية.
إقتربت منه على استحياء، تضم كفيها ببعضهما البعض بقلقٍ واضح: أنت بالنسبة إلى ليس صديق ديكسون.
بدى الأمر صادم بالنسبة إليه، فهمس بصوتٍ منخفض: ماذا؟
استجمعت شجاعتها وهي تخبره بنظراتٍ جريئة: أحبك ديكسون، أحبك كثيراً.

وقعت الكلمات على مسمعه كالصاعقة الرعدية، لم يكن بأوسع خياله أن تكن له مثل تلك المشاعر بينما يراها كشقيقته إيرلا ويراها صديقته الوحيدة، خرج عن سكونه اللحظي قائلاً بتماسكٍ يحاول به اخفاء انفعالاته: مزحة سخيفة، ظننت أنك تتحدثين جدياً فكيف لصديقتي الوحيدة أن تكون هكذا!
أجلت أحبالها الصوتية بإنفعالٍ: لست أمزح ديكسون.

بقى كما هو بملامحٍ ثابتة، ليجيبها بهدوءٍ: استمعي إلى جيداً إريكا. أنا لا أستطيع أن أراكِ سوى صديقتي الوحيدة ولكني لا أحمل أي مشاعر تجاهك بلى أشعر تجاهك مثلما أشعر تجاه إيرلا شقيقتي.
شعرت وكأن العالم توقف من حولها، كادت بأن تسقط أرضاً، فأمسك بها ديكسون باحكامٍ، منحته نظرة منكسرة وكأن كبريائها قد تحطم، فرددت بصوتٍ شاحب: أريد العودة لمنزلي.
اعترض قائلاً: ولكن لم تنتهي أجازتك بعد.

قالت بدموعٍ جاهدت لإخفائها: أريد العودة الأرض.
إنصاع إليها فتمسك بها جيداً، لتنقطع المسافات كالطوفان، لتجد ذاتها بشرفتها، وقف قبالتها يتطلع لها بنظرةٍ حزينة ختمها بكلماته المختصرة: لا أود خسارة صداقتك إريكا.

وتركها وتخفى سريعاً، فسمحت لجسدها الهزيل بالانهيارٍ، أفرغت ما كبت بداخلها من آهات مؤلمة، فلطالما كنت له العشق العتيق، فكانت تترقب اللحظة المناسبة لتبوح له عما تشعر به تجاهه، ربما هي من تصنعت اهتمامه بها حباً فتسببت بالألم الشديد الذي يغلف قلبها.

تسرب الخبر بارجاء المملكة كعود الثقاب الذي اشتغل بكومة من القش الهاش، حتى الملك شون علم بما حدث، فأمر بحضور ديكسون على الفور، وبالفعل كان إيمون بصحبته لمشاركته بهذا الفعل الشنيع، وقفوا معاً أمام العرش التابع للوكاس ولجواره كان يجلس أبيه الملك شون يوزع نظراته فيما بينهما بغضبٍ شديد، فصاح بهما بانفعالٍ: ما حدث اليوم هو أمراً مخزي للعائلة الحاكمة، كيف تمكنتم من ارتكاب هذا الأمر الفاضح؟

رد عليه ديكسون بوقارٍ: مولاي الملك آآ.
قاطعه لوكاس بحدةٍ: لا أريد سماع صوتك، كم جريمة ارتكبت اليوم؟
ثم استطرد بملامح واجمة: كيف تسمح لنفسك بالذهاب لتلك الأماكن! وفوق كل ذلك تستعرض قوتك أمام الشعب، هل سينخضع لك الجميع بتفاخرك هذا؟
قال إيمون بحرجٍ: إن أذن لي مولاي الملك بالحديث.

أشار له الملك شون، فقاب وعينيه أرضاً: أعلم أن ذهابنا لهذا المكان من البداية خاطئاً، ولكننا لم نقترف أي جرماً. كنا متخفين عن العين ولكن ما حدث اليوم أمراً غريب فيبدو أن هناك أحداً كان يعلم بهوية ديكسون لذا استغل هذا جيداً.
أضاف ديكسون على حديثه الذي يعد بمثابةٍ طوف للنجاة: لم أتعمد قتل هذا السَفِيه ولكنه من أهان الملكة فلم احتمل ذلك.
ثم استكمل بملامحٍ منزعجة: لا أعلم لماذا لا يتقبلني أحداً؟

ترك لوكاس العرش ثم هبط ليقف مقابله مردداً بسخطٍ: ما يحدث محتمل كونك من نسل مختلف عنهم، ولكن ماذا فعلت أنت! تؤكد لهما بما تفعله بأنهم على الصواب فيزداد تمردهم.
رفع عينيه إليه وهو يحارب تلك الأفكار السوداوية التي تهاجمه، فقال: أبي هناك من يسعى لذلك. لقد كدت ان أقتله تلك المرة بالمنتزه ولكنه فر هارباً.

رفع رأسه بصلابةٍ وهو يخبره بجفاءٍ: هنا أنا لست أبيك، بل ملك السراج الأحمر لذا أحذرك ديكسون من ارتكاب أي فعل أحمق قد يكلفك ذلك تخليك عن العرش.
ثم تركه وصعد ليجلس على الحجارة المزخرفة لتليق بعرشٍ كهذا، فتحرك فكيه ناطقاً بحكمةٍ: كونك وريث عرش السراج الأحمر سيجعلك تواجه كل يوم عدو جديد، لذا عليك أن تتعلم كيف تحارب دون أن تخسر محبة شعبك.
ثم أشار لهما بحزمٍ: انصرفوا الآن.

تخفوا معاً خارج القاعة الملكية وكلاً منهما يفكر بطريقةٍ مختلفة للنيل من هذا الرجل الملثم الذي أصبح كالنقطة السوداء.
بمملكة حوريات الجحيم.
ابتسامة النصر رسمت على وجه ألماندين وهي تستمع بحرصٍ شديد للحورية التي أتمت مهامها على أكمل وجه، فجذبت الخنجر الأسود المدهون بنخاعٍ طائر الفينيق القاتل، لوحت بالخنجر بيدها وهي تردد بعزمٍ: لنرى كيف ستنفد الليلة من خنجري يا ابن البشرية!

استشاطت ضي غضباً حينما علمت بما حدث فعنفت ابنها بعنفٍ بحدةٍ على ما ارتكبه، فقالت بتحذيرٍ: انتبه جيداً فالملك شون لن يمرر الأمر هكذا.
زفر بنفاذ صبر: وماذا فعلت لكل ذلك؟
قالت بامتعاضٍ شديد: كان بامكانك فعل الكثير مثل إيقاف ديكسون عن الذهاب لذلك المكان.
اكفهر وجه إيمون بشدة فقال مندفعاً: فعلت ما بوسعي لأمنعه من الذهاب لذلك المكان ولكنه حدث بنهاية الأمر.

شعرت بأنها تمادت بالحديث المندفع معه، فقالت بابتسامةٍ صغيرة: لا تحزن إيمون، أنت تعلم جيداً أنني أقسو عليك خشية من عقاب الملك لا أحتمل أن يمسك السوء.
أومأ برأسه في تفهمٍ، فاحتضنها وهو يردد: أعلم ذلك أمي.

اليوم كان مشحون بعدة تقلبات عصفت به، بداية مما حدث مع إريكا إلى تعرضه للتوبيخ والعتاب القاسي من الملك شون وأبيه جعله في أشد درجات خطورته، لذا إختار مكان تدريبه كحل أمثل لما يجول بخاطره، خلع ديكسون معطفه الذهبي ومن ثم جذب صولجانه ليلوح به بقوةٍ، فأنطلقت النيران من رأسه لتلتهم الصخور وكأنها كالأوراق الهاشة، لون عينيه البنية اختفت تماماً ليحله الأرجواني المخيف، أصيب صولجانه صخرة بيضاء اللون تفتت لتختفي كمثلها، ليشع من أسفلها نوراً شديد السطوع، اقترب ديكسون ليتأمل المياه المضيئة التي عصرتها الحجارة البيضاء الساحرة، فوضع صولجانه جانباً ثم انحنى ليغتسل عل برودة المياه تهدء من روعه، ابتسم بخبثٍ حينما وجد حركته تجدي نفعاً برؤية العدو الملثم الذي يتابعه خلسة منذ بداية دخوله للكهف، أحمق هذا ليظن بأن الملك المستقبلي بقواه تلك لن يشعر بحركته وإن كان يسعى لعدم إصدار أي صوت، مرر يديه على المياه فتمكن بقواه من نصبها كالمرآة المطولة بالتحكم بيديه بها، تركزت عينيه عليها بعدما نهض ليتابع ما يحدث من خلفه، فرأى إنعكاس صورة للملثم من خلفه، كور أصابعه ليحرك المياه من بعيداً ومن ثم دفعها بقوة لتسقط فوق رأس من يختبئ خلف تلك الصخور ظناً من إنه غير مرئي، أنفضت ألماندين المياه عنها بغضبٍ، فأخرجت سيفها بين يدها وخرجت لتقف قبالته، ابتسم وهو يضيف ساخراً: أراك تتخبئ كالجبان، هل تخشى ما فعلته اليوم لتوقع بي؟

التزمت بالصمت وهي تراقبه بعينيها الفيروزية، المختبئة من خلف الوشاح الذي يخفي ملامحها، وجدته يقف ثابتاً دون أن يمسك بسيفه الملقي أرضاً فكادت بأن تنحني لتدفعه إليه بقدميها فصاح بعنفٍ: إن لمست سيفي ستقتل بالحال وأنا لا أريد لك موتة سريعة بل أريد الإنتقام مما فعلته أيها الأرعن.

وفتح لائحة يديه فهرول السيف اليه مسرعاً، ليرفعه بوجهه، صدت ألماندين هجماته بحرافيةٍ، فاشتعلت النيران المندفعة من احتكاك سيوف بقوةٍ هكذا، هاج ديكسون باندفاعٍ، ليكفهر وجهه بغضب شديد وهو يثور به: يناديك الموت بترحابٍ خارج كيبلر.

لم تفهم ألماندين ما يقصده بحديثه هذا، فتأججت عينيه باللون الأرجواني وبشراسةٍ دفعها بحافةٍ سيفه فارتدت للخلف بقوةٍ جعلت الوشاح الأسود يتخلى عن وجهها وجسدها بأكمله، تدلى شعرها الرمادي الطويل على جنب عنقها، ففتحت عينيها لتواجهه بسيفها بغيظٍ، تصلب محله وهو يتأمل ما يراه بذهولٍ فردد بصدمةٍ: فتاة!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *