رواية تعافيت بك الجزء الثاني للكاتبة شمس محمد الفصل الثالث
تلك العيون التي احتوتني في ظلمة الليل، لن أرى وميضها في أخرى حتى و إن تجولت طوال الدهر بحثًا عن مثيلتها.
ليس من المهم أن تكون شخصًا مبهرًا حتى تنال اعجاب الجميع، يكفيك أن تصبح شخصًا حقيقيًا يتصرف بتلقائيته المعهودة، فلا يوجد ما يتطلب منك التخلي عن عفويتك حتى تنال الاعجاب، ففي النهاية أنتَ مبهر في الأعين التي تُحبك، حتى وإن كنت غير مثالي.
في بيت آل الرشيد كان وليد جالسًا على الأرض الرخامية فوق سطح البيت و عبلة تجلس مقابلةً له، يتناولا الطعام التي قامت هي باعداده سويًا، أنهى هو طعامه أولًا نظرًا لعدم تناوله الطعام طوال اليوم، أما هي فكانت تأكل بشهية مفتوحة نظرًا لمشاركته طعامها، كان ينظر لها بتمعن شديد، تزامنًا مع البسمة العذبة التي زينت ثُغره وهو يراقبها، لم تلاحظ هي تحديقه بها إلا بعد مرور ثوانٍ عديدة، رفعت رأسها وهي تقول له متعجبة من توقفه عن تناول الطعام:.
مش بتاكل ليه يا وليد؟ الأكل مش عاجبك؟
حرك رأسه نفيًا ببساطة ثم أضاف ينفي حديثها: أنا شبعت الحمد لله، و الأكل حلو تسلم إيدك
حركت رأسها بشكٍ تستفسر أكثر، فوجدته يقول مؤكدًا: كلت والله العظيم، لو الأكل مش عاجبني هقولك، بس تسلم ايدك أنا عارف إنك شاطرة
ابتسمت هي له ثم قالت بنبرةٍ حماسية: أنا عرفت كل الأكل اللي أنتَ بتحبه و بتعلمه علشانك، صحيح لسه بجرب، بس إن شاء الله هبقى شاطرة فيه زي ما أنتَ بتحبه، صح؟
سألته بكلمتها الأخيرة بتشككٍ واضح، جعله يُعيد تأمله لها من جديد وهو يتنهد بعمقٍ ثم أضاف مؤكدًا: الحاجة اللي بتتعمل بحب بتوصل بحب، وأنتِ بتعملي كدا علشاني، يبقى أكيد هحب اللي بتعمليه حتى لو مش زي ما أنا عاوز بالظبط، كفاية إنك تحاولي تفرحيني
نظرت هي له بحبٍ ثم قالت مستفسرة عن نظرته التي يطالعها بها: هو أنتَ ليه عمال تبصلي كدا كل شوية، و عمال تركز في عيني، أنا ملاحظة على فكرة، خد بالك.
ابتسم هو لها، ثم سألها و كأنه لم ينتبه لسؤالها: خلصتي أكل يا عبلة؟
أومأت له وهي مندهشة من حديثه، فوجدته يُجمع أدوات الطعام على الصينية ثم رفعها يضعها على الأريكة، كانت هي تراقبه بتعجبٍ من حركاته، فوجدته يُلقي برأسه على قدمها وهو يتنهد بعمقٍ، اتسعت مقلتاها من حركته تلك، لكنها ربتت على خصلاته الكثيفة وهي تقول بنبرة أهدأ:
طب مش عاوز تجاوبني ليه؟ هو، هو أنتَ زعلان مني لسه؟
أصدر صوت من حلقه يَنُم عن النفي ثم قال بعدما زفر بقوة:
كنت ببصلك علشان اتأكد إنك قصادي فعلًا بارداتك، و أنا باكل كدا سرحت لثواني افكر هو أنتِ قصادي فعلًا و موجودة علشاني و لا عقلي من غُلبه بقى بيتهيأ وجودك، لما لقيتك قصادي فرحت و لما اتأكدت انك فعلًا معايا افتكرت أغنية أحمد كان عمال يغنيها طول اليوم.
لقد أسرها حديثه الجميل و على الرغم من انها تود في تلك اللحظة أن تصرخ له حتى يتيقن من وجودها إلا أنها آثرت الصمت ثم سألته عن جملته الأخيرة بهدوء و لكن نبرتها كانت مهتزة من مشاعرها الفرحة:
أغينة أحمد ازاي يعني؟ هو أحمد عامل أغنية.
حرك رأسه نفيًا ثم قال بهدوء: لأ، بس كان طول اليوم مشغلها في الشركة وهو بيشتغل، أول مرة اسمعها ساعتها، بس لقيت إن كلامها كله لايق عليا معاكي، كان بيقول: أنا أصلًا مشكلتي في عينها، تاخدني بلاد و توديني، وبلادي اللي أنا أصلًا منها بيعاني و بطلع عيني.
افتكرت ان أنا مشكلتي في عينك يا عبلة، بفضل طول اليوم بخبط و احايل في الدنيا وهي معاندة معايا، و كأنها حالفة يمين بالله إني أفضل افكر طول اليوم في اليوم اللي بعده، قصاد كل دا عيونك هما اللي بيطمنوني، ب بصة منهم بس بطمن بعد كل الخوف اللي بشوفه، لونهم زي العسل الصافي شفا للقلب،
و أنا يا بخت قلبي بعيونك
توقفت يدها عن السير في رأسه ثم سألته بنبرةٍ مهتزة:.
أنتَ بتتكلم جد و لا بتهزر، و الله ممكن أعيط و أبهدلك هنا، قول إنك بجد مش بتهزر
رفع نفسه من على فخذها ثم نظر في عيناها بحبٍ وهو يقول بنبرة تخرج من فم عاشق:
يعلم ربنا إن كل كلمة خرجت مني صدق و إنك الوحيدة اللي تقدر تشوف ضعفي دا، و الله يا عبلة ما حد غيرك شاف النسخة دي مني، بس أنا مسلمك قلبي و أنا عارف إنك هتحافظي عليه.
أومأت لها بقوة ثم قالت بنبرة مصطبغة بالمرح: اطمن يا ليدو، وعلى رأي عبد الباسط حموده اديني قلبك و خد قلبي
ضحك هو على حديثها ثم اخذها بين ذراعيه وهو يقول بنبرة هادئة: أنا عارف إنك هطلة من الأول، وأنا بصراحة كدا نقطة ضعفي الهطل، بس برضه أنتِ بنت أصول و تستاهلي الواحد يعافر علشانك.
ابتسمت هي بعد حديثه ثم القت برأسها على كتفه وهي تتنهد بعمقٍ، ابتسم هو الأخر ثم رفع ذراعه يربت على رأسها بحنانه المعتاد، وبعد فترة من الصمت من كليهما تحدث هو يقول بتشككٍ ممتزج بالمرحِ:
عبلة. مش ملاحظة إن أبوكِ سايبنا براحتنا بقاله كتير؟ أنا خايف يكون مبلغ عني
والله لو أقدر أعملها مش هتأخر، بس خايف على زعل أهلك اللي معرفوش يربوك.
خرجت تلك الجملة من محمد بعدما دخل السطح بهدوء، حيث كان يقف على اعتاب السطح قبل سماعه جملة وليد، وبعد حديثه اتسعت مقلتي عبلة، بينما هو ابتسم بسخرية يائسة، اقترب منهما محمد يطالعهما من عليته وهو واقفٌ وهما يجلسا على الأرض، رفع وليد رأسه ولازالت هي قابعة بين ذراعيه بعدما شدد هو تمسكه بها ليقول ببراءة:
ابن حلال يا حمايا، لسه كنت بجيب في سيرتك.
نظر له محمد بسخرية وهو يقول متهكمًا: مانا سمعت يا اخويا، قوم ياض أنتَ وهي، عيب كدا بقى
حاولت هي الابتعاد عنه، فوجدته يتمسك بها أكثر وهو يقول بهدوء و كأنه لم يفعل شيئًا:
أنا عن نفسي موافق، بنتك هي اللي خايفة و ماسكة فيا
اتسعت مقلتاها بعدما سمعته فقالت بصوتٍ خافت: الله يخربيتك هتوديني في داهية
بينما محمد سأله ساخرًا: وهي خايفة من إيه إن شاء الله؟ خفاش برضه؟
حرك رأسه نفيًا وهو يقول بهدوء: سحلية، فيه سحلية مخوفة بنتك، بس هي مع راجل و هيعرف يدافع عنها
مال محمد بجزعه يفك حصار ابنته من بين ذراعيه، لم يرفض وليد بل انزل ذراعيه عنها وهي قامت تقف بجوار والدها الذي قال بضيق:
أنا جاي علشان هي قالتلي انها طالعة تاكل معاك، لكن تأخيرها كدا ميصحش، و أنتَ بنفسك عارف ان البيت مليان ناس غيرنا.
وقف وليد مقابلًا له وهو يقول بسخرية تعبر عن ضيقه: كلامك كله مش عاجبني، لأن الدنيا كلها عارفة انها مراتي، و الناس كلها عارفة اننا متجوزين و الجوازة معمولها اشهار، يعني مبعملش حاجة تغضب ربنا، وأنا عندي ربنا أهم من الناس، لكن أنتَ غيران على بنتك مني، و دا هيودينا في سكة غلط، و كلمة كمان يا عم محمد و هاخد عبلة شقتنا و تبقى مع جوزها بجد، أظن أنتَ فاهمني، يبقى أقل ما فيها تقدر موقفي، و بعدين أنتَ سايب طارق و جميلة و جاي تمسك فيا أنا؟
نظر له محمد بخجلٍ بعد حديثه الذي كان صحيحًا و لم يستطع تكذيبه، لكنه أردف بهدوء: أنتَ فاهم غلط يا وليد، دي بنتي برضه، و بعدين طارق و جميلة جوازتهم حاجة تانية
ابتسم بتهكم ل يرد عليه بسخرية: دا على أساس إن طارق و جميلة متجوزين كاش و أنا متجوز بالتقسيط المريح؟
ابتسمت عبلة بخفة بعد حديثه الساخر، بينما عمه طالعه بتعجبٍ فوجده يتابع حديثه قائلًا: طارق و جميلة زيهم زيي، الفرق إن جميلة معتبرة نفسها يتيمة، لكن مراتي ربنا يطولنا في عمر ابوها، ها فاهمني كويس، ابوها اللي كابس على مراوح اهلي
رد عليه محمد بضيق: نهاية الموضوع أنا أصلًا طالع أقولك لو عاوز تعمل الفرح الأيام دي أنا موافق، معنديش مانع.
نظرت له عبلة باندهاش، بينما وليد ابتسم ساخرًا من حديث عمه ثم أضاف قائلًا: عارف يا عم محمد أنتَ عامل زي إيه؟
رد عليه محمد بهدوء ممتزج بالتعجب: عامل زي إيه يا أستاذ وليد؟
اتسعت بسمته ليردف بهدوء: عامل زي مدرس الحصة الاحتياطي، بيدخل الفصل بس علشان يبقى اسمه خد حصة زيادة، و بكدا ضميره ميأنبهوش
نظر له عمه باندهاش، بينما عبلة قالت بتعجبٍ: أنتَ بتقول إيه يا وليد، هو غلطان علشان بيقولك على الفرح.
أومأ لها بقوة ثم استطرد حديثه قائلًا: أبوكِ بيشتغلني يا عبلة، فاكرني مكتب عمل، طالع يقولي موافق على الفرح دلوقتي وهو عارف اني هرفض علشان ظروف عمك محمود و مراته، و ساعتها يبقى هو عمل اللي عليه و أنا اللي رافض الفرح، علشان يعرف يمسكني من ايدي اللي بتوجعني قدامهم
شهق محمد بقوة بعد حديث وليد الذي رفع حاجبه له ينظر له بتحدٍ، بينما عبلة سألت والدها بنبرةٍ غير مصدقة:
وليد بيتكلم صح يا بابا، مش كدا؟
نظر لها محمد بضيق ثم نظر له ليردف بحنقٍ: دا أنتَ صعب أوي يا واد يا وليد، إيه دا الواحد مش عارف يحل فيك حاجة
رد عليه وليد بسخرية: معلش هبقى أطبعلك ملزمة فيها المقرر كله، دلوقتي بقى اسبقني على تحت علشان عاوز مراتي في كلمتين و هنحصلك
نظر له محمد بضيق و بأعين تطق شررٍ، فوجده يضيف بنذقٍ: ها هتنزل ولا تبات مع جوزها في شقته النهاردة؟ اختار.
أومأ له محمد ثم نظر لابنته وهو يقول لها بنبرةٍ جامدة: متتأخريش يا ست عبلة، تيجي ورايا علطول
أومأت له ثم تابعته بنظرها حتى خرج من السطح، ثم حركت رأسها تنظر له وجدت التسلية تضج في عيناه، فقالت له هي بضيقٍ:
على فكرة هو اتحرج أوي، و بيفضل يسم بدني بكلام صعب، هو برضه متعلق بيا أوي و أنا وهو صحاب، فجأة اهتمامي كله بقى بيك أنتَ، أكيد صعبان عليه نفسه لما يلاقي حد تاني بيشاركه فيا.
حرك كتفيه ببساطة وهو يقول بهدوء: و إيه يعني، عنده مراته يروح ليها، لكن أنتِ ليا أنا، مش معقول يبقى الشخص الوحيد اللي بعرف اكون على طبيعتي قدامه يبقى محظور عليا يا عبلة، مش عاوز معاكِ اعد الوقت علشان هيجي شوية و تمشي، عم محمد بيعند لمجرد العند، بس خلينا نشوف اخرة العند دا إيه
سألته هي ببلاهة: أخرته إيه يعني؟
اقترب منها يقول بخبثٍ: اخرته هتبقى فل إن شاء الله.
بعد حديث زهرة، شعر هو بالخوف يجتاحه و يخيم على صدره، بينما هي سألته بخوفٍ: في إيه يا ياسين، بابا رياض ماله، اتكلم طيب متقفش ساكت كدا
نظر هو لها بأعين خاوية وهو يقول بحزن: رياض تعبان أوي يا خديجة، خليكِ هنا، أنا لازم أروحله دلوقتي، اقفلي على نفسك كويس
قال حديثه و التفت حتى يغادر الشقة وجدها تتمسك به وهي تقول بنبرة قوية:
مش هينفع تروح لوحدك، أنا هاجي معاك، هما أهلي زي ما هما أهلك بالظبط.
نظر لها هو مندهشًا من قوتها التي لم يعهدها منها من قبل، فوجدها تتابع بنفس القوة:
متبصليش كدا علشان أنا هاجي معاك، ولو نزلت هنزل وراك، يبقى تاخدني معاك أحسن.
أومأ لها ثم فتح باب الشقة وهي خلفه تنتعل حذاء قدميها، وبعد مرور ثوانٍ خرج من المصعد راكضًا نحو سيارته وهي خلفه تحاول ملاحقته، ركب هو وهي خلفه تلهث بقوة من الخوف ومن ملاحقتها له، بدأ هو في قيادة السيارة بيد و باليد الأخرى يحاول مهاتفة أيًا من والديه، لكن محاولته كانت تبوء بالفشل، وحينما تمكن منه اليأس، ضرب المقود بيده وهو يقول بنبرةٍ منفعلة:.
غبي، أنا غبي، هو صمم أروحله النهاردة و أنا رفضت، يارتني كنت روحلته
كان يتحدث بانفعال و هو يعنف نفسه، غافلًا عن وجودها بجانبه، بينما هي مدت يدها تربت على ذراعه وهي تقول بهدوء:
خير إن شاء الله متخافش، بس خلي بالك من الطريق، أنتَ مش مركز و العربية سرعتها عالية أوي.
نظر هو لها باندهاش و كأنه لاحظ وجودها بجانبه للتو، لا يدري ماذا يفعل، هل ما تفوه به أحزنها، أم تجاهله وجودها أصابها بخيبة، لم يستطع التحدث أو الرد عليها، بل نظر أمامه وهو يرفع من سرعة السيارة أكثر، بينما هي ابتلعت غصة في حلقها من طريقته التي أول مرة تراه يتعامل بها معها، حتى نظرته شعرت لوهلة و كأنه يؤنبها على اطاعتها في الذهاب لدى عائلتها، نظرت هي الأخرى أمامها، وبعد مرور نصف الوقت المطالب للوصول إلى منزل والده، كان يصف سيارته أمام البيت، نظرًا لقطعه المسافة في ضعف السرعة، ركض هو من السيارة وهي خلفه، ثم ضغط على الزر في جهاز التحكم في يده حتى يتأكد من غلق السيارة، بعدها وقف أمام المصعد يطلبه، لكن المصعد كان له رأيًا آخر، فصفع هو الباب بقوة، ثم ركض إلى الدرجات حتى يصل إلى شقته، نظرت هي في اثره باندهاش ثم لحقته، التفت هو في نصف الدرجات ينظر لها فوجدها تتبعه، انتظر حتى اقتربت منه ثم أطبق على كفها بكفه حتى يستأنف سيره من جديد، لاحظت هي تمسكه بيدها وكأنه يستمد منها القوة في مواجهة ما هو آتٍ، وصل أخيرًا أمام الشقة فوقف يتنفس الصعداء وهي معه لم تتفوه بحرفًا واحدًا، بينما هو التفت لها يقول بنبرةٍ مهتزة:.
خديجة أنا خايف ادخل، رجلي مش شيلاني والله
ربتت هي على يده ثم قالت بهدوء: متخافش والله، وبعدين أنتَ المفروض تكون ماسك نفسك علشان مامتك لو فيه حاجة بعد الشر، الخوف مش هيحل حاجة
نظر لها مندهشًا وهو يسخر من نفسه، و كأن ادوارهما تبدلت و اصبح هو من يحتاج حديثها، بينما هي اقتربت من الباب حتى تطرقه فوجدته يُفتح معها، زاد خوفها أكثر، ثم دفعت الباب بقوة، فوجدت رياض يخرج من الداخل وهو يقول بمرحٍ:.
يا مرحب بالعرسان، هو لازم اشتغلكم علشان تيجوا، عيال مهزقة بصحيح
كان ياسين واقفًا على اعتاب الشقة ولم يستطع الدخول، بينما خديجة اتسعت مقلتاها باندهاش، حينما رآته يقف أمامها بطبيعته و بمرحه المعتاد، بينما زهرة خرجت من الداخل تنظر لهما بخجلٍ، فقالت خديجة بنبرةٍ غير مصدقة:
يعني أنتَ كويس، مش تعبان بجد؟ الحمد لله يا رب، الحمد لله.
دخل ياسين الشقة ثم وقف بجوار زوجته وهو يقول بنبرة قوية: يعني إيه اللي بيحصل دا؟ ولما أنتَ كويس بتخضني عليك ليه؟ بتلعب بأعصابي ليه؟
ضحك رياض ثم أضاف بمرحٍ: بهزر معاك يا عريس، ولا أنتَ علشان اتجوزت بقى هتنسى هزاري؟ وحشتوني و مكنتش قادر استنى اكتر من كدا.
نظرت له خديجة بذهول من لامبالاته، فهو من المؤكد لا يدري ما عاشته منذ قليل، ولا يدري كيف تحول ابنه إلى طفلًا صغيرًا أوشك على البكاء من خشية الفقدان، أما ياسين فوقف أمامه يقول بنبرة قوية خرجت منفعلة منه دون وعي:.
هزارك مش مقبول، الحاجات دي مفيهاش هزار، أنتَ متعرفش أنا عقلي عمل فيا إيه لحد ما جيت هنا، متعرفش أنا كنت بسوق ازاي علشان أوصلك، متعرفش أنا كنت بفكر ف إيه لحد ما كنت هقع من طولي، أنا بسببك كنت هلومها و أشيلها ذنب مش ذنبها أصلًا، كنت هزعلها مني و أنا واعد نفسي دا ميحصلش، هزار كان هيقطم ضهري، قولتلك الحاجات دي بتكسر، برضه مصمم تخوفني.
تابعه الجميع بذهول، بينما هو اقترب من والدته وهو يقول بعتاب: و حضرتك يا استاذة زهرة؟ بتتفقي معاه عليا؟ أنتِ عارفة أن خوفي على اللي حواليا بيشلني، تقومي تشاركيه خططته، و مش بس كدا، كمان بتقفلي التليفونات علشان معرفش أوصل لحد فيكم، حرام عليكم على اللي أنا شوفته دا
قال جملته ثم اقترب يمسك كف زوجته حتى يرحل بها، فتحدث رياض يقول بنبرة هادئة: أقف عندك يالا، هو أنتَ هتعلي صوتك على كبيرك و تمشي ولا إيه؟
ترك كفها ثم وقف مقابلًا له وهو يقول متشدقًا: طب أنا و للأسف أنتَ كبيري، كبيرك أنتَ فين علشان عمايلك دي، رد عليا
رد عليه رياض بمرحٍ ساخر: أنا كبيري مات يا ياسين، و بعدين مكبر الموضوع أوي، و أنا كنت عاوز أشوفك علشان وحشتني
رد عليه ياسين بانفعال: تقوم تجبني بالطريقة دي؟ أنتَ لو كلمتني و قولتلي عاوزك ضروري كنت جيتلك.
ضربه رياض بخفة على رأسه ثم قال بسخرية: يا كداب يا ابن الكداب أنا بتحايل على أهلك من امبارح تيجي عندنا، وأخرتها عاوز تجيلي بكرة بعد الشغل؟
زفر ياسين بقلة حيلة ثم قال: طب أعمل فيك إيه؟ رد عليا
فتح رياض ذراعيه وهو يقول بحبٍ أنهاه بحديث غير متوقع: تحضن أبوك يا حبيب أبوك، يا واطي ياللي صرفت عليك و خليتك مهندس قد الدنيا، و جوزتك و أخرتها عاوز تجيلي بعد الشغل، اتفو على دي تربية.
ضحكت عليه خديجة و زوجته، بينما ياسين نظر له باندهاش وهو يقول:
إيه دا؟ أنتَ ملبوس ولا إيه، خلصت فقرة الرعب هتدخل على فقرة الذل؟
اقترب منه رياض ثم احتضنه وهو يضحك بقوة ثم قال: والله البيت ملوش صوت من غيرك، عامل زي القبر، الحسنة الوحيدة أني عارف أعاكس في زهرة براحتي
ابتعد ياسين عنه وهو يقول بقلة حيلة: والله العظيم وحشتني، و تعبتني معاك، مش عارف مين فينا أبو التاني.
ربت رياض على كتفه وهو يقول بفخرٍ: عيب عليك، أنا بابا يالا
حرك رأسه بيأس ثم وقف أمام والدته وهو يقول بنبرةٍ معاتبة: وأنتِ يا زهرة؟ مفكرتيش فيا؟ بتصرخيلي في التليفون و تقوليلي الحقني؟
ردت عليه هي بنبرةٍ شبه باكية: والله العظيم هو قالي لو مكلمكتش أنا، هو هيكلمك و يقولك زهرة ماتت، و أنا خوفت عليك والله، ولو مكنتش أنا كلمتك كان هيخلي فهمي يقولك رياض الله يرحمه، والله دا كان ابسط حل قصادي.
نظر لهما هو بذهول يوزع نظراته بينهما، فاقتربت منه والدته تحتضنه وهي تقول بندم: والله العظيم كنت رافضة، بس هو كان ممكن يعمل أكتر من كدا، علشان خاطري متزعلش مني بقى، والله وحشتني أوي
بكت وهي تحادثه، فوجدته يشدد عناقه لها ثم قال بهدوء: وأنتِ كمان وحشتيني أوي يا زوزو، أنا مش زعلان منكم خلاص، بس خديجة أكيد زعلانة مني و منكم، استنوني بقى أصالحها.
توترت هي بعد حديثه حيث وجدت الثلاثة ينظرون إليها، بينما زهرة اقتربت منها ثم احتضنتها وهي تقول بحبٍ: وحشتيني أوي يا خديجة، والله زيك زي ياسين بالظبط، و ربنا يعلم أنا كنت متحمسة علشان أشوفك ازاي، بس اللي رياض عمله بقى لغبطني
أومأت لها ثم قالت بنبرةٍ هادئة: و حضرتك كمان وحشتيني أوي والله، بس الحمد لله أني شوفتكم و اطمنت على عمو، ربنا يبارك فيكم.
اقترب منها رياض يقول معتذرًا: معلش بقى يا خديجة على الخضة دي، بس والله مكانش فيه طريقة تانية علشان اشوفكم بيها، و الواد أبو قبولي الوحيد دا كان عاوز يجي بكرة بعد الشغل و أنا جايب تورتة مش قادر اقاومها بصراحة
ضحكت هي على حديثه فوجدته يتابع: و الله التورتة مستنية جوة لما قربت تبقى خيار مخلل، و زهرة مصممة تتاكل معاكم، على أساس خايفة على مشاعر التورتاية لو اتقطعت من غيركم.
اقترب منهم ياسين يقول بسخرية: يعني دا كله علشان تورتاية؟ ليلتكم بيضا، حرام عليكم
تحدثت زهرة حتى تنهي ذلك التوتر: طب يلا ادخل غير هدومك، أنا محضراها ليك، و خديجة كمان جبتلها هدوم هنا علشان لما تيجي تبقى براحتها
نظرت لها خديجة بتعجبٍ فوجدتها تقول بمرحٍ: جبتلك حاجة على ذوقي و يارب ذوقي يعجبك، أنا رياض كان ملمحلي باللي ناوي عليه، علشان كدا عملت حسابي.
أومأت لها خديجة وهي تبتسم بحبٍ، فوجدته يقول هو بهدوء: ادخلي اوضتي و غيري هدومك، و أنا هدخل وراكي، الله يعينك شوفتي معايا حبة أكشن حلوين
أومأت له دون أن ترد عليه، فوجدت زُهرة تمسكها من كفها وهي تقول بحبٍ: تعالي معايا أوريكي أوضة الأستاذ ياسين، هي طرقتها طويلة و هتوهي فيها.
سارت معها خديجة في هدوء حتى وصلت أمام غرفته، فربتت زهرة على كتفها ثم قالت بحب: ادخلي غيري هدومك و تعالي برة لينا، لو محتاجة حاجة عرفيني
حركت خديجة رأسها نفيًا وهي تقول مبتسمة: حاضر، شكرًا و معلش تعبتك معايا، بس أنا ممكن أفضل بهدومي دي عادي.
ردت عليها زهرة وهي مبتسمة: أنتِ بتقولي إيه؟ البيت بيتك طبعًا، يعني براحتك زي ياسين بالظبط، أوعي تتكسفي مننا ولا تفتكري إنك غريبة عننا، بجد هزعل منك، متحرمنيش يكون عندي بنوتة حلوة زيك كدا
احتضنتها خديجة فجأة وهي تتمسك بها بشدة، فابتسمت زهرة بحبٍ ثم ربتت عليها وهي تقول بحبٍ: ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي
ردت عليها خديجة بطريقة لطيفة: و يخليكي ليا يا ماما.
ابتعدت عنها زهرة ثم قالت بهدوء: طب أنا هطلع أجهز الحاجة، و أنتِ حصليني على برة.
دخلت خديجة الغرفة بعدما تنهدت بعمقٍ وهي تنظر في أثر حماتها، ذُهلت من شكل الغرفة فهذه أول مرة تخطوها، نظرت حولها تتفحصها، وجدتها غرفة هادئة باللون الأزرق الغامق مع أثاث باللون الأبيض به أجزاء تشبه لون حوائط الغرفة، كانت تتسم بالهدوء و الذوق الرفيع، يشبه نفس الذوق المختار في شقتهما، تنهدت هي بقوة، حينما وقع بصرها على الثياب الموضوعة على الفراش، حيث وضعت زُهرة ترنجين باللون الاسود متناسقين مع بعضهما واحدًا له و الأخر لها، ابتسمت هي برضا، ثم شرعت في تبديل الملابس.
في الخارج جلس هو بجانب والده وهو يقول بعتاب: حرام عليك يا رياض، أنا كنت هعك الدنيا والله، بس الحمد لله إن اللي ف قلبي مش على لساني، أنا بصتلها بصة خليتها تشيل الذنب، وخديجة أي حاجة بتاخدها على أعصابها.
رد عليه والده بهدوء: متزعلش بقى خلاص، و بعدين هي ملهاش دعوة علشان تشيلها الذنب، هي برضه غابت عن أهلها كتير، دا أنتَ راجل أهو و أنا مستحملتش غيابك، أنتَ ابقى فهمها انك كنت متوتر علشان الستات ما بتصدق تلاقي حاجة تنكد بيها على نفسها، خليك أنتَ الأحن و صالح بسرعة.
أومأ له ياسين وقبل أن يتحدث وجدها تطل عليهما بهدوء بعدما ارتدت الترنج الأسود الذي كان مناسبًا لجسدها بشدة، وقف ياسين أمامها يقول بحبٍ: إيه القمر دا كله، هو أنا لو لبست ترنج حلو زي دا هبقى حلو زيك كدا برضه؟
نظرت له تحاول كتم بسمتها فوجدته يغمز لها و هو يتركها حتى يدخل غرفته، بينما رياض تحدث يقول بخبثٍ:.
الواد ابني دا جواه واحد عاوز ينحرف بس مش لاقي اللي يوجهه صح، شدي حيلك معانا بقى عاوزه يبقى واد مفيش منه اتنين
التفتت هي تنظر له وهي تقول بهدوء: حضرتك ربيته صح، مش كل الناس زيه كدا، بس هو حاجة تانية، شكرًا على مجهودك في تربيته
وقف رياض مقابلًا لها وهو يقول بمرحٍ: ياسين دا روح قلبي أبويا و أخويا و صاحبي، عيشت عمره كله أسقيه الحنان لحد ما بقى هو بيسقيه للحواليه كلهم، كلامك أكدلي أني نجحت في تربيته.
ابتسمت له بحب، وبعد مرور دقيقة وجدته يأتي من خلفها وهو يقول بمرحٍ: ذوق أمي برضه حاجة تانية، شوفتي الدماغ؟ جايبة لينا زي بعض على أساس نبقى فريق، والله العظيم رايقة
التفتا ينظرا له فوجداه يغمز وهو يقول بمرحٍ كعادته: ابقى بوسلنا زهرة على ذوقها و اختيارها يا رياض
ضحك رياض وهو يقول بمرحٍ هو الأخر: بس كدا؟ من عيني الاتنين
أتت زهرة من الداخل وهي تقول:.
يلا اجهزوا علشان نقطع التورتة، رياض مش قادر يستنى أكتر من كدا
وضعت الصينية على الطاولة وهي تقول بهدوء:
يلا بقى علشان ياسين يقطعها، دي حاجة بسيطة احتفالًا بالعرسان الحلوين
وضع ياسين ذراعه عليها يضمها داخل حضنه وهو يقول: العرسان الحلوين دول بيحبوكي أوي، و بصراحة شكرًا على كل حاجة
تدخل رياض يقول بخبثٍ: طب يلا قطع التورتة و أكل مراتك يلا متقفش كدا.
تدرج وجهها بحمرة الخجل فوجدته يمسك قطعة من الكعكة بعدما قام بتقطيعها ثم رفع يده أمام فمها وهو يقول بهمس لم يلتقطه سواها: مكانش ليا نصيب أأكلك الرنجة، بس ليا نصيب أأكلك الحلويات
نظرت له بهدوء فوجدته يمد يده أكثر فمدت هي رأسها تلتقط الحلويات من يده، فأضاف رياض يقول بمرح: يلا أكليه أنتِ كمان، خلصونا من جو القاعات دا
ابتسمت هي بخفوت ثم فعلت المثل، و أطعمته من يدها.
تنهد رياض وهو يقول بمرحٍ: الحمد لله خلصنا الفقرة المملة اللي زهرة بتحبها مش عارف ليه، ناكل بقى زي الناس الطبيعية؟ ممكن؟
ضحك الجميع عليه ثم جلسوا حتى يأكلون الحلويات سويًا.
في بيت آل الرشيد تحديدًا شقة محمد جلس طارق مقابلًا لها في غرفة الصالون بمفردهما، كانت هي شاردة في أحداث اليوم بتفاصيله، فوجدته يحرك كفه أمام وجهها وهو يقول بهدوء:
سرحانة ف إيه يا جميلة؟ فيه حاجة مزعلاكي؟
انتبهت هي لحديثه فقالت بعدما أجبرت شفتيها على الابتسام: لأ أبدًا كنت سرحانة شوية في اللي حصل و اللي بيحصل و اللي هيحصل لسه، دنيا غريبة بصراحة، ملهاش لازمة و مطلعة عنينا كلنا.
قطب جبينه يسألها بنبرةٍ حائرة: طب وهو أنتِ إيه اللي خلاكي تقولي كدا؟، ولا علشان شوفتي باباكي و مامتك.
أومأت له بهدوء وهي تقول: عمري ما كنت أتخيل إن ممكن يكون بابا بيكذب عليا، ولا إن دا كله يحصل بسبب حاجات فات عليها زمن، بس أنا عاملة زي اللي واخدة على دماغها، عقلي عمال يصارعني علشان أحط أعذار ليهم كلهم، و في نفس الوقت هما غلطوا، حسان هرب و مواجهش رغم انه كان المفروض يواجه علشان ميسبش علامات استفهام وراه، و مشيرة غلطت لما سلمت نفسها للشر، و علشان كدا أنا مش هرجع ليها بالسهولة دي، هسيبها تدوق وجع غيرها، زي ما طنط زينب اتوجعت على بنتها عمر كامل، وزي ما خالي طه عاش عمره كله بعيد عن بنته بسببها، أنا كمان هبعد عنها.
نظر لها بتعجبٍ فوجدها تومأ له بقوة وهي تقول: أنا بمسامحتي ليها هبقى بساعدها، أنا مضمنش رد فعلها بعد ما الأمور تتصلح، علشان كدا مشيرة هتتعب معايا شوية، و ربنا يساحمني بقى
ضحك هو بخفة ثم قال بهدوء: والله العظيم أنا دماغي ورمت من مشيرة و حواراتها، سبحان الله معلمة على عيلة كاملة هي و فاطمة، حتى اللي كان قريب منهم برضه مسلمش اذاهم.
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت: أنا عارفة أني بتعبك كتير والله معايا، و بشغلك أكتر، بس أنتَ الوحيد هنا اللي بطمن لما اتكلم معاه، مش عارفة ليه، بس بحس إنك حاجة تانية، هما ف عالم و أنتَ ف عالم تاني.
مال هو بجزعه عليها ثم قال بنبرةٍ هامسة: طول عمري عايش في عالم لوحدي، مكانش عندي حد قريب مني لدرجة انه يفهمني، غير وليد بصراحة، كلهم مقدروش قيمتك عندي، بس أنا كنت مستني على اساس إن هيجي يوم و تجمعنا الدنيا سوا، لسه فاكر أول مرة قالولي و أنا صغير أني هتجوز خديجة، ساعتها صممت أني هتجوز جميلة، فضلوا يضحكوا عليا و يعاندوا معايا، و أنا صممت جميلة يعني جميلة، جملة خرجت من عيل صغير لجمت قلب عاشق، و بقيت في عالم تاني مفيهوش غير طارق و جميلة.
اخفضت رأسها في خجلٍ من حديثه فوجدته يربت على رأسها ثم قال بهدوء: تصدقي لسه واخد بالي إن لولا وجود وليد في حياتي عمري ما كنت هوصلك زي دلوقتي، لولا خطة كتب الكتاب دي، كان زماني ببكي على الأطلال
ضحكت هي ثم أضافت: بصراحة هو أنا ساعات بخاف من دماغه، بس برضه هو بيستغلها في الخير، ربنا يكرمه هو و عبلة، عرفت برضه انهم شافوا الويل علشان يكونوا سوا، و عرفت انها بعدت عنه فترة بسبب ام، قصدي بسبب مشيرة.
أومأ هو لها ثم قال بضيق: عبلة ساذجة أوي، صدقت شوية هبل من غير ما تتأكد منه، ظلمت وليد و بعدت عنه ورفضته قدامي، بس هو راجل علشان فكر صح و عرف يوصلها رغم انها كانت مقفلة السكك في وشه
ضحكت هي بقوة ثم قالت بسخرية طفيفة: ما شاء الله عيلة الرشيد كلها حبيبة، والله انتو ناس جميلة أوي و أنا حبيتكم بسرعة، حتى هدير و هدى، بحبهم أوي، هدير دي جواها طيب أوي بس بتعمل نفسها جامدة.
قبل أن يرد عليها طارق وجد هاتفها يصدح برقم لم يكن مسجلًا على الهاتف، و لكن التطبيق الخاص بالتعارف على هوية المتصل اظهر لها الاسم وهو (مشيرة الرشيد)، نظرت هي له فوجدته يقول باستفسار:
ها هنعمل إيه؟ هتردي؟
مدت يدها بالهاتف له وهي تقول بنبرةٍ قوية: رد عليها أنتَ، قولها جميلة نايمة و مش هتقدر تصحى، لو أصرت صمم أنتَ كمان إنك مش هتقدر تصحيني.
أومأ لها ثم أخذ الهاتف من يدها، و قام بتنفيذ ما قالته هي، كانت تتابعه هي بحزن على ما تفعله فهي تعلم أن والدتها ستصاب بنوبة حزن، لكنها ترى نفسها على حقٍ، فهي إذا تساهلت في مسامحتها ستفرط في حق خديجة و العائلة بأكملها، انهى هو الحديث ثم مد الهاتف لها، أخذته منه وهي تقول بنبرة مهتزة ممتزجة بالحزن:
هي زعلت صح؟
أومأ لها ثم أضاف: هي للأسف عرفت إنك مش عاوزة تردي عليها، و انهارت من العياط.
تنهدت هي بضيق لعلها تخرج ما يجيش به صدرها، ثم قالت بنفس النبرة الحزينة:
لحد ما أتأكد انها اتغيرت فعلًا هفضل أعاملها كدا، هي أمي آه، بس برضه أنا مش ضامنة هتفضل تحارب كتير ولا هترجع تاني زي الأول.
في شقة حسان كانت مشيرة جالسة في الشرفة وهي تبكِ بقوة بعدما رفضت ابنتها مهاتفتها، اتى حسان من خلفها ثم مد يده لها بالدواء و كوب المياه وهو يقول بهدوء:
الدوا يا مشيرة مخدتيهوش، و أنتِ ضغطك مش متظبط الأيام دي
رفعت أعينها الباكية تنظر له، فوجدته يقول بلهفة: بتعيطي ليه يا مشيرة؟ تعبانة طيب؟
حركت رأسها نفيًا فجلس مقابلًا لها، وهو يقول بهدوء بعدما زفر بقوة: طب قوليلي مالك طيب؟ حصل إيه زعلك، أكيد مش لوحدك يعني كدا بتعيطي
قصت عليه ما حدث حينما هاتفت ابنتها و رفضها التحدث معها، بعدها أجشهت في بكاء مرير وهي تقول من بين شهقاتها:.
والله العظيم كنت بس عاوزة أسمع صوتها حتى لو كلمة آلو بس، والله ما كنت هطول، لما بكلمها من عندك مش بترد، ولما كلمتها من رقمي التاني عرفت و مردتش عليا، عاوزة بس أطمن عليها
زفر حسان بقوة ثم قال بهدوء: سيبيها براحتها يا مشيرة علشان الضغط عليها مش هيفيد بحاجة، بالعكس دي هتعند أكتر، ادعي ربنا يحنن قلبها عليكِ
أومأت له ثم أخفضت رأسها في خجلٍ فوجدته يقول بنبرةٍ مهتزة و كأنه يصارع نفسه للتحدث:.
مشيرة، ينفع أسألك عن اللي حصل زمان؟
رد رفعت رأسها بسرعة كبيرة تنظر له فوجدته يسترسل حديثه قائلًا: أنا سمعت من كل الأطراف، لسه الطرف المهم، أنا متأكد إنك مش خاينة، بس عاوز أعرف منك أنتِ إيه اللي حصل، احكيلي يا مشيرة.
أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت بعدما أماءت له برأسها إيماءة بسيطة ثم استطردت حديثها قائلة: أنا كنت صغيرة و كنت لوحدي ف بيت أهلي، محدش منهم كان قريب مني، فضلت عايشة من غير أخت، لحد ما ف يوم نزلت الشغل عند بابا، شوفت هناك فاطمة و مديحة، واحدة فيهم كانت راسمة على محمود و التانية على طه، بما انهم مكانوش اتجوزوا لسه، مرتضى و محمد اتجوزوا قبل محمود الكبير، اتعرفوا عليا هناك و بقوا صحابي، و بقيت بروح هناك علشانهم، اتعرفوا عليا و بقوا أخواتي مش صحابي، فاطمة عرفت ترمي شباكها على محمود صح وهي كانت حلوة أوي بصراحة، و فعلًا صمم يتجوزها، إنما طه كان بيحب زينب زميلته، لما فاطمة اتجوزت محمود، و مديحة معرفتش توصل ل طه قالت أبقى أنا البديل، و أبقى أنا لأخوها، بدأ يقرب مني و يتكلم معايا بس كنت بصده في الأول، و كان بيبعت جوابات مع اخته و مكنتش برد عليها، بس أنا ضعفت في الأخر و شيطاني كان أقوى مني لما خلاني أرد على الجواب الأول، هي كدا سكة الشر تفتح البداية بس، و بعد كدا السكة بتبقى سهلة.
توقفت عن الحديث تأخذ نفسًا عميقًا، وهو يتابعها بتمعن، فوجدها تستطرد حديثها قائلة: رديت على أول جواب، و بس قولتله فيه ان أبويا لو عرف أو حد من أخواتي هيموتوني، و قلتله يتقدملي علشان كل حاجة تبقى صح، ساعتها وافق و بعتلي مع أخته الرد إنه هيعمل أي حاجة علشاني، فرحت ان فيه حد اختارني، بقى يحاول كتير بس كل مرة كنت بصده والله، و قصاد كل 10 جوابات منه كنت برد بواحد بس، و دي كانت غلطتي، لحد ما أبويا عرف انه ملاوع و ساعتها جبرني اتجوزك، أنا ساعتها كنت هموت من طريقة ابويا ليا، طول عمره كان مدلعني، بس ظهورك خلاه يعاملني وحش،.
بس ربنا يعلم والله العظيم من ساعة ما بقيت مراتك عمري ما كلمت مجدي و لا اتواصلت معاه، كان هو بيحاول و يبعت أخته علطول، وكل مرة كنت بصدها و أخر مرة قولتلها أني هعرف أبويا علشان يشوف ليهم حل، لقيتها في مرة بتقولي إني لو عاوزة أخلص منك هي ممكن ترمي بلاها عليك قصاد أبويا وهو ممكن يخلصني منك، الفكرة ساعتها خوفتني أوي و خصوصًا أني عرفت أني حامل، مكانش قدامي غير حل واحد وهو أني ابعت جواب لمجدي، و أعرفه فيه أني حامل و حتى لو كان حملي غلطة مش مقصودة بس أنا هحافظ على بيتي، ودي كانت أول و أخر مرة بعت فيها جواب ليه و أنا على ذمتك، و الصور اللي شوفتها كانت فعلًا في الرحلة اللي أبويا عاملها للعمال.
و الكاميرا دي كانت بتاعة مجدي و اتصورتهم بعد الحاح من أخته و منه و برضه كان في بداية علاقتنا، بس و فاتت الأيام و السنين و حبيتك أنا و حبيت جميلة اللي بقت أحلى حاجة ف حياتي ومع الوقت قطعت علاقتي بمديحة و مجدي، لحد ماهو بعت الجوابات دي مع أخته و قالي إن كل حاجة بينا هو خلاص هينساها علشان حب واحدة جديدة و هيتجوز و مش عاوز حاجة تربطه بيا، ساعتها كنت فرحانة أني بخلص من الحبل اللي على رقبتي، كل مرة كنت عاوزة أقولك أني بحبك و أرجع افتكر الجوابات و مجدي أحس أني وحشة، لحد ما هما ظبطوها سوا و فاطمة ساعدتهم و اللي راحت فيها زينب، بس ربنا يعلم أنا مخنتكش و لا فكرت في غيرك ولا كلمته حتى مرة واحدة و أنا على ذمتك،.
والله العظيم ما فيه غير الجواب بتاع حملي دا، و كتبت كدا علشان مديحة كانت عارفة ان حملي كان غصب عني، والله أنا مكنتش وحشة أوي كدا زي ما كلهم ظنوا فيا، اخواتي كلهم شكوا ف أخلاقي و خصوصًا طه علشان كدا أوحش نسخة مني طلعت ليهم و عملت اللي عملته فيهم، والله كنت زي العيلة الصغيرة اللي أمها سابتها وسط الصحرا، أخواتي ضربوني و طلعوا عيني علشان كدا أنا كنت برد على افعالهم فيا، بس والله أنا بحبك و الله كل دا كان قبل دخولك حياتي.
قالت حديثها ثم بكت مرةً أُخرى تُنعي حظها الذي أوقعها ضحية في شباك من ظنت فيهم الخير وهم أسوأ مما رأت عنياها، أما هو بعدما استشف صدق حديثها من نبرتها، اقترب منها يربت على يدها بعدما أمسكها بين كفيه وهو يقول بهدوء:.
و أنا مصدقك و مسامحك، والله لما عرفت انك اتظلمتي مني قبلهم كنت عاوز أموتهم في ايدي، والله أنا ساعتها لغيت قلبي و مشيت ورا عقلي، كنت غبي لما صدقت انك ممكن تكوني ست وحشة و لا خاينة، بس أنا ما صدقت لقيت حاجة ترضي غروري ك راجل، و الراجل لما بيحب يا مشيرة بجد بيتحول حبه دا لنار بتحرق، أنا لو كنت روحت لمجدي دا ساعتها و واجهته إني واثق فيكِ، كان هو نفسه هيعترف بكل حاجة خصوصًا انه كان ندل و ضغيف، بس أنا غلطت لما صدقت، بس والله دا من قلبي اللي حبك و اتمنى قربك.
نظرت له باندهاش فوجدته يضيق بهدوء: معرفتش أكرهك يا مشيرة، ولا عرفت أنساكي، و هبدأ من جديد معاكي و أنتِ كمان هتبدأي من جديد معايا، بس لما نتوب عن كل حاجة غلط و أنا هبدأ أعلمك ازاي تقربي من ربنا زي ما علمت جميلة، موافقة؟
أومأت له بقوة و عيونها تنطق بالفرح فوجدته يقول بهدوء: قومي اتوضي يا مشيرة علشان أصلي بيكِ قيام الليل، أنا واخد بالي انك بتحاولي بس مش عارفة، يلا و أنا هستناكي.
أومأت له بأعين دامعة ثم تركته و ذهبت من أمامه، بينما هو انتظر حتى اختفى أثرها تمامًا، ثم أخرج صورتها من محفظته وهو يقول لها:
يمكن رجوع مشيرة التانية بقى سهل، بس الصعب هو أني أحافظ عليها بعد ما ترجع، ربنا يقدرني و أقدر أعوض اللي فاتني و فاتها و فات جميلة معانا.
في شقة رياض بعد انقضاء السهرة، و بعد منتصف الليل، كانت خديجة شاردة في حديثه مع والده، هل حقًا كان سيلقي اللوم عليها؟ هل كانت نظرته المعاتبة حقيقية؟ لم تستطع النوم بل ظلت تتحرك على الفراش و التفكير يعصف بذهنها، فجأة ضربته في كتفه دون وعيًا منها وهي تنقلب للجهة الأخرى، شهقت بقوة ثم اقتربت منه حتى تتبين إن كان نائمًا أم لا، فوجدته يعانقها بشدة وهو يقول بمرحٍ خبيث:.
بقالك ساعة عاملة زي الكتكوت اللي نايم ف كرتونة، عمالة تلفي و تتحركي، خير يا خديجة، مالك؟
نظرت له بصمت و لم تتحدث، ففهم هو ما يدور برأسها، فابتسم هو ثم أردف بهدوء: لأ يا خديجة مش زعلان منك، و لا كنت هلومك و لا أعاتبك زي ما قولت لرياض، أنا قولتله كدا علشان يحس بغلطه، لكن والله ما أقدر ألومك على حاجة أنتِ ملكيش ذنب فيها.
تحولت نظرتها إلى اللين بعدما كانت جامدة و كأنها بذلك تعاتبه، فوجدته يقربها منه أكثر يشدد عناقه لها وهو يقول بحبٍ:
أنا زعلان علشان زعلتك لما بصيتلك في العربية، مكنتش حابب أنك تشوفيني كدا، أنا كنت هعيط قصادك من خوفي عليه، لكن زعلي عمره ما يكون منك أبدًا
تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بنبرةٍ متوعدة: والله العظيم لو كنت عملتها و زعلتني كنت ضربتك حتة قلم يا ياسين، بس سماح المرة دي.
ابتعد عنها ينظر لها متعجبًا، ثم تحولت نظرته إلى أخرى حانقة ولكنها زائفة وهو يقول: احنا صعايدة يا خديجة و دمنا حامي، يعني الراجل اللي مراته تبوق معاه، تاخد بالجزمة على دماغها
سألته هي بضيق: والله يا أستاذ ياسين؟ طب و ماله، أنا بقول ترجع لحياتك الطبيعية بقى من غيري علشان أنتَ شكلك اتهبلت
قطب هو جبينه يسألها بنبرةٍ حائرة: حياتي قبلك إزاي يعني؟ قصدك إيه يا ست الكل مش فاهم؟
ردت عليه هي بلامبالاة: ترجع بقى تدور على عروسة كل أسبوع، و ترفضها وتروح تشتكي لصحابك، لحد ما ربنا يكرمك و تلاقي خديجة تانية تديها بالجزمة زي ما أنتَ عاوز
اقترب منها أكثر يقول بمشاكسة: ريحي نفسك علشان هي خديجة واحدة بس اللي مالية عنيا، كل ستات الأرض دول حاجة، و خديجة عندي حاجة تانية
ابتسمت هي له بحبٍ فوجدته يضيف هامسًا بهدوء:.
أنّتِ وَحدكِ مَن رأيْتُها بِعَيْن قَلّبِي، فأقسَمَت الرَوَح ألا تَتخذُ سواكِ رَفيقةً لِ دَربي
رفعت أعينها تنظر له باندهاش فوجدته يغمز لها وهو يقول بمرحٍ كعادته:
خلاص يا ست الكل طالما سكتِ يبقى كدا أتثبتِ
شددت عناقها له وهي تقول بهدوء: أنا بحبك أوي والله يا ياسين، أكتر من أي حاجة تانية في الدنيا، يعني شوف أكبر حاجة الحياة، أنا بقى بحبك قدها أو اكتر منها كمان.
اعتدل هو نومته على الوسادة وهي قابعة بين ذراعيه، ثم قال بنبرةٍ منهكة: طب من هنا لحد ما نعرف إيه هي أكبر حاجة و حبك أكبر منها نامي علشان أعرف أنام علشان شغلي بكرة، كفاية اللي رياض عمله فيا النهاردة
سألته هي بقلقٍ: هو أنتَ هتروح الشغل بكرة بجد و تسبني لوحدي معاهم؟
تحولت نظرته إلى أخرى متسائلة وهو يقول بنبرة حائرة: أيوا هروح الشغل بكرة و أسيبك هنا، و بعدين هو أنا سايبك مع الكاتعة؟ أنا سايبك مع زُهرة.
ردت عليه هي بسرعة حتى تنفي حديثه: مش قصدي حاجة والله، بس أنتَ عارف أنا بعك الدنيا ساعات و بتعامل بعفوية غريبة، خايفة أعك الدنيا و أنتَ مش معايا.
تنهد هو بعمقٍ ثم ربت على رأسها وهو يقول بهدوء: رياض و زهرة زيي بالظبط، احنا التلاتة ياسين، يعني براحتك معاهم خالص، اوعي تتصنعي علشان تعجبي حد حتى لو كان مين، اللي هيحبك يبقى يحبك زي ما أنتِ، و أنا أهلي بيحبوكي أوي، يبقى متخافيش منهم علشان هما ولاد حلال، و بعدين زهرة بس هي اللي هتبقى موجودة، رياض هيروح الشغل هو كمان، و بيرجع قبلي بنص ساعة و ساعات معايا.
أومأت له ثم رفعت رأسها تقبل وجنته ثم عادت لموضعها وهي تقول مبتسمة: نام بقى علشان أنا قرفتك النهارة في عيشتك
ضحك هو ثم أغلق عيناه وهو يقول بصوتٍ منخفض: والله أحلى قرف في الدنيا كلها، ياريت كل حاجة متعبة تبقى زيك كدا يا خديجة، كان الواحد ارتاح في حياته.
ابتسمت هي بهدوء بعدما أغلقت عيناها، بينما نظر هو لها بنصف عين يراقب ملامحها، فوجد نفسه يضحك باتساع حينما وجد بسمتها تتسع شيئًا فشيئًا في نومها على الرغم من ذهابها في ثباتٍ عميق، فالتفت هو يغلق الأضواء من جهته وهو يقول بنبرة ضاحكة:
كتكوتة كتكوتة يعني، بس سكر بنت اللذين.
في اليوم التالي تحديدًا في شركة أحفاد الرشيد، كان طارق جالسًا مع الشباب يتابع سير العمل، فابتسم هو برضا ثم قال بفخرٍ:
تشكر يا حسن والله عارف أني سايب راجل بمقام جيش كامل، حقك علينا في التقصير دا، بس والله الدنيا مكركبة على دماغ أهالينا
رد عليه حسن بضيق زائف: ما تبطل هطل بقى يا طارق، إيه الكلام الخايب دا، هو أنا غريب عنكم؟ و بعدين دا مكاني أنا كمان ولا ناوي تضرب على نصيبي؟
ضحك طارق بينما وئام قال و كأنه يستفسر منه: فكرني كدا يا اسمك إيه أنتَ ليك إيه عندنا؟ لا تكون طمعان في التلت ولا حاجة، أنا ناصب عليك أصلًا
رد عليه حسن بهدوء: أنا و فلوسي و عمري كله تحت أمركم مليش غيركم أصلًا، حتى أختي فقدت أملها فيا و راحت اسكندريه عند ابنها، يعني خلاص مش لاقي حاجة أعملها غير أني ألزق فيكم.
رد عليه وليد بمرحٍ: أنا بدورلك على عروسة والله مش ساكت، بس كلهم بنات ناس، مفيش واحدة هتستحمل هبلك يا سونسن
رد عليه حسن بضيق زائف و بوجهٍ ممتعض: والله العظيم طول ما أنتَ بتدلعني بطريقتك الزفت دي هتفضل منحسة في وشي
لوح له وليد بيده ثم قال: أنتَ اللي نيتك سودا، صفيها بقى علشان تتجوز و تخلصنا منك، عاوز أطمن عليك أنتَ كمان مفاضلش غيرك و خلود، جوزت مصر كلها، يا أخي دا حتى مشيرة و حسان الرخم جوزتهم.
ضحك الجميع عليه، فتدخل أحمد يقول بمرحٍ: ربنا يكرمك لحد ما تجوزني أنا و سلمى كمان يا رب
نظر له وليد بمرحٍ وهو يقول: مش حماك عم محمد؟ صبرك عليا و رب الكعبة لأهربك معاها علشان يعرف يقرفني في عيشتي كويس
قسمًا برب الكعبة يا صايع منك له لو محترمتوش نفسكم لأكون طاردكم طرد الكلاب من هنا، دا أبويا يا جوز كلاب أنتَ و هو
خرجت تلك الجملة من طارق بنبرة جامدة متوعدًا لهما، بينما وليد نظر له بسخرية وهو يقول:.
مكانش العشم يا طارق، و أنا اللي كنت فاكرك محل ثقة، طلعت محل جِزم
ضحكوا جميعًا عليه، بينما حسن تنهد بعمقٍ ثم قال: بكرة أنا مش هاجي علشان الذكرى بتاعة وفاة ريم، اعذروني
نظروا له جميعهم بأسى، بينما وليد سأله بضيق: يا بني ليه تروح و أمها تسم بدنك بكلام زي الزفت؟ أقرأ قرآن على روحها و اعملها صدقة و خلاص، ليه تفضل تسمع كلام يتعبك، احنا ما بنصدق انك تتعافى شوية.
تنهد هو بعمقٍ ثم قال بوجع: دا وعدي ليها، أخر حاجة طلبتها مني قبل ما تموت هي أني أفضل أزورها حتى لو ربنا كرمني و اتجوزت غيرها، أمها دي بقى ربنا يعينها هي فاكرة إن أنا السبب
تحدث وئام يقول بحزن هو الآخر: حتى هدى فاكرة انها السبب في تعب أمها و مش قادرة تسامح نفسها، و أنا عمالة احايل و أهادي، بس خلاص جبت أخري والله.
ربت طارق على كتفه وهو يقول مؤازرًا له: خليها عليك، استحملها علشان دا أكتر وقت هي محتاجة وجودك فيه يا وئام، هدى غصب عنها هتفضل فاكرة نفسها سبب في اللي حصل بس دا نصيب
أومأ له ثم زفر بقوة وهو يقول: طب أنا هروح مع أحمد علشان نشوف المطبعة و نوصل الحاجة للشركة، و حسن هيقابل الناس اللي هتيجي، و أنتَ و وليد ظبطوا الحاجات اللي ممكن تعمل دربكة، علشان محدش يتلغبط.
أومأ له طارق، بينما خرجوا جميعًا من الغرفة عدا وليد الذي نظر له يتفحصه وهو يقول بهدوء: مالك يا أستاذ طارق؟ خير إن شاء الله، بتحب جديد
ابتسم هو بسخرية ثم قال: الحب الجديد هو الحب القديم يا وليد، بس هي غالبًا مش حباني
قطب وليد جبينه يسأله بتعجب: ليه بتقول كدا؟ هي قالتلك أنها مش حباك؟
حرك رأسه نفيًا وهو يقول: المشكلة إنها مش بتقول، هي بس بتسكت، أنا خايف أكون محطة في حياتها بتتجاوز فيها اللي حصل، ولما تيجي الفرصة تركب قطر تاني و تسبني و تمشي
ابتسم وليد بخبثٍ وهو يقول: و ماله، يبقى نتأكد إنك قطر العمر، اللي بنركبه مرة واحدة، من غير تغيير
سأله طارق بحيرة: قصدك إيه أنا مش فاهم، هتعمل إيه تاني
ابتسم له وليد بهدوء وهو يقول: متشغلش بالك، لسه بدري على الكلام دا يا طارق.
في منتصف اليوم و قبل موعد عودة ياسين من العمل، كانت خديجة في المطبخ جالسة برفقة زهرة تقوم بصنع الحلويات معها، انتهت زهرة من التزيين ثم قالت بهدوء:
كدا تمام و دي كمان خلصت، أنا هطلع أودي لطنط منال جارتنا، قبل ما الشباب يجوا رياض قالي انهم هيجوا بعد رجوع ياسين
أومأت لها خديجة وهي مبتسمة ثم قالت: هو مش بابا رياض المفروض بيرجع قبل ياسين؟ هو فين؟
ابتسمت لها زهرة ثم قالت: قولتله يقعد مع فهمي علشان ميعطلناش، هيفضل يوترني و يستعجل فيا، و أنا خلقي ضيق يا بنتي و هتعصب عليه قدامك
ضحكت خديجة بقوة، فوجدتها تقول بمرحٍ: طب أنا هطلع علشان منال رغاية و هتفضل تستفسر عن أدق تفاصيل حياتي، عاوزة حاجة مني؟
ردت عليها بهدوء: عاوزة سلامتك، لو فيه حاجة ممكن أعملها لحد ما تنزلي عرفيني، و أنا ممكن أعملها.
ردت عليها هي بهدوء: احنا خلصنا كل حاجة خلاص، ريحي أنتِ شوية علشان واقفة معايا من الصبح، سلام.
قالت جملتها ثم أخذت الطبق التي قامت هي باعداده لجارتها ثم خرجت من الشقة، بينما خديجة تنهدت بفرحٍ و سعادة ثم جلست على المقعد الخشبي امام الطاولة في المطبخ وهي تنظر للحلويات بسعادة طفلة صغيرة قامت بمعاونة والدتها في أعمال البيت لأول مرة، وبعد مرور دقائق سمعت صوت باب الشقة يُغلق، انتظرت ثوانٍ ثم رفعت صوتها وهي تقول:
ماما زُهرة أنتِ جيتي؟
اشرأب هو برأسه من على أعتاب المطبخ ثم قال بمرحٍ: لأ مش ماما زهرة بس ابنها، ينفع معاكي؟
ضحكت هي بسعادة بالغة حينما رأته ثم ركضت إليه وهي تقول بهدوء: طبعًا ينفع و نص كمان، هو احنا نطول؟
نظر هو لها متعجبًا ثم قال بطريقة مُضحكة تشبه طريقتها: لمي نفسك يا خديجة، احنا مش ف بيتنا، عيب كدا
شهقت هي بقوة ثم التفتت توليه ظهرها فوجدته يضحك بقوة ثم مال عليها يقبل وجنتها وهو يقول بمرحٍ:.
عيشت عمري كله ف البيت دا أول مرة أشوف مطبخنا فيه كل الحلويات دي، تتاكل أكل
التفتت له تقول بفرحة كبيرة: ايوا الحلويات دي عملتها أنا و ماما زُهرة مع بعض إيه رأيك؟
تلاشت بسمته شيئًا فشيئًا وهو يقول بنبرةٍ حانقة من عدم استيعابها: غبية، للأسف حلويات بس غبية
ضيقت جفنيها تنظر له بشكٍ فوجدته يتابع حديثه قائلًا: أنا قصدي أنتِ اللي حلويات يا حلويات، مفيش استيعاب خالص؟
ابتسمت هي بخجلٍ وقبل أن ترد معقبة على حديثه، وجدت والدته تمسكه من الخلف وهي تقول بضيق: بتعمل إيه في المطبخ يا جزمة؟ لم نفسك و ابعد عن المنطقة دي خالص
رد عليها هو ببساطة بعدما أبعد يدها عنه: أنا واحد راجع من الشغل تعبان، ببص لقيت المطبخ مليان حلويات، مش من حقي أدوق برضه؟
ردت عليه والدته بحنقٍ: دا في بيتك يا حيوان، لكن هنا تقعد بأدبك.
رد عليها هو بضيق: بس، أنا أروح شقتي أأكل فيها براحتي لحد يطردني من مطبخ و لا حد يقفشني باكل حلويات، يلا يا حلويات معايا
قال جملته وهو يمسك يد زوجته حتى يرحل بها، فوجد والدته تفك يدها من يده وهي تقول بانفعال: ايدك يا معفن، جاي من الشغل و الشارع و داخل المطبخ كدا و بتمسك ايدها، يع عليك
رد عليها هو بسخرية: هو أنا شغال في منجم فحم؟ أنا شغال في انضف شركة هندسة في مصر.
ردت عليه والدته بضيق: طب روح يلا غير هدومك، علشان صحابك زمانهم جايين، طالما أنتَ جيت، كلكوا بتخلصوا في وقت واحد
أومأ لها ثم غمز لزوجته بمرحٍ وهو يقول: راجعلك يا ست حلويات
اخفضت هي رأسها في خجلٍ، بينما والدته ضربت كفًا بالأخر وهي تقول بذهول: الواد اتهبل. بس بيحبها
بعد قليل خرج ياسين من غرفته بعدما بدل ملابسه ثم دخل المطبخ وهو يقول بهدوء:
عاوزين مساعدة مني ولا حاجة؟ استغلوني بدل ما ارجع في كلامي، هاه.
ردت عليه والدته بهدوء: كل حاجة جاهزة و أنا بدأت اسخن كمان، هيبقى فاضل نغرف بس، أنا هخرج برة اكلم رياض، و أنتَ اقعد بأدبك
أومأ لها بهدوء و كأنه طفلًا صغيرًا يأخذ تعليمات والدته، رجع برأسه للخلف يتابع خروج والدته ثم قال لها بهدوء:
طب هي مش عاوزة تستغلني، أنتِ مش عاوزة تستغليني؟
سألته هي بنبرةٍ حائرة: هستغلك ازاي يعني؟ أنا بعمل سلطة، مش محتاجة مساعدة فيها.
رد عليها هو بمرحٍ: هو أي حد يمسك سكينة يبقى بتاع سلطة؟ لأ طبعًا، السلطة دي فن
زفرت هي بضيق ثم قالت: اللهم طولك يا روح، خير يا ياسين؟ نعم
أخذ هو الخيار من يدها ثم قال: أنعم الله عليكِ، وحشتيني والله
ابتسمت هي له ثم قالت: هما كلها كام ساعة و رجعت تاني، متكبرش الموضوع
رد عليه هو بمرحٍ: الموضوع كبير و الله بس أنتِ اللي مش واخدة بالك، الجوانب كلها داخلة في بعض.
قال جملته ثم قطم من الطعام في يده، بينما هي نظرت له بيأس ثم عادت لما كانت تفعله، أما هو فقام حينما سمع جرس الباب ثم قال: دول العيال جم، تعالي يلا علشان نسلم عليهم
أومأت له ثم خرجت خلفه، وفي تلك اللحظة حمدت الله في سرها أنها قامت بتبديل ثيابها، وقفت بجانبه وقبل أن يقوم بفتح الباب، وجد والدته يأتي من الداخل وهو يقول بمرحٍ:
لأ هفتحلهم أنا، بحب اللحظة دي أوي.
نظر له ياسين متعجبًا فوجده يلتفت ثم قام بفتح الباب وهو يقول بمرحٍ كعادته:
يا هلا بالرجال و حلاوة الرجال
نظروا له ثلاثتهم بضيق بينما الفتيات كانت تضحك عليهم، فقال عامر بسخرية: طبعًا ما إحنا داخلين و محملين، جايبين سوق العبور في ايدينا، نفسي افهم أنتَ إيه
أشار لهم بالدخول وهو يقول بضيق زائف: أنا غلطان أني بعتبركم زي عيالي، بس اقول إيه عيال متربتش.
وضعوا هم الاشياء على الطاولة ثم بدأت التحيات تدور بينهم، بينما ياسين نظر لما جلبوه معهم بتعجبٍ وهو يقول:
هو فيه إيه يا رجالة؟ قفص مانجا، و كرتونة تفاح، و قفص جوافة، هو أنتو كنتو فين بالظبط؟
تحدث خالد بضيق و بنبرةٍ شبه منفعلة: البركة ف أبوك يا أخويا، اتصل بينا و قالنا روحوا لعم محسن الفكهاني هيديكوا حاجة مهمة، روحنا و رجعنا زي ما أنتَ شايف كدا.
تدخل ياسر يقول بسخرية: مش دي المشكلة، المشكلة إن مكانش فيه حساب مدفوع أصلًا، يعني تدبيس من كله
نظر لهم ياسين باندهاش ثم وجه بصره نحو والده فوجده يقول بمزاح: اومال يدخلوا بايديهم فاضية؟ شكلهم هيبقى وحش والله، أنا خايف على منظركم
رد عليه عامر بنبرةٍ حانقة: يا عم احنا بنحب شكلنا يبقى وحش، أنتَ شاغل بالك ليه؟ و بعدين أنتَ المفروض عازمنا علشان احنا عرسان جداد، يعني احنا اللي ناخد منك، مش العكس.
رد عليه رياض بضيق: إيه؟ تاخد مني ليه إن شاء الله؟ هو أنا هأمن مستقبلك؟
أتت زهرة من الداخل وهي تقول بنبرةٍ مرحة وهي ترحب بهم: حبايب قلبي وحشتوني
ألقت التحية عليهم ثم قامت باحتضان الفتيات، ثم حملت يونس على ذراعها وهي تقول: حبيب قلب تيتة يا ناس، والله أطردهم كلهم و أسيبك أنتَ بس تلعب معايا
قالت جملتها ثم سألت ريهام بمعاتبة: هو ضعيف ليه يا ريهام؟ أنتِ مش بتأكليه ولا إيه.
ردت عليها ريهام بقلة حيلة: والله هو اللي من ساعة ما بدأ يمشي وهو مش بياكل خالص
تدخل رياض يقول بسخرية: ياريت عامر يبدأ يمشي هو كمان، يمكن يبطل أكل
نظر له عامر بحنقٍ وهو يقول: أومال لو مش أنتَ و أبويا صحاب بقى كنت عملت فيا إيه؟
تحدثت زهرة تقول بهدوء: طب يلا ناكل و بعدين نشوف مين هيعمل ف التاني إيه؟
اتت خديجة تقف بجانبها بعدما انتهت من ترتيب الطاولة، فوجدت إيمان تقول لها بشرٍ:.
كنتِ فين يا كتكوتة؟ و مرجعتيش بيتك امبارح ليه بقى؟
ردت عليها خديجة بخوفٍ: والله العظيم بتنا هنا امبارح مش عند ماما، والله اسألي ياسين حتى
أومأت لها إيمان ثم قالت بنبرة متوعدة: وماله، أنا قولت أخلص من فرحي و أفوق لك، مفيش حد هيحوشني عنك، أصلك مش هتفضلي قطة مغمضة كدا كتير
وقف ياسين بجانبها وهو يقول بحنقٍ: بقولك إيه هتيجي جنب مراتي، هخلي العيون الزرقا دي توحشك، أنا بقولك أهوه، هي حلوة وهي كتكوتة كدا.
تدخلت سارة تقول بمزاح: والله إيمان دي طيبة خالص، و بتدي كورسات مفيدة في الحياة، صدقني مش هتندم والله
اضاف ياسر يقول بهدوء: والله يا جماعة إيمان دي نسمة طايرة، زي الريشة، ربنا يحميها والله لشبابها، و يبارك في عمرها و صحتها
ردت عليه هي بسخرية مرحة: شكرًا يا ياسر يا حبيبي، بس كدا أنتَ مش بتطبل لمراتك، أنتَ كدا بتطبل ل أمك
ضحكوا عليهما جميعًا فقال هو مُردفًا بثبات: دا اللي عندي بقى.
تحدثت خديجة تقول بهدوء: طب اتفضلوا قبل الأكل ما يبرد، تعالوا
أومأ لها الجميع ثم ذهبوا خلفها، و جلس كلًا منهم بجانب زوجته، بينما زهرة خرجت من المطبخ وهي تقول تحمل صينية كبيرة ثم قالت وهي تضعها على الطاولة:
الحمام المحشي، عمايل ايدي مخصوص لحبايب قلب زُهرة.
وضعت الصينية في منتصف المائدة، فنظر الشباب لبعضهم البعض ثم انفجروا جميعًا في الضحك، نظر لهم البقية باندهاش، فحاولوا هم كتم ضحكاتهم، لكنهم لم يستطيعوا، فأعادوا الكرة من جديد، فتحدثت زهرة تقول بضيق:
فيه إيه يا جزمة أنتَ وهو؟ ما تضحكونا معاكم
اوقفوا الضحكات سويًا و كلًا منهم يشرب المياه حتى ينقي حلقه، بينما ياسين تحدث بهدوء: كل الحكاية إننا افتكرنا عامر أيام زمان، قبل ما اتخرج أنا و ياسر.
سألته خديجة بهدوء: حصل إيه احكولي، علشان بحب الذكريات دي
رد عليها خالد بهدوء: أنا و عامر اتخرجنا قبل ياسر و ياسين، علشان واحد طب و التاني هندسة، ساعتها كنا بندور على شغل، عم فهمي أبو عامر جابلنا شغل احنا الأربعة مع بعض، ساعتها كنا ف أجازة و روحنا سوا، أنا كنت واقف على الكاشير، و ياسر توصيل الطلبات في المحل و ياسين مساعد الشيف، و للأسف عامر توصيل الطلبات للمنازل.
سألته سارة بحماس: ها و بعدين إيه اللي حصل كمل
ضحك هو ثم قال: في يوم كان فيه ناس راجعين من عزا في بور سعيد، و طلبوا أكل مننا، جهزنا الأكل وكان حمام محشي رز و فريك، المهم عامر خد الطلب و راح يوصله و حصل اللي حصل
سألتهم ريهام بحماس: أيوا إيه اللي حصل بقى؟ الفضول مش مريحني.
رد عليها ياسر بهدوء: عامر وصل قبل الناس علشان هما كانوا لسه راجعين في الطريق، اتصل بيهم بس هما ساعتها طلبوا منه يستناهم، عامر خد الأكل و وقف قدام البيت، بس للأسف مقدرش يقاوم الحمام أكتر من كدا و اكله كله
نظر له الجميع باندهاش، فقال هو بحنقٍ: قبل ما حد يبصلي كدا، دا حمام سخن مولع، لو كنت سبته يبرد مكانش هيبقى ليه طعم، أنا اتصرفت صح والله.
تحدث ياسين يضيف بهدوء: مش دي المشكلة، المشكلة في اللي حصل بعد كدا
سألته زهرة بخوفٍ: هو إيه اللي حصل بعد كدا، هو لسه فيه حاجة تاني؟
أومأ لها الأربعة بخجلٍ ثم نظروا لبعضهم البعض
(منذ عدة سنوات)
عاد عامر متوترًا بعدما اصطدم مع أصحاب الطلب الخاص بالطعام، فوجد صاحب المطعم ينتظره بضيق، اقترب منه ثم أخرج نصف الثمن وهو يقول بنبرةٍ جاهد حتى تخرج منه ثابتة:.
الناس راجعين من عزا و ظروفهم وحشة، دول نص المبلغ، و النص التاني هيجبوه بعد الاربعين بتاع المرحوم إن شاء الله
نظر له الرجل نظرة بثت الرعب داخله و هو يقول بهدوء مخيف: لأ البقاء لله يا حبيبي، يعني الناس هما اللي خدوا الحمام، و دافعين نص التمن؟
أومأ لها عامر بقوة بعدما ازدرد لُعابه فوجد الرجل يمسكه فجأة من تلابيبه وهو يقول بانفعال:.
يا حرامي يا واطي، الناس أتكلموا و اشتكوا منك، بقى بتروح تاكل أكل الزباين؟ دا أنا هخرب بيتك زي ما أنت سوءت سمعتي و سمعة المكان
رد عليه عامر بضيق: شيل ايدك يا عم سلطان، وبعدين سمعة مكان إيه اللي أنتَ خايف عليها؟ الحمام دا مسروق من غِية أم أشرف اللي على أول الشارع
صاح الرجل في وجهه وهو يقول: أنا هسلمك للعمال في المكان و هخليهم يموتوك الليلة دي، أنا مش هسيبك.
قال جملته ثم التفت برأسه ينظر خلفه وهو يقول بنبرة قوية: اجمعوا كلكم هنا علشان تأدبولي البيه، يلا منك له
اقترب العمال جميعهم ثم التفوا حول عامر حتى يبدأوا بمعاقبته، لكن أحد العمال انسحب بهدوء ثم ركض للثلاثة في داخل المرحاض وهو يقول بلهفة:
الحقوا، المعلم سلطان أمر كل العمال يضربوا عامر برة، و كلهم اتجمعوا عليه.
نظروا لبعضهم البعض ثم ركضوا حتى يلحقوا رفيقهم، فامسك ياسين أحد أدوات الطعام وهي عبارة عن مغرفة كبيرة الحجم، و خرج ياسر بِ دلوًا ملئ الماء و الصابون، أما خالد فقال بصوتٍ عالٍ خرج منه جهوريًا:
ايدك انتَ وهو عن أخويا اللي هيقرب منه هدفنه مكانه
نظر له سلطان بشرٍ ثم قال: ادبوا اللي معاكم و امسكوا دا بعده.
في تلك اللحظة وقف ياسين امام خالد وهو يقول بنبرةٍ قوية: اللي هيقرب من أخواتي هخلي ست الكل تترحم عليه الليلة دي، هاتوا اخركم بقى، يلا يا ياسر.
أومأ له ياسر ثم قام بقذف المياه في وجوه العمال ومعهم سلطان مما جعل عامر يشعر ببعض الشجاعة ثم أمسك الخوذة الخاصة بالدراجة النارية وهو يضرب بها كل ما يقابله، و فعل ياسين المثل و كل من يقابله يضربه بالمغرفة فوق رأسه، أما ياسر فكان يُلقي بالصابون السائل في وجه كل من يقابله، أما خالد فأمسك سلكًا كهربائيًا ثم لفه حول كفه وكل من يقترب منه يصفعه بالسلك على جسده، وبعد مرور النصف الساعة اتت الشرطة و أخذت معها الجميع حتى صاحب المكان، ف حتى المكان لم يسلم منهم، بل تحطم بالكامل بكامل محتوياته و أجهزته نظرًا لاصطدام الأجساد به.
(عودة إلى الوقت الحالي)
كانت الضحكات مرتفعة بشكل غريب، فكلًا منهم كان يتخيل الموقف أمامه ولم يستطع التحكم في نفسه، فتحدثت زهرة تقول من بين ضحكاتها:
أنا بجد مش قاردة اتخيل شكلكم و عامر بيضرب بالخوذة و ياسين بيضرب، بمقصوصة الرز، ، و لا ياسر يعيني وهو بيرش مياه بصابون في وش الناس، ، وخالد ماسك السلك في ايده، أنا بجد مش قادرة والله أصدق.
رد عليها رياض بسخرية: لأ صدقي ماهو أنا و فهمي اللي طلعناهم ساعتها، و دفعنا للراجل كل التكاليف علشان يرضى بالصُلح، وهما ساعتها راحوا عند ميمي و فضلوا هناك اربع ايام لحد ما الراجل شال من دماغه حكاية انه ياخد حقه دي.
في بيت آل الرشيد كانت هدير جالسة بجانب والدتها وهي تبكِ بقوة، نظرًا لتدهور صحتها، و فجأة اقتربت منها وهي تقول ببكاء مرير يمزق نياط من يراها:.
ماما، علشان خاطري متمشيش، والله بحبك و مسمحاكي، متعمليش فيا كدا، أنا بحبك والله، قومي علشان خاطري، قومي و أنا هاخدك و نصالحهم كلهم هنا، حتى خديجة كمان هخليها تسامحك، علشان خاطري أنا لسه ضعيفة و هما مش قابلني، قومي علشاني أنا، قومي و متمشيش، أنا بح، بحبك والله، مش كنتِ علطول تقوليلي إنك بتحبيني و بتعملي كل حاجة علشاني؟، يبقى قومي بقى علشان اللي بيحب حد مش بيسبه، قومي بقى.
استمعت فاطمة ل حديث ابنتها ثم رفعت كفها بوهنٍ وهي تربت على رأسها، بعدما وضعت هدير رأسها على الفراش، وحينما شعرت بكف والدتها رفعت رأسها بسرعة فوجدتها تنطق الشهادة بوهنٍ و بنبرةٍ متقطعة جاهدت حتى تستطع نقطها، بعدها ارتمت رأسها على الفراش جهة اليمين ثم أعلن الجهاز عن استقامة نبضات القلب من خلال الشاشة المعلقة فوق الفراش، تابعت هدير ما يحدث بذهول، ثم وقفت تطالع والدتها وهي تقول ببكاء طفلة صغيرة:.
ما. ماما، هو أنتِ سكتي ليه؟، طب قومي ردي عليا طيب، خلاص مترديش بس افتحي عينك بصيلي، ماما
صرخت بكلمتها الأخيرة مما ادى إلى دخول الممرضة الغرفة و خلفها جميلة، اقتربت الممرضة من الفراش تتفحصها ثم نكست رأسها في أسى وهي ترفع الغطاء على وجهها، بينما هدير صرخت بها وهي تحاول الافلات من بين ذراعي جميلة بعدما احتوتها:
أنتِ بتعملي إيه؟ شيلي الغطا من على وشها.
نظرت لها الممرضة وهي تقول ببكاء: البقاء لله يا آنسة هدير، مدام فاطمة تعيشي أنتِ.
التعليقات